تفسير سورة يونس

تفسير الشافعي
تفسير سورة سورة يونس من كتاب تفسير الشافعي .
لمؤلفه الشافعي . المتوفي سنة 204 هـ

٢٧٦- قال الشافعي : واستنبطت البارحة آيتين، فما أشتهي باستنباطهما الدنيا وما فيها : ﴿ يُدَبِّرُ اَلاَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ اِلا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ﴾ وفي كتاب الله هذا كثير :﴿ مَن ذَا اَلذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلا بِإِذْنِهِ ﴾١. فَتَعَطَّلَ الشفعاء إلا بإذن الله. ( أحكام الشافعي : ٢/١٨٠. )
١ - البقرة: ٢٥٥..
٢٧٧- قال الشافعي : إن الله خلق الخلق لما سبق في علمه مما أراد بخلقهم وبهم، لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب. وأنزل عليهم الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة، وفرض فيه فرائض أثبتها، وأخرى نسخها : رحمة لخلقه، بالتخفيف عنهم، وبالتوسعة عليهم، زيادة فيما ابتدأهم به من نعمه، وأثابهم على الانتهاء إلى ما أثبت عليهم جنته والنجاة من عذابه. فعمتهم رحمته فيما أثبت ونسخ. فله الحمد على نعمه.
وأبان الله لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب، وأن السنة لا ناسخة للكتاب، وإنما هي تبع للكتاب، بمثل ما نزل نصا. ومفسرة معنى ما أنزل الله منه جُملا. قال الله :
﴿ وَإِذَا تُتْلى عَلَيْهِمُ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ اَلذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءنَا اَيتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَاذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِىَ أَنُ اَبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءىْ نَفْسِىَ إِنَ اَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحى إِلَىَّ إِنِّىَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ فأخبر الله أنه فرض على نبيه اتباع ما يوحى إليه، ولم يجعل له تبديله من تلقاء نفسه. وفي قوله :﴿ مَا يَكُونُ لِىَ أَنُ اَبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءىْ نَفْسِىَ ﴾١ بيان ما وصفت : من أنه لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه. كما كان المبتدئ لفرضه، فهو المزيل المثبت لما شاء منه، جل ثناؤه، ولا يكون ذلك لأحدٍ من خلقه.
وكذلك قال :﴿ يَمْحُوا اَللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثَبِّتُ وَعِندَهُ أُمُّ اَلْكِتَابِ ﴾٢ وقد قال بعض أهل العلم في هذه الآية ـ والله أعلم ـ دلالة على أن الله جعل لرسوله أن يقول من تلقاء نفسه بتوفيقه فيما لم ينزل به كتابا، والله أعلم. وقيل في قوله :﴿ يَمْحُوا اَللَّهُ مَا يَشَاء ﴾٣ يمحو فَرْضَ ما يشاء، ويثبت فرض ما يشاء. وهذا يشبه ما قيل، والله أعلم.
وفي كتاب الله دلالة عليه، قال الله :﴿ مَا نَنسَخْ مِنَ ـايَةٍ اَوْ نُنسِهَا نَاتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمَ اَنَّ اَللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾٤ فأخبر الله أن نسخ القرآن وتأخير إنزاله لا يكون إلا بقرآن مثله. وقال :{ وَإِذَا بَدَّلْنَا ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ
مُفْتَرِم }٥. ( الرسالة : ١٠٦-١٠٨. ون أحكام الشافعي : ١/٣٣-٣٤. )
١ - يونس: ١٥..
٢ - الرعد: ٣٩..
٣ - الرعد: ٣٩..
٤ - البقرة: ١٠٦..
٥ - النحل: ١٠١..
٢٧٨- قال الشافعي : فهدى بكتابه ثم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من أنعم عليه، يعني : من أنعم عليه بالسعادة والتوفيق دون من حرمها.
فبين بهذا أن الدعوة عامةٌ، والهداية ـ التي هي التوفيق للطاعة والعصمة عن المعصية ـ خاصةٌ، كما قال الله عز وجل :﴿ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دارِ اِلسَّلَـامِ وَيَهْدِى مَنْ يَّشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾. ( مناقب الشافعي : ١/٤١٥. )
٢٧٩- قال الشافعي : واعلموا أن أول الواجبات على المكلف : النظر والاستدلال المؤديان إلى معرفة الله سبحانه وتعالى. ومعنى النظر : هو الفكر بالقلب وتأمله في حال المنظور فيه طلبا لمعرفة ربه، وليتوصل إلى معرفة ما غاب عن الحس والضرورة، وهو واجب في أصول الدين لقول الله عز وجل :﴿ اَنظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ﴾١ وقوله سبحانه :
﴿ فَاعْتَبِرُوا يَاأُوْلِى اِلاَبْصَارِ ﴾٢ وقوله تعالى :﴿ قُلُ اَنظُرُوا مَاذَا فِى اِلسَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَمَا تُغْنِى اِلاَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لا يُومِنُونَ ﴾.
وإنما قلنا : إن أول الواجبات النظر، لأن أكثر العبادات منوطة بالنيات.
والنية : هي القصد بالعبادة إلى معبود مخصوص. والقصد على هذا الوجه لا يمكن إلا بعد معرفة المعبود، ولا يوصل إلى معرفته إلا بالنظر والاستدلال، فلهذا قلنا : إن ذلك أول الواجبات. ( الكوكب الأزهر شرح الفقه الأكبر ص. ٩. )
١ - الأنعام: ٩٩..
٢ - الحشر: ٢..
Icon