تفسير سورة الماعون

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الماعون من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة الماعون
مكية، وهي سبع آيات.

﴿ أرأيت الذي يكذب بالدّين ١ ﴾ الاستفهام للتعجب، والرؤية بمعنى الإبصار والمعرفة، فاقتصر على مفعول واحد، وهو الموصول مع الصلة. وقال في البحر المواج : الاستفهام للتقرير، والرؤية بمعنى العلم، والموصول خبر محذوف، يعني ذلك تقديره أرأيت ذلك الذي يكذب بالدين. قال مقاتل : نزلت في العاص بن وائل السهمي، وقال السدي ومقاتل وابن كيسان : هو الوليد بن مغيرة، وقال الضحاك : نزلت في عمرو بن عائد المخزومي، فصدر السورة على هذا الأقوال مكية، وآخر السورة مدنية، كذا قيل. وقال عطاء عن ابن عباس :﴿ أرأيت الذي يكذب بالدّين ﴾ نزلت في رجل من المنافقين، فالموصول للعهد، وقيل : للجنس ﴿ بالدّين ﴾ أي بالإسلام وبالجزاء.
﴿ فذلك ﴾ خبر مبتدأ محذوف تقديره فهو ذلك، والفاء للسببية، والجملة في مقام التعليل للجملة السابقة، وقيل : الفاء جزائية، والشرط محذوف تقديره أرأيت وعرفت الذي يكذب بالدين، فإن لم تعرفه فهو ذلك ﴿ الذي يدعُّ اليتيم ﴾ أي يقهره ويدفعه عن حقه، والدفع بالعنف.
﴿ ولا يحضُّ على طعام المسكين ٣ ﴾ أي لا يأمر نفسه وأهله وغيره بإطعامه ؛ لأنه يكذب بالجزاء.
﴿ فويل للمصلّين ٤ الذين هم عن صلاتهم ساهون ٥ ﴾ الفاء جزائية، يعني إذا كان عدم المبالاة باليتيم من ضعف الدين، والموجب للذم والتوبيخ، فالسهو عن الصلاة التي هي عماد الدين، والرياء الذي هو شعبة الكفر، ومنع الزكاة التي هي قنطرة الإسلام، أولى بذلك، ولذلك رتب عليه الويل، أو للسببية على معنى فويل لهم. وإنما وضع المصلين موضع الضمير للدلالة على معاملتهم مع الخالق. وساهون : أي غافلون غير مبالين به. روى البغوي بسنده عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ﴿ الذين هم عن صلاتهم ساهون ﴾ ؟ قال :" إضاعة الوقت ". وفي رواية ابن جرير وأبي يعلى قال :" هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ". قال أبو العالية : يصلونها لمواقيتها، ولا يتمون ركوعها وسجودها. وقال قتادة : ساه عنها، لا يبالي صلى أو لم يصل. قيل : لا يرجون ثوابا إن صلوا، ولا يخافون عليها عقابا إن تركوا. وقال مجاهد : غافلون فيها، متهاونون بها. وقال الحسن : وهو الذي إن صلاها صلاها رياء، وإن فاتته لم يندم.
﴿ الذين هم يراءون ٦ ﴾ مفاعلة من الرؤية، أي يراؤون الناس أعمالهم ليروا الثناء عليها. قال عليه السلام :" من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك " رواه أحمد عن شداد بن أوس.
﴿ ويمنعون الماعون ٧ ﴾ قال قطرب : الماعون في الأصل الشيء القليل والمراد ها هنا الزكاة، كذا روي عن علي وابن عمر والحسن وقتادة والضحاك، وإنما سمى الزكاة ماعوناً لكونها قليلا من الكثير، وقال ابن مسعود : الماعون الفأس والدلو والقدر وأشباه ذلك، وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس. وقال مجاهد : الماعون : العارية. وقال عكرمة : أعلاها الزكاة المفروضة، وأدناها عارية المتاع. وقال محمد بن كعب والكلبي : الماعون : المعروف الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم. وقيل : الماعون ما لا يحل منعه، مثل الماء والملح والنار. قال : قلت : يا رسول الله، هذا الماء، فما بال الملح والنار ؟ قال :" يا حميراء، من أعطى نارا فكأنما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار. من أعطى ملحاً فكأنما تصدق بجميع ما طيب ذلك الملح. ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث يوجد الماء فكأنما أحياها " ١ رواه ابن ماجه، وأخرج ابن المنذر من طريق أبي طلحة عن ابن عباس قال : قوله تعالى :﴿ فويل للمصلّين ٤ ﴾ الخ نزلت في المنافقين، كانوا يراؤون المؤمنين بصلواتهم إذا حضروا، ويتركونها إذا غابوا، ويمنعون العارية، قال في المدارك : روي عن أنس والحصن قالا : الحمد لله الذي قال :﴿ عن صلاتهم ساهون ﴾ ولم يقل في صلاتهم ساهون ؛ لأن معنى ( عن ) سهو ترك وإعراض عنها وقلة التفات إليها، وذلك فعل المنافقين، ومعنى ( في ) ما يقع في الصلاة من حديث النفس ووسوسة الشيطان، والحكم في ذلك التعوذ، ودفع الوسوسة ما استطاع، والعفو فيما لم يستطع. عن عثمان بن أبي العاص قال : قلت : يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بين صلاتي وبين قراءتي، يلبسها علي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ذاك شيطان يقال لها خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثا "، ففعلت ذلك، فأذهبه الله عني )٢ رواه مسلم، وعن القاسم بن محمد أن رجلا سأله فقال : إني آهِمُ في صلاتي فيكثر ذلك علي، فقال :" امض في صلاتك، فإنه لم يذهب ذلك عنك حتى تنصرف، وتقول : ما أتممت صلاتي "، والله تعالى أعلم.
١ أخرجه ابن ماجه في كتاب: الرهون، باب: المسلمون شركاء في ثلاث (٢٤٧٤)، وهو ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان..
٢ أخرجه مسلم في كتاب: السلام، باب: التعوذ من الشيطان الوسوسة في الصلاة (٢٢٠٣)..
Icon