ﰡ
﴿ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾؛ من أمُور الدُّنيا والآخرةِ.
﴿ قَدِيرٌ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾؛ ظاهرُ المعنى.
﴿ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ ﴾؛ في الآخرةِ، وباقي الآيتين.
﴿ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾؛ ظاهرُ المعنى.
﴿ ذَلِكَ ﴾؛ العذاب.
﴿ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾؛ أي بالمعجزات.
﴿ فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا ﴾؛ فقالوا آدَمِيٌّ مِثلُنا يَدعُونا إلى خلافِ دينِ آبائنا.
﴿ فَكَفَرُواْ ﴾؛ بالكتُب والرُّسل وأعرَضُوا عن القبولِ منهم.
﴿ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ ﴾؛ عن إيمانِهم وطاعتهم.
﴿ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ ﴾؛ عن أفعالِ العباد.
﴿ حَمِيدٌ ﴾؛ في إنعامهِ عليهم. ومعنى قولهِ ﴿ وَبَالَ أَمْرِهِمْ ﴾ أصلُ الْوَبَالِ مِنَ الثُّقْلِ، يقالُ: أمرٌ وَبيلٌ؛ أي ثقيلٌ، يسمى جزاءُ المعصية وَبَالاً لِثِقَلِهِ.
﴿ قُلْ ﴾؛ لَهم يا مُحمَّدُ: ﴿ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ﴾؛ بعدَ الموتِ.
﴿ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ﴾؛ في الدُّنيا ﴿ وَذَلِكَ ﴾؛ الجزاءُ والبعثُ.
﴿ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ﴾؛ أي سهلٌ هيِّن.
﴿ فَآمِنُواْ ﴾؛ يا أهلَ مكَّة.
﴿ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾؛ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا ﴾؛ يعني القرآنَ.
﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.
﴿ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ ﴾؛ يَغْبنُ فيه أهلُ الحقِّ أهلَ الباطلِ، وأهلُ الإيمانِ أهلَ الكفرِ، فلا غُبْنَ أبْيَنُ منه، هؤلاءِ يدخُلون الجنةَ وهؤلاء يدخُلون النارَ. والغُبْنُ: فَوْتُ الحظِّ والمرادِ. وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:" مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلاَّ وَقَدْ رَأى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار لَوْ أسَاءَ لِيَزْدَادَ شُكْراً. وَمَا مِنْ عَبْدٍ كَافِرٍ يَدْخُلُ النَّارَ إلاّ وَقَدْ رَأى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ لَوْ أحْسَنَ لِيَزْدَادَ حَسْرَةً ". فالْمَغْبُونُ من غُبنَ أهلَهُ ومنازلَهُ من الجنَّةِ، ويظهرُ يومئذ غُبْنُ كلِّ كافرٍ بتركِ الإيمان، وغُبْنُ كلِّ كافرٍ بتقصيرهِ في الأحسن وتضييعهِ الأيامَ. ﴿ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾.
﴿ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ ﴾؛ أي مَن يصدِّقْ بأنَّ المصيبةَ من اللهِ.
﴿ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾، للرِّضا والصبرِ، ويقالُ: يُوَفِّقْهُ للاسترجاعِ. وقرأ السُّلميُّ: (يُهْدَ قَلْبَهُ) عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِِلُهُ، وقرأ طلحةُ بن مصرِّف بالهمزِ والرفعِ في قوله (يُهْدِئْ قَلْبَهُ) على معنى يُسْكِنُ قلبَهُ. ﴿ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ * ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾.
ودخول (مِنْ) هنا يدلُّ على أنه ليس جميعُ الأزواجِ والأولاد عدُوّاً، وإنما منهم من يحبُّ هلاكَكُم ليرثَ مالَكم، وأيُّ عدُوٍّ أعدَى ممن يحبُّ موتَكَ لمنفعةِ نفسه، ومنهم من يحملُوكم على أنْ تَعصُوا اللهَ بأخذِ غيرِ الواجب، ويمنعُ الواجبَ لمنفعةٍ ترجعُ إليهم، ومعنى قولهِ تعالى ﴿ فَٱحْذَرُوهُمْ ﴾ أي فاحذرُوا أن تُطِيعُوهم وتدَعُوا الهجرةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ وذلك أنَّ الرجُلَ كان إذا أرادَ الجهادَ والهجرة عرضَ على امرأتهِ وقَرائِبه إذا أبَوا عليه أقسَمَ أنْ لا يُنفِقَ عليهم، فإذا عادَ كفَّ عن النفقةِ ليَمِينهِ، فقيل لَهم: ﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ ﴾ أي وإنْ تَعفُوا عنهم وتُجاوزُوا عن صَدِّهم إياكم، وتَغفِرُوا ذُنوبَهم بعدَ ما رجَعتُم وبعدَ ما اجتَمَعتُم في دار الهجرة، ولم تُكافِؤُوهم عن سوءِ ما فَعلوهُ.
﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ يغفرُ لَكم كذلكَ كثيراً من ذُنوبكم. وَقِيْلَ: معنى الآية: إنَّ الرجل من هؤلاءِ إذا رأى الناسَ قد سبَقوهُ إلى الهجرةِ وتفَقَّهوا في الدِّين همَّ أن يُعاقِبَ زوجتَهُ وأولادَهُ الذين يُبطِئونَهُ عن الهجرةِ، وإنْ لَحِقُوا به في الهجرةِ لم يُنفِقْ عليهم، فأنزلَ اللهُ تعالى ﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
﴿ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾؛ إنْ لم يشغَلهُ مالهُ وولدهُ عن طاعةِ الله. وعن بُرَيدَةَ قال:" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَجَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثِرَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمِنْبَرِ، فَحَمَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " صَدَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ نَظَرْتُ إلَى هَذيْنِ الصَّبيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثرَانِ، فَلَمْ أصْبرْ عَنْهُمَا حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا " ثُمَّ أخَذ رََسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ ".
﴿ وَٱسْمَعُواْ ﴾؛ ما تُؤمَرون به.
﴿ وَأَطِيعُواْ ﴾؛ أمرَ رسولهِ.
﴿ وَأَنْفِقُواْ ﴾؛ مِن أموالِكم في طاعةِ الله يكن ذلك.
﴿ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ ﴾؛ لأنَّ نفعَ الآخرةِ أعظمُ، ويقالُ: الخيرُ ها هنا المالُ، كأنَّهُ قال: أنفِقُوا مَالاً من أموالِكم، وهذه الآية نسَخَتْ قولَهُ تعالى:﴿ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾[آل عمران: ١٠٢].
وقولهُ تعالى: ﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾؛ أي من يدفَعْ عنه بُخْلَ نفسهِ فأُولئك هم الْمُزَكُّونَ لطلبتهم. والشُّحُّ الذي في اللغة: منعُ الواجب، ومن الشُّحِّ أن يعمدَ الرجلُ إلى مالِ غيره فيأكلهُ.
﴿ وَٱللَّهُ شَكُورٌ ﴾؛ يقبَلُ اليسيرَ ويُعطِي الجزيلَ من الثواب.
﴿ حَلِيمٌ ﴾؛ لا يعجِّلُ بالعقوبةِ على من بَخِلَ بالصَّدقة، واستحقَّ العقوبةَ على ذنوبهِ.
﴿ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ﴾؛ أي يعلمُ ما تُكِنُّهُ صدورُكم مما لا تعلمهُ الْحَفَظَةُ، ويعلمُ كلَّ ما ظهرَ مما سقطَ من ورقةٍ، وما قَطَرَ من قطرِ المطرِ، وهو.
﴿ ٱلْعَزِيزُ ﴾؛ في مُلكه وسلطانه.
﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾؛ في أمرهِ وقضائه.