تفسير سورة التغابن

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تفسير سورة سورة التغابن من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد .
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة التغابن
مكية، إلا قوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم ﴾ [ التغابن : ١٤ ] إلى آخر السورة، فإنه مدني. وهي ثماني عشرة آية. ومناسبتها : قوله تعالى :﴿ هو الذي خلقكم فمنكم كافر. . . ﴾ الخ ؛ مع قوله :﴿ والله خبير بما تعملون ﴾ [ المنافقون : ١١ ] أي : من كفر وإيمان، وكأنه تعالى لما ذكر أهل النفاق ذكر في هذه السورة أهل الكفر الصريح، فقال :
بسم الله الرحمان الرحيم :
﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾*﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾*﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾*﴿ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾.

يقول الحق جلّ جلاله :﴿ يُسبِّح لله ما في السماوات وما في الأرض ﴾ أي : يُنزّهه سبحانه جميعُ ما فيهما من المخلوقات عما لا يليق بجناب كبريائه، قال القشيري : المخلوقات بجملتها مُسَبِّحةٌ لله، ولكن لا يَسْمَعُ تسبيحَها مَن فيه طَرَشُ النكرة. ه. ﴿ له الملكُ وله الحمدُ ﴾ لا لغيره ؛ إذ هو المبدئ لكلّ شيء، وهو القائم به، والمهيمن عليه، وهو المُولي لأصول النِعم وفروعها، وأمّا ملك غيره فاسترعاء من جنابه، وحمد غيره اعتداد بأنّ نعمة الله جرت على يديه. فتقديم الظرفين للاختصاص. ﴿ وهو على كل شيءٍ قديرٌ ﴾ ؛ لأنّ نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى الكل سواء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : هو الذي خلقكم، فمنكم كافر بطريق الخصوص، ومنكم مؤمن بها، داخل فيها، أي : فمنكم عام ومنكم خاص. قال القشيري : فمنكم كافرٌ، أي : ساتر للحق بالخلق، ومنكم مؤمن، أي : مُصدِّقٌ بظهور الحق في الخلق. ثم قسَّم الناسَ على ثلاثة : مَن لا يرى إلاّ الخلق، وهم أهل الفرق، ومَن لا يرى إلاّ الحق، وهم أهل الجمع، ومَن يرى الحق في الخلق، والخلق في الحق، لا يحجبه أحدُهما عن الآخر، فهم أهل جمع الجمع.
خَلَقَ سماواتِ الأرواح ليُعرف بها، وأرض الأشباح ليُعبد بها، وهو الواحد الأحد، وصوَّركم فأحسن صُورَكم، حيث جعلها جامعة للعوالم العلوية والسفلية ؛ لأنَّ الله تعالى خلق آدم على صورته١، وذاته المقدسة جامعة لمظاهر الصفات والأسماء، وتلك المظاهر كلها مجموعة في الصور الآدمية، بخلاف سائر الكائنات، فما في صورتها إلا بعض الأسماء والصفات، فتأمّله. وإليه المصير، أي : وإلى ذاته ترجع جميع الصور والأشكال، فما خرج شيء عن إحاطة الذات والصفات، يعلم ما تُسرُّون من العقائد الصحيحة، وما تُعلنون من العبادات الخالصة، أو : ما تُسرُّون من الكشوفات الذوقية، وما تُعلنون من العبودية الاختيارية، هذا في خاصة أهل الظاهر وأهل الباطن، أو : ما تُسرُّون من العقائد الفاسدة، وما تُعلنون من الأعمال الخبيثة، أو : ما تُسرُّون من الاتحاد أو الحلول، وما تعلنون من العمل والمعلول، وهذا في طالحي الفريقين.

﴿ هو الذي خَلَقَكُم ﴾ خلقاً بديعاً، حائزاً لجميع الكمالات العلمية والعملية، ومع ذلك ﴿ فمنكم كافرٌ ﴾ أي : فبعض منكم مختار للكفر كاسباً له، على خلاف ما تستدعيه خِلقته، ﴿ ومنكم مؤمن ﴾ مختار للإيمان، كاسباً له، على حسب ما تقتضيه خِلقته، وكان الواجب عليكم جميعاً أن تكونوا مختارين للإيمان، شاكرين لنِعم الخلق والإيجاد، وما يتفرّع عليهما من سائر النِعم، فما فعلتُم ذلك مع تمام تمكُّنكم منه، بل تشعّبتم شعباً، وتفرقتم فِرَقاً. وتقديم الكفر لأنه الأغلب والأنسب للتوبيخ. قال القشيري :﴿ فمنكم كافر ومنكم مؤمن ﴾ أي : في سابق علمه سمَّاه كافراً، لعلمه أنه يكفر، وكذلك المؤمن. ه. قال أبو السعود : حَمْله على ذلك مما لا يليق بالمقام، فانظره. ﴿ واللهُ بما تعملون بصير ﴾ فيُجازيكم بذلك، فاختاروا منه ما ينفعكم من الإيمان والطاعة، وإياكم وما يرديكم من الكفر والعصيان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : هو الذي خلقكم، فمنكم كافر بطريق الخصوص، ومنكم مؤمن بها، داخل فيها، أي : فمنكم عام ومنكم خاص. قال القشيري : فمنكم كافرٌ، أي : ساتر للحق بالخلق، ومنكم مؤمن، أي : مُصدِّقٌ بظهور الحق في الخلق. ثم قسَّم الناسَ على ثلاثة : مَن لا يرى إلاّ الخلق، وهم أهل الفرق، ومَن لا يرى إلاّ الحق، وهم أهل الجمع، ومَن يرى الحق في الخلق، والخلق في الحق، لا يحجبه أحدُهما عن الآخر، فهم أهل جمع الجمع.
خَلَقَ سماواتِ الأرواح ليُعرف بها، وأرض الأشباح ليُعبد بها، وهو الواحد الأحد، وصوَّركم فأحسن صُورَكم، حيث جعلها جامعة للعوالم العلوية والسفلية ؛ لأنَّ الله تعالى خلق آدم على صورته١، وذاته المقدسة جامعة لمظاهر الصفات والأسماء، وتلك المظاهر كلها مجموعة في الصور الآدمية، بخلاف سائر الكائنات، فما في صورتها إلا بعض الأسماء والصفات، فتأمّله. وإليه المصير، أي : وإلى ذاته ترجع جميع الصور والأشكال، فما خرج شيء عن إحاطة الذات والصفات، يعلم ما تُسرُّون من العقائد الصحيحة، وما تُعلنون من العبادات الخالصة، أو : ما تُسرُّون من الكشوفات الذوقية، وما تُعلنون من العبودية الاختيارية، هذا في خاصة أهل الظاهر وأهل الباطن، أو : ما تُسرُّون من العقائد الفاسدة، وما تُعلنون من الأعمال الخبيثة، أو : ما تُسرُّون من الاتحاد أو الحلول، وما تعلنون من العمل والمعلول، وهذا في طالحي الفريقين.

﴿ خَلَقَ السماوات والأرضَ بالحق ﴾ ؛ بالحكمة البالغة، المتضمنة للمصالح الدينية والدنيوية، حيث جعلها مقرًّا للمكلّفين ليعملوا فيُجازيهم، ﴿ وصوَّركم فأحْسَن صُوَركم ﴾ حيث أنشأكم في أحسن تقويم، وأودع فيكم من القُوى والمشاعر الظاهرة والباطنة، ما نيط بها جميع الكمالات البارزة والكامنة، وخصَّكم بخلاصة خَصائص مُبدعاته، وجعلكم أنموذجَ جميع مخلوقاته، فالكائنات كلها منطوية في هذه النشأة.
قال النسفي : أي : خلقكم أحسن الحيوان كلّه، وأبهاه، بدليل : أنّ الإنسان لا يتمنّى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور، ومِن حُسن صورته : أنه خلق منتصباً غير منكبٍّ، ومَن كان دميماً، مشوّه الصورة، سمج الخلقة، فلا سماجة ثمَّ، ولكن الحسن على طبقات، فلانحطاطها عمّا فوقها لا تستملح، ولكنها غير خارجة عن حدّ الحُسن. وقال الحكماء : شيئان لا غاية لهما : الجمال والبيان. ه. قلت : وما أشار إليه هو الذي نظمه الجيلاني في عينيته، حيث قال :
وكُلُّ قبيحٍ إن نَسَبْتِ لحُسْنِه أتتك معاني الحُسْنِ فيه تُسارعُ
يُكَمِّل نُقصانَ القبيحِ جَمَالُه فما ثَمَّ نُقصانٌ. ولا ثَمَّ بَاشِعُ
﴿ وإِليه المصيرُ ﴾ في النشأة الأخرى، لا إلى غيره، فأحسِنوا سرائركم، باستعمال تلك القوى والمشاعر فيما خُلقن له.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : هو الذي خلقكم، فمنكم كافر بطريق الخصوص، ومنكم مؤمن بها، داخل فيها، أي : فمنكم عام ومنكم خاص. قال القشيري : فمنكم كافرٌ، أي : ساتر للحق بالخلق، ومنكم مؤمن، أي : مُصدِّقٌ بظهور الحق في الخلق. ثم قسَّم الناسَ على ثلاثة : مَن لا يرى إلاّ الخلق، وهم أهل الفرق، ومَن لا يرى إلاّ الحق، وهم أهل الجمع، ومَن يرى الحق في الخلق، والخلق في الحق، لا يحجبه أحدُهما عن الآخر، فهم أهل جمع الجمع.
خَلَقَ سماواتِ الأرواح ليُعرف بها، وأرض الأشباح ليُعبد بها، وهو الواحد الأحد، وصوَّركم فأحسن صُورَكم، حيث جعلها جامعة للعوالم العلوية والسفلية ؛ لأنَّ الله تعالى خلق آدم على صورته١، وذاته المقدسة جامعة لمظاهر الصفات والأسماء، وتلك المظاهر كلها مجموعة في الصور الآدمية، بخلاف سائر الكائنات، فما في صورتها إلا بعض الأسماء والصفات، فتأمّله. وإليه المصير، أي : وإلى ذاته ترجع جميع الصور والأشكال، فما خرج شيء عن إحاطة الذات والصفات، يعلم ما تُسرُّون من العقائد الصحيحة، وما تُعلنون من العبادات الخالصة، أو : ما تُسرُّون من الكشوفات الذوقية، وما تُعلنون من العبودية الاختيارية، هذا في خاصة أهل الظاهر وأهل الباطن، أو : ما تُسرُّون من العقائد الفاسدة، وما تُعلنون من الأعمال الخبيثة، أو : ما تُسرُّون من الاتحاد أو الحلول، وما تعلنون من العمل والمعلول، وهذا في طالحي الفريقين.

﴿ يعلمُ ما في السماوات والأرض ويعلم ما تُسِرُّون وما تُعلنون ﴾ أي : ما تُسرونه فيما بينكم، وما تُظهرونه من الأمور، والتصريح به مع اندراجه فيما سبق قبله ؛ لأنه الذي يدور عليه الجزاء، ففيه تأكيد للوعد والوعيد، وتشديد لهما. وقوله تعالى :﴿ واللهُ عليم بذاتِ الصُدور ﴾ : تذييل لِما قبله، ومُقَرِّر له، من شمول علمه تعالى لسِرِّهم وعلنهم، أي : هو محيط بجميع المضمرات المستكنة في صدور الناس، بحيث لا يُفارقها أصلاً، فكيف يخفى عليه ما يُسرونه وما يُعلنونه، فحق أن يُتقى ويُحذر. وإظهار الجلالة للإشعار بعلية الحكم، وتأكيد استقلال الجملة. قيل : وتقدّم تقرير القدرة على تقرير العلم ؛ لأنّ دلالة المخلوقات على قدرته تعالى بالذات، وعلى علمه بما فيها من الإتقان والاختصاص ببعض الأوصاف، وكل ما ذكره بعد قوله :﴿ فمنكم كافر ومنكم مؤمن ﴾ في معنى الوعيد على الكفر، وإنكار أن يُعصى الخالق ولا تُشكر نِعَمه.
قال الطيبي : الفاء في " فمنكم " تفصيلية، والآية كلها واردة لبيان عظمة الله في مُلكِه وملكوته، وذلك أنه تعالى لمّا أثبت لذاته الأقدس التنزيه، وأنّ كل شيء ينزهه ويُقدّسه عما لا يَليق بجلاله، ثم خصّ أنه لوصفه بالمالكية على الإطلاق، وكل كمال وجمال ونعمةٍ وإفضال منه، وهو خالق كل مهتدٍ وضال، ونظم دليل الآفاق مع دليل الأنفس، وبيّن أنَّ إليه المصير، ختم ذلك بإثبات العلم الشامل للكليات والجزئيات، وكرره تكريراً، وأكّده توكيداً، وكأنَّ ذكر العلم في قوله :﴿ والله بما تعملون بصير ﴾ استطراد لذكر الخلق وتفصيله، ولإثبات القضاء والقدر، ولمّا فرغ من بيان العظمة جاء بالتهديد والوعيد، وقال :﴿ ألم يأتكم. . . ﴾ الآية. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : هو الذي خلقكم، فمنكم كافر بطريق الخصوص، ومنكم مؤمن بها، داخل فيها، أي : فمنكم عام ومنكم خاص. قال القشيري : فمنكم كافرٌ، أي : ساتر للحق بالخلق، ومنكم مؤمن، أي : مُصدِّقٌ بظهور الحق في الخلق. ثم قسَّم الناسَ على ثلاثة : مَن لا يرى إلاّ الخلق، وهم أهل الفرق، ومَن لا يرى إلاّ الحق، وهم أهل الجمع، ومَن يرى الحق في الخلق، والخلق في الحق، لا يحجبه أحدُهما عن الآخر، فهم أهل جمع الجمع.
خَلَقَ سماواتِ الأرواح ليُعرف بها، وأرض الأشباح ليُعبد بها، وهو الواحد الأحد، وصوَّركم فأحسن صُورَكم، حيث جعلها جامعة للعوالم العلوية والسفلية ؛ لأنَّ الله تعالى خلق آدم على صورته١، وذاته المقدسة جامعة لمظاهر الصفات والأسماء، وتلك المظاهر كلها مجموعة في الصور الآدمية، بخلاف سائر الكائنات، فما في صورتها إلا بعض الأسماء والصفات، فتأمّله. وإليه المصير، أي : وإلى ذاته ترجع جميع الصور والأشكال، فما خرج شيء عن إحاطة الذات والصفات، يعلم ما تُسرُّون من العقائد الصحيحة، وما تُعلنون من العبادات الخالصة، أو : ما تُسرُّون من الكشوفات الذوقية، وما تُعلنون من العبودية الاختيارية، هذا في خاصة أهل الظاهر وأهل الباطن، أو : ما تُسرُّون من العقائد الفاسدة، وما تُعلنون من الأعمال الخبيثة، أو : ما تُسرُّون من الاتحاد أو الحلول، وما تعلنون من العمل والمعلول، وهذا في طالحي الفريقين.

ثم هدد من كفر بعد ظهور هذه الآيات العظيمة على عظمته تعالى ووحدانيته، فقال :
﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾*﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُواْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾*﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله : لكفار مكة ﴿ ألم يأتكم نبأُ الذين كفروا من قبلُ ﴾ ؟ كقوم نوح، ومَن بعدهم من الأمم المُصرَّة على الكفر، ﴿ فذاقوا وبالَ أمرهم ﴾ أي : شؤم كفرهم في الدنيا من الهلاك والاستئصال. والوبالُ : الثقل والشدة، وأمرهم : كفرهم، عبّر عنه بالأمر إيذاناً بأنه أمر هائلٌ، وجناية عظيمة، و " ذاقوا " عطف على " كفروا " أي : ألم يأتكم خبر الذين كفروا فذاقوا من غير مهلة ما يسْتتبعُهُ كفرهم في الدنيا ؟ ﴿ ولهم في الآخرة عذابٌ أليم ﴾ لا يُقادَر قدره.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ألم يأتكم يا معشر المنكِرين على أولياء زمانكم، خبر مَن أنكر قبلكم، ذاقوا وبالَ أمرهم حيث ماتوا محجوبين عن شهوده، مطرودين عن ساحة قربه، ذاقوا وبال أمرهم في الدنيا ؛ الجزع والهلع وتسليط الخواطر والشكوك، ولهم في الآخرة عذاب البُعد والحِجاب، وسبب ذلك : إنكار الخصوصية عند بشر مثلهم، فكفروا به، وتولَّوا عنه، والله غني عنهم، وعن توجههم، وعن جميع الخلق، زعم الذين كفروا ؛ ستروا الحق بالخلق، أي : احتجبوا بالخلق عن شهود الحق، أن لن يُبعثوا على معتقدهم، قل : بلى وربي لتُبعثن، كما عشتم محجوبين عن رؤية الحق إلاّ نادراً ؛ لأنَّ العبد يموت على ما عاش، ويُبعث على ما مات، من معرفةٍ أو نكران، ثم لتُحاسبن على أعمالكم، لا يغادَر منها صغيرة ولا كبيرة، بخلاف العارفين، لا يُرفع لهم ميزان، ولا يتوجه لهم حساب، حيث فَنوا عن أنفسهم، وبقوا بالله، وهم من السبعين ألفاً. وبالله التوفيق.
﴿ ذلك ﴾ أي : ما ذكر من العذاب الذي ذاقوه في الدنيا، وما سيذوقونه في الآخرة ﴿ بأنه ﴾ ؛ بسبب أن الشأن ﴿ كانت تأتيهم رُسُلهم بالبينات ﴾ ؛ بالمعجزات الظاهرة، ﴿ فقالوا أَبَشَرٌ يهدوننا ﴾ أي : قال كلُّ قوم من المذكورين في حق رسولهم الذي أتاهم بالمعجزات منكرين كون الرسول من البشر، متعجبين من ذلك ﴿ أَبَشرٌ ﴾ مِن جنس البشر ﴿ يهدوننا ﴾، أنكروا رسالة البشر، ولم ينكروا عبادةَ الحجر، ﴿ فكفروا ﴾ بالرسل ﴿ وتَوَلَّوا ﴾ عن التدبُّر فيما أتوا به من البينات، أو : عن الإيمان بهم، ﴿ واستغنى اللهُ ﴾ أي : أظهر استغناءه عن إيمانهم وطاعتهم، حيث أهلكهم وقطع دابرهم، ولولا استغناؤه تعالى عنها ما فعل ذلك، ﴿ والله غنيٌّ ﴾ عن العالمين، فضلاً عن إيمانهم وطاعتهم، ﴿ حميدٌ ﴾ يحمده كلُّ مخلوقٍ بلسان الحال والمقال، أو : مستحق للحمد بذاته، وإن لم يحمده حامد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ألم يأتكم يا معشر المنكِرين على أولياء زمانكم، خبر مَن أنكر قبلكم، ذاقوا وبالَ أمرهم حيث ماتوا محجوبين عن شهوده، مطرودين عن ساحة قربه، ذاقوا وبال أمرهم في الدنيا ؛ الجزع والهلع وتسليط الخواطر والشكوك، ولهم في الآخرة عذاب البُعد والحِجاب، وسبب ذلك : إنكار الخصوصية عند بشر مثلهم، فكفروا به، وتولَّوا عنه، والله غني عنهم، وعن توجههم، وعن جميع الخلق، زعم الذين كفروا ؛ ستروا الحق بالخلق، أي : احتجبوا بالخلق عن شهود الحق، أن لن يُبعثوا على معتقدهم، قل : بلى وربي لتُبعثن، كما عشتم محجوبين عن رؤية الحق إلاّ نادراً ؛ لأنَّ العبد يموت على ما عاش، ويُبعث على ما مات، من معرفةٍ أو نكران، ثم لتُحاسبن على أعمالكم، لا يغادَر منها صغيرة ولا كبيرة، بخلاف العارفين، لا يُرفع لهم ميزان، ولا يتوجه لهم حساب، حيث فَنوا عن أنفسهم، وبقوا بالله، وهم من السبعين ألفاً. وبالله التوفيق.
ثم ذكر كفرهم بالبعث، فقال :﴿ زَعَمَ الذين كفروا أن لن يُبعثوا ﴾، الزعم : ادّعاء العلم، فيتعدّى إلى مفعولين، سدّ مسدهما " أن " المخففة، أي : أدّعى أهل مكة أنّ الشأن لن يُبعثوا بعد موتهم، ﴿ قل بلى وربي لَتُبعثن ﴾، ردًّا لزعمهم وإبطالاً لِما نفوه مؤكَّداً بالقسم، فإن قلْتَ : ما معنى اليمين على شيء أنكروه ؟ قلتُ : هو جائز ؛ لأنّ التهديد به أعظم موقعاً في القلب، فكأنه قيل : ما تنكرونه والله إنه لواقع لا محالة، ﴿ ثم لتُنبَّؤنَّ بما عَمِلتم ﴾ أي : لتُحاسبن وتُجزون بأعمالكم، ﴿ وذلك ﴾ أي : ما ذكر من البعث والحساب ﴿ على الله يسيرٌ ﴾ هيّن، لتحقق القدرة التامة، وقبول المادة للإعادة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ألم يأتكم يا معشر المنكِرين على أولياء زمانكم، خبر مَن أنكر قبلكم، ذاقوا وبالَ أمرهم حيث ماتوا محجوبين عن شهوده، مطرودين عن ساحة قربه، ذاقوا وبال أمرهم في الدنيا ؛ الجزع والهلع وتسليط الخواطر والشكوك، ولهم في الآخرة عذاب البُعد والحِجاب، وسبب ذلك : إنكار الخصوصية عند بشر مثلهم، فكفروا به، وتولَّوا عنه، والله غني عنهم، وعن توجههم، وعن جميع الخلق، زعم الذين كفروا ؛ ستروا الحق بالخلق، أي : احتجبوا بالخلق عن شهود الحق، أن لن يُبعثوا على معتقدهم، قل : بلى وربي لتُبعثن، كما عشتم محجوبين عن رؤية الحق إلاّ نادراً ؛ لأنَّ العبد يموت على ما عاش، ويُبعث على ما مات، من معرفةٍ أو نكران، ثم لتُحاسبن على أعمالكم، لا يغادَر منها صغيرة ولا كبيرة، بخلاف العارفين، لا يُرفع لهم ميزان، ولا يتوجه لهم حساب، حيث فَنوا عن أنفسهم، وبقوا بالله، وهم من السبعين ألفاً. وبالله التوفيق.
ولما هدد على الكفر، أمر بالإيمان، ورغب فيه، فقال :
﴿ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾*﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾*﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.
قلت : الفاء في قوله ﴿ فآمِنوا ﴾ فصيحة، مفصحة عن شرط مقدّر، أي : إذا كان الأمر كما ذكرنا من وقوع البعث لا محالة فآمِنوا وتأهّبوا له.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ فآمِنوا بالله ورسوله ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ والنورِ الذي أنزلنا ﴾ وهو القرآن، فإنه بيّن حقائق الأشياء، فيهتَدي به كما يهتدي بالنور. والالتفات في " أنزلنا " لكمال العناية بالإنزال، ﴿ والله بما تعملون ﴾ من الامتثال وعدمه ﴿ خبير ﴾، فيجازيكم عليه. وإظهار اسم الجليل لتربية المهابة، وتأكيد استقلال الجملة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : فآمِنوا بالله ورسوله إيمان العيان، لا إيمان البرهان، أي : قدِّموا إيمان البرهان، ثم سيروا إلى مقام العيان، وآمِنوا بالقرآن، وصَفُّوا مرآة قلوبكم حتى تسمعوه منا بلا واسطة، واذكروا يومَ يجمعكم ليوم الجمع الدائم لأهل الجمع في الدنيا، ذلك يوم التغابن، يغبن الذاكرون الغافلين، والمجتهدون المقصّرين، والعارفون بالله والمحجوبين عنه، وهذا هو الغبن الكبير، ومَن يُؤمن بالله، ثم يَجْهد في شهود الله، ويعمل عملاً صالحاً، وهو العمل بالله، نُكفِّر عنه سيئاته، أي رؤية أعماله ووجوده، أي : نُغَطِّي وصفَه بوصفي، ونعتَه بنعتي، ونُدخله جنات المعارف، تجري من تحتها أنهار العلوم والحِكم، وذلك هو الفوز العظيم، أي : خَلْع الوجود المجازي عنه، وإلباس الوجود الحقيقي هو الفوز العظيم. والذين كفروا بطريق الخصوص، وكذَّبوا بآياتنا، وهم العارفون الدالون على الله، أولئك أصحاب النار، أي : نار الحجاب وجحيم الاحتجاب، خالدين فيها، وبئس المصير الحجاب والاحتجاب.
واذكر ﴿ يومَ يجمعكم ﴾ أو : لَتنبؤنَّ، أو خبير ﴿ يوم يجمعكم ليوم الجمع ﴾ وهو يوم يُجمع فيه الأولون والآخرون للحساب والجزاء، ﴿ ذلك يوم التغَابُنِ ﴾، مستعار من : تغابن القومُ في التجارة، وهو أن يُغبن بعضُهم بعضاً، لنزول السعداء منازلَ الأشقياء التي كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء، ونزول الأشقياء منازل السعداء لو كانوا أشقياء، كما ورد في الحديث١. وقد يتغابن الناسُ في ذلك اليوم بتفاوت الدرجات، وذلك هو التغابن الحقيقي، لا التغابن في أمور الدنيا، ﴿ ومَن يؤمن بالله ويعمل صالحاً نُكَفِّرْ ﴾ بنون العظمة لنافع والشامي، وبياء الغيبة، أي : يُكَفِّر الله ﴿ عنه سيئاتِه ونُدْخِلْه جنات ﴾ أو : يُدخله الله ﴿ جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك ﴾ أي : ما ذكر من تكفير السيئات وإدخال الجنات ﴿ الفوزُ العظيم ﴾ الذي لا فوز وراءه ؛ لانطوائه على النجاة من أعظم الهلكات، والظفر بأجل الطلبات.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : فآمِنوا بالله ورسوله إيمان العيان، لا إيمان البرهان، أي : قدِّموا إيمان البرهان، ثم سيروا إلى مقام العيان، وآمِنوا بالقرآن، وصَفُّوا مرآة قلوبكم حتى تسمعوه منا بلا واسطة، واذكروا يومَ يجمعكم ليوم الجمع الدائم لأهل الجمع في الدنيا، ذلك يوم التغابن، يغبن الذاكرون الغافلين، والمجتهدون المقصّرين، والعارفون بالله والمحجوبين عنه، وهذا هو الغبن الكبير، ومَن يُؤمن بالله، ثم يَجْهد في شهود الله، ويعمل عملاً صالحاً، وهو العمل بالله، نُكفِّر عنه سيئاته، أي رؤية أعماله ووجوده، أي : نُغَطِّي وصفَه بوصفي، ونعتَه بنعتي، ونُدخله جنات المعارف، تجري من تحتها أنهار العلوم والحِكم، وذلك هو الفوز العظيم، أي : خَلْع الوجود المجازي عنه، وإلباس الوجود الحقيقي هو الفوز العظيم. والذين كفروا بطريق الخصوص، وكذَّبوا بآياتنا، وهم العارفون الدالون على الله، أولئك أصحاب النار، أي : نار الحجاب وجحيم الاحتجاب، خالدين فيها، وبئس المصير الحجاب والاحتجاب.

١ لفظ الحديث: "لا يدخل أحد الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا، ولا يدخل النار أحد إلا رأى مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة" أخرجه البخاري في الرقاق حديث ٦٥٦٩..
﴿ والذين كفروا وكَذَّبوا بآياتنا أولئك أصحابُ النار خالدين فيها وبئس المصير ﴾ ؛ المرجع، كأنّ هاتين الآيتين الكريمتين بيان لكيفية التغابن. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : فآمِنوا بالله ورسوله إيمان العيان، لا إيمان البرهان، أي : قدِّموا إيمان البرهان، ثم سيروا إلى مقام العيان، وآمِنوا بالقرآن، وصَفُّوا مرآة قلوبكم حتى تسمعوه منا بلا واسطة، واذكروا يومَ يجمعكم ليوم الجمع الدائم لأهل الجمع في الدنيا، ذلك يوم التغابن، يغبن الذاكرون الغافلين، والمجتهدون المقصّرين، والعارفون بالله والمحجوبين عنه، وهذا هو الغبن الكبير، ومَن يُؤمن بالله، ثم يَجْهد في شهود الله، ويعمل عملاً صالحاً، وهو العمل بالله، نُكفِّر عنه سيئاته، أي رؤية أعماله ووجوده، أي : نُغَطِّي وصفَه بوصفي، ونعتَه بنعتي، ونُدخله جنات المعارف، تجري من تحتها أنهار العلوم والحِكم، وذلك هو الفوز العظيم، أي : خَلْع الوجود المجازي عنه، وإلباس الوجود الحقيقي هو الفوز العظيم. والذين كفروا بطريق الخصوص، وكذَّبوا بآياتنا، وهم العارفون الدالون على الله، أولئك أصحاب النار، أي : نار الحجاب وجحيم الاحتجاب، خالدين فيها، وبئس المصير الحجاب والاحتجاب.
ولما كان الغبن من جملة المصائب، ذكر أنها بقضائه وقدره، فقال :
﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾*﴿ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ﴾*﴿ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ما أصاب من مُصيبةٍ ﴾ دنيوية أو أخروية ﴿ إِلاّ بإذن الله ﴾ أي : بتقديره وإرادته، كأنها بذاتها متوجهة إلى الإنسان، متوقفة على إذنه تعالى، ﴿ ومَن يُؤمن بالله ﴾ أي : يُصدِّق بأنّ المقادير كلها بيد الله ﴿ يَهْدِ قلبه ﴾ للرضا والتسليم، أو الاسترجاع، فيقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون، أو : يَهْدِ قلبه حتى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليُصيبه، وعن مجاهد : إن ابتلي صبر، وإن أعطي شكر، وإن ظُلم غفر. ونقل ابن عطية عن المفسرين : أنّ المراد : مَن اعترف بالقدر هانت عليه المصيبة، وسلَّم لأمر الله تعالى. ﴿ واللهُ بكل شيءٍ عليمٌ ﴾ فيعلم ما في القلوب من برد الرضا أو حرارة التدبير.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما من نَفَس تُبديه، إلاَّ وله قَدَر فيك يُمضيه. ما أصاب من مصيبة قلبية أو نفسية، ظاهرة أو باطنة، إلاّ بإذن الله وقَدَرِه، وكذلك ما أصاب من مسرةٍ أو زيادة إلاّ بإذنه تعالى. قال القشيري : أي : أيّ خصلة حَصَلَت فمن قِبَله، خَلْقاً، وبعلمه وإرادته حُكماً، ومَن يؤمن بالله يهدِ قلبه، حتى يهتدي إلى الله في السراء والضراء في الدنيا، وفي الآخرة يهديه إلى الجنة، وقيل : يهديه للأخلاق السنية، وقيل : لاتباع السنّة، واجتنابِ البدعة. هـ. وقال أبو بكر الورّاق : ومَن يؤمن بالله عند النعمة والرخاء فيعلم أنها من فضل الله يهدِ قلبه للشكر، ومَن يؤمن بالله عن الشدة والبلاء، فيعلم أنها من الله يَهْد قلبه للصبر والرضا. هـ.
قال في الحاشية الفاسية : والظاهر والمتبادر : أنّ قوله :﴿ ما أصاب... ﴾ الآية جمعٌ على الله، ورَدٌّ من الأسباب، والوقوف معها، إلى الوقوف مع قضائه، وإنما يجد ذلك المؤمن بالله، وأمّا غيره فصَدْره ضَيق حرج عن قبول المعرفة، ولذلك قال :﴿ ومَن يؤمن بالله يَهْد قلبه ﴾ لمعرفته والاطمئنان به، أي : ومَن لم يؤمن يَصْلى نار القطيعة والبُعد، وحرارة التدبير، ففيه ترغيب في الإيمان وتحذير من الكفر، وأنّ الإيمان تعقبه جنة الرضا والتسليم، عاجلاً، والكفر بضد ذلك، فبَعد أن ذكر الجزاء في الآخرة أشار إلى الجزاء المعجّل من اليقين والرضا للمؤمن، وضده للكافر.
والله أعلم. هـ.
وأطيعوا اللهَ في الفرائض، والرسول في السنن، وقد بقي بعد الرسول خلفاؤه، يسنون السننَ الخاصة، فمَن أعرض عنهم، يقال له :﴿ فإن توليتم... ﴾ الآية، وتقدّم في آل عمران١ وغيرها الكلام على التوكُّل. وبالله التوفيق.

﴿ وأطيعوا اللهَ ﴾ فيما أمركم به، ومن جملته : الرضا بقضائه عن المصائب، ﴿ وأطيعوا الرسولَ ﴾ فيما سنَّ لكم من الأخلاق الطيبة، وكرر الأمر للتأكيد والإيذان بالفرق بين الطاعتين في الكيفية، ﴿ فإِن توليتم ﴾ عن طاعتهما ﴿ فإنما على رسولنا البلاغُ المبين ﴾، وهو تعليل للجواب المحذوف، أي : فإن تُعرضوا فلا بأس عليه ؛ إذ ما عليه إلاّ البلاغ، وقد فعل ذلك بما لا مزيد عليه. وإظهار الرسول مضافاً إلى نون العظمة في مقام إضماره لتشريفه صلى الله عليه وسلم والإشعار بأنّ مدار الحكم، الذي هو وظيفته عليه السلام هو محض التبليغ، ولتشنيع التولِّي عنه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما من نَفَس تُبديه، إلاَّ وله قَدَر فيك يُمضيه. ما أصاب من مصيبة قلبية أو نفسية، ظاهرة أو باطنة، إلاّ بإذن الله وقَدَرِه، وكذلك ما أصاب من مسرةٍ أو زيادة إلاّ بإذنه تعالى. قال القشيري : أي : أيّ خصلة حَصَلَت فمن قِبَله، خَلْقاً، وبعلمه وإرادته حُكماً، ومَن يؤمن بالله يهدِ قلبه، حتى يهتدي إلى الله في السراء والضراء في الدنيا، وفي الآخرة يهديه إلى الجنة، وقيل : يهديه للأخلاق السنية، وقيل : لاتباع السنّة، واجتنابِ البدعة. هـ. وقال أبو بكر الورّاق : ومَن يؤمن بالله عند النعمة والرخاء فيعلم أنها من فضل الله يهدِ قلبه للشكر، ومَن يؤمن بالله عن الشدة والبلاء، فيعلم أنها من الله يَهْد قلبه للصبر والرضا. هـ.
قال في الحاشية الفاسية : والظاهر والمتبادر : أنّ قوله :﴿ ما أصاب... ﴾ الآية جمعٌ على الله، ورَدٌّ من الأسباب، والوقوف معها، إلى الوقوف مع قضائه، وإنما يجد ذلك المؤمن بالله، وأمّا غيره فصَدْره ضَيق حرج عن قبول المعرفة، ولذلك قال :﴿ ومَن يؤمن بالله يَهْد قلبه ﴾ لمعرفته والاطمئنان به، أي : ومَن لم يؤمن يَصْلى نار القطيعة والبُعد، وحرارة التدبير، ففيه ترغيب في الإيمان وتحذير من الكفر، وأنّ الإيمان تعقبه جنة الرضا والتسليم، عاجلاً، والكفر بضد ذلك، فبَعد أن ذكر الجزاء في الآخرة أشار إلى الجزاء المعجّل من اليقين والرضا للمؤمن، وضده للكافر.
والله أعلم. هـ.
وأطيعوا اللهَ في الفرائض، والرسول في السنن، وقد بقي بعد الرسول خلفاؤه، يسنون السننَ الخاصة، فمَن أعرض عنهم، يقال له :﴿ فإن توليتم... ﴾ الآية، وتقدّم في آل عمران١ وغيرها الكلام على التوكُّل. وبالله التوفيق.

﴿ اللهُ لا إِله إلاّ هو ﴾ لا يستحق العبادة غيره، ف " الله " : مبتدأ، و " لا إله إلا هو " : خبره، ﴿ وعلى الله ﴾ دون غيره ﴿ فليتوكل المؤمنون ﴾، حَثّ رسولَه صلى الله عليه وسلم على التوكُّل عليه حتى ينصره الله، وهي عامة لغيره، وإظهار الجلالة في موضع الإضمار للإشعار بعليّة التوكُّل والأمر به، فإنّ الألوهية مقتضية للتبتُل إليه تعالى بالكلية، وقطع التوكُّل عما سواه بالمرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما من نَفَس تُبديه، إلاَّ وله قَدَر فيك يُمضيه. ما أصاب من مصيبة قلبية أو نفسية، ظاهرة أو باطنة، إلاّ بإذن الله وقَدَرِه، وكذلك ما أصاب من مسرةٍ أو زيادة إلاّ بإذنه تعالى. قال القشيري : أي : أيّ خصلة حَصَلَت فمن قِبَله، خَلْقاً، وبعلمه وإرادته حُكماً، ومَن يؤمن بالله يهدِ قلبه، حتى يهتدي إلى الله في السراء والضراء في الدنيا، وفي الآخرة يهديه إلى الجنة، وقيل : يهديه للأخلاق السنية، وقيل : لاتباع السنّة، واجتنابِ البدعة. هـ. وقال أبو بكر الورّاق : ومَن يؤمن بالله عند النعمة والرخاء فيعلم أنها من فضل الله يهدِ قلبه للشكر، ومَن يؤمن بالله عن الشدة والبلاء، فيعلم أنها من الله يَهْد قلبه للصبر والرضا. هـ.
قال في الحاشية الفاسية : والظاهر والمتبادر : أنّ قوله :﴿ ما أصاب... ﴾ الآية جمعٌ على الله، ورَدٌّ من الأسباب، والوقوف معها، إلى الوقوف مع قضائه، وإنما يجد ذلك المؤمن بالله، وأمّا غيره فصَدْره ضَيق حرج عن قبول المعرفة، ولذلك قال :﴿ ومَن يؤمن بالله يَهْد قلبه ﴾ لمعرفته والاطمئنان به، أي : ومَن لم يؤمن يَصْلى نار القطيعة والبُعد، وحرارة التدبير، ففيه ترغيب في الإيمان وتحذير من الكفر، وأنّ الإيمان تعقبه جنة الرضا والتسليم، عاجلاً، والكفر بضد ذلك، فبَعد أن ذكر الجزاء في الآخرة أشار إلى الجزاء المعجّل من اليقين والرضا للمؤمن، وضده للكافر.
والله أعلم. هـ.
وأطيعوا اللهَ في الفرائض، والرسول في السنن، وقد بقي بعد الرسول خلفاؤه، يسنون السننَ الخاصة، فمَن أعرض عنهم، يقال له :﴿ فإن توليتم... ﴾ الآية، وتقدّم في آل عمران١ وغيرها الكلام على التوكُّل. وبالله التوفيق.

ولما رغب في الرضا والإيمان، وأمر بالطاعة، حذر مما يشغل عنهما، فقال :
﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾*﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾*﴿ فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾*﴿ إِن تُقْرِضُواْ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴾*﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ يا أيها الذين آمنوا إِنّ مِن أزواجكم وأولادِكم عدواً لكم ﴾ يشغلونكم عن طاعة الله تعالى، ويُخاصمونكم في أمور الدنيا، أي : إنَّ من الأزواج أزواجاً يُعادين بعولتهنّ ويخاصمنَهم، ومن الأولاد أولاداً يُعادون آباءهم ويعقّونهم، ﴿ فاحذروهم ﴾ ؛ كونوا على حذر منهم إن شغلوكم عن الله، فالضمير للعدو، فإنه يُطلق على الجمع، كقوله تعالى :﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي ﴾ [ الشعراء : ٧٧ ]، أو : للأزواج والأولاد جميعاً، فالمأمور به على الأول : الحذر عن الكل، وعلى الثاني : الحذر من البعض، لأنّ منهم مَن ليس بعدو، وإمّا الحذر عن عموم الفريقين، لاشتمالهما على العدو. ﴿ وإِن تَعفوا ﴾ عن ذنوبهم القابلة للعفو، بأن تكون متعلقة بأمور الدنيا، أو بأمور الدين لكن مع التوبة، أو : تعفوا إذا اطّلعتم منهم على عداوة، ﴿ وتصفحوا ﴾ ؛ تُعرضوا عن التوبيخ، ﴿ وتغفروا ﴾ ؛ تستروا ذنوبهم، ﴿ فإِنَّ الله غفور رحيم ﴾ يغفر لكم ذنوبكم، ويعاملكم مثل ما عاملتم.
رُوي أنّ ناساً من أهل مكة أرادوا الهجرة، فتعلّق بهم نساؤهم وأولادهم، وقالوا : تنطلقون وتُضيعوننا، فرقُّوا لهم، ووقفوا، فلما هاجروا بعد ذلك، ورأوا الذين سبقوهم قد فَقِهُوا في الدين، وحازوا رئاسةَ التقدُّم، أرادوا أن يُعاقبوا أزواجهم وأولادهم، فرغّبهم في العفو١.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل ما يشغلك عن السير إلى الحضرة، أو عن الترقِّي في معاريج الوصلة، فهو عدو لك، فاحذره، بالفرار من موافقته والوقوف معه، فكن إبراهيميًّا، حيث رمَى أهلَه وولَده في وادٍ غير ذي زرع، وتركهم في كنف الله وحِفْظِه، فانظر كيف حَفِظَهم غايةَ الحفظ، وتولاهم غاية التولي، وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم من كل جانب، وانصبّت عليهم الأرزاق من كل ناحية، فهذه عادته تعالى مع أهل التوكُّل والانقطاع إليه. ومِن الأزواج والأولاد مَن يزيد بالرجل ويُعينه على ربه، فهؤلاء ليسوا بأعداء. قال سهل : مَن دعاك مِن أهلك وولدك للميل للدنيا فهو عدو، ومَن واخاك على القناعة والتوكُّل فليس بعدو. هـ. قال القشيري : إنَّ من أزواجكم : نفوسكم الأمّارة، وأولادكم : صفاتها ومُناها وأخلاقها الشهوانية، عدوًّا لكم، يمنعكم عن الهجرة إلى مدينة القلب، الذي هو بيت الرب، فاحذروا متابعتَهم بالكلية، وإن تعفوا عن هفواتكم الواقعة في بعض الأوقات، لكونهم مطية لكم، وتصفحوا عن التوبيخ، وتغفروا : تستروا ظلمتهم بنور إيمانكم وشعاع قلوبكم، فإنّ اللهَ غفور سائر لكم بستر لطفه، رحيم بإفاضة رحمته عليكم. هـ. ببعض المعنى.
إنما أموالكم وأولادكم فتنة اختبار من الحق، ليعلم مَن يقف معها، أو ينفذ عنها، فأهل العناية لم يشغلهم عن الله شيء، فحين توجّهوا إليه كفاهم أمْرَهم، أو : بالغيبة عنها بالخمرة القوية. قال القشيري : أموالكم : أعمالكم المشوبة، وأولادكم : أخلاقكم المكدرة، فكدورة الطبع فتنة توجب افتتانكم بالإعراض عن الحق، والإقبال على الدنيا، وحب الجاه عند الناس، والتفاتهم إليكم بحسن الاعتقاد، والله عنده أجر عظيم بالفناء عن الكل والبقاء بالحق. هـ.
﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ أي : غِيبوا عما سوى الله طاقة جهدكم، وتقدّم أنَّ قوله تعالى :
﴿ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ] خطاب لأهل التجريد، وهذا خطاب لأهل الأسباب، والله تعالى أعلم. وقال ابن عطاء : الاستطاعة على الظواهر والأعمال، وحق تقاته على القلوب والأحوال. هـ. أي : اتقوا الله حق تقاته بتوجيه القلوب إليه بلا التفات، واتقوا الله ما استطعتم بعمل الجوارح قدر الطاقات. قال القشيري : ما أنتم في الجملة مستطيعين، ويتوجه إليكم التكليف، فاتقوا الله، والتقوى عن شهود التقوى، بعد ألاّ يكونَ تقصيرٌ في التقوى غايةُ التقوى. هـ. واسمعوا منا بلا واسطة، وأطيعوا فيما نأمركم به مما يُقرب إلينا، وننهاكم عنه مما يُبعد عنا. قال القشيري : أطيعوا بالنفس لأحكام الشريعة، وبالقلب لآداب الطريقة، وبالروح بطلوع الحقيقة. هـ. وأنفِقوا من أموالكم وعلومكم وأسراركم، على الطالبين والسالكين والواصلين، يكن خيراً لأنفسكم، لأنّ الناس نفس واحدة، فإنفاقك على غيرك إنفاق على نفسك، لانتفاء الغيرية في الأحدية. ومن يُوق شُحَّ نفسه بإنفاقها في مرضاة الله، بأن يُقدمها للمَتالف والمتاعب في طلب الوصول، فأولئك هم المفلحون الظافرون بشهود الحق. قال القشيري : ومَن يُوق شُحَّ نفسه حتى يرتفع عن قلبه الأخطار، ويتحرَّر من رِقِّ المكونات، فأولئك هم المفلحون. هـ. وعن بعضهم : مَن أنفق بكُرهٍ فهو شح، ومَن أَنفق بطوعٍ فهو الفرض، ومَن عُوفي من بلاء الجمع والمنع، والرغبة والحرص، فقد دخل في ميدان الفلاح. هـ.
إن تُقرضوا الله بإعطاء وجودكم قرضاً حسناً، من غير اعتبار الغرض والعوض، بالفناء عن شهود القَرْض والحس، يُضاعفه لكم بالوجود الحق، المشتمل على جميع الموجودات الإضافية، ويغفر لكم : يستر عنكم مساوئكم وحسّ وجودكم قبل فنائكم في الله وبقائكم به. والله شكور يقبل مَن توجه إليه بلا شيء، حليم يُغيّب العبد عن شهود مساوئه، بإغراقه في إحسانه. عالم الغيب : بواطن الأرواح، والشهادة : شهادة ظواهر الأشباح، العزيز : المعزّ لأوليائه ومكل مَن انتسب إليه، الحكيم في قسمه المراتب على حسب التوجُّه. وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.


١ أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٦٤، حديث ٣٣١٧، والحاكم في المستدرك ٢/٤٩٠، والسيوطي في الدر المنثور ٦/٣٤٤..
﴿ إِنما أموالُكم وأولادُكم فتنةٌ ﴾ ؛ بلاءٌ ومحنةٌ، يوقعون في الإثم والعقوبة، أو : امتحان واختبار، يختبر بهما عبادَه، هل يصدونهم عن الخير أم لا، فيعرف القويّ في دينه من الضعيف. قال الحسن : أدخل " مِن " للتبعيض في الأزواج والأولاد ؛ لأنَّ كلهم ليسوا بأعداء، ولم يذكر " مِن " في فتنة الأموال والأولاد ؛ لأنها لا تخلو من فتنة واشتغال قلب بها. كان لابن مسعود بَنون كالبُدور، فقيل له وهم بين يديه : أيسرُّونك ؟ فقال : لا، إنما يسرُّني لو نفضت يدي من التراب عند دفنهم، فنفوز بأجورهم، قيل له : إنَّ لك الأجر في تربيتهم، فقال : كل ما يشغل عن الله مشؤوم. ه. من اللباب. وعن ابن مسعود : لا يقل أحدكم : اللهم اعصمني من الفتنة ؛ إذ لا يخلو منها أحد، ولكن ليقل : اللهم إنني أعوذ بك من مضلاَّت الفتن. قال أبو بريدة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فجاءه الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران، يجرانهما، يعثران، ويقومان، فنزل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر، حتى أخذهما، ثم قرأ :﴿ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ﴾. . . الآية، ثم قال " إني رأيت هذين فلم أصبر " ثم أخذ في خطبته١.
﴿ واللهُ عنده أجرٌ عظيم ﴾ لمَن آثر محبةَ الله وطاعتَه على محبة الأموال والأولاد، والسعي في تدبير مصالحهم، وليس في الآية ترهيب من مخالطة الأزواج والأولاد، إنما المراد النهي عن الاشتغال بهم عن ذكر الله وطاعته، فإذا تيسّر ذلك معهم فالمخالطة أولى، فَعَن أنس رضي الله عنه : قلت : يا رسول الله ؛ الجلوس مع العيال أحب إليك أم في المسجد ؟ قال :" جلوس ساعة مع العيال أحب إليَّ من الاعتكاف في مسجدي هذا، ودرهم تُنفقه على العيال أفضل من أن تنفقه في سبيل الله " انظر السمرقندي.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل ما يشغلك عن السير إلى الحضرة، أو عن الترقِّي في معاريج الوصلة، فهو عدو لك، فاحذره، بالفرار من موافقته والوقوف معه، فكن إبراهيميًّا، حيث رمَى أهلَه وولَده في وادٍ غير ذي زرع، وتركهم في كنف الله وحِفْظِه، فانظر كيف حَفِظَهم غايةَ الحفظ، وتولاهم غاية التولي، وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم من كل جانب، وانصبّت عليهم الأرزاق من كل ناحية، فهذه عادته تعالى مع أهل التوكُّل والانقطاع إليه. ومِن الأزواج والأولاد مَن يزيد بالرجل ويُعينه على ربه، فهؤلاء ليسوا بأعداء. قال سهل : مَن دعاك مِن أهلك وولدك للميل للدنيا فهو عدو، ومَن واخاك على القناعة والتوكُّل فليس بعدو. هـ. قال القشيري : إنَّ من أزواجكم : نفوسكم الأمّارة، وأولادكم : صفاتها ومُناها وأخلاقها الشهوانية، عدوًّا لكم، يمنعكم عن الهجرة إلى مدينة القلب، الذي هو بيت الرب، فاحذروا متابعتَهم بالكلية، وإن تعفوا عن هفواتكم الواقعة في بعض الأوقات، لكونهم مطية لكم، وتصفحوا عن التوبيخ، وتغفروا : تستروا ظلمتهم بنور إيمانكم وشعاع قلوبكم، فإنّ اللهَ غفور سائر لكم بستر لطفه، رحيم بإفاضة رحمته عليكم. هـ. ببعض المعنى.
إنما أموالكم وأولادكم فتنة اختبار من الحق، ليعلم مَن يقف معها، أو ينفذ عنها، فأهل العناية لم يشغلهم عن الله شيء، فحين توجّهوا إليه كفاهم أمْرَهم، أو : بالغيبة عنها بالخمرة القوية. قال القشيري : أموالكم : أعمالكم المشوبة، وأولادكم : أخلاقكم المكدرة، فكدورة الطبع فتنة توجب افتتانكم بالإعراض عن الحق، والإقبال على الدنيا، وحب الجاه عند الناس، والتفاتهم إليكم بحسن الاعتقاد، والله عنده أجر عظيم بالفناء عن الكل والبقاء بالحق. هـ.
﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ أي : غِيبوا عما سوى الله طاقة جهدكم، وتقدّم أنَّ قوله تعالى :
﴿ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ] خطاب لأهل التجريد، وهذا خطاب لأهل الأسباب، والله تعالى أعلم. وقال ابن عطاء : الاستطاعة على الظواهر والأعمال، وحق تقاته على القلوب والأحوال. هـ. أي : اتقوا الله حق تقاته بتوجيه القلوب إليه بلا التفات، واتقوا الله ما استطعتم بعمل الجوارح قدر الطاقات. قال القشيري : ما أنتم في الجملة مستطيعين، ويتوجه إليكم التكليف، فاتقوا الله، والتقوى عن شهود التقوى، بعد ألاّ يكونَ تقصيرٌ في التقوى غايةُ التقوى. هـ. واسمعوا منا بلا واسطة، وأطيعوا فيما نأمركم به مما يُقرب إلينا، وننهاكم عنه مما يُبعد عنا. قال القشيري : أطيعوا بالنفس لأحكام الشريعة، وبالقلب لآداب الطريقة، وبالروح بطلوع الحقيقة. هـ. وأنفِقوا من أموالكم وعلومكم وأسراركم، على الطالبين والسالكين والواصلين، يكن خيراً لأنفسكم، لأنّ الناس نفس واحدة، فإنفاقك على غيرك إنفاق على نفسك، لانتفاء الغيرية في الأحدية. ومن يُوق شُحَّ نفسه بإنفاقها في مرضاة الله، بأن يُقدمها للمَتالف والمتاعب في طلب الوصول، فأولئك هم المفلحون الظافرون بشهود الحق. قال القشيري : ومَن يُوق شُحَّ نفسه حتى يرتفع عن قلبه الأخطار، ويتحرَّر من رِقِّ المكونات، فأولئك هم المفلحون. هـ. وعن بعضهم : مَن أنفق بكُرهٍ فهو شح، ومَن أَنفق بطوعٍ فهو الفرض، ومَن عُوفي من بلاء الجمع والمنع، والرغبة والحرص، فقد دخل في ميدان الفلاح. هـ.
إن تُقرضوا الله بإعطاء وجودكم قرضاً حسناً، من غير اعتبار الغرض والعوض، بالفناء عن شهود القَرْض والحس، يُضاعفه لكم بالوجود الحق، المشتمل على جميع الموجودات الإضافية، ويغفر لكم : يستر عنكم مساوئكم وحسّ وجودكم قبل فنائكم في الله وبقائكم به. والله شكور يقبل مَن توجه إليه بلا شيء، حليم يُغيّب العبد عن شهود مساوئه، بإغراقه في إحسانه. عالم الغيب : بواطن الأرواح، والشهادة : شهادة ظواهر الأشباح، العزيز : المعزّ لأوليائه ومكل مَن انتسب إليه، الحكيم في قسمه المراتب على حسب التوجُّه. وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.


١ أخرجه أبو داود في الصلاة حديث ١١١٩، والترمذي في المناقب حديث ٣٧٧٤، والنسائي في الجمعة ٣/١٠٨، وابن ماجه في اللباس حديث ٣٦٠٠، وأحمد في المسند ٥/٣٥٤..
﴿ فاتقوا اللهَ ما استطعتم ﴾ أي : ابذلوا جهدَكم وطاقتكم في تقواه، قال ابن عطية : تقدّم الخلاف هل هذه الآية ناسخة لقوله تعالى :﴿ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ] أو : مُبيّنة لها، والمعنى : اتقوا الله حق تقاته فيما استطعتم، وهذا هو الصحيح. ه. ﴿ واسمَعُوا ﴾ ما تُوعظون به، ﴿ وأطيعوا ﴾ فيما تُؤمرون به ﴿ وأَنفِقوا ﴾ مما رزقناكم في الوجوه التي أُمرتم، فالإنفاق فيها خالصاً لوجهه ﴿ خيراً لأنفسِكم ﴾ أي : وائتوا خيراً لأنفسكم، ﴿ ومَن يُوقَ شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون ﴾ الفائزون بكل خير.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل ما يشغلك عن السير إلى الحضرة، أو عن الترقِّي في معاريج الوصلة، فهو عدو لك، فاحذره، بالفرار من موافقته والوقوف معه، فكن إبراهيميًّا، حيث رمَى أهلَه وولَده في وادٍ غير ذي زرع، وتركهم في كنف الله وحِفْظِه، فانظر كيف حَفِظَهم غايةَ الحفظ، وتولاهم غاية التولي، وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم من كل جانب، وانصبّت عليهم الأرزاق من كل ناحية، فهذه عادته تعالى مع أهل التوكُّل والانقطاع إليه. ومِن الأزواج والأولاد مَن يزيد بالرجل ويُعينه على ربه، فهؤلاء ليسوا بأعداء. قال سهل : مَن دعاك مِن أهلك وولدك للميل للدنيا فهو عدو، ومَن واخاك على القناعة والتوكُّل فليس بعدو. هـ. قال القشيري : إنَّ من أزواجكم : نفوسكم الأمّارة، وأولادكم : صفاتها ومُناها وأخلاقها الشهوانية، عدوًّا لكم، يمنعكم عن الهجرة إلى مدينة القلب، الذي هو بيت الرب، فاحذروا متابعتَهم بالكلية، وإن تعفوا عن هفواتكم الواقعة في بعض الأوقات، لكونهم مطية لكم، وتصفحوا عن التوبيخ، وتغفروا : تستروا ظلمتهم بنور إيمانكم وشعاع قلوبكم، فإنّ اللهَ غفور سائر لكم بستر لطفه، رحيم بإفاضة رحمته عليكم. هـ. ببعض المعنى.
إنما أموالكم وأولادكم فتنة اختبار من الحق، ليعلم مَن يقف معها، أو ينفذ عنها، فأهل العناية لم يشغلهم عن الله شيء، فحين توجّهوا إليه كفاهم أمْرَهم، أو : بالغيبة عنها بالخمرة القوية. قال القشيري : أموالكم : أعمالكم المشوبة، وأولادكم : أخلاقكم المكدرة، فكدورة الطبع فتنة توجب افتتانكم بالإعراض عن الحق، والإقبال على الدنيا، وحب الجاه عند الناس، والتفاتهم إليكم بحسن الاعتقاد، والله عنده أجر عظيم بالفناء عن الكل والبقاء بالحق. هـ.
﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ أي : غِيبوا عما سوى الله طاقة جهدكم، وتقدّم أنَّ قوله تعالى :
﴿ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ] خطاب لأهل التجريد، وهذا خطاب لأهل الأسباب، والله تعالى أعلم. وقال ابن عطاء : الاستطاعة على الظواهر والأعمال، وحق تقاته على القلوب والأحوال. هـ. أي : اتقوا الله حق تقاته بتوجيه القلوب إليه بلا التفات، واتقوا الله ما استطعتم بعمل الجوارح قدر الطاقات. قال القشيري : ما أنتم في الجملة مستطيعين، ويتوجه إليكم التكليف، فاتقوا الله، والتقوى عن شهود التقوى، بعد ألاّ يكونَ تقصيرٌ في التقوى غايةُ التقوى. هـ. واسمعوا منا بلا واسطة، وأطيعوا فيما نأمركم به مما يُقرب إلينا، وننهاكم عنه مما يُبعد عنا. قال القشيري : أطيعوا بالنفس لأحكام الشريعة، وبالقلب لآداب الطريقة، وبالروح بطلوع الحقيقة. هـ. وأنفِقوا من أموالكم وعلومكم وأسراركم، على الطالبين والسالكين والواصلين، يكن خيراً لأنفسكم، لأنّ الناس نفس واحدة، فإنفاقك على غيرك إنفاق على نفسك، لانتفاء الغيرية في الأحدية. ومن يُوق شُحَّ نفسه بإنفاقها في مرضاة الله، بأن يُقدمها للمَتالف والمتاعب في طلب الوصول، فأولئك هم المفلحون الظافرون بشهود الحق. قال القشيري : ومَن يُوق شُحَّ نفسه حتى يرتفع عن قلبه الأخطار، ويتحرَّر من رِقِّ المكونات، فأولئك هم المفلحون. هـ. وعن بعضهم : مَن أنفق بكُرهٍ فهو شح، ومَن أَنفق بطوعٍ فهو الفرض، ومَن عُوفي من بلاء الجمع والمنع، والرغبة والحرص، فقد دخل في ميدان الفلاح. هـ.
إن تُقرضوا الله بإعطاء وجودكم قرضاً حسناً، من غير اعتبار الغرض والعوض، بالفناء عن شهود القَرْض والحس، يُضاعفه لكم بالوجود الحق، المشتمل على جميع الموجودات الإضافية، ويغفر لكم : يستر عنكم مساوئكم وحسّ وجودكم قبل فنائكم في الله وبقائكم به. والله شكور يقبل مَن توجه إليه بلا شيء، حليم يُغيّب العبد عن شهود مساوئه، بإغراقه في إحسانه. عالم الغيب : بواطن الأرواح، والشهادة : شهادة ظواهر الأشباح، العزيز : المعزّ لأوليائه ومكل مَن انتسب إليه، الحكيم في قسمه المراتب على حسب التوجُّه. وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.

﴿ إِن تُقرضوا اللهَ ﴾ بصرف أموالكم إلى المصارف التي عيّنها ﴿ قرضاً حسناً ﴾ مقروناً بالإخلاص ﴿ يُضاعِفْهُ لكم ﴾ بالواحدة عشراً إلى سبعمائة أو أكثر، ﴿ ويغفرْ لكم ﴾ ببركة الإنفاق ما فرط منكم، ﴿ واللهُ شكورٌ ﴾ يُعطي الجزيل في مقابلة القليل، ﴿ حليمٌ ﴾ لا يُعاجِل بالعقوبة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل ما يشغلك عن السير إلى الحضرة، أو عن الترقِّي في معاريج الوصلة، فهو عدو لك، فاحذره، بالفرار من موافقته والوقوف معه، فكن إبراهيميًّا، حيث رمَى أهلَه وولَده في وادٍ غير ذي زرع، وتركهم في كنف الله وحِفْظِه، فانظر كيف حَفِظَهم غايةَ الحفظ، وتولاهم غاية التولي، وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم من كل جانب، وانصبّت عليهم الأرزاق من كل ناحية، فهذه عادته تعالى مع أهل التوكُّل والانقطاع إليه. ومِن الأزواج والأولاد مَن يزيد بالرجل ويُعينه على ربه، فهؤلاء ليسوا بأعداء. قال سهل : مَن دعاك مِن أهلك وولدك للميل للدنيا فهو عدو، ومَن واخاك على القناعة والتوكُّل فليس بعدو. هـ. قال القشيري : إنَّ من أزواجكم : نفوسكم الأمّارة، وأولادكم : صفاتها ومُناها وأخلاقها الشهوانية، عدوًّا لكم، يمنعكم عن الهجرة إلى مدينة القلب، الذي هو بيت الرب، فاحذروا متابعتَهم بالكلية، وإن تعفوا عن هفواتكم الواقعة في بعض الأوقات، لكونهم مطية لكم، وتصفحوا عن التوبيخ، وتغفروا : تستروا ظلمتهم بنور إيمانكم وشعاع قلوبكم، فإنّ اللهَ غفور سائر لكم بستر لطفه، رحيم بإفاضة رحمته عليكم. هـ. ببعض المعنى.
إنما أموالكم وأولادكم فتنة اختبار من الحق، ليعلم مَن يقف معها، أو ينفذ عنها، فأهل العناية لم يشغلهم عن الله شيء، فحين توجّهوا إليه كفاهم أمْرَهم، أو : بالغيبة عنها بالخمرة القوية. قال القشيري : أموالكم : أعمالكم المشوبة، وأولادكم : أخلاقكم المكدرة، فكدورة الطبع فتنة توجب افتتانكم بالإعراض عن الحق، والإقبال على الدنيا، وحب الجاه عند الناس، والتفاتهم إليكم بحسن الاعتقاد، والله عنده أجر عظيم بالفناء عن الكل والبقاء بالحق. هـ.
﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ أي : غِيبوا عما سوى الله طاقة جهدكم، وتقدّم أنَّ قوله تعالى :
﴿ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ] خطاب لأهل التجريد، وهذا خطاب لأهل الأسباب، والله تعالى أعلم. وقال ابن عطاء : الاستطاعة على الظواهر والأعمال، وحق تقاته على القلوب والأحوال. هـ. أي : اتقوا الله حق تقاته بتوجيه القلوب إليه بلا التفات، واتقوا الله ما استطعتم بعمل الجوارح قدر الطاقات. قال القشيري : ما أنتم في الجملة مستطيعين، ويتوجه إليكم التكليف، فاتقوا الله، والتقوى عن شهود التقوى، بعد ألاّ يكونَ تقصيرٌ في التقوى غايةُ التقوى. هـ. واسمعوا منا بلا واسطة، وأطيعوا فيما نأمركم به مما يُقرب إلينا، وننهاكم عنه مما يُبعد عنا. قال القشيري : أطيعوا بالنفس لأحكام الشريعة، وبالقلب لآداب الطريقة، وبالروح بطلوع الحقيقة. هـ. وأنفِقوا من أموالكم وعلومكم وأسراركم، على الطالبين والسالكين والواصلين، يكن خيراً لأنفسكم، لأنّ الناس نفس واحدة، فإنفاقك على غيرك إنفاق على نفسك، لانتفاء الغيرية في الأحدية. ومن يُوق شُحَّ نفسه بإنفاقها في مرضاة الله، بأن يُقدمها للمَتالف والمتاعب في طلب الوصول، فأولئك هم المفلحون الظافرون بشهود الحق. قال القشيري : ومَن يُوق شُحَّ نفسه حتى يرتفع عن قلبه الأخطار، ويتحرَّر من رِقِّ المكونات، فأولئك هم المفلحون. هـ. وعن بعضهم : مَن أنفق بكُرهٍ فهو شح، ومَن أَنفق بطوعٍ فهو الفرض، ومَن عُوفي من بلاء الجمع والمنع، والرغبة والحرص، فقد دخل في ميدان الفلاح. هـ.
إن تُقرضوا الله بإعطاء وجودكم قرضاً حسناً، من غير اعتبار الغرض والعوض، بالفناء عن شهود القَرْض والحس، يُضاعفه لكم بالوجود الحق، المشتمل على جميع الموجودات الإضافية، ويغفر لكم : يستر عنكم مساوئكم وحسّ وجودكم قبل فنائكم في الله وبقائكم به. والله شكور يقبل مَن توجه إليه بلا شيء، حليم يُغيّب العبد عن شهود مساوئه، بإغراقه في إحسانه. عالم الغيب : بواطن الأرواح، والشهادة : شهادة ظواهر الأشباح، العزيز : المعزّ لأوليائه ومكل مَن انتسب إليه، الحكيم في قسمه المراتب على حسب التوجُّه. وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.

﴿ عالمُ الغيب والشهادة ﴾ لا تخفى عليه خافية، ﴿ العزيزُ الحكيمُ ﴾ مبالغ في القدرة والحكمة. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل ما يشغلك عن السير إلى الحضرة، أو عن الترقِّي في معاريج الوصلة، فهو عدو لك، فاحذره، بالفرار من موافقته والوقوف معه، فكن إبراهيميًّا، حيث رمَى أهلَه وولَده في وادٍ غير ذي زرع، وتركهم في كنف الله وحِفْظِه، فانظر كيف حَفِظَهم غايةَ الحفظ، وتولاهم غاية التولي، وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم من كل جانب، وانصبّت عليهم الأرزاق من كل ناحية، فهذه عادته تعالى مع أهل التوكُّل والانقطاع إليه. ومِن الأزواج والأولاد مَن يزيد بالرجل ويُعينه على ربه، فهؤلاء ليسوا بأعداء. قال سهل : مَن دعاك مِن أهلك وولدك للميل للدنيا فهو عدو، ومَن واخاك على القناعة والتوكُّل فليس بعدو. هـ. قال القشيري : إنَّ من أزواجكم : نفوسكم الأمّارة، وأولادكم : صفاتها ومُناها وأخلاقها الشهوانية، عدوًّا لكم، يمنعكم عن الهجرة إلى مدينة القلب، الذي هو بيت الرب، فاحذروا متابعتَهم بالكلية، وإن تعفوا عن هفواتكم الواقعة في بعض الأوقات، لكونهم مطية لكم، وتصفحوا عن التوبيخ، وتغفروا : تستروا ظلمتهم بنور إيمانكم وشعاع قلوبكم، فإنّ اللهَ غفور سائر لكم بستر لطفه، رحيم بإفاضة رحمته عليكم. هـ. ببعض المعنى.
إنما أموالكم وأولادكم فتنة اختبار من الحق، ليعلم مَن يقف معها، أو ينفذ عنها، فأهل العناية لم يشغلهم عن الله شيء، فحين توجّهوا إليه كفاهم أمْرَهم، أو : بالغيبة عنها بالخمرة القوية. قال القشيري : أموالكم : أعمالكم المشوبة، وأولادكم : أخلاقكم المكدرة، فكدورة الطبع فتنة توجب افتتانكم بالإعراض عن الحق، والإقبال على الدنيا، وحب الجاه عند الناس، والتفاتهم إليكم بحسن الاعتقاد، والله عنده أجر عظيم بالفناء عن الكل والبقاء بالحق. هـ.
﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ أي : غِيبوا عما سوى الله طاقة جهدكم، وتقدّم أنَّ قوله تعالى :
﴿ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ] خطاب لأهل التجريد، وهذا خطاب لأهل الأسباب، والله تعالى أعلم. وقال ابن عطاء : الاستطاعة على الظواهر والأعمال، وحق تقاته على القلوب والأحوال. هـ. أي : اتقوا الله حق تقاته بتوجيه القلوب إليه بلا التفات، واتقوا الله ما استطعتم بعمل الجوارح قدر الطاقات. قال القشيري : ما أنتم في الجملة مستطيعين، ويتوجه إليكم التكليف، فاتقوا الله، والتقوى عن شهود التقوى، بعد ألاّ يكونَ تقصيرٌ في التقوى غايةُ التقوى. هـ. واسمعوا منا بلا واسطة، وأطيعوا فيما نأمركم به مما يُقرب إلينا، وننهاكم عنه مما يُبعد عنا. قال القشيري : أطيعوا بالنفس لأحكام الشريعة، وبالقلب لآداب الطريقة، وبالروح بطلوع الحقيقة. هـ. وأنفِقوا من أموالكم وعلومكم وأسراركم، على الطالبين والسالكين والواصلين، يكن خيراً لأنفسكم، لأنّ الناس نفس واحدة، فإنفاقك على غيرك إنفاق على نفسك، لانتفاء الغيرية في الأحدية. ومن يُوق شُحَّ نفسه بإنفاقها في مرضاة الله، بأن يُقدمها للمَتالف والمتاعب في طلب الوصول، فأولئك هم المفلحون الظافرون بشهود الحق. قال القشيري : ومَن يُوق شُحَّ نفسه حتى يرتفع عن قلبه الأخطار، ويتحرَّر من رِقِّ المكونات، فأولئك هم المفلحون. هـ. وعن بعضهم : مَن أنفق بكُرهٍ فهو شح، ومَن أَنفق بطوعٍ فهو الفرض، ومَن عُوفي من بلاء الجمع والمنع، والرغبة والحرص، فقد دخل في ميدان الفلاح. هـ.
إن تُقرضوا الله بإعطاء وجودكم قرضاً حسناً، من غير اعتبار الغرض والعوض، بالفناء عن شهود القَرْض والحس، يُضاعفه لكم بالوجود الحق، المشتمل على جميع الموجودات الإضافية، ويغفر لكم : يستر عنكم مساوئكم وحسّ وجودكم قبل فنائكم في الله وبقائكم به. والله شكور يقبل مَن توجه إليه بلا شيء، حليم يُغيّب العبد عن شهود مساوئه، بإغراقه في إحسانه. عالم الغيب : بواطن الأرواح، والشهادة : شهادة ظواهر الأشباح، العزيز : المعزّ لأوليائه ومكل مَن انتسب إليه، الحكيم في قسمه المراتب على حسب التوجُّه. وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.

Icon