وآياتها خمس
كلماتها : ٢٣ ؛ حروفها : ٩٦
ﰡ
﴿ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ( ١ ) ألم يجعل كيدهم في تضليل ( ٢ ) وأرسل عليهم طيرا أبابيل ( ٣ ) ترميهم بحجارة من سجيل ( ٤ ) فجعلهم كعصف مأكول( ٥ ) ﴾
ألم تنظر ببصيرتك كيف صنع الله ولي المتقين١، القوي المتين، بأهل الصليب العادين، الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورءاء الناس، يتقدم جيشهم فيل، يريدون هدم البلد الأمين، والبيت العتيق ؟ !
قال النحويون : قوله ﴿ كيف ﴾ مفعول ﴿ فعل ﴾ ؛ لأن الاستفهام يقتضي صدر الكلام، فيقدم على فعله بالضرورة، وهو مفعول مطلق ؛ والمعنى : فعل أي فعل، يعني : فعلا ذا عبرة لأولي الأبصار : اه.
ومما نقل عن أبي حيان : يراعى صدارته ! إبقاء لحكم أصله، وتعليق الرؤية بكيفية فعله- تعالى شأنه- لا بنفسه، بأن يقال : ألم تر ما فعل ربك الخ لتهويل الحادثة، والإيذان بوقوعها على كيفية هائلة، وهيئة عجيبة، دالة على عظم قدرة الله تعالى، وكمال علمه وحكمته... وشرف رسول صلى الله تعالى عليه وسلم، فإن ذلك- كما قال غير واحد- من الإرهاصات، لما روي أن القصة وقعت في السنة التي ولد فيها النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قال إبراهيم بن المنذر- شيخ البخاري- : لا يشك في ذلك أحد من العلماء، وعليه الإجماع.. اه.
وروى غير واحد من أصحاب السير أن النجاشي ملك الحبشة كان قد استحوذ على أرض اليمن ؛ واستعمل عليها عاملا، فغلب عليه أبرهة، وأرسل إلى النجاشي يترقق له ويصانعه، فرضي عنه وأقره على عمله ؛ ثم إنه بعث إليه يقول : سأبني لك كنيسة بأرض اليمن لم يبن مثلها قبلها ؛ فشرع في بناء كنيسة هائلة بصنعاء، وعزم أبرهة على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة ؛ وذكر مقاتل بن سليمان أن فتية من قريش دخلوها فأججوا فيها نارا فاحترقت، فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة وليخربنه حجرا حجرا، وتأهب لذلك وسار في جيش كثيف، واستصحب معه فيلا- وروى : أكثر- ومضى أصحاب الفيل حتى وصلوا إلى وادي محسر [ وسنورد موجزا لبقية القصة إن شاء الله بعد تفسير الآيات ].
﴿ تضليل ﴾ تضييع وإبطال.
﴿ ألم يجعل كيدهم في تضليل( ٢ ) وأرسل عليهم طيرا أبابيل( ٣ ) ترميهم بحجارة من سجيل( ٤ ) فجعلهم كعصف مأكول( ٥ ) ﴾ ألم يجعل الله تعالى احتيال أهل الصليب، وجيش أبرهة الذي كان على مقدمته الفيل، ألم يجعل ربنا احتيالهم في إبطال وتضييع ؟ بلى ! فقد هموا بما لم ينالوا، وعصم الله تعالى حرمه وبلده وبيته من كل سوء ؛ كادوا البيت أولا ببناء الكنيسة وصرف وجوه الحاج إليها، فضلل الله كيدهم بأن أوقع الحريق فيه، وكادوه ثانيا بإرادة هدمه، فضلل كيدهم بإرسال الطير عليهم-١. مما يقول صاحب روح المعاني : بيان إجمالي لما فعل الله تعالى بهم ؛ والهمزة للتقرير- كما سبق- لذلك عطف على الجملة الاستفهامية ما بعدها، كأنه قيل : قد جعل كيدهم في تعطيل الكعبة وتخريبها، وصرف شرف أهلها لهم في تضييع وإبطال، بأن دمرهم أشنع تدمير. اهـ ﴿ وأرسل عليهم طيرا أبابيل. ترميهم بحجارة من سجيل ﴾ وكان أن سلط القوي المتين على هؤلاء العُداة الباغين طيرا متتابعة بعضها في إثر بعض، تجيء من ناحية من هاهنا وهاهنا، جماعات كثيرة٢، تقذفهم بحجارة من ديوان العذاب٣ ؛ وإلى هذا المعنى يشير قول الله جل علاه :﴿ كلا إن كتاب الفجار لفي سجين. وما أدراك ما سجين. كتاب مرقوم ﴾٤ ؛ والله تعالى يسلط جنده على من يشاء، ﴿.. ولله جنود السماوات والأرض.. ﴾٥ ؛ وأخذ القوي العزيز أخذ أليم شديد، ورمية جنده سبحانه لا بد أن تصيب من يريد ؛ ﴿ فجعلهم كعصف مأكول( ٥ ) ﴾ فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى صاروا حصيدا خامدين، هلكى ومثخنين، كورق عصفت به الريح فسقط من شجره، أو كالقشر أكل ما بداخله، أو كالغلاف لطعام نخره السوس والدود ؛ - والتشبيه بذلك لذهاب أرواحهم وبقاء أجسادهم ؛ وذهب غير واحد إلى أن المعنى : كتبن أكلته الدواب وراثته ؛ والمراد : كروث، إلا أنه لم يذكر بهذا اللفظ لهجنته، فجاء على الآداب القرآنية، فشبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث، ففيه إظهار تشويه حالهم.
ولقد أطال بعض المفسرين في إيراد القصة ونقلوا عن أصحاب السير نقولا تحكي كيف قتل أبرهة عامل النجاشي على اليمن، وكيف احتال ليسترضي ملك الحبشة فيقبل به عاملا عليها ؛ ويصفون جيش الفيل ومسيرته من صنعاء إلى مشارف مكة، وما عرض له في مسيره من ظفر بكل من لاقوه، ثم كيف كانت مصارع القوم، وكيف قابله عبد المطلب بن هاشم، ثم كيف أحجم الفيل عن التوجه نحو الكعبة، وما صفة الطير ؟ ومن أين أقبلت ؟ وما شكل الحجارة ؟ وما حجمها ؟ حتى امتلأت بذلك صفحات تضم زهاء ألفي كلمة ؛ لكنا نوجز فنقول :
أكثر الرواة على أن أبرهة حين نزل بجنوده وفيله قريبا من مكة، استاق بعض أتباعه إبلا لعبد المطلب- وكان سيد مكة وكبير أشرافها- فذهب إلى هذا القائد المغير يطالبه برد إبله، فقال لترجمانه : قل له : لقد أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدتني فيك إذ كلمتني ؛ تترك بيتا هو دينك ودين آبائك، وتكلمني في رد إبل ! فقال عبد المطلب : أما الإبل فهي لي، وأما البيت فله رب يمنعه، فقال : لن يمنعه منى ! فقال عبد المطلب : أنت وذاك ؛ رد أبرهة عليه إبله، وتأهب للزحف على البيت ليهدمه، وذهب عبد المطلب يمسك بباب الكعبة وينشد :
لا هــمّ إن العبد يمنـ ـع رحله فامنـــع رحالك
وانـصر على آل الصليـ ب وعابديه اليـــوم آلك
لا يغلبـــــن صليبهم ومحالهم أبــــدا محالك
جروا جــموع بلادهم والفيل كي يسبـــوا عيالك
إن كنت تاركهم وكعـ بتنا فأمر مـــا بدالك
وبينما يصرخ الباغي في جنده ليدخلوا المسجد الحرام مخربين، أرسل العلي الأعلى، القوي العزيز، فرقا من طير تحمل العذاب والهلاك لهؤلاء المفسدين، فقطع دابر المجرمين ؛ والحمد لله رب العالمين.
نقل من شعر عبد الله بن الزبعرى :
سائل أمير الجيش عنها ما رأى فلسوف ينبي الجاهلين عليمها
ســتون ألفا لم يؤوبوا أرضهم بل لم يعش بعد الإياب سقيمها
ومن شعر أبي قيس بن الأسلت :
فــولى وأدبـر أدراجه وقد باء بالظلم من كان ثم
فأرسل من فوقهم حاصبا يــلفهم مثل لف القزم
ومن شعر أمية بن أبي الصلت :
إن آيــات ربنا باقيات ما يماري فيهن إلا الكفور
حبس الفيل بالمغمس حتى صــار يحبو كأنه معقور
كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور
والسورة الكريمة لها نوع ارتباط بالسورة التي قبلها ؛ وكذا ترتبط بها السورة التي بعدها ؛ [ وكأنه لما تضمن الهمز واللمز من الكفرة نوع كيد له عليه الصلاة والسلام، عقب على ذلك بقصة أصحاب الفيل، للإشارة إلى أن عقبى كيدهم في الدنيا تدميرهم.. ويجوز أن تكون كالاستدلال على ما أشير إليه فيما قبلها من أن المال لا يغني من الله تعالى شيئا٦. والله تعالى أعلم.
وقال ابن اسحق : لما رد الله الحبشة عن مكة، عظمت العرب قريشا. وقالوا : أهل الله، قاتل عنهم، وكفاهم مئونة عدوهم، فكان ذلك نعمة من الله عليهم. اهـ.
﴿ ألم يجعل كيدهم في تضليل( ٢ ) وأرسل عليهم طيرا أبابيل( ٣ ) ترميهم بحجارة من سجيل( ٤ ) فجعلهم كعصف مأكول( ٥ ) ﴾ ألم يجعل الله تعالى احتيال أهل الصليب، وجيش أبرهة الذي كان على مقدمته الفيل، ألم يجعل ربنا احتيالهم في إبطال وتضييع ؟ بلى ! فقد هموا بما لم ينالوا، وعصم الله تعالى حرمه وبلده وبيته من كل سوء ؛ كادوا البيت أولا ببناء الكنيسة وصرف وجوه الحاج إليها، فضلل الله كيدهم بأن أوقع الحريق فيه، وكادوه ثانيا بإرادة هدمه، فضلل كيدهم بإرسال الطير عليهم-١. مما يقول صاحب روح المعاني : بيان إجمالي لما فعل الله تعالى بهم ؛ والهمزة للتقرير- كما سبق- لذلك عطف على الجملة الاستفهامية ما بعدها، كأنه قيل : قد جعل كيدهم في تعطيل الكعبة وتخريبها، وصرف شرف أهلها لهم في تضييع وإبطال، بأن دمرهم أشنع تدمير. اهـ ﴿ وأرسل عليهم طيرا أبابيل. ترميهم بحجارة من سجيل ﴾ وكان أن سلط القوي المتين على هؤلاء العُداة الباغين طيرا متتابعة بعضها في إثر بعض، تجيء من ناحية من هاهنا وهاهنا، جماعات كثيرة٢، تقذفهم بحجارة من ديوان العذاب٣ ؛ وإلى هذا المعنى يشير قول الله جل علاه :﴿ كلا إن كتاب الفجار لفي سجين. وما أدراك ما سجين. كتاب مرقوم ﴾٤ ؛ والله تعالى يسلط جنده على من يشاء، ﴿.. ولله جنود السماوات والأرض.. ﴾٥ ؛ وأخذ القوي العزيز أخذ أليم شديد، ورمية جنده سبحانه لا بد أن تصيب من يريد ؛ ﴿ فجعلهم كعصف مأكول( ٥ ) ﴾ فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى صاروا حصيدا خامدين، هلكى ومثخنين، كورق عصفت به الريح فسقط من شجره، أو كالقشر أكل ما بداخله، أو كالغلاف لطعام نخره السوس والدود ؛ - والتشبيه بذلك لذهاب أرواحهم وبقاء أجسادهم ؛ وذهب غير واحد إلى أن المعنى : كتبن أكلته الدواب وراثته ؛ والمراد : كروث، إلا أنه لم يذكر بهذا اللفظ لهجنته، فجاء على الآداب القرآنية، فشبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث، ففيه إظهار تشويه حالهم.
ولقد أطال بعض المفسرين في إيراد القصة ونقلوا عن أصحاب السير نقولا تحكي كيف قتل أبرهة عامل النجاشي على اليمن، وكيف احتال ليسترضي ملك الحبشة فيقبل به عاملا عليها ؛ ويصفون جيش الفيل ومسيرته من صنعاء إلى مشارف مكة، وما عرض له في مسيره من ظفر بكل من لاقوه، ثم كيف كانت مصارع القوم، وكيف قابله عبد المطلب بن هاشم، ثم كيف أحجم الفيل عن التوجه نحو الكعبة، وما صفة الطير ؟ ومن أين أقبلت ؟ وما شكل الحجارة ؟ وما حجمها ؟ حتى امتلأت بذلك صفحات تضم زهاء ألفي كلمة ؛ لكنا نوجز فنقول :
أكثر الرواة على أن أبرهة حين نزل بجنوده وفيله قريبا من مكة، استاق بعض أتباعه إبلا لعبد المطلب- وكان سيد مكة وكبير أشرافها- فذهب إلى هذا القائد المغير يطالبه برد إبله، فقال لترجمانه : قل له : لقد أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدتني فيك إذ كلمتني ؛ تترك بيتا هو دينك ودين آبائك، وتكلمني في رد إبل ! فقال عبد المطلب : أما الإبل فهي لي، وأما البيت فله رب يمنعه، فقال : لن يمنعه منى ! فقال عبد المطلب : أنت وذاك ؛ رد أبرهة عليه إبله، وتأهب للزحف على البيت ليهدمه، وذهب عبد المطلب يمسك بباب الكعبة وينشد :
لا هــمّ إن العبد يمنـ ـع رحله فامنـــع رحالك
وانـصر على آل الصليـ ب وعابديه اليـــوم آلك
لا يغلبـــــن صليبهم ومحالهم أبــــدا محالك
جروا جــموع بلادهم والفيل كي يسبـــوا عيالك
إن كنت تاركهم وكعـ بتنا فأمر مـــا بدالك
وبينما يصرخ الباغي في جنده ليدخلوا المسجد الحرام مخربين، أرسل العلي الأعلى، القوي العزيز، فرقا من طير تحمل العذاب والهلاك لهؤلاء المفسدين، فقطع دابر المجرمين ؛ والحمد لله رب العالمين.
نقل من شعر عبد الله بن الزبعرى :
سائل أمير الجيش عنها ما رأى فلسوف ينبي الجاهلين عليمها
ســتون ألفا لم يؤوبوا أرضهم بل لم يعش بعد الإياب سقيمها
ومن شعر أبي قيس بن الأسلت :
فــولى وأدبـر أدراجه وقد باء بالظلم من كان ثم
فأرسل من فوقهم حاصبا يــلفهم مثل لف القزم
ومن شعر أمية بن أبي الصلت :
إن آيــات ربنا باقيات ما يماري فيهن إلا الكفور
حبس الفيل بالمغمس حتى صــار يحبو كأنه معقور
كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور
والسورة الكريمة لها نوع ارتباط بالسورة التي قبلها ؛ وكذا ترتبط بها السورة التي بعدها ؛ [ وكأنه لما تضمن الهمز واللمز من الكفرة نوع كيد له عليه الصلاة والسلام، عقب على ذلك بقصة أصحاب الفيل، للإشارة إلى أن عقبى كيدهم في الدنيا تدميرهم.. ويجوز أن تكون كالاستدلال على ما أشير إليه فيما قبلها من أن المال لا يغني من الله تعالى شيئا٦. والله تعالى أعلم.
وقال ابن اسحق : لما رد الله الحبشة عن مكة، عظمت العرب قريشا. وقالوا : أهل الله، قاتل عنهم، وكفاهم مئونة عدوهم، فكان ذلك نعمة من الله عليهم. اهـ.
﴿ ألم يجعل كيدهم في تضليل( ٢ ) وأرسل عليهم طيرا أبابيل( ٣ ) ترميهم بحجارة من سجيل( ٤ ) فجعلهم كعصف مأكول( ٥ ) ﴾ ألم يجعل الله تعالى احتيال أهل الصليب، وجيش أبرهة الذي كان على مقدمته الفيل، ألم يجعل ربنا احتيالهم في إبطال وتضييع ؟ بلى ! فقد هموا بما لم ينالوا، وعصم الله تعالى حرمه وبلده وبيته من كل سوء ؛ كادوا البيت أولا ببناء الكنيسة وصرف وجوه الحاج إليها، فضلل الله كيدهم بأن أوقع الحريق فيه، وكادوه ثانيا بإرادة هدمه، فضلل كيدهم بإرسال الطير عليهم-١. مما يقول صاحب روح المعاني : بيان إجمالي لما فعل الله تعالى بهم ؛ والهمزة للتقرير- كما سبق- لذلك عطف على الجملة الاستفهامية ما بعدها، كأنه قيل : قد جعل كيدهم في تعطيل الكعبة وتخريبها، وصرف شرف أهلها لهم في تضييع وإبطال، بأن دمرهم أشنع تدمير. اهـ ﴿ وأرسل عليهم طيرا أبابيل. ترميهم بحجارة من سجيل ﴾ وكان أن سلط القوي المتين على هؤلاء العُداة الباغين طيرا متتابعة بعضها في إثر بعض، تجيء من ناحية من هاهنا وهاهنا، جماعات كثيرة٢، تقذفهم بحجارة من ديوان العذاب٣ ؛ وإلى هذا المعنى يشير قول الله جل علاه :﴿ كلا إن كتاب الفجار لفي سجين. وما أدراك ما سجين. كتاب مرقوم ﴾٤ ؛ والله تعالى يسلط جنده على من يشاء، ﴿.. ولله جنود السماوات والأرض.. ﴾٥ ؛ وأخذ القوي العزيز أخذ أليم شديد، ورمية جنده سبحانه لا بد أن تصيب من يريد ؛ ﴿ فجعلهم كعصف مأكول( ٥ ) ﴾ فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى صاروا حصيدا خامدين، هلكى ومثخنين، كورق عصفت به الريح فسقط من شجره، أو كالقشر أكل ما بداخله، أو كالغلاف لطعام نخره السوس والدود ؛ - والتشبيه بذلك لذهاب أرواحهم وبقاء أجسادهم ؛ وذهب غير واحد إلى أن المعنى : كتبن أكلته الدواب وراثته ؛ والمراد : كروث، إلا أنه لم يذكر بهذا اللفظ لهجنته، فجاء على الآداب القرآنية، فشبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث، ففيه إظهار تشويه حالهم.
ولقد أطال بعض المفسرين في إيراد القصة ونقلوا عن أصحاب السير نقولا تحكي كيف قتل أبرهة عامل النجاشي على اليمن، وكيف احتال ليسترضي ملك الحبشة فيقبل به عاملا عليها ؛ ويصفون جيش الفيل ومسيرته من صنعاء إلى مشارف مكة، وما عرض له في مسيره من ظفر بكل من لاقوه، ثم كيف كانت مصارع القوم، وكيف قابله عبد المطلب بن هاشم، ثم كيف أحجم الفيل عن التوجه نحو الكعبة، وما صفة الطير ؟ ومن أين أقبلت ؟ وما شكل الحجارة ؟ وما حجمها ؟ حتى امتلأت بذلك صفحات تضم زهاء ألفي كلمة ؛ لكنا نوجز فنقول :
أكثر الرواة على أن أبرهة حين نزل بجنوده وفيله قريبا من مكة، استاق بعض أتباعه إبلا لعبد المطلب- وكان سيد مكة وكبير أشرافها- فذهب إلى هذا القائد المغير يطالبه برد إبله، فقال لترجمانه : قل له : لقد أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدتني فيك إذ كلمتني ؛ تترك بيتا هو دينك ودين آبائك، وتكلمني في رد إبل ! فقال عبد المطلب : أما الإبل فهي لي، وأما البيت فله رب يمنعه، فقال : لن يمنعه منى ! فقال عبد المطلب : أنت وذاك ؛ رد أبرهة عليه إبله، وتأهب للزحف على البيت ليهدمه، وذهب عبد المطلب يمسك بباب الكعبة وينشد :
لا هــمّ إن العبد يمنـ ـع رحله فامنـــع رحالك
وانـصر على آل الصليـ ب وعابديه اليـــوم آلك
لا يغلبـــــن صليبهم ومحالهم أبــــدا محالك
جروا جــموع بلادهم والفيل كي يسبـــوا عيالك
إن كنت تاركهم وكعـ بتنا فأمر مـــا بدالك
وبينما يصرخ الباغي في جنده ليدخلوا المسجد الحرام مخربين، أرسل العلي الأعلى، القوي العزيز، فرقا من طير تحمل العذاب والهلاك لهؤلاء المفسدين، فقطع دابر المجرمين ؛ والحمد لله رب العالمين.
نقل من شعر عبد الله بن الزبعرى :
سائل أمير الجيش عنها ما رأى فلسوف ينبي الجاهلين عليمها
ســتون ألفا لم يؤوبوا أرضهم بل لم يعش بعد الإياب سقيمها
ومن شعر أبي قيس بن الأسلت :
فــولى وأدبـر أدراجه وقد باء بالظلم من كان ثم
فأرسل من فوقهم حاصبا يــلفهم مثل لف القزم
ومن شعر أمية بن أبي الصلت :
إن آيــات ربنا باقيات ما يماري فيهن إلا الكفور
حبس الفيل بالمغمس حتى صــار يحبو كأنه معقور
كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور
والسورة الكريمة لها نوع ارتباط بالسورة التي قبلها ؛ وكذا ترتبط بها السورة التي بعدها ؛ [ وكأنه لما تضمن الهمز واللمز من الكفرة نوع كيد له عليه الصلاة والسلام، عقب على ذلك بقصة أصحاب الفيل، للإشارة إلى أن عقبى كيدهم في الدنيا تدميرهم.. ويجوز أن تكون كالاستدلال على ما أشير إليه فيما قبلها من أن المال لا يغني من الله تعالى شيئا٦. والله تعالى أعلم.
وقال ابن اسحق : لما رد الله الحبشة عن مكة، عظمت العرب قريشا. وقالوا : أهل الله، قاتل عنهم، وكفاهم مئونة عدوهم، فكان ذلك نعمة من الله عليهم. اهـ.
﴿ ألم يجعل كيدهم في تضليل( ٢ ) وأرسل عليهم طيرا أبابيل( ٣ ) ترميهم بحجارة من سجيل( ٤ ) فجعلهم كعصف مأكول( ٥ ) ﴾ ألم يجعل الله تعالى احتيال أهل الصليب، وجيش أبرهة الذي كان على مقدمته الفيل، ألم يجعل ربنا احتيالهم في إبطال وتضييع ؟ بلى ! فقد هموا بما لم ينالوا، وعصم الله تعالى حرمه وبلده وبيته من كل سوء ؛ كادوا البيت أولا ببناء الكنيسة وصرف وجوه الحاج إليها، فضلل الله كيدهم بأن أوقع الحريق فيه، وكادوه ثانيا بإرادة هدمه، فضلل كيدهم بإرسال الطير عليهم-١. مما يقول صاحب روح المعاني : بيان إجمالي لما فعل الله تعالى بهم ؛ والهمزة للتقرير- كما سبق- لذلك عطف على الجملة الاستفهامية ما بعدها، كأنه قيل : قد جعل كيدهم في تعطيل الكعبة وتخريبها، وصرف شرف أهلها لهم في تضييع وإبطال، بأن دمرهم أشنع تدمير. اهـ ﴿ وأرسل عليهم طيرا أبابيل. ترميهم بحجارة من سجيل ﴾ وكان أن سلط القوي المتين على هؤلاء العُداة الباغين طيرا متتابعة بعضها في إثر بعض، تجيء من ناحية من هاهنا وهاهنا، جماعات كثيرة٢، تقذفهم بحجارة من ديوان العذاب٣ ؛ وإلى هذا المعنى يشير قول الله جل علاه :﴿ كلا إن كتاب الفجار لفي سجين. وما أدراك ما سجين. كتاب مرقوم ﴾٤ ؛ والله تعالى يسلط جنده على من يشاء، ﴿.. ولله جنود السماوات والأرض.. ﴾٥ ؛ وأخذ القوي العزيز أخذ أليم شديد، ورمية جنده سبحانه لا بد أن تصيب من يريد ؛ ﴿ فجعلهم كعصف مأكول( ٥ ) ﴾ فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى صاروا حصيدا خامدين، هلكى ومثخنين، كورق عصفت به الريح فسقط من شجره، أو كالقشر أكل ما بداخله، أو كالغلاف لطعام نخره السوس والدود ؛ - والتشبيه بذلك لذهاب أرواحهم وبقاء أجسادهم ؛ وذهب غير واحد إلى أن المعنى : كتبن أكلته الدواب وراثته ؛ والمراد : كروث، إلا أنه لم يذكر بهذا اللفظ لهجنته، فجاء على الآداب القرآنية، فشبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث، ففيه إظهار تشويه حالهم.
ولقد أطال بعض المفسرين في إيراد القصة ونقلوا عن أصحاب السير نقولا تحكي كيف قتل أبرهة عامل النجاشي على اليمن، وكيف احتال ليسترضي ملك الحبشة فيقبل به عاملا عليها ؛ ويصفون جيش الفيل ومسيرته من صنعاء إلى مشارف مكة، وما عرض له في مسيره من ظفر بكل من لاقوه، ثم كيف كانت مصارع القوم، وكيف قابله عبد المطلب بن هاشم، ثم كيف أحجم الفيل عن التوجه نحو الكعبة، وما صفة الطير ؟ ومن أين أقبلت ؟ وما شكل الحجارة ؟ وما حجمها ؟ حتى امتلأت بذلك صفحات تضم زهاء ألفي كلمة ؛ لكنا نوجز فنقول :
أكثر الرواة على أن أبرهة حين نزل بجنوده وفيله قريبا من مكة، استاق بعض أتباعه إبلا لعبد المطلب- وكان سيد مكة وكبير أشرافها- فذهب إلى هذا القائد المغير يطالبه برد إبله، فقال لترجمانه : قل له : لقد أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدتني فيك إذ كلمتني ؛ تترك بيتا هو دينك ودين آبائك، وتكلمني في رد إبل ! فقال عبد المطلب : أما الإبل فهي لي، وأما البيت فله رب يمنعه، فقال : لن يمنعه منى ! فقال عبد المطلب : أنت وذاك ؛ رد أبرهة عليه إبله، وتأهب للزحف على البيت ليهدمه، وذهب عبد المطلب يمسك بباب الكعبة وينشد :
لا هــمّ إن العبد يمنـ ـع رحله فامنـــع رحالك
وانـصر على آل الصليـ ب وعابديه اليـــوم آلك
لا يغلبـــــن صليبهم ومحالهم أبــــدا محالك
جروا جــموع بلادهم والفيل كي يسبـــوا عيالك
إن كنت تاركهم وكعـ بتنا فأمر مـــا بدالك
وبينما يصرخ الباغي في جنده ليدخلوا المسجد الحرام مخربين، أرسل العلي الأعلى، القوي العزيز، فرقا من طير تحمل العذاب والهلاك لهؤلاء المفسدين، فقطع دابر المجرمين ؛ والحمد لله رب العالمين.
نقل من شعر عبد الله بن الزبعرى :
سائل أمير الجيش عنها ما رأى فلسوف ينبي الجاهلين عليمها
ســتون ألفا لم يؤوبوا أرضهم بل لم يعش بعد الإياب سقيمها
ومن شعر أبي قيس بن الأسلت :
فــولى وأدبـر أدراجه وقد باء بالظلم من كان ثم
فأرسل من فوقهم حاصبا يــلفهم مثل لف القزم
ومن شعر أمية بن أبي الصلت :
إن آيــات ربنا باقيات ما يماري فيهن إلا الكفور
حبس الفيل بالمغمس حتى صــار يحبو كأنه معقور
كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنيفة بور
والسورة الكريمة لها نوع ارتباط بالسورة التي قبلها ؛ وكذا ترتبط بها السورة التي بعدها ؛ [ وكأنه لما تضمن الهمز واللمز من الكفرة نوع كيد له عليه الصلاة والسلام، عقب على ذلك بقصة أصحاب الفيل، للإشارة إلى أن عقبى كيدهم في الدنيا تدميرهم.. ويجوز أن تكون كالاستدلال على ما أشير إليه فيما قبلها من أن المال لا يغني من الله تعالى شيئا٦. والله تعالى أعلم.
وقال ابن اسحق : لما رد الله الحبشة عن مكة، عظمت العرب قريشا. وقالوا : أهل الله، قاتل عنهم، وكفاهم مئونة عدوهم، فكان ذلك نعمة من الله عليهم. اهـ.