تفسير سورة الماعون

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة الماعون من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
مكية، وقيل : نزل نصفها بمكة في العاص بن وائل، والنصف الثاني بالمدينة في عبد الله بن أبي بن سلول المنافق.
وهي سبع آيات، وخمس وعشرون كلمة، ومائة وخمسة وعشرون حرفا.

سورة الماعون
مكية وقيل نزل نصفها بمكة في العاص بن وائل والنصف الثاني بالمدينة في عبد الله بن أبي بن سلول المنافق.
وهي سبع آيات وخمس وعشرون كلمة ومائة وخمسة وعشرون حرفا.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة الماعون (١٠٧): آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١)
قوله عزّ وجلّ: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ قيل نزل في العاص بن وائل السّهمي، وقيل في الوليد بن المغيرة، وقيل في عمرو بن عائذ المخزومي، وفي رواية عن ابن عباس أنها في رجل من المنافقين، ومعنى الآية هل عرفت الذي يكذب بيوم الجزاء، والحساب، فإن لم تعرفه.
[سورة الماعون (١٠٧): الآيات ٢ الى ٧]
فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦)
وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧)
فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ولفظ أرأيت استفهام، والمراد به المبالغة في التّعجب من حال هذا المكذب بالدّين وهو خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وقيل هو خطاب لكل واحد، والمعنى أرأيت يا أيها الإنسان أو يا أيّها العاقل هذا الذي يكذب بالدين بعد ظهور دلائله، ووضوح بيانه، فكيف يليق به ذلك الذي يدع اليتيم، أي يقهره، ويدفعه عن حقه، والدع الدفع بعنف، وجفوة، والمعنى أنه يدفعه عن حقه، وماله بالظلم، وقيل يترك المواساة له وإن لم تكن المواساة واجبة، وقيل يزجره، ويضربه، ويستخف به، وقرئ يدعو بالتخفيف، أي يدعوه ليستخدمه قهرا واستطالة. وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ أي لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه لأنه يكذب بالجزاء، وهذا غاية البخل، لأنه يبخل بماله وبمال غيره بالإطعام.
قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ يعني المنافقين، ثم نعتهم فقال تعالى: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ روى البغوي بسنده عن سعد قال «سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال إضاعة الوقت» وقال ابن عباس: هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس. ويصلون في العلانية إذا حضروا معهم لقوله تعالى الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وقال تعالى في وصف المنافقين وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ
، وقيل ساه عنها لا يبالي صلّى أو لم يصل، وقيل لا يرجون لها ثوابا إن صلوا ولا يخافون عليها عقابا إن تركوا، وقيل غافلون عنها ويتهاونون بها، وقيل هم الذين إن صلوا صلوها رياء وإن فاتتهم لم يندموا عليها وقيل هم الذين لا يصلونها لمواقيتها، ولا يتمون ركوعها، ولا سجودها، وقيل لما قال تعالى عن صلاتهم ساهون بلفظة عن علم
478
أنها في المنافقين، والمؤمن قد يسهو في صلاته والفرق بين السهوين أن سهو المنافق هو أن لا يتذكرها، ويكون فارغا عنها، والمؤمن إذا سها في صلاته تداركه في الحال، وجبره بسجود السهو فظهر الفرق بين السّهوين، وقيل السّهو عن الصّلاة هو أن يبقى ناسيا لذكر الله في جميع أجزاء الصّلاة، وهذا لا يصدر إلا من المنافق الذي يعتقد أنه لا فائدة في الصّلاة، فأما المؤمن الذي يعتقد فائدة صلاته، وأنها عليه واجبة، ويرجو الثواب على فعلها، ويخاف العقاب على تركها، فقد يحصل له سهو في الصّلاة يعني أن يصير ساهيا في بعض أجزاء الصّلاة بسبب وارد يرد عليه بوسوسة الشّيطان أو حديث النّفس، وذلك لا يكاد يخلو منه أحد، ثم يذهب ذلك الوارد عنه، فثبت بهذا الفرق أن السّهو عن الصّلاة من أفعال المنافق والسّهو في الصّلاة من أفعال المؤمن. الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ يعني يتركون الصّلاة في السّر ويصلونها في العلانية، والفرق بين المنافق، والمرائي أن المنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان، والمرائي يظهر الأعمال مع زيادة الخشوع ليعتقد فيه من يراه أنه من أهل الدّين والصّلاح أما من يظهر النّوافل ليقتدى به ويأمن على نفسه من الرّياء، فلا بأس بذلك وليس بمراء ثم وصفهم بالبخل. فقال تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ روي عن علي أنه قال هي الزكاة، وهو قول ابن عمر والحسن، وقتادة، والضحاك ووجه ذلك أن الله تعالى ذكرها بعد الصلاة فذمهم على ترك الصّلاة ومنع الزكاة، وقال ابن مسعود: الماعون الفاس والدلو والقدر، وأشباه ذلك، وهي رواية عن ابن عباس، ويدل عليه ما روي عنه قال كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عارية الدّلو، والقدر، أخرجه أبو داود، وقال مجاهد: الماعون العارية وقال عكرمة: الماعون أعلاه الزكاة المفروضة، وأدناه عارية المتاع، وقال محمد بن كعب القرظي: الماعون المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم وقيل أصل الماعون من القلة فسمي الزّكاة والصّدقة، والمعروف ماعونا لأنه قليل من كثير، وقيل الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء، والملح، والنار، ويلتحق بذلك البئر، والتنور في البيت فلا يمنع جيرانه من الانتفاع بهما، ومعنى الآية الزجر عن البخل بهذه الأشياء القليلة الحقيرة، فإن البخل بها في نهاية البخل قال العلماء ويستحب أن يستكثر الرجل في بيته مما يحتاج إليه الجيران فيعيرهم ويتفضل عليهم ولا يقتصر على الواجب، والله أعلم.
479
﴿ فذلك الذي يدع اليتيم ﴾ ولفظ أرأيت استفهام، والمراد به المبالغة في التّعجب من حال هذا المكذب بالدّين، وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل : هو خطاب لكل واحد، والمعنى ﴿ أرأيت ﴾ يا أيها الإنسان، أو يا أيّها العاقل هذا الذي يكذب بالدين بعد ظهور دلائله، ووضوح بيانه، فكيف يليق به ذلك الذي يدع اليتيم، أي يقهره، ويدفعه عن حقه، والدع الدفع بعنف وجفوة، والمعنى أنه يدفعه عن حقه، وماله بالظلم. وقيل : يترك المواساة له، وإن لم تكن المواساة واجبة، وقيل : يزجره، ويضربه، ويستخف به. وقرئ ( يدعو ) بالتخفيف، أي يدعوه ليستخدمه قهراً واستطالة.
﴿ ولا يحض على طعام المسكين ﴾ أي لا يطعمه، ولا يأمر بإطعامه ؛ لأنه يكذب بالجزاء، وهذا غاية البخل ؛ لأنه يبخل بماله وبمال غيره بالإطعام.
قوله تعالى :﴿ فويل للمصلين ﴾ يعني المنافقين.
ثم نعتهم فقال تعالى :﴿ الذين هم عن صلاتهم ساهون ﴾ روى البغوي بسنده عن سعد قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ﴿ الذين هم عن صلاتهم ساهون ﴾ قال :" إضاعة الوقت " وقال ابن عباس : هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس، ويصلون في العلانية إذا حضروا معهم، لقوله تعالى ﴿ الذين هم يراؤون ﴾ وقال تعالى في وصف المنافقين :﴿ وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ﴾[ النساء : ١٤٢ ]، وقيل ساه عنها : لا يبالي صلى أو لم يصل. وقيل : لا يرجون لها ثواباً إن صلوا، ولا يخافون عليها عقاباً إن تركوا. وقيل : غافلون عنها، ويتهاونون بها. وقيل : هم الذين إن صلوا صلوها رياء، وإن فاتتهم لم يندموا عليها. وقيل : هم الذين لا يصلونها لمواقيتها، ولا يتمون ركوعها، ولا سجودها. وقيل : لما قال تعالى ﴿ عن صلاتهم ساهون ﴾ بلفظة ( عن ) علم أنها في المنافقين، والمؤمن قد يسهو في صلاته، والفرق بين السهوين أن سهو المنافق هو أن لا يتذكرها، ويكون فارغاً عنها، والمؤمن إذا سها في صلاته تداركه في الحال، وجبره بسجود السهو، فظهر الفرق بين السّهوين. وقيل : السّهو عن الصّلاة هو أن يبقى ناسياً لذكر الله في جميع أجزاء الصّلاة، وهذا لا يصدر إلا من المنافق الذي يعتقد أنه لا فائدة في الصّلاة، فأما المؤمن الذي يعتقد فائدة صلاته، وأنها عليه واجبة، ويرجو الثواب على فعلها، ويخاف العقاب على تركها، فقد يحصل له سهو في الصّلاة، يعني أن يصير ساهياً في بعض أجزاء الصّلاة بسبب وارد يرد عليه بوسوسة الشّيطان أو حديث النّفس، وذلك لا يكاد يخلو منه أحد، ثم يذهب ذلك الوارد عنه، فثبت بهذا الفرق أن السّهو عن الصّلاة من أفعال المنافق، والسّهو في الصّلاة من أفعال المؤمن.
﴿ الذين هم يراؤون ﴾ يعني يتركون الصّلاة في السّر ويصلونها في العلانية، والفرق بين المنافق والمرائي أن المنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإيمان، والمرائي يظهر الأعمال مع زيادة الخشوع ليعتقد فيه من يراه أنه من أهل الدّين والصّلاح، أما من يظهر النّوافل ليقتدى به، ويأمن على نفسه من الرّياء، فلا بأس بذلك، وليس بمراء.
ثم وصفهم بالبخل فقال تعالى :﴿ ويمنعون الماعون ﴾. روي عن علي أنه قال : هي الزكاة، وهو قول ابن عمر والحسن، وقتادة، والضحاك، ووجه ذلك أن الله تعالى ذكرها بعد الصلاة، فذمهم على ترك الصّلاة ومنع الزكاة. وقال ابن مسعود : الماعون الفاس والدلو والقدر، وأشباه ذلك، وهي رواية عن ابن عباس، ويدل عليه ما روي عنه قال : كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عارية الدّلو، والقدر، أخرجه أبو داود. وقال مجاهد : الماعون : العارية. وقال عكرمة : الماعون : أعلاه الزكاة المفروضة، وأدناه عارية المتاع. وقال محمد بن كعب القرظي : الماعون : المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم. وقيل : أصل الماعون من القلة، فسمي الزّكاة والصّدقة والمعروف ماعوناً ؛ لأنه قليل من كثير. وقيل : الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء، والملح، والنار، ويلتحق بذلك البئر، والتنور في البيت، فلا يمنع جيرانه من الانتفاع بهما. ومعنى الآية الزجر عن البخل بهذه الأشياء القليلة الحقيرة، فإن البخل بها في نهاية البخل. قال العلماء : ويستحب أن يستكثر الرجل في بيته مما يحتاج إليه الجيران، فيعيرهم ويتفضل عليهم، ولا يقتصر على الواجب، والله أعلم.
Icon