الوقفات التدبرية

(وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ) أقسم ربنا سبحانه بالقرآن الكريم،...

﴿وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ﴾ أقسم ربنا سبحانه بالقرآن الكريم، والقرآن علم على الكتاب الذي أنزله على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم). وهو مأخوذ من لفظ القراءة، فأن القرآن في الأصل مصدر للفعل قرأ والمصدر الآخر (قراءة). قال تعالى: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ قرآنه) – القيامة (18) أي اتبع قراءته (1). ويسمى أيضًا ﴿الكتاب﴾ وأقسم به ربنا أيضًا فقال: (حم والكتاب المبين) والكتاب من (الكتابة). والتسمية بالقرآن والكتاب إشارة إلى أنه يقرأ ويكتب فهو كتاب لكونه مكتوباً وقرآن لكونه مقروءاً. فأقسم به ربنا مكتوباً ومقروءاً. ﴿الْحَكِيمِ﴾ يحتمل عده معان كلها يمكن أن تكون مرادة. فهو يمكن أن يكون (فعيل) بمعنى اسم المفعول أي ﴿محكم﴾ والمحكم هو الذي لا يتناقض ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (2)، قال تعالى ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ – هود (1) وقال: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ – آل عمران (7)، تقول: أحكمت الشيء محكم وحكيم. والحكيم أيضًا صاحب الحكمة، فيكون القرآن حكيماً بمعنى أنه ذو حكمة أي متضمن إياها ومتصف بها فيكون الإسناد مجازياً وحقيقة الإسناد إلى الله تعالى كمال قال تعالى ﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ – هود (97) فنسب عدم الرشد إلى أمره والحقيقة نسبة ذلك إلى فرعون وهو كما تقول رأي حكيم وقول حكيم. أو إنه حكيم لأنه ينطق بالحكمة فجعله كالحي المتكلم وهو من باب الاستعارة (3). والحكيم أيضاً صيغه مبالغة من الحكم (4) فهو بمعنى الحاكم، والمعنى أنه قرآن حاكم وهو كذلك فهو الحكم العدل والقول الفصل وحكمه يعلو على جميع الأحكام فهو يحكم ويهيمن على غيره من الأحكام والكتب كما قال تعالى ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾– المائدة (48) وهذه المعاني كلها مرادة مطلوبة فهو كتاب محكم وحكيم متصف بالحكمة ناطق بها وحاكم مهيمن على الكتب والشرائع والإحكام. فجمع بقوله ﴿الحكيم﴾ عدة معاني كلها مرادة مطلوبة، وجمع بين الحقيقة والمجاز وجمع بين المجاز العقلي والاستعارة ولا تؤدي كلمة أخرى هذا المؤدى. **من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص3 الى ص5 1- لسان العرب ﴿قرأ﴾ 267. 2- أنظر تفسير ابن كثير 3/563، فتح القدير 4/349، البحر المحيط 7/323. 3- أنظر الكاشف 2/581، التفسير الكبير 26/40، روح المعاني 22/211. 4- أنظر البحر المحيط 7/323.

ﵟ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﵞ سورة يس - 2


Icon