تفسير سورة الكافرون

التفسير الوسيط لطنطاوي
تفسير سورة سورة الكافرون من كتاب التفسير الوسيط المعروف بـالتفسير الوسيط لطنطاوي .
لمؤلفه محمد سيد طنطاوي . المتوفي سنة 1431 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة الكافرون
مقدمة وتمهيد
١- سورة " الكافرون " تسمى –أيضا- سورة " المقَشْقِشَة " أي : المبرئة من الشرك، وسورة " العبادة " وسورة " الدين ".
وهي من السور المكية عند الجمهور، وكان نزولها بعد سورة " الماعون " وقبل سورة " الفيل ".
وقيل : إنها مدنية، وعدد آياتها ست آيات.
٢- وقد ذكروا في سبب نزولها روايات منها ما ذكره ابن إسحاق عن ابن عباس، أن جماعة من زعماء المشركين أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : هلم فلنعبد إلهك مدة، وأنت تعبد آلهتنا مدة، فيحصل بذلك الصلح بيننا وبينك.. فنزلت هذه السورة.
٣- وقد ذكر الإمام ابن كثير بعض الأحاديث التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها كثيرا في صلاة ركعتي الفجر، ومن ذلك ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة " الكافرون " وسورة " قل هو الله أحد " في ركعتي الفجر.. ( ١ ).
١ - تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٥٢٧..

التفسير قال الله- تعالى-:
[سورة الكافرون (١٠٩) : الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤)
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)
أى:
قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء المشركين الذين جاءوك ليساوموك على أن تعبد آلهتهم مدة، وهم يعبدون إلهك مدة أخرى قل لهم على سبيل الحزم والتأكيد «لا أعبد» أنا الذي تعبدونه من آلهة باطلة، ولا أنتم عابدون الإله الحق الذي أعبده، لجهلكم وجحودكم.
وعكوفكم على ما كان عليه آباؤكم من ضلال.
وافتتحت السورة الكريمة بفعل الأمر «قل» للاهتمام لما سيأتى بعده من كلام المقصود منه إبلاغه إليهم، وتكليفهم بالعمل به.
ونودوا بوصف الكافرين، لأنهم كانوا كذلك، ولأن في هذا النداء تحقيرا واستخفافا بهم.
و «ما» هنا موصولة بمعنى الذي، وأوثرت على «من» لأنهم ما كانوا يشكون في ذات الآلهة التي يعبدونها، ولا في ذات الإله الحق الذي يعبده النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كانوا يشكون في أوصافه- تعالى-، من زعمهم أن هذه الأصنام ما يعبدونها إلا من أجل التقرب إليه.
ويقولون: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ مع أن الله- تعالى- منزه عن ذلك، فالمقصود من «ما» هنا: الصفة، وليس الذات، فكأنه قال: لا أعبد الباطل الذي تعبدونه، وأنتم لجهلكم لا تعبدون الإله الحق الذي أعبده.
وقوله- تعالى-: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ، وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ تأكيد وتقرير لما اشتمل عليه الكلام السابق... «وما» هنا مصدرية، فكأنه قبل: ولا أنا عابد عبادتكم، ولا أنتم عابدون عبادتي.
526
فالآيتان السابقتان تنفيان الاتحاد بينه ﷺ وبينهم في المعبود، وهاتان الآيتان تنفيان الاتحاد في العبادة، والمقصود من ذلك المبالغة التامة في البراءة من معبوداتهم الباطلة، ومن عبادتهم الفاسدة، وأنه ﷺ ومن معه من المؤمنين، لا يعبدون إلا الله- عز وجل-، وهم بذلك يكونون قد اهتدوا إلى العبادة الصحيحة.
وقوله- تعالى-: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ تذييل مؤكد لما قبله. والدين: يطلق بمعنى العقيدة التي يعتقدها الإنسان ويدين بها، وبمعنى الملة التي تجرى أقواله وأفعاله على مقتضاها، وبمعنى الحساب والجزاء. ومنه قولهم: دنت فلانا بما صنع، أى: جازيته على صنيعه.
واللفظ هنا شامل لكل ذلك، أى: لكم- أيها الكافرون- دينكم وعقيدتكم التي تعتقدونها ولا تتجاوزكم إلى غيركم من المؤمنين الصادقين، فضلا عن رسولهم ومرشدهم صلى الله عليه وسلم، ولى ديني وعقيدتي التي هي عقيدة التوحيد، والتي بايعنى عليها أتباعى المؤمنون، وهي مقصورة علينا، وأنتم محرومون منها، وسترون سوء عاقبة مخالفتكم لي.
وقدم- سبحانه- المسند على المسند إليه، لإفادة القصد والاختصاص فكأنه قيل: لكم دينكم لا لغيركم، ولى ديني لا لغيري والله- تعالى- هو أحكم الحاكمين بيني وبينكم.
وبذلك نرى السورة الكريمة، قد قطعت كل أمل توهم الكافرون عن طريقه الوصول إلى مهادنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى الاستجابة لشيء من مطالبهم الفاسدة، وإنما هو ﷺ برىء براءة تامة منهم ومن معبوداتهم وعباداتهم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
527

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تفسير سورة النصر
مقدمة وتمهيد
١- سورة «النصر» تسمى- أيضا- سورة: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وتسمى سورة «التوديع» وهي من السور المدنية، قيل: نزلت عند منصرف النبي ﷺ من غزوة خيبر، وقيل: نزلت بمنى في أيام التشريق، والنبي ﷺ في حجة الوداع، وقيل نزلت عند منصرفه ﷺ من غزوة حنين.
وكان نزولها بعد سورة «الحشر» وقبل سورة «النور»، وهي ثلاث آيات.
٢- وقد تضافرت الأخبار رواية وتأويلا، على أن هذه السورة تومئ إلى قرب نهاية أجل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر الإمام ابن كثير جملة من الآثار في هذا المعنى منها ما أخرجه البيهقي عن ابن عباس قال: لما نزلت سورة إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، دعا رسول الله ﷺ فاطمة وقال: «قد نعيت إلىّ نفسي» فبكت ثم ضحكت، وقالت: أخبرنى أنه نعيت إليه نفسه فبكيت، ثم قال: «اصبري فإنك أول أهلى لحاقا بي» فضحكت.
وأخرج البخاري عن ابن عباس، قال: كان عمر- رضى الله عنه- يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم قد وجد في نفسه- أى: تغير وغضب- وقال: لماذا يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله، فقال عمر: إنه ممن علمتم. فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم... فقال: ما تقولون في قوله- تعالى- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره، إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فقال... عمر: أكذلك تقول
529
يا بن عباس؟ فقلت: لا، فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه له... فقال عمر: لا أعلم منها إلا ما تقول.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس أنه قال: آخر سورة نزلت من القرآن هذه السورة «١».
٣- والسورة الكريمة وعد منه- تعالى- لنبيه ﷺ بالنصر والفتح وبشارة بدخول أفواج الناس في دين الله، وأمر منه- سبحانه- بالمواظبة على حمده واستغفاره.
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٥٢٩.
530
Icon