تفسير سورة المائدة

تفسير ابن خويز منداد
تفسير سورة سورة المائدة من كتاب تفسير ابن خويز منداد .
لمؤلفه ابن خويزمنداد . المتوفي سنة 390 هـ

٤٥- قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّوا شَعَئِرَ اَللَّهِ وَلاَ اَلشَّهْرَ اَلْحَرَامَ وَلاَ اَلْهَدْيَ وَلاَ اَلْقَلَئِدَ وَلاَ ءَامِّينَ اَلْبَيْتَ اَلحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِ مَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ اَن صَدُّوكُمْ عَنِ اِلمَسْجِدِ اِلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى اَلْبِرِّ وَالتَّقِوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى اَلاِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اَللَّهَ إِنَّ اَللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ ( ٢ ).
٥٠- قوله تعالى :﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى اَلْبِرِّ وَالتَّقِوَى ﴾ :( قال ابن خويز منداد في أحكامه : والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه ؛ فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة " المؤمنون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم " ١ )٢.
١ - أخرجه ابن ماجة في كتاب الديات، باب المسلمون تتكافأ دماؤهم: ٢/٨٩٥ بنحوه. وأحمد في مسنده: ٢/٦٢٤ بلفظه..
٢ - الجامع لأحكام القرآن: ٦/٤٧ وفيه بعد هذا الكلام: "ويجب الإعراض عن المتعدي وترك النصرة له ورده عما هو عليه. ثم نهى فقال: ﴿ولا تعاونوا على الاثم والعدوان﴾ وهو الحكم اللاحق عن الجرائم، وعن "التعاون" وهو ظلم الناس. ثم أمر بالتقوى وتوعد توعدا مجملا فقال: ﴿واتقوا الله إن الله شديد العقاب﴾ ولم استطع الترجيح بين أن تكون هذه الزيادة من كلام ابن خويز منداد أو من كلام غيره..
٤٦- ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اِللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ اَلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى اَلنُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالاَزْلَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ اَلذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ اِلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاٍسْلَمَ دِينًا فَمَنُ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اَللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ( ٣. (
٥١- قوله تعالى :﴿ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالاَزْلَمِ ﴾ : قال القرطبي :( الأزلام هي كعاب فارس والروم التي يتقامرون بها. وقال سفيان١ ووكيع٢ هي الشطرنج ؛ فالاستقسام بهذا كله هو طلب القسم والنصيب كما بينا ؛ وهو من أكل المال بالباطل، وهو حرام، وكل مقامرة بحمام أو بِنَرْد أو شطرنج أو بغير ذلك من هذه الألعاب فهو استقسام بما هو في معنى الأزلام حرام كله ؛ وهو ضرب من التكهن والتعرض لدعوى علم الغيب. قال ابن خويز منداد : ولهذا نهى أصحابنا عن الأمور التي يفعلها المنجمون على الطرقات من السهام التي معهم، ورقاع الفأل في أشباه ذلك )٣.
١ - هو أبو محمد سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الإمام الكبير الحافظ سمع من عمرو بن دينار، وزياد بن علاقة. والأسود بن قيس، وخلق كثير. حدث عنه الأعمش وابن جريج، وشعبة وهمام بن يحيى. قال الشافعي: لولا مالك وسفيان بن عيينة لذهب علم الحجاز (ت ١٩٨هـ). انظر عنه: تاريخ بغداد: ٩/٧٤، وفيات الأعيان: ٢/٣٩١، طبقات المفسرين: ١/١٩٦..
٢ - هو وكيع بن الجراح، بن مليح بن عدي سمع من هشام بن عروة، وسليمان الأعمش، وابن جريج حدث عنه: سفيان الثوري وعبد الله بن هشام الطوسي، اشتهر بالفقه وحفظ الحديث (ت١٧٩هـ) انظر عنه : ميزان الاعتدال: ٤/٣٣٥-٣٣٦، سير أعلام والنبلاء: ٩/١٤٠، وشذرات الذهب: ١/٣٤٩ - ٣٥٠..
٣ - الجامع لأحكام القرآن: ٦/٥٩..
٤٧- قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمُ إِلَى اَلصَّلَوةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمُ إِلَى اَلْمَرَاِفقِ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمُ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ ﴾ ( ٦(.
٥٢- قوله تعالى :﴿ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ ﴾ :»ذكر ابن خويز منداد : أن الفقهاء اتفقوا على أن تخليل اللحية ليس بواجب في الوضوء، إلا شيء روي عن سعيد بن جبير١ ؛ قوله : ما بال الرجل يغسل لحيته قبل أن تنبت فإذا نبتت لم يغسلها، وما بال الأمرد يغسل ذقنه ولا يغسله ذو اللحية ؟ «٢.
٥٣- قوله تعالى :﴿ وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمُ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ ﴾ : قال القرطبي :( ويجوز عند مالك المسح على الخف وإن كان فيه خرق يسير : قال ابن خويز منداد : معناه أن يكون الخرق لا يمنع من الانتفاع به ومن لبسه، ويكون مثله يُمشى فيه. وبمثل قول مالك هذا قال الليث والثوري والشافعي والطبريّ ؛ وقد روي عن الثوري والطبري إجازة المسح على الخف المخرق جملة )٣.
٥٤- قوله تعالى :﴿ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً ﴾ : قال القرطبي :( قد تقدم في " النساء " ٤ أن عدمه٥ يترتب للصحيح الحاضر بأن يسجن أو يربط، وهو الذي يقال فيه : إنه لم يجد ماء ولا ترابا وخشي خروج الوقت ؛ اختلف الفقهاء في حكمة على أربعة أقوال : الأول - قال ابن خويز منداد : الصحيح على مذهب مالك بأنه لا يصلي ولا شيء عليه ؛ قال : ورواه المدنيون عن مالك، قال : وهو الصحيح من المذهب... ٦ )٧.
١ - هو أبو محمد ويقال: أبو عبد الله سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الوالبي، مولاهم الكوفي، روى عن ابن عباس، وعائشة، وأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة وغيرهم: حدث عنه أبو صالح السمان، وأيوب السختياني، وميمون بن مهران وخلق كثير، قال القاسم بن أبي أيوب: سمعت سعيدا يردد هذه الآية بضع وعشرين مرة: ﴿واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله﴾ قتل سنة ٩٥هـ. انظر ترجمته: طبقات الفقهاء ص ٨٢، وفيات الأعيان: ٢/٣٧١، سير أعلام النبلاء: ٤/٣٢١..
٢ - الجامع لأحكام القرآن: ٦/٨٣، وانظر التمهيد: ٢٠/١٢٠..
٣ - الجامع لأحكام القرآن: ٦/١٠١، وانظر التمهيد: ١١/١٥٦، والاستذكار: ٢/٢٥٧..
٤ - راجع: ٥/٢٢٣-٢٢٧ وما بعدها من "الجامع لأحكام القرآن"..
٥ - أي انعدام الماء..
٦ - في النسخة المطبوعة من "الجامع" تتمة للأقوال الثلاث المتبقية..
٧ - الجامع لأحكام القرآن: ٦/١٠٥. وإثر ذلك كله قال أبو عمر بن عبد البر معقبا: (ما أعرف كيف أقم ابن خويز منداد على جعل الصحيح من المذهب ما ذكر، وعلى خلافه جمهور السلف وعامة الفقهاء وجماعة المالكيين. وأظنه ذهب إلى ظاهر حديث مالك في قوله وليسوا على ماء – الحديث - ولم يذكر أنهم صلوا؛ وهذا لا حجة فيه)..
٤٨- قوله تعالى :﴿ إَنَّمَا جَزَاءُ الذِينَ يُحَارِبُونَ اَللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي اِلاَرْضِ فَسَاداً اَنْ يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلاَفٍ اَوْ يُنفَوْا مِنَ اَلاَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي اِلدُّنْيا وَلَهُمْ فِي اِلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ ( ٣٣ ).
٥٥- قال القرطبي :( قوله تعالى :﴿ اَوْ يُنفَوْا مِنَ اَلاَرْضِ ﴾ النفي أصله الإهلاك، ومنه الإثبات والنفي، فالنفي الإهلاك بالإعدام ؛ ومنه النفاية لرَدِيِّ المتاع، ومنه النَّفِيُّ لما تطاير من الماء عن الدّلْو.. قال ابن خويز منداد : ولا يراعى المال الذي يأخذه المحارب نصابا كما يُراعى في السارق. وقد قيل : يراعى في ذلك النصاب ربع دينار... ١ قال ابن خويز منداد : واختلفت الرواية عن مالك في المحارب إذا أقيم عليه الحد ولم يوجد له مال. هل يُتبع دينا بما أخذ، أو يسقط عنه كما يُسْقط عن السارق ؟ والمسلم والذمي في ذلك سواء )٢.
١ - بناء الكلام كله في الأصل (الجامع لأحكام القرآن: ٦/١٥٣-١٥٥) هكذا: السادسة - قال ابن خويز منداد: ولا يراعى المال الذي.. العاشرة -.. قال ابن خويز منداد: واختلفت الرواية عن مالك في المحارب....
٢ - الجامع لأحكام القرآن: ٦/١٥٣-١٥٥..
٤٩- قوله تعالى :﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ إِنَّ اَللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ ( ٤٢ ).
٥٦- قوله تعالى :﴿ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ﴾ :( قال ابن خويز منداد : من السحت أن يأكل الرجل بجاهه، وذلك أن يكون له جاه عند السلطان فيسأله إنسان حاجة فلا يقضيها إلا برشوة يأخذها )١.
٥٧- قوله تعالى :﴿ فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ اَوَ اَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ :( قال ابن خويز منداد : ولا يرسل الإمام إليهم٢ إذا استعدى بعضهم على بعض، ولا يُحضِر الخصمَ مجلسه إلا أن يكون فيما يتعلق بالمظالم التي ينتشر منها الفساد كالقتل ونهب المنازل وأشباه ذلك، فأما الديون والطلاق وسائر المعاملات فلا يحكم بينهم إلا بعد التراضي، والاختيار له ألا يحكم ويردهم إلى حكامهم. فإن حكم بينهم حكم بحكم الاسلام. وأما إجبارهم على حكم المسلمين فيما ينتشر منه الفساد فليس على الفساد عاهدناهم، وواجب قطع الفساد عنهم منهم ومن غيرهم ؛ لأن في ذلك حفظ أموالهم ودمائهم، ولعل في دينهم استباحة ذلك فينتشر منه الفساد بيننا ؛ ولذلك منعناهم أن يبيعوا الخمر جهارا وأن يظهروا الزنى وغير ذلك من القاذورات ؛ لئلا يفسد بهم سفهاء المسلمين. وأما الحكم فيما يختص به دينهم من الطلاق والزنى وغيره فليس يلزمهم أن يتدينوا بديننا، وفي الحكم بينهم بذلك إضرار بحكامهم وتغيير ملتهم، وليس كذلك الديون والمعاملات ؛ لأن فيها وجها من المظالم وقطع الفساد والله أعلم )٣.
١ - المصدر السابق: ٦/١٨٣، وفيه بعد هذا الكلام: (ولا خلاف بين السلف أن أخذ الرشوة على إبطال حق أو ما لا يجوز سحت حرام) ولم أستطع الترجيح بين أن تكون هذه الزيادة من كلام ابن خويز منداد أو من كلام القرطبي..
٢ - أي هل الذمة..
٣ - الجامع لأحكام القرآن: ٦/١٨٤-١٨٥. وقد أورده القرطبي بعد قوله: »فأما أهل الذمة فهل يجب علينا الحكم بينهم إذا ترافعوا إلينا؟ قولان للشافعي؛ وإن ارتبطت الخصومة بمسلم يجب الحكم. قال المهدوي: أجمع العلماء على أن على الحاكم أن يحكم بين المسلم والذميّ. واختلفوا في الذميين؛ فذهب بعضهم إلى أن الآية محكمة وأن الحاكم مخيّر؛ روي ذلك عن النخعيّ والشعبيّ وغيرهما، وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما، سوى ما روي عن مالك في ترك إقامة الحد على أهل الكتاب في الزنى؛ فإنه إن زنى المسلم بالكتابية حدّ ولا حد عليها، فإن كان الزانيان ذميين فلا حد عليهما؛ وهو مذهب أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وغيرهما. وقد روي عن أبي حنيفة أيضا أنه قال : يجلدان ولا يرجمان. وقال الشافعي وأبو يوسف وأبو ثور وغيرهم: عليهما الحدّ إن أتيا راضيين بحكمنا«..
٥٠- قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولٌهٌ وَالذِينَ ءَامَنُواْ الذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلَوةَ وَيُوتُونَ اَلزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ ( ٥٥ ).
٥٨- ( قال ابن خويز منداد : قوله تعالى :﴿ وَيُوتُونَ اَلزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ تضمنت جواز العمل اليسير في الصلاة ؛ وذلك أن هذا خرج مخرج المدح، وأقل ما في باب المدح أن يكون مباحا ؛ وقد روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أعطى السائل شيئا وهو في الصلاة، وقد يجوز أن تكون١ هذه صلاة تطوع، وذلك أنه مكروه في الفرض. ويحتمل أن يكون المدح متوجها على اجتماع حالتين ؛ كأنه وصف من يعتقد وجوب الصلاة والزكاة ؛ فعبر عن الصلاة بالركوع، وعن الاعتقاد للوجوب بالفعل ؛ كما تقول : المسلمون هم المصلون، ولا تريد أنهم في تلك الحال مصَلُّون ولا يوجه المدح حال الصلاة ؛ فإنما تريد من يفعل هذا الفعل ويعتقده )٢.
١ - في النسخة المطبوعة من الجامع لأحكام القرآن "يكون"، وهو خطأ، والصواب ما أثبته..
٢ - الجامع لأحكام القرآن: ٦/٢٢٢..
٥١- قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الذِينَ اَتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُؤًا وَلَعِبًا مِنَ اَلذِينَ أُوتُواْ الْكِتَبَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنْ كُنتُم مُّومِنِينَ ﴾ ( ٥٧ ).
٥٩- ( قال ابن خويز منداد : هذه الآية مثل قوله تعالى :﴿ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمٌ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾١، و﴿ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ ﴾٢ تضمنت المنع من التأييد والانتصار بالمشركين ونحو ذلك. وروى جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الخروج إلى أحد جاءه قوم من اليهود فقالوا : نسير معك ؛ فقال عليه الصلاة والسلام :»إنا لا نستعين على أمرنا بالمشركين )٣ )٤.
١ - المائدة: ٥١..
٢ - آل عمران: ١١٨..
٣ - أخرجه الإمام أحمد في مسنده: ٩/٣٣٨، ولم يذكر فيه "على أمرنا". وانظر فتح الباري: ٤/٤٤٢..
٤ - الجامع لأحكام القرآن: ٦/٢٢٤. وفيه بعد هذا الكلام: "وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعي. وأبو حنيفة جوز الانتصار بهم على المشركين للمسلمين؛ وكتاب الله تعالى يدل على خلاف ما قالوه مع ما جاء من السنة في ذلك، والله أعلم" ولم أستطع الترجيح بين أن تكون هذه الزيادة من كلام ابن خويز منداد أو من كلام القرطبي..
٥٢- قوله تعالى :﴿ لاَ يُوَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَنِكُمْ وَلَكِنْ يُّوَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدْتُمُ الاَيْمَانَ فَكَفَّرَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَكِينَ مِنَ اَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمُ أَوْ كِسْوَتُهُمُ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّرَةُ أَيْمَنِكُمُ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَنَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ ءَايَتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ ( ٨٩ ).
٦٠- قوله تعالى :﴿ وَلَكِنْ يُّوَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدْتُمُ الاَيْمَانَ ﴾ :( قال ابن خويز منداد : واختلف أصحابنا متى استثنى في نفسه تخصيص ما حلف عليه، فقال بعض أصحابنا : يصح استثناؤه وقد ظلم المحلوف له. وقال بعضهم : لا يصح حتى يسمع المحلوف له. وقال بعضهم : يصح إذا حرك به لسانه وشفتيه وإن لم يسمع المحلوف له. قال ابن خويز منداد : وإنما قلنا يصح استثناؤه في نفسه، فلأن الأيمان تعتبر بالنيات، وإنما قلنا لا يصح ذلك حتى يحرك به لسانه وشفتيه، فإن من لم يحرك به لسانه وشفتيه لم يكن متكلما، والاستثناء من الكلام يقع بالكلام دون غيره ؛ وإنما قلنا لا يصح بحال فلأن ذلك حق للمحلوف له، وإنما يقع على حسب ما يستوفيه له الحاكم، فلما لم تكن اليمين على اختيار الحالف بل كانت مستوفاة منه، وجب ألا يكون له فيه حكم )١.
١ - الجامع لأحكام القرآن: ٦/٢٧٣. وقد أورده القرطبي بعد قوله: "... عن ابن عمر عن النبيصلى الله عليه وسلم قال: "من حلف فاستثنى فإن شاء مضى وإن شاء ترك من غير حنث" فإن نواه من غير نطق أو قطعه من غير عذر لم ينفعه، وقال محمد بن المواز: يكون الاستثناء مقترنا باليمين اعتقاد ولو بآخر حرف؛ قال: فإن فرغ منها واستثنى لم ينفعه ذلك؛ لان اليمين فرغت عارية من الاستثناء، فورودها بعده لا يؤثر كالتراخي؛ وهذا يرده الحديث "من حلف فاستثنى" والفاء؛ للتعقيب وعليه جمهور أهل العلم. وأيضا فإن ذلك يؤدي إلى ألا تنحل يمين ابتدئ عقدها وذلك باطل. وقال ابن خويز منداد : واختلف أصحابنا متى استثنى في نفسه..."..
٥٣- قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّمَا اَلْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالاَنصَابُ وَالاَزْلَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ اِلشَّيْطَنِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ ( ٩٠ ).
٦١- قوله تعالى :﴿ فَاجْتَنِبُوهُ ﴾ :( ذكر ابن خويز منداد أنها تملك١، ونزع إلى ذلك بأنه يمكن أن يزال بها الغَصص، ويطفأ بها حريق )٢.
١ - أي الخمر..
٢ - الجامع لأحكام القرآن: ٦/٢٩١. وإثره قال القرطبي معقبا: (وهذا نقل لا يعرف لمالك بل يخرج هذا على قول من يرى أنها طاهرة. ولو جاز ملكها لما أمر النبيصلى الله عليه وسلم بإراقتها. وأيضا فإن الملك نوع نفع وقد بطل بإراقتها. والحمد لله)..
٥٤- قوله تعالى :﴿ لَيْسَ عَلَى اَلذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اَتَّقَواْ وَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ ثُمَّ اَتَّقَواْ وَءَامَنُواْ ثُمَّ اَتَّقَواْ وَأَحْسَنُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ ( ٩٣ ).
٦٢- ( قال ابن خويز منداد : تضمنت هذه الآية تناول المباح والشهوات، والانتفاع بكل لذيذ من مطعم ومشرب ومنكح وإن بولغ فيه وتنوهي في ثمنه )١.
١ - الجامع لأحكام القرآن: ٦/٢٩٦. وفيه بعد هذا الكلام: وهذه الآية نظير قوله تعالى: ﴿لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم﴾، ونظير قوله: ﴿قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق﴾. ولم أستطع الترجيح بين أن تكون هذه الزيادة من كلام ابن خويز منداد أو من كلام غيره..
٥٥- قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْئَلُواْ عَنَ اَشْيَاءَ ان تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإْن تَسْئَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْءَانُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اَللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ ( ١٠١ ).
٦٣- قال القرطبي :( قال ابن عون : سألت نافعا عن قوله تعالى :﴿ لاَ تَسْئَلُواْ عَنَ اَشْيَاءَ ان تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ فقال : لم تزل المسائل منذ قط تُكره. روى مسلم عن المغيرة بن شُعبة١ عن رسول صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم قال :( إن الله حرم عليكم عُقوق الأمهات ووأد البنات ومَنعا وهات وكرِه لكم ثلاثا : قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال«٢.
قال كثير من العلماء : المراد بقوله " وكثرة السؤال " التكثير من السؤال في المسائل الفقهية تنطّعا وتكلفا فيما لم ينزل، والأغلوطات وتشقيق المولدات. وقد كان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكليف، ويقولون : إذا نزلت النازلة وفِّقَ المسؤول لها. قال مالك : أدركت أهل هذا البلد وما عندهم علم غير الكتاب والسنة، فإذا نزلت نازلة جمع الأمير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه أنفذه، وأنتم تكثرون المسائل وقد كرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل المراد : بكثرة المسائل كثرة سؤال الناس الأموال والحوائج إلحاحا واستكثارا ؛ وقاله أيضا مالك. وقيل : المراد بكثرة المسائل السؤال عما لا يَعني من أحوال الناس بحيث يؤدي ذلك إلى كشف عوراتهم والاطلاع على مساوئهم. وهذا مثل قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ﴾. قال ابن خويز منداد : ولذلك قال بعض أصحابنا متى قدم إليه طعام لم يسأل عنه من أين هذا، أو عُرض عليه شيء يشتريه لم يسأل من أين هو، وحمل أمور المسلمين على السلامة والصحة )٣.
٥٦- الآية الثانية عشرة : قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمُ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اَهْتَدَيْتُمْ إِلَى اَللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ( ١٠٧ ).
٦٤-( قال ابن خويز منداد : تضمنت الآية اشتغال الإنسان بخاصة نفسه، وتركه التعرض لمعائب الناس، والبحث عن أحوالهم ؛ فإنهم لا يسألون عن حاله فلا يسأل عن حالهم، وهذا كقوله تعالى :﴿ كُلُّ نَفْسِ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾٤، ﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾٥. وقول النبي صلى الله عليه وسلم :( كن جليس بيتك وعليك بخاصة نفسك )٦. ويجوز أن يكون أريد به الزمان الذي يتعذر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينكر بقلبه، ويشتغل بإصلاح نفسه )٧.
١ - هو أبو عبد الله، المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود، أسلم يوم الفتح، وكان أول مشاهده الحديبية، ولاه عمر رضي الله عنه على البصرة ثم الكوفة.
انظر عنه: تاريخ بغداد: ١/١٩١-١٩٣، الاستيعاب: ١/١٤٤٥، أسد الغابة: ٤/٤٧١-٤٧٣، سير أعلام النبلاء: ٣/٢١، شذرات الذهب: ١/٥٦..

٢ - أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر: ٧/٩١ حديث رقم ٥٩٧٥ بلفظه. ومسلم في كتاب الأقضية باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة والنهي عن منع وهات، أو هو الامتناع من أداء حق لزمه أو طلب مالا يستحقه: ٣/١٣٤١ بلفظه أيضا..
٣ - الجامع لأحكام القرآن: ٦/٣٣١-٣٣٢..
٤ - المدثر: ٣٨..
٥ - الأنعام: ١٦٤..
٦ - لم أقف على هذا الحديث بهذا اللفظ، والذي وقفت عليه قول الرسولصلى الله عليه وسلم :»بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك - يعني بنفسك - ودع عنك العوام فإن من ورائكم أيام [الصبر] الصبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله« أورده أبو داوود في سننه كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي: ٤/١٢٣. وابن ماجة في كتاب الفتن، باب قوله تعالى: ﴿يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم﴾ ٢/١٣٣٠-١٣٣١. بلفظ يشبه لفظ أبي داود. وانظر: مشكاة المصابيح حديث رقم: ٥١٤١..
٧ - الجامع لأحكام القرآن: ٦/٣٤٤..
Icon