ﰡ
سُورَةِ التَّغَابُنِ
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ وَقِيلَ مَكِّيَّةٌ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْخَلَّالُ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا مَكْتُوبٌ فِي تَشْبِيكِ رَأْسِهِ خَمْسُ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ التَّغَابُنِ» أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْوَلِيدِ بْنِ صَالِحٍ، وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا بَلْ منكر.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة التغابن (٦٤) : الآيات ١ الى ٤]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤)هَذِهِ السُّورَةُ هِيَ آخِرُ الْمُسَبِّحَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَسْبِيحِ الْمَخْلُوقَاتِ لِبَارِئِهَا وَمَالِكِهَا، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ أَيْ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ الْمَحْمُودُ عَلَى جَمِيعِ مَا يخلقه ويقدره. وقوله تعالى: وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَيْ مَا أَرَادَ كَانَ بِلَا مُمَانِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ وَمَا لم يشأ لم يكن. وقوله تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ أَيْ هُوَ الْخَالِقُ لَكُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَأَرَادَ مِنْكُمْ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، وَهُوَ الْبَصِيرُ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْهِدَايَةَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الضَّلَالَ، وَهُوَ شَهِيدٌ عَلَى أَعْمَالِ عِبَادِهِ وَسَيَجْزِيهِمْ بِهَا أَتَمَّ الْجَزَاءَ، وَلِهَذَا قَالَ تعالى: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ثم قال تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أَيْ بِالْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ أَيْ أَحْسَنَ أَشْكَالَكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار: ٦- ٨]. وكقوله تَعَالَى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ
[غافر: ٦٤] الآية، وقوله تعالى: وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ أَيِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ عِلْمِهِ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ السَّمَائِيَّةِ وَالْأَرْضِيَّةِ والنفسية فقال تعالى:
يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.
[سورة التغابن (٦٤) : الآيات ٥ الى ٦]
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦)يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْأُمَمِ الْمَاضِينَ وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ فِي مُخَالَفَةِ الرسل والتكذيب بالحق فقال تعالى: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ أَيْ خَبِّرْهُمْ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ أَيْ وَخِيمَ تَكْذِيبِهِمْ وَرَدِيءَ أَفْعَالِهِمْ وَهُوَ مَا حَلَّ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْخِزْيِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أَيْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ مُضَافٌ إِلَى هَذَا الدُّنْيَوِيِّ، ثُمَّ عَلَّلَ ذَلِكَ فَقَالَ: ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أَيْ بِالْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ وَالْبَرَاهِينِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا أَيِ اسْتَبْعَدُوا أَنْ تَكُونَ الرِّسَالَةُ فِي الْبَشَرِ وَأَنْ يَكُونَ هُدَاهُمْ عَلَى يَدَيْ بَشَرٍ مِثْلِهِمْ فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا أَيْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ وَنَكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ وَاسْتَغْنَى اللَّهُ أَيْ عَنْهُمْ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ.
[سورة التغابن (٦٤) : الآيات ٧ الى ١٠]
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الكفار والمشركين وَالْمُلْحِدِينَ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا يُبْعَثُونَ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ أَيْ لَتُخْبَرُنَّ بِجَمِيعِ أَعْمَالِكُمْ جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أَيْ بَعْثُكُمْ وَمُجَازَاتُكُمْ، وَهَذِهِ هِيَ الْآيَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْسِمَ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى وُقُوعِ الْمَعَادِ وَوُجُودِهِ، فَالْأُولَى فِي سُورَةِ يُونُسَ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [يُونُسَ: ٥٣] وَالثَّانِيَةُ فِي سُورَةِ سَبَأٍ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [سَبَأٍ: ٣] الآية. وَالثَّالِثَةُ هِيَ هَذِهِ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا يَعْنِي الْقُرْآنَ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أَيْ فَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ خافية. وقوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ [هُودٍ: ١٠٣] وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الواقعة: ٤٩- ٥٠].
وقوله تعالى: ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ
[سورة التغابن (٦٤) : الآيات ١١ الى ١٣]
مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا بِمَا أَخْبَرَ بِهِ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: ٢٢]. وهكذا قال هاهنا:
مَا أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِأَمْرِ اللَّهِ، يَعْنِي عَنْ قَدَرِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أَيْ وَمَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَعَلِمَ أَنَّهَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ وَاسْتَسْلَمَ لِقَضَاءِ اللَّهِ هَدَى اللَّهُ قَلْبَهُ. وَعَوَّضَهُ عَمَّا فَاتَهُ مِنَ الدُّنْيَا هُدًى فِي قَلْبِهِ وَيَقِينًا صَادِقًا، وَقَدْ يُخْلِفُ عَلَيْهِ مَا كَانَ أَخَذَ مِنْهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ يَعْنِي يَهْدِ قَلْبَهُ لِلْيَقِينِ، فَيَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ «١».
وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ قَالَ: كُنَّا عند علقمة فقرىء عِنْدَهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حاتم في تفسيريهما، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ يَعْنِي يَسْتَرْجِعُ يَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ [الْبَقَرَةِ: ١٥٦].
وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «عَجَبًا لِلْمُؤْمِنِ لَا يَقْضِي اللَّهُ لَهُ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، إِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ» «٢».
وَقَالَ أَحْمَدُ «٣» : حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَ جُنَادَةَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَقُولُ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَتَصْدِيقٌ بِهِ وَجِهَادٌ فِي سبيل الله» قال:
(٢) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٦٤، وأحمد في المسند ٤/ ٣٣٢، ٣٣٣.
(٣) المسند ٥/ ٣١٨، ٣١٩.
وقوله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ أَمْرٌ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهُ فِيمَا شَرَعَ وَفِعْلُ مَا بِهِ أَمَرَ وَتَرْكُ مَا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ، ثُمَّ قَالَ تعالى: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أَيْ إِنْ نَكَلْتُمْ عَنِ الْعَمَلِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ مِنَ الْبَلَاغِ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: مِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا أَنَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لا إله غيره فقال تعالى: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فَالْأَوَّلُ خَبَرٌ عَنِ التَّوْحِيدِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الطَّلَبِ أَيْ وَحِّدُوا الْإِلَهِيَّةَ لَهُ وَأَخْلِصُوهَا لَدَيْهِ وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [المزمل: ٩].
[سورة التغابن (٦٤) : الآيات ١٤ الى ١٨]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨)
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْأَزْوَاجِ وَالْأَوْلَادِ إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ عَدُوُّ الزَّوْجِ وَالْوَالِدِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُلْتَهَى بِهِ عن العمل الصالح كقوله تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ [المنافقون: ٩] ولهذا قال تعالى هاهنا:
فَاحْذَرُوهُمْ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي عَلَى دِينِكُمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ قَالَ: يَحْمِلُ الرَّجُلَ عَلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ أَوْ مَعْصِيَةِ رَبِّهِ فَلَا يَسْتَطِيعُ الرَّجُلُ مَعَ حُبِّهِ إِلَّا أَنْ يُطِيعَهُ «١».
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ قَالَ: فَهَؤُلَاءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا مِنْ مَكَّةَ فَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ أَنْ يدعوهم، فلما أتوا رسول الله رَأَوُا النَّاسَ قَدْ فَقِهُوا فِي الدِّينِ فَهَمُّوا أن يعاقبوهم، فأنزل الله تعالى هَذِهِ الْآيَةَ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «٢» وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ محمد بن يحيى عن
(٢) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٦٤، باب ١.
وقوله تعالى: نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّمَا الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ فِتْنَةٌ أَيِ اختبار وابتلاء من الله تعالى لِخَلْقِهِ لِيَعْلَمَ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ وَقَوْلُهُ تعالى:
اللَّهُ عِنْدَهُ
أي يوم القيامةجْرٌ عَظِيمٌ
كما قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران: ١٤] والتي بعدها.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ وَاقَدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بريدة: سمعت أبا بُرَيْدَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَجَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ، نَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا» «٣» وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» : حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا مَجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ، حَدَّثَنَا الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي وَفْدِ كِنْدَةَ فَقَالَ لِي: «هَلْ لَكَ مِنْ وَلَدٍ؟» قُلْتُ: غُلَامٌ وُلِدَ لِي فِي مَخْرَجِي إِلَيْكَ مِنِ ابْنَةِ جَمْدٍ وَلَوَدِدْتُ أَنَّ بمكانه شبع القوم، فقال لي: «لَا تَقُولَنَّ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِمْ قُرَّةَ عَيْنٍ وَأَجْرًا إِذَا قُبِضُوا» ثُمَّ قَالَ: «وَلَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ إِنَّهُمْ لَمَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ» تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عن عيسى عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَدُ ثَمَرَةُ الْقُلُوبِ وَإِنَّهُمْ مجبنة مبخلة محزنة» ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
وقال الطبراني: حدثنا هاشم بن مزيد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال:
«لَيْسَ عَدُوُّكَ الَّذِي إِنْ قَتَلْتَهُ كَانَ فَوْزًا لَكَ وَإِنْ قَتَلَكَ دَخَلْتَ الْجَنَّةَ، وَلَكِنَّ الَّذِي لَعَلَّهُ عَدُوٌّ لَكَ وَلَدُكَ الَّذِي خَرَجَ مِنْ صُلْبِكَ، ثُمَّ أَعْدَى عَدُوٍّ لَكَ مَالُكَ الَّذِي ملكت يمينك».
(٢) المسند ٥/ ٣٥٤.
(٣) أخرجه أبو داود في الصلاة باب ٢٢٧، والترمذي في المناقب باب ٣٠، والنسائي في الجمعة باب ٣٠، والعيدين باب ٢٧، وابن ماجة في اللباس باب ٢٠.
(٤) المسند ٥/ ٢١١.
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ هذه الْآيَةُ اشْتَدَّ عَلَى الْقَوْمِ الْعَمَلُ فَقَامُوا حَتَّى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم، فأنزل الله تعالى هذه الآية تَخْفِيفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَنَسَخَتِ الْآيَةَ الْأُولَى وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَقَتَادَةَ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ تعالى: وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا أَيْ كُونُوا مُنْقَادِينَ لِمَا يَأْمُرُكُمُ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَلَا تَحِيدُوا عَنْهُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً، وَلَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا تَتَخَلَّفُوا عَمَّا بِهِ أُمِرْتُمْ. وَلَا تَرْكَبُوا مَا عَنْهُ زُجِرْتُمْ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ أَيْ وَابْذُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ على الأرقاب وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَذَوِي الْحَاجَاتِ، وَأَحْسِنُوا إِلَى خَلْقِ الله كما أحسن الله إِلَيْكُمْ يَكُنْ خَيْرًا لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ لَا تَفْعَلُوا يَكُنْ شَرًّا لَكُمْ فِي الدنيا والآخرة.
وقوله تَعَالَى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ وَذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ والمنة، وقوله تعالى: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ أَيْ مَهْمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ. وَمَهْمَا تَصَدَّقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْقَرْضِ لَهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ ظلوم ولا عديم «٢»، ولهذا قال تعالى يُضَاعِفْهُ لَكُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً [الْبَقَرَةِ: ٢٤٥] وَيَغْفِرْ لَكُمْ أي ويكفر عنكم السيئات ولهذا قال تعالى: وَاللَّهُ شَكُورٌ أَيْ يَجْزِي عَلَى الْقَلِيلِ بِالْكَثِيرِ حَلِيمٌ أي يصفح وَيَغْفِرُ وَيَسْتُرُ وَيَتَجَاوَزُ عَنِ الذُّنُوبِ وَالزَّلَّاتِ وَالْخَطَايَا وَالسَّيِّئَاتِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تَقَدَّمَ تفسيره غير مرة، آخر تفسير سورة التغابن، ولله الحمد والمنة.
(٢) أخرجه مسلم في المسافرين حديث ١٧٠، ١٧١.