تفسير سورة المائدة

تفسير الشافعي
تفسير سورة سورة المائدة من كتاب تفسير الشافعي .
لمؤلفه الشافعي . المتوفي سنة 204 هـ

١٧٢- قال الشافعي رحمه الله تعالى : جماع الوفاء بالنذر وبالعهد، كان بيمين أو غيرها في قوله تعالى :﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ وفي قوله تعالى :﴿ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴾١ وقد ذكر الله عز وجل الوفاء بالعقود بالأيمان في غير آية من كتابه، منها قوله تعالى :﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اِللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلا تَنقُضُوا اَلاَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ﴾٢ قرا الربيع الآية، وقوله :﴿ يُوفُونَ بِعَهْدِ اِللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ اَلْمِيثَاقَ ﴾٣ مع ما ذكر به الوفاء بالعهد.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : وهذا من سعة لسان العرب الذي خوطبت به. وظاهره عام على كل عقد. ويشبه ـ والله تعالى أعلم ـ أن يكون أراد الله عز وجل أن يوفى بكل عقد نذر إذا كانت في العقد لله طاعة، ولم يكن فيما أمر بالوفاء منها معصية٤. ( الأم : ٤/١٨٤-١٨٥. ون أحكام الشافعي : ٢/٦٥-٦٨ )
ــــــــــــ
١٧٣- قال الشافعي : قال الله تعالى :﴿ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ اَلاَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ ﴾٥ فلا أعلم مخالفا أنه عنى الإبل والبقر والغنم والضأن، وهي الأزواج الثمانية. قال الله تعالى :﴿ مِّنَ اَلضَّأْنِ اِثْنَيْنِ وَمِنَ اَلْمَعْزِ اِثْنَيْنِ قُلَ ـآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ اِلاُنثَيَيْنِ ﴾ الآية٦. وقال :﴿ وَمِنَ اَلاِبِلِ اِثْنَيْنِ وَمِنَ اَلْبَقَرِ اِثْنَيْنِ ﴾٧ فهي بهيمة الأنعام، وهي الأزواج الثمانية وهي الإنسية التي منها الضحايا والبدن التي يذبح المحرم، ولا يكون ذلك في غيرها من الوحش. ( الأم : ٢/١٩٤. )
ــــــــــــــــــــــــــــ
١٧٤- قال الشافعي رحمه الله : قال الله تعالى :﴿ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ اَلاَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّى اِلصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾٨ فاحتمل قول الله تبارك وتعالى :﴿ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ اَلاَنْعَامِ ﴾٩ إحلالها دون ما سواها، واحتمل إحلالها بغير حظر ما سواها.
واحتمل قول الله تبارك وتعالى :﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ إِلا مَا اَضْطُرِرْتُمُ إِلَيْهِ ﴾١٠ وقوله عز وجل :﴿ قُل لا أَجِدُ فِى مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَّكُونَ مَيْتَةً اَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا اَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ اَوْ فِسْقًا اَهِلَّ لِغَيْرِ اِللَّهِ بِهِ ﴾١١ وقوله :﴿ فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اَسْمُ اَللَّهِ عَلَيْهِ ﴾١٢ وما أشبه هؤلاء الآيات، أن يكون أباح كل مأكول لم ينزل تحريمه في كتابه نصا، واحتمل كل مأكول من ذوات الأرواح لم ينزل تحريمه بعينه نصا أو تحريمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فيحرم بنص الكتاب وتحليل الكتاب بأمر الله عز وجل بالانتهاء إلى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، فيكون إنما حرم بالكتاب في الوجهين.
فلما احتمل أمر هذه المعاني، كان أولاها بنا، الاستدلال على ما يحل ويحرم بكتاب الله ثم سنة تعرب عن كتاب الله أو أمر أجمع المسلمون عليه، فإنه لا يمكن في اجتماعهم أن يجهلوا لله حراما ولا حلالا، إنما يمكن في بعضهم، وأما في عامتهم فلا. ( الأم : ٢/٢٤٧. )
١ - الإنسان: ٧..
٢ - النحل: ٩١..
٣ - الرعد: ٢٠..
٤ - أخرج البخاري في الأيمان والنذور (٨٦) باب: النذر فيما لا يملك وفي معصية (٣٠)(ر٦٣٢٦) عن عكرمة، عن ابن عباس قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، إذ هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « مُرْهُ فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه».
وأخرجه أبو داود في الأيمان والنذور (١٦) باب: من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية (٢٣)(ر٣٣٠٠).
وأخرجه ابن ماجة في الكفارات (١١) باب: من خلط في نذره طاعة بمعصية (٢١)(ر٢١٣٦).
وأخرج البخاري في نفس الكتاب باب: النذر في الطاعة (٢٧) وباب: النذر فيما لا يملك وفي معصية (٣٠) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه».
وأخرجه أصحاب السنن ومالك..

٥ - المائدة: ١..
٦ - الأنعام: ١٤٣. وتمامها: ﴿ أَمَّا اَشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ اَلاُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِى بِعِلْمٍ اِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾..
٧ - الأنعام: ١٤٤..
٨ - المائدة: ١..
٩ - المائدة: ١..
١٠ - الأنعام: ١١٩..
١١ - الأنعام: ١٤٥..
١٢ - الأنعام: ١١٨..
١٧٥- قال الشافعي رحمه الله في قوله تعالى :﴿ لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اَللَّهِ ﴾١ يعني : لا تستحلوها، وهي كل ما كان لله عز وجل من الهدي وغيره. وفي قوله :﴿ وَلا ءَآمِّينَ اَلْبَيْتَ اَلْحَرَامَ ﴾٢ : من أتاه : تصدونهم عنه.
وقال الشافعي رحمه الله في قوله عز وجل :﴿ شَنَئَانُ قَوْمٍ ﴾٣ : على خلاف الحق. ( أحكام الشافعي : ٢/١٨٣. )
١ - المائدة: ٢..
٢ - المائدة: ٢..
٣ - المائدة: ٢..
١٧٦- قال الشافعي رحمه الله : ولو شق بطن شاة، فوصل إلى معاها ما يستيقن أنها إن لم تذك ماتت فذكيت، فلا بأس بأكلها لقول الله عز وجل :﴿ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ اَلسَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾١ والذكاة جائزة بالقرآن. ( مختصر المزني ص : ٢٨٣. )
ـــــــــــــــ
١٧٧- قال الشافعي رحمه الله : وقوله عز وجل :﴿ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾٢ : فما وقع عليه اسم الذكاة من هذا فهو ذكي. وقال الشافعي : الأزلام : ليس لها معنى إلا القداح. ( أحكام الشافعي : ٢/١٨٣-١٨٤. )
١ - المائدة: ٣..
٢ - المائدة: ٣..
١٧٨- قال الشافعي رحمه الله : قال الله جل ثناؤه :﴿ يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلُ اَحِلَّ لَكُمُ اَلطَّيِّبَاتُ ﴾ وقال في النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ اَلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ اَلْخَبَئاثَ ﴾١ وإنما خوطب بذلك العرب الذين يسألون عن هذا ونزلت فيهم الأحكام ؛ وكانوا يتركون من خبيث المأكل ما لا يترك غيرهم.
قال الشافعي : وسمعت أهل العلم يقولون في قول الله عز وجل :﴿ قُل لا أَجِدُ فِى مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ﴾ الآية٢، يعني : مما كنتم تأكلون. ولم يكن الله عز وجل ليحرم عليهم من صيد البر في الإحرام إلا ما كان حلالا لهم في الإحلال ـ والله أعلم ـ فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الغُرَابِ والحِدَأَةِ٣ والعقرب والحيّةِ والفأرة والكلب العقور٤، دل ذلك على أن هذا مخرجه. ودل على معنى آخر : أن العرب كانت لا تأكل مما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في الإحرام شيئا، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع٥. ( مختصر المزني : ٢٨٥-٢٨٦. ون الأم : ٢/٢٤١-٢٤٢. )
ــــــــــــــــــــــــــ
١٧٩- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلُ اَحِلَّ لَكُمُ اَلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ اَلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اَللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾٦.
قال الشافعي : فكان معقولا عن الله عز وجل إذا أذن في أكل ما أمسك الجوارح : أنهم إنما اتخذوا الجوارح لما لم ينالوه إلا بالجوارح، وإن لم ينزل ذلك نصا من كتاب الله عز وجل. فقال الله عز وجل :﴿ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اَللَّهُ بِشَىْءٍ مِّنَ اَلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ﴾٧ وقال تعالى :﴿ لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾٨ وقال تعالى :﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ ﴾٩.
قال : ولما ذكر الله عز وجل أمره بالذبح وقال :﴿ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾١٠ كان معقولا عن الله عز وجل أنه إنما أمر به : فيما يمكن فيه الذبح والذكاة وإن لم يذكره.
فلما كان معقولا في حكم الله عز وجل ما وصفتُ : انبغى لأهل العلم عندي أن يعلموا ما حل من الحيوان. فذكاة المقدور عليه منه مثلُ الذَّبح، أو النحر، وذكاة غير المقدور عليه منه ما يُقْتَلُ به جارحٌ أو سلاحٌ.
قال : الكلب المعَلَّمُ : الذي إذا أُشْلِيَ : اسْتشلَى١١، وإذا أخذ : حَبَسْ، ولم يأكل. فإذا فعل هذا مرة بعد مرة كان مُعَلَّمًا، يأكل صاحبه مما حبس عليه ـ وإن قتل ـ ما لم يأكل.
قال الشافعي : وقد تسمى جوارحَ : لأنها تجرح ؛ فيكون اسما لازما. وأُحِلَّ ما أَمْسَكْنَ مطلقًا. ( أحكام الشافعي : ٢/٨٠-٨٢. ون أحكام الشافعي : ١/١٢٥-١٢٦. )
١ - الأعراف: ١٥٧..
٢ - الأنعام: ١٤٥. وتمامها: ﴿ إِلا أَنْ يَّكُونَ مَيْتَةً اَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا اَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُو رِجْسٌ اَوْ فِسْقًا اَهِلَّ لِغَيْرِ اِللَّهِ بِهِ فَمَنُ اَضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾..
٣ - الحِدَأةُ: طائر يطير يصيد الخِرْذان. اللسان: حدأ..
٤ - أخرج البخاري في الإحصار وجزاء الصيد (٣٤) باب: ما يقتل المحرم من الدواب (١٨)(ر١٧٣١-١٧٣٢) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن: الغراب، والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور».
وأخرجه مسلم في الحج (١٥) باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم (٩)(ر١١٩٩-١٢٠٠).
وأخرجه أصحاب السنن، ومالك، والدارمي..

٥ - رواه البخاري في الذبائح والصيد (٧٥) باب: أكل كل ذي ناب من السباع (٢٩)(ر٥٢١٠).
ورواه مسلم في الصيد والذبائح (٣٤) باب: تحريم أكل كل ذي ناب من السباع (٣)(ر١٩٣٢).
ورواه مالك في الصيد (٢٥) باب: تحريم أكل كل ذي ناب من السباع (٤)(ر١٣-١٤)..

٦ - المائدة: ٤..
٧ - المائدة: ٩٤..
٨ - المائدة: ٩٥..
٩ - المائدة: ٢..
١٠ - المائدة: ٣..
١١ - أشلى الشاة والكلب واستشلاهما: دعاهما بأسمائهما. والإشلاء: الدعاء. وأشليت الكلب على الصيد فإنما معناه دعوته فأرسلته على الصيد. اللسان: شلا..
١٨٠- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَطَعَامُ اَلذِينَ أُوتُوا اَلْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ﴾١ فاحتمل ذلك : الذبائح، وما سواها : من طعامهم الذي لم نعتقده محرما علينا. فآنيتهم أولى أن لا يكون في النفس منها شيء إذا غُسِلَتْ. ( أحكام الشافعي : ٢/١٠٣. )
ــــــــــــ
١٨١- قال الشافعي : في قوله عز وجل :{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ اَلذِينَ أُوتُوا اَلْكِتَابَ مِن
قَبْلِكُمُ }٢ : الحرائر من أهل الكتاب، غير ذوات الأزواج ﴿ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾٣ عفائف غير فواسق. ( أحكام الشافعي : ٢/١٨٤-١٨٥ )
١ - المائدة: ٥..
٢ - المائدة: ٥..
٣ - المائدة: ٥..
١٨٢- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تعالى :﴿ إِذَا قُمْتُمُ إِلَى اَلصَّلَواةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمُ ﴾ الآية.
قال الشافعي : فكان ظاهر الآية أن من قام إلى الصلاة فعليه أن يتوضأ، وكانت محتملة أن تكون نزلت في خاص ؛ فسمعت من أرضى علمه بالقرآن يزعم أنها نزلت في القائمين من النوم١. قال : وأحسب ما قال كما قال، لأن في السنة دليلا على أن يتوضا من قام من نومه. أخبرنا سفيان، عن الزهري، عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده »٢.
أخبرنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وَضُوئِهِ فإنه لا يدري أين باتت يده »٣.
أخبرنا سفيان قال : أخبرنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا لأنه لا يدري أين باتت يده »٤.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : فمن نام مضطجعا وجب عليه الوضوء لأنه قائم من مضطجع. قال : والنوم غلبة على العقل، فمن غلب على عقله بجنون أو مرض، مضطجعا كان، أو غير مضطجع، وجب عليه الوضوء، لأنه في أكثر من حال النائم. والنائم يتحرك الشيء فينتبه، وينتبه من غير تحرك الشيء. والمغلوب على عقله بجنون أو غيره يحرك فلا يتحرك.
قال : وإذا نام الرجل قاعدا. فأحب إلي له أن يتوضأ. قال : ولا يبين لي أن أوجب عليه الوضوء. أخبرنا الثقة، عن حميد الطويل، عن انس بن مالك قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء فينامون، أحسبه قال : قعودا، حتى تخف رؤوسهم ثم يصلون، ولا يتوضؤون٥. أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر : أنه كان ينام قاعدا ثم يصلي ولا يتوضأ٦.
قال الشافعي : وإن نام قاعدا مستويا لم يجب عليه عندي الوضوء، لما ذكرت من الآثار، وأن معلوما أن كانت الآية نزلت في النائمين، أن النائم مضطجع. ( الأم : ١/١٢-١٣. ون الأم : ١/٢١-٢٢. و أحكام الشافعي : ١/٤٥. ومناقب الشافعي : ١/٢٨٤-٢٨٥. )
ــــــــــــ
١٨٣- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل :﴿ إِذَا قُمْتُمُ إِلَى اَلصَّلَواةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمُ إِلَى اَلْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمُ ﴾٧ الآية.
قال الشافعي : فكان بينا عند من خوطب بالآية أن غسلهم إنما كان بالماء، ثم أبان في هذه الآية أن الغسل بالماء، وكان معقولا عند من خوطب بالآية أن الماء ما خلق الله تبارك وتعالى مما لا صنعة فيه للآدميين. وذكر الماء عاما فكان ماء السماء وماء الأنهار، والآبار والقلات٨، والبحار العذب من جميعه والأجاج سواء، في أنه يطهرُ من توضا واغتسل منه. وظاهر القرآن يدل على أن كل ماء طاهر ماء بحر وغيره. وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث يوافق ظاهر القرآن في إسناده من لا أعرفه.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن صفوان بن سلَيْم٩، عن سعيد بن سلمة١٠ رجل من آل بني الأزرق : أن المغيرة بن أبي بريدة١١ ـ وهو من بني عبد الدار ـ أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضا بماء البحر ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :« هو الطهور ماؤه الحل ميتته »١٢. ( الأم : ١/٣. ون أحكام الشافعي : ١/٤٣. )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١٨٤- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ إِذَا قُمْتُمُ إِلَى اَلصَّلَواةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمُ إِلَى اَلْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمُ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبا فَاطَّهَّرُواْ ﴾١٣ وقال :﴿ وَلا جُنُبًا اِلا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ ﴾١٤ فأبان أن طهارة الجُنًبِ الغُسلُ دون الوضوء.
وسن رسول الله الوضوء كما أنزل الله : فغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، وغسل رجليه إلى الكعبين. أخبرنا عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس عن النبي : أنه توضا مرةً مرةً١٥.
أخبرنا مالك، عن عمرو بن يحيى١٦، عن أبيه : أنه قال لعبد الله بن زيد١٧، وهو جد عمرو بن يحيى١٨ : هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله يتوضأ ؟ فقال عبد الله : نعم. فدعا بِوَضُوءٍ، فأفرغ على يديه، فغسل يديه مرتين، ثم مضمض واستنشق ثلاثا، ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه، فأقبل بهما وأَدْبَرَ، بدا بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما إلى المكان الذي بدا منه، ثم غسل رجليه١٩.
فكان ظاهر قول الله :﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾٢٠ : أقل ما وقع عليه اسم الغَسْل، وذلك مرةً، واحتمل أكثر. فسنَّ رسول الله الوضوءَ مرةً، فوافق ذلك ظاهر القرآن، وذلك أقلَّ ما يقع عليه اسم الغَسل، واحتمل أكثر، وسنَّهُ مرتين وثلاثا.
فلما سنَّهُ مرة استدللنا على أنه لو كانت مرة لا تجزئ، لم يتوضا مرة ويصلي، وأن ما جاوز مرةً اخْتِيَارٌ، لا فَرْضٌ في الوضوء لا يُجزئ أقلُّ منه.
وهذا مثل ما ذكرت من الفرائض قبله : لو ترك الحديث فيه استغني فيه بالكتاب، وحين حكي الحديث فيه دلَّ على اتباع الحديث كتاب الله.
ولعلهم إنما حكوا الحديث فيه لأن أكثر ما توضا رسول الله ثلاثا، فأرادوا أن الوضوء ثلاثا اختيار، لا أنه واجب لا يجزئ أقلُّ منه، ولِمَا ذُكِرَ منه في أن : من توضا وضوءه هذا ـ وكان ثلاثا ـ ثم صلى ركعتين لا يحدث نفسه فيهما غُفِرَ له٢١.
فأرادوا طلب الفضل في الزيادة في الوضوء، وكانت الزيادة فيه نافلة.
وغسل رسول الله في الوضوء المرفقين والكعبين، وكانت الآية محتملةً أن يكونا مغسولين وأن يكون مغسولا إليهما، ولا يكونان مغسولين، ولعلهم حَكَوا الحديث إبانةً لهذا أيضا. وأشبه الأمرين بظاهر الآية أن يكونا مغسولين.
وهذا بيان السنة مع بيان القرآن. ( الرسالة : ١٢١-١٢٢. ون الرسالة : ٢٨-٢٩. )
ـــــــــــــــــــــــــ
١٨٥- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل :﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمُ إِلَى اَلْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمُ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ ﴾٢٢ قال : وتوضا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمره الله عز وجل، وبدا بما بدا الله تعالى به. قال : فأشبه ـ والله تعالى أعلم ـ أن يكون على المتوضئ في الوضوء شيئان : أن يبدا بما بدا الله، ثم رسوله عليه الصلاة والسلام به منه، ويأتي على إكمال ما أمر به.
فمن بدا بيده قبل وجهه، أو برأسه قبل يديه، أو رجليه قبل رأسه، كان عندي أن يعيد، حتى يغسل كلا في موضعه بعد الذي قبله، وقبل الذي بعده، لا يجزيه عندي غير ذلك ؛ وإن صلى أعاد الصلاة بعد أن يعيد الوضوء.
ومسح الرأس وغيره في هذا، فإذا نسي مسح رأسه حتى غسل رجليه، عاد فمسح رأسه، ثم غسل رجليه بعده. ( الأم : ١/٣٠. ون مختصر المزني ص : ٣. )
ــــــــــــ
١٨٦- قال الشافعي : قال الله تعالى :﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾٢٣ فكان معقولا أن الوجه ما دون منابت شعر الرأس إلى الأذنين واللحيين والذقن، وليس ما جاوز منابت شعر الرأس الأغم من النزعتين٢٤ من الرأس. وكذلك أصلع مقدم الرأس ليست صلعته من الوجه، وأحب إلي لو غسل النزعتين مع الوجه، وإن ترك ذلك لم يكن عليه في تركه شيء.
فإذا خرجت لحية الرجل فلم تكثر حتى تواري من وجهه شيئا فعليه غسل الوجه كما كان قبل أن تنبت، فإذا كثرت حتى تستر موضعها من الوجه فالاحتياط غسلها كلها. ولا أعلمه يجب غسلها كلها، وإنما قلت : لا أعلم يجب غسلها كلها بقول الأكثر والأعم ممن لقيت وحكي لي عنه من أهل العلم، وبأن الوجه نفسه ما لا شعر عليه، إلا شعر الحاجب وأشفار العينين والشارب والعنفقة٢٥. ( الأم : ١/٢٥. ون أحكام الشافعي : ١/٤٣. ومناقب الشافعي : ٢/٥٧-٥٨. )
ــــــــــــ
١٨٧- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَأَيْدِيَكُمُ إِلَى اَلْمَرَافِقِ ﴾٢٦ فلم أعلم مخالفا في أن المرافق مما يغسل، كأنهم ذهبوا إلى أن معناها : فاغسلوا وجوهكم على أن تغسل المرافق. ولا يجزئ في غسل اليدين أبدا إلا أن يؤتى على ما بين أطراف الأصابع إلى أن تغسل المرافق، ولا يجزئ إلا أن يؤتى بالغسل على ظاهر اليدين وباطنهما وحروفهما حتى ينقضي غسلها، وإن ترك من هذا شيء ـ وإن قل ـ لم يجز. ( الأم : ١/٢٥-٢٦. ون أحكام الشافعي : ١/٤٣. )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١٨٨- قال الشافعي رحمه الله تعالى :﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ﴾٢٧ وكان معقولا في الآية أن من مسح شيئا فقد مسح برأسه، ولم تحتمل الآية إلا هذا، وهو أظهر معانيها ؛ أو مسح الرأس كله. ودلت السنة على أن ليس على المرء مسح الرأس كله. وإذا دلت السنة على ذلك فمعنى الآية : أن من مسح شيئا من رأسه أجزأه.
قال الشافعي : إذا مسح الرجل بأي رأسه شاء، إن كان لا شعر عليه، وبأي شعر رأسه شاء أو بعض أصبع، أو بطن كفه، أو أمر من يمسح به أجزأه ذلك، فكذلك إن مسح نزعتيه، أو إحداهما، أو بعضهما أجزأه لأنه من رأسه.
قال الشافعي : أخبرنا يحيى بن حسان، عن حماد بن زيد وابن علية، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عمرو بن وهب الثقفي٢٨، عن المغيرة بن شعبة٢٩ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضا ومسح بناصيته وعلى عمامته وخفيه٣٠. ( الأم : ١/٢٦. ون أحكام الشافعي : ١/٤٤. )
ــــــــــــــــــ
١٨٩- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَأَرْجُلَكُمُ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ ﴾٣١ قال الشافعي : ونحن نقرؤها : وأَرجُلَكم على معنى : اغسلوا وجوهَكم، وأيديَكم، وأرجلَكم، وامسحوا برؤوسكم.
قال الشافعي : ولم أسمع مخالفا في أن الكعبين اللذين ذكر الله عز وجل في الوضوء الكعبان الناتئان، وهما مجمع مفصل الساق والقدم، وأن عليهما الغسل، كأنه يذهب فيهما إلى : اغسلوا أرجلكم حتى تغسلوا الكعبين.
ولا يجزئ المرء إلا غسل ظاهر قدميه وباطنهما وعرقوبهما وكعبيهما، حتى يستوظف كل ما أشرف من الكعبين عن أصل الساق. فيبدا فينصب قدميه ثم يصب عليهما الماء بيمينه، أو يصب عليه غيره، ويخلل أصابعهما حتى يأتي الماء على ما بين أصابعهما، ولا يجزئه ترك تخليل الأصابع إلا أن يعلم أن الماء قد أتى على جميع ما بين الأصابع. ( الأم : ١/٢٧. ون أحكام الشافعي : ١/٤٤. ومختصر المزني ص : ٥٢١. ومناقب الشافعي : ١/٢٧٨ و ١/٢٨٥-٢٨٦. )
ــــــــــــ
١٩٠- قال الشافعي : قرأت على إسماعيل٣٢ :﴿ وأرجُلِكُمُ ﴾٣٣ بخفض اللام، وأنا أختار النَّصْب، والسبب فيه : أن تصير الآية دليلا على وجوب غسل الرجلين. ( مناقب الإمام الشافعي ص : ١٩١. )
ـــــــــــــــــ
١٩١- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ ف
١ - روى مالك في الطهارة (٢) باب: وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة (٢)(ر١٠) عن زيد بن أسلم: أن تفسير هذه الآية: { يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمُو إِلَى اَلصَّلَواةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمُو إِلَى اَلْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمُو إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ﴾ أن ذلك إذا قمتم من المضاجع، يعني النوم. وعن زيد ين أسلم: أن عمر ابن الخطاب قال: إذا نام أحدكم مضطجعا فليتوضأ..
٢ - رواه البخاري في الوضوء (٤) باب: الاستجمار وترا (٢٥)(ر١٦٠).
ورواه مسلم في الطهارة (٢) باب: كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء (٢٦)(ر٢٧٨).
ورواه أصحاب السنن، ومالك، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند..

٣ - سبق تخريجه..
٤ - سبق تخريجه..
٥ - رواه مسلم في الحيض (٣) باب: الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء (٣٣)(ر٣٧٦).
ورواه أبو داود في أول الطهارة باب: في الوضوء من النوم (٨٠)(ر٢٠٠).
ورواه الترمذي في أول الطهارة باب: ما جاء في الوضوء من النوم (٥٧)(ر٧٨).
ورواه البيهقي في الطهارة باب: ترك الوضوء من النوم قاعدا ١/١١٩. ورواه الشافعي في المسند (ر٨٤)..

٦ - رواه مالك في الطهارة (٢) باب: وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة (٢)(ر١١).
ورواه البيهقي في الطهارة باب: ترك الوضوء من النوم قاعدا ١/١٢٠.
ورواه الشافعي في المسند (ر٨٣)..

٧ - المائدة: ٦..
٨ - القلات: لم أقف عليها بهذا اللفظ، ولعلها قُلَلٌ وقِلاَلٌ جمع قُلَّةٍ: جَرَّةُ بقدر ما يطيق الإنسان المتوسط حملها إذا ملئت ماء. وقدر الشافعية القُلتين ب ١٦٠ لترا من الماء. معجم لغة الفقهاء: قلة..
٩ - صفوان بن سليم الزهري، مولاهم المدني، الإمام القدوة، ومن يستسقى بذكره. عن: ابن عمر، وعبد الله بن جعفر، وابن المسيب. وعنه: مالك، والدراوردي. يقال: إنه لم يضع جنبه أربعين سنة. وقيل: إن جبهته ثقبت من كثرة السجود. وكان قانعا لا يقبل جوائز السلطان. ثقة حجة. ولد سنة: ٦٠. وت سنة: ١٣٢. الكاشف: ٢/٢٩. ون التهذيب: ٤/٥٠. وقال في التقريب: ثقة مُفْتٍ عابد رمي بالقدر..
١٠ - سعيد بن سلمة المخزومي. عن: المغيرة بن أبي بردة. وعنه: صفوان بن سليم، واللجلاج. وثقه النسائي. الكاشف: ١/٣١٦. ون التهذيب: ٣/٢٣٣. وقال في التقريب: وثقه النسائي..
١١ - مُغيرة بن أبي بريدة. عن: أبي هريرة، أو عن أبيه، وقيل غير ذلك. وعنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وسعيد بن سلمة. وثق. الكاشف: ٣/١٤٩. ون التهذيب: ٨/٢٩٦. وقال في التقريب: وثقه النسائي..
١٢ - أخرجه أبو داود في الطهارة (١) باب: الوضوء بماء البحر (٤١)(ر٨٣).
وأخرجه الترمذي في الطهارة (١) باب: ما جاء في ماء البحر أنه طهور (٥٢)(ر٦٩) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي في الطهارة (١) باب: في ماء البحر (٤٧)(ر٥٩)، وفي المياه (٢) باب: الوضوء بماء البحر (٤)(ر٣٣١).
وأخرجه ابن ماجة في الطهارة وسننها (١) باب: الوضوء بماء البحر (٣٨)(ر٣٨٦).
ورواه مالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٤٢)..

١٣ - المائدة: ٦..
١٤ - النساء: ٤٣..
١٥ - أخرجه البخاري في الوضوء (٤) باب: الوضوء مرة مرة (٢١)(ر١٥٦). وأبو داود في الطهارة (١) باب الوضوء مرة مرة (٥٣)(ر١٣٨).
ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والدارمي، وأحمد، والبيهقي، ورواه الشافعي في المسند (ر٧٦)، وفي الأم: ١/٣١..

١٦ - عَمْرو بن يحيى بن عَمَارَةَ بن أبي حسن. عن: أبيه، وعباد بن تميم. وعنه: مالك، ووهيب، وخلق. ثقة. الكاشف:
٢/٣٣٣. ون التهذيب: ٦/٢٢٦. وقال في التقريب: ثقة..

١٧ - عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري. له ولأبويه صحبة. ولأخيه حبيب الذي قطعه مسيلمة وجماعة، وَهِمَ ابن عيينة فقال: أُرِيَ الأذان بل ذا حكى الوضوء. وعنه: سعيد بن المسيب، وجماعة. قتل يوم الحرة سنة: ٦٣. الكاشف: ٢/٨٤. ون التهذيب:
٤/٣٠٦. والإصابة: ٤/٩٨. وقال في التقريب: صحابي شهير..

١٨ - وعبد الله بن زيد ليس جدًّا لعمرو بن يحيى. ن تحقيق العلامة شاكر في المسألة في الرسالة..
١٩ - أخرجه البخاري في الوضوء (٤) باب: مسح الرأس كله (٣٧)(ر١٨٣)، وباب: غسل الرجلين إلى الكعبين (٣٨)(ر١٨٤)، وباب: من مضمض واستنشق من غرفة واحدة (٤٠)(ر١٨٨)، وباب: مسح الرأس مرة (٤١)(ر١٨٩)، وباب: الغسل والوضوء في المخضب (٤٤)(١٩٤)، وباب: الوضوء من التَّوْرِ (٤٥)(ر١٩٦).
وأخرجه مسلم في الطهارة (٢) باب: في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم (٧)(ر٢٣٥).
وأخرجه أصحاب السنن، ومالك، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر٧٣-٧٤)..

٢٠ - المائدة: ٦..
٢١ - أخرجه عن عثمان بن عفان:
البخاري في الوضوء (٤) باب: الوضوء ثلاثا ثلاثا (٢٣)(ر١٥٨)، وفي باب: المضمضة في الوضوء (٢٧)(ر١٦٢)، وفي الصوم (٣٦) باب: السواك الرطب واليابس للصائم (٢٧)(ر١٨٣٣)، وفي الرقاق (٨٤) باب: قول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اَللَّهِ حَقٌّ ﴾ (فاطر: ٥). (٨)(ر٦٠٦٩).
ومسلم في الطهارة (٢) باب: صفة الوضوء وكماله (٣)(ر٢٢٦).
وأخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، كلهم في الطهارة، وأخرجه أحمد، والدارمي..

٢٢ - المائدة: ٦..
٢٣ - المائدة: ٦..
٢٤ - النَّزْعَتَانِ: مثنى نزعة: وهي موضع النزع من الرأس، وهو انحسار الشعر عن جانبي الجبهة. اللسان: نزع..
٢٥ - العنفقة: شعيرات بين الشفة والذقن..
٢٦ - المائدة: ٦..
٢٧ - المائدة: ٦..
٢٨ - عمرو بن وهب الثقفي. عن: المغيرة بن شعبة. وعنه: ابن سيرين. وثق. الكاشف: ٢/٣٣٣. ون التهذيب:
٦/٢٢٥. وقال في التقريب: ثقة..

٢٩ - المغيرة بن شعبة الثقفي، شهد الحديبية وولي الكوفة غير مرة. عنه: بنوه، والشعبي، وزياد بن علاقة، أحصن سبعين امرأة، وبرأيه ودهائه يضرب المثل. ت سنة: ٥٠هـ. الكاشف: ٣/١٥١. ون التهذيب: ٨/٣٠٢. وقال في التقريب: صحابي مشهور..
٣٠ - رواه مسلم في الطهارة (٢) باب: المسح على الناصية والعمامة (٢٣)(ر٢٧٤).
ورواه أبو داود في الطهارة (١) باب: المسح على الخفين (٥٩)(ر١٥٠).
ورواه الترمذي في الطهارة (١) باب: ما جاء في المسح على العمامة (٧٥)(ر١٠٠).
ورواه النسائي في الطهارة (١) باب: كيف المسح على العمامة (٨٨)(ر١٠٩)، وباب: المسح على العمامة مع الناصية
(٨٧)(ر١٠٧-١٠٨). ورواه الشافعي في المسند (ر٧٩)..

٣١ - المائدة: ٦..
٣٢ - إسماعيل بن قسطنطين شيخ الشافعي في القراءة، وشيخ أهل مكة في زمانه. ن مناقب الإمام الشافعي ص: ١٧٣..
٣٣ - المائدة: ٦..
١٩٥- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ يَاأَيَّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ﴾ وقال :﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلهِ ﴾١ إلى آخر الآية. وقال :﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبى ﴾٢ وقال :﴿ وَالذِينَ هُم بِشَهَادَتِهِمْ قَآئِمُونَ ﴾٣ وقال عز وجل :﴿ وَلا تَكْتُمُوا اَلشَّهَادَةَ وَمَنْ يَّكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءَاثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾٤ وقال :﴿ وَأَقِيمُوا اَلشَّهَادَةَ لِلهِ ﴾٥.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : والذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد وقد لزمته الشهادة، وأن فرضا عليه أن يقوم بها على والديه، وولده، والقريب، والبعيد، وللبغيض القريب والبعيد، ولا يكتم عن أحد، ولا يحابي بها، ولا يمنعها أحدا.
قال : ثم تتفرع الشهادات فيجتمعون ويختلفون فيما يلزم منها وما لا يلزم.
ــــــــــــ
١٩٥- الأم : ٧/٩٢. ون أحكام الشافعي : ٢/١٣٨-١٣٩. والسنن الكبرى : ١٠/١٥٨.
١ - النساء: ١٣٥. وتمامها: ﴿ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمُو أَوِ اِلْوَالِدَيْنِ وَالاَقْرَبِينَ إِنْ يَّكُنْ غَنِيًّا اَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا اَلْهَوى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اَللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾..
٢ - الأنعام: ١٥٢..
٣ - المعارج: ٣٣..
٤ - البقرة: ٢٨٣..
٥ - الطلاق: ٢..
١٩٦- قال الشافعي رحمه الله تعالى : الحدُّ حدَّان : حد لله تبارك وتعالى لما أراد من تنكيل من غشيه عنه، وما أراد من تطهيره به، أو غير ذلك مما هو أعلم به، وليس للآدميين في هذا حق. وحد أوجبه الله تعالى على من أتاه من الآدميين فذلك إليهم، ولهما في كتاب الله تبارك وتعالى اسمه أَصْلٌ.
فأما أصل حد الله تبارك وتعالى في كتابه فقوله :{ إِنَّمَا جَزَآؤُا اَلذِينَ يُحَارِبُونَ اَللَّهَ
وَرَسُولَهُ } إلى قوله :﴿ رَّحِيمٌ ﴾ فأخبر الله تبارك اسمه بما عليهم من الحد، إلا أن يتوبوا من قبل أن يُقدر عليهم. ثم ذكر حد الزنا والسرقة ولم يذكره فيما استثنى، فاحتمل ذلك أن لا يكون الاستثناء إلا حيث جعل في المحارب خاصة، واحتمل أن يكون كل حد لله عز وجل، فتاب صاحبه قبل أن يُقدر عليه سقط عنه كما احتمل حين قال النبي صلى الله عليه وسلم في حد الزنا في ماعز :« ألا تركتموه »١ أن يكون كذلك عند أهل العلم السارق إذا اعترف بالسرقة، والشارب إذا اعترف بالشرب ثم رجع عنه قبل أن يقام عليه الحد، سقط عنه.
ومن قال هذا قال : هذا في كل حد لله عز وجل : فتاب صاحبه قبل أن يقدر عليه سقط عنه حد الله تبارك وتعالى في الدنيا، وأخذ بحقوق الآدميين. ( الأم : ٧/٥٦. ون الأم : ٦/١٥٤ و ٧/١٢٣-١٢٤ و ٢/١٨٨ و ٦/١٤٦. وأحكام الشافعي : ١/١٢٨. )
ــــــــــــ
١٩٧- قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى :﴿ إِنَّمَا جَزَآؤُا اَلذِينَ يُحَارِبُونَ اَللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى اِلاَرْضِ فَسَادا اَنْ يُّقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُواْ ﴾٢ الآية. قال الشافعي : أخبرنا إبراهيم، عن صالح مولى التوأمة٣، عن ابن عباس في قطاع الطريق : إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا هربوا طلبوا حتى يوجدوا، فتقام عليهم الحدود، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض٤.
قال الشافعي : وبهذا نقول، وهو موافق معنى كتاب الله تبارك وتعالى. وذلك أن الحدود إنما نزلت فيمن أسلم، فأما أهل الشرك فلا حدود فيهم إلا القتل، أو السباء، والجزية، واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم على ما قال ابن عباس رضي الله عنهما إن شاء الله تعالى :﴿ اِلا اَلذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ﴾٥ فمن تاب قبل أن يقدر عليه سقط حق الله عنه، وأخذ بحقوق بني آدم. ولا يقطع من قطاع الطريق إلا من أخذ قيمة ربع دينار فصاعدا٦. قياسا على السنة في السارق. ( الأم : ٦/١٥١-١٥٢. ون أحكام الشافعي : ١/٣١٣-٣١٤. )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١٩٨- قال الشافعي : أنا سعيد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار قال : كل شيء في القرآن فيه : أَوْ، أَوْ، له أَيَّة شَاء، قال ابن جريج : إلا قول الله عز وجل :﴿ إِنَّمَا جَزَآؤُا اَلذِينَ يُحَارِبُونَ اَللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى اِلاَرْضِ فَسَاداً ﴾٧ فليس بِمُخَيَّر فيها.
قال الشافعي : كما قال ابن جريج وغيره، في المحارب وغيره ـ في هذه المسألة ـ أقول. ( أحكام الشافعي : ١/١٢٨. ون الأم : ٢/١٨٨. والسنن الكبرى : ٥/١٨٥. )
١ - سبق تخريجه..
٢ - المائدة: ٣٣. وتمامها: ﴿ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّن خِلَـافٍ اَوْ يُنفَوْا مِنَ اَلاَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيُُ فِى اِلدُّنْيا وَلَهُمْ فِى اِلاَخِرَةِ عَذَابُُ عَظِيمُُ﴾..
٣ - صالح بن نبهان مولى التوأمة. عن: عائشة، وأبي هريرة. وعنه: السفيانان. قال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال أحمد: صالح الحديث. وقال ابن معين: حجة قبل أن يختلط، فرواية ابن أبي ذئب عنه قبل اختلاطه، ت سنة: ١٢٥هـ. الكاشف: ٢/٢٤..
٤ - رواه البيهقي في كتاب السرقة باب: قطاع الطريق ٨/٢٨٣. ورواه الشافعي في المسند (ر١٢٩٤)..
٥ - المائدة: ٣٤..
٦ - ن هامش ١ النص ١٩٩..
٧ - المائدة: ٣٣..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:١٩٦- قال الشافعي رحمه الله تعالى : الحدُّ حدَّان : حد لله تبارك وتعالى لما أراد من تنكيل من غشيه عنه، وما أراد من تطهيره به، أو غير ذلك مما هو أعلم به، وليس للآدميين في هذا حق. وحد أوجبه الله تعالى على من أتاه من الآدميين فذلك إليهم، ولهما في كتاب الله تبارك وتعالى اسمه أَصْلٌ.
فأما أصل حد الله تبارك وتعالى في كتابه فقوله :{ إِنَّمَا جَزَآؤُا اَلذِينَ يُحَارِبُونَ اَللَّهَ
وَرَسُولَهُ } إلى قوله :﴿ رَّحِيمٌ ﴾ فأخبر الله تبارك اسمه بما عليهم من الحد، إلا أن يتوبوا من قبل أن يُقدر عليهم. ثم ذكر حد الزنا والسرقة ولم يذكره فيما استثنى، فاحتمل ذلك أن لا يكون الاستثناء إلا حيث جعل في المحارب خاصة، واحتمل أن يكون كل حد لله عز وجل، فتاب صاحبه قبل أن يُقدر عليه سقط عنه كما احتمل حين قال النبي صلى الله عليه وسلم في حد الزنا في ماعز :« ألا تركتموه »١ أن يكون كذلك عند أهل العلم السارق إذا اعترف بالسرقة، والشارب إذا اعترف بالشرب ثم رجع عنه قبل أن يقام عليه الحد، سقط عنه.
ومن قال هذا قال : هذا في كل حد لله عز وجل : فتاب صاحبه قبل أن يقدر عليه سقط عنه حد الله تبارك وتعالى في الدنيا، وأخذ بحقوق الآدميين. ( الأم : ٧/٥٦. ون الأم : ٦/١٥٤ و ٧/١٢٣-١٢٤ و ٢/١٨٨ و ٦/١٤٦. وأحكام الشافعي : ١/١٢٨. )
ــــــــــــ

١٩٧-
قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى :﴿ إِنَّمَا جَزَآؤُا اَلذِينَ يُحَارِبُونَ اَللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى اِلاَرْضِ فَسَادا اَنْ يُّقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُواْ ﴾٢ الآية. قال الشافعي : أخبرنا إبراهيم، عن صالح مولى التوأمة٣، عن ابن عباس في قطاع الطريق : إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا هربوا طلبوا حتى يوجدوا، فتقام عليهم الحدود، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض٤.
قال الشافعي : وبهذا نقول، وهو موافق معنى كتاب الله تبارك وتعالى. وذلك أن الحدود إنما نزلت فيمن أسلم، فأما أهل الشرك فلا حدود فيهم إلا القتل، أو السباء، والجزية، واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم على ما قال ابن عباس رضي الله عنهما إن شاء الله تعالى :﴿ اِلا اَلذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ﴾٥ فمن تاب قبل أن يقدر عليه سقط حق الله عنه، وأخذ بحقوق بني آدم. ولا يقطع من قطاع الطريق إلا من أخذ قيمة ربع دينار فصاعدا٦. قياسا على السنة في السارق. ( الأم : ٦/١٥١-١٥٢. ون أحكام الشافعي : ١/٣١٣-٣١٤. )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١٩٨-
قال الشافعي : أنا سعيد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار قال : كل شيء في القرآن فيه : أَوْ، أَوْ، له أَيَّة شَاء، قال ابن جريج : إلا قول الله عز وجل :﴿ إِنَّمَا جَزَآؤُا اَلذِينَ يُحَارِبُونَ اَللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى اِلاَرْضِ فَسَاداً ﴾٧ فليس بِمُخَيَّر فيها.
قال الشافعي : كما قال ابن جريج وغيره، في المحارب وغيره ـ في هذه المسألة ـ أقول. ( أحكام الشافعي : ١/١٢٨. ون الأم : ٢/١٨٨. والسنن الكبرى : ٥/١٨٥. )
١ - سبق تخريجه..
٢ - المائدة: ٣٣. وتمامها: ﴿ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّن خِلَـافٍ اَوْ يُنفَوْا مِنَ اَلاَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيُُ فِى اِلدُّنْيا وَلَهُمْ فِى اِلاَخِرَةِ عَذَابُُ عَظِيمُُ﴾..
٣ - صالح بن نبهان مولى التوأمة. عن: عائشة، وأبي هريرة. وعنه: السفيانان. قال أبو حاتم: ليس بقوي. وقال أحمد: صالح الحديث. وقال ابن معين: حجة قبل أن يختلط، فرواية ابن أبي ذئب عنه قبل اختلاطه، ت سنة: ١٢٥هـ. الكاشف: ٢/٢٤..
٤ - رواه البيهقي في كتاب السرقة باب: قطاع الطريق ٨/٢٨٣. ورواه الشافعي في المسند (ر١٢٩٤)..
٥ - المائدة: ٣٤..
٦ - ن هامش ١ النص ١٩٩..
٧ - المائدة: ٣٣..

١٩٩- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِّنَ اَللَّهِ وَاللهُ عَزِيزُُ حَكِيمٌ ﴾.
قال الشافعي : أخبرنا ابن عيينة والعمري، عن ابن شهاب، عن عمرة بنت عبد الرحمان، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« القطع في ربع دينار فصاعدا »١.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقا في مِجَنٍّ قيمته ثلاثة دراهم٢.
قال الشافعي : فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أراد الله قطعه من السراق البالغين غير المغلوبين. وهذا مكتوب في باب غير هذا. ودلت على من أراد قطعه فكان من بلغت سرقته ربع دينار فصاعدا. وحديث ابن عمر موافق لحديث عائشة، لأن ثلاثة دراهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده ربع دينار. ( الأم : ٦/١٤٦-١٤٧. ون الأم : ٦/١٣٠. )
ــــــــــــ
٢٠٠- قال الشافعي : وقال الله تبارك وتعالى :﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِّنَ اَللَّهِ ﴾٣ وسن رسول الله أن :« لا قطع في ثَمَرٍ ولا كَثَرٍ »٤ وأن لا يقطع إلا من بلغت سرقته ربع دينار فصاعدا. ( الرسالة : ٦٦-٦٧. ون الرسالة : ٥٤٧. )
ــــــــــــ
٢٠١- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾٥ فسن النبي صلى الله عليه وسلم القطع في ربع دينار، و في السرقة من الحرز.
وقال تعالى :﴿ اَلزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ ﴾٦ فرجم النبي صلى الله عليه وسلم الزانيين الثيبين ولم يجلدهما.
فاستدللنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن المراد بالقطع من السارقين، والمائة من الزناة، بعض الزناة دون بعض، وبعض السارقين دون بعض، لا من لزمه اسم سرقةٍ وزنًا. ( الأم : ٥/٢٧. ون الأم : ٧/٨٧ و ٧/٢٨٩. و أحكام الشافعي : ١/٣١٢. والرسالة : ٢٢٣-٢٢٤. )
١ - رواه البخاري في الحدود (٨٩) باب: قول الله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ وفي كم يقطع (١٣)(ر٦٤٠٧-٦٤٠٨).
ورواه مسلم في أول الحدود (٢٩) باب: حد السرقة ونصابها (ر١٦٨٤-١٦٨٥).
ورواه أصحاب السنن، ومالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١٢٨٢-١٢٨٤).
والْمِجَنُّ من الاجتنان أي الاستتار، وهو التُّرْسُ لأنه يواري حامله أي يستره. اللسان: جنن..

٢ - رواه البخاري في الحدود (٨٩) باب: قول الله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ وفي كم يقطع (١٣)(ر٦٤٠٧-٦٤٠٨)..
٣ - المائدة: ٣٨..
٤ - رواه عن رافع بن خديج:
أبو داود في الحدود (٣٢) باب: ما لا قطع فيه (١٢)(ر٤٣٨٨).
والترمذي في الحدود (١٤) باب: ما جاء لا قطع في ثمر ولا كثر (١٩)(ر١٤٤٩).
والنسائي في السارق (٤٦) باب: ما لا قطع فيه (١٣)(ر٤٩٧٥ و٤٩٨٥).
وابن ماجة في الحدود (٢٠) باب: لا يقطع في ثمر ولا كثر (٢٧)(ر٢٥٩٣).
ورواه مالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١٥٣٠-١٥٣١).
قوله: « في ثمر »: أي ما دام على الشجر ولم يحرز في مواضع حفظه المعتادة.
والكَثْرُ والكَثَرُ: جُمَّارُ النخل، وهو شحمه الذي يكون وسط النخلة. اللسان: كثر..

٥ - المائدة: ٣٨..
٦ - النور: ٢..
٢٠٢- قال الشافعي رحمه الله تعالى : لم أعلم مخالفا من أهل العلم بالسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بالمدينة وادع يهود كافة على غير جزية، وأن قول الله عز وجل :﴿ فَإِن جَاءوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمُ أَوَ اَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾١ أنما نزلت في اليهود الموادعين الذين لم يعطوا جزية، ولم يقروا بأن يجري عليهم الحكم. وقال بعض : نزلت في اليهوديين اللذين زنيا٢.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : والذي قالوا يشبه ما قالوا لقول الله عز وجل :﴿ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ اَلتَّوْرياةُ فِيهَا حُكْمُ اَللَّهِ ﴾٣ وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَأَنُ اَحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اَللَّهُ وَلا تَتَّبِعَ اَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمُ أَنْ يَّفْتِنُوكَ ﴾٤ الآية. يعني ـ والله تعالى أعلم ـ أن يتولوا عن حكمك بغير رضاهم، وهذا يشبه أن يكون ممن أتى حاكما غير مقهور على الحكم.
والذين حاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة منهم ورجل زنيا موادعون، وكان في التوراة الرجم، ورجوا أن لا يكون من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجم، فجاءوا بهما فرجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم٥.
قال : وإذا وادع الإمام قوما من أهل الشرك، ولم يشترط أن يجري عليهم الحكم، ثم جاءوه متحاكمين، فهو بالخيار بين أن يحكم بينهم أو يدع الحكم، فإن اختار أن يحكم بينهم حكم بينهم حكمه بين المسلمين لقول الله عز وجل :﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ﴾٦ والقسط حكم الله عز وجل الذي أنزله عليه صلى الله عليه وسلم. ( الأم : ٤/٢١٠. ون الأم : ٤/١٨٧ و ٦/١٣٨-١٣٩ و ٥/٢٤٣ و ٧/١٦٣ و ٧/٣١. ومختصر المزني ص : ٢٨٠. وأحكام الشافعي : ٢/٧٦-٧٨ و ٢/٧٣-٧٤ و ٢/١٢١-١٢٢. ومناقب الشافعي : ١/٣٧٢-٣٧٣. )
ــــــــــــ
٢٠٣- قال الشافعي رحمه الله تعالى : فقال لي قائل : ما الحجة في أن لا يحكم بينهم الحاكم حتى يجتمعوا على الرضا ثم يكون بالخيار إن شاء حكم، وإن شاء لم يحكم ؟
فقلت له : قول الله عز وجل لنبيه :﴿ فَإِن جَاءوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمُ أَوَ اَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾٧ الآية.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : فإن جاءوك، وجاءوك كأنها على المتنازعين لا على بعضهم دون بعض، وجعل له الخيار فقال :﴿ فَاحْكُم بَيْنَهُمُ أَوَ اَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾٨.
قال : فإنا نزعم أن الخيار منسوخ لقول الله عز وجل :﴿ وَأَنُ اَحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اَللَّهُ ﴾٩. قلت له : فاقرا الآية :﴿ وَلا تَتَّبِعَ اَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمُ أَنْ يَّفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اَللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمَ ﴾١٠.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : فسمعت من أرض علمه يقول : وأن احكم بينهم إن حكمت على معنى قوله :﴿ فَاحْكُم بَيْنَهُمُ أَوَ اَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾١١ فتلك مفسرة وهذه جملة في قوله :
﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾١٢ دلالة على أنهم إن تولوا لم يكن عليه الحكم بينهم، ولو كان قوله :﴿ وَأَنُ اَحْكُم بَيْنَهُم ﴾١٣ إلزاما منه للحكم بينهم التزم منهم الحكم متولين، لأنهم إنما تولوا بعد الإتيان. فأما ما لم يأتوا فلا يقال لهم تولوا وهم والمسلمون إذا لم ياتوا يتحاكمون لم يحكم بينهم. إلا أنه يتفقد من المسلمين ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم فيغير عليهم، وإن كان أهل الذمة دخلوا بقول الله عز وجل :﴿ وَأَنُ اَحْكُم بَيْنَهُم ﴾١٤ في معنى المسلمين انبغى للوالي أن يتفقد منهم ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم. ( الأم : ٧/٤٢-٤٣. ون الأم : ٦/١٤١. وأحكام الشافعي : ٢/٧٥-٧٦. )
١ - المائدة: ٤٢..
٢ - ن لباب النقول ص: ١٢٠-١٢١..
٣ - المائدة: ٤٣..
٤ - المائدة: ٤٩. وتمامها: ﴿ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اَللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمَ اَنَّمَا يُرِيدُ اَللَّهُ أَنْ يُّصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرا مِّنَ اَلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾..
٥ - أخرج البخاري في المحاربين (٩٠) باب: أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام (٢٣)(ر٦٤٥٠) عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟» فقالوا: نفضحهم ويجلدون، قال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرا ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، قالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة.
وأخرجه كذلك مختصرا في الجنائز (٢٩) باب: الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد (٥٩). وفي التفسير (٦٨) آل عمران باب: ﴿ قُلْ فَاتُوا بِالتَّوْرياةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (آل عمران: ٩٣) (٦٤). وفي الاعتصام بالكتاب والسنة (٩٩) باب: ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم (١٦). وفي التوحيد (١٠٠) باب: ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها (٥١).
وأخرجه مسلم في الحدود (٢٩) باب: رجم اليهود أهل الذمة في الزنى (٦)(ر١٦٩٩).
وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، ومالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي.
وأخرجه الشافعي في المسند (ر١٢٧٦) مختصرا، وفي الرسالة ص: ٢٥٠..

٦ - المائدة: ٤٢..
٧ - المائدة: ٤٢..
٨ - المائدة: ٤٢..
٩ - المائدة: ٤٩..
١٠ - المائدة: ٤٩. وتمامها: ﴿ اَنَّمَا يُرِيدُ اَللَّهُ أَنْ يُّصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرا مِّنَ اَلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾..
١١ - المائدة: ٤٢..
١٢ - المائدة: ٤٩..
١٣ - المائدة: ٤٩..
١٤ - المائدة: ٤٩..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:٢٠٢- قال الشافعي رحمه الله تعالى : لم أعلم مخالفا من أهل العلم بالسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بالمدينة وادع يهود كافة على غير جزية، وأن قول الله عز وجل :﴿ فَإِن جَاءوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمُ أَوَ اَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾١ أنما نزلت في اليهود الموادعين الذين لم يعطوا جزية، ولم يقروا بأن يجري عليهم الحكم. وقال بعض : نزلت في اليهوديين اللذين زنيا٢.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : والذي قالوا يشبه ما قالوا لقول الله عز وجل :﴿ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ اَلتَّوْرياةُ فِيهَا حُكْمُ اَللَّهِ ﴾٣ وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَأَنُ اَحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اَللَّهُ وَلا تَتَّبِعَ اَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمُ أَنْ يَّفْتِنُوكَ ﴾٤ الآية. يعني ـ والله تعالى أعلم ـ أن يتولوا عن حكمك بغير رضاهم، وهذا يشبه أن يكون ممن أتى حاكما غير مقهور على الحكم.
والذين حاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة منهم ورجل زنيا موادعون، وكان في التوراة الرجم، ورجوا أن لا يكون من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجم، فجاءوا بهما فرجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم٥.
قال : وإذا وادع الإمام قوما من أهل الشرك، ولم يشترط أن يجري عليهم الحكم، ثم جاءوه متحاكمين، فهو بالخيار بين أن يحكم بينهم أو يدع الحكم، فإن اختار أن يحكم بينهم حكم بينهم حكمه بين المسلمين لقول الله عز وجل :﴿ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ﴾٦ والقسط حكم الله عز وجل الذي أنزله عليه صلى الله عليه وسلم. ( الأم : ٤/٢١٠. ون الأم : ٤/١٨٧ و ٦/١٣٨-١٣٩ و ٥/٢٤٣ و ٧/١٦٣ و ٧/٣١. ومختصر المزني ص : ٢٨٠. وأحكام الشافعي : ٢/٧٦-٧٨ و ٢/٧٣-٧٤ و ٢/١٢١-١٢٢. ومناقب الشافعي : ١/٣٧٢-٣٧٣. )
ــــــــــــ

٢٠٣-
قال الشافعي رحمه الله تعالى : فقال لي قائل : ما الحجة في أن لا يحكم بينهم الحاكم حتى يجتمعوا على الرضا ثم يكون بالخيار إن شاء حكم، وإن شاء لم يحكم ؟
فقلت له : قول الله عز وجل لنبيه :﴿ فَإِن جَاءوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمُ أَوَ اَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾٧ الآية.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : فإن جاءوك، وجاءوك كأنها على المتنازعين لا على بعضهم دون بعض، وجعل له الخيار فقال :﴿ فَاحْكُم بَيْنَهُمُ أَوَ اَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾٨.
قال : فإنا نزعم أن الخيار منسوخ لقول الله عز وجل :﴿ وَأَنُ اَحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اَللَّهُ ﴾٩. قلت له : فاقرا الآية :﴿ وَلا تَتَّبِعَ اَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمُ أَنْ يَّفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اَللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمَ ﴾١٠.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : فسمعت من أرض علمه يقول : وأن احكم بينهم إن حكمت على معنى قوله :﴿ فَاحْكُم بَيْنَهُمُ أَوَ اَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾١١ فتلك مفسرة وهذه جملة في قوله :
﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾١٢ دلالة على أنهم إن تولوا لم يكن عليه الحكم بينهم، ولو كان قوله :﴿ وَأَنُ اَحْكُم بَيْنَهُم ﴾١٣ إلزاما منه للحكم بينهم التزم منهم الحكم متولين، لأنهم إنما تولوا بعد الإتيان. فأما ما لم يأتوا فلا يقال لهم تولوا وهم والمسلمون إذا لم ياتوا يتحاكمون لم يحكم بينهم. إلا أنه يتفقد من المسلمين ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم فيغير عليهم، وإن كان أهل الذمة دخلوا بقول الله عز وجل :﴿ وَأَنُ اَحْكُم بَيْنَهُم ﴾١٤ في معنى المسلمين انبغى للوالي أن يتفقد منهم ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم. ( الأم : ٧/٤٢-٤٣. ون الأم : ٦/١٤١. وأحكام الشافعي : ٢/٧٥-٧٦. )
١ - المائدة: ٤٢..
٢ - ن لباب النقول ص: ١٢٠-١٢١..
٣ - المائدة: ٤٣..
٤ - المائدة: ٤٩. وتمامها: ﴿ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اَللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمَ اَنَّمَا يُرِيدُ اَللَّهُ أَنْ يُّصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرا مِّنَ اَلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾..
٥ - أخرج البخاري في المحاربين (٩٠) باب: أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام (٢٣)(ر٦٤٥٠) عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟» فقالوا: نفضحهم ويجلدون، قال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرا ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، قالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة.
وأخرجه كذلك مختصرا في الجنائز (٢٩) باب: الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد (٥٩). وفي التفسير (٦٨) آل عمران باب: ﴿ قُلْ فَاتُوا بِالتَّوْرياةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (آل عمران: ٩٣) (٦٤). وفي الاعتصام بالكتاب والسنة (٩٩) باب: ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم (١٦). وفي التوحيد (١٠٠) باب: ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها (٥١).
وأخرجه مسلم في الحدود (٢٩) باب: رجم اليهود أهل الذمة في الزنى (٦)(ر١٦٩٩).
وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، ومالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي.
وأخرجه الشافعي في المسند (ر١٢٧٦) مختصرا، وفي الرسالة ص: ٢٥٠..

٦ - المائدة: ٤٢..
٧ - المائدة: ٤٢..
٨ - المائدة: ٤٢..
٩ - المائدة: ٤٩..
١٠ - المائدة: ٤٩. وتمامها: ﴿ اَنَّمَا يُرِيدُ اَللَّهُ أَنْ يُّصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرا مِّنَ اَلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾..
١١ - المائدة: ٤٢..
١٢ - المائدة: ٤٩..
١٣ - المائدة: ٤٩..
١٤ - المائدة: ٤٩..

٢٠٤- قال الشافعي رحمه الله : ذكر الله ما فرض على أهل التوراة فقال عز وجل :
﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ ﴾ إلى قوله :﴿ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ﴾. وروي في حديث عن عمر أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي القود من نفسه، وأبا بكر يعطي القود من نفسه، وأنا أعطي القود من نفسي١.
قال الشافعي : ولم أعلم مخالفا في أن القصاص في هذه الأمة كما حكم الله عز وجل : أنه حكم به بين أهل التوراة، ولم أعلم مخالفا في أن القصاص بين الحرين المسلمين في النفس وما دونها من الجراح التي يستطاع فيها القصاص بلا تلف يخاف على المستفاد منه من موضع القود.
قال : والقصاص ما دون النفس شيئان : جرح يشق بجرح، وطرف يقطع بطرف. ( الأم : ٦/٥٠. ون الأم : ٧/٣٣٣. وأحكام الشافعي : ١/٢٨٠-٢٨١. )
ــــــــــــ
٢٠٥- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل في أهل التوراة :﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ ﴾٢ الآية. قال : ولا يجوز ـ والله أعلم ـ في حكم الله تبارك وتعالى بين أهل التوراة أن كان حكما بينا إلا ما جاز في قوله :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَـانًا فَلا يُسْرِف فِّى اِلْقَتْلِ ﴾٣ ولا يجوز فيها إلا أن تكون كل نفس محرمة القتل، فعلى من قتلها القود. فيلزم من هذا أن يقتل المؤمن بالكافر المعاهد، والمستأمن، والصبي، والمرأة من أهل الحرب، والرجل بعبده وعبد غيره مسلما كان أو كافرا، والرجل بولده إذا قتله.
قال الشافعي : أو يكون قول الله تبارك وتعالى :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا ﴾٤ ممن دمه مكافئ دم من قتله، وكل نفس كانت تقاد بنفس، بدلالة كتاب الله عز وجل أو سنة أو إجماع، كما كان قول الله عز وجل :﴿ وَالاُنثى بِالاُنثى ﴾٥ إذا كانت قاتلة خاصة، لا أن ذكرا لا يقتل بأنثى.
قال الشافعي : وهذا أولى معانيه به، والله أعلم. لأن عليه دلائل منها : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لا يقتل مؤمن بكافر »٦. والإجماع على أن لا يقتل المرء بابنه إذا قتله٧٨.
والإجماع على أن لا يقتل الرجل بعبده ولا بمستأمن من أهل دار الحرب، ولا بامرأة من أهل دار الحرب، ولا صبي.
قال الشافعي : وكذلك لا يقتل الرجل الحر بالعبد بحال٩. ولو قتل حر ذمي عبدا مؤمنا لم يقتل به.
قال الشافعي : وعلى الحر إذا قتل العبد قيمته كاملا بالغة ما بلغت، وإن كانت مائة ألف درهم أو ألف دينار١٠. ( الأم : ٦/٢٤-٢٥. ون أحكام الشافعي : ١/٢٧٣-٢٧٥.
١ - روى البيهقي في كتاب الجنايات باب: جماع أبواب القصاص في ما دون النفس ٨/٦٤ عن أبي النضر: أن رجلا قام إلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر فقال: يا أمير المؤمنين ظلمني عاملك وضربني، فقال عمر: والله لأقيدنك منه إذا. فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين وتقيد من عاملك؟ قال: نعم، والله لأقيدن منهم، أقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه، وأقاد أبو بكر من نفسه، أفلا أقيد؟ قال عمرو بن العاص: أو غير ذلك يا أمير المؤمنين، قال: وما هو؟ قال: أو ما يرضيه، قال: أو ذلك! قال البيهقي: وهذا منقطع وقد رويناه موصولا ومرسلا في باب قتل الإمام وجرحه ٨/٤٨.
وروى أبو داود في الديات (٣٣) باب: القود من الضربة وقص الأمير من نفسه (١٥)(ر٤٥٣٧) عن أبي فراس (الربيع بن زياد بن أنس الحارثي) قال: خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، فمن فُعل به ذلك فليرفعه إلي أقصه منه، فقال عمرو بن العاص: لو أن رجلا أدب بعض رعيته أنقصه منه؟ قال: إي والذي نفسي بيده أقصه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقص من نفسه.
ورواه النسائي في القسامة (٤٥) باب: القصاص من السلاطين (٢٤-٢٥)(ر٧٤٩١) مختصرا..

٢ - المائدة: ٤٥..
٣ - الإسراء: ٣٣..
٤ - الإسراء: ٣٣..
٥ - البقرة: ١٧٨..
٦ - سبق تخريجه..
٧ - روى مالك في العقول (٤٣) باب: ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه (١٧)(ر١٠) عن عمرو بن شعيب: أن رجلا من بني مدلج ـ يقال له قتادة ـ حذف ابنه بالسيف، فأصاب ساقه، فَنُزِيَ في جرحه فمات، فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب، فذكر ذلك له، فقال له عمر: اعْدُدْ عَلَى مَاء قُدَيْدٍ عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك، فلما قدم إليه عمر بن الخطاب أخذ من تلك الإبل ثلاثين حِقَّةً، وثلاثين جَذَعَةً، وأربعين خَلِفَةً، ثم قال: أين أخو المقتول؟ قال: هأنذا، قال: خُذْهَا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس لقاتل شيء».
ورواه الشافعي في المسند (ر١٣٧٨) وفي الرسالة ص: ١٧١. قال شاكر: وهو حديث منقطع لأن عمروا لم يدرك عمر بن الخطاب.
ورواه البيهقي في كتاب الجنايات باب: الرجل يقتل ابنه ٨/٣٨. منقطعا كذلك. ورواه موصولا عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص..

٨ - قال القاضي عبد الوهاب من المالكية: يقتل الوالد بولده إذا تعمد قتله. وحكي عن داود رحمه الله مثله.
وقال أبو حنيفة، والشافعي، والشعبي رحمهم الله: لا يقاد به مطلقا، وهو قول أشهب رحمه الله. وبه قال عطاء، ومجاهد، وأحمد، وإسحاق. ن عيون المجالس: ٥/١٩٨٢. ون تهذيب المسالك: ٥/٦٨٩..

٩ - وبه قال مالك في كتاب العقول (٤٣) باب: القصاص في القتل (٢١) حديث الباب: ليس بين الحر والعبد قود في شيء من الجراح، والعبد يقتل بالحر إذا قتله عمدا، ولا يقتل الحر بالعبد، وإن قتله عمدا، وهو أحسن ما سمعتُ.
قال القاضي عبد الوهاب: لا يقتل حر بعبده أصلا، سواء كان عبده أو عبد غيره. وبه قال الشافعي رحمه الله. وهو مذهب أبي بكر، وعمر، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم. وقال أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله: يقتل بعبد غيره، ولا يقتل بعبد نفسه، ووافقنا على أن لا قصاص بينهما في الأطراف. وقال النخعي رحمه الله: يقتل الحر بعبده وعبد غيره، وحكي عنه: أن بينهما القصاص في الأطراف، وما أظنه صحيحا. ن عيون المجالس: ٥/١٩٧٩-١٩٨٠. ون تهذيب المسالك: ٥/٦٧٢..

١٠ - وبه قال مالك في كتاب العقول (٤٣) باب: ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله (١٦) حديث الباب: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن العبد إذا قتل كانت فيه القيمة يوم يقتل، ولا تحمل عاقلة قاتله من قيمة العبد شيئا، قل أو كثر، وإنما ذلك على الذي أصابه في ماله خاصة، بالغا ما بلغ، وإن كانت قيمة العبد الدية أو أكثر، فذلك عليه في ماله، وذلك لأن العبد سلعة من السلع.
قال القاضي عبد الوهاب: قد ذكرنا أن الحر لا يقتل بالعبد، ولكن إذا قتل حر عبدا عمدا أو خطا فعليه قيمته، بالغة ما بلغت، وإن زادت على دية الحر أضعافا، لأنه سلعة من السلع. وبه قال الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق رحمهم الله. وقال أبو حنيفة، ومحمد رحمهما الله: إذا كانت قيمته دون عشرة آلاف درهم، وجب فيه كمال قيمته، وإن كانت قيمته عشرة آلاف درهم أو أكثر، لم يلزمه كمال قيمته، بل ينقص من قدر دية الحر عشرة دراهم، والعبد والأمة في هذا سواء في أنه ينقص من القيمة عشرة دراهم. وحكى أصحابنا عنهم أنه ينقص في الأمة خمسة دراهم. وهو خطأ، والأمة والعبد سواء، وهو عند أبي حنيفة رحمه الله في الخطأ. وأما في العمد فيقتل الحر عبده بالعبد. وبقولنا قال الشعبي، والنخعي، وأبو يوسف رحمهم الله. ن عيون المجالس: ٥/١٩٨٠-١٩٨١. ون تهذيب المسالك: ٥/٦٨٢..

٢٠٦- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمُ إِلَى اَلصَّلَواةِ اِتَّخَذُوهَا هُزُؤا وَلَعِبا ﴾ وقال :﴿ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَواةِ مِنْ يَّوْمِ اِلْجُمُعَةِ فَاسْعَوِا اِلَى ذِكْرِ اِللَّهِ ﴾١ فذكر الله عز وجل الأذان للصلاة، وذكر يوم الجمعة. فكان بينا ـ والله تعالى أعلم ـ أنه أراد المكتوبة بالآيتين معا. وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان للمكتوبات٢، ولم يحفظ عنه أحد علمته أنه أمر بالأذان لغير صلاة مكتوبة، بل حفظ الزهري عنه أنه كان يأمر في العيدين المؤذن فيقول : الصلاة جامعة. ولا أذان إلا لمكتوبة، وكذلك لا إقامة.
فأما الأعياد والخسوف وقيام شهر رمضان، فأحبُّ إليَّ أن يقال فيه :« الصلاة جامعة »٣ وإن لم يقل ذلك فلا شيء على من تركه إلا ترك الأفضل. والصلاة على الجنائز وكل نافلة غير الأعياد والخسوف بلا أذان فيها ولا قول :« الصلاة جامعة ». ( الأم : ١/٨٢. ون أحكام الشافعي : ١/٥٨. )
ـــــــــــــــ
٢٠٧- قال الشافعي : ذكر الله تبارك اسمه الآذان بالصلاة، فقال عز وجل :﴿ وَإِذَا نَادَيْتُمُ إِلَى اَلصَّلَواةِ اِتَّخَذُوهَا هُزُؤا وَلَعِبا ﴾٤ وقال :﴿ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَواةِ مِنْ يَّوْمِ اِلْجُمُعَةِ فَاسْعَوِا اِلَى ذِكْرِ اِللَّهِ وَذَرُوا اَلْبَيْعَ ﴾٥ فأوجب الله ـ والله أعلم ـ إتيان الجمعة. وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الآذان للصلوات المكتوبات، فاحتمل أن يكون أوجب إتيان صلاة الجماعة في غير الجمعة، كما أمر بإتيان الجمعة وترك البيع، واحتمل أن يكون أذن بها لتصلى لوقتها. ( الأم : ١/١٥٣. ون أحكام الشافعي : ١/٨٤. )
١ - الجمعة: ٩..
٢ - أخرج البخاري في أول كتاب الأذان (١٤)(ر٥٧٩) أن ابن عمر كان يقول: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقا مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بلال قم فناد بالصلاة».
وأخرجه مسلم في أول كتاب الصلاة (٤)(ر٣٧٧).
وأخرجه الترمذي والنسائي في الأذان..

٣ - روى أبو داود في الصلاة (٢) باب: ينادي فيها بالصلاة (٢٦٤)(ر١١٩٠) عن الزهري قال: أخبرني عروة، عن عائشة قالت: كسفت الشمس، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فنادى: أن الصلاة جامعة.
ورواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص..

٤ - المائدة: ٥٨..
٥ - الجمعة: ٩..
٢٠٨- قال الشافعي : أخبرنا سفيان قال : حدثنا عمرو بن دينار وابن جريج، عن عطاء قال : ذهبت أنا وعبيد بن عمير١ إلى عائشة وهي معتكفة في ثبير، فسألناها عن قول الله عز وجل :﴿ لا يُوَاخِذُكُمُ اَللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ ﴾ قالت : هو لا والله، وبلى والله٢.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : ولغو اليمين كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها، والله تعالى أعلم. قول الرجل : لا والله، وبلى والله. وذلك إذا كان على اللجاج والغضب والعجلة لا يعقد على ما حلف عليه. وعقد اليمين أن يثبتها على الشيء بعينه ألا يفعل الشيء فيفعله، أو ليفعلنه فلا يفعله، أو لقد كان وما كان، فهذا آثم، وعليه الكفارة لما وصفت من أن الله عز وجل قد جعل الكفارات في عمد المأثم فقال تعالى :﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اَلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾٣ وقال :﴿ لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾ إلى :﴿ بَالِغَ اَلْكَعْبَةِ ﴾٤ ومثل قوله في الظهار :﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ اَلْقَوْلِ وَزُورًا ﴾٥ ثم أمر فيه بالكفارة. ومثل ما وصفت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :« من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه »٦. ( الأم : ٧/٦٣. ون أحكام الشافعي : ٢/١١٠-١١٢ و ٢/١٨٧. )
ـــــــــــــــــ
٢٠٩- فقلت للشافعي : ما لغو اليمين ؟ قال : ـ الله أعلم ـ أما الذي نذهب إليه فهو ما قالت عائشة.
قال الشافعي : أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت : لغو اليمين قول الإنسان : لا والله، وبلى والله٧. فقلت للشافعي : وما الحجة فيما قلت ؟ قال : ـ الله أعلم ـ اللغو في لسان العرب : الكلام غير المعقود عليه، وجماع اللغو يكون الخطأ.
قال الشافعي : فخالفتموه٨، وزعمتم أن اللغو : حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كما حلف عليه، ثم يوجد على خلافه٩. قال الشافعي : وهذا ضد اللغو، وهذا هو الإثبات في اليمين يقصدها، يحلف لا يفعله يمنعه السبب لقول الله تبارك وتعالى :﴿ وَلَـاكِنْ يُّوَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ اَلاَيْمَانَ ﴾١٠ ما عقدتم : ما عقدتم به عقد الأيمان عليه.
ولو احتمل اللسان ما ذهبتم إليه ما منع احتماله ما ذهبت إليه عائشة، وكانت أولى أن تتبع منكم، لأنها أعلم باللسان منكم، مع علمها بالفقه. ( الأم : ٧/٢٤٢-٢٤٣. ون مختصر المزني ص : ٢٩٠. )
١ - عبيد بن عمير الليثي قاضي مكة. عن: عمر، وأُبي، وعائشة. وعنه: ابنه عبد الله، وابن أبي مليكة، وعمر بن دينار. ذكر ثابت البُناني أنه قص على عهد عمر وهذا بعيد. ت سنة ٦٨هـ. الكاشف: ٢/٢٣٣. ون التهذيب: ٥/٤٣٠. وقال في التقريب: مجمع على ثقته..
٢ - رواه البيهقي في كتاب الأيمان باب: لغو اليمين ١٠/٤٩.
ورواه الشافعي في المسند (ر١٢٥٧).
ثبير: جبل بين مكة ومنى، وهو على يمين الداخل منها إلى مكة..

٣ - المائدة: ٩٦..
٤ - المائدة: ٩٥. وتمامها: ﴿وَمَن قَتَلَهُو مِنكُم مُّتَعَمِّدا فَجَزَاء مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ اَلْكَعْبَةِ﴾..
٥ - المجادلة: ٢..
٦ - رواه مسلم عن أبي هريرة في الأيمان (٢٧) باب: ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا منها (٣)(ر١٦٥٠).
ورواه الترمذي في النذور والأيمان (١٧) باب: ما جاء في الكفارة قبل الحنث (٦)(ر١٥٣٠).
ورواه النسائي عن عدي بن حاتم في الأيمان (٣٥) باب: الكفارة قبل الحنث (١٦)(ر٣٧٩٥-٣٧٩٦).
ورواه ابن ماجة عن عدي بن حاتم في الكفارات (١١) باب: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها (٧)(ر٢١٠٨).
ورواه مالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي..

٧ - رواه البخاري في التفسير (٦٨) باب: ﴿ لا يُوَاخِذُكُمُ اَللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ﴾ (١١٥)(ر٤٣٣٧)، وفي الأيمان والنذور (٨٦) باب: ﴿لا يُوَاخِذُكُمُ اَللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ﴾ (١٣)(ر٦٢٨٦).
ورواه مالك في النذور والأيمان (٢٢) باب: اللغو في اليمين (٥)(ر٩).
ورواه البيهقي في الأيمان باب: لغو اليمين ١٠/٤٨. والشافعي في المسند (ر١٢٥٦)..

٨ - فخالفتموه: يقصد أصحاب مالك رحمه الله..
٩ - وهو قول مالك: قال في باب اللغو في اليمين، بعد ذكر حديث عائشة: أحسن ما سمعت في هذا: أن اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك، ثم يوجد على غير ذلك، فهو اللغو.
قال القاضي عبد الوهاب رحمه الله: لغو اليمين عند مالك رحمه الله: هو أن يحلف الرجل على الرجل يراه مقبلا، أنه فلان، وذلك يقينه، ثم ينكشف له أنه غيره، فهذا هو اللغو وشبهه لا كفارة فيه. وبه قال أبو حنيفة رحمه الله.
وقال الشافعي رحمه الله: في هذا وشبهه الكفارة، وإنما اللغو عنده: ما لم يقصده الحالف ولكن سبق على لسانه، فكأنه يريد أن يتكلم بشيء فيبدو منه يمين، سواء كانت على شيء ماض أو مستقبل. ن عيون المجالس: ٣/٩٩٤-٩٩٥.

١٠ - المائدة: ٨٩..
٢١٠- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل :﴿ لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدا فَجَزَاء مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ ﴾ وكان الصيد : ما امتنع بالتوحش كله. وكانت الآية محتملة أن يحرم على المحرم ما وقع عليه اسم صيد، وهو يجزي بعض الصيد دون بعض. فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن من الصيد شيئا ليس على المحرم جزاؤه، كل ما يباح للمحرم قتله، ولم يكن في الصيد شيء يتفرق إلا بأحد معنيين : إما بأن يكون الله عز وجل أراد أن يفدي الصيد المباح أكله ولا يفدي ما لا يباح أكله، وهذا أولى معنييه به، والله أعلم. لأنهم كانوا يصيدون ليأكلون، لا ليقتلوا، وهو يشبه دلالة كتاب الله عز وجل، فقال الله تعالى :﴿ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اَللَّهُ بِشَىْءٍ مِّنَ اَلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ﴾١ وقال عز وجل :﴿ لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾٢ وقال :﴿ اَحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ اَلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اَلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ﴾٣ فذكر جل ثناؤه إباحة صيد البحر للمحرم ومتاعا له، يعني طعاما والله أعلم، ثم حرم صيد البر فأشبه أن يكون إنما حرم عليه بالإحرام ما كان أكله مباحا قبل الإحرام.
ثم أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحرم أن يقتل الغراب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور٤، والأسد، والنمر، والذئب الذي يعدو على الناس، فكانت محرمة الأكل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع٥، فكان ما أبيح قتله معها يشبه أن يكون محرم الأكل لإباحته معها، وأنه لا يضر ضررها.
وأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم أَكْلَ الضَّبُعِ٦، وهو أعظم ضررا من الغراب والحدأة والفأرة أضعافا.
والوجه الثاني : أن يقتل المحرم ما ضر، ولا يقتل ما لا يضر، ويفديه إن قتله، وليس هذا معناه، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل أكل لحم الضبع، وأن السلف والعامة عندهم فدوها، وهي أعظم ضررا من الغراب والحدأة والفأرة. ( الأم : ٢/٢٤٤. ون الأم : ٢/١٨٢. وأحكام الشافعي : ١/١٢٦. ومختصر المزني ص : ٧٢. واختلاف الحديث ص : ٥٤٥ )
ــــــــــــــــــ
٢١١- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً ﴾٧ قال الشافعي : يجزي الصيد من قتله عمدا أو خطأ. فإن قال قائل : إيجاب الجزاء في الآية على قاتل الصيد عمدا، وكيف أوجبته على قاتله خطأ ؟ قيل له إن شاء الله : إن إيجاب الجزاء على قاتل الصيد عمدا لا يحظر أن يوجب على قاتله خطأ.
فإن قال قائل : فإذا أوجبت في العمد بالكتاب، فمن أين أوجبت الجزاء في الخطأ ؟ قيل : أوجبته في الخطا قياسا على القرآن والسنة والإجماع. فإن قال : فأين القياس على القرآن ؟ قيل : قال الله عز وجل في قتل الخطأ :﴿ وَمَن قَتَلَ مُومِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ اِلَى أَهْلِهِ ﴾٨ وقال :﴿ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ اِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ ﴾٩ فلما كانت النفسان ممنوعتين بالإسلام والعهد، فأوجب الله عز وجل فيهما بالخطا ديتين ورقبتين، كان الصيد في الإحرام ممنوعا بقول الله عز وجل :
﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اَلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ﴾١٠ وكان لله فيه حكم فيما قتل منه عمدا بجزاء مثله، وكان المنع بالكتاب مطلقا عاما على جميع الصيد، وكان المالك لما وجب بالصيد أهل الحرم لقول الله تعالى :﴿ هَدْياً بَالِغَ اَلْكَعْبَةِ ﴾١١ ولم أعلم بين المسلمين اختلافا أن ما كان ممنوعا أن يتلف من نفس إنسان، أو طائر، أو دابة، أو غير ذلك مما يجوز ملكه، فأصابه إنسان عمدا فكان على من أصابه فيه ثمن يؤدى لصاحبه، وكذلك فيما أصاب من ذلك خطا لا فرق بين ذلك إلا المأثم في العمد.
فلما كان هذا كما وصفت مع أشباه له كان الصيد كله ممنوعا في كتاب الله تعالى، قال الله عز وجل :﴿ اَحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ اَلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اَلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ﴾١٢ فلما كان الصيد محرما كله في الإحرام، وكان الله عز وجل حكم في شيء منه بعدل بالغ الكعبة، كان كذلك كل ممنوع من الصيد في الإحرام لا يتفرق، كما لم يفرق المسلمون بين الغرم في الممنوع من الناس والأموال في العمد والخطأ.
فإن قال قائل : فمن قال هذا معك ؟ قيل : الحجة فيه ما وصفت، وهي عندنا مكتفى بها، وقد قاله ممن قبلنا غيرنا. قال : فاذكره ؟ قلت : أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : قول الله عز وجل :﴿ لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً ﴾١٣ قلت له : فمن قتله خطا أيغرم ؟ قال : نعم يعظم بذلك حرمات الله. ومضت به السنن١٤.
أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عمرو ابن دينار قال : رأيتُ الناس يُغَرَّمُونَ في الخطأ١٥. ( الأم : ٢/١٨٢-١٨٣. ون الأم : ٢/٢٠٧ و ٢/١٩٢ و ٧/٣١ و ٧/٣٠٠. وأحكام الشافعي : ١/١٢٤-١٢٥. ومختصر المزني ص : ٧١ )
ــــــــــــ
٢١٢- قال الشافعي : قال الله :﴿ لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدا فَجَزَاء مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ اَلْكَعْبَةِ ﴾١٦ فأمرهم بالمثل، وجعل المثل إلى عدلين يحكمان فيه، فلما حرم مأكول الصيد عاما كانت لدواب الصيد أمثال على الأبدان. فحكم من حكم من أصحاب رسول الله على ذلك، فقضى في الضبع بكبش١٧، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعَنَاقٍ١٨، وفي اليربوع بجفرةٍ١٩، والعلم يحيط أنهم أرادوا في هذا المثل بالبدن لا بالقيم، ولو حكموا على القيم اختلفت أحكامهم، لاختلاف أثمان الصيد في البلدان وفي الأزمان، وأحكامهم فيها واحدة.
والعلم يحيط أن اليربوع ليس مثل الجفرة في البدن، ولكنها كانت أقرب الأشياء منه شبها، فجعلت مثله، وهذا من القياس يتقارب تقارب العنز والضبي، ويبعد قليلا بعد الجفرة من اليربوع.
ولما كان المثل في الأبدان في الدواب من الصيد دون الطائر لم يجز فيه إلا ما قال عمر ـ والله أعلم ـ من أن ينظر إلى المقتول من الصيد فيجزى بأقرب الأشياء به شبها منه في البدن، فإذا فات منها شيئا رفع إلى أقرب الأشياء به شبها، كما فاتت الضبعُ العَنْزَ فرفعت إلى الكبش، وصغر اليربوع عن العناق فخُفِضَ إلى الجفرة.
وكان طائر الصيد لا مثل له في النَّعَم، لاختلاف خلقته وخلقته، فجزي خبرا وقياسا على ما كان ممنوعا لإنسان فأتلفه إنسان، فعليه قيمته لمالكه.
قال الشافعي : فالحكم فيه بالقيمة يجتمع في أنه يقَوَّمُ قيمة يومه وبلده، ويختلف في الأزمان والبلدان، حتى يكون الطائر ببلدٍ ثَمَنَ دِرْهَمٍ، وفي البلد الآخر ثَمَنَ بَعْضِ دِرْهَمٍ.
وأُمِرْنَا بإجازة شهادة العدل، وإذا شُرط علينا أن نقبل العدل ففيه دلالة على أن نَردَّ ما خالفه.
وليس للعدل علامة تفرق بينه وبين غير العدل في بدنه ولا لفظه، وإنما علامة صدقه بما يختبر من حاله في نفسه. فإذا كان الأغلب من أمره ظاهر الخير قُبل، وإن كان فيه تقصير عن بعض أمره. لأنه لا يُعَرَّى٢٠ أحد رأيناه من الذنوب. وإذا خلط الذنوب والعمل الصالح فليس فيه إلا الاجتهاد على الأغلب من أمره، بالتمييز بين حَسنه وقبيحه، وإذا كان هذا هكذا فلا بد من أن يختلف المجتهدون فيه. وإذا ظهر حسنه فقبلنا شهادته، فجاء حاكم غيرنا فَعَلمَ منه ظهور السَّيِّءِ كان عليه ردُّهُ.
وقد حكم الحاكمان في أمرٍ واحدٍ بِرَدٍّ وقبول، وهذا اختلاف، ولكن كل قد فعل ما عليه. ( الرسالة : ٤٩٠-٤٩٤. ون الأم : ٢/١٩٤-١٩٥ و ٢/١٩٨ و ٢/٢٠١ و ٧/٢٣٨. وأحكام الشافعي : ١/١٢٣-١٢١. )
ــــــــــــ
٢١٣- قال الشافعي : قال الله تعالى :﴿ فَجَزَاء مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ ﴾٢١ والمثل للمقتول، وقد يكون غائبا، فإنما يُجتهد على أصل الصيد المقتول، فينظر إلى أقرب الأشياء به شبَهًا فيهديه.
وفي هذا دليل على أن الله عز وجل لم يبح الاجتهاد إلا على الأصول، لأنه عز وجل إنما أمر بمثل ما قُتل، فأمر بالمثل على الأَصْلِ وليس على غير أصل. ( الأم : ٦/٢٠١. ون الأم : ٧/٢٧٧. والرسالة ص : ٣٨-٣٩. )
ــــــــــــــــــــــــــــــ
٢١٤- قال الشافعي : قال الله تعالى :﴿ هَدْياً بَالِغَ اَلْكَعْبَةِ ﴾٢٢ قال الشافعي : فلما كان كل ما أريد به هدي من ملك ابن آدم هديا، كانت الأنعام كلها، وكل ما أهدي فهو بمكة، والله أعلم. ولو خفي عن أحد أن هذا هكذا، ما انبغى ـ والله أعلم ـ أن يخفى عليه إذا كان الصيد إذا جزي بشيء من النعم، لا يجزي فيه إلا أن يجزى بمكة، فعلم أن مكة أعظم أرض الله تعالى حرمة. وأولاه أن تنزه عن الدماء، لولا ما عقلنا من حكم الله في أنه للمساكين الحاضرين بمكة٢٣. فإذا عقلنا هذا عن الله عز وجل فكان جزاء الصيد بطعام لم يجز ـ والله أعلم ـ إلا بمكة.
وكما عقلنا عن الله ذكر الشهادة في موضعين من القرآن بالعدل، وفي مواضع فلم يذكر العدل وكانت الشهادات وإن افترقت تجتمع في أنه يؤخذ بها اكتفينا أنها كلها بالعدل، ولم نزعم أن الموضع الذي لم يذكر الله عز وجل فيه العدل مَعْفُو عن العدل فيه ؛ فلو أطعم في كفارة صيد بغير مكة لم يُجْزِ عنه، وأعاد الإطعام بمكة أو بمنًى، فهو من مكة لأنه لحاضر الحرم.
ومثل هذا كل ما وجب على محرم بوجه من الوجوه من فدية أذى، أو طيب، أو لبس، أو غيره، لا يخالفه في شيء لأن كله من جهة النسك، والنسك إلى الحرم، ومنافعه للمساكين الحاضرين الحرم.
قال : ومن حضر الكعبة حين يبلغها الهدي من النعم أو الطعام من مسكين، كان له أهل بها أو غريب، لأنهم إنما أعطوا بحضرتها، وإن قل فكان يعطي بعضهم دون بعض أجزأه أن يعطي مساكين الغرباء دون أهل مكة، ومساكين أهل مكة دون مساكين الغرباء، وأن يخلط بينهم. ولو آثر به أهل مكة لأنهم يجمعون الحضور والمقام، لكان كأنه أسرى إلى القلب، والله أعلم.
فإن قال قائل : فهل قال هذا أحدٌ يذكر قوله ؟ قيل : أخبرنا سعيد، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء :﴿ فَجَزَاء مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ هَدْياً بَالِغَ اَلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ ﴾٢٤ قال : من أجل أنه أصابه في حرم يريد البيت كفارة ذلك عند البيت٢٥.
أخبرنا سعيد، عن ابن جريج : أن عطاء قال له مرة أخرى : يتصدق الذي يصيب الصيد بمكة، قال الله عز وجل :﴿ هَدْياً بَالِغَ اَلْكَعْبَةِ ﴾٢٦ قال : فيتصدق بمكة.
قال الشافعي : يريد عطاء : ما وصفت من الطعام، والنعم كله هدي، والله أعلم. ( الأم : ٢/١٨٤-١٨٥. ون أحكام الشافعي : ١/١٣٩. )
ــــــــــــ
٢١٥- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدا
١ - المائدة: ٩٤..
٢ - المائدة: ٩٥..
٣ - المائدة: ٩٦..
٤ - سبق تخريجه..
٥ - سبق تخريجه..
٦ - روى أبو داود في الأطعمة (٢١) باب: في أكل الضبع (٣٢)(ر٣٨٠١) عن جابر بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: « هو صيد، ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم ».
ورواه الترمذي بنحوه في الأطعمة (٢٢) باب: ما جاء في أكل الضبع (٤)(ر١٧٩١).
ورواه النسائي في المناسك (٢٤) باب: ما لا يقتله المحرم (٨٩)(ر٢٨٣٦)، وفي الصيد (٤٢) باب: الضبع (٢٧)(ر٤٣٣٤).
ورواه ابن ماجة في المناسك (٢٥) باب: جزاء الصيد يصيبه المحرم (٩٠)(ر٣٠٨٥).
ورواه أحمد، والدارمي، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١٦٢١).
قال الخطابي: وقد اختلف الناس في أكل الضبع، فروي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان يأكل الضبع، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه إباحة لحم الضبع، وأباح أكلها عطاء، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور. وكرهه الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، ومالك، وروي ذلك عن سعيد بن المسيب، واحتجوا بأنها سبع (وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع). قال الخطابي: وقد يقوم دليل الخصوص فينزع الشيء من الجملة، وخبر جابر خاص، وخبر تحريم السباع عام. ن سنن أبي داود ٤/١٠٣..

٧ - المائدة: ٩٥..
٨ - النساء: ٩٢..
٩ - النساء: ٩٢..
١٠ - المائدة: ٩٦..
١١ - المائدة: ٩٥..
١٢ - المائدة: ٩٦..
١٣ - المائدة: ٩٥..
١٤ - رواه البيهقي في كتاب الحج باب: قتل المحرم الصيد عمدا أو خطا ٥/١٨٠.
ورواه الشافعي في المسند (ر٨٦٥)..

١٥ - رواه البيهقي في كتاب الحج باب: قتل المحرم الصيد عمدا أو خطا ٥/١٨٠.
ورواه الشافعي في المسند (ر٨٦٦)..

١٦ - المائدة: ٩٥..
١٧ - روى البيهقي في كتاب الحج باب: فدية الضبع ٥/١٨٤ عن سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقول: في الضبع كبش.
وروى البيهقي في نفس الكتاب والباب ٥/١٨٣ عن سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عكرمة مولى ابن عباس يقول: أنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ضبعا صيدا وقضى فيها كبشا.
ورواهما الشافعي في المسند (ر٨٥٣) و(ر٨٥٤).
ورواهما عبد الرزاق في مصنفه كتاب المناسك باب: الضب والضبع (ر٨٢٢٥) و (ر٨٢٢٦)..

١٨ - روى البيهقي في كتاب الحج باب: فدية الغزال ٥/١٨٤ عن جابر بن عبد الله: أن عمر ابن الخطاب قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة.
ورواه الشافعي في المسند (ر٨٥٦-٨٥٧).
ورواه عبد الرزاق في كتاب المناسك باب: الغزال واليربوع (ر٨٢١٤-٨٢١٦).
وروى الشافعي في المسند (ر٨٥٨) عن ابن مسعود، عن أبيه: أنه قضى في اليربوع بجفر أو جفرة.
العناق: الأنثى من ولد المعز والغنم من حين الولادة إلى تمام سنة. ن القاموس الفقهي.
الجفر: من ولد المعز ما بلغ أربعة أشهر وفُصِل عن أمه وأَخَذَ في الرعي، والأنثى جفرة. ن القاموس الفقهي.
اليربوع: دويبة نحو الفأرة لكن ذنبه وأذناه أطول منها ورجلاه أطول من يديه، عكس الزرافة. ن القاموس الفقهي..

١٩ - روى البيهقي في كتاب الحج باب: فدية الغزال ٥/١٨٤ عن جابر بن عبد الله: أن عمر ابن الخطاب قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة.
ورواه الشافعي في المسند (ر٨٥٦-٨٥٧).
ورواه عبد الرزاق في كتاب المناسك باب: الغزال واليربوع (ر٨٢١٤-٨٢١٦).
وروى الشافعي في المسند (ر٨٥٨) عن ابن مسعود، عن أبيه: أنه قضى في اليربوع بجفر أو جفرة.
العناق: الأنثى من ولد المعز والغنم من حين الولادة إلى تمام سنة. ن القاموس الفقهي.
الجفر: من ولد المعز ما بلغ أربعة أشهر وفُصِل عن أمه وأَخَذَ في الرعي، والأنثى جفرة. ن القاموس الفقهي.
اليربوع: دويبة نحو الفأرة لكن ذنبه وأذناه أطول منها ورجلاه أطول من يديه، عكس الزرافة. ن القاموس الفقهي.
.

٢٠ - عرَّاه من الأمر: خلَّصه وجرَّده. ويقال: ما تعرى فلان من هذا الأمر: أي ما تخلص. ن اللسان: عرى..
٢١ - المائدة: ٩٥..
٢٢ - المائدة: ٩٥..
٢٣ - أخرج البيهقي في كتاب الحج باب: أَيْنَ هدي الصيد وغيره ٥/١٨٧ عن عكرمة قال: سأل مروان ابن عباس ونحن بوادي الأزرق: أرأيت ما أصبنا من الصيد لا نجد له بدلا من النعم؟ قال: تنظر ما ثمنه، فتصدق به على مساكين أهل مكة..
٢٤ - المائدة: ٩٥. وقد سقط هنا من جميع النسخ ومن أصل المسند جملة من لفظ القرآن وهي قوله تعالى:
{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾
..
٢٥ - رواه البيهقي في كتاب الحج باب: أين هدي الصيد وغيره ٥/١٨٧.
ورواه الشافعي في المسند (ر٨٦٨).
ورواه عبد الرزاق في كتاب المناسك باب: ذكر الصيد وقتله (ر٨١٧٤)..

٢٦ - المائدة: ٩٥..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٥:٢١٠- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله عز وجل :﴿ لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدا فَجَزَاء مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ ﴾ وكان الصيد : ما امتنع بالتوحش كله. وكانت الآية محتملة أن يحرم على المحرم ما وقع عليه اسم صيد، وهو يجزي بعض الصيد دون بعض. فدلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن من الصيد شيئا ليس على المحرم جزاؤه، كل ما يباح للمحرم قتله، ولم يكن في الصيد شيء يتفرق إلا بأحد معنيين : إما بأن يكون الله عز وجل أراد أن يفدي الصيد المباح أكله ولا يفدي ما لا يباح أكله، وهذا أولى معنييه به، والله أعلم. لأنهم كانوا يصيدون ليأكلون، لا ليقتلوا، وهو يشبه دلالة كتاب الله عز وجل، فقال الله تعالى :﴿ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اَللَّهُ بِشَىْءٍ مِّنَ اَلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ﴾١ وقال عز وجل :﴿ لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾٢ وقال :﴿ اَحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ اَلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اَلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ﴾٣ فذكر جل ثناؤه إباحة صيد البحر للمحرم ومتاعا له، يعني طعاما والله أعلم، ثم حرم صيد البر فأشبه أن يكون إنما حرم عليه بالإحرام ما كان أكله مباحا قبل الإحرام.
ثم أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحرم أن يقتل الغراب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور٤، والأسد، والنمر، والذئب الذي يعدو على الناس، فكانت محرمة الأكل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع٥، فكان ما أبيح قتله معها يشبه أن يكون محرم الأكل لإباحته معها، وأنه لا يضر ضررها.
وأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم أَكْلَ الضَّبُعِ٦، وهو أعظم ضررا من الغراب والحدأة والفأرة أضعافا.
والوجه الثاني : أن يقتل المحرم ما ضر، ولا يقتل ما لا يضر، ويفديه إن قتله، وليس هذا معناه، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل أكل لحم الضبع، وأن السلف والعامة عندهم فدوها، وهي أعظم ضررا من الغراب والحدأة والفأرة. ( الأم : ٢/٢٤٤. ون الأم : ٢/١٨٢. وأحكام الشافعي : ١/١٢٦. ومختصر المزني ص : ٧٢. واختلاف الحديث ص : ٥٤٥ )
ــــــــــــــــــ

٢١١-
قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً ﴾٧ قال الشافعي : يجزي الصيد من قتله عمدا أو خطأ. فإن قال قائل : إيجاب الجزاء في الآية على قاتل الصيد عمدا، وكيف أوجبته على قاتله خطأ ؟ قيل له إن شاء الله : إن إيجاب الجزاء على قاتل الصيد عمدا لا يحظر أن يوجب على قاتله خطأ.
فإن قال قائل : فإذا أوجبت في العمد بالكتاب، فمن أين أوجبت الجزاء في الخطأ ؟ قيل : أوجبته في الخطا قياسا على القرآن والسنة والإجماع. فإن قال : فأين القياس على القرآن ؟ قيل : قال الله عز وجل في قتل الخطأ :﴿ وَمَن قَتَلَ مُومِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ اِلَى أَهْلِهِ ﴾٨ وقال :﴿ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ اِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ ﴾٩ فلما كانت النفسان ممنوعتين بالإسلام والعهد، فأوجب الله عز وجل فيهما بالخطا ديتين ورقبتين، كان الصيد في الإحرام ممنوعا بقول الله عز وجل :
﴿ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اَلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ﴾١٠ وكان لله فيه حكم فيما قتل منه عمدا بجزاء مثله، وكان المنع بالكتاب مطلقا عاما على جميع الصيد، وكان المالك لما وجب بالصيد أهل الحرم لقول الله تعالى :﴿ هَدْياً بَالِغَ اَلْكَعْبَةِ ﴾١١ ولم أعلم بين المسلمين اختلافا أن ما كان ممنوعا أن يتلف من نفس إنسان، أو طائر، أو دابة، أو غير ذلك مما يجوز ملكه، فأصابه إنسان عمدا فكان على من أصابه فيه ثمن يؤدى لصاحبه، وكذلك فيما أصاب من ذلك خطا لا فرق بين ذلك إلا المأثم في العمد.
فلما كان هذا كما وصفت مع أشباه له كان الصيد كله ممنوعا في كتاب الله تعالى، قال الله عز وجل :﴿ اَحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ اَلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اَلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ﴾١٢ فلما كان الصيد محرما كله في الإحرام، وكان الله عز وجل حكم في شيء منه بعدل بالغ الكعبة، كان كذلك كل ممنوع من الصيد في الإحرام لا يتفرق، كما لم يفرق المسلمون بين الغرم في الممنوع من الناس والأموال في العمد والخطأ.
فإن قال قائل : فمن قال هذا معك ؟ قيل : الحجة فيه ما وصفت، وهي عندنا مكتفى بها، وقد قاله ممن قبلنا غيرنا. قال : فاذكره ؟ قلت : أخبرنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : قول الله عز وجل :﴿ لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً ﴾١٣ قلت له : فمن قتله خطا أيغرم ؟ قال : نعم يعظم بذلك حرمات الله. ومضت به السنن١٤.
أخبرنا مسلم بن خالد وسعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عمرو ابن دينار قال : رأيتُ الناس يُغَرَّمُونَ في الخطأ١٥. ( الأم : ٢/١٨٢-١٨٣. ون الأم : ٢/٢٠٧ و ٢/١٩٢ و ٧/٣١ و ٧/٣٠٠. وأحكام الشافعي : ١/١٢٤-١٢٥. ومختصر المزني ص : ٧١ )
ــــــــــــ

٢١٢-
قال الشافعي : قال الله :﴿ لا تَقْتُلُوا اَلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدا فَجَزَاء مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ اَلْكَعْبَةِ ﴾١٦ فأمرهم بالمثل، وجعل المثل إلى عدلين يحكمان فيه، فلما حرم مأكول الصيد عاما كانت لدواب الصيد أمثال على الأبدان. فحكم من حكم من أصحاب رسول الله على ذلك، فقضى في الضبع بكبش١٧، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعَنَاقٍ١٨، وفي اليربوع بجفرةٍ١٩، والعلم يحيط أنهم أرادوا في هذا المثل بالبدن لا بالقيم، ولو حكموا على القيم اختلفت أحكامهم، لاختلاف أثمان الصيد في البلدان وفي الأزمان، وأحكامهم فيها واحدة.
والعلم يحيط أن اليربوع ليس مثل الجفرة في البدن، ولكنها كانت أقرب الأشياء منه شبها، فجعلت مثله، وهذا من القياس يتقارب تقارب العنز والضبي، ويبعد قليلا بعد الجفرة من اليربوع.
ولما كان المثل في الأبدان في الدواب من الصيد دون الطائر لم يجز فيه إلا ما قال عمر ـ والله أعلم ـ من أن ينظر إلى المقتول من الصيد فيجزى بأقرب الأشياء به شبها منه في البدن، فإذا فات منها شيئا رفع إلى أقرب الأشياء به شبها، كما فاتت الضبعُ العَنْزَ فرفعت إلى الكبش، وصغر اليربوع عن العناق فخُفِضَ إلى الجفرة.
وكان طائر الصيد لا مثل له في النَّعَم، لاختلاف خلقته وخلقته، فجزي خبرا وقياسا على ما كان ممنوعا لإنسان فأتلفه إنسان، فعليه قيمته لمالكه.
قال الشافعي : فالحكم فيه بالقيمة يجتمع في أنه يقَوَّمُ قيمة يومه وبلده، ويختلف في الأزمان والبلدان، حتى يكون الطائر ببلدٍ ثَمَنَ دِرْهَمٍ، وفي البلد الآخر ثَمَنَ بَعْضِ دِرْهَمٍ.
وأُمِرْنَا بإجازة شهادة العدل، وإذا شُرط علينا أن نقبل العدل ففيه دلالة على أن نَردَّ ما خالفه.
وليس للعدل علامة تفرق بينه وبين غير العدل في بدنه ولا لفظه، وإنما علامة صدقه بما يختبر من حاله في نفسه. فإذا كان الأغلب من أمره ظاهر الخير قُبل، وإن كان فيه تقصير عن بعض أمره. لأنه لا يُعَرَّى٢٠ أحد رأيناه من الذنوب. وإذا خلط الذنوب والعمل الصالح فليس فيه إلا الاجتهاد على الأغلب من أمره، بالتمييز بين حَسنه وقبيحه، وإذا كان هذا هكذا فلا بد من أن يختلف المجتهدون فيه. وإذا ظهر حسنه فقبلنا شهادته، فجاء حاكم غيرنا فَعَلمَ منه ظهور السَّيِّءِ كان عليه ردُّهُ.
وقد حكم الحاكمان في أمرٍ واحدٍ بِرَدٍّ وقبول، وهذا اختلاف، ولكن كل قد فعل ما عليه. ( الرسالة : ٤٩٠-٤٩٤. ون الأم : ٢/١٩٤-١٩٥ و ٢/١٩٨ و ٢/٢٠١ و ٧/٢٣٨. وأحكام الشافعي : ١/١٢٣-١٢١. )
ــــــــــــ

٢١٣-
قال الشافعي : قال الله تعالى :﴿ فَجَزَاء مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ ﴾٢١ والمثل للمقتول، وقد يكون غائبا، فإنما يُجتهد على أصل الصيد المقتول، فينظر إلى أقرب الأشياء به شبَهًا فيهديه.
وفي هذا دليل على أن الله عز وجل لم يبح الاجتهاد إلا على الأصول، لأنه عز وجل إنما أمر بمثل ما قُتل، فأمر بالمثل على الأَصْلِ وليس على غير أصل. ( الأم : ٦/٢٠١. ون الأم : ٧/٢٧٧. والرسالة ص : ٣٨-٣٩. )
ــــــــــــــــــــــــــــــ

٢١٤-
قال الشافعي : قال الله تعالى :﴿ هَدْياً بَالِغَ اَلْكَعْبَةِ ﴾٢٢ قال الشافعي : فلما كان كل ما أريد به هدي من ملك ابن آدم هديا، كانت الأنعام كلها، وكل ما أهدي فهو بمكة، والله أعلم. ولو خفي عن أحد أن هذا هكذا، ما انبغى ـ والله أعلم ـ أن يخفى عليه إذا كان الصيد إذا جزي بشيء من النعم، لا يجزي فيه إلا أن يجزى بمكة، فعلم أن مكة أعظم أرض الله تعالى حرمة. وأولاه أن تنزه عن الدماء، لولا ما عقلنا من حكم الله في أنه للمساكين الحاضرين بمكة٢٣. فإذا عقلنا هذا عن الله عز وجل فكان جزاء الصيد بطعام لم يجز ـ والله أعلم ـ إلا بمكة.
وكما عقلنا عن الله ذكر الشهادة في موضعين من القرآن بالعدل، وفي مواضع فلم يذكر العدل وكانت الشهادات وإن افترقت تجتمع في أنه يؤخذ بها اكتفينا أنها كلها بالعدل، ولم نزعم أن الموضع الذي لم يذكر الله عز وجل فيه العدل مَعْفُو عن العدل فيه ؛ فلو أطعم في كفارة صيد بغير مكة لم يُجْزِ عنه، وأعاد الإطعام بمكة أو بمنًى، فهو من مكة لأنه لحاضر الحرم.
ومثل هذا كل ما وجب على محرم بوجه من الوجوه من فدية أذى، أو طيب، أو لبس، أو غيره، لا يخالفه في شيء لأن كله من جهة النسك، والنسك إلى الحرم، ومنافعه للمساكين الحاضرين الحرم.
قال : ومن حضر الكعبة حين يبلغها الهدي من النعم أو الطعام من مسكين، كان له أهل بها أو غريب، لأنهم إنما أعطوا بحضرتها، وإن قل فكان يعطي بعضهم دون بعض أجزأه أن يعطي مساكين الغرباء دون أهل مكة، ومساكين أهل مكة دون مساكين الغرباء، وأن يخلط بينهم. ولو آثر به أهل مكة لأنهم يجمعون الحضور والمقام، لكان كأنه أسرى إلى القلب، والله أعلم.
فإن قال قائل : فهل قال هذا أحدٌ يذكر قوله ؟ قيل : أخبرنا سعيد، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء :﴿ فَجَزَاء مِثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ هَدْياً بَالِغَ اَلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ ﴾٢٤ قال : من أجل أنه أصابه في حرم يريد البيت كفارة ذلك عند البيت٢٥.
أخبرنا سعيد، عن ابن جريج : أن عطاء قال له مرة أخرى : يتصدق الذي يصيب الصيد بمكة، قال الله عز وجل :﴿ هَدْياً بَالِغَ اَلْكَعْبَةِ ﴾٢٦ قال : فيتصدق بمكة.
قال الشافعي : يريد عطاء : ما وصفت من الطعام، والنعم كله هدي، والله أعلم. ( الأم : ٢/١٨٤-١٨٥. ون أحكام الشافعي : ١/١٣٩. )
ــــــــــــ
٢١٥- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدا
١ - المائدة: ٩٤..
٢ - المائدة: ٩٥..
٣ - المائدة: ٩٦..
٤ - سبق تخريجه..
٥ - سبق تخريجه..
٦ - روى أبو داود في الأطعمة (٢١) باب: في أكل الضبع (٣٢)(ر٣٨٠١) عن جابر بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: « هو صيد، ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم ».
ورواه الترمذي بنحوه في الأطعمة (٢٢) باب: ما جاء في أكل الضبع (٤)(ر١٧٩١).
ورواه النسائي في المناسك (٢٤) باب: ما لا يقتله المحرم (٨٩)(ر٢٨٣٦)، وفي الصيد (٤٢) باب: الضبع (٢٧)(ر٤٣٣٤).
ورواه ابن ماجة في المناسك (٢٥) باب: جزاء الصيد يصيبه المحرم (٩٠)(ر٣٠٨٥).
ورواه أحمد، والدارمي، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١٦٢١).
قال الخطابي: وقد اختلف الناس في أكل الضبع، فروي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان يأكل الضبع، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه إباحة لحم الضبع، وأباح أكلها عطاء، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور. وكرهه الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، ومالك، وروي ذلك عن سعيد بن المسيب، واحتجوا بأنها سبع (وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع). قال الخطابي: وقد يقوم دليل الخصوص فينزع الشيء من الجملة، وخبر جابر خاص، وخبر تحريم السباع عام. ن سنن أبي داود ٤/١٠٣..

٧ - المائدة: ٩٥..
٨ - النساء: ٩٢..
٩ - النساء: ٩٢..
١٠ - المائدة: ٩٦..
١١ - المائدة: ٩٥..
١٢ - المائدة: ٩٦..
١٣ - المائدة: ٩٥..
١٤ - رواه البيهقي في كتاب الحج باب: قتل المحرم الصيد عمدا أو خطا ٥/١٨٠.
ورواه الشافعي في المسند (ر٨٦٥)..

١٥ - رواه البيهقي في كتاب الحج باب: قتل المحرم الصيد عمدا أو خطا ٥/١٨٠.
ورواه الشافعي في المسند (ر٨٦٦)..

١٦ - المائدة: ٩٥..
١٧ - روى البيهقي في كتاب الحج باب: فدية الضبع ٥/١٨٤ عن سعيد عن ابن جريج عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقول: في الضبع كبش.
وروى البيهقي في نفس الكتاب والباب ٥/١٨٣ عن سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عكرمة مولى ابن عباس يقول: أنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ضبعا صيدا وقضى فيها كبشا.
ورواهما الشافعي في المسند (ر٨٥٣) و(ر٨٥٤).
ورواهما عبد الرزاق في مصنفه كتاب المناسك باب: الضب والضبع (ر٨٢٢٥) و (ر٨٢٢٦)..

١٨ - روى البيهقي في كتاب الحج باب: فدية الغزال ٥/١٨٤ عن جابر بن عبد الله: أن عمر ابن الخطاب قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة.
ورواه الشافعي في المسند (ر٨٥٦-٨٥٧).
ورواه عبد الرزاق في كتاب المناسك باب: الغزال واليربوع (ر٨٢١٤-٨٢١٦).
وروى الشافعي في المسند (ر٨٥٨) عن ابن مسعود، عن أبيه: أنه قضى في اليربوع بجفر أو جفرة.
العناق: الأنثى من ولد المعز والغنم من حين الولادة إلى تمام سنة. ن القاموس الفقهي.
الجفر: من ولد المعز ما بلغ أربعة أشهر وفُصِل عن أمه وأَخَذَ في الرعي، والأنثى جفرة. ن القاموس الفقهي.
اليربوع: دويبة نحو الفأرة لكن ذنبه وأذناه أطول منها ورجلاه أطول من يديه، عكس الزرافة. ن القاموس الفقهي..

١٩ - روى البيهقي في كتاب الحج باب: فدية الغزال ٥/١٨٤ عن جابر بن عبد الله: أن عمر ابن الخطاب قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة.
ورواه الشافعي في المسند (ر٨٥٦-٨٥٧).
ورواه عبد الرزاق في كتاب المناسك باب: الغزال واليربوع (ر٨٢١٤-٨٢١٦).
وروى الشافعي في المسند (ر٨٥٨) عن ابن مسعود، عن أبيه: أنه قضى في اليربوع بجفر أو جفرة.
العناق: الأنثى من ولد المعز والغنم من حين الولادة إلى تمام سنة. ن القاموس الفقهي.
الجفر: من ولد المعز ما بلغ أربعة أشهر وفُصِل عن أمه وأَخَذَ في الرعي، والأنثى جفرة. ن القاموس الفقهي.
اليربوع: دويبة نحو الفأرة لكن ذنبه وأذناه أطول منها ورجلاه أطول من يديه، عكس الزرافة. ن القاموس الفقهي.
.

٢٠ - عرَّاه من الأمر: خلَّصه وجرَّده. ويقال: ما تعرى فلان من هذا الأمر: أي ما تخلص. ن اللسان: عرى..
٢١ - المائدة: ٩٥..
٢٢ - المائدة: ٩٥..
٢٣ - أخرج البيهقي في كتاب الحج باب: أَيْنَ هدي الصيد وغيره ٥/١٨٧ عن عكرمة قال: سأل مروان ابن عباس ونحن بوادي الأزرق: أرأيت ما أصبنا من الصيد لا نجد له بدلا من النعم؟ قال: تنظر ما ثمنه، فتصدق به على مساكين أهل مكة..
٢٤ - المائدة: ٩٥. وقد سقط هنا من جميع النسخ ومن أصل المسند جملة من لفظ القرآن وهي قوله تعالى:
{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾
..
٢٥ - رواه البيهقي في كتاب الحج باب: أين هدي الصيد وغيره ٥/١٨٧.
ورواه الشافعي في المسند (ر٨٦٨).
ورواه عبد الرزاق في كتاب المناسك باب: ذكر الصيد وقتله (ر٨١٧٤)..

٢٦ - المائدة: ٩٥..

٢١٩- قال الشافعي : وقد أخبرنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عامر بن سعد١، عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يكن فحرم من أجل مسألته »٢.
وأخبرنا ابن عيينة، عن ابن شهاب، عن عامر ابن سعد، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه٣. قال الله عز وجل :﴿ لا تَسْئَلُوا عَنَ اَشْيَاء إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾٤ إلى قوله :﴿ بِهَا كَافِرِينَ ﴾٥.
قال الشافعي رحمه الله : كانت المسائل فيها فيما لم ينزل إذا كان الوحي ينزل بمكروه لما ذكرت من قول الله تبارك وتعالى، ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره فيما في معناه، وفي معناه كراهية لكم أن تسألوا عما لم يحرم، فإن حرَّمَهُ الله في كتابه أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم أبدا، إلا أن ينسخ الله تحريمه في كتابه، أو ينسخ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه دلائل : على أن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذن الله تعالى إلى يوم القيامة، بما وصفت وغيره من افتراض الله تعالى طاعته في غير آية من كتابه، وما جاء عنه صلى الله عليه وسلم مما قد وصفته في غير هذا الموضع. ( الأم : ٥/١٢٧. ون أحكام الشافعي : ١/٤١. )
١ - عامر بن سعد بن أبي وقاص. عن: أبيه، وعثمان، وعائشة. وعنه: ابنه داود، وابن شهاب، وطائفة. ثقة. ت سنة: ١٠٣ وقيل: ١٠٤. الكاشف: ٢/٥١. ون التهذيب: ٤/١٥٥. وقال في التقريب: ثقة..
٢ - أخرجه البخاري في الاعتصام بالكتاب والسنة (٩٩) باب: ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه (٣)(ر٦٨٥٩).
وأخرجه مسلم في الفضائل (٤٣) باب: توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه (٣٧)(ر٢٣٥٨).
وأخرجه أبو داود في السنة (٣٤) باب: لزوم السنة (٧)(ر٤٦١٠). والشافعي في المسند (ر٢٦)..

٣ - رواه الشافعي في المسند (ر٢٧)..
٤ - المائدة: ١٠١..
٥ - المائدة: ١٠٢..
٢٢٠- قال الشافعي : كان أهل الجاهلية يبحرون البحيرة، ويسبُون السائبة، ويوصلون الوصيلة، ويعفون الحام، وهذه من الإبل والغنم.
فكانوا يقولون في الحام : إذا ضرب في إبل الرجل عشر سنين، وقيل : نتج له عشرة حام، أي حمى ظهره فلا يحل أن يركب. ويقولون في الوصيلة وهي من الغنم : إذا وصلت بطونا توءما، ونتج نتاجها، فكانوا يمنعونها مما يفعلون بغيرها مثلها. ويسبون السائبة فيقولون : قد أعتقناك سائبة ولا وَلاء لنا عليك ولا ميراث يرجع منك ليكون أكمل لتبررنا فيك، فأنزل الله عز وجل :﴿ مَا جَعَلَ اَللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلا سَآئِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ ﴾١ الآية، فَرَدَّ الله ثم رسوله صلى الله عليه وسلم الغنم إلى مالكها إذا كان العتق لا يقع على غير الآدميين، وكذلك لو أنه أعتق بعيره لم يمنع بالعتق منه إذا حكم الله عز وجل أن يرد إليه ذلك ويبطل الشرط فيه. فكذلك أبطل الشروط في السائبة ورده إلى ولاء من أعتقه مع الجملة التي وصفنا لك٢.
قال الشافعي : أخبرنا إبراهيم بن محمد أن عبد الله بن أبي بكر وعبد العزيز أخبراه أن عمر بن عبد العزيز كتب في خلافته في سائبة مات أن يدفع ميراثه إلى الذي أعتقه٣. ( الأم : ٤/٧٩. ون الأم : ٢/٢٤٣ و ٤/٥٢ و ٤/١٣٢ و ٦/١٨٣ و ٦/١٨٩-١٩٠. وأحكام الشافعي : ١/١٤٣-١٤٥ و ٢/١٠٠ و ١/١٤٢-١٤٣. )
١ - المائدة: ١٠٣. وتمامها: ﴿ وَلَـاكِنَّ اَلذِينَ كَفَرُوا يَفتَرُونَ عَلَى اَللَّهِ اِلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ﴾..
٢ - حديث: « الولاء لمن أعتق » سبق تخريجه.
وروى البيهقي في كتاب الولاء باب: من أعتق عبدا له سائبة ١٠/٣٠٠ عن أبي طوالة قال: كان سالم مولى أبي حذيفة مولى لامرأة من الأنصار يقال لها عمرة بنت يعار أعتقته سائبة، فقتل يوم اليمامة، فأتي أبو بكر رضي الله عنه بميراثه فقال: أعطوه عمرة، فأبت أن تقبله..

٣ - لم أقف عليه..
٢٢١- قال الشافعي رحمه الله : في قوله عز وجل :﴿ عَلَيْكُمُ أَنفُسَكُمْ ﴾ قال : هذا مثل قوله تعالى :﴿ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدياهُمْ ﴾١ ومثل قوله عز وجل :﴿ فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾٢. ومثل هذا في القرآن على ألفاظ. ( أحكام الشافعي : ٢/١٨٥-١٨٦. )
١ - البقرة: ٢٧٢..
٢ - النساء: ١٤٠..
٢٢٢- قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا أبو سعيد معاذ بن موسى الجعفري، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، قال بكير : قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن مجاهد، والحسن، والضحاك في قوله تبارك وتعالى :﴿ اِثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمُ ﴾ الآية، أن رجلين نصرانيين من أهل دارين، أحدهما : تميمي، والآخر : يماني، صحبهما مولى لقريش في تجارة، فركبوا البحر ومع القرشي مال معلوم قد علَّمَه أولياؤه من بين آنية، وبَزٍّ١، ورِّقَةٍ٢، فمرض القرشي، فجعل وصيته إلى الداريين فمات، وقبض الداريان المال والوصية فدفعاه إلى أولياء الميت، وجاءا٣ ببعض ماله، وأنكر القوم قلة المال فقالوا للداريين : إن صاحبنا قد خرج ومعه مال أكثر مما أتيتمانا به، فهل باع شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه ؟ أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه ؟ قالا : لا، قالوا : فإنكما خُنتمانا، فقبضوا المال، ورفعوا أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل :﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمُ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ ﴾ إلى آخر الآية.
فلما نزلت أن يحبسا من بعد الصلاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقاما بعد الصلاة فحلفا بالله رب السماوات ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به، وأنّا لا نشتري بأيماننا ثمنا قليلا من الدنيا :﴿ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اَللَّهِ إِنَّا إِذا لَّمِنَ اَلاَثِمِينَ ﴾٤ فلما حلفا خلَّى سبيلهما، ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت فأخذوا الداريين فقالا : اشتريناه منه في حياته وكذبا، فكلفا البينة فلم يقدرا عليها، فرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل :﴿ فَإِنْ عُثِرَ ﴾٥ يقول : فإن اطلع ﴿ عَلَى أَنَّهُمَا اَسْتَحَقَّا إِثْماً ﴾٦ يعني الداريين، أي كتما حقا ﴿ فَئَاخَرَانِ ﴾٧ من أولياء الميت ﴿ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ اَلذِينَ اَسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ اَلاَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ ﴾٨ فيحلفان بالله إن مال صاحبنا كان كذا وكذا، وإن الذي نطلب قبل الداريين لحق ﴿ وَمَا اَعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذا لَّمِنَ اَلظَّـالِمِينَ ﴾٩ هذا قول الشاهدين أولياء الميت
﴿ ذَلِكَ أَدْنى أَنْ يَّاتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَآ ﴾١٠ يعني الداريين والناس أن يعودوا لمثل ذلك١١.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : يعني من كان في مثل حال الداريين من الناس، ولا أعلم الآية تحتمل معنى غير حمله على ما قال، وإن كان لم يوضح بعضه، لأن الرجلين اللذين كشاهدي الوصية كانا أميني الميت، فيشبه أن يكون إذا كان شاهدان منكم أو من غيركم أمينين على ما شهدا عليه، فطلب ورثة الميت أيمانهما أحلفا بأنهما أمينان، لا في معنى الشهود.
فإن قال : فكيف تسمى في هذا الموضع شهادة ؟ قيل : كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة، وإنما معنى شهادة بينكم أيمان بينكم إذا كان هذا المعنى والله تعالى أعلم.
فإن قال قائل : فكيف لم تحتمل الشهادة ؟ قيل : ولا نعلم المسلمين اختلفوا في أنه ليس على شاهد يمين قبلت شهادته أو ردت ؟ ولا يجوز أن يكون إجماعهم خلافا لكتاب الله عز وجل، ويشبه قول الله تبارك وتعالى :﴿ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اَسْتَحَقَّا إِثْماً ﴾١٢ يوجد من مال الميت في أيديهما ولم يذكرا قبل وجوده أنه في أيديهما، فلما وُجِدَ ادعيا ابتياعه، فأحلف أولياء الميت على مال الميت، فصار مالا من مال الميت فإقرارهما وادعيا لأنفسهما شراءه، فلم تقبل دعواهما بلا بينة، فأحلف وارثاه على ما ادعيا، وإن كان أبو سعيد لم يبينه في حديثه هذا التبيين فقد جاء بمعناه.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : وليس في هذا رد اليمين، أين ما كانت يمين الداريين على ادعاء الورثة من الخيانة، ويمين ورثة الميت على ما ادعى الدَّارِيَّانِ مما وُجِدَ في أيديهما، وأقرَّا أنه للميت وأنه صار لهما من قِبله، وإنما أَجَزْنَا ردَّ اليمين من غير هذه الآية.
فإن قال قائل : فإن الله عز وجل يقول :﴿ أَوْ يَخَافُوا أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾١٣ فذلك ـ والله تعالى أعلم ـ أن الأيمان كانت عليهم بدعوى الورثة أنهم اختانوا، ثم صار الورثة حالفين بإقرارهم أن هذا كان للميت وادعائهم شراءه منه، فجاز أن يقال : أن ترد أيمان تثنى عليهم الأيمان بما يجب عليهم إن صارت لهم الأيمان كما يجب على من حلف لهم، وذلك قول الله ـ والله تعالى أعلم ـ :﴿ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا ﴾١٤ يحلفان كما أحلفا، وإذا كان هذا كما وصفت فليست هذه الآية بناسخة ولا منسوخة١٥ لأَمرِ الله عز وجل بإشهاد ذوي عدل منكم، ومن نرضى من الشهداء. ( الأم : ٤/٢٠٨-٢٠٩. ون أحكام الشافعي : ٢/١٤٧-١٥٣. )
ـــــــــــــــــــــــ
٢٢٣- قال الشافعي : ومن أجاز شهادة أهل الذمة فأَعدلهم عنده أعظمهم بالله شِرْكاً : أَسْجَدُهم للصليب وأَلْزَمُهم للكنيسة. فقال قائل : فإن الله عز وجل يقول حين الوصية : ﴿ اِثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمُ اَوَ ـاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمُ ﴾١٦.
قال الشافعي : والله أعلم بما أراد من هذا، وإنما يفسر ما احتمل الوجوه ما دلت عليه سنة أو أثر عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مخالف له، أو أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء. فقد سمعت من يتأول هذه الآية : على من غير قبيلتكم من المسلمين، ويحتج فيها بقول الله عز وجل :﴿ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ اِلصَّلَواةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ اِرْتَبْتُمْ ﴾ إلى :﴿ اَلاَثِمِينَ ﴾١٧ فيقول : الصلاة للمسلمين والمسلمون يتأثمون من كتمان الشهادة لله، فأما المشركون فلا صلاة لهم قائمة، ولا يتأثمون من كتمان الشهادة للمسلمين، ولا عليهم.
قال الشافعي : وسمعت من يذكر أنها منسوخة بقوله تعالى :﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾١٨ والله أعلم، ورأيت مفتي أهل دار الهجرة والسنة يفتون أن لا تجوز شهادة غير المسلمين العدول. قال الشافعي : وذلك قولي. ( الأم : ٦/١٤١-١٤٢. ون السنن الكبرى : ١٠/١٦٤. وأحكام الشافعي : ٢/١٤٤-١٤٦. )
ــــــــــــ
٢٢٤- قال الشافعي : والحجة فيما وصفت من أن يستحلف الناس فيما بين البيت والمقام، وعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد العصر قول الله عز وجل :﴿ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ اِلصَّلَواةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ ﴾١٩، وقال المفسرون : هي صلاة العصر.
وقول الله عز وجل في المتلاعنين :﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ اَلصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَن لَّعْنَتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ اَلْكَاذِبِينَ ﴾٢٠ فاستدللنا بكتاب الله عز وجل على تأكيد اليمين على الحالف في الوقت الذي تعظم فيه اليمين بعد الصلاة. ( الأم : ٧/٣٦. ون أحكام الشافعي : ٢/١٥٥. والسنن الكبرى : ١٠/١٧٧. )
ــــــــــــ
٢٢٥- قال الشافعي : قال : فكيف يحلف من بالأمصار على العظيم من الأمر ؟ قلنا : بعد العصر كما قال الله عز وجل :﴿ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ اِلصَّلَواةِ ﴾٢١ وكما أمر ابن عباس ابن أبي مليكة بالطائف أن يحبس الجارية بعد العصر ثم يقرا عليها :﴿ إِنَّ اَلذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اِللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً ﴾٢٢ ففعل فاعترفت٢٣.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا بذلك ابن مؤمل عن ابن أبي مُليكة٢٤ عن ابن عباس. ( الأم : ٧/٣٧. )
١ - البَزُّ: الثياب من القطن والكتان. والبزَّاز بائع القماش. ن معجم لغة الفقهاء..
٢ - الرِّقَةُ: الفضة. ن القاموس الفقهي..
٣ - في جميع النسخ: « جاء » على صيغة المفرد، والصواب « جاءا » أي الداريين لأنه مثنى..
٤ - المائدة: ١٠٦..
٥ - المائدة: ١٠٧..
٦ - المائدة: ١٠٧..
٧ - المائدة: ١٠٧..
٨ - المائدة: ١٠٧..
٩ - المائدة: ١٠٧..
١٠ - المائدة: ١٠٨..
١١ - رواه البيهقي في كتاب الشهادات باب: ما جاء في قول الله عز وجل: ﴿يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمُو..﴾ ١٠/١٦٥. قال البيهقي: وقد ثبت معنى ما ذكره مقاتل بن حيان عن أهل التفسير بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، إلا أنه لم يحفظ فيه دعوى تميم وعدي أنهما اشترياه، وحفظه مقاتل.
وأخرجه البخاري في الوصايا (٥٩) باب: قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمُو.. اَلْفَاسِقِينَ ﴾
(٣٦)(ر٢٦٢٨) عن ابن عباس.
وأخرجه أبو داود في الأقضية (١٨) باب: شهادة أهل الذمة (١٧)(ر٣٦٠٦).
وأخرجه الترمذي في التفسير (٤٤)(ر٣٠٦٠) وقال: حديث حسن غريب..

١٢ - المائدة: ١٠٧..
١٣ - المائدة: ١٠٨..
١٤ - المائدة: ١٠٧..
١٥ - قال ابن عباس وابن المسيب: إنها منسوخة. وهو ما رواه البيهقي في كتاب الشهادات باب: قول الله:﴿يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمُو... ﴾ ١٠/١٦٤..
١٦ - المائدة: ١٠٦..
١٧ - المائدة: ١٠٦..
١٨ - الطلاق: ٢..
١٩ - المائدة: ١٠٦..
٢٠ - النور: ٦-٧..
٢١ - المائدة: ١٠٦..
٢٢ - آل عمران: ٧٧..
٢٣ - أخرج البيهقي في كتاب الشهادات باب: تأكيد اليمين بالزمان والحلف على المصحف: ١٠/١٧٨ عن الشافعي عن عبد الله بن مؤمل عن ابن أبي مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس رضي الله عنهما من الطائف في جاريتين ضربت إحداهما الأخرى ولا شاهد عليهما، فكتب إلي: أن احبسهما بعد صلاة العصر ثم اقرا عليهما
﴿إِنَّ اَلذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اِللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا ﴾ ففعلت، فاعترفت.
وأخرجه الشافعي في الأم: ٧/٣٤..

٢٤ - عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة التيمي، أبو بكر، مؤذن ابن الزبير وقاضيه. سمع عائشة، وابن عباس. وعنه: أيوب والليث. قال: بعثني ابن الزبير على قضاء الطائف فكنت أسأل ابن عباس. ت سنة: ١١٨هـ الكاشف: ٢/١٠٢. ون التهذيب: ٤/٣٨٥. وقال في التقريب: ثقة فقيه..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٦:٢٢٢- قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا أبو سعيد معاذ بن موسى الجعفري، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، قال بكير : قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن مجاهد، والحسن، والضحاك في قوله تبارك وتعالى :﴿ اِثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمُ ﴾ الآية، أن رجلين نصرانيين من أهل دارين، أحدهما : تميمي، والآخر : يماني، صحبهما مولى لقريش في تجارة، فركبوا البحر ومع القرشي مال معلوم قد علَّمَه أولياؤه من بين آنية، وبَزٍّ١، ورِّقَةٍ٢، فمرض القرشي، فجعل وصيته إلى الداريين فمات، وقبض الداريان المال والوصية فدفعاه إلى أولياء الميت، وجاءا٣ ببعض ماله، وأنكر القوم قلة المال فقالوا للداريين : إن صاحبنا قد خرج ومعه مال أكثر مما أتيتمانا به، فهل باع شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه ؟ أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه ؟ قالا : لا، قالوا : فإنكما خُنتمانا، فقبضوا المال، ورفعوا أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل :﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمُ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ ﴾ إلى آخر الآية.
فلما نزلت أن يحبسا من بعد الصلاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقاما بعد الصلاة فحلفا بالله رب السماوات ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به، وأنّا لا نشتري بأيماننا ثمنا قليلا من الدنيا :﴿ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اَللَّهِ إِنَّا إِذا لَّمِنَ اَلاَثِمِينَ ﴾٤ فلما حلفا خلَّى سبيلهما، ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت فأخذوا الداريين فقالا : اشتريناه منه في حياته وكذبا، فكلفا البينة فلم يقدرا عليها، فرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل :﴿ فَإِنْ عُثِرَ ﴾٥ يقول : فإن اطلع ﴿ عَلَى أَنَّهُمَا اَسْتَحَقَّا إِثْماً ﴾٦ يعني الداريين، أي كتما حقا ﴿ فَئَاخَرَانِ ﴾٧ من أولياء الميت ﴿ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ اَلذِينَ اَسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ اَلاَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ ﴾٨ فيحلفان بالله إن مال صاحبنا كان كذا وكذا، وإن الذي نطلب قبل الداريين لحق ﴿ وَمَا اَعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذا لَّمِنَ اَلظَّـالِمِينَ ﴾٩ هذا قول الشاهدين أولياء الميت
﴿ ذَلِكَ أَدْنى أَنْ يَّاتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَآ ﴾١٠ يعني الداريين والناس أن يعودوا لمثل ذلك١١.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : يعني من كان في مثل حال الداريين من الناس، ولا أعلم الآية تحتمل معنى غير حمله على ما قال، وإن كان لم يوضح بعضه، لأن الرجلين اللذين كشاهدي الوصية كانا أميني الميت، فيشبه أن يكون إذا كان شاهدان منكم أو من غيركم أمينين على ما شهدا عليه، فطلب ورثة الميت أيمانهما أحلفا بأنهما أمينان، لا في معنى الشهود.
فإن قال : فكيف تسمى في هذا الموضع شهادة ؟ قيل : كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة، وإنما معنى شهادة بينكم أيمان بينكم إذا كان هذا المعنى والله تعالى أعلم.
فإن قال قائل : فكيف لم تحتمل الشهادة ؟ قيل : ولا نعلم المسلمين اختلفوا في أنه ليس على شاهد يمين قبلت شهادته أو ردت ؟ ولا يجوز أن يكون إجماعهم خلافا لكتاب الله عز وجل، ويشبه قول الله تبارك وتعالى :﴿ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اَسْتَحَقَّا إِثْماً ﴾١٢ يوجد من مال الميت في أيديهما ولم يذكرا قبل وجوده أنه في أيديهما، فلما وُجِدَ ادعيا ابتياعه، فأحلف أولياء الميت على مال الميت، فصار مالا من مال الميت فإقرارهما وادعيا لأنفسهما شراءه، فلم تقبل دعواهما بلا بينة، فأحلف وارثاه على ما ادعيا، وإن كان أبو سعيد لم يبينه في حديثه هذا التبيين فقد جاء بمعناه.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : وليس في هذا رد اليمين، أين ما كانت يمين الداريين على ادعاء الورثة من الخيانة، ويمين ورثة الميت على ما ادعى الدَّارِيَّانِ مما وُجِدَ في أيديهما، وأقرَّا أنه للميت وأنه صار لهما من قِبله، وإنما أَجَزْنَا ردَّ اليمين من غير هذه الآية.
فإن قال قائل : فإن الله عز وجل يقول :﴿ أَوْ يَخَافُوا أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾١٣ فذلك ـ والله تعالى أعلم ـ أن الأيمان كانت عليهم بدعوى الورثة أنهم اختانوا، ثم صار الورثة حالفين بإقرارهم أن هذا كان للميت وادعائهم شراءه منه، فجاز أن يقال : أن ترد أيمان تثنى عليهم الأيمان بما يجب عليهم إن صارت لهم الأيمان كما يجب على من حلف لهم، وذلك قول الله ـ والله تعالى أعلم ـ :﴿ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا ﴾١٤ يحلفان كما أحلفا، وإذا كان هذا كما وصفت فليست هذه الآية بناسخة ولا منسوخة١٥ لأَمرِ الله عز وجل بإشهاد ذوي عدل منكم، ومن نرضى من الشهداء. ( الأم : ٤/٢٠٨-٢٠٩. ون أحكام الشافعي : ٢/١٤٧-١٥٣. )
ـــــــــــــــــــــــ

٢٢٣-
قال الشافعي : ومن أجاز شهادة أهل الذمة فأَعدلهم عنده أعظمهم بالله شِرْكاً : أَسْجَدُهم للصليب وأَلْزَمُهم للكنيسة. فقال قائل : فإن الله عز وجل يقول حين الوصية :﴿ اِثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمُ اَوَ ـاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمُ ﴾١٦.
قال الشافعي : والله أعلم بما أراد من هذا، وإنما يفسر ما احتمل الوجوه ما دلت عليه سنة أو أثر عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مخالف له، أو أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء. فقد سمعت من يتأول هذه الآية : على من غير قبيلتكم من المسلمين، ويحتج فيها بقول الله عز وجل :﴿ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ اِلصَّلَواةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ اِرْتَبْتُمْ ﴾ إلى :﴿ اَلاَثِمِينَ ﴾١٧ فيقول : الصلاة للمسلمين والمسلمون يتأثمون من كتمان الشهادة لله، فأما المشركون فلا صلاة لهم قائمة، ولا يتأثمون من كتمان الشهادة للمسلمين، ولا عليهم.
قال الشافعي : وسمعت من يذكر أنها منسوخة بقوله تعالى :﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾١٨ والله أعلم، ورأيت مفتي أهل دار الهجرة والسنة يفتون أن لا تجوز شهادة غير المسلمين العدول. قال الشافعي : وذلك قولي. ( الأم : ٦/١٤١-١٤٢. ون السنن الكبرى : ١٠/١٦٤. وأحكام الشافعي : ٢/١٤٤-١٤٦. )
ــــــــــــ

٢٢٤-
قال الشافعي : والحجة فيما وصفت من أن يستحلف الناس فيما بين البيت والمقام، وعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد العصر قول الله عز وجل :﴿ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ اِلصَّلَواةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ ﴾١٩، وقال المفسرون : هي صلاة العصر.
وقول الله عز وجل في المتلاعنين :﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ اَلصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَن لَّعْنَتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ اَلْكَاذِبِينَ ﴾٢٠ فاستدللنا بكتاب الله عز وجل على تأكيد اليمين على الحالف في الوقت الذي تعظم فيه اليمين بعد الصلاة. ( الأم : ٧/٣٦. ون أحكام الشافعي : ٢/١٥٥. والسنن الكبرى : ١٠/١٧٧. )
ــــــــــــ

٢٢٥-
قال الشافعي : قال : فكيف يحلف من بالأمصار على العظيم من الأمر ؟ قلنا : بعد العصر كما قال الله عز وجل :﴿ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ اِلصَّلَواةِ ﴾٢١ وكما أمر ابن عباس ابن أبي مليكة بالطائف أن يحبس الجارية بعد العصر ثم يقرا عليها :﴿ إِنَّ اَلذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اِللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً ﴾٢٢ ففعل فاعترفت٢٣.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا بذلك ابن مؤمل عن ابن أبي مُليكة٢٤ عن ابن عباس. ( الأم : ٧/٣٧. )
١ - البَزُّ: الثياب من القطن والكتان. والبزَّاز بائع القماش. ن معجم لغة الفقهاء..
٢ - الرِّقَةُ: الفضة. ن القاموس الفقهي..
٣ - في جميع النسخ: « جاء » على صيغة المفرد، والصواب « جاءا » أي الداريين لأنه مثنى..
٤ - المائدة: ١٠٦..
٥ - المائدة: ١٠٧..
٦ - المائدة: ١٠٧..
٧ - المائدة: ١٠٧..
٨ - المائدة: ١٠٧..
٩ - المائدة: ١٠٧..
١٠ - المائدة: ١٠٨..
١١ - رواه البيهقي في كتاب الشهادات باب: ما جاء في قول الله عز وجل: ﴿يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمُو..﴾ ١٠/١٦٥. قال البيهقي: وقد ثبت معنى ما ذكره مقاتل بن حيان عن أهل التفسير بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، إلا أنه لم يحفظ فيه دعوى تميم وعدي أنهما اشترياه، وحفظه مقاتل.
وأخرجه البخاري في الوصايا (٥٩) باب: قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمُو.. اَلْفَاسِقِينَ ﴾
(٣٦)(ر٢٦٢٨) عن ابن عباس.
وأخرجه أبو داود في الأقضية (١٨) باب: شهادة أهل الذمة (١٧)(ر٣٦٠٦).
وأخرجه الترمذي في التفسير (٤٤)(ر٣٠٦٠) وقال: حديث حسن غريب..

١٢ - المائدة: ١٠٧..
١٣ - المائدة: ١٠٨..
١٤ - المائدة: ١٠٧..
١٥ - قال ابن عباس وابن المسيب: إنها منسوخة. وهو ما رواه البيهقي في كتاب الشهادات باب: قول الله:﴿يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمُو... ﴾ ١٠/١٦٤..
١٦ - المائدة: ١٠٦..
١٧ - المائدة: ١٠٦..
١٨ - الطلاق: ٢..
١٩ - المائدة: ١٠٦..
٢٠ - النور: ٦-٧..
٢١ - المائدة: ١٠٦..
٢٢ - آل عمران: ٧٧..
٢٣ - أخرج البيهقي في كتاب الشهادات باب: تأكيد اليمين بالزمان والحلف على المصحف: ١٠/١٧٨ عن الشافعي عن عبد الله بن مؤمل عن ابن أبي مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس رضي الله عنهما من الطائف في جاريتين ضربت إحداهما الأخرى ولا شاهد عليهما، فكتب إلي: أن احبسهما بعد صلاة العصر ثم اقرا عليهما
﴿إِنَّ اَلذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اِللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا ﴾ ففعلت، فاعترفت.
وأخرجه الشافعي في الأم: ٧/٣٤..

٢٤ - عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة التيمي، أبو بكر، مؤذن ابن الزبير وقاضيه. سمع عائشة، وابن عباس. وعنه: أيوب والليث. قال: بعثني ابن الزبير على قضاء الطائف فكنت أسأل ابن عباس. ت سنة: ١١٨هـ الكاشف: ٢/١٠٢. ون التهذيب: ٤/٣٨٥. وقال في التقريب: ثقة فقيه..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٦:٢٢٢- قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا أبو سعيد معاذ بن موسى الجعفري، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، قال بكير : قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن مجاهد، والحسن، والضحاك في قوله تبارك وتعالى :﴿ اِثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمُ ﴾ الآية، أن رجلين نصرانيين من أهل دارين، أحدهما : تميمي، والآخر : يماني، صحبهما مولى لقريش في تجارة، فركبوا البحر ومع القرشي مال معلوم قد علَّمَه أولياؤه من بين آنية، وبَزٍّ١، ورِّقَةٍ٢، فمرض القرشي، فجعل وصيته إلى الداريين فمات، وقبض الداريان المال والوصية فدفعاه إلى أولياء الميت، وجاءا٣ ببعض ماله، وأنكر القوم قلة المال فقالوا للداريين : إن صاحبنا قد خرج ومعه مال أكثر مما أتيتمانا به، فهل باع شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه ؟ أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه ؟ قالا : لا، قالوا : فإنكما خُنتمانا، فقبضوا المال، ورفعوا أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل :﴿ يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمُ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ ﴾ إلى آخر الآية.
فلما نزلت أن يحبسا من بعد الصلاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقاما بعد الصلاة فحلفا بالله رب السماوات ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به، وأنّا لا نشتري بأيماننا ثمنا قليلا من الدنيا :﴿ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اَللَّهِ إِنَّا إِذا لَّمِنَ اَلاَثِمِينَ ﴾٤ فلما حلفا خلَّى سبيلهما، ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت فأخذوا الداريين فقالا : اشتريناه منه في حياته وكذبا، فكلفا البينة فلم يقدرا عليها، فرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل :﴿ فَإِنْ عُثِرَ ﴾٥ يقول : فإن اطلع ﴿ عَلَى أَنَّهُمَا اَسْتَحَقَّا إِثْماً ﴾٦ يعني الداريين، أي كتما حقا ﴿ فَئَاخَرَانِ ﴾٧ من أولياء الميت ﴿ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ اَلذِينَ اَسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ اَلاَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ ﴾٨ فيحلفان بالله إن مال صاحبنا كان كذا وكذا، وإن الذي نطلب قبل الداريين لحق ﴿ وَمَا اَعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذا لَّمِنَ اَلظَّـالِمِينَ ﴾٩ هذا قول الشاهدين أولياء الميت
﴿ ذَلِكَ أَدْنى أَنْ يَّاتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَآ ﴾١٠ يعني الداريين والناس أن يعودوا لمثل ذلك١١.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : يعني من كان في مثل حال الداريين من الناس، ولا أعلم الآية تحتمل معنى غير حمله على ما قال، وإن كان لم يوضح بعضه، لأن الرجلين اللذين كشاهدي الوصية كانا أميني الميت، فيشبه أن يكون إذا كان شاهدان منكم أو من غيركم أمينين على ما شهدا عليه، فطلب ورثة الميت أيمانهما أحلفا بأنهما أمينان، لا في معنى الشهود.
فإن قال : فكيف تسمى في هذا الموضع شهادة ؟ قيل : كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة، وإنما معنى شهادة بينكم أيمان بينكم إذا كان هذا المعنى والله تعالى أعلم.
فإن قال قائل : فكيف لم تحتمل الشهادة ؟ قيل : ولا نعلم المسلمين اختلفوا في أنه ليس على شاهد يمين قبلت شهادته أو ردت ؟ ولا يجوز أن يكون إجماعهم خلافا لكتاب الله عز وجل، ويشبه قول الله تبارك وتعالى :﴿ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اَسْتَحَقَّا إِثْماً ﴾١٢ يوجد من مال الميت في أيديهما ولم يذكرا قبل وجوده أنه في أيديهما، فلما وُجِدَ ادعيا ابتياعه، فأحلف أولياء الميت على مال الميت، فصار مالا من مال الميت فإقرارهما وادعيا لأنفسهما شراءه، فلم تقبل دعواهما بلا بينة، فأحلف وارثاه على ما ادعيا، وإن كان أبو سعيد لم يبينه في حديثه هذا التبيين فقد جاء بمعناه.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : وليس في هذا رد اليمين، أين ما كانت يمين الداريين على ادعاء الورثة من الخيانة، ويمين ورثة الميت على ما ادعى الدَّارِيَّانِ مما وُجِدَ في أيديهما، وأقرَّا أنه للميت وأنه صار لهما من قِبله، وإنما أَجَزْنَا ردَّ اليمين من غير هذه الآية.
فإن قال قائل : فإن الله عز وجل يقول :﴿ أَوْ يَخَافُوا أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾١٣ فذلك ـ والله تعالى أعلم ـ أن الأيمان كانت عليهم بدعوى الورثة أنهم اختانوا، ثم صار الورثة حالفين بإقرارهم أن هذا كان للميت وادعائهم شراءه منه، فجاز أن يقال : أن ترد أيمان تثنى عليهم الأيمان بما يجب عليهم إن صارت لهم الأيمان كما يجب على من حلف لهم، وذلك قول الله ـ والله تعالى أعلم ـ :﴿ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا ﴾١٤ يحلفان كما أحلفا، وإذا كان هذا كما وصفت فليست هذه الآية بناسخة ولا منسوخة١٥ لأَمرِ الله عز وجل بإشهاد ذوي عدل منكم، ومن نرضى من الشهداء. ( الأم : ٤/٢٠٨-٢٠٩. ون أحكام الشافعي : ٢/١٤٧-١٥٣. )
ـــــــــــــــــــــــ

٢٢٣-
قال الشافعي : ومن أجاز شهادة أهل الذمة فأَعدلهم عنده أعظمهم بالله شِرْكاً : أَسْجَدُهم للصليب وأَلْزَمُهم للكنيسة. فقال قائل : فإن الله عز وجل يقول حين الوصية :﴿ اِثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمُ اَوَ ـاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمُ ﴾١٦.
قال الشافعي : والله أعلم بما أراد من هذا، وإنما يفسر ما احتمل الوجوه ما دلت عليه سنة أو أثر عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مخالف له، أو أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء. فقد سمعت من يتأول هذه الآية : على من غير قبيلتكم من المسلمين، ويحتج فيها بقول الله عز وجل :﴿ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ اِلصَّلَواةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ اِرْتَبْتُمْ ﴾ إلى :﴿ اَلاَثِمِينَ ﴾١٧ فيقول : الصلاة للمسلمين والمسلمون يتأثمون من كتمان الشهادة لله، فأما المشركون فلا صلاة لهم قائمة، ولا يتأثمون من كتمان الشهادة للمسلمين، ولا عليهم.
قال الشافعي : وسمعت من يذكر أنها منسوخة بقوله تعالى :﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾١٨ والله أعلم، ورأيت مفتي أهل دار الهجرة والسنة يفتون أن لا تجوز شهادة غير المسلمين العدول. قال الشافعي : وذلك قولي. ( الأم : ٦/١٤١-١٤٢. ون السنن الكبرى : ١٠/١٦٤. وأحكام الشافعي : ٢/١٤٤-١٤٦. )
ــــــــــــ

٢٢٤-
قال الشافعي : والحجة فيما وصفت من أن يستحلف الناس فيما بين البيت والمقام، وعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد العصر قول الله عز وجل :﴿ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ اِلصَّلَواةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ ﴾١٩، وقال المفسرون : هي صلاة العصر.
وقول الله عز وجل في المتلاعنين :﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ اَلصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَن لَّعْنَتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ اَلْكَاذِبِينَ ﴾٢٠ فاستدللنا بكتاب الله عز وجل على تأكيد اليمين على الحالف في الوقت الذي تعظم فيه اليمين بعد الصلاة. ( الأم : ٧/٣٦. ون أحكام الشافعي : ٢/١٥٥. والسنن الكبرى : ١٠/١٧٧. )
ــــــــــــ

٢٢٥-
قال الشافعي : قال : فكيف يحلف من بالأمصار على العظيم من الأمر ؟ قلنا : بعد العصر كما قال الله عز وجل :﴿ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ اِلصَّلَواةِ ﴾٢١ وكما أمر ابن عباس ابن أبي مليكة بالطائف أن يحبس الجارية بعد العصر ثم يقرا عليها :﴿ إِنَّ اَلذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اِللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً ﴾٢٢ ففعل فاعترفت٢٣.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا بذلك ابن مؤمل عن ابن أبي مُليكة٢٤ عن ابن عباس. ( الأم : ٧/٣٧. )
١ - البَزُّ: الثياب من القطن والكتان. والبزَّاز بائع القماش. ن معجم لغة الفقهاء..
٢ - الرِّقَةُ: الفضة. ن القاموس الفقهي..
٣ - في جميع النسخ: « جاء » على صيغة المفرد، والصواب « جاءا » أي الداريين لأنه مثنى..
٤ - المائدة: ١٠٦..
٥ - المائدة: ١٠٧..
٦ - المائدة: ١٠٧..
٧ - المائدة: ١٠٧..
٨ - المائدة: ١٠٧..
٩ - المائدة: ١٠٧..
١٠ - المائدة: ١٠٨..
١١ - رواه البيهقي في كتاب الشهادات باب: ما جاء في قول الله عز وجل: ﴿يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمُو..﴾ ١٠/١٦٥. قال البيهقي: وقد ثبت معنى ما ذكره مقاتل بن حيان عن أهل التفسير بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما، إلا أنه لم يحفظ فيه دعوى تميم وعدي أنهما اشترياه، وحفظه مقاتل.
وأخرجه البخاري في الوصايا (٥٩) باب: قول الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمُو.. اَلْفَاسِقِينَ ﴾
(٣٦)(ر٢٦٢٨) عن ابن عباس.
وأخرجه أبو داود في الأقضية (١٨) باب: شهادة أهل الذمة (١٧)(ر٣٦٠٦).
وأخرجه الترمذي في التفسير (٤٤)(ر٣٠٦٠) وقال: حديث حسن غريب..

١٢ - المائدة: ١٠٧..
١٣ - المائدة: ١٠٨..
١٤ - المائدة: ١٠٧..
١٥ - قال ابن عباس وابن المسيب: إنها منسوخة. وهو ما رواه البيهقي في كتاب الشهادات باب: قول الله:﴿يَاأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمُو... ﴾ ١٠/١٦٤..
١٦ - المائدة: ١٠٦..
١٧ - المائدة: ١٠٦..
١٨ - الطلاق: ٢..
١٩ - المائدة: ١٠٦..
٢٠ - النور: ٦-٧..
٢١ - المائدة: ١٠٦..
٢٢ - آل عمران: ٧٧..
٢٣ - أخرج البيهقي في كتاب الشهادات باب: تأكيد اليمين بالزمان والحلف على المصحف: ١٠/١٧٨ عن الشافعي عن عبد الله بن مؤمل عن ابن أبي مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس رضي الله عنهما من الطائف في جاريتين ضربت إحداهما الأخرى ولا شاهد عليهما، فكتب إلي: أن احبسهما بعد صلاة العصر ثم اقرا عليهما
﴿إِنَّ اَلذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اِللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا ﴾ ففعلت، فاعترفت.
وأخرجه الشافعي في الأم: ٧/٣٤..

٢٤ - عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة التيمي، أبو بكر، مؤذن ابن الزبير وقاضيه. سمع عائشة، وابن عباس. وعنه: أيوب والليث. قال: بعثني ابن الزبير على قضاء الطائف فكنت أسأل ابن عباس. ت سنة: ١١٨هـ الكاشف: ٢/١٠٢. ون التهذيب: ٤/٣٨٥. وقال في التقريب: ثقة فقيه..

Icon