تفسير سورة الكوثر

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
تفسير سورة الكوثر
أهداف سورة الكوثر
( سورة الكوثر مكية، وآياتها ٣ آيات، نزلت بعد سورة العاديات )
وهي سورة خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان أعداؤه يملكون المال والجاه والسلطان، ويعيرونه بأن أتباعه من الفقراء، وكانوا يرون أن أبناءه الذكور يموتون صغارا، فيعيّرونه بأنه أبتر، لا عقب له من الذكور، وكانت هذه الأقاويل تلقى من يستمع إليها ويردّدها، في بيئة تئد البنات، وتحتكم إلى السيف والقوة، وترى الفقر سبّة ومنقصة، فنزلت هذه السورة تدافع عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وتفيد أن الله أعطاه من الخير الكثير، لقد أعطاه الله النبوة والهدى، وأيده بالصحابة الأوفياء، وجعل سيرته عطرة منتشرة، وشريعته باقية خالدة، وآلاف الملايين تردد ذكره، وتشهد له بالرسالة :
وضمّ الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشقّ له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
مع آيات السورة
١- إنّا أعطيناك الكوثر. الكوثر صيغة مبالغة من الكثرة، ومعناه : الشيء البالغ من الكثرة حد الإفراط، وهو مطلق غير محدود.
وقد ورد أن سفهاء قريش، ممن كانوا يتابعون الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته بالكيد والمكر، وإظهار السخرية والاستهزاء، من أمثال العاص بن وائل، وعقبة بن أبي معيط، وأبي لهب، وأبي جهل وغيرهم، كانوا يقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه أبتر، يشيرون بهذا إلى موت الذكور من أولاده، وقال أحدهم : دعوه فإنه سيموت بلا عقب وينتهي أمره، فنزلت هذه السورة لتشير إلى عطاء الله تعالى للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو عطاء كثير لا حد له.
وقد وردت روايات من طرق كثيرة تفيد أن الكوثر نهر في الجنة، أوتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
( وأخرج البخاري، وابن جرير، والحاكم، وابن عساكر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : الكوثر : الخير الذي أعطاه الله تعالى إياه. قال أبو بشر : قلت لسعيد : فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة، قال : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله عز وجل إياه، عليه الصلاة والسلام، ويروى هذا الجواب عن ابن عباس نفسه أيضا )i.
وفي تفسير النيسابوري أنه وردت عدة أقوال في معنى الكوثر :
القول الأول : الخير الكثير، إن أن أكثر المفسرين خصّوه فحملوه على أنه نهر في الجنة.
القول الثاني : أن الكوثر أولاده من نسل فاطمة، أي أن الله يعطيه منها نسلا يبقون إلى آخر الزمان.
القول الثالث : الكوثر هم علماء أمته، فهم رحمة إلى يوم القيامة.
وروي أن الكوثر هو النبوة والرسالة وكونه خاتم المرسلينii.
كما روي أن الكوثر هو تيسير القرآن وتخفيف الشرائع، وقيل : هو الإسلام، وقيل : هو التوحيد، وقيل : هو العلم والحكمة، وقيل : هو الفضائل الكثيرة التي وهبه الله تعالى إياها.
( فقد أسري به ليلا، وانشق له القمر، وكثر الزاد ببركة دعائه، وأطعم الخلق الكثير من الطعام القليل، وأعطاه الله القرآن هدى ورحمة للعالمينiii.
٦- فصلّ لربك وانحر. أي : فاجعل صلاتك لربك وحده، وانحر ذبيحتك ذاكرا اسم الله، مخلصا لله في صلاتك ونحرك.
كما قال تعالى : قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين* لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. ( الأنعام : ١٦٢، ١٦٣ ).
( والأكثرون على أن المقصود بالصلاة هنا جنس الصلاة، لإطلاق اللفظ، وقال الآخرون : إنها صلاة عيد الأضحى، لاقترانها بقوله : وانحر. وكانوا يقدمون الأضحية على الصلاة فأمروا بتأخيرها عنها، والواو تفيد الترتيب استحسانا وأدبا وإن لم تفده قطعا )iv.
٣- إن شانئك هو الأبتر. أي : إن مبغضك –كائنا من كان- هو المقطوع ذكره من خيري الدنيا والآخرة.
إنهم لم يبغضوه لشخصه، فقد كان الصادق الأمين، ولكنهم أبغضوه لما يحمله لهم من الرسالة والهدي، فآثروا أهوائهم، وتخبطوا في ضلالهم، حتى خذلهم الله وقطع أثرهم ( فقد جرّهم الخذلان إلى غاية الخسران، ولم يبق لهم إلا سوء الذكر لبعضهم، والنسيان التام لبقيتهم، بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم ومن اهتدى بهديه فإن ذكرهم لا يزال رفيعا، وأثرهم لا يزال باقيا في نفوس الصالحينv.
مقاصد السورة
١- أعطى الله محمدا صلى الله عليه وسلم الخير الكثير، فرفع ذكره، وأعلى شأنه، ونصر دعوته، وبارك في أمته.
٢- ينبغي إخلاص الصلاة والعبادة والنحر لله سبحانه وتعالى.
٣- من أبغض النبي ودعوته انقطع أثره وباء بالخذلان، بينما بقي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته على مرّ الأزمان.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ إنّا أعطيناك الكوثر ١ فصلّ لربك وانحر ٢ إن شانئك هو الأبتر ٣ ﴾
المفردات :
الكوثر : الخير الكثير.
التفسير :
١- إنّا أعطيناك الكوثر.
الكوثر : الخير، وهو مبالغة من الكثرة، والعرب تسمّي كل شيء كثير كوثرا.
قال الشاعر :
وأنت كثير يا ابن مروان طيّب وكان أبوك ابن العقائل كوثرا
والمعنى :
إنا أعطيناك يا محمد الخير الكثير، والفضل الوفير، ومن ذلك : نزول الوحي والقرآن الكريم، والرسالة الخاتمة، والإسراء والمعراج، وأنت أوّل من تنشق عنه الأرض، وأول شافع مشفع، وكتابك مهيمن على الكتب السابقة، وشريعتك خاتمة الشرائع، وأعطيت الحنيفية السمحة، وأعطاك الله الحكمة والعلم، والحوض المورود، والمقام المحمود، وكثرة الأتباع، والنصر على الأعداء.
وقد ورد في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم فسّر الكوثر :( فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل في الجنة، حافتاه من ذهب، ومجراه على الدرّ والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل )vi.
المفردات :

فصل لربك : فاعبد ربك الذي أعزّك وشرفك.


وانحر : لوجهه وباسمه إذا نحرت، مخالفا لعبدة الأوثان.
التفسير :
٢- فصلّ لربك وانحر.
اجعل صلاتك خالصة لوجه الله، واجعل نحرك الإبل لله وحده.
كما قال سبحانه وتعالى : قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. ( الأنعام : ١٦٢ ).
وقد كان المشركون يصلون في البيت الحرام بالتصفيق، ويذبحون ذبائحهم للأصنام، فأمره الله تعالى وأمرنا أن تكون صلاتنا خالصة لله، وأن تكون ذبائحنا لله وحده لا شريك له.
المفردات :
شانئك : مبغضك.
الأبتر : المنقطع من كل خير.
التفسير :
٣- إن شانئك هو الأبتر.
مبغضك هو المقطوع الأثر، وقد روي أنه لما مات القاسم شمت كفار مكة، وقال العاص بن وائل : دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له، ولا نسل له من الذكور، فإذا مات انقطع ذكره، فأنزل الله تعالى هذه السورة توضّح أن محمدا صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمان، ومنعة من المسلمين، ودينه في انتصار، وأن المسلمين جميعا من زمانه إلى يوم القيامة في منزلة أبنائه وأحفاده، فهو كالوالد لهم، أما أعداؤه فهم مبتورون من رحمة الله.
أما محمد صلى الله عليه وسلم فقد أبقى الله ذكره على رؤوس الأشهاد، وأوجب شرعه على رقاب العباد، مستمرا على دوام الآباد، إلى يوم الحشر والمعاد، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التنادvii
***
تم بحمد الله وفضله وتوفيقه تفسير سورة ( الكوثر ) مساء الثلاثاء ٢٠ من ربيع الأول ١٤٢٢ ه، الموافق ١٢/٦/٢٠٠١، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
i تفسير جزء عم، للإمام محمد عبده، ص ١٢٦، وقارن بتفسير النيسابوري ٣٠/١٧٥.
ii تفسير النيسابوري ٣٠/١٧٦، وقد أورد صفحات عدة في فضائله صلى الله عليه وسلم، وقد جمع الله له جميع خصائص الرسل أجمعين، فقد أعطاه الله كتابا خالدا، وكتاب آدم كان كلمات، وأعطى إبراهيم وموسى صحفا محدودة، وكتاب محمد صلى الله عليه وسلم مهيمن على الجميع.
iii المرجع السابق.
iv تفسير النيسابوري بهامش الطبري ٣٠/١٧٩.
v تفسير جزء عم للإمام محمد عبده ص ١٢٨، مطبعة الشعب، الطبعة السادسة.
vi نهر وعدنيه ربي عز وجل :
رواه مسلم في الصلاة ( ٤٠٠ ) وأبو داود في الصلاة ( ٧٨٤ ) وفي السنة ( ٤٧٤٧ ) والنسائي في الافتتاح ( ٩٠٤ ) من حديث أني قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال :( أنزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمان الرحيم ﴿ إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وانحر. إن شانئك هو الأبتر ﴾. ثم قال :( أتدرون ما الكوثر ) ؟ فقلنا : الله ورسوله أعلم : قال :( فإنه نهر وعدنيه ربي عز وحل خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم فأقول : رب إنه من أمتي فيقول : ما تدري ما أحدثت بعدك ). زاد ابن الحجر في حديثه : بين أظهرنا في المسجد، وقال : ما أحدث بعدك.
vii مختصر تفسير ابن كثير المجلد ٣ ص ٦٨٤. تحقيق محمد علي الصابوني.
Icon