ﰡ
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)، كَزَرْعٍ وَتِبْنٍ أَكَلَتْهُ الدَّوَابُّ فُرَاثَتْهُ فَيَبِسَ وَتَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ، شَبَّهَ تَقَطُّعَ أَوْصَالِهِمْ بِتَفَرُّقِ أَجْزَاءِ الرَّوْثِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَصْفُ وَرَقُ الْحِنْطَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ التِّبْنُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَالْحَبِّ إِذَا أُكِلَ فَصَارَ أَجْوَفَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْقِشْرُ الْخَارِجُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى حَبِّ الْحِنْطَةِ كَهَيْئَةِ الْغِلَافِ لَهُ.
سُورَةُ قُرَيْشٍ
مَكِّيَّةٌ [وهي أربع آيات] [١]
[سورة قريش (١٠٦) : آيَةً ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١)لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١)، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ لِيلَافِ بِغَيْرِ هَمْزٍ إِلَافِهِمْ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ، وَقَرَأَ ابْنُ عامر لالآف بِهَمْزَةٍ مُخْتَلَسَةٍ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ بعدها، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِهَمْزَةٍ مُشْبَعَةٍ وَيَاءٍ بَعْدَهَا، وَاتَّفَقُوا غَيْرَ أَبِي جَعْفَرٍ في إلفهم أَنَّهَا بِيَاءٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ إِلَّا عبد الوهاب بن فليج عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ قَرَأَ إِلْفِهِمْ سَاكِنَةَ اللَّامِ بِغَيْرِ يَاءٍ وَعَدَّ بَعْضُهُمْ سُورَةَ الْفِيلِ وَهَذِهِ السُّورَةَ وَاحِدَةً مِنْهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ لَا فَصْلَ بَيْنَهُمَا فِي مُصْحَفِهِ، وَقَالُوا: اللَّامُ فِي لِإِيلافِ تَتَعَلَّقُ بِالسُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَّرَ أَهْلَ مَكَّةَ عَظِيمَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا صَنَعَ بِالْحَبَشَةِ، وَقَالَ: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١)، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى جَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مأكول لإيلاف قريش، أي أهلك أصحاب الْفِيلِ لِتَبْقَى قُرَيْشٌ، وَمَا أَلِفُوا مِنْ رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَلِفُوا ذَلِكَ فَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. وَالْعَامَّةُ عَلَى أَنَّهُمَا سُورَتَانِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ الْجَالِبَةِ لِلَّامِ فِي قَوْلِهِ: لِإِيلافِ قَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ: هِيَ لَامُ التَّعَجُّبِ، يَقُولُ: اعْجَبُوا لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَتَرَكِهِمْ عِبَادَةَ رَبِّ هَذَا الْبَيْتِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ لِزَيْدٍ وَإِكْرَامِنَا إِيَّاهُ عَلَى وجه التعجب، أي اعْجَبُوا لِذَلِكَ، وَالْعَرَبُ إِذَا جَاءَتْ بِهَذِهِ اللَّامِ اكْتَفَوْا بِهَا دَلِيلًا عَلَى التَّعَجُّبِ مِنْ إِظْهَارِ الْفِعْلِ مِنْهُ.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هِيَ مَرْدُودَةٌ إِلَى مَا بَعْدَهَا تَقْدِيرُهُ: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ لِإِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشتاء والصيف. وقال أبو عبيد [٢] : لِنِعْمَتِي عَلَى قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ هُمْ وَلَدُ النَّضِرِ بْنِ كِنَانَةَ، وَكُلُّ مَنْ وَلَدَهُ النَّضْرُ فَهُوَ قُرَشِيٌّ، وَمَنْ لَمْ يَلِدْهُ النَّضْرُ فَلَيْسَ بقرشي.
(٢) في المطبوع «ابن عيينة».
وَسُمُوا قُرَيْشًا مِنَ الْقَرْشِ وَالتَّقَرُّشِ وَهُوَ التَّكَسُّبُ وَالْجَمْعُ، يُقَالُ: فَلَانٌ يَقْرِشُ لِعِيَالِهِ وَيَقْتَرِشُ أَيْ يَكْتَسِبُ وَهُمْ كَانُوا تُجَّارًا حُرَّاصًا [٣] عَلَى جَمْعِ الْمَالِ وَالْإِفْضَالِ. وَقَالَ أَبُو رَيْحَانَةَ: سَأَلَ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ لِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا؟ قَالَ: لِدَابَّةٍ تَكُونُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَعْظَمِ دَوَابِّهِ يُقَالُ لَهَا الْقِرْشُ لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنَ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ إِلَّا أَكَلَتْهُ، وَهِيَ تَأْكُلُ وَلَا تُؤْكَلُ، وَتَعْلُو وَلَا تُعْلَى، قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَنْشَدَهُ شِعْرَ الْجُمَحِيِّ:
وقريش هي التي تسكن البح... ر سميت قرى قريشا
سلطت بالعلو في لحة البح... ر عَلَى سَائِرِ الْبُحُورِ جُيُوشَا
تَأْكُلُ الغث والسمين ولا تت... رك فِيهِ لِذِي الْجَنَاحَيْنِ رِيشَا
هَكَذَا فِي الْكِتَابِ [٤] حَيُّ قُرَيْشٍ... يَأْكُلُونَ الْبِلَادَ أَكْلًا كَمِيشَا
وَلَهُمْ فِي آخِرِ الزَّمَانِ نَبِيٌّ... يُكْثِرُ الْقَتْلَ فيهم والخموشا
[سورة قريش (١٠٦) : الآيات ٢ الى ٤]
إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِيلافِهِمْ، بَدَلٌ مِنَ الْإِيلَافِ الْأَوَّلِ، رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ، رِحْلَةَ، نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيِ ارْتِحَالَهُمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ.
رَوَى عِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانُوا يُشْتُونَ بِمَكَّةَ وَيُصِيفُونَ بِالطَّائِفِ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُقِيمُوا بِالْحَرَمِ وَيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ.
وَقَالَ الْآخَرُونَ: كَانَتْ لَهُمْ رِحْلَتَانِ فِي كُلِّ عَامٍ لِلتِّجَارَةِ إِحْدَاهُمَا فِي الشِّتَاءِ إِلَى الْيَمَنِ لِأَنَّهَا أَدْفَأُ، وَالْأُخْرَى فِي الصَّيْفِ إِلَى الشَّامِ. وَكَانَ الْحَرَمُ وَادِيًا جَدْبًا لَا زَرْعَ فِيهِ وَلَا ضَرْعَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَعِيشُ بِتِجَارَتِهِمْ وَرِحْلَتِهِمْ، وَكَانَ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ أَحَدٌ بِسُوءٍ، كَانُوا يَقُولُونَ: قُرَيْشٌ سُكَّانُ حَرَمِ اللَّهِ وَوُلَاةُ بَيْتِهِ
- الأوزاعي هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو، شداد هو ابن عبد الله.
- وهو في «شرح السنة» ٣٥٠٧ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٢٧٦ والترمذي ٣٦٠٥ و٣٦٠٦ وأحمد ٤/ ١٠٧ وابن حبان ٦٢٤٢ و٦٣٣٣ والطبراني ٢٢/ ١٦١ من طرق عن الأوزاعي به.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «حرصا».
(٤) في المخطوط «البلاد». [.....]