تفسير سورة الماعون

بيان المعاني
تفسير سورة سورة الماعون من كتاب بيان المعاني المعروف بـبيان المعاني .
لمؤلفه ملا حويش . المتوفي سنة 1398 هـ

وروى البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ. ولهذا فسر بعضهم النعيم بالصحة والأمن وفسره بعضهم بما جاء في قول الشاعر:
خبز وماء وظل... هو النعيم الأجل
جحدت نعمة ربي... ان قلت اني مقلّ
وقال الحسن هو ما سوى كنّ يؤويه، وأثواب تواريه، وكسرة تغذيه.
والآية عامة في كل ما يطلق عليه اسم النعيم وسيأتي بحث معنى اليقين في الآية ٥٢ من سورة الحاقة وإن النعيم نسبي بحسب الأشخاص والأحوال والأمكنة. هذا، والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا. محمد وآله وأصحابه وأتباعه أجمعين صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
تفسير سورة الماعون عدد ١٧ و ١٠٧
نزلت بعد التكاثر في مكة وهي سبع آيات، الثلاث الأول نزلت في مكة في العاص بن وائل والأربع الأخر نزلت في المدينة في عبد الله بن أبي بن سلول، وتسمى سورة أرأيت، ويوجد في القرآن خمس سور مبدوءة بهمزة الاستفهام هذه والإنسان والغاشية والانشراح والفيل، ولا يوجد سورة بسبع آيات إلا هذه والفاتحة، وهي خمس وعشرون كلمة، ومائة وخمسة وعشرون حرفا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قال تعالى «أَرَأَيْتَ» من رأي البصرية تنزيلا للمعقول منزلة المحسوس إشعارا بأن ذلك المعقول صار أمرا محققا لا شبهة فيه أي أأبصرت أيها العاقل هذا «الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ١» بعد ظهور دلائله ووضوح بيانه وقرىء أريت بلا همز بحمل الماضي على المضارع المطرد فيه حذف الهمزة «فَذلِكَ» المكذب الكافر هو الّذي «يَدُعُّ» يدفع بعنف وجفاء «الْيَتِيمَ ٢» عن حقه ويرده ردا قبيحا بزجرا وخشونة ليزيد في قهره «وَلا يَحُضُّ» مع ذلك الردع ولا يحث «عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ٣» فضلا عن انه
172
لا يطعمه هو فلو كان هذا يؤمن بالحساب والجزاء لما فعل ذلك وانما نزلت هذه الآيات في العاص المذكور لاتصافه بهذه الأخلاق الذميمة. وقيل إنها نزلت في الوليد بن المغيرة أو عمر بن عائد المخزومي وهي صادقة في كل من هذا ديدنه عامة إلى يوم الدين وهذه الآيات المدنيات التي نزلت بالمنافق المذكور آنفا وتشمل أضرابه الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ولا يتقيدون بأمور الدين إلا رياء وتقية فقال جل قوله «فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ٤ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ٥» لا يلقون لها بالا ولا حرمة ولا يخشعون فيها خضوعا لربهم لأنهم يراءون بها رياء إذا حضرهم المؤمنون ويتركونها إذا غابوا عنهم لعدم اعتقادهم بها وعدم رجاء الثواب على فعلها وهذا شأن المنافقين كلهم فيما يتعلق بأمور الدين وقد نصحهم الله بقوله عز قوله «الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ ٦» الناس بجميع أعمالهم ولا يعملون شيئا خالصا لله فيدخلون أنفسهم في زمرة المصلين وطائفة المتصدقين وجماعة المتقين تقية وإلا فهم غافلون عن حقيقة الصلاة ولا يعلمون ماهية التقوى «وَيَمْنَعُونَ» مع ذلك كله أن يعيروا جارهم أو غيره «الْماعُونَ ٧» الذي من شأنه ألا يمنع كالقدر والدلو والقدحة والماء والملح والنار والبئر والتنور مما يتساهل الناس في طلبه واستعماله ولم تكرر هذه الكلمة في القرآن كله وفي هذه الآية حث على إعارة هذه الأشياء وشبهها وإباحة استعمالها وزجر عن منعها والبخل بمثلها لحقارتها وتفاهتها، لذلك قال العلماء يستحب للقادر أن يكثر في بيته مما يحتاجه الجيران ليعيرها ويتفضل عليهم بما فضله الله به ولا يقتصر على حاجته من ذلك قال انس والحسن الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم لأن معنى أنهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلة مبالاة والتفات إليها وهو فعل المنافقين الذين يجب الابتعاد عنهم.
مطلب السهو بالصلاة ولزوم الخشوع فيها:
معلوم أن السهو قد يعتريهم بوسوسة أو حديث نفس وهذا لا يخلو المسلم، منه حتى أن الرسول كان يقع منه سهو فيها لغيبوبته عن نفسه الطاهرة عما سوى الله تعالى وفيه قيل:
173
Icon