مكية، وهي خمس آيات. ومناسبتها لما قبلها : أنها تهديد لأهل الهمز واللمز أن يفعل بهم في الدنيا ما فعل بأصحاب الفيل إن لم ينتهوا، فقال :
بسم الله الرحمان الرحيم :
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ﴾*﴿ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ﴾*﴿ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ ﴾*﴿ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ ﴾*﴿ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ﴾.
ﰡ
وتفصيلها أنَّ أُبرهة بن الصَبَّاح الأشرم، مالك اليمن من قِبل النجاشي، بنى بصنعاء كنيسة، سماها القُلَّيس، وأراد أن يصرف إليها الحاج، فخرج رجل من كنانة، فأحدث فيها ليلاً، وذكر الواقدي : أنَّ الرجل لطّخ قبلتها بالعذرة، ورمى فيها الجيف، قال : واسمه " نفيل الحضرمي " فغضب أبرهة، وحلف ليهدمنّ الكعبة، فخرج من الحبشة، ومعه فيل اسمه " محمود "، وكان قويًّا عظيماً، بعثه النجاشي إليه، ومعه اثنا عشر فيلاً غيره، وقيل : ثمانية، فلما بلغ " المُغَمسَ " خرج إليه عبد المطلب، وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع، فأبى وعبّأ جيشه، وقدّم الفيل، فأخذ نفيل بن حبيب بأُذنه، وقال : ابرك محمود، فإنك في حرم الله، وارجع من حيث جئت راشداً، فبرك، فكان كُلما وجَّهوه إلى الحرم برك ولم يبرح، وإذا وجَّهوه إلى اليمن أو إلى غيره من الجهات هرول، فأرسل اللهُ عليهم سحابة من الطير خرجت من البحر، مع كل طائر حجر في منقاره، وحجر في رجليه، أكبر من العدسة، وأصغر من الحمّصَةِ، فكان الحجرُ يقع على رأس الرجل، ويخرج من دُبره، وعلى كل حجر اسم مَن يقع عليه، ففرُّوا وهلكوا في كل طريق ومنهل، ورُمي أبرهة فتساقطت أنامله وآرابه، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه، وانفلت وزيره " أبو يسكوم "، وطائر يُحلّق فوقه، حتى بلغ النجاشي، فقصّ عليه القصة، فلما أتمها وقع عليه الحجر، فخرّ ميّتاً بين يديه.
ورُوي : أن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير، فخرج إليه في شأنها، فلما رآه أبرهة عَظُمَ في عينه، وكان وسيماً جسيماً، فقيل له : هذا سيّد قريش، وصاحب عير مكّة، الذي يُطعم الناس في السهل، والوحوش في رؤوس الجبال، فنزل أبرهة عن سريره، وجلس معه على بساطه، وقيل : أَجلسه معه، وقال لترجمانه : قل له : ما حاجتك ؟ فلما ذكر له حاجته، وهو أن يرد إليه إبله، قال : سَقَطت من عيني، جئتُ لأهدم البيت، الذي هو دينك ودين آبائك، وعِصمتكم، وشرفكم في قديم الدهر، لا تكلمني فيه، ألهاك عنه ذود أُخذت لك ؟ فقال عبد المطلب : أنا ربّ الإبل، وإنَّ للبيت ربًّا يحميه، قال أبرهة : ما كان ليحميه مني، فقال : ها أنت وذلك. ثم رجع وأتى باب الكعبة، وأخذ بحلقته، ومعه نفر من قريش، فدعوا الله عزّ وجل، فالتفت وهو يدعو، فإذا هو بطير من نحو اليمن، فقال : والله إنها لطير غريبة، ما هي نجدية ولا تهامية، فأرسل حلقة الباب، ثم انطلق مع أصحابه ينظرون ماذا يفعل أبرهة، فأرسل الله تعالى عليهم الطير، فكان ما كان.
وقيل : كان أبرهة جد النجاشي، الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. وعن عائشة رضي الله عنها : رأيت قائد الفيل وسائقه أعميَيْن مُقعدين يستطعمان.
فائدة : قال الغزالي عن غير واحد من الصالحين وأرباب القلوب : إنه مَن قرأ في ركعتي الفجر في الأولى بالفاتحة و " ألم نشرح "، والثانية بالفاتحة و " ألم تر "، قََصرت يد كُل عدو عنه، ولم يُجعل لهم إليه سبيلاً، قال : وهذا صحيح لا شك فيه. ذكره في الجواهر.