تفسير سورة القيامة

الصحيح المسبور
تفسير سورة سورة القيامة من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المعروف بـالصحيح المسبور .
لمؤلفه حكمت بشير ياسين .

سورة القيامة
قوله تعالى (لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة) قال: أقسم بهما جميعا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (بالنفس اللوامة) قال: تندم على ما فات وتلوم عليه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولا أقسم بالنفس اللوامة) أي: الفاجرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (ولا أقسم بالنفس اللوامة) يقول: المذمومة.
قوله تعالى (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه)
انظر سورة البقرة آية (٢٥٩)، وسورة الإسراء آية (٤٩).
قوله تعالى (بلى قادرين على أن نسوي بنانه بل يريد الإنسان ليفجر أمامه يسأل أيان يوم القيامة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بلى قادرين على أن نسوى بنانه) قادر والله على أن يجعل بنانه كحافر الدابة أو كخف البعير ولو شاء لجعله كذلك فإنما ينقي طعامه بفيه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ليفجر أمامه) قال: يمضي أمامه راكبا رأسه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) قال: قال الحسن: لا تلقى ابن آدم إلا تنزع نفسه إلى معصية الله قدما قدما إلا من قد عصم الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) يقول: الكافر يكذب بالحساب.
قوله تعالى (فإذ برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (برق البصر) قال: عند الموت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وخسف القمر) ذهب ضوؤه فلا ضوء له.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وجمع الشمس والقمر) قال: كورا يوم القيامة.
قوله تعالى (يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لاوزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (كلا لا وزر) يقول: لا حرز.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (لا وزر) لا ملجأ ولا جبل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إلى ربك يومئذ المستقر) أي: المنتهي.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) يقول: ما عمل قبل موته وما سن فعمل به بعد موته.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم) من طاعة الله (وأخر) مما ضيع من حق الله.
قوله تعالى (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (بل الإنسان على نفسه بصيرة) يقول: سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (بل الإنسان على نفسه بصيرة) إذا شئت والله رأيته بصيرا بعيوب الناس وذنوبهم غافلا عن ذنوبه قال: وكان يقال إن في الإنجيل مكتوبا: يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك ولا تبصر الجذع المعترض في عينيك.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره) ولو جادل عنها فهو بصيرة عليها.
ورجحه الحافظ ابن كثير ثم قال كقوله: (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) سورة الأنعام: ٢٣.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ولو ألقى معاذيره) قال: ولو اعتذر.
قوله تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به إنّا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه)
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا موسى بن أبي عائشة قال: حدثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به) قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرّك شفتيه، فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحركهما. وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما - فحرّك شفتيه - فأنزل الله تعالى (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه) قال: جمعه لك في صدرك وتقرأه (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) قال فاستمع له وأنصت (ثم إن علينا بيانه) ثم إن علينا أن تقرأه، فكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما قرأه.
(الصحيح ١/٣٩- ك بدء الوحي ح ٥ و٨/٥٤٩ و٥٥٠- ك التفسير)، وأخرجه مسلم في (الصحيح ١/٣٣٠- ك الصلاة، ب الاستماع للقراءة).
وانظر سورة طه آية (١٤٤).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لا تحرك به لسانك) قال: كان يستذكر القرآن مخافة النسيان فقال له: كفيناكه يا محمد.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لا تحرك به لسانك لتعجل به) كان نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يحرك به لسانه مخافة النسيان فأنزل الله ما تسمع.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (إن علينا جمعه وقرآنه) يقول: حفظه وتأليفه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) يقول: اتبع حلاله واجتنب حرامه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) يقول: اعمل به.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم إن علينا بيانه) بيان حلاله واجتناب حرامه ومعصيته وطاعته.
قوله تعالى (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (كلا بل تحبون الحاجلة وتذرون الآخرة) اختار أكثر الناس العاجلة إلا من رحم الله وعصم.
وانظر سورة الإسراء آية (١٨-١٩).
قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة)
قال البخاري: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما: أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم ترونه كذلك…
(الصحيح ٢/٣٤١-٣٤٢- ك الآذان، ب فضل السجود ح ٨٠٦)، وأخرجه مسلم (الصحيح - الإيمان، ب إثبات رؤية المؤمنين ربهم سبحانه ١/١٣٦- ١٦٤ ح ١٨٢).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وجوه يومئذ ناضرة) قال: مسرورة (إلى ربها ناظرة).
قوله تعالى (ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (باسرة) قال: كاشرة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ووجوه يومئذ باسرة) أي: كالحة.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (تظن أن يفعل بها فاقرة) قال: داهية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (تظن أن يفعل بها فاقرة) أي: شر.
قال ابن كثير: وهذا المقام كقوله (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) وكقوله (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة) وكقوله (وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية) إلى قوله (وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية).
قوله تعالى (كلا إذا بلغت التراقي)
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حالة الاحتضار وما عنده من أهوال - ثبتنا الله هناك بالقول الثابت - فقال تعالى (كلا إذا بلغت التراقي) إن جعلنا (كلا) رادعة فمعناها: لست يا ابن آدم تكذب هناك بما أخبرت به، بل صار ذلك عندك عيانا وإن جعلناها بمعنى: حقا فظاهر أي: حقا إذا بلغت التراقي أي: انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك، والتراقي: جمع ترقوة، وهى العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق كقوله (فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين).
قوله تعالى (وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وقيل من راق) أي: التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من قضاء الله شيئا.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وظن أنه الفراق) أي: استيقن أنه الفراق.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والتفت الساق بالساق) يقول: آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة فتلتقي الشدة بالشدة إلا من رحم الله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (والتفت الساق بالساق) قال: التف أمر الدنيا بأمر الآخرة عند الموت.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (والتفت الساق بالساق) ماتت رجلاه فلا يحملانه إلى شئ فقد كان عليهما جوالا.
قوله تعالى (إلى ربك يومئذ المساق)
انظر سورة الأنعام آية (٦١-٦٢)، وفيها (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق).
قوله تعالى (فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فلا صدق ولا صلى) لا صدق بكتاب الله ولا صلى لله (ولكن كذب وتولى) كذب بكتاب لله وتولى عن طاعة الله.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ثم ذهب إلى أهله يتمطى) أي: يتبختر.
وانظر قوله تعالى: (وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين) سورة المطففين آية (٣١). وتقوله تعالى (إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور) سورة الإنشقاق (١٣-١٤).
قوله تعالى (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى)
قال النسائي: أخبرني إبراهيم بن يعقوب، نا أبو النعمان، نا أبو عوانة. وأنا أبو داود، نا محمد بن سليمان، نا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: (أولى لك فأولى) قاله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنزله الله عز وجل؟ قال: قاله رسول الله ﷺ ثم أنزله الله.
(التفسير ٢/٤٨٣ ح ٦٥٨)، وأخرجه الطبراني في (المعجم الكبير ١١/٤٥٨ ح ١٢٢٩٨)، والحاكم (المستدرك ٢/٥١٠) من طريق أبي عوانه به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي - وقد عزاه للطبراني -: رجاله ثقات (مجمع الزوائد ٧/١٣٢)، وقال محقق النسائي: إسناده صحيح ورجال إسناديه ثقات.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى) وعيد على وعيد كما تسمعون.
قوله تعالى (أيحسب الإنسان أن يترك سدى)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) يقول هملا.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) قال: لا يؤمر ولا ينهى.
لقوله تعالى (ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى)
انظر سورة النحل آية (٤) وسورة الحج آية (٥) وسورة المؤمنون آية (١٣-١٤).
قوله تعالى (أليس ذلك بقادر على أن يحي الموتى)
قال ابن كثير: ثم قال (أليس ذلك بقادر على أن يحي الموتى) أي: أما هذا الذي أنشأ هذا الخلق السوي من هذه النطفة الضعيفة بقادر على أن يعيده كما بدأه؟ وتناول القدرة للإعادة إما بطريق الأولى بالنسبة إلى البداءة، وإما مساوية على قولين في قوله (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه) والأول أشهر كما تقدم في سورة الروم.
Icon