تفسير سورة التغابن

الصحيح المسبور
تفسير سورة سورة التغابن من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المعروف بـالصحيح المسبور .
لمؤلفه حكمت بشير ياسين .

سورة التغابن
قوله تعالى (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)
انظر سورة الحديد آية (١) وتفسيرها وسورة الإسراء آية (٤٤) لبيان تسبيح المخلوقات كلها لله سبحانه وتعالى.
قوله تعالى (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن..)
قال الحاكم: حدثنا محمد بن صالح بن هانئ، ثنا الحسين بن الفضل البجلي قال: سمعت محمد بن كناسة يقول: سمعت سفيان الثوري وسئل عن قول الله عز وجل (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) فقال: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يبعث كل عبد على ما مات عليه. قد أخرج مسلم حديث الأعمش ولم يخرجه بهذه السياقة.
(المستدرك ٢/٤٩٠ ك التفسير وصححه الذهبي).
قوله تعالى (خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير)
قال ابن كثير: ثم قال: (خلق السماوات والأرض بالحق) أي: بالعدل والحكمة (وصوركم فأحسن صوركم) أي: أحسن أشكالكم، كقوله (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي سورة ما شاء ركبك) وكقوله: (الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات) الآية، وقوله (وإليه المصير) أي: المرجع والمآب.
قوله تعالى (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)
انظر سورة الرعد آية (٨-١٠).
قوله تعالى (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
انظر سورة الطلاق آية (٩) لبيان (وبال) أي: عاقبة، وانظر سورة البقرة آية (١٠) لبيان (أليم) أي: موجع.
قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)
انظر سورة الإسراء آية (٩٤).
قوله تعالى (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير)
قال ابن كثير: وهذه هي الآية الثالثة التي أمر الله رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقسم بربه عز وجل على وقوع المعاد ووجوده، فالأولى في سورة يونس: (ويستنبئونك أحق هو قل إي وربى إنه لحق وما أنتم بمعجزين) والثانية في سورة سبأ:
(وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربى لتأتينكم) الآية، والثالثة هي هذه.
قوله تعالى (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (ذلك يوم التغابن) قال: هو غبن أهل الجنة أهل النار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (ذلك يوم التغابن) من أسماء يوم القيامة، عظمه وحذره عباده.
قال ابن كثير: (يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن)، وهو يوم القيامة، سمى بذلك لأنه يجمع فيه الأولون والآخرون في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، كما قال تعالى (ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود) وقال تعالى (قل إن الأولين والآخرين لمجموعين إلى ميقات يوم معلوم).
قوله تعالى (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) يعني: يهد قلبه لليقين، يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
قال الطبري: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا آبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش عن أبي ظبيان، عن علقمة، في قوله (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه) قال: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيسلم ويرضى.
قوله تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين)
انظر سورة آل عمران آية (٣٢) وتفسيرها.
قوله تعالى (الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون)
قال ابن كثير: ثم قال تعالى مخبرا أنه الأحد الصمد، الذي لا إله غيره، فقال: (الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون)، فالأول خبر عن التوحيد، معناه معنى الطلب، أي: وحدوا الإلهية له، وأخلصوها لديه، وتوكلوا عليه، كما قال تعالى: (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا).
قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) قال: إنهما يحملانه على قطيعة رحمه، وعلى معصية ربه، فلا يستطيع مع حبه إلا أن يقطعه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم)... الآية، قال: منهم من لا يأمر بطاعة الله، ولا ينهى عن معصيته، وكانوا يبطئون عن الهجرة إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعن الجهاد.
قوله تعالى (إنما أموالكم وأولادكم فتنة... )
قال الترمذي: حدثنا الحسين بن حُريث: حدثنا علي بن حسين بن واقد: حدثني أبي: حدثني عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي: بريدة يقول: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما السلام عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد. (السنن ٥/٦٥٨ ح ٣٧٧٤- ك المناقب، ب مناقب الحسن والحسين)، وأخرجه أبو داود (١/٢٩٠ ح ١١٠٩) والنسائي (٣/١٠٨، ١٩٢) وابن ماجة رقم (٣٦٠٠) وابن خزيمة في صحيحه (٣/١٥١-١٥٢ ح ١٨٠١) وابن حبان (الإحسان ١٣/٤٠٢ ح ٦٠٣٨) والحاكم المستدرك (١/٢٨٧) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وصححه الألباني (صحيح ابن ماجة رقم ٢٩٠٠).
وحسن محققا ابن خزيمة وابن حبان إسناده).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) يقول: بلاء.
قوله تعالى (والله عنده أجر عظيم)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والله عنده أجر عظيم) وهي الجنة.
قوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا) هذه رخصة من الله، والله رحيم بعباده، وكان الله جل ثناؤه أنزل قبل ذلك (اتقوا الله حق تقاته) وحق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ثم خفف الله تعالى ذكره عن عباده، فأنزل الرخصة بعد ذلك فقال: "فاتقوا الله ما استطعتم، واسمعوا وأطيعوا" فيما استطعت يا ابن آدم، عليها بايع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على السمع والطاعة فيما استطعتم.
قوله تعالى (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: (ومن يوق شح نفسه) يقول: هوى نفسه حيث يتبع هواه ولم يقبل الإيمان.
وانظر سورة الحشر آية (٩) وفيها حديث مسلم عن جابر بن عبد الله.
قوله تعالى (إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم... )
انظر سورة البقرة قوله تعالى (من ذا الذي يفرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه) آية (٢٤٥) لبيان فضل الإنفاق في سبيل الله والحث عليه.
Icon