ﰡ
وقوله تعالى هنا :﴿ وصوركم فأحسن صوركم ﴾، يشير بالأصالة إلى تكوين الخلقة الإنسانية وصنعها في حد ذاتها، وإلى هندستها الفريدة بين المخلوقات، وإلى ما ميزها الله به من أجهزة ووظائف وخصائص جعلت الإنسان عموما " سيد الأحياء " المتفوق عليها جميعا، ولو كان شكل بعض أفراده دميما وغير جميل، فجمال الخلقة الإنسانية وكمال التركيب الإنساني لا يختلفان، بالنسبة لغيره من الحيوانات غير الناطقة، وإن كانت أشخاص الإنسان تتفاوت بعضها عن بعض في نسبة الجمال والتناسب.
وكتاب الله عندما يذكر مشركي قريش بهذه الحقائق والوقائع يريد أن يبطل اعتراضهم على رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فاعتراضهم هو من جنس اعتراض الأمم الغابرة التي أصبحت في خبر كان، ولو حققوا في الأمر لأدركوا أن الرسالة المحمدية وما سبقها من الرسالات إنما هي كرامة من الله للجنس البشري الذي استخلفه في الأرض، وحمله أمانة " التكليف "، وإذا كان الحق سبحانه قد أوجد الإنسان من العدم، ونفخ فيه روح الحياة الناطقة، التي ميزه بها على بقية الأحياء، فما المانع أن يختار من بين خلقه من يؤهلهم لاستقبال رسالته، وتلقيها من الملأ الأعلى، ثم حملها وتبليغها إلى كافة الناس :﴿ الله أعلم حيث يجعل رسالاته ﴾ ( الأنعام : ١٢٤ ).
قال ابن كثير : " أمر الله رسوله أن يقسم بربه عز وجل على وقوع المعاد ووجوده في ثلاث آيات من كتاب الله :
- الآية الأولى في سورة ( يونس : ٥٣ ) :﴿ ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين ﴾.
- الآية الثانية في سورة ( سبأ : ٣ ) :﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينّكم ﴾.
- والآية الثالثة هنا في سورة التغابن :﴿ زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربّي لتبعثن ثم لتنبؤُن بما عملتم وذلك على الله يسير٧ ﴾.
وبعد قسم الرسول صلى الله عليه وسلم بربه على توكيد أمر البعث ثلاث مرات في ثلاث سور لا يبقى محل لأي توكيد آخر ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩:وانتقلت الآيات الكريمة للحديث عن يوم القيامة، وما يناله فيه المؤمنون " المصدقون "، والكافرون " المكذبون " وبين كتاب الله أن " يوم الجمع " هو " يوم التغابن " وسمي يوم القيامة " يوم الجمع " لأنه سيجمع فيه الأولون والآخرون في صعيد واحد، من جميع الأجيال ومن جميع الخلائق. بما فيهم ملائكة الرحمان، وسمي يوم القيامة أيضا " يوم التغابن " نظرا لأنه يفوز فيه فريق بدخول دار النعيم، ويخسر فيه فريق بدخول دار الجحيم، فالخاسر " مغبون " بالنسبة للفائز، ولا أمل له في الرجوع " بالغبن " أبدا. وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن٩ ﴾.