بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفيل( ١ ) مكية( ٢ )٢ بالإجماع: انظر: الماوردي: ٤/٥١٥ والبحر: ٥١٢، والبرهان للزركشي: ١/١٩٣ وروح المعاني: ٣٠/٢٩٧..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الفيلمكية
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل﴾ إلى آخرها.
قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾: تكون بمعنى التعجب، وتكون بمعنى التفخيم، وبمعنى التهويل والتعظيم.
والعنى: ألم تر يا محمد بعين قلبك كيف فعل ربك بأصحاب الفيل؟! وهو مَلك اليمن [أبرهة] الحبشي، وكان تحت يد النجاشي، أتى مع جنده إلى بيت الله الحرام ليخربه، وكان سبب إتيانه ما ذكره ابن إسحاق وغيره في حكاية طويلة أنا أذكر معناها، على اختصار إن شاء الله.
وذلك أن أبرهة بنى [لملك الحبشة] كنيسة بصنعاء، وكان نصرانياً، وسمّاها القليس، وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة أني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة، ووصفها
ثم إن أبرهة وجه رجلاً من العرب يدعو العرب لحج الكنيسة التي بنى أبرهة، فقتلته [العرب]، فبلغ ذلك أبرهة فزاده غيظاً [وحنقاً] على البيت وعلى من قتل رسوله من العرب، فحلف ليغزون قاتلي رسوله، - قيل: هم بنو كنانة -، وحلف لَيَهدِمَنَّ البيت.
ثم تأهب (مع) الحبشان وخرج ([لهدم] البيت وغزو بني كنانة. وخرج) معهم بالفيل، فاجتمع عليه بعض العرب لتقاتله وترده عن مذهبه
فلما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن متعبٍ في رجال ثقيف وطلبوا منه السّلم، فأعطاهم السلام ووجهوا معه أبا رغال، [فخرج معه أبو رغال] حتى أنزله المغمس، ثم مات أبو رغال بالمغمس فدفن هناك، فالعرب ترتجم قبره من ذلك الوقت إلى الآن.
فهمت قريش ومن يقرب منهم من العرب [بقتال] أبرهة، ثم علموا أنهم لا طاقة/ لهم به، فتركوا [ذلك].
ثم إن إبرهة وجه إلى مكة يقول [لرئيسها]: إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم البيت، فإن لم تعرضوا دونه [لي] بحرب فلا حاجة لي بدمائكم. وأمره أن يأتيه [بالرئيس] إن كان لا يريد حَربه، (فأتى [الرئيس]، وسأل عن [رئيس] القوم فدل على عبد المطلب، فبلغه الرسالة، فقال عبد المطلب: والله، ما نريد حربه)، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله وبيت خليله عليه السلام، فإن يمنعه
فقال الرسول لعبد المطلب: (انطلق إلى أبرهة، فإنه قد أمرني أن نأتي بك، فانطلق معه عبد المطلب) ومعه بعض بنيه، فلما أتى عبد المطلب (العسكر، سأل عن ذي نفر - وكان له صديقاً - فسأله عبد المطلب) عن [رأي]- أو أمر -[يشير به]، فما وجَدَ عنده فرجاً، واعتذر إليه بأنه مثقف محبوس، لكنه قال لعبد المطلب إن سائِس الفيل [لي] صديق، [فسأرسل إليه وأوصيه] بك وأعظم عليه حقك، وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلمه في ما تريد، ويشفع لك عنده إن قدر.
ثم بعث ذو نفر إلى سائِس الفيل فأوصاه بما وََعَدَ بِهِ عبد المطلب، ففعل
يَارَبِّ أَرْجو لَهم سِواكَا | فَامْنَعْ مِنْهُمْ حِمَاكَا |
إِنّ عَدُوَّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكاَ | إِنَّ عَدُوَّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا |
فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة [وهيأ] فيله وعبر جيشه وهو مجمع على هدم البيت والانصراف إلى اليمن.
فلما وجهوا الفيل - واسمه: مَحْمود - أقبل نفيل بن حبيب [الختعمي] حتى قام إلى جنب الفيل (وأخذ بأذنه) قال: أبرك محمود وارجع راشداً من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام، ثم أرسل أذنه، فبرك الفيل وهرب نُفَيل حتى اصعد
ولم [تصبهم] كلهم، بل أصابت من شاء الله منهم، فخرجوا هاربين [بتدرون] الطريق الذي منه جاؤوا يسألون عن نُفَيْل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته:
أَيْنَ المَفَرُّ والإِلَهُ الغَالِبْ | والأَشْرَمُ المَغْلوبْ غير الغَالِبْ |
﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ﴾، أي: [أدحضه] ومحقه.
ثم قال تعالى: ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ﴾.
أي: متفرقة يتبع بعضها بعضاً من نواح شتى.
و ﴿وَأَرْسَلَ﴾ معطوف على معنى ﴿أَلَمْ يَجْعَلْ﴾، لأن معناه: جعل كيدهم وأرْسَلَ.
قال ابن عباس: ﴿أَبَابِيلَ﴾: " يتبع بعضها بعضاً ".
وقال الحسن: هي " الكثيرة]. وهو قول قتادة.
وقال غيره: هي المتفرقة.
وقال مجاهد: متتابعة مجتمعة.
وقال الضحاك: ممتابعة بعضها في أثر بعض.
وقيل: إنها (كانت) بيضاً.
وقيل: كانت سوداً.
وقيل: كانت خضراء لها خراطيم الطير وأكف الكلاب، وهذا قول ابن عباس.
وعنه [أنها] كانت خضراء خرجت من البحر، لها رؤوس كرؤوس السِّباع.
وقال ابن جبير: " هي طير خضراء لها مناقير صفر تختلف عليهم ".
قال الكسائي: سمعت [بعض] النحويين يقولون: واحد الأبابيل: إبَّوْل، مثل عِجَّوْل وعَجَاجِيل.
وقال الرواسي: واحدها: أبالة.
وحكى الفراء (إبالة مخففاً).
وحكى أيضاً إيبالة مثل دينار ودنانير.
وقال أبو عبيدة: لم نر أحداً يجعل لها واحداً.
- وقوله تعالى: ﴿تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ﴾.
قال ابن عباس: " ﴿مِّن سِجِّيلٍ﴾: من طين "، وكذا قال عكرمة، كانت ترميهم بحجارة معها، فإذا أصابت أحدهم خرج به الجدري، (وكان أول يوم رُئي فيه الجدري).
قال أبو الكنود: " كانت دون الحِمَّصة وفوق العدسة ".
قال أبو صالح: رأيت في بيت أم هانئ بنت أبي طالب حجارة منها، فرأيتها
قال قتادة: كانت لا تصيب شيئاً إلاّ هشمته.
وقال ابن زيد: ﴿مِّن سِجِّيلٍ﴾ من الشقاء الدنيا، اسمها: سجيل، وهي التي أنزل الله على قوم لوط.
وأنكر الطبري (أن يكون) اسم السماء سجيلاً.
وقيل: سِجّيلٍ: (فعِّيل) من السِّجْلِ، وهو الدلو.
وقال أبو إسحاق: سجيل مما كتب عليهم أن يعذّبوا به، مشتق من السجل وهو الكتاب.
ي: فجعل الله أصحاب الفيل كزرع أكلته الدواب [فراثته] ويبس وتفرقت أجزاؤه، فَشبه تقطع أوصالهم بالعقوبة التي [حلت] (بهم) [بتفرق] أجزاء [الروث] الذي حدث من أكل الزرع.
وقال مجاهد: ﴿كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ﴾ " كورق الحنطة ".
وقال قتادة: " هو التبن ".
وقال ابن زيد: هو [ورق] الزرع [وورق] البقل إذا أكلته البهائم وراثته.
فمعنى ﴿مَّأْكُولٍ﴾: قد أكل ما فيه من الحب.
وروي أن الحجر كان يقع على أحدهم فيخرج كل ما في بطنه [فيبقى] كقشر الحبة إذا بقا بعد خروج الحبة منه، فالتقدير: مَأكول ما فيه، أو مأكول حَبّهُ.
ومن جعله الروث بعينه لم يقدر حذفاً، [لأن] المعنى: فجعلهم كورق قد أكلته الدواب وراثته.