الوقفات التدبرية

(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ...

﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ وجه ارتباط مفتتح السورة هذه بخاتمة السورة قبلها ظاهر، ذلك أنه قال في خاتمة السورة التي قبلها وهي سورة الواقعة، ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ وقال ههنا، ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فكأنه تعليل لأمره بالتسبيح فكأنه قال: لقد سبحه ما في السماوات والأرض فسبحه أنت أيضاً كما سبحه أولئك فتشترك معهم في التسبيح وتوافقهم في تنزيهه سبحانه. جاء في (روح المعاني): ووجه اتصالها بالواقعة أنها بدئت بذكر التسبيح وتلك ختمت بالأمر به وكان أولها واقعاً موقع العلة للأمر به فكأنه قال ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ لأنه سبح له ما في السماوات والأرض (1). والتسبيح معناه التنزيه. وقد مر في سورة الصف تفسير نحو هذه الآية فلا نعيد القول فيها غير أنه في هذه الآية لم يكرر ﴿ما﴾ فلم يقل ﴿وما في الأرض﴾ وقد ذكرنا في أكثر من موضع أنه حيث كرر ﴿ما﴾ في آيات التسبيح أعقب ذلك بالكلام على أهل الأرض وإذا لم يكرر ﴿ما﴾ فإنه لا يذكر شيئاً يتعلق بأهل الأرض بعدها. وحيث إنه لم يذكر بعدها شيئاً يتعلق بأهل الأرض لم يكرر ﴿ما﴾. كما ذكرنا أن كل سورة تبدأ بالفعل الماضي أي ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ﴾ يجري فيها ذكر للقتال بخلاف ما يبدأ بالفعل المضارع أي ﴿يسبح لله﴾، وقد بدأت هذه السورة بالفعل الماضي وقد جرى فيها ذكر القتال وهو قوله (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا) - (10). وقد ورد فعل التسبيح معدي بنفسه كما في قوله ﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ - الأحزاب (42) ومعدي باللام كما في هذه الآية وقد ذكر أن اللام إما أن تكون لتقوية وصول الفعل إلى المفعول وإما أن تكون لام التعليل (2). وأن تعديته باللام تفيد الدلالة على الإخلاص (3) ذلك أن التسبيح إنما هو لله. ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ عرف الاسمين الجليلين للدلالة على القصر فلا عزيز إلا هو ولا حاكم ولا حكيم إلا هو فهذا يقتضي أنه لا إله إلا الواحد. لأن غيره ليس بعزيز ولا حكيم. وما لا يكون كذلك لا يكون إلهاً (4). وقد مر تفسير نحو هذا بما فيه الكفاية في سورة الصف. **من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الأول من ص 235 إلى ص 236. (1) روح المعاني 27/252. (2) أنظر الكشاف (دار الفكر) 4/60. البحر المحيط (دار الفكر) 10/100. تفسير الرازي 29/207. (3) نظم الدور 7/432. (4) تفسير الرازي 29/208.

ﵟ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﵞ سورة الحديد - 1


Icon