الوقفات التدبرية

برنامج لمسات بيانية قال تعالي في سورة النساء : { إِنَّ اللّهَ لاَ...

برنامج لمسات بيانية قال تعالي في سورة النساء : ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ﴾ [ النساء : 48 ] . وقال في سورة النساء أيضا : ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ﴾ [ النساء : 116 ] . سؤال : لماذا ختم الآية الثامنة والأربعين لقوله : ﴿ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ﴾ , وختم الآية الأخري بقوله : ﴿ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ﴾ ؟ الجواب : إن الآية الثامنة والأربعين في الكلام علي اهل الكتاب , وفي سياق ارتكاب الآثام . وأهل الكتاب مطلعون علي ما أنزل الله من التوحيد , ومن يشرك بالله فقد افتري إثما علي الله . ثم إن السياق فيها في ارتكاب الآثام , فقد جاء قبل الآية الكلام علي أهل الكتاب , قال تعالي : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ [44].... مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ .... يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً [47] إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ .... انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً [50] أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً .... } [ النساء : 44 – 51 ] . فقد ذكر أنهم يشترون الضلالة , وأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه , ويقولون : سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع , وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين . وقال : إنهم يفترون علي الله الكذب , وكفي به إثما مبينا . وقال : إنهم يؤمنون بالجبت والطاغوت , ويقولون للذين كفروا : هؤلاء أهدي من الذين آمنوا سبيلا , وغير ذلك . وهذه كلها آثام , فناسب ذلك فاصلة الآية . وأما الآية الأخري ففي أناس لم يعلموا كتابا ولا عرفوا وحيا , وهي في سياق الضلال , فقد قال قبل الآية : ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ﴾ [ النساء : 115 ] . ونفيض الهدي الضلال , فالذي يشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدي إنما هو ضال . وقال بعد ذلك علي لسان الشيطان : ﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ (119)﴾ [ النساء : 119 ] . فناسب المقام قوله : ﴿ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ﴾ . جاء في ( روح المعاني ) : " إنما جعل الجزاء علي ما قيل هنا : ﴿ فَقَدْ ضَلَّ (116)﴾ وفيما تقدم : ﴿ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ﴾ لما أن تلك كانت في أهل الكتاب , وهم مطلعون من كتبهم علي ما لا يشكون في صحته من أمر الرسول – صلي الله عليه وسلم - , ووجوب أتباع شريعته , وما يدعو إليه من الإيمان بالله تعالي , ومع ذلك أشركوا وكفروا , فصار ذلك افتراء واختلافا وجراءة عظيمة علي الله تعالي . وهذه الآية كانت في اناس لم يعلموا كتابا , ولا عرفوا من قبل وحيا , ولم يأتهم سوي رسول الله – صلي الله عليه وسلم – بالهدي ودين الحق فأشركوا بالله عزوجل , وكفروا وضلوا مع وضوح الحجة , وسطوع البرهان , فكان ضلالهم بعيدا ولذلك جاء بعد ذلك : ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ ﴾ وقوله سبحانه : ﴿ انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ ﴾ . وجاء يعد هذه الآية : ﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً ﴾ [ النساء : 117 ] "

ﵟ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ﵞ سورة النساء - 48

ﵟ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﵞ سورة النساء - 116


Icon