تفسير سورة التغابن

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة التغابن من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
سورة التغابن
أهداف سورة التغابن
( سورة التغابن مدنية وآياتها ١٨ آية، نزلت بعد سورة التحريم )
والتغابن بمعنى الغبن، لأن أهل الجنة يغبنون أهل النار ويأخذون أماكنهم في الجنةi. أي ينتصر أهل الجنة في ذلك اليوم، لأنهم أخذوا حقهم مضاعفا.
وقال جار الله : التغابن مستعار من تغابن القوم في التجارة، وهو أن يغبن بعضهم بعضا، لنزول السعداء منازل الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء، ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينزلوها لو كانوا أشقياء، كما ورد في الحديث :ii
" ما من عبد يدخل الجنة إلا يرى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا، وما من عبد يدخل النار إلا يرى مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة ". iii
قال النيسابوري : يجوز أن يُفسر التغابن بأخذ المظلوم حسنات الظالم، وحمل الظالم خطايا المظلوم، وإن صح مجيء التغابن بمعنى الغبن فذلك واضح في حق كل مقصر صرف شيئا من استعداده الفطري في غير ما أعطي لأجله.
وقال الشيخ مخلوف : يوم التغابن يظهر فيه غبن الكافر بتركه الإيمان، وغبن المؤمن بتقصيره في الإحسان. iv
مع السورة
في الآيات ( ١-٤ ) نجد آيات تذكر جلال الخالق المبدع وتصور قدرة الله القدير :
١- فهو سبحانه مالك الملك وصاحب الفضل والنعم، وهو القادر القاهر المتصف بصفات الجلال والكمال، وقدرة الله لا حدود لها فهي محيطة بكل شيء، مهيمنة على كل شيء، مدبرة لكل شيء، حافظة لكل شيء، لا يفتر عنها شيء، سواء في ذلك الكبير والصغير، والجليل والحقير.
والمؤمن يدرك آثار هذه القدرة ويشعر بجلال الله وعظمته، وعلمه ووقايته، وقهره وجبروته، ورحمته وفضله، وقربه منه في كل حال.
٢- وقد خلق الله الإنسان ومنحه الإرادة والاختيار، وميّزه بذلك على جميع الموجودات، وأرسل إليه الرسل، وأنزل إليه الكتب ليساعده على الإيمان، ومن الناس من يهديه الله للإيمان، ومنهم من يختار الكفر والجحود.
٣- وقد أبدع الله خلق السماء فرفعها، وزينها بالنجوم، وخلق الأرض وأودع فيها الأقوات، والجبال والبحار والأنهار، وخلق الإنسان في أبدع صورة وأحسن تركيبه، حيث يجتمع فيه الجمال إلى الكمال، ويتفاوت الجمال بين شكل وشكل، ، ولكن الله متّع الجميع بكل ما يحتاجون إليه من الآلات الجسدية، ومن المواهب المعنوية، ومن الخصائص التي يتفوق بها الإنسان على سائر الأحياء.
٤- وقد أحاط علم الله بالسماء والأرض، والسر والعلن، والمؤمن يحس بإحاطة علم الله به، ويشعر أنه مكشوف كله لعين الله، فليس له سر يخفى عليه، وليست له نية غائرة في الضمير لا يراها وهو العليم بذات الصدور.
وبهذه المعاني يستقر الإيمان في القلب، ويستقر تعظيم الله والشعور بجلاله ورقابته.
أما الآيتان ( ٥-٦ ) فتُذكران بما أصاب المكذبين للرسل من الهلاك والدمار، لقد جاءتهم الرسل بالآيات الواضحات، فاستكثروا أن يكون النبي إنسانا من البشر، وأعرضوا عن الهدى فأعرض الله عنهم، وهو سبحانه غني عن عباده، محمود على نعمائه.
والآيات ( ٧-١٣ ) تستعرض شبهة الكافرين في البعث وإنكارهم له، وترد عليهم بأن البعث حقيقة مؤكدة، ويتبع البعث الحساب والجزاء، والإيمان بالله ورسوله هو سبيل النجاة والهداية، فسيجمع الله المؤمنين والكفار يوم التغابن.
والتغابن مفاعلة من الغبن، وهو تصوير لما يقع من فوز المؤمنين بالنعيم، وحرمان الكافرين من كل شيء منه، ثم صيرورتهم إلى الجحيم، فهما نصيبان متباعدان، وكأنما كان هناك سباق للفوز بكل شيء، وليغبن كل فريق مسابقه، ففاز فيه المؤمنون وهُزم فيه الكافرون.
إن من آمن وعمل صالحا له جزاؤه في جنة الخلد والفوز العظيم، ومن كفر بالله وكذب بآياته له عقابه وخلوده في النار وبئس المصير.
وإن من أصول الإيمان أن تؤمن بالقضاء والقدر، وأن ترى الله مصدر كل شيء، وأن تفوض إليه الأمر، وأن تحني رأسك إجلالا لعظمته وتسليما لقضائه وقدره.
وطاعة الله وطاعة الرسول طريق الفلاح، والإعراض عن طاعتهما نذير بالعقاب، وليس هناك في الكون إلا إله واحد، يتوكل عليه المؤمن ويتيقن بوجوده، ويوحده ويعظمه، وذلك أساس العقيدة الإسلامية.
قال تعالى :﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾. ( التغابن : ١٣ ).
روابط الأسرة
تتجه الآيات الأخيرة من السورة لبناء المجتمع، وتهذيب العاطفة، وتوجيه العلاقات الأسرية الوجهة السليمة، لذلك يقول الفيروزبادي : سورة التغابن مكية إلا آخرها :﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ... ﴾ إلى آخر السورةv.
فالآيات الأولى من السورة شبيهة بالآيات المكية في بناء العقيدة، وتأكيد معنى الألوهية، وبيان صفات الله وكمالاته، أما الآيات الأخيرة من السورة فتتجه لبناء مجتمع سليم.
وفي تفسير مقاتل وابن جرير الطبري أن الآية نزلت في قوم كانوا أرادوا الإسلام والهجرة، فثبطهم عن ذلك أزواجهم وأولادهم.
وروى ابن جرير عن عكرمة أن رجلا سأل ابن عباس عن قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ... ﴾ ( التغابن : ١٤ ). قال : هؤلاء رجال أسلموا، فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فلما أتوا رسول الله عليه وسلم ورأوا الناس قد فقهوا في الدين، هموا أن يعاقبوهمvi فأنزل الله تعالى هذه الآية وفيها :﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
فينبغي ألا تشغل المكلف زوجته ولا أولاده عن طاعة الله، وأن تكون أسرته وسيلة لمرضاة ربه، ومعينة له على الصلاح والإصلاح، إن الله يمتحن الإنسان بالمال والولد، فالمؤمن يتخذ ماله وسيلة لمرضاة ربه، ويجعل من ولده أثرا صالحا، وعند الله الأجر الأكبر لمن أحسن استخدام ماله وولده في طريق الخير والإحسان.
روى الإمام أحمد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب، فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما، ووضعهما بين يديه، ثم قال : " صدق الله ورسوله : إنما أموالكم وأولادكم فتنة. نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران حتى قطعت حديثي ورفعتهما ". vii
وفي الأثر : الولد مجبنة مبخلة، أي : يجعل والده جبانا وبخيلا، رغبة من الأب في توفير الحماية والمال لولده.
والإسلام يهذب الغرائز، وينمي الفطرة ويوجهها إلى الوجهة السليمة، فيأمر بالاعتدال في حب المال والولد ويحذر من الافتتان بهما، وإذا طلبت الزوجة أو الأولاد ما يغضب الله فحذار من طاعتهما، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وكل ما قد ترى تفنى بشاشته يبقى الإله ويفنى الأهل والولد
وفي آخر السورة دعوة إلى تقوى الله قدر الطاقة والاستطاعة، وحث على الصدقة والإحسان، وتحذير من البخل والشح : إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا... ( التغابن : ١٧ ). وتقدموا صدقة للفقراء وعملا صالحا في مرضاة الله، فإن الله يضاعف الثواب لكم إلى سبعمائة ضعف، ويصفح عن عقوبتكم، ويشكر لكم أعمالكم، وهو سبحانه شكور حليم، فالله صاحب الفضل والنعم، يطلب من عبده فضل ما أعطاه، ثم يشكر لعبده ويعامله بالحلم والعفو عن التقصير، فما أجمل الله وما أعظم حلمه، وما أوسع رحمته وفضله.
وفي الآية الأخيرة تظهر صفات الجلال والكمال، فهو سبحانه، عالم الغيب. أي : ما لا يراه العباد ويغيب عن أبصارهم، والشهادة. أي : ما يشهدونه فيرونه بأبصارهم viii. فكل شيء مكشوف لعلمه خاضع لسلطانه، مدبر بحكمته، وهو العزيز الغالب، الحكيم في تدبير خلقه وصرفه إياهم فيما يصلحهم.
المعنى الإجمالي للسورة
قال الفيروزبادي :
معظم مقصود سورة التغابن : بيان تسبيح المخلوقات، والحكمة في تخليق الخلق، والشكاية من القرون الماضية، وإنكار الكفار البعث والقيامة، وبيان الثواب والعقاب، والإخبار عن عداوة الأهل والأولاد، والأمر بالتقوى حسب الاستطاعة، وتضعيف ثواب المتقين، والخبر عن اطلاع الحق على علم الغيب في قوله سبحانه :﴿ عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم ﴾. ( التغابن : ١٨ ).

مظاهر قدرة الله

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( ١ ) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( ٢ ) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ( ٣ ) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( ٤ ) ﴾
تمهيد :
تدل الآيات الأولى من سورة التغابن على كمال قدرة الله، وواسع علمه، واطّلاعه على كل شيء، فجميع المخلوقات تسبح بحمده، إما بلسان الحال، بمعنى أن الكون البديع المنظّم المتكامل يدلّ على كمال القدرة لخالقه سبحانه وتعالى.
وإما بلسان المقال، كما قال سبحانه وتعالى :﴿ وإن من شيء إلاّ يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم... ﴾ ( الإسراء : ٤٤ ).
وهو سبحانه صاحب الملك وحده، والمستحق للحمد دون سواه، وإذا شكرنا العباد فلأنهم سبب ظاهر، والمسبب الحقيقي هو الله تعالى.
وهو سبحانه القادر على كل شيء قدرة مطلقة، فلا يعجزه شيء وهو سبحانه فعال لما يريد.
وهو سبحانه خلق الخلق، ومنحهم الإرادة والاختيار، والكسب والقدرة على التصرف، فمنهم من اختار الكفر، ومنهم من اختار الإيمان، والله تعالى مطّلع على كل شيء، وسيجازى كل إنسان حسب عمله.
الله خالق السماوات والأرض بالحق والعدل، فوضع الأرض للأنام، وجعل فيها معايش للإنسان، وسخّر للإنسان السماء وسائر ما في الكون، كما خلقه في أحسن تقويم وأفضل سورة، وإليه سبحانه وتعالى المرجع والمصير.
والله تعالى عالم بكل مخلوقاته في السماوات والأرض، وعليم بكل السرّ والعلن، وهو سبحانه عليم بالخفايا والنوايا، وعلمه شامل للظاهر والباطن، وخلجات النفس، وخفايا الصدور، وتنكشف أمامه جميع الموجودات انكشافا تاما دون سبق خفاء.
المفردات :
يسبح : ينزّه ويقدس ويمجد.
ما في السماوات والأرض : جميع المخلوقات في السماوات والأرض بدلالتها على كماله واستغنائه.
التفسير :
١-﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
كل شيء في الكون خاضع لقدرة الله، مؤمن بوجود الله، مُسبّح ومُعظّم ومُنزّه لله عن كل نقص، ومعترف له بكل كمال، فالملك لله وحده، والحمد لله وحده، وملك الناس أمر عارض ومنتقل، وشكرنا للناس هو شكر لمن أجرى الله النعمة على يديه، فالمخلوق سبب ظاهر، والمسبب الحقيقي هو الله تعالى.
﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
والقدرة صفة وجودية قديمة قائمة بذات الله تعالى، فهو خالق الأكوان، ورازق الأكوان، ومدبّر الملك والخلق، وهو فعّال لما يريد، لا حدود لقدرته، ولا رادّ لأمره.
قال تعالى :﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾. ( يس : ٨٢ ).
فإذا أراد إيجاد شيء امتثل ووجد في سرعة قول القائل كُن، وامتثال الشيء ووجوده في الحال، فكل شيء في الكون خاضع لقدرته ومشيئته وإرادته.
﴿ إن الله على كل شيء قدير ﴾. ( البقرة : ٢٠ ).
تمهيد :
تدل الآيات الأولى من سورة التغابن على كمال قدرة الله، وواسع علمه، واطّلاعه على كل شيء، فجميع المخلوقات تسبح بحمده، إما بلسان الحال، بمعنى أن الكون البديع المنظّم المتكامل يدلّ على كمال القدرة لخالقه سبحانه وتعالى.
وإما بلسان المقال، كما قال سبحانه وتعالى :﴿ وإن من شيء إلاّ يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم... ﴾ ( الإسراء : ٤٤ ).
وهو سبحانه صاحب الملك وحده، والمستحق للحمد دون سواه، وإذا شكرنا العباد فلأنهم سبب ظاهر، والمسبب الحقيقي هو الله تعالى.
وهو سبحانه القادر على كل شيء قدرة مطلقة، فلا يعجزه شيء وهو سبحانه فعال لما يريد.
وهو سبحانه خلق الخلق، ومنحهم الإرادة والاختيار، والكسب والقدرة على التصرف، فمنهم من اختار الكفر، ومنهم من اختار الإيمان، والله تعالى مطّلع على كل شيء، وسيجازى كل إنسان حسب عمله.
الله خالق السماوات والأرض بالحق والعدل، فوضع الأرض للأنام، وجعل فيها معايش للإنسان، وسخّر للإنسان السماء وسائر ما في الكون، كما خلقه في أحسن تقويم وأفضل سورة، وإليه سبحانه وتعالى المرجع والمصير.
والله تعالى عالم بكل مخلوقاته في السماوات والأرض، وعليم بكل السرّ والعلن، وهو سبحانه عليم بالخفايا والنوايا، وعلمه شامل للظاهر والباطن، وخلجات النفس، وخفايا الصدور، وتنكشف أمامه جميع الموجودات انكشافا تاما دون سبق خفاء.
المفردات :
فمنكم كافر ومنكم مؤمن : قال الشوكاني : خلق الكافر وكفره فعل له وكسب، وخلق المؤمن وإيمانه فعل له وكسب. والكافر يكفر ويختار الكفر، والمؤمن يؤمن ويختار الإيمان، والكل بإذن الله، وما تشاءون إلا أن يشاء الله.
التفسير :
٢- ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.
الله تعالى خالق كل شيء، وقد خلق الإنسان في أحسن تقويم، وسخّر له كل شيء في الكون، وكرّم الله الإنسان فخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له الملائكة، ومنحه العقل والإرادة والاختيار وجعل الإنسان مكونا من جسم وروح، جامعا بين لقوى البدنية والقوى العلوية.
فمن الناس من اختار الكفر والضلال والإلحاد بكسبه وإرادته، ومن الناس من اختار الإيمان والطاعة والهداية، والسير على الصراط المستقيم، فسار مع الفطرة الإلهية، واتسق مع الكون، لأن الكون كله خاضع لأمر الله، مُسبح بحمده، والإنسان مؤمن بالفطرة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة، كما تولد البهيمة هل تحسون فيها من جدعاء ؟ فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه " ix. ( رواه البخاري ).
﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير ﴾.
هو تعالى مطلع على أعمالكم، وسيجازيكم عليها بالعدل، ولا يظلم ربك أحدا }. ( الكهف : ٤٩ ).
قال الطبري :
﴿ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ... ﴾
أي : منكم كافر بخلقه، وأنه هو الذي خلقه، ومنكم مصدّق به مؤمن أنه خالقه وبارئه.
تمهيد :
تدل الآيات الأولى من سورة التغابن على كمال قدرة الله، وواسع علمه، واطّلاعه على كل شيء، فجميع المخلوقات تسبح بحمده، إما بلسان الحال، بمعنى أن الكون البديع المنظّم المتكامل يدلّ على كمال القدرة لخالقه سبحانه وتعالى.
وإما بلسان المقال، كما قال سبحانه وتعالى :﴿ وإن من شيء إلاّ يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم... ﴾ ( الإسراء : ٤٤ ).
وهو سبحانه صاحب الملك وحده، والمستحق للحمد دون سواه، وإذا شكرنا العباد فلأنهم سبب ظاهر، والمسبب الحقيقي هو الله تعالى.
وهو سبحانه القادر على كل شيء قدرة مطلقة، فلا يعجزه شيء وهو سبحانه فعال لما يريد.
وهو سبحانه خلق الخلق، ومنحهم الإرادة والاختيار، والكسب والقدرة على التصرف، فمنهم من اختار الكفر، ومنهم من اختار الإيمان، والله تعالى مطّلع على كل شيء، وسيجازى كل إنسان حسب عمله.
الله خالق السماوات والأرض بالحق والعدل، فوضع الأرض للأنام، وجعل فيها معايش للإنسان، وسخّر للإنسان السماء وسائر ما في الكون، كما خلقه في أحسن تقويم وأفضل سورة، وإليه سبحانه وتعالى المرجع والمصير.
والله تعالى عالم بكل مخلوقاته في السماوات والأرض، وعليم بكل السرّ والعلن، وهو سبحانه عليم بالخفايا والنوايا، وعلمه شامل للظاهر والباطن، وخلجات النفس، وخفايا الصدور، وتنكشف أمامه جميع الموجودات انكشافا تاما دون سبق خفاء.
المفردات :
بالحق : بالغرض الصحيح، والحكمة البالغة، وهو أن جعل الأرض مقرّ المكلّفين، ليعملوا فيجازيهم، وسخر السماوات لهم.
وصوّركم : التصوير : تخطيط وتشكيل وتمييز وتخصيص، أي : خلقكم وبرأكم على صور وهيئات شتى، يتميز بها كل واحد عن سواه.
فأحسن صوركم : أتقنها وأحكمها، وجعلكم نموذج جميع المخلوقات، كما قال تعالى : في أحسن تقويم. ( التين : ٤ ).
المصير : المرجع والمآل.
التفسير :
٣- ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾.
خلق السماوات والأرض بالحكمة البالغة، وجعل الأرض مستقرا للإنسان، وألهمه أداء مهمته، ولم يخلق السماوات والأرض عبثا بدون هدف، بل خلقهما بالحق والعدل، ومن الحق أن يكافئ الطائع، وأن يحاسب ويعاقب العاصي.
﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ... ﴾
خلق الإنسان في أبدع صورة، وأكمل هيئة، ومنحه العقل والقوى الظاهرة والباطنة، وأعطاه العقل والقدرة على الإبداع، واستنباط المجهول من المعلوم، وخلقه قائما منتصبا في أجمل شكل، وشقّ له في وجهه للنظر عينين، وللسمع أذنين، ولسانا وشفتين، وهداه النجدين، وبيّن له الطريقين، والجمال متفاوت، والحسن متفاوت، وكل إنسان قد أوتي نصيبا من الجمال، بيد أن هناك الحَسَن والأَحْسَن، كما أن هناك العالم والأعلم : وفوق كل ذي علم عليم. ( يوسف : ٧٦ ).
جاء في تفسير الآلوسي :
قالت الحكماء : شيئان لا غاية لهما : الجمال والبيان.
وقال القرطبي :
فإن قيل : كيف أحسن صورهم ؟
قيل له : جعلهم أحسن كالحيوان كله، وأبهاه صورة، بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور، ومن أحسن صورته أنه خُلق منتصبا غير منكبّ. ١ه.
إنّ روح الإنسان مؤهله للسموّ الروحي، والتألق في عالم الروحانيات، بمحبة الله وعبادته وتسبيحه وتقديسه، وتكبيره والالتجاء إليه، والتفكّر في خلقه، والتملّي بجمال مخلوقاته.
وبدن الإنسان من عالم الأشباح، وهذا التركيب من خصائص الإنسان، ففيه جزء طيني أرضي هو الجسم، وفيه فيض نفخة روح الله تعالى.
قال تعالى :﴿ إني خالق بشرا من طين*فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ﴾. ( ص : ٧١-٧٢ ).
وقال الشاعر :
وتزعم أنه جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
﴿ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾. المرج والمآل، والحساب والجزاء.
تمهيد :
تدل الآيات الأولى من سورة التغابن على كمال قدرة الله، وواسع علمه، واطّلاعه على كل شيء، فجميع المخلوقات تسبح بحمده، إما بلسان الحال، بمعنى أن الكون البديع المنظّم المتكامل يدلّ على كمال القدرة لخالقه سبحانه وتعالى.
وإما بلسان المقال، كما قال سبحانه وتعالى :﴿ وإن من شيء إلاّ يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم... ﴾ ( الإسراء : ٤٤ ).
وهو سبحانه صاحب الملك وحده، والمستحق للحمد دون سواه، وإذا شكرنا العباد فلأنهم سبب ظاهر، والمسبب الحقيقي هو الله تعالى.
وهو سبحانه القادر على كل شيء قدرة مطلقة، فلا يعجزه شيء وهو سبحانه فعال لما يريد.
وهو سبحانه خلق الخلق، ومنحهم الإرادة والاختيار، والكسب والقدرة على التصرف، فمنهم من اختار الكفر، ومنهم من اختار الإيمان، والله تعالى مطّلع على كل شيء، وسيجازى كل إنسان حسب عمله.
الله خالق السماوات والأرض بالحق والعدل، فوضع الأرض للأنام، وجعل فيها معايش للإنسان، وسخّر للإنسان السماء وسائر ما في الكون، كما خلقه في أحسن تقويم وأفضل سورة، وإليه سبحانه وتعالى المرجع والمصير.
والله تعالى عالم بكل مخلوقاته في السماوات والأرض، وعليم بكل السرّ والعلن، وهو سبحانه عليم بالخفايا والنوايا، وعلمه شامل للظاهر والباطن، وخلجات النفس، وخفايا الصدور، وتنكشف أمامه جميع الموجودات انكشافا تاما دون سبق خفاء.
المفردات :
والله عليم بذات الصدور : عليم بحديث النفس، وخطرات القلب والسرّ، فلا يخفى عليه شيء كليا أو جزئيا، وعلمه بجميع الأشياء على سواء.
التفسير :
٤- ﴿ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾.
هو العليم بكل شيء.
قال تعالى :﴿ وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ﴾. ( الأنعام : ٥٩ ).
هو العليم الخبير بسائر الموجودات في السماوات والأرض.
﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾. ( المجادلة : ٧ ).
وهو العليم بالغيب والشهادة، أي بما غاب عن الحسّ وما ظهر أمام الحسّ، وهو مطلع على السرّ والعلن، فلا تخفى عليه خافية.
قال تعالى :﴿ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.
﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾.
هو عليم بما تكنّه الصدور وما تخفيه، فهو مطلع على الأسرار وخفايا الضمائر.
يا عالم الأسرار حسبي محنة علمي بأنك عالم الأسرار
قال تعالى :﴿ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ﴾. ( ق : ١٦ ).
تأنيب المكذبين للرسل
﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٥ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ( ٦ ) ﴾
تمهيد :
حفل القرآن الكريم بكثير من قصص السابقين المكذبين للرسل، الذين أهلكهم الله، كقوم نوح، وعاد وثمود، وفرعون وملئه، وقوم لوط، وهذه القصص كانت متداولة بين المشركين، فقد وردت في التوراة والإنجيل، وإذا ترجح لدينا أن سورة التغابن مدنية، يكون القرآن، المكيّ قد حفل بقصص المكذبين للرسل، وانتقام الله منهم.
وهنا يذكّر المشركين، ويقول لهم : ألم يصل إلى أسماعكم أخبار المكذبين للرسل من الأمم السابقة، الذي استحقوا الهلاك، وذاقوا عاقبة كفرهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب أليم، وهذا الهلاك بسبب أن رسلهم جاءت إليهم بالبيات والمعجزات، وأساليب الهداية والإيمان، فكابروا وقالوا : أنؤمن لبشر مثلنا لا يتميز علينا بشيء، وأعرضوا عن الإيمان، واستغنى الله عن إيمانهم، فأهلكهم الله، والله غني عن عباده، محمود على حسن فعاله.
المفردات :
وبال أمرهم : سوء عاقبة كفرهم في الدنيا.
التفسير :
٥- ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.
ألم يصل إلى أسماعكم – لتعتبروا وتتعظوا – خبر الذين كفروا بالله وكذبوا رسل الله إليهم، كقوم نوح وعاد وثمود، وقوم لوط، لقد أغرقهم الله وأهلكهم بأنواع مهلكة مدمرة، كالصاعقة والخسف والمطر بحجارة مهلكة، فنالوا عاقبة كفرهم وذاقوا عاقبة عصيانهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب أليم في نار جهنم.
تمهيد :
حفل القرآن الكريم بكثير من قصص السابقين المكذبين للرسل، الذين أهلكهم الله، كقوم نوح، وعاد وثمود، وفرعون وملئه، وقوم لوط، وهذه القصص كانت متداولة بين المشركين، فقد وردت في التوراة والإنجيل، وإذا ترجح لدينا أن سورة التغابن مدنية، يكون القرآن، المكيّ قد حفل بقصص المكذبين للرسل، وانتقام الله منهم.
وهنا يذكّر المشركين، ويقول لهم : ألم يصل إلى أسماعكم أخبار المكذبين للرسل من الأمم السابقة، الذي استحقوا الهلاك، وذاقوا عاقبة كفرهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب أليم، وهذا الهلاك بسبب أن رسلهم جاءت إليهم بالبيات والمعجزات، وأساليب الهداية والإيمان، فكابروا وقالوا : أنؤمن لبشر مثلنا لا يتميز علينا بشيء، وأعرضوا عن الإيمان، واستغنى الله عن إيمانهم، فأهلكهم الله، والله غني عن عباده، محمود على حسن فعاله.
المفردات :
تولّوا : أعرضوا عن الإيمان بالرسل.
التفسير :
٦- ﴿ ذَلِكَ بأنّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾.
ذلك الذي أصابهم من عذاب الدنيا وسعير جهنم في الآخرة بسبب أن الرسل جاءت إليهم بالآيات البينات وألوان الهداية والمعجزات، فقالوا : لا تبع بشرا مثلنا.
والله تعالى حكيم عليم، حيث أرسل الرسل إلى البشر من جنسهم، ليكون الرسول قدوة عميلة، ونموذجا عمليا، ولو كانت أقوام الرسل ملائكة تمشي مطمئنة في الأرض لأنزل الله عليهم ملكا رسولا، لكنّ حكمته قد اقتضت أن يكون الرسول من جنس المرسل إليهم، يتكلم بلغتهم، ويحسّ بإحساسهم، ويتحاور معهم باللغة التي يفهمونها.
قال تعالى :﴿ وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبين لهم... ﴾( إبراهيم : ٤ ).
ومن فضل الله أن يمنّ على بعض البشر بالرسالة، فيصطفيهم ويختارهم :﴿ الله أعلم حيث يجعل رسالته... ﴾( الأنعام : ١٢٤ ). ثم يُرسل أمين الوحي إليهم بالرسالة والنبوة، وبذلك يتم فضل الله.
قال تعالى :﴿ رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ﴾. ( النساء : ١٦٥ ).
والخلاصة :
إن عذاب المكذبين وهلاكهم بسبب أنهم قابلوا رسلهم بالتكذيب والإعراض، والله غني عنهم لا ينفعه إيمانهم، ولا يضره كفرهم، وهو سبحانه غني عن خلقه، محمود على حسن فعله.
قال تعالى :﴿ يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد*إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز ﴾. ( فاطر : ١٥-١٧ ).
يوم التغابن
﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( ٧ ) فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( ٨ ) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( ٩ ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( ١٠ ) ﴾
تمهيد :
يستعرض القرآن شبه الكافرين، حيث أنكروا البعث والحشر والحساب، فأقسم الحق أن البعث حق، ويتبعه الجزاء العادل، وأن البعث هيِّن يسير على الله، فمن خلق الخلق في الابتداء قادر على إعادتهم يوم القيامة.
ثم دعاهم الله إلى الإيمان بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن الكريم نورا وهداية، والله خبير ومطّلع على الظاهر والباطن.
سيجمع الله الخلق في يوم الجمع، حيث يجتمع فيه الأوّلون والآخرون، وهو يوم التغابن، فقد غُبِنَ الكافرون، وربح المؤمنون، فالمؤمنون باعوا دنياهم واشتروا جنة عرضها السماوات والأرض، أما الكفار فقد باعوا نصيبهم في الجنة بعرض قليل من الدنيا وزهرتها، ثم بين الله أن للمؤمن بالله – الذي عمل صالحا – جنات تجري من تحتها الأنهار، ونعم المصير مصير المتقين، أما الكافر فمآله جهنم وبئس المصير.
المفردات :
زعم الذين كفروا : الزّعم : ادعاء العلم، أي : ادعوا كذبا أنهم لن يُبعثوا أحياء من قبورهم.
قل بلى وربّي لتبعثن : قل لهم يا رسولنا : بلى لتبعثنّ، ثم لتنبئون بما عملتم.
التفسير :
٧- ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾.
ادعى الكفار كذبا أنه لا بعث ولا حشر ولا جزاء، ولا ثواب ولا عقاب.
﴿ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ... ﴾
قل لهم يا محمد : أُقسم بالله غير حانث البعث حق وأن القيامة حق. لَتُبْعَثُنَّ. بالتأكيد، ثم ستخبرون بأعمالكم، وتحاسبون عليها، وهذا البعث هين يسير على الله، كما بدأ الخلق أول مرة، يعيدهم مرة أخرى.
قال تعالى :﴿ كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنّا كنا فاعلين ﴾. ( الأنبياء : ١٠٤ ).
وهذه الآية ورد فيها القسم بذات الله تعالى.
قال ابن كثير :
وهذه الآية هي الثالثة التي أمر الله رسوله أن يقسم بربه عز وجل على وقوع الميعاد ووجوده.
فالأولى في يونس :﴿ ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق... ﴾( يونس : ٥٣ ).
والثانية في سبأ :﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم... ﴾( سبأ : ٣ ).
والثالثة : هذه الآيةx
تمهيد :
يستعرض القرآن شبه الكافرين، حيث أنكروا البعث والحشر والحساب، فأقسم الحق أن البعث حق، ويتبعه الجزاء العادل، وأن البعث هيِّن يسير على الله، فمن خلق الخلق في الابتداء قادر على إعادتهم يوم القيامة.
ثم دعاهم الله إلى الإيمان بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن الكريم نورا وهداية، والله خبير ومطّلع على الظاهر والباطن.
سيجمع الله الخلق في يوم الجمع، حيث يجتمع فيه الأوّلون والآخرون، وهو يوم التغابن، فقد غُبِنَ الكافرون، وربح المؤمنون، فالمؤمنون باعوا دنياهم واشتروا جنة عرضها السماوات والأرض، أما الكفار فقد باعوا نصيبهم في الجنة بعرض قليل من الدنيا وزهرتها، ثم بين الله أن للمؤمن بالله – الذي عمل صالحا – جنات تجري من تحتها الأنهار، ونعم المصير مصير المتقين، أما الكافر فمآله جهنم وبئس المصير.
التفسير :
٨- ﴿ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.
في الآية السابقة تأكيد لشأن البعث والحشر والحساب، فآمنوا بالله ربا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وبالقرآن كتابا سماويا، وهو نور أنزله من السماء يضيء للناس حياتهم، ويرشدهم إلى الإيمان، ويوضح لهم أسلوب التعامل، وبيان الحلال والحرام.
ويرشدهم إلى أخبار السابقين، وآداب التعامل في الحياة، ومشاهد القيامة وأخبارها وأحوالها، فالقرآن نور منزّل من عند الله نور السماوات والأرض، والقرآن هداية من عند الله تعالى.
﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.
هو مطلع وشاهد، ورقيب وحسيب، وسيحاسبكم يوم القيامة، ويجازيكم على أعمالكم.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( ٥٢ ) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾. ( الشورى : ٥٢-٥٣ ).
تمهيد :
يستعرض القرآن شبه الكافرين، حيث أنكروا البعث والحشر والحساب، فأقسم الحق أن البعث حق، ويتبعه الجزاء العادل، وأن البعث هيِّن يسير على الله، فمن خلق الخلق في الابتداء قادر على إعادتهم يوم القيامة.
ثم دعاهم الله إلى الإيمان بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن الكريم نورا وهداية، والله خبير ومطّلع على الظاهر والباطن.
سيجمع الله الخلق في يوم الجمع، حيث يجتمع فيه الأوّلون والآخرون، وهو يوم التغابن، فقد غُبِنَ الكافرون، وربح المؤمنون، فالمؤمنون باعوا دنياهم واشتروا جنة عرضها السماوات والأرض، أما الكفار فقد باعوا نصيبهم في الجنة بعرض قليل من الدنيا وزهرتها، ثم بين الله أن للمؤمن بالله – الذي عمل صالحا – جنات تجري من تحتها الأنهار، ونعم المصير مصير المتقين، أما الكافر فمآله جهنم وبئس المصير.
المفردات :
يوم التغابن : هو يوم القيامة، وسُمي يوم التغابن لأن الكافر غبن نفسه وظلمها بترك الإيمان، أما المؤمن فيغبن نفسه لتقصيره في الطاعات والإيمان.
التفسير :
٩- ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.
في يوم القيامة يجمع الله الأولين ولذلك سمّي يوم الجمع، حيث يُحشر الناس من عهد آدم إلى قيام الساعة، في وقت واحد، ومكان واحد، يراهم المبصر، ويسمعهم السامع، وهذا اليوم له أسماء متعددة : فهو يوم القيامة، والحاقّة، والزلزلة، والساعة، والقارعة، والجاثية، وكلها أسماء تدل على الهول الكبير الذي يصيب الناس.
ومن أسماء يوم القيامة : التَّغَابُنِ. وأساس الغبن النقص في التجارة، والمغبون من باع صفقته بأقل من ثمنها.
وكأنما كانت الدنيا سباقا بين المؤمنين والكافرين، فاز في هذا السباق المؤمنون، وكان جزاؤهم الجنة، وخسر في هذا السباق الكافرون، وكان جزاؤهم النار، فالكافر مغبون لأنه باع نصيبه في الجنة بعرض فان من أعراض الدنيا، والمؤمن غبن الكافر، وأخذ مكانه في الجنة، فهو غبن معنوي، ففي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يدخل الجنة إلا اُري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا، وما من عبد يدخل النار إلا أُري مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة " xi ( أخرجه الترمذي في أبوب الزهد ).
قال القرطبي :
يوم التغابن. أي : يوم القيامة، ... وسمي يوم القيامة بيوم التغابن لأنه غبن فيه أهل الجنة أهل النار، أي أن أهل الجنة أخذوا الجنة، وأهل النار أخذوا النار على طريق المبادلة، فوقع الغبن على الكافرين، لأجل مبادلتهم الشر بالخير، والعذاب بالنعيم.
ثم فسّر القرآن التغابن ببيان الجزاء العظيم، والنعيم المقيم لأهل الجنة، والعذاب الأليم لأهل النار.
﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.
فهذا هو الفريق الفائز في سباق التغابن، فريق من آمن بالله ربّا، وعمل عملا صالحا، فجزاؤه محو السيئات، ومغفرة الذنوب، ودخول الجنات تجري من تحتها الأنهار، والخلود الأبدي السرمدي في الجنة.
﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
هؤلاء السابقون المتفوّقون، الفائزون بذلك الفوز العظيم، والجائزة الكبرى، والنعمة العظمى، ورضوان الله وكرامته، وجائزته في القيامة.
تمهيد :
يستعرض القرآن شبه الكافرين، حيث أنكروا البعث والحشر والحساب، فأقسم الحق أن البعث حق، ويتبعه الجزاء العادل، وأن البعث هيِّن يسير على الله، فمن خلق الخلق في الابتداء قادر على إعادتهم يوم القيامة.
ثم دعاهم الله إلى الإيمان بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالقرآن الكريم نورا وهداية، والله خبير ومطّلع على الظاهر والباطن.
سيجمع الله الخلق في يوم الجمع، حيث يجتمع فيه الأوّلون والآخرون، وهو يوم التغابن، فقد غُبِنَ الكافرون، وربح المؤمنون، فالمؤمنون باعوا دنياهم واشتروا جنة عرضها السماوات والأرض، أما الكفار فقد باعوا نصيبهم في الجنة بعرض قليل من الدنيا وزهرتها، ثم بين الله أن للمؤمن بالله – الذي عمل صالحا – جنات تجري من تحتها الأنهار، ونعم المصير مصير المتقين، أما الكافر فمآله جهنم وبئس المصير.
١٠-﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.
وهذا هو نصيب الذين كفروا بالله، وجحدوا جحوده، وكذّبوا بالكتب وبالآيات البينات والمعجزات الواضحات، فاستحقوا النار ماكثين فيها، كأنهم أصحابها الملازمون لها، وساءت مصيرا، وبئس المال نهاية أهل النار، فهم في عذاب مقيم، وخسران مبين.
تلك نهاية السباق، وخاتمة التغابن، حيث فاز المؤمنون بالجنة ونعيمها، ونال الكافرون النار وعذابها، فنعم جزاء المتقين الجنة، وبئس عاقبة الكافرين النار وبئس المصير.
اللهم إنا نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار، ومن عذاب النار، إنك أنت العزيز الغفّار، اللهم آمين.
الإيمان بالقضاء هداية
﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( ١١ ) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ( ١٢ ) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( ١٣ ) ﴾
تمهيد :
هذه آيات تغرس اليقين في القلب، وتؤدي بالمؤمن إلى اليقين الجازم بالقضاء والقدر، خيره وشرّه، حلوه ومره، وقد يتعرض المؤمن للأذى أو الفقر، أو المرض أو الآلام أو المصائب، والمؤمن يلقى ذلك بالصبر واليقين، بأن بيد الله كل شيء، فيصبر على البأساء، ويشكر على النعماء، ويرضى بأسباب القضاء.
وفي الآيات دعوة إلى طاعة الله، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن أعرضتم عن الإيمان أيها المشركون، فضرر ذلك واقع عليكم وحدكم، وليس على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا البلاغ إليكم، وليس من واجباته هدايتكم.
والله وحده هو الإله المعبود بحق، وعلى الله فليتوكل المؤمنون، فهم يؤدّون ما يجب عليهم، ثم يعتمدون على الله وحده في نجاح سعيهم، والتوكل غير التواكل.

سبب النزول :

قيل : سبب نزولها أن الكفار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا، فبيّن الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس أو مال، أو قول أو فعل، يقتضي همّا أو يوجب عقابا عاجلا أو آجلا، فبعلم الله وقضائهxii.
المفردات :
ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله : ما أصابت أحدا من الناس من مصيبة إلاّ بقضاء الله تعالى وتقديره ذلك عليه.
ومن يؤمن بالله يهد قلبه : ومن يصدّق بالله فيعلم أنه لا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذنه تعالى، يهد قلبه للتسليم، والرضاء بقضائه، فيسترجع ويصبر.
التفسير :
١١- ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.
من شأن المؤمن أن يؤمن بالقضاء والقدر، خيره وشره، حلوه ومرّه، فإذا نزلت بساحته المصائب صبر وتصبّر وتماسك، وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقال أيضا : اللهم اؤجرني في مصيبتي وعوضني خيرا منها.
أي : ارزقني ثواب ذلك المصاب، وعوضني خيرا منه بفضلك.
أخرج البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عجبا للمؤمن، لا يقضي الله له قضاء إلاّ كان خيرا له، إن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " xiii
وقال ابن عباس :﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾. يعني عن قدره ومشيئته. ١ه.
وهذا الرضا بالقضاء والقدر يجعل المؤمن راضيا محتسبا، ثابت الجنان، هادئ النفس.
﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ... ﴾
إن الإيمان بالله تعالى، والوثوق بأنه الإله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الفعّال لما يريد، يجعل القلب في هداية وصبر، واحتمال وتماسك.
وقرأ السلمي وقتادة : يُهدَ قلبه. بضم الياء وفتح الدال، ورفع الباء على البناء للمجهول.
وقرأ عكرمة : يهدأ قلبه. بهمزة ساكنة، ورفع الباء، أي : يسكن ويطمئن.
وقد وردت عدة قراءات في تفسير القرطبي، وتلتقي جميعها على أنّ هداية القلب أو هدوء القلب منحة إلهية، أو هبة ربانية وعطاء من الله للمؤمن الذي اطمأنّ إلى قضاء الله وقدره، فرضي واحتسب وصبر، وتيقن أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
قال علقمة :﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ... ﴾
هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلّم.
﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.
أي : هو سبحانه مطلع على خفايا النفوس، عليم بمن صبر وبمن جزع، وهو سبحانه يعلم السرّ وأخفى، فليتق المؤمن ربه، وليصبر على البأساء، وليشكر على النعماء، وليكن راضيا بالقضاء والقدر، خيره وشره، حلوه ومرّه.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى :﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( ٢٢ ) لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾. ( الحديد : ٢٢-٢٣ ).
تمهيد :
هذه آيات تغرس اليقين في القلب، وتؤدي بالمؤمن إلى اليقين الجازم بالقضاء والقدر، خيره وشرّه، حلوه ومره، وقد يتعرض المؤمن للأذى أو الفقر، أو المرض أو الآلام أو المصائب، والمؤمن يلقى ذلك بالصبر واليقين، بأن بيد الله كل شيء، فيصبر على البأساء، ويشكر على النعماء، ويرضى بأسباب القضاء.
وفي الآيات دعوة إلى طاعة الله، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن أعرضتم عن الإيمان أيها المشركون، فضرر ذلك واقع عليكم وحدكم، وليس على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا البلاغ إليكم، وليس من واجباته هدايتكم.
والله وحده هو الإله المعبود بحق، وعلى الله فليتوكل المؤمنون، فهم يؤدّون ما يجب عليهم، ثم يعتمدون على الله وحده في نجاح سعيهم، والتوكل غير التواكل.

سبب النزول :

قيل : سبب نزولها أن الكفار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا، فبيّن الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس أو مال، أو قول أو فعل، يقتضي همّا أو يوجب عقابا عاجلا أو آجلا، فبعلم الله وقضائهxii.
المفردات :
فإن توليتم : فإن أعرضتم عن طاعة الله ورسوله، فلا ضرر ولا بأس على رسولنا من إعراضكم، إذّ عليه إبلاغكم لا هدايتكم.
التفسير :
١٢- ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾.
التزموا طاعة الله فيما أمر به، وطاعة الرسول فيما يبلغكم به من أوامر وأحكام، فإن طاعة الرسول طاعة لله.
قال تعالى :﴿ من يُطع الرسول فقد أطاع الله... ﴾ ( النساء : ٨٠ ).
فإن أعرضتم أيها المشركون عن الإيمان بالله ورسوله، وعن طاعة الله وطاعة رسوله، فإنما إثم ذلك واقع عليكم وحدكم، وليس على الرسول إلا البلاغ، أما أمر الهداية والتوفيق للإيمان فبيد الله وحده، ومسئولية الإعراض على عاتقكم وحدكم.
قال تعالى :﴿ ما على الرسول إلا البلاغ.. ﴾. ( المائدة : ٩٩ ).
وقال سبحانه :﴿ إنْ عليك إلاّ البلاغ... ﴾ ( الشورى : ٤٨ ).
وقال عز شأنه :﴿ إنك لا تهدي من أحببت... ﴾ ( القصص : ٥٦ ).
وقال تعالى :﴿ ليس عليك هداهم ولكنّ الله يهدي من يشاء... ﴾ ( البقرة : ٢٧٢ ).
تمهيد :
هذه آيات تغرس اليقين في القلب، وتؤدي بالمؤمن إلى اليقين الجازم بالقضاء والقدر، خيره وشرّه، حلوه ومره، وقد يتعرض المؤمن للأذى أو الفقر، أو المرض أو الآلام أو المصائب، والمؤمن يلقى ذلك بالصبر واليقين، بأن بيد الله كل شيء، فيصبر على البأساء، ويشكر على النعماء، ويرضى بأسباب القضاء.
وفي الآيات دعوة إلى طاعة الله، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن أعرضتم عن الإيمان أيها المشركون، فضرر ذلك واقع عليكم وحدكم، وليس على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا البلاغ إليكم، وليس من واجباته هدايتكم.
والله وحده هو الإله المعبود بحق، وعلى الله فليتوكل المؤمنون، فهم يؤدّون ما يجب عليهم، ثم يعتمدون على الله وحده في نجاح سعيهم، والتوكل غير التواكل.

سبب النزول :

قيل : سبب نزولها أن الكفار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا، فبيّن الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس أو مال، أو قول أو فعل، يقتضي همّا أو يوجب عقابا عاجلا أو آجلا، فبعلم الله وقضائهxii.
١٣- ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾.
الله عز وجل هو خالق الأكوان، وهو الإله الحق، لا معبود بحق سواه، ولا إله إلا الله، وكل ما خلاه باطل، فالأصنام والأوثان، وعزير والمسح والملائكة، والبقر والشجر، والشمس والقمر والنجوم، كلها مخلوقات لله، مربوبة له، فهو الإله الواحد، وكل ما سواه مخلوق مربوب عبد لله.
قال تعالى :﴿ ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ﴾. ( الأعراف : ٥٤ ).
﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾.
التوكل هو الاعتماد على الله والالتجاء إليه، والثقة بقدرته، والركون والاعتماد عليه، بعد الأخذ بالأسباب.
والتوكل غير التواكل، فالمتوكل هو من يبذر البذرة، ويعتمد على الله في إنضاج الثمرة.
فالمؤمن مطالب بالأخذ بالأسباب، وفي نفس الوقت مطالب باليقين الكامل بأن مسبب الأسباب هو الله تعالى، وبذلك يكون التوكّل على الله طاقة إيجابية تحتاج أمرين رئيسيين في وقت واحد :
الأول : العمل اللازم مع إتقانه والرقي به.
قال تعالى :﴿ إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا ﴾. ( الكهف : ٣٠ ).
الثاني : التوكل على الله، والثقة به، واليقين بنصره، والتضرع إليه والاعتماد عليه.
﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾.
وقريب من هذه الآية قوله تعالى في سورة إبراهيم :
﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ( ١١ ) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾. ( إبراهيم : ١١-١٢ ).
التحذير من فتنة الأزواج والأولاد
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( ١٤ ) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ( ١٥ ) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( ١٦ ) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ( ١٧ ) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( ١٨ ) ﴾
تمهيد :
هذه آيات تربية وتعليم من الله تعالى لعباده، تحذّرهم من أن يكون حبّهم لأزواجهم وأولادهم حاملا لهم على ارتكاب الحرام، كالزوج الذي تحمله زوجته على هجر ضرتها، وكالولد الذي يغري أباه بالسرقة أو المذلة.
سأل رجل عبد الله بن عباس عن قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾... فقال : هؤلاء رجال أسلموا من مكة، فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فهمّوا أن يعاقبوهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وفيها :﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾. xiv
والمال نعمة، والولد نعمة، وقد أمرنا الله أن نشكره سبحانه على النعمة، بإخراج زكاة المال، وإخراج الصدقات والكفّارات وصلة الرحم، والمساهمة في الخيرات والواجبات، كما أمرنا الإسلام بتربية الأولاد والبنات، وتعليمهم مكارم الأخلاق وآداب الإسلام والمحافظة على الصلاة، والتوازن في التربية، فلا تكن رطبا فتعصر، ولا صلبا فتكسر، بل ينبغي أن تكون متوسطا متوازنا، تأمر وتنصح، وتكافئ وتعاقب.
وتأمر الآيات بتقوى الله في رفق وتوسط واعتدال، وبإنفاق المال واتقاء الشحّ والبخل والحرص والجشع، ثم تحثنا على الصدقة ومساعدة المحتاجين، فذلك قرض لله، والله تعالى يضاعف للمؤمن الثواب والجزاء.
المفردات :
فاحذروهم : فكونوا منهم على حذر، ولا تطيعوهم.
تعفوا : تتركوا العقوبة.
وتصفحوا : تُعرضوا عن التّعيير والتأنيب.
تغفروا : تستروا ذنوبهم وإساءاتهم.
التفسير :
١٤- ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
نداء إلهي علوي إلى جميع المؤمنين، محذرا ومبينا أن بعض الأزواج وبعض الأولاد يحملون أزواجهم وآباءهم على بيع ثوابهم وآخرتهم، وجنات ربهم، وشراء عرض الحياة الدنيا.
فقد تُزين الزوجة لزوجها ترك الجهاد، أو ترك الزكاة أو الصدقة، أو المساهمة في عمل خير، أو ترك حقوق ضرتها، وعدم إعطائها حقها، فيطيع الزوج زوجته، والطاعة لا تكون إلا في المعروف، وقد يطلب الابن طلبا غير متيسر لأبيه من طرق الحلال، فربما ارتكب السرقة أو الرشوة، أو أخذ المال الحرام أو الشبهات في سبيل مرضاة الابن.
لذلك حذرنا القرآن من طاعة الزوجة التي تأمر بالمنكر، ومن طاعة الولد الذي يُحرض أباه على الحرام، قال تعالى :﴿ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾. أي : كونوا على حذر من طلبات لا تتفق مع مرضاة الله، وأوامر رسوله وتشريع دينه.
﴿ وَإِنْ تَعْفُوا ﴾. عن ذنوبهم، وتتجاوزوا عن سيئاتهم التي تقبل العفو، أو الأخطاء التي أعقبتها توبة من الزوجة أو الأولاد.
وَتَصْفَحُوا. تعرضوا عن التعبير والتأنيب واللوم.
وَتَغْفِرُوا. تسامحوهم، وتأخذوا بأيديهم وتساعدوهم على معذرتهم وتوبتهم، واستقامتهم وسلوكهم المستقيم.
﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.
فإن من صفات الله المغفرة، وستر الذنوب، وقبول التوبة، ومحو السيئات، فتخلقوا بأخلاق الإسلام، وسامحوا أزواجكم وأولادكم، حتى يسامحكم الله ويغفر لكم.
تمهيد :
هذه آيات تربية وتعليم من الله تعالى لعباده، تحذّرهم من أن يكون حبّهم لأزواجهم وأولادهم حاملا لهم على ارتكاب الحرام، كالزوج الذي تحمله زوجته على هجر ضرتها، وكالولد الذي يغري أباه بالسرقة أو المذلة.
سأل رجل عبد الله بن عباس عن قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾... فقال : هؤلاء رجال أسلموا من مكة، فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فهمّوا أن يعاقبوهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وفيها :﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾. xiv
والمال نعمة، والولد نعمة، وقد أمرنا الله أن نشكره سبحانه على النعمة، بإخراج زكاة المال، وإخراج الصدقات والكفّارات وصلة الرحم، والمساهمة في الخيرات والواجبات، كما أمرنا الإسلام بتربية الأولاد والبنات، وتعليمهم مكارم الأخلاق وآداب الإسلام والمحافظة على الصلاة، والتوازن في التربية، فلا تكن رطبا فتعصر، ولا صلبا فتكسر، بل ينبغي أن تكون متوسطا متوازنا، تأمر وتنصح، وتكافئ وتعاقب.
وتأمر الآيات بتقوى الله في رفق وتوسط واعتدال، وبإنفاق المال واتقاء الشحّ والبخل والحرص والجشع، ثم تحثنا على الصدقة ومساعدة المحتاجين، فذلك قرض لله، والله تعالى يضاعف للمؤمن الثواب والجزاء.
المفردات :
فتنة : ابتلاء واختبار وامتحان.
التفسير :
١٥- ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾.
المال والولد فتنة، بمعنى اختبار وابتلاء، لينظر الله إلى سلوك العبد تجاه هذه النعمة، هل يؤدّي زكاة المال ؟ هل يتصدق على المحتاجين ؟ هل يساعد الضعفاء والمساكين ؟
وهل يتقي الله في الأولاد، فيحسن تربيتهم وتعليمهم وتهذيبهم ؟ وهل يتماسك أمام الزوجة والأولاد، فلا ينشغل بهم عن حقوق الله عليه ؟
كما قال سبحانه وتعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا لا تُلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ﴾. ( المنافقون : ٩ ).
والمراد بذكر الله : تذكّره وطاعته، والتزام أوامره، واجتناب نواهيه.
﴿ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾.
وعند الله ثواب عظيم، وجزاء كريم في الدنيا والآخرة، لمن آثر الحلال من الأموال، وابتعد عن الحرام والشبهات، وآثر الالتزام بأوامر الله في تربية أولاده وبناته، فصانهم عن الحرام، وحثهم على أداء الفرائض، واجتناب المحرمات، فهذا أهل للجزاء العظيم عند الله، حيث يجعله من أهل القربى والزلفى والرضوان والنعيم المقيم.
أخرج البخاري ومسلم، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ؟ فيقول : ألا أعطيكم لأفضل من ذلك ؟ قالوا : يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أُحلّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم أبدا ". xv
تمهيد :
هذه آيات تربية وتعليم من الله تعالى لعباده، تحذّرهم من أن يكون حبّهم لأزواجهم وأولادهم حاملا لهم على ارتكاب الحرام، كالزوج الذي تحمله زوجته على هجر ضرتها، وكالولد الذي يغري أباه بالسرقة أو المذلة.
سأل رجل عبد الله بن عباس عن قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾... فقال : هؤلاء رجال أسلموا من مكة، فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فهمّوا أن يعاقبوهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وفيها :﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾. xiv
والمال نعمة، والولد نعمة، وقد أمرنا الله أن نشكره سبحانه على النعمة، بإخراج زكاة المال، وإخراج الصدقات والكفّارات وصلة الرحم، والمساهمة في الخيرات والواجبات، كما أمرنا الإسلام بتربية الأولاد والبنات، وتعليمهم مكارم الأخلاق وآداب الإسلام والمحافظة على الصلاة، والتوازن في التربية، فلا تكن رطبا فتعصر، ولا صلبا فتكسر، بل ينبغي أن تكون متوسطا متوازنا، تأمر وتنصح، وتكافئ وتعاقب.
وتأمر الآيات بتقوى الله في رفق وتوسط واعتدال، وبإنفاق المال واتقاء الشحّ والبخل والحرص والجشع، ثم تحثنا على الصدقة ومساعدة المحتاجين، فذلك قرض لله، والله تعالى يضاعف للمؤمن الثواب والجزاء.
المفردات :
ومن يوق : ومن يحفظ نفسه.
الشح : البخل مع الحرص.
التفسير :
١٦- ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.
ذكر ابن كثير أن هذه الآية ناسخة للتي في آل عمران، وهي قوله تعالى :﴿ يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته.. ﴾ ( آل عمران : ١٠٢ ).
أخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت : اتقوا الله حق تقاته. اشتد على القوم العمل. ، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم، وتقرّحت جباههم، فأنزل الله تخفيفا على المسلمين : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.. فنسخت الآية الأولى.
قال المفسرون :
في المأمورات وفضائل الأعمال يأتي الإنسان منها بقدر طاقته، لتفاوت الهمم والرغبة في الثواب، فيأتي كل إنسان منها حسب استطاعته، وأما في المحظورات فلابد من اجتنابها بالكلية، ويدل على ذلك ما رواه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " xvi
وَاسْمَعُوا. ما تؤمرون به. وَأَطِيعُوا. أوامر الله تعالى ورسوله. ﴿ وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ﴾. أي : أنفقوا في سبيل الله، وفي مصالح الأمة، فإن هذه النفقة يكون ثوابها خيرا لأنفسكم مما تكنزونه لورثتكم.
وفي الحديث الشريف : " إن مالك ما قدمت، ومال وارثك ما أخرت ".
﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.
ومن وقاه الله من داء الشح والبخل، والجشع والطمع، فقد فاز بالفلاح في الدنيا والآخرة، حيث يحبه أهله وجيرانه وأقاربه وأهل وطنه في الدنيا، ويتمتع بجنة واسعة ورضوان من الله أكبر في الآخرة.
قال تعالى :﴿ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ﴾. ( البقرة : ٢٦١ ).
تمهيد :
هذه آيات تربية وتعليم من الله تعالى لعباده، تحذّرهم من أن يكون حبّهم لأزواجهم وأولادهم حاملا لهم على ارتكاب الحرام، كالزوج الذي تحمله زوجته على هجر ضرتها، وكالولد الذي يغري أباه بالسرقة أو المذلة.
سأل رجل عبد الله بن عباس عن قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾... فقال : هؤلاء رجال أسلموا من مكة، فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فهمّوا أن يعاقبوهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وفيها :﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾. xiv
والمال نعمة، والولد نعمة، وقد أمرنا الله أن نشكره سبحانه على النعمة، بإخراج زكاة المال، وإخراج الصدقات والكفّارات وصلة الرحم، والمساهمة في الخيرات والواجبات، كما أمرنا الإسلام بتربية الأولاد والبنات، وتعليمهم مكارم الأخلاق وآداب الإسلام والمحافظة على الصلاة، والتوازن في التربية، فلا تكن رطبا فتعصر، ولا صلبا فتكسر، بل ينبغي أن تكون متوسطا متوازنا، تأمر وتنصح، وتكافئ وتعاقب.
وتأمر الآيات بتقوى الله في رفق وتوسط واعتدال، وبإنفاق المال واتقاء الشحّ والبخل والحرص والجشع، ثم تحثنا على الصدقة ومساعدة المحتاجين، فذلك قرض لله، والله تعالى يضاعف للمؤمن الثواب والجزاء.
المفردات :
القرض الحسن : التصدق من الحلال بإخلاص وطيب نفس.
شكور : عظيم الفضل والإحسان، بإعطاء الجزيل على القليل.
التفسير :
١٧- ﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيم ﴾.
إن تنفقوا أموالكم في مرضاة الله، والعطف على الفقراء والمساكين، يضاعف الله لكم الثواب، ويستر ذنوبكم ويسامحكم، ويتفضل عليكم بالمغفرة والجزاء المضاعف في الدنيا والآخرة، فهو شاكر للمحسن إحسانه. حَلِيمٌ. بالعباد حيث لا يعاجلهم بالعقوبة، ويقبل توبة التائبين، ويضاعف الثواب للمحسنين.
تمهيد :
هذه آيات تربية وتعليم من الله تعالى لعباده، تحذّرهم من أن يكون حبّهم لأزواجهم وأولادهم حاملا لهم على ارتكاب الحرام، كالزوج الذي تحمله زوجته على هجر ضرتها، وكالولد الذي يغري أباه بالسرقة أو المذلة.
سأل رجل عبد الله بن عباس عن قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾... فقال : هؤلاء رجال أسلموا من مكة، فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فهمّوا أن يعاقبوهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وفيها :﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾. xiv
والمال نعمة، والولد نعمة، وقد أمرنا الله أن نشكره سبحانه على النعمة، بإخراج زكاة المال، وإخراج الصدقات والكفّارات وصلة الرحم، والمساهمة في الخيرات والواجبات، كما أمرنا الإسلام بتربية الأولاد والبنات، وتعليمهم مكارم الأخلاق وآداب الإسلام والمحافظة على الصلاة، والتوازن في التربية، فلا تكن رطبا فتعصر، ولا صلبا فتكسر، بل ينبغي أن تكون متوسطا متوازنا، تأمر وتنصح، وتكافئ وتعاقب.
وتأمر الآيات بتقوى الله في رفق وتوسط واعتدال، وبإنفاق المال واتقاء الشحّ والبخل والحرص والجشع، ثم تحثنا على الصدقة ومساعدة المحتاجين، فذلك قرض لله، والله تعالى يضاعف للمؤمن الثواب والجزاء.
المفردات :
عالم الغيب : ما غاب عن الأنظار، ويشمل السرّ.
والشهادة : ما يشاهد بالحسّ، ويشمل العلانية، فلا يخفى عليه شيء.
العزيز : القوي في ملكه.
الحكيم : المتقن في صُنعه وتدبيره.
التفسير :
١٨- ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
هو سبحانه وتعالى عالم بما غاب وبما حضر، مطلع على ما غاب وأخفته القلوب في أثنائها، كعلمه بما هو حاضر وظاهر للعيان.
وهو، الْعَزِيزُ. الغالب الذي لا يُغلب ولا يُقهر، وهو القاهر فوق عباده. الْحَكِيمُ. الذي يجري كل أمر على مقتضى حكمته وتدبيره وإرادته سبحانه وتعالى.
Icon