﴿تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡر﴾
* * *
قال ﴿تَنَزَّلُ﴾ ولم يقل: ﴿تتنزل﴾ فحذف إحدى التاءين؛ لأن هذا التنزل إنما هو في ليلة واحدة في السنة، فاقتطع من الفعل للدلالة على قلة الحدث، بخلاف قوله: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ٣٠﴾ [فصلت: 30].
فإنه قال: ﴿تتنزل﴾ بتاءين، وذلك لأن هذا التنزل مستمر على مدار العام، في كل ساعة، بل في كل لحظة.
فلما زاد التنزل زاد في البناء.
﴿وَٱلرُّوحُ﴾ قيل: جبريل وقيل: خلق من خلق الله.
وقال: ﴿بِإِذۡنِ رَبِّهِم﴾ قيل: أي: بأمر ربهم عز وجل، وقيل: إن ذلك إشارة إلى أنهم يستأذنون ربهم ليأذن لهم بالتنزل، فقد قيل إنهم: ((يرغبون في أهل الأرض من المؤمنين ويشتاقون إليهم فيستأذنون فيؤذن لهم)).
﴿مِّن كُلِّ أَمۡرٖ﴾.
قيل: هي تتنزل من أجل كل أمر ((تعلق به التقدير في تلك السنة إلى قابل، وأظهره سبحانه وتعالى لهم، ف ﴿مِّن﴾ بمعنى اللام التعليلية متعلقة ب ﴿تَنَزَّلُ﴾...
﴿وقيل﴾: إن ﴿مِّن كُلِّ أَمۡرٖ﴾ متعلق بقوله تعالى ﴿سَلَٰمٌ﴾ وهو مصدر بمعنى السلامة)).
﴿سَلَٰمٌ هِيَ﴾.
قيل: السلام هنا بمعنى: التحية، أي: تسلم الملائكة على المؤمنين، فلا يلقون مؤمنًا ولا مؤمنة إلا سلموا عليه في تلك الليلة.
وقيل: السلام: هو السلامة ((أي: لا يقدر الله فيها إلا السلامة والخير، ويقضي في غيرها بلاء وسلامة، وأو ما هي إلا سلام لكثرة ما يسلمون على المؤمنين)).
و﴿سَلَٰمٌ﴾ خبر مقدم، و ﴿هِيَ﴾ مبتدأ مؤخر، وقدم الخبر للقصر، أي: ما هي إلا سلام، والإخبار بالمصدر عنها مبالغة.
وقيل: إن تقدير الكلام: هي سلام من كل أمر، أي: هي سلام من كل أمر مخوف، وقوله ﴿من كل أمر﴾ متعلق بقوله: ﴿سَلَٰمٌ هِيَ﴾.
وقيل: التقدير: ﴿هي حتى مطلع الفجر﴾ والوقوف عند كلمة ﴿سَلَٰمٌ﴾.
فاحتمل التعبير على هذا:
1 - ﴿تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ٤ سَلَٰمٌ﴾.
فتم الكلام عند قوله ﴿سَلَٰمٌ﴾، واستأنف الكلام بعد ذلك قوله: ﴿هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡر﴾.
2 - ﴿تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ﴾. وابتدأ الكلام بعد ذلك بقوله: ﴿سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ﴾.
3 - ﴿ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم﴾.
وتم الكلام عند قوله: ﴿بِإِذۡنِ رَبِّهِم﴾، وابتدأ الكلام بعد ذلك بقوله: ﴿مِّن كُلِّ أَمۡرٖ٤ سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ﴾ أي: هي سلام من كل أمر حتى مطلع الفجر.
والمعاني كلها مرادة ومحتملة.
(من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 254: 256)
ﵟ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﵞ سورة القدر - 4