الوقفات التدبرية

﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ...

﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾ * * * قوله ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ ((بيان لتكميلهم لأنفسهم، وقوله ﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾ بيان لتكميلهم لغيرهم، أي: وصى بعضهم بعضًا بالأمر الثابت الذي لا سبيل إلى إنكاره، وهو الخير كله في الدنيا والآخرة)). وقوله: ﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ﴾ ((دلت الآية على أن الحق ثقيل، وأن المحن تلازمه، فلذلك قرن به التواصي)). وذكر التواصي بالصبر بعد التواصي بالحق؛ لأن التواصي بالحق والدعوة إليه تثقل على النفس وعلى الآخرين، وقد يتعرض المتواصي بالحق إلى الأذى، فذكر التواصي بالصبر. وكرر فعل التواصي وحرف الجر في كل منهما للتأكيد عليه. فقد كان يمكن أن يقول: (وتواصوا بالحق والصبر) أو: (وتواصوا بالحق وبالصبر) وهو آكد لتكرار حرف الجر، لكنه قال: ﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾ فأعاد الفعل وحرف الجر، وهو في غاية الاهتمام والتأكيد. والتواصي بالصبر عام. فقد يكون صبرًا عن المعاصي. وصبرًا على الطاعات ومشاقّها. وعلى ما يبتلى الله به عباده من المصائب. والصبر على آثار الدعوة إلى الله والتواصي بالحق. جاء في (الكشاف): ((﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾ عن المعاصي وعلى الطاعات وعلى ما يبلو الله به عباده)). وجاء في (روح المعاني): ((وتواصوا بالصبر عن المعاصي التي تشتاق إليها النفس بحكم الجبلة البشرية. وعلى الطاعات التي يشق عليها أداؤها. وعلى ما يبتلي الله تعالى به عباده من المصائب. والصبر المذكور داخل في الحق، وذكر بعده مع إعادة الجار والفعل المتعلق هو به؛ لإبراز كمال العناية به)). قد تقول: لم يذكر ربنا التواصي بالحق والصبر في مواطن أخرى واكتفى بالإيمان والعمل الصالح، فقال ربنا في سورة التين: ﴿ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ٥ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ﴾. فما الفرق؟ فنقول: إن آية العصر في بيان الخسر الذي يصيب الإنسان. وسورة التين فيما ينجي من دركات النار، فبين أن الإيمان والعمل الصالح يمنعه من الرد إلى أسفل سافلين، ولكن لا يمنعه من الخسر الذي يفوته فيما لو تواصى بالحق وبالصبر. فإن من ترك شيئًا من ذلك خسر شيئًا من الأجر الذي كان يربحه فيما لو فعله. (من كتاب: قبسات من البيان القرآني للدكتور فاضل السامرائي- صـ 263: 265)

ﵟ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﵞ سورة العصر - 3


Icon