تفسير سورة التغابن

صفوة البيان لمعاني القرآن
تفسير سورة سورة التغابن من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن .
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ
مدنية، وآياتها ثماني عشر

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ يسبح لله ما في السموات... ﴾ [ آية ١ الحديد ص ٤٠٠ ].
﴿ هو الذي خلقكم ﴾ بيان لبعض آثار قدرته تعالى العامة. أي أوجدكم وأنشأكم كما أراد.
﴿ فمنكم كافر ومنكم مؤمن ﴾ أي فبعض منكم كافر به، وبعض منكم مؤمن به ؛ فالفاء لتفصيل الإجمال في " خلقكم " كالفاء في قوله تعالى " والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ١ " الآية. أو هو الذي خلقكم خلقا بديعا، حاويا للكمالات العلمية والعملية ؛ ومع ذلك فمنكم محتار للكفر، كاسب له على خلاف ما تقتضيه الفطرة. ومنكم محتار للإيمان، كاسب له حسبما تقتضيه الفطرة وكان الواجب عليكم جميعا أن تكونوا مختارين للإيمان، شاكرين له نعمة الخلق و الإيجاد، وما يتفرع عليهما من سائر النعم ؛ فلم تفعلوا ذلك مع تمام تمكنكم منه ؛ بل تفرقتم شيعا ! فالفاء للترتيب لا للتفصيل ؛ كالفاء في قوله : " وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون " ٢
١ آية ٤٥ النور..
٢ آية ٢٦ الحديد..
﴿ وصوركم فأحسن صوركم ﴾ أتقنها وأحكمها على وجه لا مثيل له في الحسن والمنظر ومن ذلك خلقه إياكم مستوى القائمة غير منكبين، وجعلكم أنموذج جميع مخلوقاته في هذه النشأة.
﴿ ألم يأتكم ﴾ استفهام توبيخ أو تقرير. والخطاب لأهل مكة.
﴿ فذاقوا وبال أمرهم ﴾ سوء عاقبة كفرهم، في الدنيا من غير مهلة [ آية ٩٥ المائدة ص ٢٠٧ ].
﴿ والنور الذي أنزلنا ﴾ هو القرآن ؛ فإنه بإعجازه بيّن بنفسه، مبين لغيره ؛ كما أن النور كذلك.
﴿ يوم يجمعكم ليوم الجمع ﴾ أي لتنبؤن بما عملتم، يوم يجمعكم في اليوم الذي يجتمع فيه الأولون والآخرون للحساب والجزاء. وهو يوم القيامة. ﴿ ذلك يوم التغابن ﴾ أي يوم غبن فيه بعض الناس بعضا ؛ بنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء، ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينزلونها لو كانوا أشقياء. مستعار من تغابن القوم في التجارة : إذا غبن بعضهم بعضا فيها ؛ وفعله من باب ضرب. وفيه تهكم بالأشقياء ؛ لأنهم بنزولهم منازلهم من النار لا يغبنون السعداء.
﴿ وما أصاب من مصيبة... ﴾ هي الرزية، وما يسوء العبد في نفس أو مال أو ولد، أو قول
أو فعل. أي ما أصاب أحدا إلا بعلمه تعالى وتقديره وإرادته. ﴿ ومن يؤمن بالله يهد قلبه ﴾ عند المصيبة والتسليم لأمر الله والرضا بقضائه وقدره. أو لليقين ؛ فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
﴿ إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم ﴾ يحولون بينكم وبين الطاعات. وقد يحملونكم على السعي في اكتساب الحرام وارتكاب الآثام ؛ لفرط محبتهم وشدة التعلق بهم. ﴿ فاحذروهم ﴾ ولا تأمنوا غوائلهم. ﴿ وإن تعفوا ﴾ عما يقبل العفو من ذنوبهم. ﴿ وتصفحوا ﴾ بترك الترتيب والتعبير لهم. ﴿ وتغفروا ﴾ تستروا عيوبهم، وتمهدوهم لهم الاعتذار. ﴿ فإن الله غفور رحيم ﴾ نزلت في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا عيوبهم، وتمهدوا لهم الاعتذار. ﴿ فإن الله غفور رحيم ﴾ نزلت في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يهاجروا ؛ فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا للرسول صلى الله عليه وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم ؛ فأنزل الله الآية.
﴿ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ﴾ بلاء ومحنة، وقد يحملونكم على كسب الحرام ومنع حق الله تعالى، والوقوع في العظائم ؛ فلا تطيعوهم في معصية الله تعالى.
﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ ابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم. ﴿ ومن يوق شح نفسه ﴾ أي من يكفه الله شح نفسه فيفعل في ماله جميع ما أمر الله به، طيب النفس به. ﴿ فأولئك هم المفلحون ﴾ الفائزون [ آية ٩ الحشر ٤١٧ ].
﴿ قرضا حسنا ﴾ [ آية ١١ الحديد ص ٤٠٢ ].
﴿ والله شكور ﴾ ذو شكر لأهل الإنفاق في سبيله ؛ بحسن الجزاء ومضاعفة الثواب. ﴿ حليم ﴾ لا يعجل بعقوبة المسيء، بل يمهل طويلا ؛ ليتذكر العبد الإحسان مع العصيان فيتوب.
﴿ عالم الغيب والشهادة ﴾ السر والعلن [ آية ٢٢ الحشر ص ٤٢٠ ]. ﴿ العزيز ﴾ الغالب، الشديد في انتقامه ممن عصاه. ﴿ الحكيم ﴾ في صنعه وتدبير خلقه.
والله أعلم
Icon