تفسير سورة الماعون

اللباب
تفسير سورة سورة الماعون من كتاب اللباب في علوم الكتاب المعروف بـاللباب .
لمؤلفه ابن عادل الحنبلي . المتوفي سنة 775 هـ
مكية في قول عطاء، وجابر، وأحد قولي ابن عباس١، ومدنية في قول له آخر، وهو قول قتادة وغيره، وهي سبع آيات، وخمس وعشرون كلمة، ومائة وثلاثة وعشرون حرفا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:فصل فيمن نزلت فيه السورة
نقل أبو صالحٍ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : نزلت في العاص بن وائل السهمي، وهو قول الكلبي ومقاتل٧.
وروى الضحاك عنه قال : نزلت في رجُل من المنافقين٨.
وقال السديُّ : نزلت في الوليد بن المغيرة٩.
[ وقيل في أبي جهل.
وقال الضحاك : في عمرو بن عائذ.
وقال ابن جريج : في أبي سفيان، وكان ينحر في كل أسبوع جزوراً، فطلب منه يتيم شيئاً فقرعه بعصاه، فأنزل الله هذه السورة ]١٠.
قال ابن الخطيب١١ : وقيل : إنه عام في كل مكذب بيوم الدين.


١ ذكره الماوردي في "تفسيره" (٦/٣٥٠)..

مكية في قول عطاء، وجابر، وأحد قولي ابن عباس، ومدنية في قول له آخر، وهو قول قتادة وغيره، وهي سبع آيات، وخمس وعشرون كلمة، ومائة وثلاثة وعشرون حرفا. بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين﴾، أي: بالجزاء، والحساب، وقرأ الكسائي: «أَرَيْتَ» بسقوط الهمزة. وتقدم تحقيقه في «الأنعام».
وقال الزمخشري: وليس بالاختيار، لأن حذفها مختصّ بالمضارع، ولم يصح عن العرب: «رَيْتَ» ولكن الذي سهل من أمرها وقوع حرف الاستفهام في أول الكلام، ونحوه: [الخفيف]
٥٣٢٢ - صَاحِ، هَلْ رَيْتَ أو سَمِعْتَ بِراعٍ رَدَّ فِي الضَّرعِ ما قَرَى في الحِلابِ
وفي «أرأيْتَ» وجهان:
أحدهما: أنها بصرية، فتتعدّى لواحد، وهو الموصول كأنه قال: أبصرت المكذب.
والثاني: أنها بمعنى «أخبرني» فتتعدّى لاثنين، فقدره الحوفي: أليس مستحقًّا عذاب الله.
وقدره الزمخشري: من هو، ويدل على ذلك قراءة عبد الله: «أرأيتك» بكاف الخطاب، والكاف لا تلحق البصرية.
511
قال القرطبي: «وفي الكلام حذف والمعنى: أرأيت الذي يكذب بالدين، أمصيب هو، أو مخطئ».

فصل فيمن نزلت فيه السورة


نقل أبو صالحٍ عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قال: نزلت في العاص بن وائل السهمي، وهو قول الكلبي ومقاتل.
وروى الضحاك عنه قال: نزلت في رجُل من المنافقين.
وقال السديُّ: نزلت في الوليد بن المغيرة.
[وقيل في أبي جهل.
وقال الضحاك: في عمرو بن عائذ.
وقال ابن جريج: في أبي سفيان، وكان ينحر في كل أسبوع جزوراً، فطلب منه يتيم شيئاً فقرعه بعصاه، فأنزل الله هذه السورة].
قال ابن الخطيب: وقيل: إنه عام في كل مكذب بيوم الدين.
قوله: ﴿فَذَلِكَ﴾، فيه وجهان:
أحدهما: أن الفاء جواب شرط مقدر، أي: طلبت علمه فذلك.
والثاني: أنها عاطفة «فَذلِكَ» على «الَّذي يُكذِّبُ» إما عطف ذات على ذات، أو صفة على صفة ويكون جواب «أرَأيْتَ» محذوفاً لدلالة ما بعده عليه كأنه قيل: أخبرني، وإما تقول فيمن يكذب بالجزاء، وفيمن يؤذي اليتيم، ولا يطعم المسكين أنِعْمَ ما يصنع؟.
فعلى الأول يكون اسم الإشارة في محل رفع بالابتداء، والخبر الموصول بعده، وإما على أنه خبر لمبتدأ مضمر، أي: فهو ذلك، والموصول نعته.
وعلى الثاني: أن يكون منصوباً بالنسق، على ما هو منصوب، إلا أن أبا حيان رد الثاني فقال: جعل «فَذلِكَ» في موضع نصب على المفعول، وهو تركيب غريب كقولك: «أكرمت الذي يزورنا فذلك الذي يحسن إلينا» فالمتبادر إلى الذهن أن «فَذلِكَ»
512
مرفوع بالابتداء، وعلى تقدير النصب يكون التقدير: أكرمت الذي يزورنا، فأكرمت ذلك الذي يحسن إلينا، فاسم الإشارة في هذا التقدير غير متمكِّن تمكن ما هو فصيح، إذ لا حاجة إلى أن يشار إلى «الذي يزورنا»، بل الفصيح: أكرمت الذي يزورنا، فالذي يحسن إلينا، أو «أكرمت الذي يزورنا، فيحسن إلينا»، وأما قوله: «إما عطف ذات على ذات»، فلا يصح؛ لأن «فذلك» إشارة إلى «الَّذي يُكذِّبُ» فليسا بذاتين؛ لأن المشار إليه بقوله: «فَذلِكَ» هو واحد، وأما قوله: «ويكون جواب أرأيت محذوفاً» فلا يسمَّى جواباً، بل هو في موضع المفعول الثاني ل «أرأيت»، وأما تقديره «أنعمَ ما يصنع» فهمزة الاستفهام لا نعلم دخولها على «نِعْمَ»، ولا «بِئْسَ»، لأنهما إنشاء، والاستفهام لا يدخل إلا علىلخبر، انتهى.
[والجواب عن قوله: «فاسم الإشارة غير متمكن» إلى آخره، أن الفرق بينهما أن في الآية الكريمة استفهاماً وهو «أرأيتَ» فحسن أن يفسر ذلك المستفهم منه بخلاف المثال الذي مثل به، فمن ثم حسن التركيب المذكور، وعن قوله: «لأن» فذلك إشارة إلى القائم لا إلى زيد، وإن كان يجوز أن يكون إشارة إليه، وعن قوله: «فلا يسمى جواباً» أن النحاة يقولون: جواب الاستفهام، وهذا قد تقدمه استفهام فحسن ذلك]، وعن قوله: «والاستفهام لا يدخل إلا على الخبر» بالمعارضة بقوله: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ﴾ [محمد: ٢٢] فإن «عسى» إنشاء فما كان جواباً له، فهو جوابٌ لنا.

فصل


قال ابن الخطيب: هذا اللفظ، وإن كان في صورة الاستفهام، لكن الغرض بمثله المبالغة في التعجب كقولك: أرأيت فلاناً ماذا ارتكب.
ثم قيل: إنه خطاب للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ.
وقيل: خطاب لكل عاقل.
قوله: ﴿يَدُعُّ اليتيم﴾ قرأ العامة: بضم الدَّال، وتشديد العين من «دعَّه» أي: دفعه، وأمير المؤمنين والحسن وأبو رجاء: «يَدعُ» بفتح الدال وتخفيف العين.

فصل


قال الضحاك عن ابن عباس: ﴿فذلِكَ الذي يدعُّ اليَتِيمَ﴾، أي: يدفعه عن حقه، قال تعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور: ١٣].
513
[قال قتادة: يقهره ويظلمه، وقد تقدم في سورة «النساء» أنهم كانوا لا يورثون النساء، ولا الصغار، ويقولون: إنما يجوز المال من يطعن بالسنان ويضرب بالحسام].
وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «مَنْ ضمَّ يَتِيْماً مِنَ المُسْلمينَ، حَتَّى يَسْتَغْنِي فَقدْ وجَبَتْ لهُ الجَنَّة».
قوله: ﴿وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين﴾، أي: لا يأمر به من أجل بخله، وتكذيبه الجزاء، والحساب.
وقرأ زيد بن علي: «ولا يحاضّ» من المحاضة. وقد تقدم في الفجر.
قال القرطبي: «وليس الذم عامًّا حتى يتناول من تركه عجزاً، ولكنهم كانوا يبخلون ويعتذرون لأنفسهم، ويقولون: ﴿أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ الله أَطْعَمَهُ﴾ [يس: ٤٧] فنزلت هذه الآية فيهم، فيكونُ معنى الآية: لا يفعلونه إن قدروا، ولا يحثون عليه إن عسروا».
514
قوله :﴿ فَذَلِكَ ﴾، فيه وجهان :
أحدهما : أن الفاء جواب شرط مقدر، أي : طلبت علمه فذلك.
والثاني : أنها عاطفة «فَذلِكَ » على «الَّذي يُكذِّبُ » إما عطف ذات على ذات، أو صفة على صفة، ويكون جواب «أرَأيْتَ » محذوفاً لدلالة ما بعده عليه، كأنه قيل : أخبرني، وإما تقول فيمن يكذب بالجزاء، وفيمن يؤذي اليتيم، ولا يطعم المسكين : أنِعْمَ ما يصنع ؟
فعلى الأول يكون اسم الإشارة في محل رفع بالابتداء، والخبر الموصول بعده، وإما على أنه خبر لمبتدأ مضمر، أي : فهو ذلك، والموصول نعته.
وعلى الثاني : أن يكون منصوباً بالنسق، على ما هو منصوب، إلا أن أبا حيان رد الثاني فقال١ : جعل «فَذلِكَ » في موضع نصب على المفعول، وهو تركيب غريب، كقولك :«أكرمت الذي يزورنا فذلك الذي يحسن إلينا »، فالمتبادر إلى الذهن أن «فَذلِكَ » مرفوع بالابتداء، وعلى تقدير النصب يكون التقدير : أكرمت الذي يزورنا، فأكرمت ذلك الذي يحسن إلينا، فاسم الإشارة في هذا التقدير غير متمكِّن تمكن ما هو فصيح، إذ لا حاجة إلى أن يشار إلى «الذي يزورنا »، بل الفصيح : أكرمت الذي يزورنا، فالذي يحسن إلينا، أو «أكرمت الذي يزورنا، فيحسن إلينا »، وأما قوله :«إما عطف ذات على ذات »، فلا يصح ؛ لأن «فذلك » إشارة إلى «الَّذي يُكذِّبُ » فليسا بذاتين ؛ لأن المشار إليه بقوله :«فَذلِكَ » هو واحد، وأما قوله :«ويكون جواب أرأيت محذوفاً » فلا يسمَّى جواباً ؛ بل هو في موضع المفعول الثاني ل «أرأيت »، وأما تقديره «أنعمَ ما يصنع » فهمزة الاستفهام لا نعلم دخولها على «نِعْمَ »، ولا «بِئْسَ » ؛ لأنهما إنشاء، والاستفهام لا يدخل إلا على الخبر، انتهى.
[ والجواب عن قوله :«فاسم الإشارة غير متمكن » إلى آخره، أن الفرق بينهما أن في الآية الكريمة استفهاماً وهو «أرأيتَ »، فحسن أن يفسر ذلك المستفهم منه بخلاف المثال الذي مثل به، فمن ثم حسن التركيب المذكور، وعن قوله :«لأن » فذلك إشارة إلى القائم لا إلى زيد، وإن كان يجوز أن يكون إشارة إليه، وعن قوله :«فلا يسمى جواباً » أن النحاة يقولون : جواب الاستفهام، وهذا قد تقدمه استفهام فحسن ذلك ]٢، وعن قوله :«والاستفهام لا يدخل إلا على الخبر » بالمعارضة بقوله :﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ ﴾ [ محمد : ٢٢ ] فإن «عسى » إنشاء فما كان جواباً له، فهو جوابٌ لنا.

فصل


قال ابن الخطيب٣ : هذا اللفظ، وإن كان في صورة الاستفهام، لكن الغرض بمثله المبالغة في التعجب كقولك : أرأيت فلاناً ماذا ارتكب.
ثم قيل : إنه خطاب للرسول عليه الصلاة والسلام.
وقيل : خطاب لكل عاقل.
قوله :﴿ يَدُعُّ اليتيم ﴾ قرأ العامة : بضم الدَّال، وتشديد العين من «دعَّه » أي : دفعه، وأمير المؤمنين والحسن٤ وأبو رجاء :«يَدعُ » بفتح الدال وتخفيف العين.

فصل


قال الضحاك عن ابن عباس :﴿ فذلِكَ الذي يدعُّ اليَتِيمَ ﴾، أي : يدفعه عن حقه٥، قال تعالى :﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴾ [ الطور : ١٣ ].
[ قال قتادة : يقهره ويظلمه، وقد تقدم في سورة «النساء » أنهم كانوا لا يورثون النساء، ولا الصغار، ويقولون : إنما يجوز المال من يطعن بالسنان ويضرب بالحسام ]٦.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«مَنْ ضمَّ يَتِيْماً مِنَ المُسْلمينَ، حَتَّى يَسْتَغْنِي فَقدْ وجَبَتْ لهُ الجَنَّة »٧.
١ البحر المحيط ٨/٥١٨..
٢ سقط من: أ..
٣ الفخر الرازي ٣٢/١٠٤..
٤ ينظر: المحرر الوجيز ٥/٥٢٧، والبحر المحيط ٨/٥١٨، والدر المصون ٦/٥٧٥..
٥ وروي من رواية العوفي عنه أخرجه الطبري في "تفسيره" (١٢/٧٠٤)..
٦ سقط من: ب..
٧ تقدم تخريجه في سورة الضحى..
قوله :﴿ وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين ﴾، أي : لا يأمر به من أجل بخله، وتكذيبه الجزاء، والحساب.
وقرأ زيد١ بن علي :«ولا يحاضّ » من المحاضة. وقد تقدم في الفجر.
قال القرطبي٢ :«وليس الذم عامًّا حتى يتناول من تركه عجزاً، ولكنهم كانوا يبخلون ويعتذرون لأنفسهم، ويقولون :﴿ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ الله أَطْعَمَهُ ﴾ [ يس : ٤٧ ] فنزلت هذه الآية فيهم، فيكونُ معنى الآية : لا يفعلونه إن قدروا، ولا يحثون عليه إن عسروا ».
١ ينظر: البحر المحيط ٨/٥١٨، والدر المصون ٦/٥٧٥..
٢ الجامع لأحكام القرآن ٢٠/١٤٤..
قوله: ﴿فَوَيْلٌ﴾ مبتدأ، ومعناه: عذابٌ لهم، وقوله: ﴿لِّلْمُصَلِّينَ﴾ خبر والفاء للسبب، أي: تسبب عن هذه الصفات الذَّميمة الدعاء عليهم بالويل.
قال الزمخشريُّ بعد قوله: «كأنه قيل: أخبرني» : وما تقول فيمن يكذب بالدين أنعم ما يصنع، ثم قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ﴾ على معنى: فويل لهم، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم؛ لأنهم كانوا مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين غير مزكين أموالهم.
فإن قلت: كيف جعلت المصلين قائماً مقام الضمير ﴿الذي يُكذِّبُ بالدينِ﴾، وهو واحد؟ قلت: معناه الجمع؛ لأن المراد الجنس. قال أبو حيان: وأما وضعه المصلين موضع الضمير، وأن «المُصلِّينَ» جمع، لأن ضمير «الذي يُكذِّبُ» معناه الجمع، فتكلُّف واضح، ولا ينبغي أن يحمل القرآن إلاَّ ما عليه الظَّاهر، وعادة هذا الرجل يتكلف أشياء في فهم القرآن ليست بواضحة.
قال شهاب الدين: وعادة هذا الرجل التَّحامل على الزمخشري، حتى يجعل حسنهُ قبيحاً، وطيف يرد ما له، وفيه ارتباط الكلام بعضه ببعض، وجعله شيئاً واحداً، وما
514
تضمنه من المبالغة في الوعيد في إبراز وصفهم الشنيع، ولا شكَّ أن الظاهر من الكلام أن السورة كلها في وصف قد جمعوا بين هذه الأوصاف كلها من التكذيب بالدين، ودفع اليتيم، وعدم الحضّ على طعام المسكينِ، والسهو في الصلاة، والمراءاة ومنع الخيرِ.
قوله: ﴿الذين هُمْ﴾، يجوز أن يكون مرفوع المحل، وأن يكون منصوبه، وأن يكون مجروره، تابعاً أو بدلاً أو بياناً، وكذلك الموصول الثاني، إلاَّ أنه يحتمل ان يكون تابعاً للمصلين، وأن يكون تابعاً للموصول الأول.
وقوله: ﴿يُرَآءُونَ﴾ أصله: يرائيون ك «يقاتلون»، ومعنى المراءاة: أي: أن المرائي يُري النَّاس عمله، وهم يرون الثَّناء عليه، فالمفاعلة فيها واضحة، وقد تقدم تحقيقه.

فصل في اتصال هذه الآية بما قبلها


في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه:
الأول: أنه لما كان إيذاء اليتيم، والمنع من بذل طعام المسكين، دليلاً على النفاق، كانت هاتين الخصلتين معاملة مع المخلوق.
والثاني: أنه تعالى لما ذكر هاتين الخصلتين مع التكذيب بيوم الدين، قال: أليس الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ فقال: ويلٌ له من هذه الصلاة، كيف لا تنهاه عن هذه الأفعال المنكرة.
والثالث: كأنه يقول: إقدامه على إيذاء اليتيم، وتركه للحث على طعام المسكين تقصير في الشَّفقة على خلق الله تعالى، وسهوه في الصلاة تقصير في التعظيم لأمر الله تعالى، فلما وقع التقصير في الأمرين كملتْ شقاوته.

فصل في المراد بالمرائي في الصلاة


قال ابنُ عباس: هو المصلي، الذي إذا صلّى لم يرجُ لها ثواباً، وإن تركها لم يخشَ عليها عقاباً.
وعنه أيضاً: الذين يؤخرونها عن أوقاتها.
قال سعد بن أبي وقَّاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾ :«الَّذينَ يُؤخِّرُون الصَّلاة عَنْ وقْتِهَا تهَاوُناً بِهَا».
515
وقيل: لا يتمُّون ركوعها، ولا سجودها.
وقال إبراهيم: هو الذي يلتفت في سجوده. وقال قطربٌ: هو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله، وفي قراءة عبد الله: «الذين هم عن صلاتهم لاهون».
[وعن ابن عباس أيضاً: هم المنافقون يتركون الصلاة سراً، ويصلونها علانية، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى الآية، وهذا يدل على أنها في المنافقين قوله: ﴿الذين هُمْ يُرَآءُونَ﴾، ورواه ابن وهب عن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْه].

فصل


قال ابن عبَّاس: ولو قال: «في صلاتهم ساهون» لكانت في المؤمنين، وقال عطاء: الحمد لله الذي قال: ﴿عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾ ولم يقل: في صلاتهم، فدل على أن الآية في المنافقين.
قال الزمخشريُّ: فإن قلت: أي فرق بين قوله تعالى: ﴿عَن صَلاَتِهِمْ﴾ وبين قوله: «في صلاتهم» ؟.
قلت: معنى «عَنْ» أنهم ساهون عنها سهو ترك لها، وقلة التفات إليها، وذلك فعل المنافقين، أو الفسقة الشطار من المسلمين، ومعنى «فِي» أن السَّهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان، أو حديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه إنسان، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقع له السَّهْوُ في صلاته فضلاً عن غيره.
قال ابن الخطيب: قال كثير من العلماء: إنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما سها في صلاته لكن أذن الله له في ذلك الفعل بياناً للتشريع في فعل السَّاهي، ثم بتقدير وقوع السهو منه، فالسهو على أقسام:
516
أحدها: سهو الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - وأصحابه، وذلك يجبر بالسنن تارة، وبالسُّنن والنوافل تارة.
والثاني: ما يكثر في الصلاة من الغفلة، وعدم استحضار النِّيَّة، وهذا يقع كثيراًَ.
والثالث: ترك الصَّلاة، لا إلى قضاء الإخراج من الوقت، ومن ذلك صلاة المُنافق؛ لأنه يستهزئ بالدين، والفرق بين المُنافق والمُرائي: أنَّ المنافق يبطن الكفر ويظهر الإيمان والمرائي: إنما يظهرُ زيادة الخُشُوع ليعتقد من يراه دينه، أو يقال: إن المنافق لا يصلي سراً، والمرائي تكون صلاته عند النَّاس.
قال ابن العربي: السَّلامة عند السَّهو محال.
قوله: ﴿الذين هُمْ يُرَآءُونَ﴾، أي: يُري الناس أنه يصلي طاعة، وهو يصلي تقيَّة كالفاسق، يري أنه يصلي عبادة، وهو يصلي ليقال: إنه يصلي، وحقيقة الرِّياء: طلب ما في الدنيا بالعبادة، وأصله: طلب المنزلةِ في قُلوب الناس، وهو من وجوه:
أولها: تحسين السَّمت، يريد بذلك الجاه، والثناء.
وثانيها: الرياء بالثياب القصار والخشنة ليتشبه بالزهادِ.
وثالثها: إظهار السخط على الدنيا، وإظهار الوعظ، والتأسّف على فوات الخير والطاعة.
ورابعها: إظهار الصلاة، والصدقة، وتحسين الصلاة، لأجل رؤية الناس، وغير ذلك مما يطول ذكره.

فصل في الرياء


لا يكون الرجل مُرائياً بإظهار العمل المفروض، لأن حق الفرائض الإعلان وإشهارها لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «ولا غمةُ فِي فَرائضِ اللهِ»، ولأنها أعلام الإسلام وشرائع الدين، ويستحق تاركها الذم، والمَقْت، فوجب إماطة التُّهمة بإظهارها، وأما التطوع فحقه أن يخفى؛ لأنه مما لا يلام بتركه، ولا تهمة فيه، فإن أظهره قاصداً للاقتداء كان جميلاً، وإن قصد بإظهاره أن الأعين تنظر إليه، ويثنى عليه بالصَّلاح فهو الرياء.
قوله: ﴿وَيَمْنَعُونَ الماعون﴾. في «المَاعُون» أوجه:
أحدها: «فاعول» من المعن، وهو الشيء القليل، يقال: ما له معنة، أي: قليل، قاله قطربٌ.
الثاني: أنه اسم مفعول من أعانه يعينه [والأصل: مَعُون، وكان من حقّه على هذا أن يقال: معون ك «مقول» و «مصون» اسم مفعول من: قال وصان، ولكن قلبت الكلمة بأن قدمت عينها قبل فائها، فصار موعون، ثم قلبت الواو الأولى الفاً كقولهم تاب وصام في توبة وصومة، فوزنه الآن مفعول، وفيه شذوذ معان كقام، وأما مفعول فاسم مفعول الثلاثي.
517
الثاني: القلب وهو خلاف الأصل.
الثالث: قلب حرف العلة ألفاً وإن لم يتحرك، وقياسه على تابه وصامه بعيد لشذوذ المقيس عليه، وقد يجاب عن الثالث بأن الواو متحركة في الأصل قبل القلب، فإنه بزنة معوون الوجه].
والثالث: أن أصله «معونة» والألف عوض عن الهاء.
ووزنه «مفعل» ك «ملوم»، ووزنه بعد الزيادة «مافعل».

فصل في تفسير الماعون


اختلف المفسرون في «الماعون»، وأحسنها: أنه كان يستعان به، وينتفع به كالفأس والدلو، والمقدحة.
قال الأعشى: [المتقارب]
٥٣٢٣ - بأجْودَ مِنهُ بِمَاعُونهِ إذَا ما سَماؤهُمُ لَمْ تَغِمْ
ولم يذكر المفعول للمنع، إما للعلم به، أي: يمنعون النَّاس، أو الطالبين، وإما لأن الغرض ذكر ما يمنعونه، تنبيهاً لخساستهم، وضَنّهم بالأشياء النافعة المستقبح منها عند كل أحد.
فإن قيل: هذه الآية تدلُّ على التهديد العظيم بالسَّهو عن الصَّلاة، والرياء، ومنع الماعُون، وذلك من باب الذنوب، ولا يصير المرء به منافقاً، فلم حكم الله بمثل هذا الوعيد على هذا الفعل؟ فالجواب من وجوه:
الأول: قال ابن الخطيب: المراد بالمصلين هنا المنافقون الذين يأتون بهذه الأفعال وعلى هذا التقدير: دلّت الآية على أن الكافر له مزيد عقوبة على فعل محظورات الشرعِ، وتركه واجبات الشَّرع، وذلك يدل على أنًّ الكفار مخاطبون بفروع الإسلام.
الثاني: قيل لعكرمة: من منع شيئاً من المتاع كان له الويلُ؟ فقال: لا، ولكن من جمع ثلاثتهن فله الويل، يعني: ترك الصلاةِ، وفعل الرياء، وترك الماعون.
روى الثعلبي عن أبيّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «مَنْ قَرَأ سُورَةَ ﴿أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين﴾ غَفرَ اللهُ لهُ إنْ كَان مُؤدِّياً للزَّكَاةِ» والله تعالى أعلم.
518
سورة الكوثر
519
قال سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ :«الَّذينَ يُؤخِّرُون الصَّلاة عَنْ وقْتِهَا تهَاوُناً بِهَا »١.
وقيل : لا يتمُّون ركوعها، ولا سجودها.
وقال إبراهيم : هو الذي يلتفت في سجوده. وقال قطربٌ : هو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله، وفي قراءة عبد الله :«الذين هم عن صلاتهم لاهون »٢.
[ وعن ابن عباس أيضاً : هم المنافقون يتركون الصلاة سراً، ويصلونها علانية﴿ وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ﴾ الآية، وهذا يدل على أنها في المنافقين قوله :﴿ الذين هُمْ يُرَآءُونَ ﴾، ورواه ابن وهب عن مالك رضي الله عنه ]٣.

فصل


قال ابن عبَّاس : ولو قال :«في صلاتهم ساهون » لكانت في المؤمنين٤، وقال عطاء : الحمد لله الذي قال :﴿ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ ولم يقل : في صلاتهم، فدل على أن الآية في المنافقين٥.
قال الزمخشريُّ٦ : فإن قلت : أي فرق بين قوله تعالى :﴿ عَن صَلاَتِهِمْ ﴾ وبين قوله :«في صلاتهم » ؟
قلت : معنى «عَنْ » أنهم ساهون عنها سهو ترك لها، وقلة التفات إليها، وذلك فعل المنافقين، أو الفسقة الشطار من المسلمين، ومعنى «فِي » أن السَّهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان، أو حديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه إنسان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقع له السَّهْوُ في صلاته فضلاً عن غيره.
قال ابن الخطيب٧ : قال كثير من العلماء : إنه صلى الله عليه وسلم ما سها في صلاته، لكن أذن الله له في ذلك الفعل بياناً للتشريع في فعل السَّاهي، ثم بتقدير وقوع السهو منه، فالسهو على أقسام :
أحدها : سهو الرسول - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه، وذلك يجبر بالسنن تارة، وبالسُّنن والنوافل تارة.
والثاني : ما يكثر في الصلاة من الغفلة، وعدم استحضار النِّيَّة، وهذا يقع كثيراًَ.
والثالث : ترك الصَّلاة، لا إلى قضاء الإخراج من الوقت، ومن ذلك صلاة المُنافق ؛ لأنه يستهزئ بالدين، والفرق بين المُنافق والمُرائي : أنَّ المنافق يبطن الكفر ويظهر الإيمان، والمرائي : إنما يظهرُ زيادة الخُشُوع ليعتقد من يراه دينه، أو يقال : إن المنافق لا يصلي سراً، والمرائي تكون صلاته عند النَّاس.
قال ابن العربي : السَّلامة عند السَّهو محال.
قوله :﴿ الذين هُمْ يُرَآءُونَ ﴾، أي : يُري الناس أنه يصلي طاعة، وهو يصلي تقيَّة كالفاسق، يري أنه يصلي عبادة، وهو يصلي ليقال : إنه يصلي، وحقيقة الرِّياء : طلب ما في الدنيا بالعبادة، وأصله : طلب المنزلةِ في قُلوب الناس، وهو من وجوه :
أولها : تحسين السَّمت، يريد بذلك الجاه، والثناء.
وثانيها : الرياء بالثياب القصار والخشنة ليتشبه بالزهادِ.
وثالثها : إظهار السخط على الدنيا، وإظهار الوعظ، والتأسّف على فوات الخير والطاعة.
ورابعها : إظهار الصلاة، والصدقة، وتحسين الصلاة ؛ لأجل رؤية الناس، وغير ذلك مما يطول ذكره.

فصل في الرياء


لا يكون الرجل مُرائياً بإظهار العمل المفروض ؛ لأن حق الفرائض الإعلان وإشهارها لقوله صلى الله عليه وسلم :«ولا غمةُ فِي فَرائضِ اللهِ »، ولأنها أعلام الإسلام وشرائع الدين، ويستحق تاركها الذم، والمَقْت، فوجب إماطة التُّهمة بإظهارها، وأما التطوع فحقه أن يخفى ؛ لأنه مما لا يلام بتركه، ولا تهمة فيه، فإن أظهره قاصداً للاقتداء كان جميلاً، وإن قصد بإظهاره أن الأعين تنظر إليه، ويثنى عليه بالصَّلاح فهو الرياء.
١ أخرجه الطبري في "تفسيره" (١٢/٧٠٦)، والبزار (٣٩٢ – كشف)، والبيهقي (٢/٢١٤)، مرفوعا.
قال البيهقي : وهذا الحديث إنما يصح مرقوفا. والموقوف أخرجه الطبري (١٢/٦ -٧)، والبيهقي (٢/٢١٤)، وأبو يعلى (٢/٦٤)، عن سعد. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد)، وقال: رواه أبو يعلى وإسناده حسن. وذكره مرفوعا (٧/١٤٣)، وقال: رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه عكرمة بن إبراهيم وهو ضعيف جدا.
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (٦/٦٨٣)، مرفوعا وموقوفا. وزاد نسبته المرفوع إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه. أما الموقوف فزاد نسبته إلى الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن مردويه..

٢ ينظر المحرر الوجيز ٥/٥٢٧..
٣ سقط من: ب..
٤ ذكره القرطبي في "تفسيره" (٢٠/١٤٤)..
٥ أخرجه الطبري في "تفسيره" (١٢/٧٠٨)، عن عطاء بن يسار وذكره السيوطي في "الدرالمنثور" (٦/٦٨٣)، وعزاه إلى الطبري..
٦ الكشاف ٤/٨٠٥..
٧ الفخر الرازي ٣٢/١٠٧..
قوله :﴿ وَيَمْنَعُونَ الماعون ﴾. في «المَاعُون » أوجه :
أحدها :«فاعول » من المعن، وهو الشيء القليل، يقال : ما له معنة، أي : قليل، قاله قطربٌ.
الثاني : أنه اسم مفعول من أعانه يعينه [ والأصل : مَعُون، وكان من حقّه على هذا أن يقال : معون ك «مقول » و«مصون » اسم مفعول من : قال وصان، ولكن قلبت الكلمة بأن قدمت عينها قبل فائها، فصار موعون، ثم قلبت الواو الأولى ألفا كقولهم تاب وصام في توبة وصومة، فوزنه الآن مفعول، وفيه شذوذ معان كقام، وأما مفعول فاسم مفعول الثلاثي.
الثاني : القلب، وهو خلاف الأصل.
الثالث : قلب حرف العلة ألفاً وإن لم يتحرك، وقياسه على تابه وصامه بعيد لشذوذ المقيس عليه، وقد يجاب عن الثالث بأن الواو متحركة في الأصل قبل القلب، فإنه بزنة معوون الوجه ]١.
والثالث : أن أصله «معونة »، والألف عوض عن الهاء.
ووزنه «مفعل » ك «ملوم »، ووزنه بعد الزيادة «مافعل ».

فصل في تفسير الماعون


اختلف المفسرون في «الماعون »، وأحسنها : أنه ما كان يستعان به، وينتفع به كالفأس والدلو، والمقدحة.
قال الأعشى :[ المتقارب ]
٥٣٢٣- بأجْودَ مِنهُ بِمَاعُونهِ إذَا ما سَماؤهُمُ لَمْ تَغِمْ٢
ولم يذكر المفعول للمنع، إما للعلم به، أي : يمنعون النَّاس، أو الطالبين، وإما لأن الغرض ذكر ما يمنعونه، تنبيهاً لخساستهم، وضَنّهم بالأشياء النافعة المستقبح منها عند كل أحد.
فإن قيل : هذه الآية تدلُّ على التهديد العظيم بالسَّهو عن الصَّلاة، والرياء، ومنع الماعُون، وذلك من باب الذنوب، ولا يصير المرء به منافقاً، فلم حكم الله بمثل هذا الوعيد على هذا الفعل ؟ فالجواب من وجوه :
الأول : قال ابن الخطيب٣ : المراد بالمصلين هنا المنافقون الذين يأتون بهذه الأفعال، وعلى هذا التقدير : دلّت الآية على أن الكافر له مزيد عقوبة على فعل محظورات الشرعِ، وتركه واجبات الشَّرع، وذلك يدل على أنًّ الكفار مخاطبون بفروع الإسلام.
الثاني : قيل لعكرمة : من منع شيئاً من المتاع كان له الويلُ ؟ فقال : لا، ولكن من جمع ثلاثتهن فله الويل، يعني : ترك الصلاةِ، وفعل الرياء، وترك الماعون.
١ سقط من: ب..
٢ ينظر ديوانه (٢١٧٠)، والقرطبي ٢٠/١٤٥، والبحر ٨/٥١٥، والدر المصون ٦/٥٧٦..
٣ الفخر الرازي ٣٢/١٠٧..
Icon