ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ قال جماعة المفسرين (٣): لما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سورة النجم بمكة على المشركين، وألقى الشيطان في قراءته: تلك الغرانيق (٤) العلا - على ماانظر: "الإتقان" ١/ ١٥٩، و"فتح الباري" ٨/ ٧٣٣، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ١٣٦.
(٢) فيها قولان:
أحدهما: أنها مكية، قاله ابن مسعود، والحسن، والجمهور.
والآخر: أنها مدنية، قاله قتادة، واحد قولي ابن عباس، والضحاك.
"النكت والعيون" ٦/ ٣٥٧، و"زاد المسير" ٨/ ٣٢٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٢٢٤.
(٣) قال بذلك: ابن عباس، والقرظي، والضحاك، والسدي، وسعيد بن جبير، وعكرمة ومقاتل، انظر "تفسير مقاتل" ٢٥٤/ ب، و"جامع البيان" ١٧/ ١٣١، و"معالم التنزيل" ٣/ ٢٩٢، و"زاد المسير" ٥/ ٣٠٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٢٣٩، "أسباب النزول" ص ٢٥٨، تح: أيمن.
(٤) الغرانيق: هي الأصنام، وهي في الأصل الذكور من طير الماء، سمي به لبياضه، وكانوا يزعمون أن الأصنام تقربهم من الله عز وجل، وتشفع لهم إليه، فشبهت =
(١) سورة الحج: ٥٢ قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.
(٢) قصة الغرانيق باطلة سندًا ومتنًا وقد تقدم التعليق عليها في سورة الحج، وقد تناولها كثير من العلماء بالنقد والتجريح، والخلاصة فيها ما يلي: وهو ما وصفه الألباني من أن أسانيد القصة على اختلاف طرقها بأنها جميعها معللة بالإرسال والضعف والجهالة، كما بين أنه ليس في أحدها ما يصلح للاحتجاج به لا سيما في أمر خطير كهذا، ثم بين أن مما يؤكد ضعفها؛ بل بطلانها ما في القصة من نكارة لا تليق بمقام النبوة والرسالة.
انظر: "نصب المجانيق في نسف قصة الغرانيق" للألباني ص ١٨ وما بعدها. وممن أبطلها أيضًا ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" ٣/ ٢٣٩، وابن العربي في "أحكام القرآن" ٣/ ١٣٠، والشوكاني في "فتح القدير" ٣/ ٤٦١، والشنقيطي في "أضواء البيان" ٥/ ٧٣٠ ومن أراد الاستزادة فليراجع ذلك في "تفسير أبي العالية" رسالة غير منشورة، تح: "نورة الورثان" ٢/ ٢٧٢ - ٢٧٦.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) ممن قال بمعنى هذه الرواية: وهب، وعكرمة عن ابن عباس، وسعيد مولي البختري، ومقاتل، وعبيد بن عمير.
٣ - ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ﴾ إلا هي الذي أعبد اليوم. ومعنى: (ما أعبد) من أعبد، ولكنه مقابل قوله: ﴿مَا عَبَدْتُمْ﴾ أي من الأصنام. ثم حمل الثاني عليه ليتقابل (٤)
٤ - ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ﴾ يعني فيما بعد اليوم. ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ فيما بعد (٥) اليوم.
قالوا: فلما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه السورة عليهم علموا (٦) أنه قد تبرأ منهم فيأسوا منه، وشتموه، وآذوه.
وقال (٧) ابن عباس: وهذه السورة براءة من الشرك (٨).
وقال بها أيضًا الثعلبي في "الكشف والبيان" ١٣/ ١٦٩/ ب، وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٥٣٥ "التفسير الكبير" ٣٢/ ١٤٤، و"أسباب النزول"، تح: أيمن ص ٤٠٥.
قال ابن حجر: في الرواية التي من حديث ابن عباس: إن في إسناده أبا خلف عبد الله بن عيسى، وهو ضعيف. "فتح الباري" ٨/ ٧٣٣.
(١) "الوسيط" ٤/ ٥٦٥.
(٢) المرجع السابق.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) بياض في (ع).
(٥) في (أ): (بعد).
(٦) في (أ): (علم).
(٧) في (ع): (قال).
(٨) ورد معنى قوله في: "النكت والعيون" ٦/ ٣٥٨، و"زاد المسير" ٨/ ٣٢٢ - "حاشية الأزهرية".
قال أبو إسحاق: نفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بهذه السورة عبادة آلهتهم عن نفسه في الحال، وفيما يستقبل، (ونفى عنهم عبادة الله في الحال وفيما يستقبل) (٢)، قال: وهذا في قوم أعلمه الله أنهم لا يؤمنون، كقوله في قصة نوح ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦] (٣)
ونحو هذا قال أبو عبيدة (٤)، والأخفش (٥): في وجه تكرار الكلام في
كما ورد في "الدر المنثور"٨/ ٦٥٧ وزاد في عزوه إلى ابن أبي شيبة، وابن الأنباري في المصاحف، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في شعبه عن فروة بن نوفل بن معاوية الأشجعي عن أبيه: ٣/ ٤٩٨ ح ٢٥٢٠.
كما ورد بمعناه في "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٩٩ وعزاه إلى أحمد، والطبراني في الأوسط عن الحارث بن جبلة.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٧١.
(٤) "مجاز القرآن" ٢/ ٣١٤.
(٥) ورد قوله في: "النكت والعيون" ٦/ ٣٥٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٢٢٨، و"فتح القدير" ٥/ ٥٠٦.
وشرحه ابن الأنباري فقال حاكيًا عن أحمد بن يحيى، معنى التكرار فيه: أنه أراد (لا أعبد ما تعبدون) الساعة، وفي هذا الوقت، ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ في هذا الوقت أيضًا (ولا أنا عابد ما عبدتم) فيما أْستقبل، (ولا أنتم عابدون ما أعبد) فيما تستقبلون (١). فحسن التكرير لاختلاف المعاني.
وقال صاحب النظم: إنما كرر، لأنه جوزي به الكلام الذي كان هذا جوابه؛ لأنهم قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: تعبد آلهتنا لمدة ذكروها، ونعبد إلهك، ثم تعبد آلهتنا مدة، ونعبد إلهك، فأجيبوا برد ذلك ودفعه على المثال الذي تكلموا به (٢).
وقد علق الشوكاني حول ما ذكره أبو عبيدة، والأخفش، وابن الأنباري قال: وكل هذا فيه من التكلف والتعسف ما لا يخفى على منصف، فإن جعل قوله: "ولا أعبد ما تعبدون" للاستقبال، وإن كان صحيحًا على مقتضى اللغة العربية، ولكنه لا يتم جعل قوله: "ولا أنتم عابدون ما أعبد" للاستقبال، لأن الجملة الاسمية تفيد الدوام والثبات في كل الأوقات، فدخول المني عليها يرفع ما دلت عليه من الدوام والثبات في كل الأوقات، ولو كان حملها على الاستقبال صحيحًا للزم مثله في قوله: "ولا أنا عابد ما عبدتم" وفي قوله: "ولا أنتم عابدون ما أعبد" فلا يتم ما قيل من حمل الجملتين الأخريتين على الحال، وكما يندفع هذا يندفع ما قيل من العكس، لأن الجملة الثانية والثالثة والرابعة كلها جمل اسمية مصدرة بالضمائر التي هي المبتدأ في كل واحد منها مخبر عنها باسم الفاعل العامل فيما بعده؛ منفية كلها بحرف واحد، وهو لفظ "لا" في كل واحد منها، فكيف يصح القول مع هذا الاتحاد بأن معانيها في الحال والاستقبال مختلفة. "فتح القدير" ٥/ ٥٠٧.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
وهو أن القرآن كان ينزل شيئًا بعد شيء، وآية بعد آية، جوابًا لهم يسألون، وردًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأن المشركين قالوا (له) (١): [أسلم] (٢) ببعض آلهتنا حتى نؤمن بإلهك، فأنزل الله: (لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد) لأني لا أفعل ما قلتم.
ثم غبروا (٣) مدة فقالوا: تعبد آلهتنا يومًا، أو شهرًا، أو حولاً، ونعبد إلهك يومًا، أو شهرًا، أو حولاً، فأنزل: (ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد) أي على شريطة أن تؤمنوا به [في] (٤) وقت، وتشركوا به في وقت (٥).
أي لا أعبد آلهتكم على ما تشارطون، ولا أنتم أيضًا عابدون إلا هي (٦) على هذه الشريطة، لأني لا أفعل ما تشترطون؛ قال (٧): (وهذا
(٢) في (أ)، (ع): (استلم)، والمثبت من مصدر القول.
(٣) غير الشيء غبورًا: مكث وذهب. "لسان العرب" ٣/ ٥ (غير).
(٤) ساقطة من النسختين، وأثبت ما جاء في مصدر القول لاستقامة الكلام به وانتظامه.
(٥) "تأويل مشكل القرآن" ٢٣٧ - ٢٣٨ بيسير من التصرف.
(٦) في (ع): (الهي).
(٧) أي ابن قتية.
قوله: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)﴾ قال (ابن عباس (٢)، و) المفسرون (٣): "لكم" كفركم بالله، "ولي" التوحيد والإخلاص له، قالوا: وهذا قبل أن يؤمر بالحرب، ثم نسخ هذا التسليم بآية القتال (٤).
وقال أهل المعاني: معنى الآية: لكم جزاؤكم على عبادة الوثن، ولي جزائي على عبادة ربي، وعلى هذا يكون الدين بمعنى: الجزاء، ويجوز أن يكون على تقدير: المضاف لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني (٥).
(٢) "التفسير الكبير" ٣٢/ ١٤٧.
(٣) حكاه عن المفسرين ابن عطية في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٥٣١، وابن الجوزي في: "زاد المسير" ٨/ ٣٢٣، وقال به أيضًا السمرقندي في: "بحر العلوم" ٣/ ٥٢١، والثعلبي في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٧٠ ب.
(٤) وممن قال أيضًا بأنها منسوخة بآية السيف: هبة الله في: "الناسخ والمنسوخ من كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ" ص ٢٠٦، والبارزي في: "ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" ص ٥٨، وابن طاهر البغدادي في: "الناسخ والمنسوخ" ص ١٦١.
وقد رد ابن الجوزي دعوى النسخ فيها قال: قال الأكثرون نسخت بآية السيف، ثم قال: وإنما يصح هذا لو كان المعنى: قد أقررتكم على دينكم، وإذا كان لم يكن المفهوم هذا بعد النسخ راجع: "المصفى بأكف أهل الرسوخ من علم الناسخ والمنسوخ" ص ٥٩، وله أيضًا: "نواسخ القرآن" ص ٢٥٣.
كما رده أيضًا د. حلمي كامل؛ محقق كتاب البغدادي "ناسخ القرآن العزيز" ص ١٦١ - ١٦٥ فقد بين أنه لا تعارض بين الآية وبين آية السيف، الأمر الذي لا يدعو إلى القول بالنسخ، ثم قال: والقول بالنسخ متعارض من كل وجه لا يمكن معه الجمع بين الآيتين، لا مسوغ له، ولا يصار إليه.
(٥) لم أعثر على مصدر لقولهم، وقد ورد بمعناه من غير عزو في: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٢٢٩.