تفسير سورة الماعون

تفسير البغوي
تفسير سورة سورة الماعون من كتاب معالم التنزيل المعروف بـتفسير البغوي .
لمؤلفه البغوي . المتوفي سنة 516 هـ

فَلَوْلَا الرِّحْلَتَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مقام بمكة، وَلَوْلَا الْأَمْنُ بِجِوَارِ الْبَيْتِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى التَّصَرُّفِ، وَشَقَّ عَلَيْهِمُ الاختلاف إلى اليمن والشام فأخضبت تَبَالَةُ وَجَرَشُ مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، فَحَمَلُوا الطَّعَامَ إِلَى مَكَّةَ أَهْلُ السَّاحِلِ مِنَ الْبَحْرِ عَلَى السُّفُنِ وَأَهْلُ الْبِرِّ عَلَى الْإِبِلِ وَالْحَمِيرِ فَأَلْقَى أَهْلُ السَّاحِلِ بِجَدَّةَ، وَأَهْلُ الْبَرِّ بِالْمُحَصَّبِ، وَأَخْصَبَ الشَّامُ فَحَمَلُوا الطَّعَامَ إِلَى مَكَّةَ فَأَلْقَوْا بِالْأَبْطَحِ، فَامْتَارُوا [١] مِنْ قَرِيبٍ وَكَفَاهُمُ اللَّهُ مُؤْنَةَ الرِّحْلَتَيْنِ، وَأَمَرَهُمْ بِعِبَادَةِ رَبِّ البيت.
فقال: لْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ
(٣). أَيِ الْكَعْبَةِ.
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ، أَيْ مِنْ بَعْدِ جُوعٍ بِحَمْلِ الْمِيرَةِ إِلَى مَكَّةَ، وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ، بِالْحَرَمِ وَكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ حَتَّى لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمْ فِي رِحْلَتِهِمْ.
وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُمْ كَانُوا فِي ضُرٍّ وَمَجَاعَةٍ حَتَّى جَمَعَهُمْ هَاشِمٌ عَلَى الرِّحْلَتَيْنِ، وَكَانُوا يُقَسِّمُونَ رِبْحَهُمْ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ حَتَّى كَانَ فَقِيرُهُمْ كَغَنِيِّهِمْ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ حَمَلَ السَّمْرَاءَ مِنَ الشَّامِ وَرَحَلَ إِلَيْهَا الْإِبِلَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مُنَافٍ وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
قُلْ لِلَّذِي طَلَبَ السَّمَاحَةَ وَالنَّدَى هَلَّا مَرَرْتَ بِآلِ عَبْدِ مَنَافٍ
هَلَّا مَرَرْتَ بِهِمْ تُرِيدُ قُرَاهُمُ مَنَعُوكَ مِنْ ضُرٍّ وَمِنْ إِكْفَافِ
الرَّائِشِينَ وَلَيْسَ يُوجَدُ رَائِشٌ وَالْقَائِلِينَ هَلُمَّ لِلْأَضْيَافِ
وَالْخَالِطِينَ فَقِيرَهُمْ بِغَنِيِّهِمْ حتى يكون فقيره كَالْكَافِي
وَالْقَائِمِينَ بِكُلِّ وَعْدٍ صَادِقٍ وَالرَّاحِلِينَ بِرِحْلَةِ الْإِيلَافِ
عَمْرُو الْعُلَا هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ وَرِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ
سَفَرَيْنِ سَنَّهَمُا لَهُ وَلِقَوْمِهِ سَفَرُ الشِّتَاءِ وَرِحْلَةُ الْأَصْيَافِ
وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالرَّبِيعُ وَسُفْيَانُ: وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ مِنْ خَوْفِ الْجُذَامِ، فَلَا يُصِيبُهُمْ بِبَلَدِهِمُ الْجُذَامُ.
سُورَةُ الماعون
مكية [وهي سبع آيات] [٢]
[سورة الماعون (١٠٧) : آيَةً ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١)، قَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وائل السهمي. وقال
(١) تصحف في المخطوط «امتازها».
(٢) زيد في المطبوع.
.
السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَابْنُ كَيْسَانَ: فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. قال الضحاك: نزلت في عمرو بن عائد الْمَخْزُومِيِّ. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. وَمَعْنَى يُكَذِّبُ بِالدِّينِ أَيْ بِالْجَزَاءِ والحساب.
[سورة الماعون (١٠٧) : الآيات ٢ الى ٧]
فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦)
وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧)
فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢)، يَقْهَرُهُ وَيَدْفَعُهُ عَنْ حَقِّهِ، وَالدَّعُّ: الدَّفْعُ بِالْعُنْفِ وَالْجَفْوَةِ.
وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣)، لَا يَطْعَمُهُ وَلَا يَأْمُرُ بِإِطْعَامِهِ لِأَنَّهُ يُكَذِّبُ بِالْجَزَاءِ.
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) أَيْ عَنْ مَوَاقِيتِهَا غَافِلُونَ.
«٢٤٠٢» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عبد الله الصفار أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غالب بن التمتام [١] الضبي ثنا حرمي بن حفص القسملي ثنا عكرمة بن إبراهيم الأزدي ثنا عَبْدِ الْمَلِكِ [٢] بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥)، قَالَ: «إِضَاعَةُ الْوَقْتِ».
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ يَتْرُكُونَ الصَّلَاةَ إِذَا غَابُوا عَنِ النَّاسِ، وَيُصَلُّونَهَا فِي الْعَلَانِيَةِ إِذَا حَضَرُوا.
لِقَوْلِهِ تعالى: الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦)، وَقَالَ فِي وَصْفِ الْمُنَافِقِينَ: وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ
[النِّسَاءِ: ١٤٢]، وَقَالَ قَتَادَةُ: سَاهٍ عَنْهَا لَا يُبَالِي صَلَّى أَمْ لم يصل. قيل: لَا يَرْجُونَ لَهَا ثَوَابًا إِنْ صَلَّوْا وَلَا يَخَافُونَ عِقَابًا إِنْ تَرَكُوا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: غَافِلُونَ عَنْهَا يَتَهَاوَنُونَ بِهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الَّذِي إِنْ صَلَّاهَا صَلَّاهَا رِيَاءً، وَإِنْ فَاتَتْهُ لَمْ يَنْدَمْ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَا يُصَلُّونَهَا لِمَوَاقِيتِهَا وَلَا يُتِمُّونَ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا.
وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧)، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ الزَّكَاةُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ
٢٤٠٢- ضعيف جدا، والصحيح موقوف.
- إسناده ضعيف جدا لأجل عكرمة بن إبراهيم الأزدي، وقد وهم في رفعه، وخالفه عاصم بن أبي النجود والأعمش وغيرهما فرووه موقوفا.
- انظر «الميزان» ٣/ ٨٩.
- وهو في «شرح السنة» ٣٩٨ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبري ٣٨٠٥٤ والبزار ٣٩٢ والطبراني ١٨٥٣ والبيهقي ٢/ ٢١٤ من طريق عكرمة بن إبراهيم بهذا الإسناد.
- وقال الهيثمي في «المجمع» ١/ ٣٢٥: وفيه عكرمة بن إبراهيم ضعفه ابن حبان وغيره.
- وأخرجه الطبري ٣٨٠٣٧ و٣٨٠٣٨ وأبو يعلى ٧٠٤ و٧٠٥ والبيهقي ٢/ ٢١٤ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أبيه موقوفا، وهو أصح.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» ١/ ٣٢٥ وقال: رواه أبو يعلى، وإسناده حسن. أي الموقوف.
- وقال الحافظ ابن كثير ٤/ ٦٦٨: رواه أبو يعلى موقوفا، وهو أصح، وقد ضعف البيهقي رفعه وكذا الحاكم.
(١) في المطبوع «تمام».
(٢) تصحف في المطبوع «الكريم».
Icon