ﰡ
ومعنى قولهِ ﴿ وَبَالَ أَمْرِهِمْ ﴾ أصلُ الْوَبَالِ مِنَ الثُّقْلِ، يقالُ : أمرٌ وَبيلٌ ؛ أي ثقيلٌ، يسمى جزاءُ المعصية وَبَالاً لِثِقَلِهِ.
وعن رسولِ الله ﷺ قال :" مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلاَّ وَقَدْ رَأى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار لَوْ أسَاءَ لِيَزْدَادَ شُكْراً. وَمَا مِنْ عَبْدٍ كَافِرٍ يَدْخُلُ النَّارَ إلاّ وَقَدْ رَأى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ لَوْ أحْسَنَ لِيَزْدَادَ حَسْرَةً ".
فالْمَغْبُونُ من غُبنَ أهلَهُ ومنازلَهُ من الجنَّةِ، ويظهرُ يومئذ غُبْنُ كلِّ كافرٍ بتركِ الإيمان، وغُبْنُ كلِّ كافرٍ بتقصيرهِ في الأحسن وتضييعهِ الأيامَ. ﴿ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.
وقرأ السُّلميُّ :(يُهْدَ قَلْبَهُ) عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِِلُهُ، وقرأ طلحةُ بن مصرِّف بالهمزِ والرفعِ في قوله (يُهْدِئْ قَلْبَهُ) على معنى يُسْكِنُ قلبَهُ. ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ * اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾.
ودخول (مِنْ) هنا يدلُّ على أنه ليس جميعُ الأزواجِ والأولاد عدُوّاً، وإنما منهم من يحبُّ هلاكَكُم ليرثَ مالَكم، وأيُّ عدُوٍّ أعدَى ممن يحبُّ موتَكَ لمنفعةِ نفسه، ومنهم من يحملُوكم على أنْ تَعصُوا اللهَ بأخذِ غيرِ الواجب، ويمنعُ الواجبَ لمنفعةٍ ترجعُ إليهم، ومعنى قولهِ تعالى ﴿ فَاحْذَرُوهُمْ ﴾ أي فاحذرُوا أن تُطِيعُوهم وتدَعُوا الهجرةَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ وذلك أنَّ الرجُلَ كان إذا أرادَ الجهادَ والهجرة عرضَ على امرأتهِ وقَرائِبه إذا أبَوا عليه أقسَمَ أنْ لا يُنفِقَ عليهم، فإذا عادَ كفَّ عن النفقةِ ليَمِينهِ، فقيل لَهم :﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ ﴾ أي وإنْ تَعفُوا عنهم وتُجاوزُوا عن صَدِّهم إياكم، وتَغفِرُوا ذُنوبَهم بعدَ ما رجَعتُم وبعدَ ما اجتَمَعتُم في دار الهجرة، ولم تُكافِؤُوهم عن سوءِ ما فَعلوهُ، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ يغفرُ لَكم كذلكَ كثيراً من ذُنوبكم.
وَقِيْلَ : معنى الآية : إنَّ الرجل من هؤلاءِ إذا رأى الناسَ قد سبَقوهُ إلى الهجرةِ وتفَقَّهوا في الدِّين همَّ أن يُعاقِبَ زوجتَهُ وأولادَهُ الذين يُبطِئونَهُ عن الهجرةِ، وإنْ لَحِقُوا به في الهجرةِ لم يُنفِقْ عليهم، فأنزلَ اللهُ تعالى ﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
وعن بُرَيدَةَ قال :" كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَخْطُبُ فَجَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثِرَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ الْمِنْبَرِ، فَحَمَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ :" صَدَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ نَظَرْتُ إلَى هَذيْنِ الصَّبيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثرَانِ، فَلَمْ أصْبرْ عَنْهُمَا حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا " ثُمَّ أخَذ رََسُولُ اللهِ ﷺ فِي خُطْبَتِهِ ".
وقولهُ تعالى :﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ ؛ أي من يدفَعْ عنه بُخْلَ نفسهِ فأُولئك هم الْمُزَكُّونَ لطلبتهم. والشُّحُّ الذي في اللغة : منعُ الواجب، ومن الشُّحِّ أن يعمدَ الرجلُ إلى مالِ غيره فيأكلهُ.