" بسم الله " كلمة عزيزة من ذكرها يحتاج إلى لسان عزيز في الغيبة لا يبتذل، وفي ذكر الأغيار لا يستعمل. ومن عرفها يحتاج إلى قلب عزيز ليس في كل ناحية منه خليط، ولا في كل زاوية زبيط.
ﰡ
المخلوقاتُ كلُّها بجملتها لله سبحانه مُسَبِّحةٌ. . ولكن لا يَسْمَعُ تسبيحَها مَنْ به طَرَشُ النكرة.
ويقال : الذي طَرَأَ صَمَمُه فقد يُرْجَى زواله بنوعِ معالجة، أمَّا مَنْ يولَدُ أصَمَّ فلا حيلةَ في تحصيل سماعه. قال تعالى :﴿ فإنك لا تسمع الموتى ﴾ [ الروم : ٥٢ ] وقال تعالى :
﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ ﴾ [ الأنفال : ٢٣ ].
منكم كافرٌ في سابق حُكْمِه سَمَّاه كافراً، وعَلِمَ أنه يكفر وأراد به الكفر. . وكذلك كانوا. ومنكم مؤمنٌ في سابق حُكْمِه سمَّاه مؤمناً، وعِلِمَ في آزاله أنه يُؤمِن وخَلَقَه مؤمناً، وأراده مؤمناً. . . والله بما تعلمون بصير.
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ َالأَرْضَ بِالْحِقِّ ﴾ : أي وهو مُحِقُّ في خَلْقِه.
﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ لم يَقُلْ لشيءٍ من المخلوقات هذا الذي قال لنا، صوَّر الظاهرَ وصوَّر الباطنَ ؛ فالظاهر شاهدٌ على كمال قدرته، والباطن شاهدٌ على جلال قربته.
قصِّروا حِيَلكُم عن مطلوبكم، فهو تتقاصر عنه علومُكم، وأنا أعلمُ ذلك دونَكم. . فاطلبوا منِّي، فأنا بذلك أعلم، وعليه أقدر.
ويقال :﴿ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ ﴾. فاحذروا دقيقَ الرياء، وخَفِيَّ ذات الصدور ﴿ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ : فاحذروا أن يخالِفَ ظاهرُكم باطنكم.
في قوله :﴿ مَا تُسِرُّونَ ﴾ أمرٌ بالمراقبة بين العبد وربه.
وفي قوله :﴿ ما تعلنون ﴾ أمرٌ بالصدق في المعاملة والمحاسبة مع الخَلْق.
المراد من ذلك هو الاعتبار بِمَنْ سَلَفَ، ومَنْ لم يعتبِرْ عَثَرَ في مَهْوَاةٍ من الأمَلِ، ثم لا يَنْتَعِشُ إلاّ بعد فواتِ الأمرِ من يده.
الموتُ نوعان : موتُ نَفْسٍ، وموتُ قلب، ففي القيامة يُبْعَثون من موت النَّفْس، وأمَّا موتُ القلبِ فلا بَعْثَ منه - عند كثيرٍ من مخلصي هذه الطائفة، قال تعالى مُخْبِراً عنهم :﴿ قَالُواْ يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَننَا مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ [ يس : ٥٢ ] فلو عرفوه لَمَا قالوا ذلك ؛ فموتُ قلوبِهم مُسَرْمَدٌ إلى أنْ تصيرَ معارفُهم ضروريةً، فهذا الوقتُ وقتُ موتِ قلوبهم.
﴿ النور الذي أنزلنا ﴾ : القرآن. ويجوز أن يكون ما أنزل في قلوب أوليائه من السكينة وفنون الألطاف.
المطيعُ – يومئذٍ ِ- في غبن لأنه لم يستكثر من الطاعة، والعاصي في غبن لأنه استكثر من الزلَّة.
وليسَ كلُّ الغبنِ في تفاوت الدرجات قلَّةً وكثرة، فالغبن في الأحوال أكثر.
أيُّ حُصْلةٍ حَصَلت فمِنْ قِبَلِه خَلْقاً، وبعلمه وإرادته حُكماً.
﴿ ومن يؤمن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ حتى يهتدي إلى الله في السَّراء والضَّراء - اليومَ - وفي الآخرة يهديه إلى الجنة.
ويقال :﴿ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ للأخلاق السنيَّة، والتنقِّي من شُحِّ النَّفْس.
ويقال :﴿ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ لاتِّباع السُّنَّةِ واجتنابِ البِدْعة.
طاعةُ الله واجبة، وطاعةُ الرُّسُل - الذين هم سفراءٌ بينه وبين الخَلْقِ - واجبةٌ كذلك. والأنوار التي تظهر عليك وتطالَبُ بمقتضياتها كلُّها حقٌّ، ومن الحقِّ. . فتجب طاعتُها أيضاً.
إذا دَعَوْكَ لتجمَع لهم الدنيا فهم عدوٌّ لك، أمَّا إذا أخذتم منها على وجه العفاف فليسوا لكم أعداء.
﴿ فِتْنَةٌ ﴾ : لأنهم يشغلونك عن أداء حقِّ الله ؛ فما تَبْقَ عن الله مشغولاً بجمعه فهو غيرُ ميمونٍ عليك.
ويقال : إذا جمعتم الدنيا لغير وَجْهِه فإنكم تُشغَلُون بذلك عن أداءِ حقِّ مولاكم، وتشغلكم أولادُكم، فتبقون بهم عن طاعة الله - وتلك فتنةٌ لكم. . ترومون إصلاحَهم. فتفسدون أنتم وهم لا يًصْلَحون !
أي ما دمتم في الجملة مستطيعين ويتوجه عليكم التكليف فاتقوا لله. والتقوى عن شهود التقوى بعد إلا يكونَ تقصيرٌ في التقوى غايةُ التقوى.
﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ ﴾ حتى ترتفعَ الأخطارُ عن قلبه، ويتحرَّر من رِقِّ المكونات، ﴿ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.
يتوجَّه بهذا الخطاب إلى الأغنياء لبَذْلِ أموالهم، وللفقراء في إخلاءِ أيامهم وأوقاتهم من مراداتهم وإيثارِ مرادِ الحقِّ على مرادِ أنفسِهم.
فالغنيُّ يُقال له : آثِرْ حُكْمي على مرادك في مالِك، والفقيرُ يقال له : آثِرْ حُكْمي في نَفْسِك وقلبك ووقتك وزمانك.