تفسير سورة التغابن

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة التغابن من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
آياتها ثماني عشرة
هي مدنية، نزلت بعد التحريم.
ومناسبتها لما قبلها :
( ١ ) إنه في السورة قبلها ذكر حال المنافقين، وخاطب بعد ذلك المؤمنين، وهنا قسم الناس قسمين مؤمن وكافر.
( ٢ ) نهى هناك عن الاشتغال بالأولاد عن ذكر الله، وهنا ذكر أن الأموال والأولاد فتنة.
( ٣ ) في السورة السابقة حث على الإنفاق في سبيل الله، وفي ذكر التغابن حث عليه أيضا.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ( ١ ) هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير ( ٢ ) خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير ( ٣ ) يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور ﴾ [ التغابن : ١-٤ ].
الإيضاح :﴿ يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض ﴾ أي إن وجود ما في السماوات والأرض دال على تنزيه الله وكماله، وإن هذه المخلوقات مسخرة منقادة له.
﴿ له الملك وله الحمد ﴾ فهو المتصرف في جميع الكائنات، المحمود على جميع ما يخلق ويقدر، لأنه مصدر الخيرات، ومفيض البركات.
﴿ وهو على كل شيء قدير ﴾ فما أراد كان بلا ممانع ولا مدافع، وما لم يشأ لم يكن. ثم ذكر بعض مقدوراته تعالى قال :
﴿ هو الذي خلقكم ﴾ أي هو الذي أوجدكم كما شاء على ما شاء.
ثم قسم هذا المخلوق فقال :
﴿ فمنكم كافر ومنكم مؤمن ﴾ أي فبعضكم مختار للكفر كاسب له على خلاف ما تقتضيه فطرته، وبعضكم مختار للإيمان كاسب له بحسب ما تدعو إليه الفطرة كما جاء في الحديث :( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) وقد كانت الأدلة الكونية في الأنفس والآفاق كفيلة أن تردكم إلى الحق، فتختاروا الإيمان شاكرين لنعمة الخلق والإيجاد وما يتبعهما من سائر النعم، ولكنكم ما فعلتم ذلك، بل تفرقتم شيعا، وجحدتم الخالق، وكفرتم بأنعمه عليكم، بعد أن أفصح الصبح لذي عينين.
﴿ والله بما تعملون بصير ﴾ أي وهو البصير بمن هو مستعد للهداية لصفاء نفسه، وزكاء روحه، فيعطيه ما هو له أهل ؛ ومن خبثت طويته، وفسدت سجيته، ودسّى نفسه بكبائر الذنوب والآثام، وسيجزى بما هو به حقيق من العذاب الأليم في جهنم :﴿ إنها ساءت مستقرا ومقاما ﴾ [ الفرقان : ٦٦ ].
وبعد أن ذكر نعمة خلق الإنسان ذكر النعمة الشاملة بخلق العالم كله على أتم ما يكون من الحكمة والعدل فقال :
﴿ خلق السماوات والأرض بالحق ﴾ أي بالحكمة البالغة المتضمنة لمنافع الدين والدنيا ﴿ وصوركم فأحسن صوركم ﴾ حيث أودع فيكم القوى، والمشاعر الظاهرة والباطنة وجعلكم صفوة جميع مخلوقاته، وخصكم بخلاصة خصائص مبدعاته ؛ فالإنسان يضم روحا هو من عالم الأرواح، ويدنا هو من عالم الأشباح، وأنشدوا :
وتزعم أنك جرم صغير *** وفيك انصوى العالم الأكبر
﴿ وإليه المصير ﴾ في الحياة الآخرة، وهو الذي يجازي كل نفس بما كسبت، لا معقّب لحكمه وهو سريع الحساب، فاصرفوا ما خلق لكم في شكره، والوفاء بحق نعمه المتظاهرة عليكم، ظاهرة وباطنة.
﴿ يعلم ما في السماوات والأرض ﴾ فلا تخفى عليه خافية من أمرها، وهو يدبرها بحسب علمه الواسع، وقدرته الشاملة :﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ﴾ [ يس : ٨٢ ].
ثم خص بعض ما يعلمه، عناية بأمره، إذ عليه الثواب والعقاب فقال :
﴿ ويعلم ما تسرون وما تعلنون ﴾ فاجعلوا أعمالكم ظاهرها وباطنها وفق ما يطلبه منكم الدين، لتنالوا الفوز برضوان الله وجميل مثوبته.
ثم علل هذا بقوله :
﴿ والله عليم بذات الصدور ﴾ أي لأنه تعالى محيط بجميع ما أضمره المرء في صدره، واستكنّ في قلبه، فلا يخفى عليه ما يسرّ وما يعلن.
﴿ ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ( ٥ ) ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد ﴾ [ التغابن : ٥-٦ ].
شرح المفردات : ألم يأتكم : هذا الاستفهام للتعجب من حالهم، والنبأ : الخبر الهام ؛ وأصل الوبال : الثقل والشدة المترتبة على أمر من الأمور، ومنه الطعام الوبيل أي الثقيل على المعدة، والوابل : للمطر الثقيل القطر، ثم استعمل في الضر لأنه يثقل على الإنسان، والأمر : الكفر وعبر به للإيذان بأنه جناية عظيمة وأمر هائل، والبينات : المعجزات، وتولوا : أعرضوا، واستغنى الله : أي أظهر غناه عنهم ؛ إذ أهلكهم وقطع دابرهم.
المعنى الجملي : بعد أن بسط سبحانه الأدلة على عظيم قدرته وواسع علمه، وأنه خلق السماوات والأرض، وأنه صورهم فأحسن صورهم، وأنه يعلم السر والنجوى- حذّّر المشركين من كفار مكة على تماديهم في الكفر، والجحود بآياته، وإنكار رسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وبيّن لهم عاقبة ما يحل بهم من العذاب في الدنيا والآخرة ؛ وضرب لهم الأمثال بالأمم المكذبة من قبلهم، فقد كذبوا رسلهم، وتمادوا في عنادهم، وقالوا : أيرسل الله من البشر رسلا ؟ فحلت بهم نقمة ربهم، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر ؛ فأصبحت ديارهم خرابا يبابا، كأن لم يغنوا بالأمس، فهلا يكون ذلك عبرة لهم، فيتوبوا إلى رشدهم، ويرجعوا إلى ربهم لو كانوا من أرباب النهى.
الإيضاح :﴿ ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ﴾ أي ألم يبلغكم أيها المشركون من أهل مكة نبأ الذين كفروا بالرسل من قبلكم كقوم نوح وهود وصالح وغيرهم من الأمم التي أصرّت على الكفر والعناد، كيف حل بهم عقاب ربهم، وعظيم نقمته ؛ وأرسل عليهم ألوانا من العذاب لا قبل لهم بها ؛ فمن صاعقة من السماء تجتاحهم، إلى رجفة في الأرض تهلكهم، إلى صيحة تصم الآذان تبيدهم وتجعلهم كأمس الدابر، وتمحوهم من صفحة الوجود، إلى طوفان يعم الأرض ويبتلعهم ؛ فحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ؛ وسيكون لهم عظيم النكال والوبال يوم تجزى كل نفس بما كسبت، إن الله سريع الحساب.
وفي هذا الأسلوب تعجيب من حالهم، وأنه قد كان لهم في ذلك مدّكر، لو كانوا يستبصرون، وعبرة لو كانوا يعتبرون.
المعنى الجملي : بعد أن بسط سبحانه الأدلة على عظيم قدرته وواسع علمه، وأنه خلق السماوات والأرض، وأنه صورهم فأحسن صورهم، وأنه يعلم السر والنجوى- حذّّر المشركين من كفار مكة على تماديهم في الكفر، والجحود بآياته، وإنكار رسالة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وبيّن لهم عاقبة ما يحل بهم من العذاب في الدنيا والآخرة ؛ وضرب لهم الأمثال بالأمم المكذبة من قبلهم، فقد كذبوا رسلهم، وتمادوا في عنادهم، وقالوا : أيرسل الله من البشر رسلا ؟ فحلت بهم نقمة ربهم، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر ؛ فأصبحت ديارهم خرابا يبابا، كأن لم يغنوا بالأمس، فهلا يكون ذلك عبرة لهم، فيتوبوا إلى رشدهم، ويرجعوا إلى ربهم لو كانوا من أرباب النهى.
شرح المفردات :
والبينات : المعجزات، وتولوا : أعرضوا، واستغنى الله : أي أظهر غناه عنهم ؛ إذ أهلكهم وقطع دابرهم.
ثم بين أسباب ما حل بهم من النقمة فقال :
﴿ ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد ﴾ أي إن ما حل بهم من سوء العذاب كان من جراء تكذيبهم بالرسل بعد أن جاؤوهم بالأدلة الواضحة، والمعجزات الباهرة ؛ وقالوا : إن من العجب العاجب أن يكون هدينا على يدي بشر منا لا ميزة لهم عنا بعقل راجح، ولا بسلطان يتملكون به قيادنا، ويجعل لهم بسطة النفوذ علينا، كما قالت ثمود :﴿ أبشرا منا واحدا نتبعه ﴾ [ القمر : ٢٤ ] وقد جهلوا أن النبوة رسالة يصطفي بها الله من يشاء من عباده كما قال :﴿ الله أعلم حيث يجعل رسالته ﴾ [ الأنعام : ١٢٤ ].
وبعد أن أطال عنادهم وتمادوا في غيهم أهلكهم الله بسلطانه وجبروته، وقطع دابرهم، واستغنى عن إيمانهم، وهو الغني عن العالمين جميعا، والغني عن إيمانهم وطاعتهم، وهو الحقيق بالحمد على ما أنعم به على عباده من النعم المتظاهرة عليهم، ظاهرة وباطنة.
﴿ زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما علمتم وذلك على الله يسير ( ٧ ) فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير ( ٨ ) يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ( ٩ ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ﴾ [ التغابن : ٧- ١٠ ].
شرح المفردات : زعم فلان كذا : أي ادعى علمه بحصوله، وأكثر ما يستعمل للادعاء الباطل، بلى : كلمة للجواب تقع بعد النفي للإثبات ما بعده كما وقع في الآية، لتبعثن : أي لتحاسبن وتجزونّ بأعمالكم، والنور : هو القرآن ؛ وسمي بذلك لأنه بيِّن في نفسه مبيِّن لغيره، والخبير : هو العليم ببواطن الأشياء، يوم الجمع : هو يوم القيامة ؛ سمي بذلك لأن الله يجمع فيه الأولين والآخرين في صعيد واحد، والتغابن، من قولهم : تغابن القوم في التجارة : إذا غبن بعضهم بعضا كأن يبيع أحدهم الشيء بأقل من قيمته، فهذا غبن للبائع، أو يشتريه بأكثر من قيمته، وهذا غبن للمشتري.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه فيما سلف إنكار المشركين للألوهية، ثم إنكارهم للنبوة بقولهم :﴿ أبشر يهدوننا ﴾ ثم أعقبه بأنهم سيلقون الوبال والنكال جزاء ما فعلوا- أردف ذلك بذكر إنكارهم للبعث، ثم بإثبات تحققه وأنه كائن لا محالة، وأن كل امرئ سيجازى بما فعل يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد حين يغبن الكفار في شرائهم، لأنهم اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، ويفوز المؤمنون في تجارتهم بالصفقة الرابحة، لأن الله اشترى منهم أموالهم وأنفسهم بالجنة فضلا منه ورحمة.
الإيضاح :﴿ زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ﴾ أي ادعى المشركون أن لا بعث ولا حساب جزاء فقالوا :﴿ أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ﴾ [ الرعد : ٥ ] وقالوا :﴿ من يحي العظام وهي رميم ﴾ [ يس : ٧٨ ].
فأمر رسوله بالرد عليه وإبطال زعمهم بقوله :
﴿ قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبئون بما عملتم وذلك على الله يسير ﴾ أي قل لهم : إن البعث كائن لا محالة، وإنكم وربي الذي برأ الخلق وأنشأهم من العدم ستحاسبن على أعمالكم وتجزون على الكثير والقليل، والنقير والقطمير، وذلك هين عليه يسير.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ﴾ [ يس : ٧٩ ]. وقوله :﴿ ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين ﴾ [ يونس : ٥٣ ] وقوله :﴿ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم ﴾ [ سبأ : ٣ ] الآية.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه فيما سلف إنكار المشركين للألوهية، ثم إنكارهم للنبوة بقولهم :﴿ أبشر يهدوننا ﴾ ثم أعقبه بأنهم سيلقون الوبال والنكال جزاء ما فعلوا- أردف ذلك بذكر إنكارهم للبعث، ثم بإثبات تحققه وأنه كائن لا محالة، وأن كل امرئ سيجازى بما فعل يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد حين يغبن الكفار في شرائهم، لأنهم اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، ويفوز المؤمنون في تجارتهم بالصفقة الرابحة، لأن الله اشترى منهم أموالهم وأنفسهم بالجنة فضلا منه ورحمة.
شرح المفردات : النور : هو القرآن ؛ وسمي بذلك لأنه بيِّن في نفسه مبيِّن لغيره، والخبير : هو العليم ببواطن الأشياء
وبعد أن أبان لهم أدلة التوحيد والنبوة بما لا محال معه للإنكار- طالبهم بالإيمان بهما فقال :
﴿ فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا ﴾ أي فصدقوا بالله ورسوله وكتابه الهادي لكم إلى سواء السبيل إذا تراكمت ظلمات الشبهات، والمنقذ لكم من الضلالة إذا أحاطت بكم الخطيئات.
ثم توعدهم على ما يأتون وما يذرون فقال :
﴿ والله بما تعملون خبير ﴾ فلا تخفى عليه أعمالكم، وسيحاسبكم على ما كسبت أيديكم من خير أو اكتسبت من شر، فراقبوه وخافوا شديد عقابه.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه فيما سلف إنكار المشركين للألوهية، ثم إنكارهم للنبوة بقولهم :﴿ أبشر يهدوننا ﴾ ثم أعقبه بأنهم سيلقون الوبال والنكال جزاء ما فعلوا- أردف ذلك بذكر إنكارهم للبعث، ثم بإثبات تحققه وأنه كائن لا محالة، وأن كل امرئ سيجازى بما فعل يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد حين يغبن الكفار في شرائهم، لأنهم اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، ويفوز المؤمنون في تجارتهم بالصفقة الرابحة، لأن الله اشترى منهم أموالهم وأنفسهم بالجنة فضلا منه ورحمة.
شرح المفردات : يوم الجمع : هو يوم القيامة ؛ سمي بذلك لأن الله يجمع فيه الأولين والآخرين في صعيد واحد، والتغابن، من قولهم : تغابن القوم في التجارة : إذا غبن بعضهم بعضا كأن يبيع أحدهم الشيء بأقل من قيمته، فهذا غبن للبائع، أو يشتريه بأكثر من قيمته، وهذا غبن للمشتري.
﴿ يوم يجمعكم ليوم الجمع ﴾ أي وتذكروا يوم يجمع الله الأولين والآخرين للحساب والجزاء في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، لتجزى كل نفس بما كسبت، لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ﴾ [ هود : ١٠٣ ] وقوله :﴿ قل إن الأولين والآخرين ( ٤٩ ) لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ﴾ [ الواقعة : ٤٩-٥٠ ].
﴿ ذلك يوم التغابن ﴾ فالكافرون قد اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فخسرت صفقتهم ولم يربحوا فيها، والمؤمنون باعوا أنفسهم بالجنة فربحت صفقتهم وما كانوا خاسرين، وفي الصحيح ( ما من عبد يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا، وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة، ليزداد حسرة ).
والخلاصة : إنه لا غبن أعظم من أن قوما ينعمون، وقوما يعذبون، وأن قوما مغبونين في الدنيا أصبحوا في الآخرة غابنين لمن غبنوهم فيها.
ثم بين هذا التغابن وفصله بقوله :
﴿ ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ﴾ أي ومن يصدق بالله ويعمل بطاعته ونيته إلى أمره ونهيه- يمح عنه ذنوبه ويدخله جنات تجري من تحت أشجارها الأنهار لابثين فيها أبدا لا يموتون ولا يخرجون منها، وذلك هو الفوز الذي لا فوز بعده، لانطوائه على النجاة من أعظم المهالك، وأجلّ المخاطر.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه فيما سلف إنكار المشركين للألوهية، ثم إنكارهم للنبوة بقولهم :﴿ أبشر يهدوننا ﴾ ثم أعقبه بأنهم سيلقون الوبال والنكال جزاء ما فعلوا- أردف ذلك بذكر إنكارهم للبعث، ثم بإثبات تحققه وأنه كائن لا محالة، وأن كل امرئ سيجازى بما فعل يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد حين يغبن الكفار في شرائهم، لأنهم اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، ويفوز المؤمنون في تجارتهم بالصفقة الرابحة، لأن الله اشترى منهم أموالهم وأنفسهم بالجنة فضلا منه ورحمة.
﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ﴾ أي والذين جحدوا وحدانية الله وكذبوا بأدلته وآي كتابه الذي أنزله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم أولئك أصحاب النار خالدين فيها أبدا، وبئس النار مصيرا لهم.
﴿ وما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم ( ١١ ) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ( ١٢ ) الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون ﴾ [ التغابن : ١١-١٣ ].
شرح المفردات : المصيبة : ما ينال الإنسان ويصيبه من خير أو شر، بإذن الله : أي بقدرته ومشيئته، يهد قلبه : أي يشرحه لازدياد الخير والطاعة.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه فيما سلف أن الناس قسمان : كافر بالله مكذب لرسوله لا يألو جهدا في إيصال الأذى بهم، ومؤمن بالله مصدق لرسله وهو يعمل الصالحات أردف ذلك ببيان أن ما يصيب الإنسان من خير وشر فهو بقضاء الله وقدره بحسب النظم التي وضعها في الكون، فعلى الإنسان أن يجدّ ويعمل، ثم لا يبالي بعد ذلك بما يأتي به القضاء، لعلمه بأن ما فوق ذلك ليس في طاقته، ولن يهوله أمره، ولن يحزن عليه، ثم أمر بعد ذلك بطاعة الله وطاعة الرسول، وأبان أن تولي الكافرين عن الرسول لن يضيره شيئا، فإنه قد أدى رسالته.
وما على الرسول إلا البلاغ، وأن على المؤمن أن يتوكل على الله وحده، وهو يكفيه شر ما أهمه.
الإيضاح :﴿ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ﴾ أي ما أصاب أحدا من خيرات الدنيا ولذاتها أو رزاياها وشرورها- فهو بقضاء الله وقدره بحسب ما وضع من السنن في نظم الكون، فعلى المرء أن يعمل ويجد ويسعى لجلب الخير ودفع الضر عن نفسه أو عن غيره ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ثم هو لا يحزن ولا يغتم لما يصيبه بعد ذلك، لأنه قد فعل ما هو في طاقته وما هو داخل في مقدوره، وما بعد ذلك فليس له من أمره شيء.
والخلاصة : إن على المؤمن واجبين :
( ١ ) السعي وبذل الجهد في جلب الخير ودفع الضر ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
( ٢ ) التوكل على الله بعد ذلك، اعتقادا منه أن كل شيء يحدث فإنما هو بقضائه وقدره، فلا يغتم ولا يحزن لدى حلول الشر، ولا يتمادى في السرور عند مجيء الخير.
ثم بين أن الإيمان يضيء القلب، ويشرح الصدر لخير العمل فقال :
﴿ ومن يؤمن بالله يهد قلبه ﴾ ويشرح صدره، لازدياد الخير والمضي قدما في طاعة الله، وأي نعمة أعظم من هذه النعمة ؟ جد في عمل الخير، واستراحة لدى الغم والحزن، واطمئنان للنفس، ووثوق بفضل الله.
﴿ والله بكل شيء عليم ﴾ أي والله عليم بالأشياء كلها، فهو عليم بالقلوب وأحوالها ومطلع على سرها ونجواها، فاحذروه وراقبوه في السر والعلن، كما جاء في الأثر :" اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه فيما سلف أن الناس قسمان : كافر بالله مكذب لرسوله لا يألو جهدا في إيصال الأذى بهم، ومؤمن بالله مصدق لرسله وهو يعمل الصالحات أردف ذلك ببيان أن ما يصيب الإنسان من خير وشر فهو بقضاء الله وقدره بحسب النظم التي وضعها في الكون، فعلى الإنسان أن يجدّ ويعمل، ثم لا يبالي بعد ذلك بما يأتي به القضاء، لعلمه بأن ما فوق ذلك ليس في طاقته، ولن يهوله أمره، ولن يحزن عليه، ثم أمر بعد ذلك بطاعة الله وطاعة الرسول، وأبان أن تولي الكافرين عن الرسول لن يضيره شيئا، فإنه قد أدى رسالته.
وما على الرسول إلا البلاغ، وأن على المؤمن أن يتوكل على الله وحده، وهو يكفيه شر ما أهمه.
﴿ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين ﴾ أي وأطيعوا الله فيما شرع، وأطيعوا رسوله فيما بلّغ، وافعلوا ما به أمر، واتركوا ما عنه نهى وزجر، فإن أعرضتم عن ذلك فإنما عليه أداء ما حمّل من الرسالة، وعليكم ما حملتم من السمع والطاعة، وهو قد أدى ما عليه، ولا يكلف شيئا بعد ذلك.
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه فيما سلف أن الناس قسمان : كافر بالله مكذب لرسوله لا يألو جهدا في إيصال الأذى بهم، ومؤمن بالله مصدق لرسله وهو يعمل الصالحات أردف ذلك ببيان أن ما يصيب الإنسان من خير وشر فهو بقضاء الله وقدره بحسب النظم التي وضعها في الكون، فعلى الإنسان أن يجدّ ويعمل، ثم لا يبالي بعد ذلك بما يأتي به القضاء، لعلمه بأن ما فوق ذلك ليس في طاقته، ولن يهوله أمره، ولن يحزن عليه، ثم أمر بعد ذلك بطاعة الله وطاعة الرسول، وأبان أن تولي الكافرين عن الرسول لن يضيره شيئا، فإنه قد أدى رسالته.
وما على الرسول إلا البلاغ، وأن على المؤمن أن يتوكل على الله وحده، وهو يكفيه شر ما أهمه.
﴿ الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون ﴾ أي وحدوا الله وأخلصوا له العمل وتوكلوا عليه، ونحو الآية قوله :﴿ رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ﴾ [ المزمل : ٩ ].
وفي هذا إيماء إلى أن المؤمن لا يعتمد إلا عليه، ولا يتقوى إلا به، لأنه يعتقد أنه لا قادر في الحقيقة إلا هو، وفيه حث لرسوله صلى الله عليه وسلم على التوكل عليه. والتقوي به في أمره حتى ينصره على من كذبه وتولى عنه، وكأنها تشير إلى أن من لا يتوكل عليه فليس بمؤمن، وهي كالخاتمة والفذلكة لما تقدم.
﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ( ١٤ ) إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ( ١٥ ) فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون( ١٦ ) إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لم ويغفر لكم والله شكور حليم ( ١٧ ) عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم ﴾ [ التغابن : ١٤-١٨ ].
تفسير المفردات : فتنة : أي بلاء ومحنة.
المعنى الجملي : بعد أن أمر بطاعة الله وطاعة رسوله، وذكر أن المؤمن ينبغي أن يتوكل على الله تعالى ولا يعتمد إلا عليه- ذكر هنا أن من الأولاد والزوجات أعداء لآبائهم وأزواجهم يثبطونهم عن الطاعة، ويصدونهم عن تلبية الدعوة لما فيه رفعة شأن الدين وإعلاء كلمته، فعليكم أن تحذروهم ولا تتبعوا أهواءهم، حتى لا يكونوا إخوان الشياطين يزينون لكم المعاصي ويصدونكم عن الطاعة ؛ ثم أردف هذا ببيان أن الإنسان مفتون بماله وولده، فإنه ربما عصى الله تعالى بسببهما، فغصب المال أو غيره لأجلهما، فعليه أن يتقي الله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولينفق ذو سعة من سعته، فمن جاد بماله ووقى نفسه الشحّ فهو الفائز بخيري الدنيا والآخرة، ومن أقرض الله قرضا حسنا فالله يضاعف له الحسنة بعشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف، وهو عالم بما يغيب عن الإنسان وما يشاهد، وهو العزيز الحكيم في تدبير شؤون عباده.
أخرج الترمذي والحاكم وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية :﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم ﴾ في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يَدَعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين همّوا أن يعاقبوهم فأنزل الله :﴿ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ﴾ الآية. وفي رواية عنه أنه قال : كان الرجل يريد الهجرة فتحبسه امرأته فيقول : أما والله لئن جمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لأفعلنّ ولأفعلنّ، فجمع الله بينهم في دار الهجرة فأنزل الله الآية.
الإيضاح :﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ﴾ أي أيها الذين صدّقوا الله ورسوله : إن من أزواجكم وأولادكم أعداء لكم يحولون بينكم وبين الطاعات التي تقربكم من ربكم، والأعمال الصالحة التي تنفعكم في آخرتكم، وربما حملوكم على السعي في اكتساب الحرام، واكتساب الآثام لمنفعة أنفسهم.
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يأتي زمان على أمتي يكون فيه هلاك الرجل على يد زوجه وولده يعيّرانه بالفقر، فيركب مراكب السوء فيهلك ).
ومن الناس من يحمله حبهم والشفقة عليهم، ليكونوا في عيش رغد في حياته وبعد مماته، فيرتكب المحظورات لتحصيل ما يكون سببا لذلك، وإن لم يطالبوه فيهلك.
ومن المفسرين من حمل العداوة على العداوة الدنيوية وقالوا : إن الزوجات والأولاد ربما آذوا أزواجهم وآباءهم، وجرّعوهم الغصَص والآلام. وربما جرّ ذلك إلى وضع السم في الدسم أو إلى قتلهم، وفي المشاهد أكبر عبرة لمن اعتبر.
والخلاصة : إنه إما يراد بالعداوة، العداوة الأخروية، فإن الأزواج والأولاد ربما أضروا بأزواجهم وآبائهم فيها إذا منعوهم عن عمل الخير لها، وإما أن يراد العداوة في الدنيا فتكون عداوة حقيقية بينهم لها آثارها الدنيوية.
ثم أرشدهم إلى التجاوز عن بعض هناتهم فقال :
﴿ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ﴾ أي وإن تعفوا عن ذنوبهم التي ارتكبوها بترك المعاقبة، وتصفحوا بالإعراض وترك التثريب عليها، وتغفروا بإخفائها، وتمهيد معذرتهم فيها، فهو خير لكم فإن الله رحيم بكم وبهم، ويعاملكم بمثل ما عاملتم ويتفضل عليكم.
المعنى الجملي : بعد أن أمر بطاعة الله وطاعة رسوله، وذكر أن المؤمن ينبغي أن يتوكل على الله تعالى ولا يعتمد إلا عليه- ذكر هنا أن من الأولاد والزوجات أعداء لآبائهم وأزواجهم يثبطونهم عن الطاعة، ويصدونهم عن تلبية الدعوة لما فيه رفعة شأن الدين وإعلاء كلمته، فعليكم أن تحذروهم ولا تتبعوا أهواءهم، حتى لا يكونوا إخوان الشياطين يزينون لكم المعاصي ويصدونكم عن الطاعة ؛ ثم أردف هذا ببيان أن الإنسان مفتون بماله وولده، فإنه ربما عصى الله تعالى بسببهما، فغصب المال أو غيره لأجلهما، فعليه أن يتقي الله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولينفق ذو سعة من سعته، فمن جاد بماله ووقى نفسه الشحّ فهو الفائز بخيري الدنيا والآخرة، ومن أقرض الله قرضا حسنا فالله يضاعف له الحسنة بعشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف، وهو عالم بما يغيب عن الإنسان وما يشاهد، وهو العزيز الحكيم في تدبير شؤون عباده.
أخرج الترمذي والحاكم وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية :﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم ﴾ في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يَدَعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين همّوا أن يعاقبوهم فأنزل الله :﴿ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ﴾ الآية. وفي رواية عنه أنه قال : كان الرجل يريد الهجرة فتحبسه امرأته فيقول : أما والله لئن جمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لأفعلنّ ولأفعلنّ، فجمع الله بينهم في دار الهجرة فأنزل الله الآية.
ثم أخبر سبحانه بأن الأموال والأولاد فتنة فقال :
﴿ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ﴾ أي إنما حبكم لأموالكم وأولادكم ابتلاء واختبار، إذ كثيرا ما يترتب على ذلك الوقوع في الآثام، وارتكاب كبير المحظورات.
وقدمت الأموال على الأولاد لأنها أعظم فتنة كما قال :﴿ كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ﴾.
أخرج أحمد والطبراني والحاكم والترمذي عن كعب بن عياض قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي المال ).
﴿ والله عنده أجر عظيم ﴾ لمن أثر محبته وطاعته على محبة الأولاد وطاعتهم، فلا تباشروا المعاصي بسبب الأولاد، لا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر العظيم.
المعنى الجملي : بعد أن أمر بطاعة الله وطاعة رسوله، وذكر أن المؤمن ينبغي أن يتوكل على الله تعالى ولا يعتمد إلا عليه- ذكر هنا أن من الأولاد والزوجات أعداء لآبائهم وأزواجهم يثبطونهم عن الطاعة، ويصدونهم عن تلبية الدعوة لما فيه رفعة شأن الدين وإعلاء كلمته، فعليكم أن تحذروهم ولا تتبعوا أهواءهم، حتى لا يكونوا إخوان الشياطين يزينون لكم المعاصي ويصدونكم عن الطاعة ؛ ثم أردف هذا ببيان أن الإنسان مفتون بماله وولده، فإنه ربما عصى الله تعالى بسببهما، فغصب المال أو غيره لأجلهما، فعليه أن يتقي الله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولينفق ذو سعة من سعته، فمن جاد بماله ووقى نفسه الشحّ فهو الفائز بخيري الدنيا والآخرة، ومن أقرض الله قرضا حسنا فالله يضاعف له الحسنة بعشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف، وهو عالم بما يغيب عن الإنسان وما يشاهد، وهو العزيز الحكيم في تدبير شؤون عباده.
أخرج الترمذي والحاكم وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية :﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم ﴾ في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يَدَعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين همّوا أن يعاقبوهم فأنزل الله :﴿ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ﴾ الآية. وفي رواية عنه أنه قال : كان الرجل يريد الهجرة فتحبسه امرأته فيقول : أما والله لئن جمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لأفعلنّ ولأفعلنّ، فجمع الله بينهم في دار الهجرة فأنزل الله الآية.
تفسير المفردات : ومن يوق : أي من يحفظ نفسه، والشح : البخل مع الحرص
﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ أي ابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه ).
ونحو هذا ما جاء في قوله :﴿ اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ].
﴿ واسمعوا وأطيعوا ﴾ أي كونوا منقادين لما يأمركم الله ورسوله به، ولا تحيدوا عنه يمنة ولا يسرة، ولا ترتكبوا ما نهيتم عنه.
﴿ وأنفقوا خيرا لأنفسكم ﴾ أي وابذلوا مما رزقكم الله على الفقراء والمساكين وذوي الحاجات، وفي الوجوه التي يكون فيها صلاح الأمة والملة، وسعادة الدين والدنيا، وذلك خير لأنفسكم من الأموال والأولاد ؛ وهذا حث على البذل، وبيان أن الامتثال خير لا محالة.
ثم زاد في الحث على الإنفاق فقال :
﴿ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ﴾ أي ومن يبتعد عن البخل والحرص على المال- يكن من الفائزين بكل ما يرجو، ونيل كل ما ينبغي في دينه ودنياه، فيكون محببا إلى الناس، قرير العين برضاهم عنه وحنوّهم عليه، سعيدا في الآخرة بالقرب من ربه ومحبته ورضوانه ودخول جناته.
المعنى الجملي : بعد أن أمر بطاعة الله وطاعة رسوله، وذكر أن المؤمن ينبغي أن يتوكل على الله تعالى ولا يعتمد إلا عليه- ذكر هنا أن من الأولاد والزوجات أعداء لآبائهم وأزواجهم يثبطونهم عن الطاعة، ويصدونهم عن تلبية الدعوة لما فيه رفعة شأن الدين وإعلاء كلمته، فعليكم أن تحذروهم ولا تتبعوا أهواءهم، حتى لا يكونوا إخوان الشياطين يزينون لكم المعاصي ويصدونكم عن الطاعة ؛ ثم أردف هذا ببيان أن الإنسان مفتون بماله وولده، فإنه ربما عصى الله تعالى بسببهما، فغصب المال أو غيره لأجلهما، فعليه أن يتقي الله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولينفق ذو سعة من سعته، فمن جاد بماله ووقى نفسه الشحّ فهو الفائز بخيري الدنيا والآخرة، ومن أقرض الله قرضا حسنا فالله يضاعف له الحسنة بعشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف، وهو عالم بما يغيب عن الإنسان وما يشاهد، وهو العزيز الحكيم في تدبير شؤون عباده.
أخرج الترمذي والحاكم وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية :﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم ﴾ في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يَدَعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين همّوا أن يعاقبوهم فأنزل الله :﴿ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ﴾ الآية. وفي رواية عنه أنه قال : كان الرجل يريد الهجرة فتحبسه امرأته فيقول : أما والله لئن جمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لأفعلنّ ولأفعلنّ، فجمع الله بينهم في دار الهجرة فأنزل الله الآية.
تفسير المفردات : القرض الحسن : هو التصدق من الحلال بإخلاص وطيب نفس.
ثم بالغ في الحث على الإنفاق أيضا فقال :
﴿ إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم ﴾ أي إن تنفقوا في طاعة الله متقربين إليه بإخلاص وطيب نفس- يضاعف لكم ذلك، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، ويستر لم ما فرط من زلاتكم ؛ جاء في الصحيحين :( إن الله يقول : من يقرض غير ظلوم ولا عديم ؟ ).
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يقول الله : استقرضت عبدي فأبى أن يقرضني، ويشتمني عبدي وهو لا يدري، يقول وادهراه وادهراه وأنا الدهر ) ثم تلا أبو هريرة هذه الآية. أخرجه ابن جرير والحاكم وصححه.
ونحو هذه الآية ما جاء في سورة البقرة :﴿ فيضاعفه له أضعافا كثيرا ﴾ [ البقرة : ٢٤٥ ].
ثم بيّن علة المضاعفة ورغّب في النفقة فقال :
﴿ والله شكور حليم ﴾ فيثيب من أطاعه بأضعاف مضاعفة، ولا يعاجل من عصاه بعقوبته على كثرة الذنوب والخطايا.
المعنى الجملي : بعد أن أمر بطاعة الله وطاعة رسوله، وذكر أن المؤمن ينبغي أن يتوكل على الله تعالى ولا يعتمد إلا عليه- ذكر هنا أن من الأولاد والزوجات أعداء لآبائهم وأزواجهم يثبطونهم عن الطاعة، ويصدونهم عن تلبية الدعوة لما فيه رفعة شأن الدين وإعلاء كلمته، فعليكم أن تحذروهم ولا تتبعوا أهواءهم، حتى لا يكونوا إخوان الشياطين يزينون لكم المعاصي ويصدونكم عن الطاعة ؛ ثم أردف هذا ببيان أن الإنسان مفتون بماله وولده، فإنه ربما عصى الله تعالى بسببهما، فغصب المال أو غيره لأجلهما، فعليه أن يتقي الله ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولينفق ذو سعة من سعته، فمن جاد بماله ووقى نفسه الشحّ فهو الفائز بخيري الدنيا والآخرة، ومن أقرض الله قرضا حسنا فالله يضاعف له الحسنة بعشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف، وهو عالم بما يغيب عن الإنسان وما يشاهد، وهو العزيز الحكيم في تدبير شؤون عباده.
أخرج الترمذي والحاكم وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية :﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم ﴾ في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يَدَعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين همّوا أن يعاقبوهم فأنزل الله :﴿ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا ﴾ الآية. وفي رواية عنه أنه قال : كان الرجل يريد الهجرة فتحبسه امرأته فيقول : أما والله لئن جمع الله بيني وبينكم في دار الهجرة لأفعلنّ ولأفعلنّ، فجمع الله بينهم في دار الهجرة فأنزل الله الآية.
ثم ذكر ما يزيد في الترغيب في النفقة أيضا فقال :
﴿ عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم ﴾ أي هو العليم بما غاب عنكم وبما تشهدونه، فكل ما تعملون فهو محفوظ لديه في أمّ الكتاب، لا يعزب عنه مثقال ذرة وسيثيبكم عليه ويجازيكم به أحسن الجزاء، وهو ذو العزة والقدرة، النافذ الإرادة، الحكيم في تدبير خلقه على ما يعلم من المصلحة.
Icon