الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية (أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ) أي لا...

برنامج لمسات بيانية ﴿أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ﴾ أي لا تطيعوه فيما يوسوس به إليكم ويزينه في قلوبكم (1(. وعبر عن ذلك بالعبادة لا بالطاعة لأن العبادة ليست مجرد الطاعة فأنت قد تطيع شخصاً ولا تعبده كطاعة أولي الأمر وطاعة الوالدين وغيرهم، ثم إن الطاعة قد تكون عن طريق الإكراه فقد يكرهك من ينفذ أمره على الطاعة ويحملك عليها وهذه لا تسمى عبادة وإنما العبادة تعني الطاعة مع الخضوع والاستسلام والانقياد للأمر والتذلل(2). جاء في (روح المعاني): " والمراد بعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم عبر عنها بالعبادة لزيادة التحذير والتنفير عنها ولوقوعها في مقابلة عبادته عز وجل" (3). وعبادة الشيطان لا تختص بالسجود له أو ذكره على سبيل التعظيم أو إقامة الشعائر له وإنما تكون بتنفيذ مقاصده ومراده واتباع خطواته فكل ذلك عبادة له وكل عبادة لغير الله إنما هي عبادة للشيطان ولذلك سمى الله سبحانه وتعالى عبادة الأصنام عبادة الشيطان قال تعالى مخبراً عن سيدنا إبراهيم عليه السلام ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾ ...... يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا - مريم 42-44 فقال له أبوه ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴾ - مريم 46 فجعل عبادة الأصنام عبادة للشيطان يدل على ذلك قوله ﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ﴾ ورد أبيه عليه ﴿أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾ تعليل للنهي فإن ذلك يوجب الابتعاد منه لا عبادته واتباعه. ومعنى ﴿مبين﴾ ظاهر العداوة مظهر لها، فإن معنى ﴿أبان﴾ ظهر وأظهر، تقول (أبان الرجل) أي بان أمره وظهر و(أبان الرجل) أظهر أمره وبينه، فإن الشيطان ظاهر العداوة ومظهر لها فكيف يعبده الناس؟! إن العدو قسمان: قسم مظهر لعداوته مبين لها. وقسم مخف لها غير مبين. وإن العداوة قسمان: عداوة ظاهرة بينه وإن أراد صاحبها إخفاءها وعداوة خفية. وإن الشيطان عدو ظاهر العداوة ليس في عداوته خفاء وإنه مظهر لها غير مخفيها، وقد أظهر هذه العداوة وذكرها لربه صراحة (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) - الأعراف 16،17 وقال ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ ﴾ - النساء 119 فكيف يعبد من دون الله مع كل ذلك؟ وقد قدم الجار والمجرور ﴿لكم﴾ فقال (إنه لكم عدون مبين) ولم يقل (إنه عدو مبين لكم) وذلك لغرض الاختصاص فهو عدو لنا خاصة، وكل همه أن يضلنا ويبعدنا عن طاعة ربنا فيدخلنا النار. ولو قال (إنه عدو مبين لكم) لكان المعنى أن الإبانة لنا أما العداوة فليست لنا نصاً بل ربما كانت لنا أو لغيرنا.

ﵟ ۞ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﵞ سورة يس - 60


Icon