تفسير سورة الكافرون

الهداية الى بلوغ النهاية
تفسير سورة سورة الكافرون من كتاب الهداية الى بلوغ النهاية المعروف بـالهداية الى بلوغ النهاية .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الكافرين( ١ ) مكية( ٢ )
١ الذي عند البخاري في كتاب التفسير، سورة ﴿قل يأيها الكفرون﴾ قال ابن حجر: "وهي سورة الكافرين "ويقال لها أيضا: المقشقشة أي المبرئة من النفاق" الفتح: ٨/٧٣٣..
٢ في قول ابن مسعود والحسن وعكرمة في تفسير الماوردي: ٤/٥٣٣، وهو قول الجمهور في البحر: ٨/٥٢١..

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الكافرين
مكية
قوله تعالى: ﴿قُلْ يا أيها الكافرون * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ إلى آخرها.
روى المفسرون أن المشركين كانوا قد عرضوا على رسول الله ﷺ أن يعبدوا الله تعالى سنة/ على أن يعبد نبي الله آلهتهم سنة، فأنزل الله جل ذكره جوابهم ﴿قُلْ يا أيها الكافرون﴾ إلى آخرها.
والمعنى: قل - يا محمد - ﴿قُلْ يا أيها الكافرون﴾ بالله لاَ أعْبُدُ ما تعبُدُونَ من الأصنام والأوثان الآن، ولا أنتم عابدون الآن ما أعبد، ولا أنا عابد في ما [أستَقْبِلُ) ما عبدتم في ما مضى ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ في ما تستقبلون أبداً ما أعبُدُ أنا الآن (و) في ما أستقبل.
8473
وروي أن ذلك نزل في أشخاً بأعيانهم قد علم الله أنهم لا يؤمنون أبداً، فأمر الله نبيه أن يؤيسهم مما طلبوا وأن ذلك لا يكون منه بد ولا منهم، فلا هو يعبد ما يعبدون أبداً ولا هم يعبدونَ ما يعبد هو أبداً لما سبق في علمه من شقوتهم.
قال ابن عباس: وعد قريش نبي الله ﷺ أن يعطوه مالاً فيكون أغنى رجل بمكة ويزوجوه من أراد من النّساء، [وقالوا]: هذا لك عندنا يا محمد، وكُفَّ عن شتم آلهتنا، ولا تذكرها بسوء فإن لم تفعل فإنّا نعرض عليك خصلة واحدة [فهي] لك ولنا فيها صلاح. قال: ما هي؟ قالوا: تعبد آلهتنا اللات والعزى (سنة)، ونعبد إلهك سنة. قال: حتى أنظر ما يأتي من عند ربي، فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: ﴿قُلْ يا أيها الكافرون﴾ إلى آخها وأنزل الله أيضا ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ الله تأمروني أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون﴾ إلى قوله: ﴿وَكُن مِّنَ الشاكرين﴾ [الزمر: ٦٤ - ٦٦].
8474
قال المبرد: ليس في هذا تكرير، وإنما جهل من قال إنه يكون في اللغة، وإنما المعنى: ﴿قُلْ يا أيها الكافرون * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ في هذا الوقف، وكذا ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ وانقضى الكلام، وهو التمام عند أبي حاتم على هذا المعنى.
ومن جعله تكرير للتأكيد كان التمام آخر السورة.
قال المبرد: ثم قال ﴿وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ﴾ أي: فيما استقبل ﴿وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ﴾ مثله. وكان في هذا دلالة على نبوة محمد ﷺ، لأن كل من خاطبه بهذه الخطابة لم يسلم منهم أحد، وكذا الذين خَاطَبَهُم بقوله: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِمْءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٦].
وروي أن الوليد بن المغيرة (و) العاصي بن وائل والأسود [بن المطلب، وأمية بن) خلف لقوا رسول الله ﷺ، فقالوا: يا محمد، [هلم]، فلتعبد ما نعبد ونعبد ما تعبد، ونشركك في [أمرنا] كله، فإن كان الذي جئت به خيراً
8475
مما في أيدينا كنا قد (شركناك فيه، وأخذنا بحفظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيراً مما في يديك كنت) قد شركتنا في [أمرنا] وأخذا بحظك منه، فأنزل الله جل ذكره: ﴿قُلْ يا أيها الكافرون﴾ إلى آخرها.
قوله ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ أي: لكم دينكم فلا تتركونه أبداً، لأن الله قد قضى (عليكم) ألا تنتقلوا منه وأنتم تموتون عليه، ولي دين لا أتركه أبداً لما (قد) قدر الله علي فيه، فعليه أموت.
8476
Icon