تفسير سورة التكاثر

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة التكاثر من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
مكية، وهي ثماني آيات، وثمان وعشرون كلمة، ومائة وعشرون حرفا.

سورة التكاثر
مكية وهي ثمان آيات وثمان وعشرون كلمة ومائة وعشرون حرفا بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة التكاثر (١٠٢): الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢)
قوله عزّ وجلّ: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ أي شغلتكم المفاخرة، والمباهاة، والمكاثرة بكثرة المال، والعدد، والمناقب عن طاعة الله ربكم، وما ينجيكم من سخطه، ومعلوم أن من اشتغل بشيء أعرض عن غيره، فينبغي للمؤمن العاقل أن يكون سعيه وشغله في تقديم الأهم وهو ما يقربه من ربه عزّ وجلّ. فالتفاخر بالمال والجاه والأعوان، والأقرباء تفاخر بأخس المراتب، والاشتغال به يمنع الإنسان من الاشتغال بتحصيل السّعادة الأخروية التي هي سعادة الأبد، ويدل على أن المكاثرة، والمفاخرة بالمال مذمومة، ما روي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يقرأ هذه الآية أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ «فقال يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت» أخرجه التّرمذي وقال حديث حسن صحيح (خ) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد يتبعه ماله وأهله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ أي حتى متم ودفنتم في المقابر يقال لمن مات زار قبره وزار رمسه، فيكون معنى الآية ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت، وأنتم على ذلك قيل نزلت هذه الآية في اليهود، قالوا نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان، شغلهم ذلك حتى ماتوا ضلالا، وقيل نزلت في حيين من قريش، وهما بنو عبد مناف، وبنو سهم بن عمرو، وكان بينهم تفاخر فتعادوا القادة، والأشراف أيّهم أكثر فقال بنو عبد مناف نحن أكثر سيدا، وأعز عزيزا، وأعظم نفرا، وأكثر عددا، وقال بنو سهم مثل ذلك، فكاثرهم بنو عبد مناف، ثم قالوا نعد موتانا فعدوا الموتى حتى زار والقبور، فعدوهم فقالوا هذا قبر فلان وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات لأنهم كانوا في الجاهلية أكثر عددا فأنزل الله هذه الآية، وهذا القول أشبه بظاهر القرآن لأن قوله حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ يدل على أمر مضى، فكأنه تعالى يعجبهم من أنفسهم ويقول مجيبا هب إنكم أكثر عددا، فماذا ينفع ثم رد الله تعالى عليهم فقال:
[سورة التكاثر (١٠٢): الآيات ٣ الى ٨]
كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧)
ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)
كَلَّا أي ليس الأمر كما يتوهمه هؤلاء بالتّكاثر والتّفاخر، وقيل المعنى حقا سَوْفَ تَعْلَمُونَ وعيد لهم
464
ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كرره توكيدا والمعنى سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إذا نزل بكم الموت، فهو وعيد بعد وعيد، وقيل معناه كلا سوف تعلمون يعني الكافرين ثم كلا سوف تعلمون يعني المؤمنين وصاحب هذا القول يقرأ الأولى بالياء والثانية بالتاء. كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ أي علما يقينا وجواب لو محذوف والمعنى لو تعلمون علما يقينا لشغلكم ما تعلمون عن التّكاثر والتّفاخر، قال قتادة كنا نحدث أن علم اليقين أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ اللام تدل على أنه جواب قسم محذوف والقسم لتوكيد الوعيد، وإن ما أوعدوا به لا يدخله شك ولا ريب، والمعنى أنكم ترون الجحيم بأبصاركم بعد الموت ثُمَّ لَتَرَوُنَّها يعني مشاهدة عَيْنَ الْيَقِينِ وإنما كرر الرّؤية لتأكيد الوعيد ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ يعني أن كفار مكة كانوا في الدّنيا في الخير والنعمة، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه لأنهم لم يشكروا رب النّعيم حيث عبدوا غيره ثم يعذبون على ترك الشكر، وذلك لأن الكفار لما ألهاهم التّكاثر بالدّنيا، والتّفاخر بلذاتها عن طاعة الله والاشتغال بشكره سألهم عن ذلك، وقيل إن هذا السّؤال يعم الكافر، والمؤمن، وهو الأولى لكن سؤال الكافر توبيخ، وتقريع لأنه ترك شكر ما أنعم الله به عليه، والمؤمن يسأل سؤال تشريف وتكريم لأنه شكر ما أنعم الله به عليه، وأطاع ربه فيكون السّؤال في حقه تذكرة بنعم الله عليه. يدل على ذلك ما روي «عن الزّبير قال لما نزلت ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ قال الزبير: يا رسول الله وأي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التّمر والماء قال أما أنه سيكون» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن واختلفوا في النعيم الذي يسأل البعد عنه، فروي عن ابن مسعود رفعه قال لتسألن يومئذ عن النّعيم قال الأمن، والصحة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له ألم نصح لك جسمك ونروك من الماء البارد» أخرجه التّرمذي وقال حديث غريب (م) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال صلّى الله عليه وسلّم ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة، قالا الجوع يا رسول الله قال وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، فقوموا فقاموا معه فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت مرحبا وأهلا، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أين فلان قالت ذهب يستعذب لنا الماء إذا جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصاحبيه ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني قال فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر، وتمر، ورطب فقال: كلوا وأخذ المدية فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إياك والحلوب، فذبح لهم شاة فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما شبعوا ورووا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النّعيم يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النّعيم» وأخرجه التّرمذي بأطول من هذا «وفيه ظل بارد ورطب طيب وماء بارد» وروي عن ابن عباس قال: النّعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار يسأل الله العبيد يوم القيامة فيم استعملوها وهو أعلم بذلك منهم، وقيل يسأل عن الصحة والفراغ والمال (خ) عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ»، وقيل الذي يسأل العبد عنه هو القدر الزائد على ما يحتاج إليه فإنه لا بد لكل أحد من مطعم، ومشرب، وملبس، ومسكن، وقيل يسأل عن تخفيف الشرائع وتيسير القرآن، وقيل عن الإسلام فإنه أكبر النّعم، وقيل يسأل عما أنعم به عليكم وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي أنقذكم به من الضّلال إلى الهدى، والنّور وامتنّ به عليكم والله أعلم.
465
﴿ حتى زرتم المقابر ﴾ أي حتى متم ودفنتم في المقابر. يقال لمن مات : زار قبره، وزار رمسه، فيكون معنى الآية ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت، وأنتم على ذلك. قيل : نزلت هذه الآية في اليهود، قالوا : نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان، شغلهم ذلك حتى ماتوا ضلالاً، وقيل : نزلت في حيين من قريش، وهما بنو عبد مناف، وبنو سهم بن عمرو، وكان بينهم تفاخر فتعادوا القادة والأشراف أيّهم أكثر، فقال بنو عبد مناف : نحن أكثر سيداً، وأعز عزيزاً، وأعظم نفراً، وأكثر عدداً، وقال بنو سهم مثل ذلك، فكاثرهم بنو بعد مناف، ثم قالوا : نعد موتانا، فعدوا الموتى، حتى زاروا القبور فعدوهم، فقالوا : هذا قبر فلان، وهذا قبر فلان، فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات ؛ لأنهم كانوا في الجاهلية أكثر عدداً، فأنزل الله هذه الآية، وهذا القول أشبه بظاهر القرآن ؛ لأن قوله ﴿ حتى زرتم المقابر ﴾ يدل على أمر مضى، فكأنه تعالى يعجبهم من أنفسهم، ويقول مجيباً : هب إنكم أكثر عدداً، فماذا ينفع، ثم رد الله تعالى عليهم فقال :﴿ كلا سوف تعلمون. . . ﴾.
﴿ كلا ﴾ أي ليس الأمر كما يتوهمه هؤلاء بالتكاثر والتّفاخر، وقيل : المعنى حقاً ﴿ سوف تعلمون ﴾ وعيد لهم.
﴿ ثم كلا سوف تعلمون ﴾ كرره توكيداً، والمعنى سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إذا نزل بكم الموت، فهو وعيد بعد وعيد، وقيل : معناه ﴿ كلا سوف تعلمون ﴾ يعني الكافرين، ﴿ ثم كلا سوف تعلمون ﴾ يعني المؤمنين، وصاحب هذا القول يقرأ الأولى بالياء، والثانية بالتاء.
﴿ كلا لو تعلمون علم اليقين ﴾ أي علماً يقيناً، وجواب لو محذوف، والمعنى لو تعلمون علماً يقيناً لشغلكم ما تعلمون عن التكاثر والتّفاخر، قال قتادة : كنا نحدث أن علم اليقين أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت.
﴿ لترون الجحيم ﴾ اللام تدل على أنه جواب قسم محذوف، والقسم لتوكيد الوعيد، وإن ما أوعدوا به لا يدخله شك ولا ريب، والمعنى أنكم ترون الجحيم بأبصاركم بعد الموت.
﴿ ثم لترونها ﴾ يعني مشاهدة ﴿ عين اليقين ﴾ وإنما كرر الرّؤية لتأكيد الوعيد.
﴿ ثم لتسألن يومئذ عن النّعيم ﴾ يعني أن كفار مكة كانوا في الدّنيا في الخير والنعمة، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه ؛ لأنهم لم يشكروا رب النّعيم حيث عبدوا غيره، ثم يعذبون على ترك الشكر، وذلك لأن الكفار لما ألهاهم التكاثر بالدّنيا، والتّفاخر بلذاتها عن طاعة الله والاشتغال بشكره، سألهم عن ذلك، وقيل : إن هذا السّؤال يعم الكافر والمؤمن، وهو الأولى، لكن سؤال الكافر توبيخ وتقريع ؛ لأنه ترك شكر ما أنعم الله به عليه، والمؤمن يسأل سؤال تشريف وتكريم ؛ لأنه شكر ما أنعم الله به عليه، وأطاع ربه، فيكون السّؤال في حقه تذكرة بنعم الله عليه. يدل على ذلك ما روي " عن الزّبير قال : لما نزلت ﴿ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ﴾ قال الزبير : يا رسول الله، وأي نعيم نسأل عنه، وإنما هما الأسودان : التّمر والماء، قال أما إنه سيكون "، أخرجه الترمذي، وقال : حديث حسن، واختلفوا في النعيم الذي يسأل البعد عنه، فروي عن ابن مسعود رفعه قال :﴿ لتسألن يومئذ عن النّعيم ﴾ قال : الأمن والصحة، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له : ألم نصح لك جسمك، ونروك من الماء البارد ؟ "، أخرجه التّرمذي وقال : حديث غريب. ( م ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال صلى الله عليه وسلم : ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة ؟ قالا : الجوع يا رسول الله. قال : وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، فقوموا، فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت : مرحباً وأهلاً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين فلان ؟ قالت : ذهب يستعذب لنا الماء، إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال : الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني. قال : فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر، وتمر، ورطب، فقال : كلوا، وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياك والحلوب، فذبح لهم شاة، فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلما شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النّعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النّعيم "، وأخرجه التّرمذي بأطول من هذا، وفيه " ظل بارد، ورطب طيب، وماء بارد "، وروي عن ابن عباس قال : النّعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار، يسأل الله العبيد يوم القيامة فيم استعملوها، وهو أعلم بذلك منهم، وقيل : يسأل عن الصحة والفراغ والمال. ( خ ) عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ "، وقيل : الذي يسأل العبد عنه هو القدر الزائد على ما يحتاج إليه، فإنه لا بد لكل أحد من مطعم، ومشرب، وملبس، ومسكن، وقيل : يسأل عن تخفيف الشرائع، وتيسير القرآن، وقيل : عن الإسلام، فإنه أبر النّعم، وقيل : يسأل عما أنعم به عليكم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنقذكم به من الضّلال إلى الهدى والنّور، وامتنَّ به عليكم، والله أعلم.
Icon