تفسير سورة التكاثر

روح البيان
تفسير سورة سورة التكاثر من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

الرقيقة التي عليها وفى التأويلات النجمية واما من خفت موازينه بالأخلاق السيئة والأوصاف القبيحة الخبيثة فاصله المجبول عليه هاوية الحجاب من الأزل الى الابد وهى نار حامية بنار الجهل والعمى وحطب النفس والهوى ونفخ الشيطان والدنيا وفى لفظ الثقل والخفة اشارة الى ان السعداء والأشقياء مشتركون فى فعل السيئة وان كانت فى الفريق الاول مرجوحة قليلة وفى الثاني راجحة كثيرة ولا يرتفع هذا الابتلاء ولذا قال عليه السلام لعلى رضى الله عنه يا على إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة وذلك لما انه مقتضى الاسم الغفور. اعلم ان ميزان الحق بخلاف ميزان الخلق إذ صعود الموزونات وارتفاعها فيه هو الثقل وهبوطها وانحطاطها هو الخفة لان ميزانه تعالى هو العدل والموزونات الثقيلة اى المعتبرة الراجحة عند الله التي لها قدر ووزن عنده هى الباقيات الصالحات والخفيفة التي لا اعتبار لها عند الله هى الفانيات الفاسدات من اللذات الحسية والشهوات وفى الهاوية اشارة الى هاوية الطبيعة الجسمانية التي يهوى فيها أهلها وفى الحقيقة الموزونات هى الاستعدادات الغيبية والقابليات العلمية الازلية المسواة كفتاها بكف اليد اليمنى وبكف اليد اليسرى وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ و چهـ چيزى دانا كرد ترا كه چيست هاوية. فهى للهاوية والهاء للسكت والاستراحة والوقف وإذا وصل القارئ حذفها وقيل حقه ان لا يدرج لئلا يسقطها الإدراج لانها ثابتة فى المصحف وقد اجيزا ثباتها مع الوصل قال ابو الليث قرأ حمزة والكسائي بغير هاء فى الوصل وبالهاء عند الوقف والباقون بإثباتها فى الوصل والوقف وقد سبق مفصلا فى الحاقة وفيه اشعار بخروجها عن الحدود المعهودة فلا يدريها أحد ثم أعلمها بقوله نارٌ حامِيَةٌ متناهية فى الحر وبالفارسية آتشى بغايت رسيده در سوزش. يقال حمى الشمس والنار حميا وحميا وحموا اشتد حرهما وقد سبق
تفسير سورة التكاثر
مختلف فيها وهى ثمان آيات بسم الله الرحمن الرحيم
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه ويقال لهوت بكذا ولهوت عن كذا اى اشتغلت عنه بلهو ويعبربه عن كل ما به استمتاع ويقال ألهى عن كذا اى شغل عما هو أهم والتكاثر التبارى فى الكثرة والتباهي بها وان يقول هؤلاء نحن اكثر وهؤلاء نحن اكثر والمعنى شغلكم التغالب فى الكثرة والتفاخر بها وبالفارسية مشغول كرد شما را فخر كردن به بسيارى قوم. قال ابن الشيخ الإلهاء الصرف الى اللهو والبعث والتكاثر إذا صرف العبد الى الى اللهو يكون العبد منصرفا اليه ومعلوم ان الانصراف الى الشيء يقتضى الاعراض عن غيره فتفسير ألهاكم كذا بشغلكم تفسير له بما يلزم اصل معناه الا انه صار حقيقة عرفية فيه بالغلبة وحذف الملهى عنه اى الذي الهى عنه وهو ما يعنيهم من امر الدين للتعظيم والمبالغة اما الاول فلان الحذف كالتنكير قد يجعل ذريعه الى التعظيم لاشتراكهما فى الإبهام واما الثاني فلان تذهب النفس كل مذهب ممكن فيدخل فيه جميع ما يحتمله
ان العاقل ينبغى ان لا يكون معظم همه مقصورا على الدنيا فان عاقبة ذلك وبال وحسرة سَوْفَ تَعْلَمُونَ اى سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول المحشر فالعلم بمعنى المعرفة ولذا قدر له مفعول واحد وهو إنذار وتخويف ليخافوا وينتبهوا من غفلتهم قال الحسن رحمه الله لا يغرنك كثرة من ترى حولك فانك تموت وحدك وتبعث وحدك وتحاسب وحدك ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ تأكيد لتكيرير الردع والانذار وفى ثم دلالة على ان الانذار الثاني ابلغ من الاول لان فيه تأكيدا خلا عنه الاول لان فيه تنزيلا لبعد المرتبة منزلة بعد الزمان واستعمالا للفظ ثم فى مجرد التدرج فى درج الارتقاء كما تقول للمنصوح أقول لك ثم أقول لك لا نفعل او الاول عند الموت فى وقت ما بشر به المحتضر من جنة او نارا وفى القبر حين سؤال منكر ونكير من ربك وما دينك ومن نبيك والثاني عند النشور حين ينادى المنادى شقى فلان شقاوة لا سعادة بعدها وحين يقال وامتازوا اليوم ايها المجرمون فعلى هذا لا تكرير فى الآية لحصول التغاير بينهما بتغاير زمانى العلمين ومتعلقيهما فانه يلقى فى كل واحد من الزمانين نوعا آخر من العذاب وثم على بابها من المهلة لتباعد ما بين الموت والنشور وكذا ما بين القبور والنشور وعن على رضى الله عنه مازلنانشك فى عذاب القبر حتى نزلت السورة الى قوله تعالى ثم كلا سوف تعلمون اى سوف تعلمون فى القبر ثم فى القيامة وفى الحديث يسلط على الكافر فى قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتلذعه حتى تقوم الساعة لوان تنينا منها نفخ فى الأرض ما أنبتت خضرآء كَلَّا تكرير للتنبيه تأكيدا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ جواب لو محذوف للتهويل فانه إذا حذف الجواب يذهب الوهم كل مذهب ممكن والعلم مصدر أضيف الى مفعوله وانتصابه بنزع الخافض واليقين صفة لموصوف محذوف والمعنى لو تعلمون ما بين ايديكم علم الأمر اليقين اى لو علمتم ما تستيقنونه لفعاتم مالا يوصف ولا يكبتنه ولكنكم ضلال جهلة فاليقين بمعنى المتيقن به كمال التيقن حتى كأنه عين اليقين والا فيلزم اضافة أحد المترادفين الى الآخر إذ العلم فى اللغة بمعنى اليقين وقد يجعل العلم من اضافة العام الى الخاص بناء على ان اليقين أخص من العلم فان العلم قديعم الظن واليقين فتكون إضافته كاضافة بلد بغداد ويدل عليه قولهم العلم اليقين بالوصف لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ جواب قسم مضمرا كدبه الوعيد حيث ان ما أوعدوا به مما لا مدخل فيه للريب وشدد به التهديد وأوضح به ما انذروه بعد إبهامه تفخيما ولا يجوز ان يكون جواب لو لان رؤية الجحيم محققة الوقوع وليست بمعلقة فلو جعل جواب لو لكان المعنى انكم لا ترونها لكونكم جهالا وهو غير صحيح وقال بعضهم يصح ان يكون جوابا فيكون المعنى سوف تعلمون الجزاء ثم قال لو تعلمون الجزاء علم اليقين الآن لترون الجحيم يعنى يكون الجحيم دائما فى نظركم لا يغيب عنكم أصلا ثُمَّ لَتَرَوُنَّها تكرير للتأكيد او الاولى إذا رأوها من مكان بعيد ببعض خواصها وأحوالها مثل رؤية لهبها ودخانها والثانية إذا أوردوها فان معاينة نفس الحفرة وما فيها من الحيوانات المؤذية وكيفية السقوط فيها اجلى واكشف من الرؤية الاولى فعلى هذا بتنازع الفعلان فى عين اليقين او المراد بالأول المعرفة وبالثانية
Icon