الوقفات التدبرية

﴿إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ...

﴿إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ﴾ * * * أي: إن الأموال والأولاد اختبار وامتحان من الله للعبد ليعلم من يطيعه ممن يعصيه. وقدمت الأموال على الأولاد؛ لأنها أعظم ابتلاء واختبارًا، كما قال تعالى: ﴿لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ﴾ [المنافقون: 9] قد الأموال على الأولاد؛ لأن الالتهاء بها أكثر. جاء في (تفسير ابن كثير): ((إنما الأموال والأولاد فتنة، أي: اختبار وابتلاء من الله تعالى لخلقه؛ ليعلم من يطيعه ممن يعصيه)). وجاء في (فتح القدير): ((﴿إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞ﴾ أي: بلاء واختبار يحملونكم على كسب الحرام ومنع حق الله فلا تطيعوهم في معصية الله)). وجاء في روح (روح المعاني): ((أي: بلاء ومحنة؛ لأنهم يترتب عليهم الوقوع في الإثم والشدائد الدنيوية وغير ذلك. وفي الحديث: ((يؤتى برجل يوم القيامة فيقال: أكل عياله حسناته)). وعن بعض السلف: العيال سوس الطاعات. وقدمت الأموال، قيل: لأنها أعظم فتنة ﴿كَلَّآ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَيَطۡغَىٰٓ٦ أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰٓ٧﴾ [العلق: 6-7] وكأنه لغلبة الفتنة في الأموال والأولاد لم تذكر ﴿من﴾ التبعيضية كما ذكرت فيما تقدم)). والحق أنها لا تحتاج إلى ذكر ﴿من﴾ لأن الأموال كلها والأولاد كلهم اختبار وامتحان من الله، بل إن الحياة كلها اختبار، كما قال تعالى: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَيَوٰةَ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفُورُ٢﴾ [الملك: 2]. ﴿وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ﴾. لقد قال في موطن آخر: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ﴾ [التوبة: 22] فأكد ذلك ب﴿إن﴾ ولم يؤكده في آية التغابن؛ ذلك لأن الأجر في التوبة أعظم؛ لأن العمل أعظم. قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ٢٠ يُبَشِّرُهُمۡ رَبُّهُم بِرَحۡمَةٖ مِّنۡهُ وَرِضۡوَٰنٖ وَجَنَّٰتٖ لَّهُمۡ فِيهَا نَعِيمٞ مُّقِيمٌ٢١ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ٢٢﴾. فإنه لم يذكر عملًا في التغابن، وإنما قال: ﴿إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ﴾ بخلاف ما ورد في سياق آية التوبة، فقد ذكر الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. وذكر الأجر لهؤلاء، وهو أنه يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدًا. ولاشك أن هذا الأجر أعظم؛ لأن العمل أعظم، فناسب التوكيد في آية التوبة دون آية التغابن. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 216: 219)

ﵟ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﵞ سورة التغابن - 15


Icon