تفسير سورة الماعون

تفسير ابن كثير ط العلمية
تفسير سورة سورة الماعون من كتاب تفسير القرآن العظيم المعروف بـتفسير ابن كثير ط العلمية .
لمؤلفه ابن كثير . المتوفي سنة 774 هـ

ثُمَّ أَرْشَدَهُمْ إِلَى شُكْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ فقال: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
أَيْ فَلْيُوَحِّدُوهُ بِالْعِبَادَةِ كَمَا جَعَلَ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا وَبَيْتًا مُحَرَّمًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [النَّمْلِ: ٩١] وَقَوْلُهُ تعالى:
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ أَيْ هُوَ رَبُّ الْبَيْتِ، وَهُوَ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ أَيْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِالْأَمْنِ وَالرُّخْصِ فَلْيُفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا يَعْبُدُوا مِنْ دُونِهِ صَنَمًا وَلَا نِدًّا وَلَا وَثَنًا، وَلِهَذَا مَنِ اسْتَجَابَ لِهَذَا الْأَمْرِ جَمَعَ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ أَمْنِ الدُّنْيَا وَأَمْنِ الْآخِرَةِ، وَمَنْ عَصَاهُ سَلَبَهُمَا مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ [النَّحْلِ: ١١٢- ١١٣].
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْعَدَنِيُّ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم يقول: «ويل لكم قُرَيْشٍ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ» ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا عِيسَى يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ وَيَحْكُمُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَكُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَكُمْ مِنْ خَوْفٍ» هَكَذَا رَأَيْتُهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَصَوَابُهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ أُمِّ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَلَعَلَّهُ وَقَعَ غَلَطٌ فِي النُّسْخَةِ أَوْ فِي أَصْلِ الرِّوَايَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
آخر تفسير سورة لإيلاف قريش ولله الحمد والمنة.
تفسير
سورة الْمَاعُونُ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الماعون (١٠٧) : الآيات ١ الى ٧]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤)
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧)
يَقُولُ تَعَالَى: أَرَأَيْتَ يَا مُحَمَّدُ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ وَهُوَ الْمَعَادُ وَالْجَزَاءُ وَالثَّوَابُ فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ أَيْ هُوَ الَّذِي يَقْهَرُ الْيَتِيمَ وَيَظْلِمُهُ حَقَّهُ وَلَا يُطْعِمُهُ وَلَا يُحْسِنُ إِلَيْهِ وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ [الْفَجْرِ: ١٧- ١٨] يَعْنِي الْفَقِيرَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ يَقُومُ بأوده وكفايته، ثم قال
467
تَعَالَى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي الْعَلَانِيَةِ وَلَا يُصَلُّونَ فِي السِّرِّ ولهذا قال: لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَقَدِ الْتَزَمُوا بِهَا ثُمَّ هُمْ عَنْهَا سَاهُونَ، إِمَّا عَنْ فِعْلِهَا بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِمَّا عَنْ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا فَيُخْرِجُهَا عَنْ وَقْتِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَهُ مَسْرُوقٌ وأبو الضحى.
وقال عطاء بن دينار: الحمد لِلَّهِ الَّذِي قَالَ: عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ وَلَمْ يَقِلْ فِي صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، وَإِمَّا عَنْ وَقْتِهَا الْأَوَّلِ فَيُؤَخِّرُونَهَا إِلَى آخِرِهِ دَائِمًا أَوْ غَالِبًا، وَإِمَّا عَنْ أَدَائِهَا بِأَرْكَانِهَا وَشُرُوطِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَإِمَّا عَنِ الْخُشُوعِ فِيهَا وَالتَّدَبُّرِ لمعانيها، فاللفظ يشمل ذلك كله ولكن مَنِ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قِسْطٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَمَنِ اتَّصَفَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ فَقَدْ تم له نَصِيبُهُ مِنْهَا وَكَمُلَ لَهُ النِّفَاقُ الْعَمَلِيُّ.
كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهُ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا» «١» فَهَذَا آخَّرَ صَلَاةَ الْعَصْرِ الَّتِي هِيَ الْوُسْطَى كَمَا ثَبَتَ بِهِ النَّصُّ إلى آخر وقتها، وهو وقت الكراهة، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا فَنَقَرَهَا نَقْرَ الْغُرَابِ لَمْ يَطْمَئِنَّ وَلَا خَشَعَ فِيهَا أَيْضًا، وَلِهَذَا قَالَ لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى الْقِيَامِ إِلَيْهَا مُرَاءَاةَ النَّاسِ لا ابتغاء وجه الله، فهو كما إذا لم يصل بالكلية. قال الله تَعَالَى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
[النِّسَاءِ:
١٤٢] وَقَالَ تعالى هاهنا: الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبْدَوَيْهِ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عن ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ فِي جَهَنَّمَ لَوَادِيًا تَسْتَعِيذُ جَهَنَّمُ مِنْ ذَلِكَ الْوَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ أَرْبَعَمِائَةِ مَرَّةٍ أعد ذلك لِلْمُرَائِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ لِحَامِلِ كِتَابِ اللَّهِ وَلِلْمُصَّدِّقِ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ وَلِلْحَاجِّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلِلْخَارِجِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَذَكَّرُوا الرِّيَاءَ فَقَالَ رَجُلٌ يُكَنَّى بِأَبِي يَزِيدَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَمَّعَ النَّاسَ بِعَمَلِهِ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ سَامِعَ خَلْقِهِ وَحَقَّرَهُ وَصَغَّرَهُ» وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ غُنْدَرٍ وَيَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم
(١) أخرجه مسلم في المساجد حديث ١٩٥، وأبو داود في الصلاة باب ٥، والترمذي في المواقيت باب ٦، والنسائي في المواقيت باب ٩، وأحمد في المسند ٣/ ١٤٩.
(٢) المسند ٢/ ١٦٢، ١٩٥، ٢١٢، ٢٢٣، ٢٢٤.
468
فَذَكَرَهُ، وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِلَّهِ فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَا يُعَدُّ رِيَاءً، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَصَلِّي فَدَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَأَعْجَبَنِي ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «كُتِبَ لَكَ أَجْرَانِ: أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ».
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ نِعْمَ الْحَدِيثُ لِلْمُرَائِينَ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ مُتَوَسِّطٌ، وَرِوَايَتُهُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَزِيزَةٌ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْهُ، قَالَ أَبُو يَعْلَى أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ يُسِرُّهُ، فَإِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ أَعْجَبَهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَهُ أَجْرَانِ أَجْرُ السِّرِّ وَأَجْرُ الْعَلَانِيَةِ» «١». وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ بُنْدَارٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ أَبِي سِنَانٍ الشَّيْبَانِيِّ، وَاسْمُهُ ضِرَارُ ابن مُرَّةَ، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ وَقَدْ رَوَاهُ الأعمش وغيره عن حبيب عن أبي صالح مُرْسَلًا.
وَقَدْ قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ شَيْبَانَ النَّحْوِيِّ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لما نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ لَوْ أُعْطِيَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ جَمِيعِ الدُّنْيَا هُوَ الَّذِي إِنْ صَلَّى لَمْ يَرْجُ خَيْرَ صِلَاتِهِ وَإِنْ تَرَكَهَا لَمْ يَخَفْ رَبَّهُ» فِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَشَيْخُهُ مُبْهَمٌ لَمْ يُسَمَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٣» أَيْضًا: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ أَبَانٍ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ طَارِقٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عن وقتها» قلت: وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا يَحْتَمِلُ تَرْكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ ويحتمل صَلَاتَهَا بَعْدَ وَقْتِهَا شَرْعًا أَوْ تَأْخِيرَهَا عَنْ أول الْوَقْتُ، وَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ، ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِيهِ موقوفا:
سهوا عنها حتى ضاع الوقت، وَهَذَا أَصَحُّ إِسْنَادًا وَقَدْ ضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ رَفْعَهُ وصحح وقفه وكذلك الحاكم.
(١) أخرجه الترمذي في الزهد باب ٤٩، وابن ماجة في الزهد باب ٢٥.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٧٠٨.
(٣) تفسير الطبري ١٢/ ٧٠٨.
469
وقوله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ أَيْ لَا أَحْسَنُوا عِبَادَةَ رَبِّهِمْ وَلَا أَحْسَنُوا إِلَى خَلْقِهِ حَتَّى وَلَا بِإِعَارَةِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَيُسْتَعَانُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ وَرُجُوعِهِ إِلَيْهِمْ، فَهَؤُلَاءِ لِمَنْعِ الزَّكَاةِ وَأَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ أُولَى وَأُولَى، وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ عَلِيٌّ: الْمَاعُونُ الزَّكَاةُ، وَكَذَا رَوَاهُ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَلِيٍّ، وَكَذَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عمر، وبه يقول محمد بن الحنيفة وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ، وَالزَّهْرِيُّ وَالْحُسْنُ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنْ صَلَّى رَاءَى وَإِنْ فَاتَتْهُ لِمَ يَأْسَ عَلَيْهَا وَيَمْنَعُ زَكَاةَ مَالِهِ وَفِي لَفْظٍ صَدَقَةَ مَالِهِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ ظَهَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّوْهَا، وَضَمِنَتِ الزَّكَاةُ فَمَنَعُوهَا. وَقَالَ الْأَعْمَشُ وَشُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ أَنَّ أَبَا الْعُبَيْدَيْنِ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَنِ الْمَاعُونِ فَقَالَ: هُوَ مَا يَتَعَاوَرُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ مِنَ الفأس والقدر. وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ أَنَّهُ سُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ الْمَاعُونِ فَقَالَ: هُوَ مَا يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْفَأْسِ وَالْقِدْرِ وَالدَّلْوِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ وَسَعْدِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: كُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْمَاعُونَ الدَّلْوُ وَالْفَأْسُ وَالْقِدْرُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُنَّ، وَحَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عِيَاضٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَاعُونِ فَقَالَ:
مَا يَتَعَاوَرُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ الْفَأْسُ وَالدَّلْوُ وَشَبَهُهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الفلاس، حدثنا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم ونحن نقول منع الْمَاعُونُ مَنْعُ الدَّلْوِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ «٣».
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُلٌّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَكُنَّا نَعُدُّ الْمَاعُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَارِيَّةَ الدَّلْوِ وَالْقِدْرِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْمَاعُونُ الْعَوَارِي الْقِدْرُ وَالْمِيزَانُ وَالدَّلْوُ. وَقَالَ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ يَعْنِي مَتَاعَ الْبَيْتِ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وسعيد بن
(١) تفسير الطبري ١٢/ ٧١٠.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٧١٤.
(٣) أخرجه أبو داود في الزكاة باب ٣٢. [.....]
470
Icon