تفسير سورة الماعون

فتح البيان
تفسير سورة سورة الماعون من كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن المعروف بـفتح البيان .
لمؤلفه صديق حسن خان . المتوفي سنة 1307 هـ
سورة أرأيت
ويقال لها : سورة الدين، وسورة الماعون، وسورة اليتيم. وهي ست، أو سبع آيات. وهي مكية في قول عطاء وجابر وأحد قولي ابن عباس، ومدنية في قول قتادة وآخرين. وعن ابن عباس : نزلت بمكة، وعن ابن الزبير مثله، وقيل : نصفها الأول مكي، ونصفها الثاني مدني، والأول في العاص بن وائل، والثاني في عبد الله بن أبي بن سلول. وقال مقاتل والكلبي : نزلت في العاص بن وائل السهمي، وقال السدي : في الوليد بن المغيرة، وقال الضحاك : في عمرو بن عائذ، وقال ابن جريج : في أبي سفيان، وقيل : في رجل من المنافقين.

(أرأيت) الخطاب لرسول الله ﷺ أو لكل من يصلح له، والاستفهام لقصد التعجيب من حال (الذي يكذب بالدين) أي بالجزاء والحساب في الآخرة. وقال ابن عباس بحكم الله.
قرأ الجمهور أرأيت بإثبات الهمزة الثانية وقرىء بإسقاطها، قال الزجاج: لا يقال في رأيت ريت ولكن ألف الاستفهام سهلت الهمزة ألفاً، والرؤية بمعنى المعرفة وقيل هي البصرية فتتعدى إلى مفعول واحد، وهو الموصول أي أبصرت المكذب وقيل إنها بمعنى أخبرني فتتعدى إلى مفعولين الثاني محذوف أي من هو، والأول أولى، قيل وفي الكلام حذف والمعنى (أرأيت الذي يكذب بالدين) أمصيب هو أم مخطىء.
(فذلك الذي يدع اليتيم) الفاء جواب شرط مقدر أي إن تأملته أو طلبته فذلك الخ ويجوز أن تكون عاطفة على الذي يكذب إما عطف ذات على ذات أو صفة على صفة، فعلى الأول يكون اسم الإشارة مبتدأ وخبره الموصول أو خبر لمبتدأ محذوف أي فهو ذلك والموصول صفته، وعلى الثاني يكون في محل نصب لعطفه على الموصول الذي هو في محل نصب، ومعنى يدع يدفع دفعاً بعنف وجفوة أي يدفع اليتيم عن حقه دفعاً شديداً، ومنه قوله سبحانه (يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً) وقد كانوا لا يورثون النساء والصبيان، قال ابن عباس يدفعه عن حقه.
(ولا يحض على طعام المسكين) أي لا يحض نفسه ولا أهله ولا غيرهم على ذلك بخلاً بالمال أو تكذيباً للجزاء، وهو مثل قوله في سورة الحاقة (ولا يحض على طعام المسكين).
(فويل للمصلين) الفاء جواب لشرط محذوف كأنه قيل إذا كان ما ذكر من عدم المبالاة باليتيم والمسكين فويل لهم، ووضع المصلين موضع لهم للتوسل بذلك إلى بيان أن لهم قبائح أخر غير ما ذكر، والمعنى عذاب لهم أو هلاك أو واد في جهنم لهم كما سبق الخلاف في معنى الويل، ويجوز أن يكون الفاء لترتيب الدعاء عليهم بالويل على ما ذكر من قبائحهم.
(الذين هم عن صلاتهم ساهون) أي غافلون غير مبالين. وإنما عبر بعن دون في لأن صلاة المؤمن لا تخلو عن سهو بدليل وقوعه للأنبياء ولأن المراد السهو عن الصلاة بتأخيرها عن وقتها لا السهو فيها.
قال الواحدي نزلت في المنافقين الذين لا يرجون بصلاتهم ثواباً أن صلوا ولا يخافون عليها عقاباً أن تركوا فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها، وإذا كانوا مع المؤمنين صلوا رياء وإذا لم يكونوا معهم لم يصلوا.
قال النخعي الذي هم عن صلاتهم ساهون هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا وهكذا ملتفتاً. وقال قطرب هو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله؛ وقرأ ابن مسعود لاهون مكان ساهون قال ابن عباس هم المنافقون يتركون الصلاة في السر ويصلون في العلانية.
عن مصعب بن سعد قال: قلت لأبيّ أرأيت قول الله (الذين هم عن صلاتهم ساهون) أينا لا يسهو أينا لا يحدث نفسه، قال إنه ليس كذلك إنه إضاعة الوقت.
وعن سعد بن أبي وقاص قال سألت النبي ﷺ عن الآية قال " هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها " قال الحاكم والبيهقي الموقوف
404
أصح إسناداً، قال ابن كثير: ضعف البيهقي رفعه وصحح وقفه وكذلك الحاكم.
وعن أبي برزة الأسلمي قال لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الله أكبر هذه الآية خير لكم من أن يعطي كل رجل منكم جميع الدنيا هو الذي إن صلى لم يرج خير صلاته. وإن تركها لم يخف ربه " رآه ابن جرير وابن مردويه، قال السيوطي بسند ضعيف ففي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف، وشيخه مبهم لم يسم، وعن ابن عباس قال هم الذين يؤخرونها عن وقتها.
405
(الذين هم يراؤون) الناس بصلاتهم إن صلوا أو يراؤون الناس بكل ما عملوه من أعمال البر ليثنوا عليهم، قال ابن عباس هم المنافقون يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا، قال الخازن أما من يظهر النوافل ليقتدى به ويأمن على نفسه من الرياء فلا بأس بذلك وليس بمراء.
(ويمنعون) الناس أو الطالبين (الماعون) فاعول من المعن الشيء وهو القليل يقال مال معن أي قليل، قاله قطرب، أو اسم مفعول من عانه يعينه، والأصل معوون، وكان من حقه على هذا أن يقال معون، كمصون ومقول اسمي مفعول من صان وقال، ولكنه قلبت الكلمة بأن قدمت عيناً على فائها فصار موعون، ثم قلبت الواو الأولى ألفاً فوزنه الآن معقول.
قال أكثر المفسرين: الماعون اسم لما يتعاوره الناس بينهم من الدلو والفأس والقدر، وما لا يمنع كالماء والملح، وقيل هو الزكاة أي يمنعون زكاة أموالهم، قال الزجاج وأبو عبيد والمبرد الماعون في الجاهلية كل ما فيه منفعة حتى الفأس والدلو والقدر والقادحة، وكل ما فيه منفعة من قليل وكثير.
وقالوا أيضاًً الماعون في الإسلام الطاعة والزكاة، وقال الفراء سمعت بعض العرب يقول الماعون الماء، وقيل الماعون هو الحق على العبد على العموم، وقيل هو المستقل من منافع الأموال، مأخوذ من المعن وهو القليل.
405
قال قطرب أصل الماعون من القلة والمعن الشيء القليل فسمى الله الصدقة والزكاة ونحو ذلك من المعروف ماعوناً لأنه قليل من كثير، وقيل هو ما يبخل به كالماء والملح والنار.
وعن ابن مسعود قال " كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عارية الدلو والقدر والفأس والميزان وما تتعاطون بينكم " وعنه قال " كان المسلمون يستعيرون من المنافقين القدر والفأس وشبهه فيمنعونهم فأنزل الله ويمنعون الماعون.
وعن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في الآية قال " ما تعاور الناس بينهم الفأس والقدر والدلو وأشباهه " أخرجه أبو نعيم والديلمي وابن عساكر.
وعن قره بن دعموص النمري أنهم وفدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله ما تعهد إلينا قال " لا تمنعوا الماعون قالوا وما الماعون قال في الحجر والحديدة وفي الماء قالوا فأي الحديدة قال قدركم النحاس، وحديد الفأس الذي تمتهنون به، قالوا وما الحجر، قال قدوركم الحجارة " أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه. قال ابن كثير غريب جداً ورفعه منكر، وفي إسناده من لا يعرف.
وعن سعيد بن عياض عن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الماعون الفأس والقدر والدلو وقال ابن عباس عارية متاع البيت، وعن علي ابن أبي طالب قال الماعون الزكاة الفروضة يراؤون بصلاتهم ويمنعون زكاتهم.
406
سورة الكوثر
وتسمى سورة النحر هي ثلاث آيات وهي مكية في قول ابن عباس والكلبي ومقاتل ومدنية في قول الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة، وعن ابن عباس وابن الزبير وعائشة أنها نزلت سورة الكوثر بمكة.
407

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)
409
Icon