تفسير سورة يونس

الموسوعة القرآنية
تفسير سورة سورة يونس من كتاب الموسوعة القرآنية المعروف بـالموسوعة القرآنية .
لمؤلفه إبراهيم الإبياري . المتوفي سنة 1414 هـ

(١٠) سورة يونس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة يونس (١٠) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (٢) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣)
١- الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ:
الر أي إن القرآن، الذي عجزتم عن أن تأتوا بمثله، من مثل هذه الحروف.
تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ اشارة الى ما تضمنته السورة من الآيات.
الْحَكِيمِ ذو الحكمة لاشتماله عليها ونطقه بها.
٢- أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لسحر مبين:
أَكانَ الهمزة لانكار التعجب والتعجيب منه.
أَنْ أَوْحَيْنا اسم كانَ.
عَجَباً خبر كانَ.
ويصح أن تكون كانَ تامة، وأَنْ أَوْحَيْنا بدلا من قوله عَجَباً.
أَنَّ لَهُمْ الباء معه محذوفة.
قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ أي سابقة وفضلا ومنزلة رفيعة.
إِنَّ هذا ان هذا الكتاب وما جاء به محمدا صلّى الله عليه وسلم.
لسحر مبين دليل على عجزهم، وان كانوا كاذبين فى تسميته سحرا.
٣- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ:
يُدَبِّرُ يقضى ويقدر على حسب مقتضى الحكمة.
الْأَمْرَ أمر الخلق كله.
ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ دليل على العزة والكبرياء.
ذلِكُمُ اشارة الى المعلوم بتلك العظمة.
اللَّهُ رَبُّكُمْ أي ذلكم العظيم الموصوف بما وصف به هو ربكم.
فَاعْبُدُوهُ وهو الذي يستحق منكم العبادة فاعبدوه وحده.
أَفَلا تَذَكَّرُونَ فإن أدنى التفكير والنظر ينبهكم على الخطأ فيما أنتم عليه.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤ الى ٥]
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥)
٤- إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ:
إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً أي لا ترجعون فى العاقبة الا اليه.
وَعْدَ اللَّهِ مصدر مؤكد لقوله إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ.
حَقًّا مصدر مؤكد لقوله وَعْدَ اللَّهِ.
إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ استئناف معناه التعليل لوجوب المرجع اليه.
بِالْقِسْطِ بالعدل، وهو متعلق بقوله لِيَجْزِيَ. والمعنى:
ليجزيهم بقسطه ويوفيهم أجورهم.
٥- هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ:
وَقَدَّرَهُ أي وقدر القمر، والمعنى: وقدر مسيره.
مَنازِلَ أي ذا منازل.
وَالْحِسابَ وحساب الأوقات من الشهور والأيام والليالى.
ذلِكَ اشارة الى المذكور. أي ما خلقه الا ملتبسا بالحق ولم يخلقه عبثا.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦ الى ٩]
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩)
٦- إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ:
خص المتقين لأنهم يحذرون العاقبة فيدعوهم الحذر الى النظر والتدبر.
٧- إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ:
لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لا يتوقعونه أصلا، ولا يخطرونه ببالهم لغفلتهم.
وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وآثروا القليل الفاني على الكثير الباقي.
وَاطْمَأَنُّوا بِها وسكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها.
٨- أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ:
بِما كانُوا يَكْسِبُونَ جزاء ما كسبوا من الكفر.
٩- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ:
يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ يسددهم بسبب ايمانهم لسلوك السبيل المؤدى الى الجنة.
[سورة يونس (١٠) : آية ١٠]
دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠)
١٠- دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ:
دَعْواهُمْ دعاؤهم.
سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ أي اللهم انا نسبحك.
وَآخِرُ دَعْواهُمْ وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح أن يقولوا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ أن بعضهم يحيى بعضا بالسلام.
وقيل: هى تحية الملائكة، اضافة للمصدر الى المفعول.
وقيل: تحية الله لهم.
أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ أن، هى المخففة من الثقيلة، وأصله: أنه الحمد لله، على أن الضمير للشأن.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١١ الى ١٢]
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)
١١- وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ:
أي: ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم الخير، فوضع اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ موضع تعجيله لهم الخير، اشعارا بسرعة اجابته لهم واسعافه بطلبتهم، حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم.
لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ لأميتوا وأهلكوا.
فِي طُغْيانِهِمْ أي فنمهلهم ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم إلزاما للحجة عليهم.
١٢- وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
لِجَنْبِهِ فى موضع الحال.
أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً حالان معطوفان على الحال قبلهما.
والمعنى: أن المضرور لا يزال داعيا لا يفتر عن الدعاء حتى يزول عنه الضر، فهو يدعونا فى حالاته كلها، منبطحا عاجزا لنهوض، أو قاعدا لا يقدر على القيام، أو قائما لا يطيق المشي.
مَرَّ أي مضى على طريقته الأولى قبل مس الضر ومس حال الجهد.
كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا كأنه لم يدعنا، فخفف وحذف ضمير الشأن.
كَذلِكَ مثل ذلك التزيين.
زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ زين الشيطان بوسوسته.
ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الاعراض عن الذكر واتباع الشهوات.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٣ الى ١٤]
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)
١٣- وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ:
لَمَّا ظرف لقوله أَهْلَكْنَا.
وَجاءَتْهُمْ الواو للحال. أي ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم بالحجج والشواهد على صدقهم، وهى المعجزات.
وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا يجوز أن يكون عطفا على ظَلَمُوا. ويجوز أن يكون اعتراضا واللام فى لِيُؤْمِنُوا لتأكيد النفي. يعنى: وما كانوا يؤمنون حقا، تأكيد لنفى ايمانهم.
كَذلِكَ مثل ذلك الجزاء، يعنى: الإهلاك.
نَجْزِي كل مجرم.
١٤- ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ:
ثُمَّ جَعَلْناكُمْ الخطاب للذين بعث إليهم محمدا صلّى الله عليه وسلم. أي استخلفناكم فى الأرض بعد القرون التي أهلكنا.
لِنَنْظُرَ أي لنعلم العلم المحقق الذي هو العلم بالشيء موجودا.
شبه بنظر الناظر المعاين فى تحققه.
كَيْفَ فى محل النصب بالفعل تَعْمَلُونَ لا ينتظر، لأن معنى الاستفهام فيه يحجب أن يتقدم عليه عامله.

[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٥ الى ١٦]

وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦)
١٥- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ:
ما يَكُونُ لِي ما ينبغى لى وما يحل.
أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي من قبل نفسى، أي من غير أن يأمرنى بذلك ربى.
إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ لا آتى ولا أذر شيئا نحو ذلك الا متبعا لوحى الله وأوامره.
إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بالتبديل والنسخ من عند نفسى عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ.
١٦- قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ:
لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ يعنى أن تلاوته ليست الا بمشيئة الله وإحداثه أمرا عجيبا خارجا عن العادات، وهو أن يخرج رجل أمي لم يتعلم ولم يستمع ولم يشاهد العلماء ساعة من عمره، ولا نشأ فى بلد فيه علماء، فيقرأ عليهم كتابا فصيحا، يبهر كل كلام فصيح، وقد بلغ بين ظهرانيكم أربعين سنة تطلعون على أحواله، ولا يخفى عليكم شىء من أسراره، وما سمعتم منه حرفا من ذلك، ولا عرفه به أحد من أقرب الناس منه وألصقهم به.
وَلا أَدْراكُمْ بِهِ وعلى أعلمكم به على لسانى.
فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً يعنى: قد أقمت فيما بينكم يافعا وكهلا، فلم تعرفونى متعاطيا شيئا من نحوه فتتهمونى باختراعه.
أَفَلا تَعْقِلُونَ فتعلموا أنه ليس الا من الله لا من مثلى.
وهذا جواب عما دسوه تحت قولهم: ائت بقرآن غير هذا، من اضافة الافتراء اليه.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٧ الى ١٩]
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩)
١٧- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ:
مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً يعنى افتراء المشركين على الله فى قولهم: انه ذو شريك وذو ولد.
وأن يكون المراد تفادى ما أضافوه اليه من الافتراء.
١٨- وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ:
ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ الأوثان التي هى جماد لا تقدر على نفع ولا ضر.
هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ يعنى ما جرى على ألسنة بعضهم: إذا كان يوم القيامة شفعت لى اللات والعزى.
أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ أتخبرونه بكونهم شفعاء عنده وهو إنباء بما ليس بالمعلوم لله، وإذا لم يكن معلوما له، وهو العالم المحيط بجميع المعلومات، لم يكن شيئا، لأن الشيء ما يعلم ويخبر عنه، فكان خبرا ليس له مخبر عنه.
فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ تأكيد لنفيه، لأن ما لم يوجد فيهما فهو منتف معدوم.
عَمَّا يُشْرِكُونَ ما، موصولة، أو مصدرية، أي عن الشركاء الذين يشركونهم به، أو عن إشراكهم.
١٩- وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ:
وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً حنفاء متفقين على ملة واحدة من غير أن يختلفوا بينهم وذلك فى عهد آدم الى أن قتل قابيل هابيل.
وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وهو تأخير الحكم بينهم الى يوم القيامة.
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ عاجلا فيما اختلفوا فيه.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١)
٢٠- وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ:
لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ أرادوا آية من الآيات التي كانوا يقترحونها.
فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ أي هو المختص بعلم الغيب المستأثر به لا علم لى ولا لأحد به. يعنى أن الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه الا هو.
فَانْتَظِرُوا نزول ما اقترحتموه.
إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ لما يفعل الله بكم لعنادكم وجحودكم الآيات.
٢١- وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ:
مَسَّتْهُمْ خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم.
قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً أي ان الله تعالى دبر عقابكم وهو موقعه بكم قبل أن تدبروا كيف تعملون فى اطفاء نور الإسلام.
إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ اعلام بأن ما تظنونه خافيا مطويا لا يخفى على الله، وهو منتقم منكم.

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣) إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤)
٢٢- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ:
وَجَرَيْنَ للفلك.
جاءَتْها جاءت الريح الطيبة، أي تلقتها. وقيل: الضمير للفلك.
مِنْ كُلِّ مَكانٍ من جميع أمكنة الموج.
أُحِيطَ بِهِمْ أي أهلكوا.
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ من غير اشراك، لأنهم لا يدعون حينئذ غيره.
لَئِنْ أَنْجَيْتَنا على ارادة القول، أو لأن (دعوا) من جملة القول.
٢٣- فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ:
يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ يفسدون فيها ويعبثون.
مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا بالنصب فى موضع المصدر المؤكد، كأنه قيل:
تتمتعون متاع الحياة الدنيا.
وقرىء: متاع، بالرفع، على: هو متاع الحياة الدنيا، بعد تمام الكلام.
وقيل: هو خبر للمبتدأ الذي هو بَغْيُكُمْ، وعَلى أَنْفُسِكُمْ صلته.
وإذا نصبت فقوله عَلى أَنْفُسِكُمْ خبر غير صلة.
٢٤- إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ:
فَاخْتَلَطَ بِهِ فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا.
أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الناضرة من كل لون فاكتستها وتزينت بغيرها من ألوان الزين.
قادِرُونَ عَلَيْها متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها.
أَتاها أَمْرُنا ضرب زرعها ببعض العاهات بعد أمنهم واستيقانهم أنه قد سلم.
فَجَعَلْناها فجعلنا زرعها.
حَصِيداً شبيها بما يحصد من الزرع فى قطعه واستئصاله.
كَأَنْ لَمْ تَغْنَ كأن لم يغن زرعها، أي لم يثبت.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٢٥ الى ٢٧]
وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧)
٢٥- وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ:
دارِ السَّلامِ الجنة.
٢٦- لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ:
الْحُسْنى المثوبة الحسنى.
وَزِيادَةٌ وما يزيد على المثوبة، وهى التفضل.
وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ لا يغشاها.
قَتَرٌ غبرة فيها سواد.
وَلا ذِلَّةٌ ولا أثر هوان وكسوف بال.
٢٧- وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
مُظْلِماً حال من اللَّيْلِ.

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٢٨ الى ٣١]

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١)
٢٨- وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ:
مَكانَكُمْ الزموا مكانكم لا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم.
أَنْتُمْ أكد به الضمير فى مَكانَكُمْ لسده مسد قوله: الزموا.
وَشُرَكاؤُكُمْ عطف عليه.
فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ ففرقنا بينهم وقطعنا أقرانهم، والوصل التي كانت بينهم فى الدنيا.
ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ انما كنتم تعبدون الشياطين، حيث أمروكم أن تتخذوا لله أندادا فأطعتموه.
٢٩- فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ:
إِنْ هى المخففة من الثقيلة.
لَغافِلِينَ اللام هى الفارقة بينها وبين (ان) النافية.
٣٠- هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ:
هُنالِكَ فى ذلك المقام وفى ذلك الموقف، أو فى ذلك الوقت، على استعارة اسم المكان للزمان.
تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ تختبر وتذوق.
ما أَسْلَفَتْ من العمل فتعرف كيف هو: أقبيح أم حسن.
مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ربهم الصادق ربوبيته.
وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ وضاع عنهم ما كانوا يدعون أنهم شركاء لله.
٣١- قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ:
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي يرزقكم منهما جميعا، لم يقتصر برزقكم على جهة واحدة ليفيض عليكم نعمته ويوسع رحمته.
أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحد الذي سويا عليه.
أَفَلا تَتَّقُونَ أفلا تتقون أنفسكم ولا تحذرون عليها عقابه فيما أنتم بصدده من الضلال.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٣٢ الى ٣٤]
فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤)
٣٢- فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ:
فَذلِكُمُ اشارة الى من هذه قدرته وأفعاله.
رَبُّكُمُ الْحَقُّ الثابت ربوبيته ثباتا لا ريب فيه لمن حقق النظر.
فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ يعنى أن الحق والضلالة لا واسطة بينهما، فمن تخطى الحق وقع فى الضلال.
فَأَنَّى تُصْرَفُونَ عن الحق الى الضلال.
٣٣- كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ:
كَذلِكَ مثل ذلك الحق.
حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ أي كما حق وثبت أن الحق بعده الضلال، أو كما حق أنهم مصروفون عن الحق فكذلك حقت كلمة ربك.
عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أي تمردوا فى كفرهم وخرجوا الى الحد الأقصى.
أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بدل من (الكلمة) أي حق عليهم انتفاء الايمان، وعلم الله منهم ذلك.
٣٤- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ:
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وضعت إعادة الخلق لظهور برهانها موضع ما ان دفعه دافع كان مكابرا رادا للظاهر البين الذي لا مدخل للشبهة فيه دلالة على أنهم فى انكارهم لها منكرون أمرا مسلما معترفا بصحته عند العقلاء.
قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ أمر الله نبيه بأن ينوب عنهم فى الجواب، يعنى أنه لا يدعهم لجاجهم ومكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق فكلم عنهم.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٣٥ الى ٣٧]
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥) وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦) وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧)
٣٥- قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ:
مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ يقال: هداه الى الحق، وللحق فجمع بين اللغتين.
أَمَّنْ لا يَهِدِّي أي: أم من لا يهتدى، أو لا يهدى غيره.
فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ بالباطل، حيث تزعمون أنهم أنداد الله.
٣٦- وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ:
وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ فى إقرارهم بالله.
إِلَّا ظَنًّا لأنه قول غير مستند الى برهان عندهم.
إِنَّ الظَّنَّ فى معرفة الله.
لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ وهو العلم.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ وعيد من اتباع الظن.
٣٧- وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ:
أَنْ يُفْتَرى افتراء.
وَلكِنْ كان.
تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ما تقدمه من الكتب المنزلة، فهو عيار عليها وشاهد لصحتها.
وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ وتبيين ما كتب وفرض من الأحكام والشرائع.
لا رَيْبَ فِيهِ داخل فى حيز الاستدراك، كأنه قال: ولكن كان تصديقا وتفصيلا منه لا ريب فى ذلك.
مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ متعلق بتصديق وتفصيل، أو يكون لا رَيْبَ فِيهِ اعتراضا.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩)
٣٨- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بل أيقولون اختلقه، على أن الهمزة تقرير لإلزام الحجة عليهم، أو انكار لقولهم واستبعاد، والمعنيان متقاربان.
قُلْ ان كان الأمر كما تزعمون.
فَأْتُوا أنتم على وجه الافتراء.
بِسُورَةٍ مِثْلِهِ فأنتم مثلى فى العربية والفصاحة. وبسورة مثله، أي شبيهة به فى البلاغة والفصاحة وحسن النظم.
وقرىء: بسورة مثله، على الاضافة، أي بسورة كتاب مثله.
وَادْعُوا من دون الله.
مَنِ اسْتَطَعْتُمْ من خلقه للاستعانة بهم على الإتيان بمثله.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنه افتراء.
٣٩- بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ:
بَلْ كَذَّبُوا بل سارعوا الى التكذيب بالقرآن.
بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ قبل أن يفقهوه ويعلموا كنه أمره.
وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ أي كذبوا به على البديهة قبل التدبر ومعرفة التأويل، تقليدا للآباء، وكذبوه بعد التدبر تمردا وعنادا، فذمهم بالتسرع الى التكذيب قبل العلم به. وجاء بكلمة التوقع ليؤذن أنهم علموا بعد علو شأنه واعجازه لما كرر عليهم التحدي.
وقيل: ولم يأتهم بعد تأويل فيه من الاخبار بالغيوب، حتى يتبين لهم أهو كذب أم صدق.
يعنى أنه كتاب معجز من جهتين: من جهة اعجاز نظمه، ومن جهة ما فيه من الاخبار بالغيوب، فتسرعوا الى التكذيب به قبل أن ينظروا فى نظمه وبلوغه حد الاعجاز، وقبل أن يخبروا أخباره بالمغيبات وصدقه وكذبه.
كَذلِكَ أي مثل ذلك التكذيب.
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعنى قبل النظر فى معجزات الأنبياء وقبل تدبرها من غير انصاف من أنفسهم.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١)
٤٠- وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ:
وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يصدق به فى نفسه ويعلم أنه حق، ولكنه يعاند بالتكذيب.
وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ ومنهم من يشك فيه لا يصدق به.
أو يكون للاستقبال، أي: ومنهم من سيؤمن به، ومنهم من سيصر.
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ بالمعاندين، أو المصرين.
٤١- وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ:
وَإِنْ كَذَّبُوكَ وان تموا على تكذيبك، ويئست من اجابتهم.
فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ على جزاء عملى ولكم جزاء عملكم.
أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ أي لستم تؤخذون بما أعمل.
وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ كما سوف لا أوخذ بما تعملون.
أي خلهم وتبرأ منهم فقد أعذرت.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٢ الى ٤٤]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)
٤٢- وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ:
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أي: ومنهم ناس يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع، ولكنهم لا يعون ولا يقبلون.
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ جعلهم فى عدم تصديقهم كالصم، وما أنت تقدر على اسماع الصم.
وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ ضم الى صممهم عدم عقولهم، لأن الأصم العاقل ربما تفرس واستدل بما يقع تحت حسه، فإذا اجتمع سلب السمع والعقل فقد تم الأمر.
٤٣- وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ:
مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ فيما تسوق من أدلة.
أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ أي: أتحسب أنك تقدر على هداية العمى، ولو انضم الى العمى- وهو فقد البصر- فقد البصيرة، لأن الأعمى الذي له فى قلبه بصيرة قد يحدس، وأما العمى مع الحمق فجهد البلاء.
٤٤- إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ:
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً أي لا ينقصهم شيئا مما يتصل بمصالحهم من بعثة الرسل وإنزال الكتب.
وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالكفر والتكذيب.
ويجوز أن يكون وعيدا للمكذبين، يعنى أن ما يلحقهم يوم القيامة من العذاب لاحق بهم على سبيل العدل والاستيجاب ولا يظلمهم الله به، ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف ما كان سببا فيه.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦)
٤٥- وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ:
إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يستقربون وقت لبثهم فى الدنيا، وذلك عند خروجهم من القبور.
يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ يعرف بعضهم بعضا، كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا.
قَدْ خَسِرَ على ارادة القول، أي يتعارفون بينهم قائلين ذلك.
أو هى شهادة من الله تعالى على خسرانهم. والمعنى أنهم خسروا فى تجارتهم وبيعهم الايمان بالكفر.
وَما كانُوا مُهْتَدِينَ للتجارة عارفين بها، وهو استفهام فيه معنى التعجب، كأنه قيل: ما أخسرهم! ٤٦- وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ:
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ الجواب محذوف، كأنه قيل: واما نرينك بعض الذي نعدهم فى الدنيا فذاك.
فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ جواب نَتَوَفَّيَنَّكَ، كأنه قيل: أو نتوفينك قبل أن نريكه فنحن نريكه فى الآخرة.
ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ ذكرت الشهادة، والمراد مقتضاها ونتيجتها، وهو العقاب، كأنه قال: ثم الله معاقب على ما يفعلون.
وقرىء: ثم، بالفتح، أي هنالك.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٧ الى ٥٠]
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠)
٤٧- وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ:
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ يبعث إليهم لينبههم على التوحيد، ويدعوهم الى دين الحق.
فَإِذا جاءَ فاذا جاءهم.
رَسُولُهُمْ بالبينات فكذبوه ولم يتبعوه.
قُضِيَ بَيْنَهُمْ أي بين النبي ومكذبيه.
بِالْقِسْطِ بالعدل.
٤٨- وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ:
مَتى هذَا الْوَعْدُ استعجال لما وعدوا من العذاب استبعادا له.
٤٩- قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ:
لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا من مرض أو فقر.
وَلا نَفْعاً من صحة أو غنى.
إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ استثناء منقطع، أي ولكن ما شاء الله من ذلك كان، فكيف أملك لكم الضرر وجلب العذاب.
لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ يعنى أن عذابكم له أجل مضروب عند الله، وحد محدود من الزمان.
إِذا جاءَ ذلك الوقت أنجز وعدكم لا محالة، فلا تستعجلوا.
٥٠- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ:
بَياتاً على الظرف، بمعنى: وقت بيات. يريد: ان أتاكم
عذابه وقت بيات فبيتكم وأنتم ساهون نائمون لا تشعرون، كما يبيت العدو المباغت. والبيات بمعنى التبييت.
نَهاراً أي فى وقت أنتم فيه مشتغلون بطلب المعاش والكسب.
مِنْهُ العذاب. والمعنى: أن العذاب كله مكروه مر المذاق موجب للنفار، فأى شىء يستعجلون منه وليس شىء منه يوجب الاستعجال.
ويجوز أن يكون معناه التعجب، كأنه قيل: أي شىء له هول شديد يستعجلون منه.
ويجب أن يكون (من) هنا فى هذا الوجه للبيان.
وقيل: الضمير فى (منه) لله تعالى.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥١ الى ٥٣]
أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣)
٥١- أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ:
أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ جواب الشرط، ويكون ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ اعتراضا، والمعنى: ان أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الايمان.
ودخول حرف الاستفهام على (ثم) كدخوله على الواو والفاء.
آلْآنَ على ارادة القول، أي قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب: الآن آمنتم به.
وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ أي: وقد كنتم به تكذبون، لأن استعجالهم كان على جهة التكذيب والإنكار.
٥٢- ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ:
ثُمَّ قِيلَ عطف على (قيل) المضمر قبل آلْآنَ.
٥٣- وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ:
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ ويستخبرونك فيقولون.
أَحَقٌّ هُوَ استفهام على جهة الإنكار والاستهزاء. والضمير للعذاب الموعود.
وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ بفائتين العذاب، وهو لاحق بهم لا محالة.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]
وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥)
٥٤- وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ:
ظَلَمَتْ صفة لقوله نَفْسٍ، على: ولو أن لكل نفس ظالمة.
ما فِي الْأَرْضِ أي ما فى الدنيا اليوم من خزائنها وأموالها وجميع منافعها على كثرتها.
لَافْتَدَتْ بِهِ لجعلته فدية له.
وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ لأنهم بهتوا لرؤيتهم ما لم يحتسبوه ولم يخطر ببالهم، فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخا ولا ما يفعله الجازع سوى اسرار الندم والحسرة فى القلوب.
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي بين الظالمين والمظلومين.
٥٥- أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ:
أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي ليعلم الناس أن الله مالك ومهيمن على جميع ما فى السموات والأرض.
أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وليعلموا أن وعده حق فلا يعجزه شىء، ولا يفلت من جزائه أحد.
وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ولكنهم قد غرتهم الحياة الدنيا لا يعلمون ذلك علم اليقين.

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥٦ الى ٥٩]

هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩)
٥٦- هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ:
هُوَ الله سبحانه.
يُحيِي يهب الحياة بعد عدم.
وَيُمِيتُ ويسلبها بعد وجود.
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وإليه المرجع فى الآخرة.
ومن كان كذلك لا يعظم عليه شىء.
٥٧- يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ:
قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ أي قد جاءكم كتاب جامع لهذه الفوائد من موعظة وتنبيه على التوحيد.
وَشِفاءٌ وهو شفاء، أي دواء.
لِما فِي الصُّدُورِ لما فى صدوركم من العقائد الفاسدة.
وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لمن آمن به منكم.
٥٨- قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ:
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ أصل الكلام بفضل الله وبرحمته فليفرحوا، فبذلك فليفرحوا، والتكرير للتأكيد والتقرير، وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا، فحذف أحد الفعلين لدلالة المذكور عليه. والفاء داخلة لمعنى الشرط، كأنه قيل: ان فرحوا بشىء فليخصوهما بالفرح، فإنه لا مفروح به أحق منهما.
هُوَ راجع الى ذلك.
٥٩- قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ:
أَرَأَيْتُمْ أخبرونى.
ما أَنْزَلَ اللَّهُ ما، فى موضع نصب بالفعل أَنْزَلَ أو أَرَأَيْتُمْ على معنى: أخبرونيه.
فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا أي أنزله الله رزقا حلالا كله فبغضتموه وقلتم هذا حلال وهذا حرام.
قُلْ تكرير للتوكيد.
آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ متعلق بقوله أَرَأَيْتُمْ.
والمعنى: أخبرونى آلله أذن لكم فى التحليل والتحريم فأنتم تفعلون ذلك باذنه، أم تكذبون على الله فى نسبة ذلك اليه.
ويجوز أن تكون الهمزة للانكار، وأَمْ منقطعة بمعنى: بل أتفترون على الله، تقرير للافتراء.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦٠ الى ٦١]
وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠) وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١)
٦٠- وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ:
يَوْمَ الْقِيامَةِ منصوب بالظن، وهو ظن واقع فيه، يعنى: أي شىء ظن المفترين فى ذلك اليوم ما يصنع بهم، وهو يوم الجزاء بالإحسان والاساءة.
إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ حيث أنعم عليهم بالعقل ورحمهم بالوحى وتعليم الحلال والحرام.
وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ هذه النعمة ولا يتبعون ما هدوا اليه.
٦١- وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ:
وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ ما، نافية، والخطاب لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
والشأن: الأمر.
مِنْهُ الضمير للشأن، كأنه قيل: وما تتلو من التنزيل من قرآن، لأن كل جزء منه قرآن، والإضمار قبل الذكر تفخيم له، أو الله عز وجل.
وَلا تَعْمَلُونَ أنتم جميعا.
مِنْ عَمَلٍ أي عمل كان.
إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً شاهدين رقباء نحصى عليكم.
إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ من أفاض فى الأمر، إذا اندفع فيه.
وَما يَعْزُبُ ما يبعد وما يغيب.
وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ القراءة بالنصب والرفع، والوجه بالنصب على نفس الجنس والرفع على الابتداء، ليكون كلاما برأسه.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦٢ الى ٦٥]
أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥)
٦٢- أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ:
أَوْلِياءَ اللَّهِ الذين يتولونه بالطاعة ويتولاهم بالكرامة.
٦٣- الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ:
فهذا توليهم إياه.
٦٤-هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
ُمُ الْبُشْرى
فهو توليه إياهم.
تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ
لا تغيير لأقواله ولا اخلاف لمواعيده.
ِكَ
اشارة الى كونهم مبشرين فى الدارين.
٦٥- وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ:
قَوْلُهُمْ تكذيبهم لك وتهديدهم وتشاورهم فى تدبير هلاكك وابطال أمرك، وسائر ما يتكلمون به فى شأنك.
إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ استئناف بمعنى التعليل، كأنه قيل: ما لى لا أحزن؟
فقيل: ان العزة لله جميعا، أي ان الغلبة والقهر فى ملكة الله جميعا، لا يملك أحد شيئا منها لا هم ولا غيرهم، فهو يغلبهم وينصرك عليهم.
هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يسمع ما يقولون، ويعلم ما يدبرون ويعزمون عليه، وهو مكافئهم بذلك.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦٦ الى ٦٨]
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧) قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨)
٦٦- أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ:
مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ يعنى العقلاء المميزين، فهو سبحانه وتعالى ربهم ولا يصلح أحد منهم للربوبية ولا أن يكون شريكا له فيها، فما وراءهم مما لا يعقل أحق أن لا يكون له ندا وشريكا.
إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ظنهم أنهم شركاء.
وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ يحزرون ويقدرون أن نكون شركاء تقديرا باطلا.
٦٧- هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ:
لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ سماع معتبر مدكر.
٦٨- قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ:
سُبْحانَهُ تنزيه له عن اتخاذ الولد.
هُوَ الْغَنِيُّ علة لنفى الولد، لأن ما يطلب به الولد من يلد، وما يطلبه له السبب فى كله الحاجة فمن كانت الحاجة منتفية عنه كان الولد عنه منتفيا.
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ فهو مستغن بملكه لهم عن اتخاذ أحد منهم ولدا.
إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا ما عندكم من حجة بهذا القول.
والباء فى بِهذا حقها أن تتعلق بقوله إِنْ عِنْدَكُمْ على أن يجعل القول مكانا للسلطان، كأنه قيل: ان عندكم فيما تقولون سلطان.
أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ لما نفى عنهم البرهان جعلهم غير عالمين.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦٩ الى ٧١]
قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١)
٦٩- قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ:
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ باضافة الولد اليه.
٧٠- مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ:
مَتاعٌ فِي الدُّنْيا أي افتراؤهم هذا منفعة قليلة فى الدنيا، وذلك حيث يقيمون رياستهم فى الكفر بالتظاهر به.
٧١- وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ:
كَبُرَ عَلَيْكُمْ عظم عليكم وشق وثقل.
مَقامِي مكانى، يعنى نفسه.
فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ من أجمع الأمر وأزمعه إذا نواه وعزم عليه.
وَشُرَكاءَكُمْ الواو، بمعنى: مع، أي فأجمعوا أمركم مع شركائكم.
غُمَّةً سترة.
ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ ذلك الأمر الذي تريدون بي.
وَلا تُنْظِرُونِ ولا تمهلونى.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧٢ الى ٧٤]
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤)
٧٢- فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ:
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فان أعرضتم عن تذكيرى.
فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فما كان عندى ما ينفركم عنى وتتهمونى لأجله من طمع فى أموالكم وطلب أجر على عظتكم.
إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وهو الثواب الذي يثيبنى به فى الآخرة، أي ما نصحتكم الا لوجه الله لا لغرض من أغراض الدنيا.
وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الذين لا يأخذون على تعليم الدين شيئا، ولا يطلبون به دنيا وهذا مقتضى الإسلام، والذي كل مسلم مأمور به.
٧٣- فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ:
فَكَذَّبُوهُ فتموا على تكذيبه.
وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ يخلفون الهالكين بالغرق.
كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ تعظيم لما جرى عليهم، وتحذير لمن أنذرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وتسلية له.
٧٤- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ:
مِنْ بَعْدِهِ من بعد نوح.
رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ يعنى هودا وصالحا وابراهيم ولوطا وشعيبا.
فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالحجج الواضحة المثبتة لدعواهم.
فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا فما كان ايمانهم الا ممتنعا كالمحال، لشدة شكيمتهم فى الكفر وتصميمهم عليه.
بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ يريد أنهم كانوا قبل الرسل أهل جاهلية مكذبين بالحق، فما وقع فصل بين حالتيهم، بعد بعثة الرسل وقبلها، كأن لم يبعث إليهم أحد.
كَذلِكَ نَطْبَعُ مثل ذلك الطبع المحكم نطبع.
عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ والطبع جار مجرى الكناية عن عنادهم ولجاجهم، لأن الخذلان يتبعه، لهذا أسند إليهم الاعتداء ووصفهم به.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧٥ الى ٧٦]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦)
٧٥- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ:
مِنْ بَعْدِهِمْ من بعد الرسل.
بِآياتِنا بالآيات التسع.
فَاسْتَكْبَرُوا عن قبولها وهو أعظم الكبر أن يتهاون العبيد برسالة ربهم بعد تبليغها ويتعظموا عن تقبلها.
وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ كفارا ذوى آثام عظام.
٧٦- فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ:
فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا فلما عرفوا أنه هو الحق، وأنه من عند الله، لا من قبل موسى وهارون.
قالُوا لحبهم الشهوات.
إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ وهم يعلمون أن الحق أبعد شىء من السحر الذي ليس الا تمويها.

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧٧ الى ٨١]

قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١)
٧٧- قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ:
قالَ مُوسى قال لهم مستنكرا.
أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا أتصفون الحق الذي جئتكم به من عند الله بأنه سحر.
وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ فأتوا بساحرين ليثبتوا ما تدعون ولن يفوز الساحرون فى هذا أبدا.
٧٨- قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ:
لِتَلْفِتَنا لتصرفنا.
عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا يعنون عبادة الأصنام.
وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ أي الملك.
وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ بمصدقين فيما جئتما به.
٧٩- وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ:
ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ أي: أحضروا لى كل ساحر يحذق عمله.
٨٠- فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ:
أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ هاتوا ما عندكم من السحر.
٨١- فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ:
ما جِئْتُمْ بِهِ ما، موصولة واقعة مبتدأ.
السِّحْرُ خبر. أي الذي جئتم به هو السحر، لا الذي سماه فرعون وقومه سحرا من آيات الله.
سَيُبْطِلُهُ سيسحقه، أو يظهر بطلانه بإظهار المعجزة على الشعوذة.
لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ لا يثبته ولا يديمه.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٨٢ الى ٨٦]
وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢) فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦)
٨٢- وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ:
وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ ويثبته.
بِكَلِماتِهِ بأوامره وقضاياه.
٨٣- فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ:
فَما آمَنَ لِمُوسى فى أول أمره.
إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ الا طائفة من ذرارى بنى إسرائيل.
أَنْ يَفْتِنَهُمْ أي أن يعذبهم.
وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ لغالب فيها قاهر.
وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ فى الظلم والفساد، وفى الكبر والقسوة بادعائه الربوبية.
٨٤- وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ:
إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ صدقتم به وبآياته.
فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا فاليه أسندوا أمركم فى النصفة من فرعون.
إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ شرط فى التوكل الإسلام، وهو أن يسلموا نفوسهم لله، أي يجعلوها له سالمة خالصة لاحظ للشيطان فيها.
٨٥- فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ:
لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً موضع فتنة لهم، أي يفتنوننا عن ديننا.
٨٦- وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ:
وَنَجِّنا من فتنتهم لنا، وتعذيبهم إيانا لارغامنا على ذلك.

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٨٧ الى ٩١]

وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١)
٨٧- وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ:
تَبَوَّءا تبوأ المكان: اتخذه مباءة ومرجعا.
وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً أي مساجد متوجهة نحو القبلة، وهى الكعبة.
٨٨- وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ:
زِينَةً الزينة: ما يتزين به من لباس أو حلى أو فراش أو أثاث أو غير ذلك.
رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ أي ان عاقبة هذه النعم كان إسرافهم فى الضلال، والبعد عن سبيل الحق. واللام للتعليل، أي انهم جعلوا نعمة الله سببا فى الضلال، فكأنهم أوتوها ليضلوا.
٨٩- قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ:
قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما أي ان دعاءكما مستجاب، وما طلبتما كائن، ولكن فى وقته.
فَاسْتَقِيما فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة.
وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أي لا تتبعا طريق الجهلة بعادة الله فى تعليقه الأمور بالمصالح، ولا تعجلا فان العجلة ليست مصلحة.
٩٠- وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ:
فَأَتْبَعَهُمْ فلحقهم.
٩١- آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ:
آلْآنَ أتؤمن الساعة فى وقت الاضطرار حين أدركك الغرق.
مِنَ الْمُفْسِدِينَ من الضالين المضلين عن الايمان.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٢ الى ٩٤]
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢) وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤)
٩٢- فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ:
نُنَجِّيكَ نبعدك مما وقع فيه من قعر البحر. وقيل: نلقيك بنجوة من الأرض.
وقرىء: ننحيك، بالحاء المهملة، أي نلقيك بناحية مما يلى البحر.
بِبَدَنِكَ فى وضع الحال، أي فى الحال التي لا روح فيك، وانما أنت بدن، أو ببدنك كاملا سويا لم ينقص منه شىء، أو عريانا لست الا بدنا من غير لباس، أو بدرعك.
لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً لمن وراءك من الناس علامة، وهم بنو إسرائيل، أو لمن يأتى بعدك من القرون.
وآية، أي أن تظهر للناس مهانته، وأن ما كان يدعيه من الربوبية باطل محال.
٩٣- وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ:
مُبَوَّأَ صِدْقٍ منزلا صالحا مرضيا.
فَمَا اخْتَلَفُوا فى دينهم وما تشعبوا فيه شعبا.
حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ أي العلم بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم، أهو أم ليس به.
٩٤- فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ:
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ أي فان وقع لك شك.
فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ أي فان وقع لك شك فرضا وتقديرا، وسبيل من خالجته شبهة فى الدين أن يسارع الى حلها واماطتها، اما بالرجوع الى قوانين الدين وأدلته واما بمقادحة العلماء المنبهين على الحق- فسل علماء أهل الكتاب.
يعنى أنهم من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك بحيث يصلحون لمراجعة مثلك ومساءلتهم فضلا عن غيرك.
فالغرض وصف الأحبار بالرسوخ فى العلم بصحة ما أنزل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، لا وصف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بالشك فيه.
لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أي ثبت عندك بالآيات والبراهين القاطعة أن ما أتاك هو الحق الذي لا مدخل فيه لمرية.
فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ أي اثبت ودم على ما أنت عليه من انتفاء المرية عنك.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٥ الى ٩٨]
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧) فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨)
٩٥- وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ:
الخطاب للنبى صلّى الله عليه وآله وسلم والمراد من اتبعه، أي لا تكن من زمرة المكذبين بآيات الله فتخسر دنياك وآخرتك.
٩٦- إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ:
حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ثبت عليهم قول الله.
٩٧- وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ:
أي ولو جئتهم بكل حجة مهما يكن وضوحها فلن يقتنعوا وسيستمرون على خلالهم الى أن ينتهى بهم الأمر الى العذاب الأليم.
٩٨- فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ:
فَلَوْلا كانَتْ فهلا كانت.
قَرْيَةٌ واحدة من القرى التي أهلكناها تابت عن الكفر وأخلصت الايمان قبل المعاينة.
فَنَفَعَها إِيمانُها بأن يقبله الله منها لوقوعه فى وقت الاختيار.
إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ استثناء من القرى، لأن المراد أهاليها، وهو استثناء منقطع، بمعنى: ولكن قوم يونس لما آمنوا.
ويجوز أن يكون استثناء متصلا والجملة فى معنى النفي، كأنه قيل: ما آمنت قرية من القرى الهالكة الا قوم يونس. وانتصابه على أصل الاستثناء.
[سورة يونس (١٠) : آية ٩٩]
وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩)
٩٩- وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ:
أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ أي تحملهم كرها على الايمان.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٠٠ الى ١٠٢]
وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (١٠٠) قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (١٠١) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢)
١٠٠- وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ:
وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ أي سخط الله وعذابه.
١٠١- قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ:
ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من العبر.
وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ والرسل المنذرون، أو الانذارات.
عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ لا يتوقع ايمانهم.
١٠٢- فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ:
أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ وقائع الله تعالى فيهم.

[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٦]

ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦)
١٠٣- ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ:
وَالَّذِينَ آمَنُوا ومن معهم من المؤمنين.
كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ مثل ذلك الانجاء ننجى المؤمنين منكم ونهلك المشركين.
حَقًّا عَلَيْنا اعتراض، يعنى حق ذلك علينا حقا.
١٠٤- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ:
يا أَيُّهَا النَّاسُ يا أهل مكة.
إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي وصحته وسداده، فهذا دينى فاسمعوا وصفه واعرضوه على عقولكم، لتعلموا أنه دين لا مدخل فيه للشك.
فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فلا أعبد الحجارة التي تعبدونها من دون من هو إلهكم وخالقكم.
وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وصفه بالتوفى ليريهم بأنه الحقيق بأن يخاف ويتقى، فيعبد دون ما لا يقدر على شىء.
وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعنى أن الله أمرنى بذلك، لما ركب فى من العقل، وبما أوحى الى فى كتابه.
١٠٥- وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ:
أَقِمْ وَجْهَكَ استقم اليه ولا تلتفت يمينا ولا شمالا.
حَنِيفاً حال من (الدين)، أو من (الوجه).
١٠٦- وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ:
فَإِنْ فَعَلْتَ أي: فان دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك، فكنى عنه بالفعل ايجازا.
فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ إذا، جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدر، كأن سائلا سأل عن تبعة عبادة الأوثان.
مِنَ الظَّالِمِينَ جعل من الظالمين، لأنه لا ظلم أعظم من الشرك.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٠٧ الى ١٠٩]
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩)
١٠٧- وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ:
وَإِنْ يَمْسَسْكَ الخطاب للنبى صلّى الله عليه وآله وسلم.
فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ فلن يكشفه عنك الا هو.
وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ وان يقدر لك الخير.
فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ فلن يمنعه عنك أحد.
١٠٨- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ:
قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ فلم يبق لكم عذر ولا على الله حجة.
فَمَنِ اهْتَدى فمن اختار الهدى واتباع الحق.
فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ فما نفع باختياره الا نفسه.
وَمَنْ ضَلَّ ومن آثر الضلال.
فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها فما ضر الا نفسه. واللام، وعلى، ولا على معنى النفع والضر.
وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ بحفيظ موكول الى أمركم وحملكم على ما أريد، انما أنا بشير ونذير.
١٠٩- وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ:
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ لك بالنصرة عليهم.
Icon