الوقفات التدبرية

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا...

﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ إن ارتباط هذه الآية بما قبلها ألطف ارتباط ذلك أن الكافر استبعد الإحياء بعد الموت فلفت نظره إلى أمر أدعى إلى الاستبعاد والعجب وهو أن جعل لهم من الشجر الأخضر ناراً يوقدون منه، وهو أمر مستبعد في المألوف لأن الماء تطفئ النار فذكر قدرته على ما هو مستبعد في تفكيرهم مما يعرفونه ويألفونه. والمقصود بالشجر هنا عموم الشجر إلا أنه أظهر ما يكون ذلك في شجرتي المرخ والعّفار فيؤخذ قضيب كالسواك من كل شجرة من هاتين الشجرتين فيسحق المرخ على العفار وهو يقطر ماء فتنقدح النار وهو ما يعرفونه ويستعملونه في الوقود وهو أعجب شيء وأبعده في الذهن. جاء في (الكشاف): "ثم ذكر من بدائع انقداح النار من الشجر الأخضر مع مضادة النار الماء وانطفائها به وهي الزناد التي تورى بها الأعراب وأكثرها من المرخ والعفار. وفي أمثالهم: (في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار). يقطع الرجل منها غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر منها الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهي أنثى بإذن الله"(1). وجاء في (البحر المحيط): "ذكر ما هو أغرب من خلق الإنسان من النطفة وهو إبراز الشيء من ضده وذلك أبدع شيء وهو اقتداح النار من الشجر الأخضر. ألا ترى أن الماء يطفئ النار ومع ذلك خرجت مما هو مشتمل على الماء"(2). وقال ﴿فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ بالفعل ولم يقل (موقدون) بالاسم لأن هذا مما يفعلونه عند الحاجة فجاء بما يدل على الحدوث. من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 275 إلى ص 276 1- الكشاف 2/595. 2- البحر المحيط 7/348. 

ﵟ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﵞ سورة يس - 79


Icon