الوقفات التدبرية

إِ(نْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) أي ما أنتم إلا في ضلال...

إِ(نْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) أي ما أنتم إلا في ضلال ظاهر غير خاف على أحد، و﴿مبين﴾ معناه مظهر لنفسه لا يحتاج أن يظهره أحد. فإن الضلال على قسمين: ضلال خفي لا يعلمه إلا ذوو البصيرة والعلم وهذا يحتاج إلى إيضاح وتبيين. وضلال مبين أي مبين عن نفسه لا يحتاج إلى أن يظهره أحد أو يبينه شخص فإنه يبين نفسه بنفسه وهو أظهر من كل إظهار وأبين من كل تبيين، فجعلوا أمرهم بالإنفاق من الضلال المبين الظاهر الذي يظهر نفسه. وقد أخرج الكلام على جهة القصر أي لستم إلا في الضلال ولستم في شيء آخر وهذا يختلف عن القول (أنتم في ضلال مبين) فإن ذلك أي القصر أكد فإنه يفيد أنهم ليسوا في غير الضلال، جاء في (التفسير الكبير) "قد ذكرنا أن قوله ﴿إن أنتم إلا﴾ يفيد ما لا يفيد قوله (أنتم في ضلال) لأنه قد يوجب الحصر وأنه ليسوا في غير الضلال. (البحث الثالث) وصف الضلال بالمبين قد ذكرنا معناه إنه لظهوره يبين نفسه أنه ضلال أي في ضلال لا يخفي على أحد أنه ضلال" (1) ثم نفي بــ﴿إن﴾ ولم ينف بــ﴿ما﴾ لأن ﴿إن﴾ أكد في النفي من ﴿ما﴾" (2) ينظر معاني النحو 4/576 وما بعدها وقال ﴿في ضلال﴾ فاستعمل ﴿في﴾ وهو حرف يفيد الظرفية أي ما أنتم إلا مغمورون في الضلال ساقطون فيه كمن يسقط في اللجة. وقد لاحظ المفسرون أن القرآن يستعمل ﴿على﴾ في الهداية ويستعمل ﴿في﴾ في الضلال ونحوه فيقول ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ البقرة 5. ويقول ﴿إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ﴾ هود 28 فاستعمل ﴿على﴾ في هذا المعنى للدلالة على تمكنهم من الهداية، واستعلائهم على الطريق، في حين قال ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ﴾ –المؤمنون 54﴿وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ الأنعام 110 ﴿فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾ التوبة 45 أي كأنهم ساقطون في ذلك لا يتبينون ما حولهم ولا هم متمكنون من أنفسهم ولذا قال تعالى ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ سبأ 24 فأستعمل ﴿على﴾ مع الهدى و﴿في﴾ مع الضلال، جاء في (التفسير الكبير) "إن قوله ﴿في ضلال﴾ يفيد كونهم مغمورين فيه غائصين، وقوله في مواضع: على بينة وعلى هدى إشارة إلى كونهم راكبين متن الطريق المستقيم قادرين عليه ". (2) **من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص170 إلى ص171 1- التفسير الكبير 26/85 2- التفسير الكبير 26/85

ﵟ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﵞ سورة يس - 47


Icon