تفسير سورة المنافقون

الدر المنثور
تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب الدر المنثور في التأويل بالمأثور المعروف بـالدر المنثور .
لمؤلفه السُّيوطي . المتوفي سنة 911 هـ
أخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : نزلت سورة المنافقين في المدينة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
وأخرج سعيد بن منصور والطبراني في الأوسط بسند حسن عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الجمعة فيحرض بها المؤمنين، وفي الثانية سورة المنافقين، فيقرع بها المنافقين.
وأخرج البزار والطبراني عن أبي عيينة الخولاني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة، والسورة التي يذكر فيها المنافقون، والله سبحانه وتعالى أعلم.

أخرج ابْن سعد وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أَرقم قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَأصَاب النَّاس شدّة فَقَالَ عبد الله بن أبيّ لأَصْحَابه: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا من حوله وَقَالَ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته بذلك فَأرْسل إِلَى عبد الله بن أبيّ فَسَأَلَهُ فاجتهد يَمِينه مَا فعل فَقَالُوا: كذب زيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَقع فِي نَفسِي مِمَّا قَالُوا شدَّة حَتَّى أنزل الله تصديقي فِي ﴿إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ﴾ فَدَعَاهُمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَسْتَغْفِر لَهُم فلووا رؤوسهم وَهُوَ قَوْله: ﴿خشب مُسندَة﴾ قَالَ: كَانُوا رجَالًا أجمل شَيْء
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن زيد بن أَرقم قَالَ: غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ مَعنا نَاس من الْأَعْرَاب فَكُنَّا نَبْتَدِر المَاء وَكَانَ الْأَعْرَاب يسبقونا إِلَيْهِ فَيَسْبق الْأَعرَابِي أَصْحَابه فَيمْلَأ الْحَوْض وَيجْعَل حوله حِجَارَة وَيجْعَل النطع عَلَيْهِ حَتَّى يَجِيء أَصْحَابه فَأتى من الْأَنْصَار أَعْرَابِيًا فَأرْخى زِمَام نَاقَته لتشرب فَأبى أَن يَدعه فَانْتزع حجرا فغاض المَاء فَرفع الْأَعرَابِي خَشَبَة فَضرب بهَا رَأس الْأنْصَارِيّ فَشَجَّهُ فَأتى عبد الله بن أبيّ رَأس الْمُنَافِقين فَأخْبرهُ وَكَانَ من أَصْحَابه فَغَضب وَقَالَ: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى ينفض من حوله يَعْنِي الْأَعْرَاب وَكَانُوا يحْضرُون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الطَّعَام وَقَالَ عبد الله لأَصْحَابه: إِذا انْفَضُّوا من عِنْد مُحَمَّد فائتوا مُحَمَّدًا بِالطَّعَامِ فَليَأْكُل هُوَ وَمن عِنْده ثمَّ قَالَ لأَصْحَابه: إِذا رجعتم إِلَى الْمَدِينَة فَليخْرجْ الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل قَالَ زيد: وَأَنا ردف عمي فَسمِعت وَكُنَّا أَخْوَاله عبد الله فَأخْبرت عمي فَانْطَلق فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل إِلَيْهِ رَسُول الله فَحلف وَجحد فَصدقهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذبَنِي فجَاء إِلَى عمي فَقَالَ: مَا أردْت إِلَى أَن مَقَتك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذبَك وَكَذبَك الْمُسلمُونَ فَوَقع عليّ من الْهم مَا لم يَقع على أحد قطّ فَبَيْنَمَا أَنا أَسِير وَقد خَفَقت برأسي من الْهم إِذا آتَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَرَكَ أُذُنِي وَضحك فِي وَجْهي فَمَا كَانَ يسرني أَن لي بهَا الْخلد أَو الدُّنْيَا ثمَّ إِن أَبَا بكر لَحِقَنِي فَقَالَ: مَا قَالَ لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: مَا قَالَ لي شَيْئا إِلَّا أَنه عَرَكَ أُذُنِي
171
وَضحك فِي وَجْهي فَقَالَ: اُبْشُرْ ثمَّ لَحِقَنِي عمر فَقلت لَهُ مثل قولي لأبي بكر فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد إِنَّك لرَسُول الله﴾ حَتَّى بلغ ﴿ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل﴾
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أَرقم قَالَ: لما قَالَ عبد الله بن أبيّ مَا قَالَ: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا وَقَالَ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل سمعته فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فلامني نَاس من الْأَنْصَار وجاءهم يحلف مَا قَالَ ذَلِك فَرَجَعت إِلَى الْمنزل فَنمت فَأَتَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن الله صدقك وعذرك فأنزلت هَذِه الْآيَة ﴿هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله﴾ الْآيَتَيْنِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم قَالَ: لما قَالَ ابْن أبيّ مَا قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فجَاء فَحلف مَا قَالَ فَجعل نَاس يَقُولُونَ: جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْكَذِبِ حَتَّى جَلَست فِي الْبَيْت مَخَافَة إِذا رأوني قَالُوا: هَذَا الَّذِي يكذب حَتَّى أنزل الله ﴿هم الَّذين يَقُولُونَ﴾ الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن أَرقم قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ عبد الله بن أبيّ فَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَاس من أَصْحَابه فَقَالَ عبد الله بن أبيّ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فَأتيت سعد بن عبَادَة فَأَخْبَرته فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ فَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عبد الله بن أبيّ فَحلف لَهُ عبد الله بن أُبيّ بِاللَّه مَا تكلم بِهَذَا فَنظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى سعد بن عبَادَة فَقَالَ سعد: يَا رَسُول الله إِنَّمَا أخبرنيه الْغُلَام زيد بن أَرقم فجَاء سعد فَأخذ بيَدي فَانْطَلق بِي فَقَالَ: هَذَا حَدثنِي فَانْتَهرنِي عبد الله بن أبيّ فانتهيت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبكيت وَقلت: أَي وَالَّذِي أنزل النُّور عَلَيْك لقد قَالَه وَانْصَرف عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله ﴿إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ﴾ إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سماهم الله منافقين لأَنهم كتموالشرك وأظهروا الإِيمان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: ﴿اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة﴾ قَالَ: حلفهم بِاللَّه إِنَّهُم لمنكم اجنوا بأيمانهم من الْقَتْل وَالْحَرب
172
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: ﴿اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة﴾ قَالَ: اتَّخذُوا حلفهم جنَّة ليعصموا بهَا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا سَافر كَانَ مَعَ كل رجل من أَغْنِيَاء الْمُؤمنِينَ رجل من الْفُقَرَاء يحمل لَهُ زَاده وماءه فَكَانُوا إِذا دنوا من المَاء تقدم الْفُقَرَاء فاستقوا لأصحابهم فسبقهم أَصْحَاب عبد الله بن أبيّ فَأَبَوا أَن يخلوا عَن الْمُؤمنِينَ فحصرهم الْمُؤْمِنُونَ فَلَمَّا جَاءَ عبد الله بن أُبيّ نظر إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ: وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل وَقَالَ: امسكوا عَنْهُم البيع لَا تبايعوهم فَسمع زيد بن أَرقم قَول ابْن أبيّ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة وَقَوله: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله فَأخْبر عَمه فَأخْبر عَمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن أبيّ وَأَصْحَابه فَعجب من صورته وجماله وَهُوَ يمشي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك قَوْله: ﴿وَإِذا رَأَيْتهمْ تعجبك أجسامهم وَإِن يَقُولُوا تسمع لقَولهم كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة﴾ فَعرفهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا أخبرهُ حلف مَا قَالَه فَذَلِك قَوْله: ﴿اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة﴾ ﴿قَالُوا نشْهد إِنَّك لرَسُول الله﴾ وَذَلِكَ قَوْله: ﴿إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد إِنَّك لرَسُول الله﴾ وكل شَيْء أنزلهُ فِي الْمُنَافِقين فَإِنَّمَا أَرَادَ عبد الله ابْن أبيّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: ﴿ذَلِك بِأَنَّهُم آمنُوا ثمَّ كفرُوا فطبع على قُلُوبهم﴾ قَالَ: أقرُّوا بِلَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد رَسُول الله وَقُلُوبهمْ تأبى ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: ﴿كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة﴾ قَالَ: نخل قيام
الْآيَة ٥ - ٨
173
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ اتخذوا أيمانهم جنة ﴾ قال : حلفهم بالله إنهم لمنكم اجنوا بأيمانهم من القتل والحرب.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله :﴿ اتخذوا أيمانهم جنة ﴾ قال : اتخذوا حلفهم جنة ليعصموا بها دماءهم وأموالهم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر كان مع كل رجل من أغنياء المؤمنين رجل من الفقراء يحمل له زاده وماءه، فكانوا إذا دنوا من الماء تقدم الفقراء فاستقوا لأصحابهم، فسبقهم أصحاب عبدالله بن أبيّ، فأبوا أن يخلوا عن المؤمنين، فحصرهم المؤمنون، فلما جاء عبدالله بن أبيّ نظر إلى أصحابه فقال : والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وقال : امسكوا عنهم البيع لا تبايعوهم. فسمع زيد بن أرقم قول ابن أبيّ : لئن رجعنا إلى المدينة، وقوله : لا تنفقوا على من عند رسول الله، فأخبر عمه النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبيّ وأصحابه، فعجب من صورته وجماله، وهو يمشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله :﴿ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإن يقولوا تسمع لقولهم، كأنهم خشب مسندة ﴾ فعرفه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبره حلف ما قاله، فذلك قوله :﴿ اتخذوا أيمانهم جنة وقالوا نشهد إنك لرسول الله ﴾ وذلك قوله :﴿ إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ﴾ وكل شيء أنزله في المنافقين فإنما أراد عبدالله ابن أبيّ.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم ﴾ قال : أقروا بلا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وقلوبهم تأبى ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ كأنهم خشب مسندة ﴾ قال : نخل قيام.
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا نزل منزلا فِي السّفر لم يرتحل مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّي فِيهِ فَلَمَّا كَانَ غَزْوَة تَبُوك نزل منزلا فَقَالَ عبد الله بن أبيّ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فارتحل وَلم يصل فَذكرُوا ذَلِك فَذكر قصَّة ابْن أبيّ وَنزل الْقُرْآن ﴿إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد إِنَّك لرَسُول الله وَالله يعلم إِنَّك لرَسُوله﴾ وَجَاء عبد الله بن أبي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يعْتَذر وَيحلف مَا قَالَ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَهُ: تب فَجعل يلوي رَأسه فَأنْزل الله عز وَجل ﴿وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا يسْتَغْفر لكم رَسُول الله لووا رؤوسهم﴾ الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد ﴿وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا يسْتَغْفر لكم رَسُول الله لووا رؤوسهم﴾ قَالَ: عبد الله بن أبيّ بن سلول قيل لَهُ: تعال يسْتَغْفر لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلوى رَأسه وَقَالَ: مَاذَا قلت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: ﴿وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا يسْتَغْفر لكم رَسُول الله لووا رؤوسهم﴾ قَالَ: حركوها استهزاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن أبيّ وَذَلِكَ أَن غُلَاما من قرَابَته انْطلق إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَدِيث وَتَكْذيب شَدِيد فَدَعَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ يحلف ويتبرأ من ذَلِك وَأَقْبَلت الْأَنْصَار على ذَلِك الْغُلَام فلاموه وعذلوه وَقيل لعبد الله رَضِي الله عَنهُ: لَو أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْتَغْفر لَك فَجعل يلوي رَأسه وَيَقُول: لست فَاعِلا وَكذب عَليّ فَأنْزل الله مَا تَسْمَعُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الحكم عَن عِكْرِمَة أَن عبد الله بن أبيّ بن سلول كَانَ لَهُ ابْن يُقَال لَهُ حباب فَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله فَقَالَ يَا رَسُول الله: إِن وَالِدي يُؤْذِي الله وَرَسُوله فذرني حَتَّى أَقتلهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله
174
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقتل أَبَاك ثمَّ جَاءَهُ أَيْضا فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُول الله إِن وَالِدي يُؤْذِي الله وَرَسُوله فذرني حَتَّى أَقتلهُ فَقَالَ لَهُ رسو ل الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقتل أَبَاك ثمَّ جَاءَهُ أَيْضا فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن وَالِدي يُؤْذِي الله وَرَسُوله فذرني أَقتلهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقتل أَبَاك فَقَالَ: يَا رَسُول الله فذرني حَتَّى أسقيه من وضوئك لَعَلَّ قلبه يلين فَتَوَضَّأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَعْطَاهُ فَذهب بِهِ إِلَى أَبِيه فَسَقَاهُ ثمَّ قَالَ لَهُ: هَل تَدْرِي مَا سقيتك قَالَ لَهُ وَالِده: سقيتني بَوْل أمك فَقَالَ لَهُ ابْنه: وَالله وَلَكِن سقيتك وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عِكْرِمَة: وَكَانَ عبد الله بن أبيّ عَظِيم الشَّأْن وَفِيه أنزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُنَافِقين هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا وَهُوَ الَّذِي قَالَ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل قَالَ الحكم: ثمَّ حَدثنِي بشر بن مُسلم أَنه قيل لَهُ: يَا أَبَا حباب إِنَّه قد نزل فِيك آي شَدَّاد فَاذْهَبْ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَغْفر لَك فَلوى رَأسه ثمَّ قَالَ: أَمرْتُمُونِي أَن أومن فقد آمَنت وَأَمَرْتُمُونِي أَن أعطي زَكَاة مَالِي فقد أَعْطَيْت فَمَا بَقِي إِلَّا أَن أَسجد لمُحَمد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: كَانَ لعبد الله بن أبيّ مقَام يقومه كل جُمُعَة لَا يتْركهُ شرفاً لَهُ فِي نَفسه وَفِي قومه فَكَانَ إِذا جلس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة يخْطب قَامَ فَقَالَ: أَيهَا النَّاس هَذَا رسو ل الله بَين أظْهركُم أكْرمكُم الله بِهِ وأعزكم بِهِ فانصروه وعزروه واسمعوا لَهُ وَأَطيعُوا ثمَّ يجلس فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحد وصنع الْمُنَافِق مَا صنع فِي أحد فَقَامَ يفعل كَمَا كَانَ يفعل فَأخذ الْمُسلمُونَ بثيابه من نواحيه وَقَالُوا: اجْلِسْ يَا عَدو الله لست لهَذَا الْمقَام بِأَهْل
قد صنعت مَا صنعت
فَخرج يتخطى رِقَاب النَّاس وَهُوَ يَقُول: وَالله لكَأَنِّي قلت هجراً أَن قُمْت أسدد أمره فَقَالَ لَهُ رجل: وَيحك ارْجع يسْتَغْفر لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْمُنَافِق: وَالله لَا أبغي أَن يسْتَغْفر لي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت آيَة بَرَاءَة ﴿اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم﴾ ) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة ٨٠) قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اسْمَع رَبِّي (قدر خص) قد رخص لي فيهم فوَاللَّه لأَسْتَغْفِرَن أَكثر من سبعين مرّة لَعَلَّ الله أَن يغْفر لَهُم فَنزلت ﴿سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم لن يغْفر الله لَهُم﴾
175
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عُرْوَة قَالَ: لما نزلت (اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم) (سُورَة التَّوْبَة ٨٤) قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لأزيدن على السّبْعين فَأنْزل الله ﴿سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم﴾ الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة ﴿هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا﴾ فِي عسيف لعمر بن الْخطاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن أَرقم وَعبد الله بن مَسْعُود أَنَّهُمَا كَانَا يقرآن ﴿لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا﴾ من حوله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: ﴿هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله﴾ قَالَ: أَن عبد الله بن أبيّ قَالَ لأَصْحَابه: لَا تنفقواعلى من عِنْد رَسُول الله فَإِنَّكُم لَو لم تنفقوا عَلَيْهِم قد انْفَضُّوا وَفِي قَوْله: ﴿يَقُولُونَ لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل﴾ قَالَ: قد قَالَهَا مُنَافِق عَظِيم النِّفَاق فِي رجلَيْنِ اقتتلا أَحدهمَا غفاري وَالْآخر جهني فَظهر الْغِفَارِيّ على الْجُهَنِيّ وَكَانَ بَين جُهَيْنَة وَبَين الْأَنْصَار حلف فَقَالَ رجل من الْمُنَافِقين: وَهُوَ عبد الله بن أبيّ يَا بني الْأَوْس والخزرج عَلَيْكُم صَاحبكُم وحليفكم
ثمَّ قَالَ: وَالله مَا مثلنَا وَمثل مُحَمَّد إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِل: سمن كلبك يَأْكُلك
وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل
فسعى بهَا بَعضهم إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر: يَا نَبِي الله مر معَاذًا أَن يضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق
فَقَالَ: لَا يتحدث النَّاس أَن مُحَمَّدًا يقتل أَصْحَابه
وَذكر لنا أَنه كثر على رجلَيْنِ من الْمُنَافِقين عِنْده فَقَالَ عمر: هَل يُصَلِّي قَالُوا: نعم وَلَا خير فِي صلَاته
قَالَ نهيت عَن الْمُصَلِّين نهيت عَن الْمُصَلِّين نهيت عَن الْمُصَلِّين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: ﴿هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا﴾ يَقُول: لَا تطعموا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه حَتَّى تصيبهم مجاعَة فَيتْركُوا نَبِيّهم وَفِي قَوْله: ﴿لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل﴾ قَالَ: قَالَ ذَلِك عبد الله بن أبيّ رَأس الْمُنَافِقين وأناس مَعَه من الْمُنَافِقين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزَاة قَالَ
176
سُفْيَان: يرَوْنَ أَنَّهَا غَزْوَة بني المصطلق فَكَسَعَ رجل من الْمُنَافِقين رجلا من الْأَنْصَار [] فَسمع ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا بَال دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة قَالُوا: رجل من الْمُهَاجِرين كسع رجلا من الْأَنْصَار
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَة فَسمع ذَلِك عبد الله بن أبيّ فَقَالَ: أَو قد فَعَلُوهَا وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل
فَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعه لَا يتحدث النَّاس أَن مُحَمَّدًا يقتل أَصْحَابه زَاد التِّرْمِذِيّ فَقَالَ لَهُ ابْن عبد الله: وَالله لَا تنْقَلب حَتَّى تَقِرَّ أَنَّك الذَّلِيل وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَزِيز فَفعل
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ بَين غُلَام من الْأَنْصَار وَغُلَام من بني غفار فِي الطَّرِيق كَلَام فَقَالَ عبد الله بن أبيّ: هَنِيئًا لكم بَأْس هَنِيئًا جمعتم سوّاق الحجيج من مزينة وجهينة فغلبوكم على ثماركم وَلَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل
وَأخرج عبد بن حميد وَعَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما حضر عبد الله بن أبيّ الْمَوْت قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَدخل عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجرى بَينهمَا كَلَام فَقَالَ لَهُ عبد الله بن أبيّ: قد أفقه مَا تَقول وَلَكِن منَّ عليَّ الْيَوْم وكفّنّي بِقَمِيصِك هَذَا وصلّ عليّ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَكَفنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقَمِيصِهِ وَصلى عَلَيْهِ وَالله أعلم أَي صَلَاة كَانَت وَأَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يخدع إنْسَانا قطّ غير أَنه قَالَ يَوْم الْحُدَيْبِيَة كلمة حَسَنَة فَسئلَ عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ مَا هَذِه الْكَلِمَة قَالَ: قَالَت لَهُ قُرَيْش: يَا أَبَا حباب إِنَّا قد منعنَا مُحَمَّدًا طواف هَذَا الْبَيْت وَلَكنَّا نَأْذَن لَك فَقَالَ: لَا لي فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة
قَالَ: فَلَمَّا بلغُوا الْمَدِينَة أَخذ ابْنه السَّيْف ثمَّ قَالَ لوالده: أَنْت تزْعم لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل وَالله لَا تدْخلهَا حَتَّى يَأْذَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْحميدِي فِي مُسْنده عَن أبي هَارُون الْمدنِي قَالَ: قَالَ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ لِأَبِيهِ: وَالله لَا تدخل الْمَدِينَة أبدا حَتَّى تَقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَعَز وَأَنا الْأَذَل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن اسامة بن زيد رَضِي الله عَنهُ: لما رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بني المصطلق قَامَ عبد الله بن عبد الله بن أبيّ فسلّ على أَبِيه السَّيْف وَقَالَ: وَالله عليّ
177
أَن لَا أغمده حَتَّى تَقول: مُحَمَّد الْأَعَز وَأَنا الْأَذَل
فَقَالَ: وَيلك مُحَمَّد الْأَعَز وَأَنا الْأَذَل فبلغت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَعْجَبتهُ وشكرها لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: لما قدمُوا الْمَدِينَة سل عبد الله بن عبد الله بن أبيّ على أَبِيه السَّيْف وَقَالَ: لأضربنك أَو تَقول: أَنا الْأَذَل وَمُحَمّد الْأَعَز
فَلم يبرح حَتَّى قَالَ ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة بن الزبير رَضِي الله عَنهُ أَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة بني المصطلق لما أَتَوا الْمنزل كَانَ بَين غلْمَان من الْمُهَاجِرين وغلمان من الْأَنْصَار فَقَالَ غلْمَان من الْمُهَاجِرين: يَا للمهاجرين وَقَالَ غلْمَان من الْأَنْصَار: يَا للْأَنْصَار فَبلغ ذَلِك عبد الله بن أُبي بن سلول فَقَالَ: أما وَالله لَو أَنهم لم ينفقوا عَلَيْهِم انْفَضُّوا من حوله أما وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل
فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر بالرحيل فَأدْرك ركباً من بني عبد الْأَشْهَل فِي الْمسير فَقَالَ لَهُم: ألم تعلمُوا مَا قَالَ الْمُنَافِق عبد الله بن أبي قَالُوا: وماذا قَالَ: يَا رَسُول الله قَالَ: قَالَ أما وَالله لَو لم تنفقوا عَلَيْهِم لانفضوا من حوله أما وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل قَالُوا: صدق يَا رَسُول الله فَأَنت وَالله الْأَعَز الْعَزِيز وَهُوَ الذَّلِيل
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ معسكراً وَأَن رجلا من قُرَيْش كَانَ بَينه وَبَين رجل من الْأَنْصَار كَلَام حَتَّى اشْتَدَّ الْأَمر بَينهمَا فَبلغ ذَلِك عبد الله بن أبيّ فَخرج فَنَادَى: غلبني على قومِي من لَا قوم لَهُ فَبلغ ذَلِك عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَأخذ سَيْفه ثمَّ خرج عَامِدًا ليضربه فَذكر هَذِه الْآيَة (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله) (سُورَة الحجرات الْآيَة ١) فَرجع حَتَّى دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَالك يَا عمر قَالَ: الْعجب من ذَلِك الْمُنَافِق يَقُول غلبني على قومِي من لَا قوم لَهُ وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُم فَنَادِ فِي النَّاس يرتحلوا فارتحلوا فَسَارُوا حَتَّى إِذا كَانَ بَينهم وَبَين الْمَدِينَة مسيرَة لَيْلَة فَعجل عبد الله بن عبد الله بن أبيّ حَتَّى أَنَاخَ بِجَامِع طرق الْمَدِينَة وَدخل النَّاس حَتَّى جَاءَ أَبوهُ عبد الله بن أبيّ فَقَالَ: وَرَاءَك
فَقَالَ: مَالك وَيلك قَالَ: وَالله لَا تدْخلهَا أبدا إِلَّا أَن يَأْذَن رَسُول الله ليعلمن الْيَوْم من الْأَعَز من الْأَذَل
فَرجع حَتَّى لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشَكا إِلَيْهِ مَا صنع ابْنه
178
فَأرْسل إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن خلِّ عَنهُ حَتَّى يدْخل فَفعل فَلم يَلْبَثُوا إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِل حَتَّى اشتكي عبد الله فَاشْتَدَّ وَجَعه فَقَالَ لِابْنِهِ عبد الله: يَا بني ائْتِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَادعه فَإنَّك إِذْ أَنْت طلبت ذَلِك إِلَيْهِ فعل
فَفعل ابْنه فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُول إِن عبد الله بن أبيّ شَدِيد الوجع وَقد طلب إليّ أَن آتِيك فَتَأْتِيه فَإِنَّهُ قد اشتاق إِلَى لقائك فَأخذ نَعْلَيْه فَقَامَ وَقَامَ مَعَه نفر من أَصْحَابه حَتَّى دخلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لأَهله حِين دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجلسوني فَأَجْلَسُوهُ فَبكى فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجزعنا يَا عَدو الله الْآن فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي لم أدعك لِتؤَنِّبنِي وَلَكِن دعوتك لترحمني فاغرورقت عينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا حَاجَتك قَالَ: حَاجَتي إِذا أَنا مت أَن تشهد غسْلي وتكفني فِي ثَلَاثَة أَثوَاب من ثِيَابك وتمشي مَعَ جنازتي وَتصلي عليّ فَفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة بعد (وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره) (سُورَة التَّوْبَة الْآيَة ٨٤)
الْآيَة ٩ - ١١
179
وأخرج البيهقي في الدلائل عن الزهري قال : كان لعبدالله بن أبيّ مقام يقومه كل جمعة لا يتركه شرفاً له في نفسه وفي قومه، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب قام فقال : أيها الناس هذا رسول الله بين أظهركم أكرمكم الله به، وأعزكم به فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا، ثم يجلس، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد وصنع المنافق ما صنع في أحد، فقام يفعل كما كان يفعل، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه، وقالوا : اجلس يا عدو الله، لست لهذا المقام بأهل. قد صنعت ما صنعت. فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول : والله لكأني قلت هجراً أن قمت أسدد أمره، فقال له رجل : ويحك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المنافق : والله لا أبغي أن يستغفر لي.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : لما نزلت آية براءة ﴿ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ﴾ [ التوبة : ٨٠ ] قال النبي صلى الله عليه وسلم :«اسمع ربي قد رخص لي فيهم، فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة لعل الله أن يغفر لهم » فنزلت ﴿ سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ﴾.
وأخرج ابن مردويه عن عروة قال : لما نزلت ﴿ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ﴾ [ التوبة : ٨٠ ] قال النبي صلى الله عليه وسلم :«لأزيدن على السبعين » فأنزل الله ﴿ سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ﴾ الآية.
وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية ﴿ هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ﴾ في عسيف لعمر بن الخطاب.
وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم وعبدالله بن مسعود أنهما كانا يقرآن ﴿ لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ﴾.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله :﴿ هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله ﴾ قال : إن عبدالله بن أبيّ قال لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله، فإنكم لو لم تنفقوا عليهم قد انفضوا، وفي قوله :﴿ يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ﴾ قال : قد قالها منافق عظيم النفاق في رجلين اقتتلا أحدهما غفاري والآخر جهني، فظهر الغفاري على الجهني، وكان بين جهينة وبين الأنصار حلف، فقال رجل من المنافقين : وهو عبدالله بن أبيّ، يا بني الأوس والخزرج، عليكم صاحبكم وحليفكم. ثم قال : والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك. والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فسعى بها بعضهم إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : يا نبي الله مر معاذاً أن يضرب عنق هذا المنافق. فقال : لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه. وذكر لنا أنه كثر على رجلين من المنافقين عنده فقال عمر : هل يصلي ؟ قالوا : نعم ولا خير في صلاته. قال نهيت عن المصلين، نهيت عن المصلين، نهيت عن المصلين.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ﴾ يقول : لا تطعموا محمداً وأصحابه حتى تصيبهم مجاعة فيتركوا نبيهم. وفي قوله :﴿ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ﴾ قال : قال ذلك عبدالله بن أبيّ رأس المنافقين وأناس معه من المنافقين.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ﴾ يقول : لا تطعموا محمداً وأصحابه حتى تصيبهم مجاعة فيتركوا نبيهم. وفي قوله :﴿ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ﴾ قال : قال ذلك عبدالله بن أبيّ رأس المنافقين وأناس معه من المنافقين.
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبدالله قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، قال سفيان : يرون أنها غزوة بني المصطلق، فكسع رجل من المنافقين رجلاً من الأنصار فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : ما بال دعوى الجاهلية ؟ قالوا : رجل من المهاجرين كسع رجلاً من الأنصار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم :«دعوها فإنها منتنة » فسمع ذلك عبدالله بن أبيّ، فقال : أو قد فعلوها، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :«دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ». زاد الترمذي، فقال له ابنه عبدالله : والله لا تنقلب حتى تَقِرَّ أنك الذليل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز ففعل.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال : كان بين غلام من الأنصار وغلام من بني غفار في الطريق كلام، فقال عبدالله بن أبيّ : هنيئاً، لكم بأس، هنيئاً جمعتم سوّاق الحجيج من مزينة وجهينة فغلبوكم على ثماركم، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال : لما حضر عبدالله بن أبيّ الموت قال ابن عباس رضي الله عنهما : فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرى بينهما كلام، فقال له عبدالله بن أبيّ : قد أفقه ما تقول، ولكن منَّ عليَّ اليوم وكفّنّي بقميصك هذا وصلّ عليّ. قال ابن عباس رضي الله عنهما : فكفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقميصه، وصلى عليه والله أعلم أي صلاة كانت، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يخدع إنساناً قط، غير أنه قال يوم الحديبية كلمة حسنة، فسئل عكرمة رضي الله عنه ما هذه الكلمة ؟ قال : قالت له قريش : يا أبا حباب إنا قد منعنا محمداً طواف هذا البيت، ولكنا نأذن لك، فقال : لا لي في رسول الله أسوة حسنة. قال : فلما بلغوا المدينة أخذ ابنه السيف ثم قال لوالده : أنت تزعم لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، والله لا تدخلها حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الحميدي في مسنده عن أبي هارون المدني قال : قال عبدالله بن عبدالله بن أبيّ لأبيه : والله لا تدخل المدينة أبداً حتى تقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعز وأنا الأذل.
وأخرج الطبراني عن أسامة بن زيد رضي الله عنه : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني المصطلق قام عبدالله بن عبدالله بن أبيّ فسلّ على أبيه السيف، وقال : والله عليّ أن لا أغمده حتى تقول : محمد الأعز وأنا الأذل. فقال : ويلك محمد الأعز وأنا الأذل. فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبته، وشكرها له.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : لما قدموا المدينة سلّ عبدالله بن عبدالله بن أبيّ على أبيه السيف وقال : لأضربنك أو تقول : أنا الأذل ومحمد الأعز. فلم يبرح حتى قال ذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة بن الزبير رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق لما أتوا المنزل كان بين غلمان من المهاجرين وغلمان من الأنصار، فقال غلمان من المهاجرين : يا للمهاجرين، وقال غلمان من الأنصار : يا للأنصار، فبلغ ذلك عبدالله بن أبيّ بن سلول فقال : أما والله لو أنهم لم ينفقوا عليهم انفضوا من حوله، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر بالرحيل، فأدرك ركباً من بني عبد الأشهل في المسير، فقال لهم :«ألم تعلموا ما قال المنافق عبدالله بن أبي ؟ » قالوا : وماذا قال : يا رسول الله ؟ قال :«قال أما والله لو لم تنفقوا عليهم لانفضوا من حوله، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل » قالوا : صدق يا رسول الله، فأنت والله الأعز العزيز وهو الذليل.
وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معسكراً وأن رجلاً من قريش كان بينه وبين رجل من الأنصار كلام حتى اشتد الأمر بينهما، فبلغ ذلك عبدالله بن أبيّ، فخرج فنادى : غلبني على قومي من لا قوم له، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأخذ سيفه ثم خرج عامداً ليضربه، فذكر هذه الآية ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ﴾ [ الحجرات : ١ ] فرجع حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما لك يا عمر ؟ قال : العجب من ذلك المنافق، يقول غلبني على قومي من لا قوم له، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. قال النبي صلى الله عليه وسلم : قم فناد في الناس يرتحلوا، فارتحلوا فساروا حتى إذا كان بينهم وبين المدينة مسيرة ليلة، فعجل عبدالله بن عبدالله بن أبيّ حتى أناخ بجامع طرق المدينة، ودخل الناس حتى جاء أبوه عبدالله بن أبيّ فقال : وراءك. فقال : ما لك ويلك ؟ قال : والله لا تدخلها أبداً إلا أن يأذن رسول الله، وليعلمن اليوم من الأعز من الأذل. فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه ما صنع ابنه. فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن خلِّ عنه حتى يدخل ففعل، فلم يلبثوا إلا أياماً قلائل حتى اشتكى عبدالله فاشتد وجعه فقال لابنه عبدالله : يا بني ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه فإنك إذ أنت طلبت ذلك إليه فعل. ففعل ابنه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له : يا رسول إن عبدالله بن أبيّ شديد الوجع، وقد طلب إليّ أن آتيك فتأتيه فإنه قد اشتاق إلى لقائك، فأخذ نعليه فقام، وقام معه نفر من أصحابه حتى دخلوا عليه، فقال لأهله حين دخل النبي صلى الله عليه وسلم : أجلسوني، فأجلسوه فبكى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجزعاً يا عدو الله الآن ؟ فقال : يا رسول الله إني لم أدعك لتؤنبني، ولكن دعوتك لترحمني، فاغرورقت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما حاجتك ؟ قال : حاجتي إذا أنا مت أن تشهد غسلي وتكفني في ثلاثة أثواب من ثيابك، وتمشي مع جنازتي، وتصلي عليّ. ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية بعد ﴿ ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره ﴾ [ التوبة : ٨٤ ].
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله﴾ قَالَ: هم عباد من أمتِي الصالحون مِنْهُم لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة الْخمس
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كَانَ لَهُ مَال يبلغهُ حج بَيت ربه أَو تجب عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاة فَلم يفعل سَأَلَ الرّجْعَة عِنْد الْمَوْت
فَقَالَ لَهُ رجل: يَا ابْن عَبَّاس اتَّقِ الله فَإِنَّمَا يسْأَل الرّجْعَة الْكفَّار فَقَالَ: سأتلوا عَلَيْكُم
179
بذلك قُرْآنًا ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله﴾ إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن جرير من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله﴾ الْآيَة قَالَ: هُوَ الرجل الْمُؤمن إِذا نزل بِهِ الْمَوْت وَله مَال لم يزكه وَلم يحجّ مِنْهُ وَلم يُعْط حق الله مِنْهُ يسْأَل الرّجْعَة عِنْد الْمَوْت ليتصدق من مَاله ويزكي قَالَ الله: ﴿وَلنْ يُؤَخر الله نفسا إِذا جَاءَ أجلهَا﴾
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: ﴿لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله﴾ قَالَ: عَن الصَّلَوَات الْخمس وَفِي قَوْله: ﴿وأنفقوا من مَا رزقناكم﴾ قَالَ: يَعْنِي الزَّكَاة وَالنَّفقَة فِي الْحَج
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَطاء فِي قَوْله: ﴿لَا تلهكم أَمْوَالكُم وَلَا أَوْلَادكُم عَن ذكر الله﴾ قَالَ: الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: ﴿فَأَصدق﴾ قَالَ: أزكي ﴿وأكن من الصَّالِحين﴾ قَالَ: أحج
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ ﴿فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين﴾ قَالَ: أحج
وَأخرج عبد بن حميد وَعَن الْحسن عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ ﴿فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين﴾ بِالْوَاو
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن زيد بن ثَابت قَالَ: الْقِرَاءَة سنة من السّنَن فاقرؤوا الْقُرْآن كَمَا اقرئتموه (إِن هَذَانِ لساحران) (سُورَة طه الْآيَة ٦٣) ﴿فَأَصدق وأكن من الصَّالِحين﴾
180
٦٤
سُورَة التغابن
مَدَنِيَّة وآياتها ثَمَانِي عشرَة أخرج ابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة التغابن بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: نزلت سُورَة التغابن بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج النّحاس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة التغابن بِمَكَّة إِلَّا آيَات من آخرهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ فِي عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ شكا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جفَاء أَهله وَولده فَأنْزل الله ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن من أزواجكم وَأَوْلَادكُمْ عدوا لكم فاحذروهم﴾ إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: نزلت سُورَة التغابن كلهَا بِمَكَّة إِلَّا هَؤُلَاءِ الْآيَات ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن من أزواجكم وَأَوْلَادكُمْ﴾ نزلت فِي عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ كَانَ ذَا أهل وَولد فَكَانَ إِذا أَرَادَ الْغَزْو بكوا عَلَيْهِ ورققوه فَقَالُوا: إِلَى من تدعنا فيرق وَيُقِيم هَذِه الْآيَات فِيهِ بِالْمَدِينَةِ

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الْآيَة ١ - ٦
181
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :﴿ فأصدق ﴾ قال : أزكي ﴿ وأكون من الصالحين ﴾ قال : أحج.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن عن عاصم أنه قرأ ﴿ فأصدق «وأكون » من الصالحين ﴾ قال : أحج.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن عن عاصم أنه قرأ ﴿ فاصدق «وأكون » من الصالحين ﴾ بالواو.
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن زيد بن ثابت قال : القراءة سنة من السنن فاقرؤوا القرآن كما اقرئتموه ﴿ إن هذان لساحران ﴾ [ طه : ٦٣ ] ﴿ فأصدق وأكن من الصالحين ﴾.
Icon