ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ (٣) ﴾.يقول تعالى ذكره: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ) يا محمد (الْكَوْثَرَ) واختلف أهل التأويل في معنى الكوثر، فقال بعضهم: هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر: أنه قال: "الكوثر: نهر في الجنة، حافتاه من ذهب وفضة، يجري على الدرّ والياقوت، ماؤه أشدّ بياضا من اللبن، وأحلى من العسل".
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن محارب بن دثار الباهلي، عن ابن عمر، في قوله: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) قال: "نهر في الجنة حافتاه الذهب، ومجراه على الدرّ والياقوت، وماؤه اشدّ بياضا من الثلج، وأشدّ حلاوة من العسل، وتربته أطيب من ريح المسك".
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن عطاء، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: "الكوثر: نهر في الجنة حافتاه من ذهب وفضة، يجري على الياقوت والدرّ، ماؤه أبيض من الثلج، وأحلى من العسل".
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القُمِّي، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، عن شقيق أو مسروق، قال: قلت لعائشة: يا أمّ المؤمنين، وما بُطْنان الجنة؟ قالت: "وسط الجنة: حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت، ترابه المسك، وحصباؤه اللؤلؤ والياقوت".
حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازيّ، قال: ثنا أبو النضر وشبابة، قالا ثنا
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبي جعفر; وحدثنا ابن أبي سريج، قال: ثنا أبو نعيم، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازيّ، عن ابن أبي نجيح، عن أنس، قال: الكوثر: نهر في الجنة.
قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة قالت: الكوثر نهر في الجنة، درّ مجوّف.
حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة: "الكوثر: نهر في الجنة، عليه من الآنية عدد نجوم السماء".
قال ثنا وكيع، عن أبي جعفر الرازيّ، عن ابن أبي نجيح، عن عائشة قالت: من أحبّ أن يسمع خرير الكوثر، فليجعل أصبعيه في أُذنيه.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة، قالت: نهر في الجنة، شاطئاه الدرّ المجوّف.
قال: ثنا مهران، عن أبي معاذ عيسى بن يزيد، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة قالت: "الكوثر: نهر في بطنان الجنة وسط الجنة، فيه نهر شاطئاه در مجوف، فيه من الآنية لأهل الجنة، مثل عدد نجوم السماء".
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) قال: نهر أعطاه الله محمدا ﷺ في الجنة.
حدثنا أحمد بن أبي سريج، قال: ثنا مسعدة، عن عبد الوهاب، عن مجاهد، قال: "الكَوْثر: نهر في الجنة، ترابه مسك أذفر، وماؤه الخمر".
حدثنا ابن أبي سريج، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) قال: نهر في الجنة.
حدثنا الربيع، قال: أخبرنا ابن وهب، عن سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمر، قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا، قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، مضى به جبريل في السماء الدنيا، فإذا هو بنهر، عليه قصر من لؤلؤ
وقال آخرون: عُنِي بالكوثر: الخير الكثير.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثني هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس أنه قال في الكوثر: هو الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: فقلت لسعيد بن جبير: فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة، قال: فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن عطاء بن السائب، قال: قال محارب بن دثار: ما قال سعيد بن جُبير في الكوثر؟ قال: قلت: قال: قال ابن عباس: هو الخير الكثير، فقال: صدق والله.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال: الكوثر: الخير الكثير.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، قال: سألت سعيد بن جبير، عن الكوثر، فقال: هو الخير الكثير الذي آتاه الله، فقلت لسعيد: إنا كنا نسمع أنه نهر في الجنة، فقال: هو الخير الذي أعطاه الله إياه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) قال: الخير الكثير.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد، قال: ثنا شعبة، عن عمارة بن أبى حفصة، عن عكرمة، قال: هو النبوّة، والخير الذي أعطاه الله إياه.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا حرمي بن عمارة، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن عكرمة في قول الله: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) قال: الخير الكثير، والقرآن والحكمة.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: ثنا عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة أنه قال: الكوثر: الخير الكثير.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) قال: الخير الكثير.
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الكوثر: الخير الكثير.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الكوثر: الخير الكثير.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن مجاهد: الكوثر: قال: الخير كله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: خير الدنيا والآخرة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في الكوثر، قال: هو الخير الكثير.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير، قال: الكوثر: الخير الكثير.
قال: ثنا وكيع، عن بدر بن عثمان، سمع عكرمة يقول في الكوثر: قال: ما أُعطي النبّي من الخير والنبوّة والقرآن.
حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازيّ، قال: ثنا أبو داود، عن بدر، عن عكرمة، قوله: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) قال: الخير الذي أعطاه الله النبوّة والإسلام.
وقال آخرون: هو حوض أُعطيه رسول الله ﷺ في الجنة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن مطر، عن عطاء (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) قال: حوض في الجنة أُعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أحمد بن أبي سريج، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا مطر، قال: سألت عطاء ونحن نطوف بالبيت عن قوله: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) قال: حوض أُعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك، لتتابع الأخبار عن رسول الله ﷺ بأن ذلك كذلك.
* ذكر الأخبار الواردة بذلك:
حدثنا أحمد بن المقدام العجلي، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي يحدّث عن قتادة، عن أنس قال: لما عُرج بنبيّ الله ﷺ في الجنة، أو كما قال، عرض له نهر حافتاه الياقوت المجوف، أو قال: المجوب، فضرب الملك الذي معه بيده فيه، فاستخرج مسكا، فقال محمد للملك الذي معه: "ما هَذَا؟ " قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله; قال: ورفعت له سدرة المنتهى، فأبصر عندها أثرا عظيما" أو كما قال.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "بَيْنَما أنا أسِيرُ في الجَنَّةِ، إذْ عَرَض ليَ نَهْرٌ، حافَتاهُ قِبابُ اللُّؤْلُؤِ المُجَوَّفِ، فقالَ المَلَكُ الَّذِي مَعَهُ: أتَدْرِي ما هَذَا؟ هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي أعْطاكَ اللهُ إيَّاهُ، وَضَرَبَ بِيَدِهِ إلى أرْضِه، فأخْرَجَ مِنْ طِينِه المِسْكَ".
حدثني ابن عوف، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شيبان، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لمَّا عُرِجَ بِي إلى السَّماء، أَتَيْتُ على نَهْرٍ حافَتاهُ قِبابُ اللُّؤْلُؤِ المُجَوَّف، قُلتُ: ما هَذَا يا جِبْرِيلُ؟ قال: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي أعْطَاكَ رَبُّكَ، فأهْوَى المَلكُ بِيَدِهِ، فاسْتَخْرَجَ طِينَه مِسْكًا أذفَرَ".
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن حميد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَخَلْتُ الجَنَّة، فإذَا أنا بِنَهْرٍ حافَتاهُ خِيامُ اللُّؤْلُؤِ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي إلى ما يَجْرِي فِيهِ، فإذَا مِسْكٌ أذْفَرُ; قال: قُلْتُ: ما هَذَا يا جِبْرِيلُ؟ قال: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي أعْطاكَهُ اللهُ".
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحو حديث يزيد، عن سعيد.
حدثنا بشر، قال: ثنا أحمد بن أبي سريج، قال: ثنا أبو أيوب العباس، قال: ثنا إبراهيم بن مسعدة، قال: ثنا محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي ابن شهاب،
حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة بن أبي وقاص الليثي، عن كثير، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَخَلْتُ الجَنَّةَ حِينَ عُرِجَ بِيَ، فَأُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ، فإذَا هُوَ نَهْرٌ فِي الجَنَّةِ، عُضَادَتاهُ بُيُوتٌ مُجَوَّفَةٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ".
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن مسلم بن شهاب، عن أنس: أن رجلا جاء إلى النبيّ ﷺ فقال: يا رسول الله، ما الكوثر؟ قال: "نَهْرٌ أعْطانِيهِ اللهُ فِي الجَنَّةِ، لَهُوَ أشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وأحْلَى مِنَ العَسَلِ، فِيهِ طُيُورٌ أعْناقُهَا كأعْناقِ الجُزُرِ". قال عمر: يا رسول الله إنها لناعمة، قال: "آكِلُها أنْعَمُ مِنْها".
حدثنا يونس، قال: ثنا يحيى بن عبد الله، قال: ثني الليث، عن ابن الهاد، عن عبد الوهاب عن عبد الله بن مسلم بن شهاب، عن أنس، أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله.
حدثنا عمر بن عثمان بن عبد الرحمن الزهري، أن أخاه عبد الله، أخبره أن أنس بن مالك صاحب النبي ﷺ أخبره: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما الكوثر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نَهْرٌ أعْطانِيهِ اللهُ فِي الجَنَّةِ، مَاؤهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وأحْلَى مِنَ العَسَلِ، فِيهِ طُيُورٌ أعْناقُهَا كأعْناقِ الجُزُرِ"، فقال عمر: إنها لناعمة يا رسول الله، فقال: "آكِلُها أنْعَمُ مِنْهَا".
فقال: عمر بن عثمان: قال ابن أبي أُوَيس; وحدثني أبي، عن ابن أخي الزهريّ، عن أبيه، عن أنس، عن النبي ﷺ في الكوثر، مثله.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا عطاء، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الجَنَّةِ، حَافَتاهُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمجْرَاهُ عَلى الْياقُوتِ والدُّرِّ، تُرْبَتُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، ماؤُهُ أحْلَى
حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، قال: قال لي محارب بن دثار: ما قال سعيد بن جُبير في الكوثر؟ قلت: حدثنا عن ابن عباس، أنه قال: هو الخير الكثير، فقال: صدق والله، إنه للخير الكثير، ولكن حدثنا ابن عمر، قال: لما نزلت: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الجَنَّةِ، حافَتاهُ مِنْ ذَهَبٍ، يَجْرِي على الدُّرِّ واليَاقُوتِ".
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن النبي ﷺ قال: "الكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الجَنَّةِ"، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ نَهَرًا حَافَتاهُ اللُّؤْلُؤ، فَقُلْتُ: يا جِبْرِيلُ ما هَذَا؟ قالَ: هَذَا الكَوْثَرُ الَّذِي أعْطَاكَهُ اللهُ".
حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، قال: أخبرنا حزام بن عثمان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أُسامة بن زيد أن رسول الله ﷺ أتى حمزة بن عبد المطلب يوما، فلم يجده، فسأل امرأته عنه، وكانت من بني النجار، فقالت: خرج، بأبي أنت آنفا عامدا نحوك، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار، أو لا تدخل يا رسول الله؟ فدخل، فقدمت إليه حيسا، فأكل منه، فقالت: يا رسول الله، هنيئا لك ومريئا، لقد جئت وإني لأريد أن آتيك فأهنيك وأمريك (١) أخبرني أبو عمارة أنك أُعطيت نهرا في الجنة يُدعى الكوثر، فقال: "أَجَلْ، وَعَرْضُهُ - يعني أرضه - يَاقُوتٌ وَمَرْجَانٌ وزَبَرْجَدٌ ولُؤْلُؤٌ".
وقوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)
اختلف أهل التأويل في الصلاة التي أمر الله نبيه ﷺ أن يصليها بهذا الخطاب، ومعنى قوله: (وَانْحَرْ) فقال بعضهم: حضه على المواظبة على الصلاة المكتوبة، وعلى الحفظ عليها في أوقاتها بقوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ).
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطفاوي، قال: ثنا محمد بن ربيعة، قال: ثني يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير،
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظبيان عن أبيه، عن علي رضى الله عنه (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: وضع اليد على اليد في الصلاة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، عن أبيه، عن علي رضى الله عنه (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى، ثم وضعهما على صدره.
قال: ثنا مهران، عن حماد بن سلمة، عن عاصم الأحول، عن الشعبي مثله.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن يزيد بن أبي زياد، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، عن علي رضى الله عنه: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، يقال: ثنا عوف، عن أبي القُموص، في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: وضع اليد على اليد في الصلاة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو صالح الخراساني، قال: ثنا حماد، عن عاصم الجحدري، عن أبيه، عن عقبة بن ظبيان، أن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال في قول الله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده الأيسر، ثم وضعهما على صدره.
وقال آخرون: بل عُنِيَ بقوله (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) : الصلاة المكتوبة، وبقوله (وَانْحَرْ) أن يرفع يديه إلى النحر عند افتتاح الصلاة والدخول فيها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الصلاة، وانحر: برفع يديه أول ما يكبر في الافتتاح.
وقال آخرون: عني بقوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) المكتوبة، وبقوله (وَانْحَرْ) : نحر البُدن.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم وهارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: الصلاة المكتوبة، ونحر البُدن.
حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير وحجاج أنهما قالا في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: صلاة الغداة بجمع، ونحر البُدن بمنًى.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن قطر، عن عطاء: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: صلاة الفجر، وانحر البدن. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: الصلاة المكتوبة، والنحر: النسك والذبح يوم الأضحى.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: صلاة الفجر.
وقال آخرون: بل عُنِيَ بذلك: صل يوم النحر صلاة العيد، وانحر نسكك.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن جابر، عن أنس بن مالك، قال: كان النبي ﷺ ينحر قبل أن يصلي، فأمر أن يصلي ثم ينحر.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن عكرِمة: فصلّ الصلاة، وانحر النُّسُك.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن ثابت بن أبي صفية، عن أبي جعفر (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) قال: الصلاة; وقال عكرِمة: الصلاة ونحر النُّسُك.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: إذا صليت يوم الأضحى فانحر.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا قطر، قال: سألت عطاء، عن قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: تصلي وتنحر.
قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبان بن خالد، قال: سمعت الحسن يقول (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: الذبح.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: نحر البُدن، والصلاة يوم النحر.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: صلاة الأضحى، والنحر: نحر البُدن.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: مناحر البُدن بِمِنًى.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل، عن عكرمة (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: نحر النسك.
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) يقول: اذبح يوم النحر.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: نحر البُدن.
وقال آخرون: قيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، لأن قوما كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغيره فقيل له. اجعل صلاتك ونحرك لله، إذ كان من يكفر بالله يجعله لغيره.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي، أنه كان يقول في هذه الآية: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) يقول: إن ناسا كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، فإذا أعطيناك الكوثر يا محمد، فلا تكن صلاتك ونحرك إلا لي.
وقال آخرون: بل أنزلت هذه الآية يوم الحديبية، حين حصر النبيّ ﷺ وأصحابه، وصُدّوا عن البيت، فأمره الله أن يصلي، وينحر البُدن، وينصرف، ففعل.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، قال: ثني أبو معاوية البجلي، عن سعيد بن جُبير أنه قال: كانت هذه الآية، يعني قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) يوم الحديبية، أتاه جبريل عليه السلام فقال: انحر وارجع، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب خطبة الفطر والنحر (١) ثم ركع ركعتين، ثم انصرف إلى البُدن فنحرها، فذلك حين يقول: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ).
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فصل وادع ربك وسله.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: صلّ لربك وسل.
وكان بعض أهل العربية يتأوّل قوله: (وَانْحَرْ) واستقبل القبلة بنحرك. وذُكر أنه سمع بعض العرب يقول: منازلهم تتناحر: أي هذا بنحر هذا: أي قبالته. وذكر أن بعض بني أسد أنشده:
أبا حَكَمٍ هَلْ أنْتَ عَمُّ مُجَالِدٍ | وَسَيِّدُ أهْلِ الأبْطَحِ المُتَنَاحِرِ (٢) |
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان، شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفء له،
(٢) الأثر ١٩١ - وهذا نقله ابن كثير أيضًا ١: ٥٣.
وإنما قلت: ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك، لأن الله جلّ ثناؤه أخبر نبيه ﷺ بما أكرمه به من عطيته وكرامته، وإنعامه عليه بالكوثر، ثم أتبع ذلك قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، فكان معلوما بذلك أنه خصه بالصلاة له، والنحر على الشكر له، على ما أعلمه من النعمة التي أنعمها عليه، بإعطائه إياه الكوثر، فلم يكن لخصوص بعض الصلاة بذلك دون بعض، وبعض النحر دون بعض وجه، إذ كان حثا على الشكر على النِّعَم.
فتأويل الكلام إذن: إنا أعطيناك يا محمد الكوثر، إنعاما منا عليك به، وتكرمة منا لك، فأخلص لربك العبادة، وأفرد له صلاتك ونسكك، خلافا لما يفعله من كفر به، وعبد غيره، ونحر للأوثان.
وقوله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ)
يعني بقوله جل ثناؤه: (إِنَّ شَانِئَكَ) إن مبغضك يا محمد وعدوك (هُوَ الأبْتَرُ) يعني بالأبتر: الأقلّ والأذلّ المنقطع دابره، الذي لا عقب له.
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك، فقال بعضهم: عني به العاص بن وائل السهميّ.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) يقول: عدوّك.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) قال: هو العاص بن وائل.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن هلال بن خباب، قال: سمعت سعيد بن جُبير يقول: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) قال: هو العاص بن وائل.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن هلال، قال: سألت سعيد بن جُبير، عن قوله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) قال: عدوّك العاص بن وائل انبتر من قومه.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) قال: هو العاص بن وائل، قال: أنا شانئٌ محمدا، وهو أبتر، ليس له عقب، قال الله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) قال قتادة: الأبتر: الحقير الدقيق الذليل.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) هذا العاص بن وائل، بلغنا أنه قال: أنا شانئُ محمد.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) قال: الرجل يقول: إنما محمد أبتر، ليس له كما ترون عقب، قال الله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ).
وقال آخرون: بل عني بذلك: عقبة بن أبي معيط.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القُمِّي، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، قال: كان عقبة بن أبي معيط يقول: إنه لا يبقى للنبيّ ﷺ ولد، وهو أبتر، فأنزل الله فيه هؤلاء الآيات: (إِنَّ شَانِئَكَ) عقبة بن أبي معيط (هُوَ الأبْتَرُ).
وقال آخرون: بل عني بذلك جماعة من قريش.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عكرمة، في هذه الآية: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا) قال: نزلت في كعب بن الأشرف، أتى مكة فقال لها أهلها: نحن خير أم هذا الصنبور (١) المنبتر من قومه،
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن بدر بن عثمان، عن عكرمة (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ). قال: لما أوحي إلى النبي ﷺ قالت قريش: بَتِرَ محمد منا، فنزلت: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) قال: الذي رماك بالبتر هو الأبتر.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبى عديّ، قال: أنبأنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما قَدِم كعب بن الأشرف مكة أتَوْه، فقالوا له: نحن أهل السقاية والسدانة، وأنت سيد أهل المدينة، فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا؟ قال: بل أنتم خير منه، فنزلت عليه: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) قال: وأنزلت عليه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ)... إلى قوله (نَصِيرًا).
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن مُبغض رسول الله ﷺ هو الأقلّ الأذلّ، المنقطع عقبه، فذلك صفة كل من أبغضه من الناس، وإن كانت الآية نزلت في شخص بعينه.
آخر تفسير سورة الكوثر