تفسير سورة الفيل

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تفسير سورة سورة الفيل من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد .
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة الفيل
مكية، وهي خمس آيات. ومناسبتها لما قبلها : أنها تهديد لأهل الهمز واللمز أن يفعل بهم في الدنيا ما فعل بأصحاب الفيل إن لم ينتهوا، فقال :
بسم الله الرحمان الرحيم :
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾*﴿ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ﴾*﴿ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ ﴾*﴿ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ ﴾*﴿ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ﴾.

يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ألم تَرَ كيف فَعَلَ ربُّكَ بأصحابِ الفيل ﴾ الخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام، أو لكل سامع، والهَمزة للتقرير، و " كيف " معلقة لفعل الرؤية، منصوبة بما بعدها. والرؤية : علمية، أي : ألم تعلم علماً ضرورياً مزاحماً للمشاهدة والعيان باستماع الأخبار المتواترة، ومعاينة الآثار الظاهرة. وتعليق الرؤية بكيفية فعله عزّ وجل لا بنفسه، بأن يُقال : ألم ترَ ما فعل ربُّك لتهويل الحادثة والإيذان بوقوعها على كيفية هائلة، وهيئة عجيبة، دالة على عِظم قدرة الله عزّ وجل، وكمال عِلمه وحكمته، وعزة بيته، وشرف رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنَّ ذلك مِن الإرهاصات له، لِما رُوي أنَّ الوقعة وقعت في السنة التي وُلد فيها صلى الله عليه وسلم.
وتفصيلها أنَّ أُبرهة بن الصَبَّاح الأشرم، مالك اليمن من قِبل النجاشي، بنى بصنعاء كنيسة، سماها القُلَّيس، وأراد أن يصرف إليها الحاج، فخرج رجل من كنانة، فأحدث فيها ليلاً، وذكر الواقدي : أنَّ الرجل لطّخ قبلتها بالعذرة، ورمى فيها الجيف، قال : واسمه " نفيل الحضرمي " فغضب أبرهة، وحلف ليهدمنّ الكعبة، فخرج من الحبشة، ومعه فيل اسمه " محمود "، وكان قويًّا عظيماً، بعثه النجاشي إليه، ومعه اثنا عشر فيلاً غيره، وقيل : ثمانية، فلما بلغ " المُغَمسَ " خرج إليه عبد المطلب، وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع، فأبى وعبّأ جيشه، وقدّم الفيل، فأخذ نفيل بن حبيب بأُذنه، وقال : ابرك محمود، فإنك في حرم الله، وارجع من حيث جئت راشداً، فبرك، فكان كُلما وجَّهوه إلى الحرم برك ولم يبرح، وإذا وجَّهوه إلى اليمن أو إلى غيره من الجهات هرول، فأرسل اللهُ عليهم سحابة من الطير خرجت من البحر، مع كل طائر حجر في منقاره، وحجر في رجليه، أكبر من العدسة، وأصغر من الحمّصَةِ، فكان الحجرُ يقع على رأس الرجل، ويخرج من دُبره، وعلى كل حجر اسم مَن يقع عليه، ففرُّوا وهلكوا في كل طريق ومنهل، ورُمي أبرهة فتساقطت أنامله وآرابه، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، وانفلت وزيره " أبو يسكوم "، وطائر يُحلّق فوقه، حتى بلغ النجاشي، فقصّ عليه القصة، فلما أتمها وقع عليه الحجر، فخرّ ميّتاً بين يديه.
ورُوي : أن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير، فخرج إليه في شأنها، فلما رآه أبرهة عَظُمَ في عينه، وكان وسيماً جسيماً، فقيل له : هذا سيّد قريش، وصاحب عير مكّة، الذي يُطعم الناس في السهل، والوحوش في رؤوس الجبال، فنزل أبرهة عن سريره، وجلس معه على بساطه، وقيل : أَجلسه معه، وقال لترجمانه : قل له : ما حاجتك ؟ فلما ذكر له حاجته، وهو أن يرد إليه إبله، قال : سَقَطت من عيني، جئتُ لأهدم البيت، الذي هو دينك ودين آبائك، وعِصمتكم، وشرفكم في قديم الدهر، لا تكلمني فيه، ألهاك عنه ذود أُخذت لك ؟ فقال عبد المطلب : أنا ربّ الإبل، وإنَّ للبيت ربًّا يحميه، قال أبرهة : ما كان ليحميه مني، فقال : ها أنت وذلك. ثم رجع وأتى باب الكعبة، وأخذ بحلقته، ومعه نفر من قريش، فدعوا الله عزّ وجل، فالتفت وهو يدعو، فإذا هو بطير من نحو اليمن، فقال : والله إنها لطير غريبة، ما هي نجدية ولا تهامية، فأرسل حلقة الباب، ثم انطلق مع أصحابه ينظرون ماذا يفعل أبرهة، فأرسل الله تعالى عليهم الطير، فكان ما كان.
وقيل : كان أبرهة جد النجاشي، الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وعن عائشة رضي الله عنها : رأيت قائد الفيل وسائقه أعميَيْن مُقعدين يستطعمان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قلب العارف هو كعبة الوجود، وهو بيت الرب، وجيوش الخواطر والوساوس تطلب تخريبه، فيحميه اللهُ منهم، كما حمى بيتَه من أبرهة، فيقال : ألم ترَ أيها السامع كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، وهم الأخلاق البهيمية والسبعية، والخواطر الردية، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طير الواردات الإلهية، فرمتهم بحجارة الأذكار وأنوار الأفكار، فأسْحقتهم فجعلتهم كعصفٍ مأكول. والله تعالى أعلم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
وقوله تعالى :﴿ ألم يجعل كَيْدَهُمْ في تضليلٍ ﴾ بيان إجمالي لما فعل اللهُ بهم، والهمزة للتقرير كما سبق، ولذلك عطف على الجملة الاستفهامية ما بعدها، كأنه قيل : جعل كيدهم للكعبة وتخريبها في تضييع وإبطال، بأن دَمَّرهم أشد تدمير. يقال : ضلّ كيده، أي : جعله ضالاًّ ضائعاً، وقيل لامرئ القيس : الملِك الضلّيلِ ؛ لأنه ضيّع ملك أبيه باشتغاله بالهوى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قلب العارف هو كعبة الوجود، وهو بيت الرب، وجيوش الخواطر والوساوس تطلب تخريبه، فيحميه اللهُ منهم، كما حمى بيتَه من أبرهة، فيقال : ألم ترَ أيها السامع كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، وهم الأخلاق البهيمية والسبعية، والخواطر الردية، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طير الواردات الإلهية، فرمتهم بحجارة الأذكار وأنوار الأفكار، فأسْحقتهم فجعلتهم كعصفٍ مأكول. والله تعالى أعلم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
﴿ وأَرْسَل عليهم طيراً أبابيلَ ﴾ أي : جماعات تجيء شيئاً بعد شيء. والجمهور : أنه لا واحد له من لفظه، كشماطيط وعبابيد، وقيل : واحدها : إبّالة. قالت عائشة رضي الله عنها : أشبهُ شيء بالخطاطيف. قال أبو الجوز : أنشأها الله في الهواء في ذلك الوقت، وقال محمد بن كعب : طيرد سود بَحرية، وقيل : إنها شبيهة بالوطواط حُمْر وسُود.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قلب العارف هو كعبة الوجود، وهو بيت الرب، وجيوش الخواطر والوساوس تطلب تخريبه، فيحميه اللهُ منهم، كما حمى بيتَه من أبرهة، فيقال : ألم ترَ أيها السامع كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، وهم الأخلاق البهيمية والسبعية، والخواطر الردية، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طير الواردات الإلهية، فرمتهم بحجارة الأذكار وأنوار الأفكار، فأسْحقتهم فجعلتهم كعصفٍ مأكول. والله تعالى أعلم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
﴿ ترميهم بحجارةٍ ﴾ صفة لطير، ﴿ من سِجّيلٍ ﴾ من طين متحجر مطبوخ مثل الآجر، قال ابن عباس :" أدركت عند أم هاني نحو قفيز من هذه الحجارة ".
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قلب العارف هو كعبة الوجود، وهو بيت الرب، وجيوش الخواطر والوساوس تطلب تخريبه، فيحميه اللهُ منهم، كما حمى بيتَه من أبرهة، فيقال : ألم ترَ أيها السامع كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، وهم الأخلاق البهيمية والسبعية، والخواطر الردية، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طير الواردات الإلهية، فرمتهم بحجارة الأذكار وأنوار الأفكار، فأسْحقتهم فجعلتهم كعصفٍ مأكول. والله تعالى أعلم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
﴿ فجعلهم كعَصْفٍ مأكولٍ ﴾ كورَق زرع وقع فيه الأكل، أي : أكلته الدود، أو : كَتِبن أكلته الدواب فراثته، فجمع لهم الخسة والمهانة والتلف، أو : كتبن علفته الدواب وشتته.
فائدة : قال الغزالي عن غير واحد من الصالحين وأرباب القلوب : إنه مَن قرأ في ركعتي الفجر في الأولى بالفاتحة و " ألم نشرح "، والثانية بالفاتحة و " ألم تر "، قََصرت يد كُل عدو عنه، ولم يُجعل لهم إليه سبيلاً، قال : وهذا صحيح لا شك فيه. ذكره في الجواهر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قلب العارف هو كعبة الوجود، وهو بيت الرب، وجيوش الخواطر والوساوس تطلب تخريبه، فيحميه اللهُ منهم، كما حمى بيتَه من أبرهة، فيقال : ألم ترَ أيها السامع كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، وهم الأخلاق البهيمية والسبعية، والخواطر الردية، ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طير الواردات الإلهية، فرمتهم بحجارة الأذكار وأنوار الأفكار، فأسْحقتهم فجعلتهم كعصفٍ مأكول. والله تعالى أعلم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
Icon