ﰡ
﴿يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض لَهُ الملك وَلَهُ الحمد وَهُوَ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ﴾ قدم الظرفان ليدل بتقديمهما على اختصاص الملك والحمد لله عز وجل وذلك لأن الملك على الحقيقة له لأنه مبدئ كل شيء والقائم به وكذا الحمد لأن أصول النعم وفروعها منه وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده
﴿هُوَ الذى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ﴾ أي فمنكم آتٍ بالكفر وفاعل له ومنكم آت بالإيمان وفاعل له ويدل عليه قوله ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي عالم وبصير بكفركم وإيمانكم اللذين من عملكم والمعنى هو الذي تفضل عليكم بأصل
النعم الذي هو الخلق والايجاد عن العدم وكان يجب أن تكونوا بأجمعكم شاكرين فما بالكم تفرقتم أمماً فمنكم كافر ومنكم مؤمن وقدم الكفر لأنه الأغلب عليهم والأكثر فيهم وهو رد لقول من يقول بالمنزلة بين المنزلتين وقيل هو الذي خلقكم فمنكم كافر بالخلق وهم الدهرية ومنك مؤمن به
﴿خَلَقَ السماوات والأرض بالحق﴾ بالحكمة البالغة وهو أن جعلها مقار المكلفين ليعلموا فيجازيهم ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ أي جعلكم أحسن الحيوان كله وأبهاه بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور ومن حسن صورته أنه خلق منتصباً غير منكب ومن كان دميم مشوه الصور سمج الخلقة فلا سماجة ثمّ ولكن الحسن على طقبات فلانحطاطها عما فوقها لا تستملح ولكنها غير خارجة عن حد الحسن وقالت الحكماء شيآن لا غاية لهما الجمال والبيان ﴿وَإِلَيْهِ المصير﴾ فأحسنوا سرائركم كما أحسن صوركم
﴿يَعْلَمُ مَا فِى السماوات والأرض وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ والله عَلِيمُ بِذَاتِ الصدور﴾ نبه بعلمه ما في السموات والأرض ثم بعلمه بما يسره العباد ويعلنونه ثم بعلم بذات الصدور نبه بعلمه ما في السموات والأرض ثم بلعمه بما يسره العباد ويعلنونه ثم بعلمه بذات الصدور أن شيئاً من الكليات والجزئيات غير خاف عليه فحقه ان يتقي ويحذرولا يجترأ على شيء مما يخالف رضاه وتكرير العلم في معنى تكرير الوعيد وكل ما ذكره بعد قوله فمنك كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ في معنى الوعيد على الكفر وانكار ان يعصى الخالق ولا تشكر نعمته
﴿ألم يأتكم﴾ الخطاب لكفار مكة ﴿نبأ الذين كَفَرُواْ مِن قَبْلُ﴾ يعني قوم نوح وهود وصالح ولوط ﴿فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ أي ذاقوا وبال كفرهم بالدنيا ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في العقبى
﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما ذكر من الوبال الذي ذاقوه في الدنيا وما أعدلهم من العذاب في الآخر ﴿بِأَنَّهُ﴾ بأن الشأن والحديث ﴿كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾ بالمعجزات ﴿فَقَالُواْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾ أنكروا الرسالة للبشر ولم ينكروا العبادة للحجر ﴿فَكَفَرُواْ﴾ بالرسل ﴿وَتَوَلَّواْ﴾ عن الإيمان ﴿واستغنى الله﴾ أطلق ليتناول كل شيء ومن حملته أيمانهم وطاعتهم ﴿والله غَنِىٌّ﴾ عن خلقه ﴿حَمِيدٌ﴾ على صنعه
﴿زَعَمَ الذين كَفَرُواْ﴾ أي أهل مكة والزعم ادعاء العلم ويتعدى تعدي العلم ﴿أَن لَّن يُبْعَثُواْ﴾ أن مع ما في حيزه قائم مقام المفعولين وتقديره أنهم لن يبعثوا ﴿قُلْ بلى﴾ هو إثبات لما بعد لن وهو البعث ﴿وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ﴾ أكد الإخبار باليمين فإن قلت ما معنى اليمين على شيء أنكروه قلت هو جائز لأن التهدد به أعظ وقعا في اقلب فكانه قيل
لهم ما تنكرونه كائن لا محالة ﴿ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ﴾ البعث ﴿عَلَى الله يسير﴾ هين
﴿فآمنوا بالله ورسوله﴾ محمد ﷺ ﴿والنور الذى أَنزَلْنَا﴾ يعني القرآن لأنه يبين حقيقة كل شيء فيهتدي به كما بالنور ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ فراقبوا أموركم
﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ انتصب الظرف بقوله لَتُنَبَّؤُنَّ أو بإضماد اذكر ليوم يجمع فيه الأولون والآخرون {ذَلِكَ يَوْمُ التغابن﴾ وهو مستعار من تغابن القوم في التجارة وهو أن يغبن بعضهم بعضاً لنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء ونزول الاشقياء منازل التي كانوا ينزلوها لو كانوا أشقياء كما ورد في الحديث ومعنى ذلك يوم التغابن وقد يتغابن الناس في غير ذلك اليوم استعظام له وأن تغابنه هو التغابن في الحقيقة لا التغابن في أمور الدنيا ﴿وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صالحا﴾ صفة للمصدر أي عملاً صالحاً ﴿يُكَفّرْ عَنْهُ سيئاته وَيُدْخِلْهُ﴾ وبالنون فيهما مدني وشامي ﴿جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا أبدا ذلك الفوز العظيم﴾
﴿والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أُوْلَئِكَ أصحاب النار خالدين فِيهَا وَبِئْسَ المصير﴾
﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ﴾ شدة ومرض وموت أهل أو
﴿وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول فَإِن تَولَّيْتُمْ﴾ عن طاعة الله وطاعة رسوله ﴿فَإِنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ المبين﴾ أي فعليه التبلغي وقد فعل
﴿الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ وَعَلَى الله فليتوكل المؤمنون﴾ بعث لرسول الله ﷺ على التوكل عليه حتى ينصره على من كذبه وتولى عنه
﴿يا أيها الذين آمنوا إِنَّ مِنْ أزواجكم وأولادكم عَدُوّاً لَّكُمْ﴾ أي إن من الأزواج أزواجاً يعادين بعولتهن ويخاصمنهم ومن الأولاد اولادا
يعادون آباءهم ويقعونهم ﴿فاحذروهم﴾ الضمير للعدوا أي للأزواج والأولاد جميعاً أي لما علمتم أن هؤلاء لا يخلون من عدوّ فكونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرهم ﴿وَإِن تعفوا﴾ عنهما إذا اطلعتم منهم على عداوة ولم تقابلوهم بمثلها ﴿وَتَصْفَحُواْ﴾ تعرضوا عن التوبيخ ﴿وَتَغْفِرُواْ﴾ تستروا ذنوبهم ﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ يغفر لكم ذنوبكم ويكفر عنكم سيئاتكم قيل إن ناساً أرادوا الهجرة عن مكة فثبطهم أزواجهم وأولادهم وقالوا تنطلقون وتضيعوننا فرقوا لهم ووقفوا فلما هاجروا بعد ذلك ورأو الذين سبقوهم قد فقهوا في الدين
﴿إِنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ﴾ بلاء ومحنة لأنهم يوقعون في الإثم والعقوبة ولا بلاء أعظم منهما ﴿والله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ أي في الآخرة وذلك أعظم من مفعتكم بأموالكم وأولادكم ولم يدخل فيه من كما في العداوة لأن الكل لا يخلو ع نالفتنة وشغل القلب وقد يخلوا بعضهم عن العداوة
﴿فاتقوا الله مَا استطعتم﴾ جهدكم ووسعكم قيل هو تفسير لقوله حق تقاته ﴿واسمعوا﴾ ما توعظون به ﴿وَأَطِيعُواْ﴾ فيما تؤمرون وتنهون عنه ﴿وَأَنْفِقُواْ﴾ في الوجوه التي وجبت عليكم النفقة فيها ﴿خيرا لأنفسكم﴾ أي إتفاقا خيرا لأنفسكم وقال الكسائي يكن الاتفاق خيرا لأنفسكم والاصح تقديره ائتوا خيرا لأنفسكم من الأموال والأولاد وما أنتم عاكفون عليه من حب الشهوات وزخارف الدنيا ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ أي البخل بالزكاة والصدقة الواجبة ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ المفلحون﴾
﴿إن تقرضوا الله قرضا حسنا﴾ بنية وإخلاس وذكر القرض تلطف في الاستدعاء ﴿يضاعفه لَكُمْ﴾ يكتب لكم بالوحدة عشراً أو سبعمائة إلى ما شاء من الزيادة ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ والله شَكُورٌ﴾ يقبل القليل ويعطي الجزيل ﴿حَلِيمٌ﴾ يقيل الجليل من ذنب البخيل أو يضعف الصدقة لدافعها ولا يعجل العقبوة لمانعها
﴿عالم الغيب﴾ أي يعلم ما استتر من سرائر القلوب ﴿والشهادة﴾
بسم الله الرحمن الرحيم