في السورة تقرير تسبيحي وتنزيهي من كل ما في السماوات والأرض لله.
وإشارة إلى خضوع كل شيء له. ومظاهر عظمته وقدرته في الكون والخلق وشمول علمه. وتذكير بالكافرين السابقين ونكال الله فيهم، وحكاية لإنكار الكفار للبعث وتوكيده وإنذار به، وتوطيد لواجب الطاعة لله ورسوله والإنفاق في سبيل الله.
وتحذير من أن يكون الأولاد والأزواج والأموال من المانعين لذلك.
والسورة من السور التي يختلف الرواة في مكيتها ومدنيتها. غير أن معظم روايات ترتيب نزول السور تسلكها في سلك السور المدنية. ومنها المصحف الذي اعتمدنا عليه. وفحوى آيات السورة يؤيد مدنيتها، ويؤيد كونها نزلت دفعة واحدة أو متتابعة. ومن الفحوى الذي يدل على مدنيتها الأمر بطاعة الله ورسوله والتحذير من الزوجات والأولاد فهذا أسلوب مدني. والله أعلم.
وبعض الروايات التي تذكر أنها مكية أن الآيات ( ١٤ ١٦ ) مدنية١ وآيات السورة منسجمة مع هذه الآيات بحيث يسوغ القول : إنها سياق واحد نزلت في ظرف واحد.
وليس في السورة علامة مميزة تساعد على القول بصحة ترتيب نزولها بعد سورة التحريم وعدمه. وقد جعلناها بعد سورة التحريم أخذا برواية المصحف الذي اعتمدنا عليه وبعض روايات التراتيب الأخرى٢ والله أعلم.
٢ انظر كتابنا سيرة الرسول ج ٢ ص ٩ وتفسير الزمخشري.
ﰡ
﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( ١ ) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( ٢ ) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ( ٣ ) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( ٤ ) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٥ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ( ٦ ) ﴾.
_عبارة الآيات واضحة، والآيات الأربع الأولى منها احتوت تقريرا لعظمة ملك الله وقدرته ومطلق تصرفه في الكون وإتقان خلق الإنسان وتصويره على أحسن الصور، وإحاطة علمه بكل شيء وخضوع كل شيء له واستحقاقه وحده للحمد والتقديس، وقد انطوى في الآية الثانية على ما يتبادر من روحها تقرير لواقع المخاطبين ؛ حيث كان منهم الكافر وكان المؤمن وتقرير كون الله تعالى بصير بما يفعله كل منهم.
أما الآيتان الأخيرتان فقد احتوتا تذكيرا بالكافرين من الأمم السابقة بأسلوب التساؤل الإنكاري التقريري عن ما جاء المخاطبين من أنبائهم ؛ حيث استنكروا أن يرسل الله بشرا رسلا ليهدوهم فكفروا نتيجة لذلك، فذاقوا نكال الله في الدنيا فضلا عما أعده لهم من عذاب الآخرة الأليم مع تقرير كون الله مستغنيا عنهم، وهو الغني عن خلقه الحميد لمن يشكروه ويؤمن به.
وواضح أن الآيات هي بسبيل دعوة السامعين إلى الله والاهتداء بالهدى الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء هذا بصراحة أكثر في الآيات التالية. وأسلوبها عام هادئ موجه إلى القلب والعقل معا.
وليس هناك روايات تروي سبب نزولها والمتبادر أنها تمهيد أو مقدمة لما جاء بعدها. والله أعلم.
وفي حكاية قول الكفار السابقين حينما كانت تأتيهم رسلهم ﴿ أبشر يهدوننا ﴾ تنديد بالكافرين برسالة النبي صلى الله عليه وسلم الذين كان يصدر منهم مثل هذا القول على ما حكته آيات عديدة في سور سابقة. منها آية الإسراء هذه ﴿ قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ٩٣ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ٩٤ ﴾ فكأنما أريد أن يقال لهم : إنكم إذا قلتم هذا فقد قاله أمثالكم من قبل، وكان من أسباب كفرهم واستحقاقهم لنكال الله وعذابه. وإن الله لمستغن عنكم كما استغنى عمن قبلكم وهو الغني الحميد.
وفي جملة ﴿ وصوركم فأحسن صوركم ﴾ تذكير للإنسان بما ميزه الله على غيره من خلقه بالمميزات المتنوعة، وبما يوجبه ذلك عليه من الاعتراف بفضله والاستجابة إلى دعوته. وقد انطوى هذا في آيات عديدة في سور سبق تفسيرها.
﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( ١ ) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( ٢ ) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ( ٣ ) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( ٤ ) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٥ ) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ( ٦ ) ﴾.
_عبارة الآيات واضحة، والآيات الأربع الأولى منها احتوت تقريرا لعظمة ملك الله وقدرته ومطلق تصرفه في الكون وإتقان خلق الإنسان وتصويره على أحسن الصور، وإحاطة علمه بكل شيء وخضوع كل شيء له واستحقاقه وحده للحمد والتقديس، وقد انطوى في الآية الثانية على ما يتبادر من روحها تقرير لواقع المخاطبين ؛ حيث كان منهم الكافر وكان المؤمن وتقرير كون الله تعالى بصير بما يفعله كل منهم.
أما الآيتان الأخيرتان فقد احتوتا تذكيرا بالكافرين من الأمم السابقة بأسلوب التساؤل الإنكاري التقريري عن ما جاء المخاطبين من أنبائهم ؛ حيث استنكروا أن يرسل الله بشرا رسلا ليهدوهم فكفروا نتيجة لذلك، فذاقوا نكال الله في الدنيا فضلا عما أعده لهم من عذاب الآخرة الأليم مع تقرير كون الله مستغنيا عنهم، وهو الغني عن خلقه الحميد لمن يشكروه ويؤمن به.
وواضح أن الآيات هي بسبيل دعوة السامعين إلى الله والاهتداء بالهدى الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء هذا بصراحة أكثر في الآيات التالية. وأسلوبها عام هادئ موجه إلى القلب والعقل معا.
وليس هناك روايات تروي سبب نزولها والمتبادر أنها تمهيد أو مقدمة لما جاء بعدها. والله أعلم.
وفي حكاية قول الكفار السابقين حينما كانت تأتيهم رسلهم ﴿ أبشر يهدوننا ﴾ تنديد بالكافرين برسالة النبي صلى الله عليه وسلم الذين كان يصدر منهم مثل هذا القول على ما حكته آيات عديدة في سور سابقة. منها آية الإسراء هذه ﴿ قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ٩٣ وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا ٩٤ ﴾ فكأنما أريد أن يقال لهم : إنكم إذا قلتم هذا فقد قاله أمثالكم من قبل، وكان من أسباب كفرهم واستحقاقهم لنكال الله وعذابه. وإن الله لمستغن عنكم كما استغنى عمن قبلكم وهو الغني الحميد.
وفي جملة ﴿ وصوركم فأحسن صوركم ﴾ تذكير للإنسان بما ميزه الله على غيره من خلقه بالمميزات المتنوعة، وبما يوجبه ذلك عليه من الاعتراف بفضله والاستجابة إلى دعوته. وقد انطوى هذا في آيات عديدة في سور سبق تفسيرها.
تأويل الكلاميين لجملة
﴿ هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ﴾ وتعليق عليه
ولقد وقف المفسرون عند هذه الجملة، وأوردوا مذاهب الكلاميين فيها، من حيث الجبر والاختيار ؛ حيث يرى أصحاب المذهب الأول فيها دليلا على مذهبهم بتقدير الله عز وجل الكفر والإيمان على الناس. وقد أوردوا حديثا نبويا للتدليل على ذلك روي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( وكل الله بالرحم ملكا، فيقول أي رب نطفة أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقها قال : يا رب أذكر أم أنثى. أشقي أم سعيد، فما الرزق، فما الأجل فيكتب كذلك في بطن أمه ) ١ وحيث ينكر أصحاب المذهب الثاني ذلك ويقولون : إن معنى الآية هو أن الله خلق الناس فمنهم من اختار الكفر، ومنهم من اختار الإيمان وذكروا آية سورة الكهف ﴿ وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ﴾ ( ٢٩ ) ونقول تعليقا على ذلك : إن الحديث ليس من الصحاح وإننا شرحنا مسألة القدر والجبر والاختيار في سورة القمر شرحا يغني عن التكرار، ورجحنا الثاني على ضوء الآيات القرآنية المحكمة. وإن المتبادر لنا أن الجملة لا تتحمل هذا الخلاف الكلامي، وإن روح الآيات وهي تندد بالكافرين وتنسب إليهم أعمالهم وتذكرهم بأمثالهم الذين استحقوا نكال الله تؤيد بقوة القول الثاني. وإن الجملة هي بسبيل تقرير واقع المخاطبين والسامعين حين نزولها حيث كان منهم من كفر بالرسالة النبوية ومنهم مؤمن. وقد رأينا الطبري يؤول الجملة في معنى ( يقول الله تعالى أيها الناس منكم كافر بخالقه وأنه خلقه. ومنكم مؤمن بخالقه وأنه خلقه ) ولا يخلو هذا من وجاهة وإن كنا نرى ما ذكرناه هو الأكثر تساوقا مع الجملة وروح الآيات معا. والله تعالى أعلم.
عبارة الآيات اللغوية واضحة كتلك وفيها :
( ١ ) حكاية لزعم الكفار باستحالة بعثهم بعد الموت.
( ٢ ) وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بتوكيد ذلك لهم وسهولته على الله تعالى.
( ٣ ) وتعقيب على التوكيد بالدعوة إلى الإيمان بالله ورسوله والاهتداء بالنور الذي أنزله الله عليه.
( ٤ ) واستطراد إنذاري بذكر يوم القيامة وما سوف يظهر للكافرين فيه من مقدار الغبن العظيم الذي وقعوا فيه في الدنيا بإصرارهم على الكفر وعدم استجابتهم إلى دعوة الحق والهدى.
( ٥ ) وبيان لمصير الناس في ذلك ؛ حيث يتجاوز الله عن سيئات الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويكون لهم الخلود في نعيم الجنات، وحيث يكون للذين كفروا وكذبوا بآيات الله الخلود في النار وبئست هي مصيرهم.
ولم نطلع على رواية خاصة بنزول الآيات، وقد تلهم هي والتي قبلها معا أنها نزلت على أثر موقف من مواقف الجدل بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكفار في بشرية النبي والبعث الأخروي وماهية الدعوة والرسالة مما كان يتكرر بين النبي والكفار وخاصة في العهد المكي.
ولعل الذين قالوا : إن السورة مكية رأوا التجانس بين هذه الآيات وما كان يقع في العهد المكي من مثل ذلك، وما ورد في القرآن المكي من حكايته والرد عليه، وليس هذا مبررا كافيا لذلك القول ؛ لأن معظم العرب ظلوا كفارا إلى الفتح المكي، وقد روت الروايات العديدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلتقي بالمسالمين منهم أو يستقبل وفودا من زعمائهم، فكان بطبيعة الحال يدعوهم وينشب بينه وبينهم جدال مماثل لما كان ينشب بينه وبين أمثالهم في العهد المكي.
وتعبير ﴿ يكفر عنه سيئاته ﴾ بالنسبة للمؤمنين وفي سياق المصير الأخروي قد تكرر أكثر من مرة وعلقنا عليه في سياق تفسير آية سورة النجم ( ٣١ و ٣٢ ) وسورة النساء ( ٣١ ) ونبهنا على ما فيه من تسامح رباني ومعالجة روحية حكيمة، فنكتفي بهذا التنبيه دون التكرار.
( ٢ ) التغابن : من الغبن : وهو بيع شيء بأغلى من قيمته بالتغرير. والقصد من الكلمة هو أن يوم القيامة هو اليوم الذي يظهر فيه غبن الضالين الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، فما ربحت تجارتهم ومع ما في الكلمة من هذه الدلالات لغويا، فإن المفسرون رووا عن ابن عباس أن جملة ﴿ يوم التغابن ﴾ من أسماء يوم القيامة، والظاهر أنه اعتبرها لذلك لدلالتها المذكورة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧:﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ( ٧ )فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( ٨ ) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( ٩ ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( ١٠ ) ﴾.
عبارة الآيات اللغوية واضحة كتلك وفيها :
( ١ ) حكاية لزعم الكفار باستحالة بعثهم بعد الموت.
( ٢ ) وأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بتوكيد ذلك لهم وسهولته على الله تعالى.
( ٣ ) وتعقيب على التوكيد بالدعوة إلى الإيمان بالله ورسوله والاهتداء بالنور الذي أنزله الله عليه.
( ٤ ) واستطراد إنذاري بذكر يوم القيامة وما سوف يظهر للكافرين فيه من مقدار الغبن العظيم الذي وقعوا فيه في الدنيا بإصرارهم على الكفر وعدم استجابتهم إلى دعوة الحق والهدى.
( ٥ ) وبيان لمصير الناس في ذلك ؛ حيث يتجاوز الله عن سيئات الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويكون لهم الخلود في نعيم الجنات، وحيث يكون للذين كفروا وكذبوا بآيات الله الخلود في النار وبئست هي مصيرهم.
ولم نطلع على رواية خاصة بنزول الآيات، وقد تلهم هي والتي قبلها معا أنها نزلت على أثر موقف من مواقف الجدل بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الكفار في بشرية النبي والبعث الأخروي وماهية الدعوة والرسالة مما كان يتكرر بين النبي والكفار وخاصة في العهد المكي.
ولعل الذين قالوا : إن السورة مكية رأوا التجانس بين هذه الآيات وما كان يقع في العهد المكي من مثل ذلك، وما ورد في القرآن المكي من حكايته والرد عليه، وليس هذا مبررا كافيا لذلك القول ؛ لأن معظم العرب ظلوا كفارا إلى الفتح المكي، وقد روت الروايات العديدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلتقي بالمسالمين منهم أو يستقبل وفودا من زعمائهم، فكان بطبيعة الحال يدعوهم وينشب بينه وبينهم جدال مماثل لما كان ينشب بينه وبين أمثالهم في العهد المكي.
وتعبير ﴿ يكفر عنه سيئاته ﴾ بالنسبة للمؤمنين وفي سياق المصير الأخروي قد تكرر أكثر من مرة وعلقنا عليه في سياق تفسير آية سورة النجم ( ٣١ و ٣٢ ) وسورة النساء ( ٣١ ) ونبهنا على ما فيه من تسامح رباني ومعالجة روحية حكيمة، فنكتفي بهذا التنبيه دون التكرار.
تعليق على الآية
﴿ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ﴾
والآيتين التاليتين لها وما فيها من تلقين وما ورد في صددها من أحاديث
في الآيات :
( ١ ) تقرير بأن ما يصاب به أحد من مصيبة فإنه بإذن الله العليم بكل شيء.
( ٢ ) وتعقيب على ذلك بأن من يؤمن بالله تعالى ويفوض الأمر إليه يرزقه الله هداية القلب والطمأنينة والسكينة، فيتقبل الأمر الواقع الذي لا يد له فيه بالرضاء والصبر.
( ٣ ) وأمر موجه للمسلمين بوجوب طاعة الله ورسوله في كل حال ودون أن يمنعهم أي شيء من هذا الواجب جاعلين اتكالهم على الله الذي لا إلاه إلا الله هو والذي يجب على المؤمنين أن يجعلوا اتكالهم عليه دائما.
( ٤ ) وإيذان لمن لم يستمع لهذا التلقين والعظة، ويتولى عن واجب الطاعة لله ورسوله بأنه ليس على الرسول إلا التبليغ. والأمر والإرشاد والبيان. وقد انطوى في الإيذان معنى الإنذار كما هو المتبادر أيضا.
ولم نطلع على رواية خاصة بنزول هذه الآيات، والمتبادر أنها فصل مستقل لا علاقة له بالآيات السابقة. ومضمونها وروحها يلهمان أنها بسبيل الإشارة إلى حادث ما أو موقف ما أو بسبيل تهوين مصيبة أصيب بها بعض المسلمين في أثناء قيامه بتنفيذ أمر أمره النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بسبيل تثبيت وتوطيد الطاعة لله ولرسوله لعل الآيات التالية متصلة بها ومنطوية على شيء من إيضاح المناسبة أو الموقف الذي نزلت فيه على ما سوف يأتي شرحه بعد.
وورود الآيات بهذا الأسلوب يدل على أن الحادث أو الموقف قد جعل للتهوين والتثبيت والعظة لعامة المؤمنين أيضا، بالإضافة إلى صاحب العلاقة، ولقد انطوت على علاج نفساني قوي يستمد منه المؤمن قوة وصبرا وسكينة وطمأنينة وإسلاما لله واتكالا عليه في الأزمات والملمات الطارئة أو المتوقعة التي لا تخلو حياة الناس منها في كل وقت ومكان. نرى الأولى بل الأوجب أن يوقف عند ذلك في موضوع قدر الله تعالى وكون ما يصيب الناس من مصائب هي مقدرة تقديرا محتوما عليهم ؛ لأن هذا ليس من مقاصد الآيات في مقامها على ضوء الشرح المستلهم من ذلك. والله تعالى أعلم.
ولقد تكرر مثل هذه المعالجات النفسية في ظروف مماثلة مرت أمثلة منها في سور سبق تفسيرها وأوردنا في صددها بعض الأحاديث النبوية وبخاصة في سياق الآية ( ١٥٥ ) من سورة البقرة، فنكتفي بهذا التنبيه دون التكرار.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثين نبويين فيهما من التلقين والعلاج ما هو متسق من محتويات الآيات وتدعيم لما نبهنا عليه. واحدا منهما وصفه بأنه متفق عليه جاء فيه ( عجبا للمؤمن لا يقضي الله قضاء إلا كان خيرا له.
إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. وليس ذلك لأحد إلا المؤمن ) وواحدا رواه الإمام أحمد جاء ( إن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ قال : إيمان بالله وتصديق به وجهاد في سبيله. قال : أريد أهون من هذا يا رسول الله. قال : لا تتهم الله في شيء قضى لك به.
تعليق على الآية
﴿ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ﴾
والآيتين التاليتين لها وما فيها من تلقين وما ورد في صددها من أحاديث
في الآيات :
( ١ ) تقرير بأن ما يصاب به أحد من مصيبة فإنه بإذن الله العليم بكل شيء.
( ٢ ) وتعقيب على ذلك بأن من يؤمن بالله تعالى ويفوض الأمر إليه يرزقه الله هداية القلب والطمأنينة والسكينة، فيتقبل الأمر الواقع الذي لا يد له فيه بالرضاء والصبر.
( ٣ ) وأمر موجه للمسلمين بوجوب طاعة الله ورسوله في كل حال ودون أن يمنعهم أي شيء من هذا الواجب جاعلين اتكالهم على الله الذي لا إلاه إلا الله هو والذي يجب على المؤمنين أن يجعلوا اتكالهم عليه دائما.
( ٤ ) وإيذان لمن لم يستمع لهذا التلقين والعظة، ويتولى عن واجب الطاعة لله ورسوله بأنه ليس على الرسول إلا التبليغ. والأمر والإرشاد والبيان. وقد انطوى في الإيذان معنى الإنذار كما هو المتبادر أيضا.
ولم نطلع على رواية خاصة بنزول هذه الآيات، والمتبادر أنها فصل مستقل لا علاقة له بالآيات السابقة. ومضمونها وروحها يلهمان أنها بسبيل الإشارة إلى حادث ما أو موقف ما أو بسبيل تهوين مصيبة أصيب بها بعض المسلمين في أثناء قيامه بتنفيذ أمر أمره النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بسبيل تثبيت وتوطيد الطاعة لله ولرسوله لعل الآيات التالية متصلة بها ومنطوية على شيء من إيضاح المناسبة أو الموقف الذي نزلت فيه على ما سوف يأتي شرحه بعد.
وورود الآيات بهذا الأسلوب يدل على أن الحادث أو الموقف قد جعل للتهوين والتثبيت والعظة لعامة المؤمنين أيضا، بالإضافة إلى صاحب العلاقة، ولقد انطوت على علاج نفساني قوي يستمد منه المؤمن قوة وصبرا وسكينة وطمأنينة وإسلاما لله واتكالا عليه في الأزمات والملمات الطارئة أو المتوقعة التي لا تخلو حياة الناس منها في كل وقت ومكان. نرى الأولى بل الأوجب أن يوقف عند ذلك في موضوع قدر الله تعالى وكون ما يصيب الناس من مصائب هي مقدرة تقديرا محتوما عليهم ؛ لأن هذا ليس من مقاصد الآيات في مقامها على ضوء الشرح المستلهم من ذلك. والله تعالى أعلم.
ولقد تكرر مثل هذه المعالجات النفسية في ظروف مماثلة مرت أمثلة منها في سور سبق تفسيرها وأوردنا في صددها بعض الأحاديث النبوية وبخاصة في سياق الآية ( ١٥٥ ) من سورة البقرة، فنكتفي بهذا التنبيه دون التكرار.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثين نبويين فيهما من التلقين والعلاج ما هو متسق من محتويات الآيات وتدعيم لما نبهنا عليه. واحدا منهما وصفه بأنه متفق عليه جاء فيه ( عجبا للمؤمن لا يقضي الله قضاء إلا كان خيرا له.
إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. وليس ذلك لأحد إلا المؤمن ) وواحدا رواه الإمام أحمد جاء ( إن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ قال : إيمان بالله وتصديق به وجهاد في سبيله. قال : أريد أهون من هذا يا رسول الله. قال : لا تتهم الله في شيء قضى لك به.
تعليق على الآية
﴿ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ﴾
والآيتين التاليتين لها وما فيها من تلقين وما ورد في صددها من أحاديث
في الآيات :
( ١ ) تقرير بأن ما يصاب به أحد من مصيبة فإنه بإذن الله العليم بكل شيء.
( ٢ ) وتعقيب على ذلك بأن من يؤمن بالله تعالى ويفوض الأمر إليه يرزقه الله هداية القلب والطمأنينة والسكينة، فيتقبل الأمر الواقع الذي لا يد له فيه بالرضاء والصبر.
( ٣ ) وأمر موجه للمسلمين بوجوب طاعة الله ورسوله في كل حال ودون أن يمنعهم أي شيء من هذا الواجب جاعلين اتكالهم على الله الذي لا إلاه إلا الله هو والذي يجب على المؤمنين أن يجعلوا اتكالهم عليه دائما.
( ٤ ) وإيذان لمن لم يستمع لهذا التلقين والعظة، ويتولى عن واجب الطاعة لله ورسوله بأنه ليس على الرسول إلا التبليغ. والأمر والإرشاد والبيان. وقد انطوى في الإيذان معنى الإنذار كما هو المتبادر أيضا.
ولم نطلع على رواية خاصة بنزول هذه الآيات، والمتبادر أنها فصل مستقل لا علاقة له بالآيات السابقة. ومضمونها وروحها يلهمان أنها بسبيل الإشارة إلى حادث ما أو موقف ما أو بسبيل تهوين مصيبة أصيب بها بعض المسلمين في أثناء قيامه بتنفيذ أمر أمره النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بسبيل تثبيت وتوطيد الطاعة لله ولرسوله لعل الآيات التالية متصلة بها ومنطوية على شيء من إيضاح المناسبة أو الموقف الذي نزلت فيه على ما سوف يأتي شرحه بعد.
وورود الآيات بهذا الأسلوب يدل على أن الحادث أو الموقف قد جعل للتهوين والتثبيت والعظة لعامة المؤمنين أيضا، بالإضافة إلى صاحب العلاقة، ولقد انطوت على علاج نفساني قوي يستمد منه المؤمن قوة وصبرا وسكينة وطمأنينة وإسلاما لله واتكالا عليه في الأزمات والملمات الطارئة أو المتوقعة التي لا تخلو حياة الناس منها في كل وقت ومكان. نرى الأولى بل الأوجب أن يوقف عند ذلك في موضوع قدر الله تعالى وكون ما يصيب الناس من مصائب هي مقدرة تقديرا محتوما عليهم ؛ لأن هذا ليس من مقاصد الآيات في مقامها على ضوء الشرح المستلهم من ذلك. والله تعالى أعلم.
ولقد تكرر مثل هذه المعالجات النفسية في ظروف مماثلة مرت أمثلة منها في سور سبق تفسيرها وأوردنا في صددها بعض الأحاديث النبوية وبخاصة في سياق الآية ( ١٥٥ ) من سورة البقرة، فنكتفي بهذا التنبيه دون التكرار.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات حديثين نبويين فيهما من التلقين والعلاج ما هو متسق من محتويات الآيات وتدعيم لما نبهنا عليه. واحدا منهما وصفه بأنه متفق عليه جاء فيه ( عجبا للمؤمن لا يقضي الله قضاء إلا كان خيرا له.
إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. وليس ذلك لأحد إلا المؤمن ) وواحدا رواه الإمام أحمد جاء ( إن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ قال : إيمان بالله وتصديق به وجهاد في سبيله. قال : أريد أهون من هذا يا رسول الله. قال : لا تتهم الله في شيء قضى لك به.
وفي هذه الآيات :
( ١ ) تنبيه للمؤمنين بأن من أزواجهم وأولادهم من يكون عدوا لهم يجب الحذر منه.
( ٢ ) ووصية لهم على كل حال بالعفو والصفح والغفران تأسيا بالله الغفور الرحيم.
( ٣ ) وتنبيه لهم كذلك بأن أموالهم وأولادهم هي بوجه عام امتحان لهم في الاختيار بين واجبهم نحو الله والمصلحة العامة وبين أموالهم وأولادهم. وبأن ما عند الله من الأجر العظيم هو أعظم وأجدى، وبأن من مصلحتهم أن يختاروا ما فيه رضاء الله حتى ينالوا ما عنده.
( ٤ ) وتعقيب على ذلك فيه حث لهم على تقوى الله في اتباع أوامره واجتناب نواهيه جهد استطاعتهم وعلى الطاعة لله ورسوله، وبذل المال في سبيل الله ووجوه البر ففي هذا خاصة خير ونفع لهم. وأن المفلح هو الذي ينجو من شح النفس والبخل. وإنهم إذا أنفقوا فكأنهم يقرضون الله قرضا حسنا سوف يرده عليهم مضاعفا مع غفران ما يلمون به من ذنوب، وهو الشكور لفاعلي الخير الذي يعامل عباده بالحلم والعطف والتسامح العليم بالحاضر والمستقبل المغيب القوي القادر الحكيم الذي يأمر بما فيه الحكمة والصواب.
تعليق على الآية
﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ﴾
والآيات الأربع التي بعدها وما فيها من صور وتلقين.
لقد روى المفسرون روايات عديدة في نزول هذه الآيات أو بالأحرى الآيتين الأوليين١ منها واحدة معزوة إلى ابن عباس ومجاهد جاء فيها أنها نزلت في قوم أرادوا الهجرة، فثبطهم نساؤهم وأولادهم عنها. وقد روى الترمذي هذا في حديث عن ابن عباس فيه زيادة ؛ حيث جاء في الحديث ( هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي فأبى أزواجهم وأولادهم ذلك ومنعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله الآية ) ٢ وثانية معزوة إلى عطاء ابن يسار من كبار علماء التابعين جاء فيها ( أنها نزلت في عوف ابن مالك الأشجعي، كان ذا أهل وولد وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه، وقالوا : إلى من تدعنا فيرق لهم ويقيم ) ٣ وثالثة معزوة إلى عكرمة من علماء التابعين جاء فيها ( كان الرجل يريد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له أهله : إلى أين تذهب وتدعنا ؟ فإذا أسلم وفقه قال : لأرجعن إلى الذين ينهون عن هذا الأمر فلأفعلن ولأفعلن فأنزل الله ﴿ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ١٤ ﴾٤.
وعلى كل حال فروح الآيتين الأوليين ومضمونهما يلهمان أنهما نزلتا في مناسبة مماثلة، ويتبادر لنا أن الآيات متصلة بالآيات السابقة لها، وأن الآيات السابقة جاءت تمهيدا أو مقدمة لها، وفي كلتا المجموعتين أمر بالسمع والطاعة لله ورسوله.
وهذا التشارك بنوع خاص قرينة قوية على الاتصال بين المجموعتين.
ويلحظ أن الخطاب في الآيات موجه إلى جميع المؤمنين ؛ حيث يتبادر من أن هذا أن حكمة التنزيل اقتضت ذلك ليكون الحادث وسيلة لتوجيه الكلام إلى المسلمين جميعهم، ويكون لهم فيه عظة وتنبيه وتحذير على النحو الذي شرحنا به الآيات، وهذا ما جرى عليه التنزيل القرآني مما مر منه أمثلة كثيرة.
والآيات بهذا التعميم والإطلاق مستمرة التلقين والمدى من جميع النواحي بالنسبة لجميع المسلمين في كل ظرف ومكان في المناسبات والمواقف المماثلة.
وواضح من الشرح والمناسبات المروية أن جملة ( عدوا لكم } قد جاءت للتشبيه وتشديد التحذير من التأثر وشدة الشغف بالأزواج والأولاد إلى المدى الذي يشغل المسلم عن واجبه نحو الله ودينه وخلقه أو يجعله يرتكب إثما ومعصية، فلا يصح أخذها على غير هذا المدى.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآيات حديثا رواه الحافظ البزار عن أبي سعيد قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولد ثمر القلوب، وإنهم مجبنة مبخلة محزنة } حيث ينطوي في الحديث تقرير لواقع الأمر والتطابق مع الآيات من حيث كون الأولاد قرة عين، ولكنهم يكونون أحيانا من أسباب جبن الآباء وبخلهم ودواعي الحزن لهم. وقد أورد المفسر حديثا آخر رواه الطبراني عن أبي مالك الأشعري قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس عدوك الذي إن قتلته كان فوزا لك وإن قتلك دخلت الجنة.
ولكن الذي لعله عدو لك ولدك الذي خرج من صلبك، ثم أعدى عدو لك مالك ) والحديث مما تضمنت الآيات تقريره وهدفت إلى التحذير منه كما هو المتبادر.
ولقد قال بعض المفسرين : إن في الآية ﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ تخفيفا عن المسلمين ونسخا لآية آل عمران هذه ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ﴾ ( ١٠٢ ) ورووا عن سعيد ابن جبير ومقاتل والسدي أن المسلمين لما نزلت آية آل عمران اشتدوا في العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم يعني من كثرة الصلاة، فأنزل الله هذه الآية تخفيفا عنهم٥ وقال بعضهم : إنها غير ناسخة وإن حكم الآيتين محكم في الحالات المختلفة ولا تنافي بينها٦ ونحن نرى هذا هو الأوجه إن شاء الله ؛ لأن تقوى الله حق تقاته لا تتضمن تحميلا للمسلم ما ليس له به طاقة فيما نرى ولا سيما أن في الآيات المكية والمدنية التي نزلت قبل نزول آية آل عمران تقريرا ربانيا بأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها. وإنما تعني الإخلاص التام لله ومراقبة مراقبة تامة. ولقد نزلت آية آل عمران في موقف خطير، وفي سياق تضمن تحذيرا للمسلمين إزاء ذلك الموقف على ما شرحناه في سياق تفسيرها فلا محل لربط هذه الآية بتلك.
على أنه يتبادر لنا أن الأوجه المتسق مع روح الآيات وهدفها ومقامها هو صرف الجملة إلى قصد الحث على الاجتهاد في تقوى الله جهد الطاقة وعدم التهاون في ذلك. وهذا لا يتنافى مع القول الذي رجحناه سابقا. والله اعلم.
وتعبير ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ١٦ } يتكرر هنا للمرة الثانية ؛ حيث ينطوي في ذلك توكيد على سوء خلق الشح وعظم فلاح من يكون بريئا منه، وحث على نبذه، وقد أوردنا ما روي من الأحاديث النبوية في ذلك في المناسبة الأولى التي ورد فيها هذا التعبير وهو آية سورة الحشر ( ٩ ).
٢ التاج ج ٤ ص ٢٣٨.
٣ تفسير البغوي.
٤ تفسير الطبري.
٥ انظر البغوي والخازن وابن كثير والرواية وردت في ابن كثير.
٦ انظر الطبرسي.
وفي هذه الآيات :
( ١ ) تنبيه للمؤمنين بأن من أزواجهم وأولادهم من يكون عدوا لهم يجب الحذر منه.
( ٢ ) ووصية لهم على كل حال بالعفو والصفح والغفران تأسيا بالله الغفور الرحيم.
( ٣ ) وتنبيه لهم كذلك بأن أموالهم وأولادهم هي بوجه عام امتحان لهم في الاختيار بين واجبهم نحو الله والمصلحة العامة وبين أموالهم وأولادهم. وبأن ما عند الله من الأجر العظيم هو أعظم وأجدى، وبأن من مصلحتهم أن يختاروا ما فيه رضاء الله حتى ينالوا ما عنده.
( ٤ ) وتعقيب على ذلك فيه حث لهم على تقوى الله في اتباع أوامره واجتناب نواهيه جهد استطاعتهم وعلى الطاعة لله ورسوله، وبذل المال في سبيل الله ووجوه البر ففي هذا خاصة خير ونفع لهم. وأن المفلح هو الذي ينجو من شح النفس والبخل. وإنهم إذا أنفقوا فكأنهم يقرضون الله قرضا حسنا سوف يرده عليهم مضاعفا مع غفران ما يلمون به من ذنوب، وهو الشكور لفاعلي الخير الذي يعامل عباده بالحلم والعطف والتسامح العليم بالحاضر والمستقبل المغيب القوي القادر الحكيم الذي يأمر بما فيه الحكمة والصواب.
تعليق على الآية
﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ﴾
والآيات الأربع التي بعدها وما فيها من صور وتلقين.
لقد روى المفسرون روايات عديدة في نزول هذه الآيات أو بالأحرى الآيتين الأوليين١ منها واحدة معزوة إلى ابن عباس ومجاهد جاء فيها أنها نزلت في قوم أرادوا الهجرة، فثبطهم نساؤهم وأولادهم عنها. وقد روى الترمذي هذا في حديث عن ابن عباس فيه زيادة ؛ حيث جاء في الحديث ( هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي فأبى أزواجهم وأولادهم ذلك ومنعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله الآية ) ٢ وثانية معزوة إلى عطاء ابن يسار من كبار علماء التابعين جاء فيها ( أنها نزلت في عوف ابن مالك الأشجعي، كان ذا أهل وولد وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه، وقالوا : إلى من تدعنا فيرق لهم ويقيم ) ٣ وثالثة معزوة إلى عكرمة من علماء التابعين جاء فيها ( كان الرجل يريد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له أهله : إلى أين تذهب وتدعنا ؟ فإذا أسلم وفقه قال : لأرجعن إلى الذين ينهون عن هذا الأمر فلأفعلن ولأفعلن فأنزل الله ﴿ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ١٤ ﴾٤.
وعلى كل حال فروح الآيتين الأوليين ومضمونهما يلهمان أنهما نزلتا في مناسبة مماثلة، ويتبادر لنا أن الآيات متصلة بالآيات السابقة لها، وأن الآيات السابقة جاءت تمهيدا أو مقدمة لها، وفي كلتا المجموعتين أمر بالسمع والطاعة لله ورسوله.
وهذا التشارك بنوع خاص قرينة قوية على الاتصال بين المجموعتين.
ويلحظ أن الخطاب في الآيات موجه إلى جميع المؤمنين ؛ حيث يتبادر من أن هذا أن حكمة التنزيل اقتضت ذلك ليكون الحادث وسيلة لتوجيه الكلام إلى المسلمين جميعهم، ويكون لهم فيه عظة وتنبيه وتحذير على النحو الذي شرحنا به الآيات، وهذا ما جرى عليه التنزيل القرآني مما مر منه أمثلة كثيرة.
والآيات بهذا التعميم والإطلاق مستمرة التلقين والمدى من جميع النواحي بالنسبة لجميع المسلمين في كل ظرف ومكان في المناسبات والمواقف المماثلة.
وواضح من الشرح والمناسبات المروية أن جملة ( عدوا لكم } قد جاءت للتشبيه وتشديد التحذير من التأثر وشدة الشغف بالأزواج والأولاد إلى المدى الذي يشغل المسلم عن واجبه نحو الله ودينه وخلقه أو يجعله يرتكب إثما ومعصية، فلا يصح أخذها على غير هذا المدى.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآيات حديثا رواه الحافظ البزار عن أبي سعيد قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولد ثمر القلوب، وإنهم مجبنة مبخلة محزنة } حيث ينطوي في الحديث تقرير لواقع الأمر والتطابق مع الآيات من حيث كون الأولاد قرة عين، ولكنهم يكونون أحيانا من أسباب جبن الآباء وبخلهم ودواعي الحزن لهم. وقد أورد المفسر حديثا آخر رواه الطبراني عن أبي مالك الأشعري قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس عدوك الذي إن قتلته كان فوزا لك وإن قتلك دخلت الجنة.
ولكن الذي لعله عدو لك ولدك الذي خرج من صلبك، ثم أعدى عدو لك مالك ) والحديث مما تضمنت الآيات تقريره وهدفت إلى التحذير منه كما هو المتبادر.
ولقد قال بعض المفسرين : إن في الآية ﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ تخفيفا عن المسلمين ونسخا لآية آل عمران هذه ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ﴾ ( ١٠٢ ) ورووا عن سعيد ابن جبير ومقاتل والسدي أن المسلمين لما نزلت آية آل عمران اشتدوا في العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم يعني من كثرة الصلاة، فأنزل الله هذه الآية تخفيفا عنهم٥ وقال بعضهم : إنها غير ناسخة وإن حكم الآيتين محكم في الحالات المختلفة ولا تنافي بينها٦ ونحن نرى هذا هو الأوجه إن شاء الله ؛ لأن تقوى الله حق تقاته لا تتضمن تحميلا للمسلم ما ليس له به طاقة فيما نرى ولا سيما أن في الآيات المكية والمدنية التي نزلت قبل نزول آية آل عمران تقريرا ربانيا بأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها. وإنما تعني الإخلاص التام لله ومراقبة مراقبة تامة. ولقد نزلت آية آل عمران في موقف خطير، وفي سياق تضمن تحذيرا للمسلمين إزاء ذلك الموقف على ما شرحناه في سياق تفسيرها فلا محل لربط هذه الآية بتلك.
على أنه يتبادر لنا أن الأوجه المتسق مع روح الآيات وهدفها ومقامها هو صرف الجملة إلى قصد الحث على الاجتهاد في تقوى الله جهد الطاقة وعدم التهاون في ذلك. وهذا لا يتنافى مع القول الذي رجحناه سابقا. والله اعلم.
وتعبير ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ١٦ } يتكرر هنا للمرة الثانية ؛ حيث ينطوي في ذلك توكيد على سوء خلق الشح وعظم فلاح من يكون بريئا منه، وحث على نبذه، وقد أوردنا ما روي من الأحاديث النبوية في ذلك في المناسبة الأولى التي ورد فيها هذا التعبير وهو آية سورة الحشر ( ٩ ).
٢ التاج ج ٤ ص ٢٣٨.
٣ تفسير البغوي.
٤ تفسير الطبري.
٥ انظر البغوي والخازن وابن كثير والرواية وردت في ابن كثير.
٦ انظر الطبرسي.
وفي هذه الآيات :
( ١ ) تنبيه للمؤمنين بأن من أزواجهم وأولادهم من يكون عدوا لهم يجب الحذر منه.
( ٢ ) ووصية لهم على كل حال بالعفو والصفح والغفران تأسيا بالله الغفور الرحيم.
( ٣ ) وتنبيه لهم كذلك بأن أموالهم وأولادهم هي بوجه عام امتحان لهم في الاختيار بين واجبهم نحو الله والمصلحة العامة وبين أموالهم وأولادهم. وبأن ما عند الله من الأجر العظيم هو أعظم وأجدى، وبأن من مصلحتهم أن يختاروا ما فيه رضاء الله حتى ينالوا ما عنده.
( ٤ ) وتعقيب على ذلك فيه حث لهم على تقوى الله في اتباع أوامره واجتناب نواهيه جهد استطاعتهم وعلى الطاعة لله ورسوله، وبذل المال في سبيل الله ووجوه البر ففي هذا خاصة خير ونفع لهم. وأن المفلح هو الذي ينجو من شح النفس والبخل. وإنهم إذا أنفقوا فكأنهم يقرضون الله قرضا حسنا سوف يرده عليهم مضاعفا مع غفران ما يلمون به من ذنوب، وهو الشكور لفاعلي الخير الذي يعامل عباده بالحلم والعطف والتسامح العليم بالحاضر والمستقبل المغيب القوي القادر الحكيم الذي يأمر بما فيه الحكمة والصواب.
تعليق على الآية
﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ﴾
والآيات الأربع التي بعدها وما فيها من صور وتلقين.
لقد روى المفسرون روايات عديدة في نزول هذه الآيات أو بالأحرى الآيتين الأوليين١ منها واحدة معزوة إلى ابن عباس ومجاهد جاء فيها أنها نزلت في قوم أرادوا الهجرة، فثبطهم نساؤهم وأولادهم عنها. وقد روى الترمذي هذا في حديث عن ابن عباس فيه زيادة ؛ حيث جاء في الحديث ( هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي فأبى أزواجهم وأولادهم ذلك ومنعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله الآية ) ٢ وثانية معزوة إلى عطاء ابن يسار من كبار علماء التابعين جاء فيها ( أنها نزلت في عوف ابن مالك الأشجعي، كان ذا أهل وولد وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه، وقالوا : إلى من تدعنا فيرق لهم ويقيم ) ٣ وثالثة معزوة إلى عكرمة من علماء التابعين جاء فيها ( كان الرجل يريد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له أهله : إلى أين تذهب وتدعنا ؟ فإذا أسلم وفقه قال : لأرجعن إلى الذين ينهون عن هذا الأمر فلأفعلن ولأفعلن فأنزل الله ﴿ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ١٤ ﴾٤.
وعلى كل حال فروح الآيتين الأوليين ومضمونهما يلهمان أنهما نزلتا في مناسبة مماثلة، ويتبادر لنا أن الآيات متصلة بالآيات السابقة لها، وأن الآيات السابقة جاءت تمهيدا أو مقدمة لها، وفي كلتا المجموعتين أمر بالسمع والطاعة لله ورسوله.
وهذا التشارك بنوع خاص قرينة قوية على الاتصال بين المجموعتين.
ويلحظ أن الخطاب في الآيات موجه إلى جميع المؤمنين ؛ حيث يتبادر من أن هذا أن حكمة التنزيل اقتضت ذلك ليكون الحادث وسيلة لتوجيه الكلام إلى المسلمين جميعهم، ويكون لهم فيه عظة وتنبيه وتحذير على النحو الذي شرحنا به الآيات، وهذا ما جرى عليه التنزيل القرآني مما مر منه أمثلة كثيرة.
والآيات بهذا التعميم والإطلاق مستمرة التلقين والمدى من جميع النواحي بالنسبة لجميع المسلمين في كل ظرف ومكان في المناسبات والمواقف المماثلة.
وواضح من الشرح والمناسبات المروية أن جملة ( عدوا لكم } قد جاءت للتشبيه وتشديد التحذير من التأثر وشدة الشغف بالأزواج والأولاد إلى المدى الذي يشغل المسلم عن واجبه نحو الله ودينه وخلقه أو يجعله يرتكب إثما ومعصية، فلا يصح أخذها على غير هذا المدى.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآيات حديثا رواه الحافظ البزار عن أبي سعيد قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولد ثمر القلوب، وإنهم مجبنة مبخلة محزنة } حيث ينطوي في الحديث تقرير لواقع الأمر والتطابق مع الآيات من حيث كون الأولاد قرة عين، ولكنهم يكونون أحيانا من أسباب جبن الآباء وبخلهم ودواعي الحزن لهم. وقد أورد المفسر حديثا آخر رواه الطبراني عن أبي مالك الأشعري قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس عدوك الذي إن قتلته كان فوزا لك وإن قتلك دخلت الجنة.
ولكن الذي لعله عدو لك ولدك الذي خرج من صلبك، ثم أعدى عدو لك مالك ) والحديث مما تضمنت الآيات تقريره وهدفت إلى التحذير منه كما هو المتبادر.
ولقد قال بعض المفسرين : إن في الآية ﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ تخفيفا عن المسلمين ونسخا لآية آل عمران هذه ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ﴾ ( ١٠٢ ) ورووا عن سعيد ابن جبير ومقاتل والسدي أن المسلمين لما نزلت آية آل عمران اشتدوا في العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم يعني من كثرة الصلاة، فأنزل الله هذه الآية تخفيفا عنهم٥ وقال بعضهم : إنها غير ناسخة وإن حكم الآيتين محكم في الحالات المختلفة ولا تنافي بينها٦ ونحن نرى هذا هو الأوجه إن شاء الله ؛ لأن تقوى الله حق تقاته لا تتضمن تحميلا للمسلم ما ليس له به طاقة فيما نرى ولا سيما أن في الآيات المكية والمدنية التي نزلت قبل نزول آية آل عمران تقريرا ربانيا بأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها. وإنما تعني الإخلاص التام لله ومراقبة مراقبة تامة. ولقد نزلت آية آل عمران في موقف خطير، وفي سياق تضمن تحذيرا للمسلمين إزاء ذلك الموقف على ما شرحناه في سياق تفسيرها فلا محل لربط هذه الآية بتلك.
على أنه يتبادر لنا أن الأوجه المتسق مع روح الآيات وهدفها ومقامها هو صرف الجملة إلى قصد الحث على الاجتهاد في تقوى الله جهد الطاقة وعدم التهاون في ذلك. وهذا لا يتنافى مع القول الذي رجحناه سابقا. والله اعلم.
وتعبير ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ١٦ } يتكرر هنا للمرة الثانية ؛ حيث ينطوي في ذلك توكيد على سوء خلق الشح وعظم فلاح من يكون بريئا منه، وحث على نبذه، وقد أوردنا ما روي من الأحاديث النبوية في ذلك في المناسبة الأولى التي ورد فيها هذا التعبير وهو آية سورة الحشر ( ٩ ).
٢ التاج ج ٤ ص ٢٣٨.
٣ تفسير البغوي.
٤ تفسير الطبري.
٥ انظر البغوي والخازن وابن كثير والرواية وردت في ابن كثير.
٦ انظر الطبرسي.
وفي هذه الآيات :
( ١ ) تنبيه للمؤمنين بأن من أزواجهم وأولادهم من يكون عدوا لهم يجب الحذر منه.
( ٢ ) ووصية لهم على كل حال بالعفو والصفح والغفران تأسيا بالله الغفور الرحيم.
( ٣ ) وتنبيه لهم كذلك بأن أموالهم وأولادهم هي بوجه عام امتحان لهم في الاختيار بين واجبهم نحو الله والمصلحة العامة وبين أموالهم وأولادهم. وبأن ما عند الله من الأجر العظيم هو أعظم وأجدى، وبأن من مصلحتهم أن يختاروا ما فيه رضاء الله حتى ينالوا ما عنده.
( ٤ ) وتعقيب على ذلك فيه حث لهم على تقوى الله في اتباع أوامره واجتناب نواهيه جهد استطاعتهم وعلى الطاعة لله ورسوله، وبذل المال في سبيل الله ووجوه البر ففي هذا خاصة خير ونفع لهم. وأن المفلح هو الذي ينجو من شح النفس والبخل. وإنهم إذا أنفقوا فكأنهم يقرضون الله قرضا حسنا سوف يرده عليهم مضاعفا مع غفران ما يلمون به من ذنوب، وهو الشكور لفاعلي الخير الذي يعامل عباده بالحلم والعطف والتسامح العليم بالحاضر والمستقبل المغيب القوي القادر الحكيم الذي يأمر بما فيه الحكمة والصواب.
تعليق على الآية
﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ﴾
والآيات الأربع التي بعدها وما فيها من صور وتلقين.
لقد روى المفسرون روايات عديدة في نزول هذه الآيات أو بالأحرى الآيتين الأوليين١ منها واحدة معزوة إلى ابن عباس ومجاهد جاء فيها أنها نزلت في قوم أرادوا الهجرة، فثبطهم نساؤهم وأولادهم عنها. وقد روى الترمذي هذا في حديث عن ابن عباس فيه زيادة ؛ حيث جاء في الحديث ( هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي فأبى أزواجهم وأولادهم ذلك ومنعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله الآية ) ٢ وثانية معزوة إلى عطاء ابن يسار من كبار علماء التابعين جاء فيها ( أنها نزلت في عوف ابن مالك الأشجعي، كان ذا أهل وولد وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه، وقالوا : إلى من تدعنا فيرق لهم ويقيم ) ٣ وثالثة معزوة إلى عكرمة من علماء التابعين جاء فيها ( كان الرجل يريد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له أهله : إلى أين تذهب وتدعنا ؟ فإذا أسلم وفقه قال : لأرجعن إلى الذين ينهون عن هذا الأمر فلأفعلن ولأفعلن فأنزل الله ﴿ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ١٤ ﴾٤.
وعلى كل حال فروح الآيتين الأوليين ومضمونهما يلهمان أنهما نزلتا في مناسبة مماثلة، ويتبادر لنا أن الآيات متصلة بالآيات السابقة لها، وأن الآيات السابقة جاءت تمهيدا أو مقدمة لها، وفي كلتا المجموعتين أمر بالسمع والطاعة لله ورسوله.
وهذا التشارك بنوع خاص قرينة قوية على الاتصال بين المجموعتين.
ويلحظ أن الخطاب في الآيات موجه إلى جميع المؤمنين ؛ حيث يتبادر من أن هذا أن حكمة التنزيل اقتضت ذلك ليكون الحادث وسيلة لتوجيه الكلام إلى المسلمين جميعهم، ويكون لهم فيه عظة وتنبيه وتحذير على النحو الذي شرحنا به الآيات، وهذا ما جرى عليه التنزيل القرآني مما مر منه أمثلة كثيرة.
والآيات بهذا التعميم والإطلاق مستمرة التلقين والمدى من جميع النواحي بالنسبة لجميع المسلمين في كل ظرف ومكان في المناسبات والمواقف المماثلة.
وواضح من الشرح والمناسبات المروية أن جملة ( عدوا لكم } قد جاءت للتشبيه وتشديد التحذير من التأثر وشدة الشغف بالأزواج والأولاد إلى المدى الذي يشغل المسلم عن واجبه نحو الله ودينه وخلقه أو يجعله يرتكب إثما ومعصية، فلا يصح أخذها على غير هذا المدى.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآيات حديثا رواه الحافظ البزار عن أبي سعيد قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولد ثمر القلوب، وإنهم مجبنة مبخلة محزنة } حيث ينطوي في الحديث تقرير لواقع الأمر والتطابق مع الآيات من حيث كون الأولاد قرة عين، ولكنهم يكونون أحيانا من أسباب جبن الآباء وبخلهم ودواعي الحزن لهم. وقد أورد المفسر حديثا آخر رواه الطبراني عن أبي مالك الأشعري قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس عدوك الذي إن قتلته كان فوزا لك وإن قتلك دخلت الجنة.
ولكن الذي لعله عدو لك ولدك الذي خرج من صلبك، ثم أعدى عدو لك مالك ) والحديث مما تضمنت الآيات تقريره وهدفت إلى التحذير منه كما هو المتبادر.
ولقد قال بعض المفسرين : إن في الآية ﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ تخفيفا عن المسلمين ونسخا لآية آل عمران هذه ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ﴾ ( ١٠٢ ) ورووا عن سعيد ابن جبير ومقاتل والسدي أن المسلمين لما نزلت آية آل عمران اشتدوا في العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم يعني من كثرة الصلاة، فأنزل الله هذه الآية تخفيفا عنهم٥ وقال بعضهم : إنها غير ناسخة وإن حكم الآيتين محكم في الحالات المختلفة ولا تنافي بينها٦ ونحن نرى هذا هو الأوجه إن شاء الله ؛ لأن تقوى الله حق تقاته لا تتضمن تحميلا للمسلم ما ليس له به طاقة فيما نرى ولا سيما أن في الآيات المكية والمدنية التي نزلت قبل نزول آية آل عمران تقريرا ربانيا بأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها. وإنما تعني الإخلاص التام لله ومراقبة مراقبة تامة. ولقد نزلت آية آل عمران في موقف خطير، وفي سياق تضمن تحذيرا للمسلمين إزاء ذلك الموقف على ما شرحناه في سياق تفسيرها فلا محل لربط هذه الآية بتلك.
على أنه يتبادر لنا أن الأوجه المتسق مع روح الآيات وهدفها ومقامها هو صرف الجملة إلى قصد الحث على الاجتهاد في تقوى الله جهد الطاقة وعدم التهاون في ذلك. وهذا لا يتنافى مع القول الذي رجحناه سابقا. والله اعلم.
وتعبير ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ١٦ } يتكرر هنا للمرة الثانية ؛ حيث ينطوي في ذلك توكيد على سوء خلق الشح وعظم فلاح من يكون بريئا منه، وحث على نبذه، وقد أوردنا ما روي من الأحاديث النبوية في ذلك في المناسبة الأولى التي ورد فيها هذا التعبير وهو آية سورة الحشر ( ٩ ).
٢ التاج ج ٤ ص ٢٣٨.
٣ تفسير البغوي.
٤ تفسير الطبري.
٥ انظر البغوي والخازن وابن كثير والرواية وردت في ابن كثير.
٦ انظر الطبرسي.
وفي هذه الآيات :
( ١ ) تنبيه للمؤمنين بأن من أزواجهم وأولادهم من يكون عدوا لهم يجب الحذر منه.
( ٢ ) ووصية لهم على كل حال بالعفو والصفح والغفران تأسيا بالله الغفور الرحيم.
( ٣ ) وتنبيه لهم كذلك بأن أموالهم وأولادهم هي بوجه عام امتحان لهم في الاختيار بين واجبهم نحو الله والمصلحة العامة وبين أموالهم وأولادهم. وبأن ما عند الله من الأجر العظيم هو أعظم وأجدى، وبأن من مصلحتهم أن يختاروا ما فيه رضاء الله حتى ينالوا ما عنده.
( ٤ ) وتعقيب على ذلك فيه حث لهم على تقوى الله في اتباع أوامره واجتناب نواهيه جهد استطاعتهم وعلى الطاعة لله ورسوله، وبذل المال في سبيل الله ووجوه البر ففي هذا خاصة خير ونفع لهم. وأن المفلح هو الذي ينجو من شح النفس والبخل. وإنهم إذا أنفقوا فكأنهم يقرضون الله قرضا حسنا سوف يرده عليهم مضاعفا مع غفران ما يلمون به من ذنوب، وهو الشكور لفاعلي الخير الذي يعامل عباده بالحلم والعطف والتسامح العليم بالحاضر والمستقبل المغيب القوي القادر الحكيم الذي يأمر بما فيه الحكمة والصواب.
تعليق على الآية
﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ﴾
والآيات الأربع التي بعدها وما فيها من صور وتلقين.
لقد روى المفسرون روايات عديدة في نزول هذه الآيات أو بالأحرى الآيتين الأوليين١ منها واحدة معزوة إلى ابن عباس ومجاهد جاء فيها أنها نزلت في قوم أرادوا الهجرة، فثبطهم نساؤهم وأولادهم عنها. وقد روى الترمذي هذا في حديث عن ابن عباس فيه زيادة ؛ حيث جاء في الحديث ( هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي فأبى أزواجهم وأولادهم ذلك ومنعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله الآية ) ٢ وثانية معزوة إلى عطاء ابن يسار من كبار علماء التابعين جاء فيها ( أنها نزلت في عوف ابن مالك الأشجعي، كان ذا أهل وولد وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه، وقالوا : إلى من تدعنا فيرق لهم ويقيم ) ٣ وثالثة معزوة إلى عكرمة من علماء التابعين جاء فيها ( كان الرجل يريد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له أهله : إلى أين تذهب وتدعنا ؟ فإذا أسلم وفقه قال : لأرجعن إلى الذين ينهون عن هذا الأمر فلأفعلن ولأفعلن فأنزل الله ﴿ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ١٤ ﴾٤.
وعلى كل حال فروح الآيتين الأوليين ومضمونهما يلهمان أنهما نزلتا في مناسبة مماثلة، ويتبادر لنا أن الآيات متصلة بالآيات السابقة لها، وأن الآيات السابقة جاءت تمهيدا أو مقدمة لها، وفي كلتا المجموعتين أمر بالسمع والطاعة لله ورسوله.
وهذا التشارك بنوع خاص قرينة قوية على الاتصال بين المجموعتين.
ويلحظ أن الخطاب في الآيات موجه إلى جميع المؤمنين ؛ حيث يتبادر من أن هذا أن حكمة التنزيل اقتضت ذلك ليكون الحادث وسيلة لتوجيه الكلام إلى المسلمين جميعهم، ويكون لهم فيه عظة وتنبيه وتحذير على النحو الذي شرحنا به الآيات، وهذا ما جرى عليه التنزيل القرآني مما مر منه أمثلة كثيرة.
والآيات بهذا التعميم والإطلاق مستمرة التلقين والمدى من جميع النواحي بالنسبة لجميع المسلمين في كل ظرف ومكان في المناسبات والمواقف المماثلة.
وواضح من الشرح والمناسبات المروية أن جملة ( عدوا لكم } قد جاءت للتشبيه وتشديد التحذير من التأثر وشدة الشغف بالأزواج والأولاد إلى المدى الذي يشغل المسلم عن واجبه نحو الله ودينه وخلقه أو يجعله يرتكب إثما ومعصية، فلا يصح أخذها على غير هذا المدى.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآيات حديثا رواه الحافظ البزار عن أبي سعيد قال ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولد ثمر القلوب، وإنهم مجبنة مبخلة محزنة } حيث ينطوي في الحديث تقرير لواقع الأمر والتطابق مع الآيات من حيث كون الأولاد قرة عين، ولكنهم يكونون أحيانا من أسباب جبن الآباء وبخلهم ودواعي الحزن لهم. وقد أورد المفسر حديثا آخر رواه الطبراني عن أبي مالك الأشعري قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس عدوك الذي إن قتلته كان فوزا لك وإن قتلك دخلت الجنة.
ولكن الذي لعله عدو لك ولدك الذي خرج من صلبك، ثم أعدى عدو لك مالك ) والحديث مما تضمنت الآيات تقريره وهدفت إلى التحذير منه كما هو المتبادر.
ولقد قال بعض المفسرين : إن في الآية ﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ تخفيفا عن المسلمين ونسخا لآية آل عمران هذه ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ﴾ ( ١٠٢ ) ورووا عن سعيد ابن جبير ومقاتل والسدي أن المسلمين لما نزلت آية آل عمران اشتدوا في العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم يعني من كثرة الصلاة، فأنزل الله هذه الآية تخفيفا عنهم٥ وقال بعضهم : إنها غير ناسخة وإن حكم الآيتين محكم في الحالات المختلفة ولا تنافي بينها٦ ونحن نرى هذا هو الأوجه إن شاء الله ؛ لأن تقوى الله حق تقاته لا تتضمن تحميلا للمسلم ما ليس له به طاقة فيما نرى ولا سيما أن في الآيات المكية والمدنية التي نزلت قبل نزول آية آل عمران تقريرا ربانيا بأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها. وإنما تعني الإخلاص التام لله ومراقبة مراقبة تامة. ولقد نزلت آية آل عمران في موقف خطير، وفي سياق تضمن تحذيرا للمسلمين إزاء ذلك الموقف على ما شرحناه في سياق تفسيرها فلا محل لربط هذه الآية بتلك.
على أنه يتبادر لنا أن الأوجه المتسق مع روح الآيات وهدفها ومقامها هو صرف الجملة إلى قصد الحث على الاجتهاد في تقوى الله جهد الطاقة وعدم التهاون في ذلك. وهذا لا يتنافى مع القول الذي رجحناه سابقا. والله اعلم.
وتعبير ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ١٦ } يتكرر هنا للمرة الثانية ؛ حيث ينطوي في ذلك توكيد على سوء خلق الشح وعظم فلاح من يكون بريئا منه، وحث على نبذه، وقد أوردنا ما روي من الأحاديث النبوية في ذلك في المناسبة الأولى التي ورد فيها هذا التعبير وهو آية سورة الحشر ( ٩ ).
٢ التاج ج ٤ ص ٢٣٨.
٣ تفسير البغوي.
٤ تفسير الطبري.
٥ انظر البغوي والخازن وابن كثير والرواية وردت في ابن كثير.
٦ انظر الطبرسي.