ﰡ
[سورة الكوثر (١٠٨) : الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)اللغة:
(الْكَوْثَرَ) في القاموس: «والكوثر الكثير من كل شيء والكثير الملتف من الغبار والإسلام والنبوّة وقرية بالطائف كان الحجاج معلما بها والرجل الخير المعطاء كالكثير كصيقل والسيد والنهر ونهر في الجنة تتفجر منه جميع أنهارها» وعبارة الزمخشري: «والكوثر فوعل من الكثرة قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر بم آب ابنك؟ قالت آب بكوثر وقال:
وأنت كثير يا ابن مروان طيب | وكان أبوك ابن العقائل كوثرا» |
وعبارة ابن خالويه: «والكوثر نهر في الجنة حافتاه الذهب وحصباؤه المرجان والدرّ وحاله المسك يعني الحمأة وماؤه أشد بياضا
وأنت كثير يا ابن مروان (البيت) » وأورد القرطبي للكوثر ستة عشر قولا في الكوثر وقال وأصحّها الأول يعني أنه نهر في الجنة لأنه ثابت عن النبي صلّى الله عليه وسلم نصا.
(شانِئَكَ) مبغضك وفي المصباح «شنئه كسمعه ومنعه شنئا مثل فلس وشنآنا بفتح النون وسكونها أبغضه والفاعل شانىء في المذكر وشانئة في المؤنث وشنئت بالأمر اعترفت به» وقال ابن خالويه:
«الشانئ: المبغض قال الأعشى:
ومن شانىء كاسف وجهه | إذا ما انتسبت له أنكرن» |
مخلّفون ويقضي الناس أمرهم | غشّ الأمانة صنبور فصنبور» |
الإعراب:
(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) إن واسمها وجملة أعطيناك خبرها وفي قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلم إنّا أنطيناك بالنون قال التبريزي هي لغة للعرب العاربة وقال في الحديث «وأنطوا الثبجة» محركة المتوسطة بين الخيار والرذال والكوثر مفعول به ثان والفاء حرف عطف للتعقيب وصل فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وفاعله مستتر تقديره أنت ولربك متعلقان بصل ووضع الظاهر موضع المضمر وكان المقتضى أن يقول فصل لنا ولكنه انتقل من المضمر إلى المظهر على سبيل الالتفات اهتماما بذكر ربك وتعظيما له، وانحر عطف على صل أي صل صلاة عيد النحر وهذا يقتضي أن تكون السورة مدنيّة لا مكيّة وقيل الأمر عام في كل صلاة ونحر (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) الجملة مستأنفة مؤكدة وإن واسمها وهو مبتدأ ثان أو ضمير فصل والأبتر خبر هو والجملة خبر إن أو الأبتر خبر إن، ولا أدري كيف أجاز أبو البقاء أن يعرب هو تأكيدا لأن المظهر لا يؤكد بالمضمر وعبارة ابن هشام «ووهم أبو البقاء فأجاز في إن شانئك هو الأبتر التوكيد، وقد يريد أنه توكيد لضمير مستتر في شانئك لا لنفس شانئك، وذلك لأن شانىء اسم فاعل بمعنى مبغض.
١- في قوله تعالى: «إنّا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر» فن المذهب الكلامي وقد تقدمت الإشارة إليه كما تقدم أن منه نوعا منطقيا تستنتج فيه النتائج الصحيحة من المقدمات الصادقة، فإن هاتين الآيتين تضمنتا نتيجة من مقدمتين صادقتين، وبيان ذلك أنّا نقول: إن عطية الكوثر تعدل جميع العطيات وإنما قلنا ذلك لأن الشكر على مقادير النعم، وقد أمر الرسول صلّى الله عليه وسلم بأن يقابل هذه النعمة بجميع العبادات البدنية والمالية شكرا عليها، والصلاة جامعة لجميع العبادات فهي تعدل جميع العطيات وإنما قلنا إن المأمور به جميع العبادات البدنية لجمعها بين القيام والقعود والركوع والسجود وقراءة القرآن والأذكار والصمت عن غير ذلك من الكلام وتحريم الطعام والشراب والبقاء على الطهارة الكاملة والخضوع والخشوع والدعاء والابتهال، يحرم فيها ما يحرم على الصائم من الأكل والشرب والجماع والرفث وجميع الحركات والسكنات الخارجة عنها فهي جامعة لفضيلتي الصلاة والصيام وأعمال الظاهر وأعمال الباطن، ثم أمر عليه الصلاة والسلام مع الصلاة بالنحر ولا يخلو من أن يراد به الحج الجامع بين العبادتين أو يراد مطلق النحر الذي يدخل تحته نحر الهدي في الحج والنحر للضيفان وافتقاد الجيران والإطعام في الأزمات، فقد تبين أنه سبحانه أمر رسوله صلّى الله عليه وسلم بجميع العبادات شكرا على عطية الكوثر فدلّ ذلك على أن عطية الكوثر تعدل جميع العطيات وإنما كانت لهذه العطية هذه المزية لكونه صلّى الله عليه وسلم أعطي بها الفضل والفخر على جميع الأنبياء صلوات الله عليهم حيث تسأل الأمم أنبياءهم في الشفاعة لهم ليرووا من العطش الأكبر فيعتذرون عن ذلك بما ورد عنهم في حديث الشفاعة الصحيح المشهور فلا تجد جميع
٢- وفي قوله «فصل لربك» التفات من التكلّم إلى الغيبة، والأصل فصّل لنا ولكنه عدل عن ذلك لأن في لفظ الرب حثّا على فعل المأمور به لأن من يربيك يستحق العبادة.