تفسير سورة السجدة

الدر المنثور
تفسير سورة سورة السجدة من كتاب الدر المنثور في التأويل بالمأثور المعروف بـالدر المنثور .
لمؤلفه السُّيوطي . المتوفي سنة 911 هـ
سورة السجدة
أخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت ( الم ) السجدة بمكة.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير، مثله.
وأخرج النحاس عن ابن عباس رضي الله عنها قال : نزلت سورة السجدة بمكة، سوى ثلاث آيات 'أفمن كان مؤمنا. . . )إلى تمام الآيات الثلاث.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة( الم تنزيل ) السجدة و( هل أتى على الإنسان ).
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة( بالم تنزيل )السجدة و( هل أتى على الإنسان ).
وأخرج البيهقي في سننه من حديث ابن مسعود، مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبوة داود والحاكم وصححه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فسجد، فظننا أنه قرأ﴿ الم تنزيل ﴾السجدة.
وأخرج أبو يعلى عن البراء رضي الله عنه قال : سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر، فظننا أنه قرأ ﴿ تنزيل ﴾ السجدة.
وأخرج أبو عبيد في فضائله وأحمد وعبد بن حميد والدارمي والترمذي والنسائي ولحاكم وصححه وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ ﴿ الم تنزيل ﴾ السجدة ( وتبارك الذي بيده الملك ).
وأخرج ابن نصر والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : من صلى أربع ركعات خلف العشاء الآخرة قرأ في الركعتين الأولتين( قل يا أيها الكافرون ) و( قل هو الله أحد ) وفي الركعتين الأخيرتين ( تبارك الذي بيده الملك ) و( الم تنزيل ) السجدة كتبت له كأربع ركعات من ليلة القدر.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ( تبارك الذي بيده الملك ) و ( الم تنزيل ) السجدة، بين المغرب والعشاء الآخرة فكأنما قام ليلة القدر.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرأ في ليلة﴿ الم تنزيل ﴾ السجدة و( يس ) و( اقتربت الساعة ) و( تبارك الذي بيده الملك ) كن له نورا وحرزا من الشيطان، ورفع في الدرجات إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن الضريس عن المسيب بن رافع رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :﴿ الم تنزيل ﴾ تجيء لها جناحان يوم القيامة، تظل صاحبها وتقول لا سبيل عليه لا سبيل عليه ".
وأخرج الدارمي عن خالد بن معدان رضي الله عنه قال : إقرأوا المنجية وهي﴿ الم تنزيل ﴾ فإنه بلغني أن رجلا كان يقرأها، ما هوى شيئا غيرها وكان كثير الخطايا، فنشرت جناحها عليه وقالت : رب اغفر له فإنه كان يكثر قراءتي، فشفعها الرب فيه وقال " اكتب له بكل خطيئة حسنة، وارفعوا له درجة ".
وأخرج الدارمي عن خالد بن معدان رضي الله عنه قال : إن﴿ الم تنزيل ﴾ تجادل عن صاحبها في القبر، تقول : اللهم إن كنت من كتابك فشفعني فيه، وإن أكن من كتابك فاحمني منه، وإنها تكون كالطير تجعل جناحها عليه، فتشفع له، فتمنعه من عذاب القبر، وفي( تبارك ) مثله. فكان خالد رضي الله عنه لا يبيت حتى يقرأ بهما.
وأخرج الدارمي وابن الضريس عن كعب رضي الله عنه قال : من قرأ في ليلة ﴿ الم تنزيل ﴾ السجدة و﴿ تبارك الذي بيده الملك ﴾ كتب له سبعون حسنة، وحط عنه سبعون سيئة، ورفع له سبعون درجة.
وأخرج الدارمي والترمذي وابن مردويه عن طاوس رضي الله عنه قال ﴿ الم تنزيل ﴾ و﴿ تبارك الذي بيده الملك ﴾ تفضلان على كل سورة في القرآن بستين حسنة.
وأخرج ابن مردويه عن طاوس رضي الله تعالى عنه أنه كان يقرأ﴿ الم تنزيل ﴾ السجدة و﴿ تبارك الذي بيده الملك ﴾في صلاة العشاء وصلاة الفجر، كل يوم وليلة، في السفر والحضر ويقول : من قرأهما كتب له بكل آية سبعون حسنة فضلا عن سائر القرآن، ومحيت عنه سبعون سيئة، ورفعت له سبعون درجة.
وأخرج ابن الضريس عن يحيى بن أبي كثير قال : كان طاوس رضي الله تعالى عنه لا ينام حتى يقرأ هاتين السورتين ﴿ تنزيل ﴾ و﴿ تبارك ﴾ وكان يقول : كل آية منهما تشفع ستين آية، يعني تعدل ستين آية.
وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق من طريق حاتم بن محمد عن طاوس رضي الله عنه قال : ما على الأرض رجل يقرأ﴿ الم تنزيل ﴾ السجدة﴿ وتبارك الذي بيده الملك ﴾ في لية إلا كتب الله له مثل أجر ليلة القدر قال حاتم رضي الله عنه : فذكرت ذلك لعطاء رضي الله عنه فقال : صدق طاوس والله ما تركتهن منذ سمعت بهن إلا أكون مريضا.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه قال : عزائم سجود القرآن﴿ الم تنزيل ﴾ السجدة﴿ وحم تنزيل ﴾ السجدة ﴿ والنجم ﴾ و﴿ اقرأ باسم ربك الذي خلق ﴾.
وأخرج أحمد ومسلم وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر في الركعتين الأولتين قدر ثلاثين آية. قدر قراءة ﴿ تنزيل ﴾ السجدة.
وأخرج عبد الرزاق عن أبي العالية رضي الله تعالى عنه قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رمقوه في الظهر، فحزروا قراءته في الركعة الأولى من الظهر ﴿ تنزيل ﴾ السجدة.

- الم تَنْزِيل الْكتاب لَا ريب فِيهِ من رب الْعَالمين أم يَقُولُونَ افتراه بل هُوَ الْحق من رَبك لتنذر قوما مَا أَتَاهُم من نَذِير من قبلك لَعَلَّهُم يَهْتَدُونَ الله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي
536
سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش مَا لكم من دونه من ولي وَلَا شَفِيع أَفلا تذكرُونَ
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قَوْله ﴿لتنذر قوما﴾ قَالَ: قُرَيْش ﴿مَا أَتَاهُم من نَذِير من قبلك﴾ قَالَ: لم يَأْتهمْ وَلَا آياءهم لم يَأْتِ الْعَرَب رَسُول من الله عز وَجل
537
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله تعالى عنه في قوله ﴿ لتنذر قوماً ﴾ قال : قريش ﴿ ما أتاهم من نذير من قبلك ﴾ قال : لم يأتهم ولا آباءهم، لم يأت العرب رسول من الله عز وجل.
- قَوْله تَعَالَى: يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة مِمَّا تَعدونَ ذَلِك عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الْعَزِيز الرَّحِيم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله ﴿يدبر الْأَمر﴾ قَالَ: ينحدر الْأَمر ﴿من السَّمَاء إِلَى الأَرْض﴾ ويصعد من الأَرْض إِلَى السَّمَاء فِي يَوْم وَاحِد مِقْدَاره ألف سنة فِي السّير خَمْسمِائَة حِين ينزل وَخَمْسمِائة حِين يعرج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قَوْله ﴿يدبر الْأَمر﴾ الْآيَة
قَالَ: ينزل الْأَمر من السَّمَاء الدُّنْيَا إِلَى الأَرْض الْعليا ثمَّ يعرج إِلَى مِقْدَار يَوْم لَو ساره النَّاس ذَاهِبين وجائين لساروا ألف سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله ﴿يدبر الْأَمر﴾ قَالَ: هَذَا فِي الدُّنْيَا
تعرج الْمَلَائِكَة فِي يَوْم مِقْدَاره ألف سنة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿يدبر الْأَمر﴾ الْآيَة
قَالَ: تعرج الْمَلَائِكَة وتهبط فِي يَوْم مِقْدَاره ألف سنة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله ﴿يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة﴾ قَالَ: من الْأَيَّام السِّتَّة الَّتِي خلق الله فِيهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي
537
فِي الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن أبي مليكَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: دخلت على ابْن عَبَّاس أَنا وَعبد الله بن فَيْرُوز مولى عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ فَيْرُوز: يَا أَبَا عَبَّاس قَوْله ﴿يدبر الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ثمَّ يعرج إِلَيْهِ فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة﴾ فَكَأَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا اتهمه فَقَالَ: مَا يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة فَقَالَ: إِنَّمَا سَأَلتك لتخبرني فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: هما يَوْمَانِ ذكرهمَا الله فِي كِتَابه الله أعلم بهما وأكره أَن أَقُول فِي كتاب الله مَا لَا أعلم فَضرب الدَّهْر من ضرباته حَتَّى جَلَست إِلَى ابْن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ فَسَأَلَهُ عَنْهَا انسان فَلم يخبر وَلم يدر فَقلت: أَلا أخْبرك بِمَا أحضرت من ابْن عَبَّاس قَالَ: بلَى
فَأَخْبَرته فَقَالَ للسَّائِل: هَذَا ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَبى أَن يَقُول فِيهَا وَهُوَ أعلم مني
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله ﴿كَانَ مِقْدَاره ألف سنة﴾ قَالَ: لَا ينتصف النَّهَار فِي مِقْدَار يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا فِي ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يقْضِي بَين الْعباد فَينزل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار وَلَو كَانَ إِلَى غَيره لم يفرغ من ذَلِك خمسين ألف سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ﴿فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره ألف سنة﴾ يَعْنِي بذلك نزُول الْأَمر من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وَمن الأَرْض إِلَى السَّمَاء فِي يَوْم وَاحِد وَذَلِكَ مِقْدَار ألف سنة لِأَن مَا بَين السَّمَاء إِلَى الأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْآيَة يَقُول: مِقْدَار مسيرَة فِي ذَلِك الْيَوْم ﴿ألف سنة مِمَّا تَعدونَ﴾ وَمن أيامكم من أَيَّام الدُّنْيَا بِخَمْسِمِائَة نُزُوله وَخَمْسمِائة صُعُوده فَذَلِك ألف سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ﴿ثمَّ يعرج إِلَيْهِ فِي يَوْم﴾ من أيامكم هَذِه ومسيرة مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ ﴿ألف سنة مِمَّا تَعدونَ﴾ قَالَ: من أَيَّام الدُّنْيَا
وَالله أعلم
538
- قَوْله تَعَالَى: الَّذِي أحسن كل شَيْء خلقه وَبَدَأَ خلق الإِنسان من طين ثمَّ جعل نَسْله من سلالة من مَاء مهين ثمَّ سواهُ وَنفخ فِيهِ من روحه وَجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة قَلِيلا مَا تشكرون وَقَالُوا أإذا ضللنا فِي الأَرْض أإنا لفي خلق جَدِيد بل هم بلقاء رَبهم كافرون
أخرج ابْن أبي شيبَة والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ يَقْرَأها ﴿الَّذِي أحسن كل شَيْء خلقه﴾ قَالَ: أما رَأَيْت القردة لَيست بحسنة وَلكنه أحكم خلقهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله ﴿أحسن كل شَيْء خلقه﴾ قَالَ: اما إِن آست القردة لَيْسَ بحسنة وَلكنه أحكم خلقهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله ﴿أحسن كل شَيْء خلقه﴾ قَالَ: صورته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله ﴿أحسن كل شَيْء خلقه﴾ فَجعله الْكَلْب فِي خلقه حسنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿أحسن كل شَيْء خلقه﴾ قَالَ: أحسن بِخلق كل شَيْء الْقَبِيح وَالْحسن والحيات والعقارب وكل شَيْء مِمَّا خلق وَغَيره لَا يحسن شَيْئا من ذَلِك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿أحسن كل شَيْء خلقه﴾ قَالَ: اتقن
لم يركب الإِنسان فِي صُورَة الْحمار وَلَا الْحمار فِي صُورَة الإِنسان
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَيْنَمَا نَحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ لحقنا عَمْرو بن زُرَارَة الْأنْصَارِيّ فِي حلَّة قد أسبل فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَاحِيَة ثَوْبه فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أخمش السَّاقَيْن فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَمْرو بن زُرَارَة إِن الله أحسن كل شَيْء خلقه يَا عَمْرو بن زُرَارَة إِن الله لَا يحب المسبلين
539
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن الشريد بن سُوَيْد رَضِي الله عَنهُ قَالَ أبْصر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا قد أسبل ازاره فَقَالَ لَهُ: ارْفَعْ ازارك فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أحنف: تصطك ركبتاي قَالَ: ارْفَعْ ازارك كل خلق الله حسن
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿وَبَدَأَ خلق الإِنسان من طين﴾ قَالَ: آدم ﴿ثمَّ جعل نَسْله﴾ قَالَ: وَلَده ﴿من سلالة﴾ من بني آدم ﴿من مَاء مهين﴾ قَالَ: ضَعِيف نُطْفَة الرجل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿جعل نَسْله﴾ قَالَ: ذُريَّته ﴿من سلالة﴾ هِيَ المَاء ﴿ثمَّ سواهُ﴾ يَعْنِي ذُريَّته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿من سلالة﴾ قَالَ: مَاء يسل من الإِنسان ﴿من مَاء مهين﴾ قَالَ: ضَعِيف
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قَوْله ﴿أئذا ضللنا﴾ قَالَ: هلكنا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سمع ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول ﴿أئذا ضللنا فِي الأَرْض أئنا لفي خلق جَدِيد﴾ كَيفَ نعاد وَنَرْجِع كَمَا كُنَّا وأخبرت أَن الَّذِي قَالَ ﴿أئذا ضللنا﴾ أبي بن خلف
540
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله ﴿ وبدأ خلق الإِنسان من طين ﴾ قال : آدم. ﴿ ثم جعل نسله ﴾ قال : ولده ﴿ من سلالة ﴾ من بني آدم ﴿ من ماء مهين ﴾ قال : ضعيف نطفة الرجل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ جعل نسله ﴾ قال : ذريته ﴿ من سلالة ﴾ هي الماء ﴿ ثم سواه ﴾ يعني ذريته.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ من سلالة ﴾ قال : ماء يسل من الإِنسان ﴿ من ماء مهين ﴾ قال : ضعيف.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله تعالى عنه في قوله ﴿ أئذا ضللنا ﴾ قال : هلكنا.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول ﴿ أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد ﴾ كيف نعاد ونرجع كما كنا ؟ وأخبرت أن الذي قال ﴿ أئذا ضللنا ﴾ أبيُّ بن خلف.
- قَوْله تَعَالَى: قل يتوفاكم ملك الْمَوْت الَّذِي وكل بكم ثمَّ إِلَى ربكُم ترجعون
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن نفسين اتّفق مَوْتهمَا فِي طرفَة عين
وَاحِد فِي الْمشرق وَوَاحِد فِي الْمغرب
كَيفَ قدره ملك الْمَوْت عَلَيْهِمَا
قَالَ: مَا قدرَة ملك الْمَوْت على أهل الْمَشَارِق والمغارب والظلمات والهواء والبحور إِلَّا كَرجل بَين يَدَيْهِ مائدة يتَنَاوَل من أَيهَا شَاءَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل يَا رَسُول الله ملك الْمَوْت وَاحِد والزحفان يَلْتَقِيَانِ من الْمشرق وَالْمغْرب وَمَا بَينهمَا من السقط
540
والهلاك فَقَالَ: إِن الله حوى الدُّنْيَا لملك الْمَوْت حَتَّى جعلهَا كالطست بَين يَدي أحدكُم فَهَل يفوتهُ مِنْهَا شَيْء
وَأخرج ابْن جرير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ملك الْمَوْت الَّذِي يتوفى الْأَنْفس كلهَا وَقد سلط على مَا فِي الأَرْض كَمَا سلط أحدكُم على مَا فِي رَاحَته مَعَه مَلَائِكَة من مَلَائِكَة الرَّحْمَة وملائكة من مَلَائِكَة الْعَذَاب فَإِذا توفى نفسا طيبَة دَفعهَا إِلَى الْمَلَائِكَة الرَّحْمَة وَإِذا توفّي خبيثة دَفعهَا إِلَى مَلَائِكَة الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَا: لما اتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا سَأَلَ ملك الْمَوْت ربه أَن يَأْذَن لَهُ فيبشر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بذلك فَأذن لَهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: يَا ملك الْمَوْت أَرِنِي كَيفَ تقبض أنفاس الْكفَّار قَالَ: يَا إِبْرَاهِيم لَا تطِيق ذَلِك قَالَ: بلَى
قَالَ: فاعرض إِبْرَهِيمُ ثمَّ نظر إِلَيْهِ فَإِذا بِرَجُل أسود ينَال رَأسه السَّمَاء يخرج من فِيهِ لَهب النَّار لَيْسَ من شَعْرَة فِي جسده إِلَّا فِي صُورَة رجل يخرج من فِيهِ ومسامعه لَهب النَّار فَغشيَ على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ أَفَاق وَقد تحوّل ملك الْمَوْت فِي الصُّورَة الأولى فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت لَو لم يلق الْكَافِر من الْبلَاء والحزن إِلَّا صُورَتك لكفاه فأرني كَيفَ تقبض أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ قَالَ: أعرض فَأَعْرض ثمَّ الْتفت فَإِذا هُوَ بِرَجُل شَاب أحسن النَّاس وَجها وأطيبه فِي ثِيَاب بيض فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت لَو لم ير الْمُؤمن عِنْد مَوته من قُرَّة الْعين والكرامة إِلَّا صُورَتك هَذِه لَكَانَ يَكْفِيهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن مَنْدَه كِلَاهُمَا فِي الصَّحَابَة عَن الْخَزْرَج سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: وَنظر إِلَى ملك الْمَوْت عِنْد رَأس رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت أرْفق بصاحبي فَإِنَّهُ مُؤمن فَقَالَ ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام: طب نفسا وقر عينا واعمل بِأَنِّي بِكُل مُؤمن رَفِيق وَاعْلَم يَا مُحَمَّد إِنِّي لأقبض روح ابْن آدم فَإِذا صرخَ صارخ قُمْت فِي الدَّار وَمَعِي روحه فَقلت: مَا هَذَا الصَّارِخ وَالله مَا ظلمناه وَلَا سبقنَا أَجله وَلَا استعجلنا قدره ومالنا فِي قَبضه من ذَنْب فَإِن ترضوا بِمَا صنع الله تؤجروا وَأَن تسخطوا تأثموا وتؤزروا وَإِن لنا عنْدكُمْ عودة بعد عودة فالحذر فالحذر وَمَا من أهل بَيت شعر وَلَا مدر بر وَلَا فَاجر سهل وَلَا
541
جبل إِلَّا أَنا أتصفحهم فِي كل يَوْم وَلَيْلَة حَتَّى أَنا لاعرف بصغيرهم وَكَبِيرهمْ مِنْهُم بِأَنْفسِهِم وَالله لَو أردْت أَن أَقبض روح بعوضة مَا قدرت على ذَلِك حَتَّى يكون الله هُوَ يَأْذَن بقبضها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أَشْعَث بن شُعَيْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ملك الْمَوْت واسْمه عزرائيل وَله عينان فِي وَجهه وَعين فِي قَفاهُ فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت مَا تصنع إِذا كَانَت نفس بالمشرق وَنَفس بالمغرب وَوضع الوباء بِأَرْض والتقى الزحفان كَيفَ تصنع قَالَ أَدْعُو الْأَرْوَاح بِإِذن الله فَتكون بَين أُصْبُعِي هَاتين
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الْحِيلَة عَن شهر بن حَوْشَب رَضِي الله تعلى عَنهُ قَالَ: ملك الْمَوْت جَالس وَالدُّنْيَا بَين رُكْبَتَيْهِ واللوح الَّذِي آجال بني آدم بَين يَدَيْهِ وَبَين يَدَيْهِ مَلَائِكَة قيام وَهُوَ يعرض اللَّوْح لَا يطرف فَإِذا أَتَى على أجل عبد قَالَ: اقبضوا هَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن خَيْثَمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: اتى ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ لَهُ صديقا فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: مَا لَك تَأتي أهل الْبَيْت فتقبضهم جَمِيعًا وَتَدَع أهل الْبَيْت إِلَى جنبهم لَا تقبض مِنْهُم أحد قَالَ: لَا أعلم بِمَا أَقبض مِنْهَا إِثْمًا أكون تَحت الْعَرْش فَيلقى إليّ صكاك فِيهَا أَسمَاء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَنه يُقَال لملك الْمَوْت اقبض فلَانا فِي وَقت كَذَا فِي يَوْم كَذَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد فِي الزّهْد وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا من أهل بَيت الا يتصفحهم ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام فِي كل يَوْم خمس مَرَّات هَل مِنْهُم أحد أَمر بِقَبْضِهِ
وَأخرج جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: وكل ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام بِقَبض أَرْوَاح الْآدَمِيّين فَهُوَ الَّذِي يَلِي قبض أَرْوَاحهم وَملك فِي الْجِنّ وَملك فِي الشَّيَاطِين وَملك فِي الطير والوحش وَالسِّبَاع وَالْحِيتَان والنمل فهم أَرْبَعَة أَمْلَاك وَالْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام يموتون فِي
542
الصعقة الأولى وَإِن ملك الْمَوْت يَلِي قبض أَرْوَاحهم ثمَّ يَمُوت
فَأَما الشُّهَدَاء فِي الْبَحْر فَإِن الله يَلِي قبض أَرْوَاحهم لَا يكل ذَلِك إِلَى ملك الْمَوْت لكرامتهم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله وكل ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام بِقَبض الْأَرْوَاح إِلَّا شُهَدَاء الْبَحْر فَإِنَّهُ يتَوَلَّى قبض أَرْوَاحهم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والمروزي فِي الْجَنَائِز وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الشعْثَاء جَابر بن زيد رَضِي الله عَنهُ
أَن ملك الْمَوْت كَانَ يقبض الْأَرْوَاح بِغَيْر وجع فَسَبهُ النَّاس ولعنوه فَشَكا إِلَى ربه فَوضع الله الأوجاع وَنسي ملك الْمَوْت
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن الْأَعْمَش رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام يظْهر للنَّاس
فَيَأْتِي للرجل فَيَقُول: اقْضِ حَاجَتك فَإِنِّي أُرِيد أَن أَقبض روحك فَشَكا فَأنْزل الدَّاء وَجعل الْمَوْت خُفْيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خطْوَة ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رجل من الْأَنْصَار يعودهُ فَإِذا ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد رَأسه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا ملك الْمَوْت أرْفق بصاحبي فَإِنَّهُ مُؤمن آدم فيصرخ أَهله فأقوم فِي جَانب من الدَّار فَأَقُول: وَالله مَا لي من ذَنْب وَإِن لي لعودة وعودة الحذر الحذر وَمَا خلق الله من أهل بَيت وَلَا مدر وَلَا شعر وَلَا وبر فِي بر وَلَا بَحر إِلَّا وَأَنا أتصفحهم فِي كل يَوْم وَلَيْلَة خمس مَرَّات حَتَّى أَنِّي لأعرف بصغيرهم وَكَبِيرهمْ مِنْهُم بِأَنْفسِهِم وَالله يَا مُحَمَّد إِنِّي لَا أقدر أَقبض روح بعوضة حَتَّى يكون الله تبَارك وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي يَأْمر بِقَبْضِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ ﴿قل يتوفاكم ملك الْمَوْت﴾ قَالَ: ملك الْمَوْت يتوفاكم وَله أعوان من الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ ﴿قل يتوفاكم ملك الْمَوْت﴾ قَالَ: حويت لَهُ الأَرْض فَجعلت لَهُ مثل طست يتَنَاوَل مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء
543
- قَوْله تَعَالَى: وَلَو ترى إِذْ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عِنْد رَبهم رَبنَا أبصرنا وَسَمعنَا فارجعنا نعمل صَالحا انا موقنون وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها وَلَكِن حق القَوْل مني لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فَذُوقُوا بِمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا إِنَّا نسيناكم وذوقوا عَذَاب الْخلد بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ إِنَّمَا يُؤمن بِآيَاتِنَا الَّذين إِذا ذكرُوا بهَا خروا سجدا وسبحوا بِحَمْد رَبهم وهم لَا يَسْتَكْبِرُونَ
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿وَلَو ترى إِذْ المجرمون ناكسو رؤوسهم عِنْد رَبهم رَبنَا أبصرنا وَسَمعنَا﴾ قَالَ: أبصروا حِين لم يَنْفَعهُمْ الْبَصَر وسمعوا حِين لم يَنْفَعهُمْ السّمع
وَفِي قَوْله ﴿وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها﴾ قَالَ: لَو شَاءَ الله لهدى النَّاس جَمِيعًا وَلَو شَاءَ الله أنزل عَلَيْهِمَا من السَّمَاء آيَة ﴿فظلت أَعْنَاقهم لَهَا خاضعين﴾ الشُّعَرَاء الْآيَة ٤
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الله يعْتَذر إِلَى آدم يَوْم الْقِيَامَة بِثَلَاثَة معاذير
يَقُول: يَا آدم لَوْلَا أَنِّي لعنت الْكَذَّابين وَأبْغض الْكَذِب وَالْخلف وأعذب عَلَيْهِ لرحمت الْيَوْم ذريتك أَجْمَعِينَ من شدَّة مَا أَعدَدْت لَهُم من الْعَذَاب وَلَكِن حق القَوْل مني لمن كذب رُسُلِي وَعصى أَمْرِي ﴿لأملأن جَهَنَّم مِنْكُم أَجْمَعِينَ﴾ الْأَعْرَاف الْآيَة ١٨ وَيَقُول: يَا آدم إِنِّي لَا أَدخل أحدا من ذريتك النَّار وَلَا أعذب أحدا مِنْهُم بالنَّار إِلَّا من قد علمت فِي سَابق علمي أَنِّي لَو رَددته إِلَى الدُّنْيَا لعاد إِلَى شَرّ مِمَّا كَانَ فِيهِ لم يُرَاجع وَلم يعتب وَيَقُول لَهُ: يَا آدم قد جعلتك الْيَوْم حكما بيني وَبَين ذريتك قُم عِنْد الْمِيزَان فَانْظُر مَا يرفع إِلَيْك من أَعْمَالهم فَمن رجح مِنْهُم خَيره على شَره مِثْقَال ذرة فَلهُ الْجنَّة حَتَّى تعلم أَنِّي لَا أَدخل النَّار الْيَوْم مِنْهُم إِلَّا ظَالِما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿فَذُوقُوا بِمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا﴾ قَالَ: تركْتُم أَن تعملوا للقاء يومكم هَذَا
544
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ ﴿فَذُوقُوا بِمَا نسيتم﴾ قَالَ: الْيَوْم نترككم فِي النَّار كَمَا تركْتُم أَمْرِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله ﴿إِنَّا نسيناكم﴾ قَالَ: تركناكم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن الصَّلَوَات الْخمس ﴿إِنَّمَا يُؤمن بِآيَاتِنَا الَّذين إِذا ذكرُوا بهَا خروا سجدا﴾ أَي أتوها ﴿وسبحوا﴾ أَي صلوا بِأَمْر رَبهم ﴿وهم لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عَن اتيان الصَّلَوَات فِي الْجَمَاعَات
545
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٢:أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله ﴿ ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا ﴾ قال : أبصروا حين لم ينفعهم البصر، وسمعوا حين لم ينفعهم السمع. وفي قوله ﴿ ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ﴾ قال : لو شاء الله لهدى الناس جميعاً، ولو شاء الله أنزل عليهم من السماء آية ﴿ فظلت أعناقهم لها خاضعين ﴾ [ الشعراء : ٤ ].

وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « إن الله يعتذر إلى آدم يوم القيامة بثلاثة معاذير. يقول : يا آدم لولا أني لعنت الكذابين، وأبغض الكذب والخلف، وأعذب عليه لرحمت اليوم ذريتك أجمعين من شدة ما أعددت لهم من العذاب، ولكن حق القول مني لمن كذب رسلي، وعصى أمري ﴿ لأملأن جهنم منكم أجمعين ﴾ [ الأعراف : ١٨ ] ويقول : يا آدم إني لا أدخل أحداً من ذريتك النار، ولا أعذب أحداً منهم بالنار إلا من قد علمت في سابق علمي أني لو رددته إلى الدنيا لعاد إلى شر مما كان فيه لم يراجع ولم يعتب، ويقول له : يا آدم قد جعلتك اليوم حكماً بيني وبين ذريتك، قم عند الميزان، فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم، فمن رجح منهم خيره على شره مثقال ذرة، فله الجنة حتى تعلم أني لا أدخل النار اليوم منهم إلا ظالماً ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله ﴿ فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ﴾ قال : تركتم أن تعملوا للقاء يومكم هذا.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الضحاك رضي الله عنه ﴿ فذوقوا بما نسيتم. . ﴾ قال : اليوم نترككم في النار كما تركتم أمري.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ﴿ إنا نسيناكم ﴾ قال : تركناكم.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت هذه الآية في شأن الصلوات الخمس ﴿ إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً ﴾ أي أتوها ﴿ وسبحوا ﴾ أي صلوا بأمر ربهم ﴿ وهم لا يستكبرون ﴾ عن إتيان الصلوات في الجماعات.
- قَوْله تَعَالَى: تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع يدعونَ رَبهم خوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ
أخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن هَذِه الْآيَة ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ نزلت فِي انْتِظَار الصَّلَاة الَّتِي تدعى الْعَتَمَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ قَالَ: كَانُوا لَا ينامون حَتَّى يصلوا الْعشَاء
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ نزلت ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ فِي صَلَاة الْعشَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نجتنب الْفرش قبل صَلَاة الْعشَاء
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَابْن جرير عَن أبي سَلمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ فِي صَلَاة الْعَتَمَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاقِدًا قبل الْعشَاء وَلَا متحدثاً بعْدهَا فَإِن هَذِه الْآيَة نزلت فِي ذَلِك ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾
545
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت فِينَا معاشر الْأَنْصَار كُنَّا نصلي الْمغرب فَلَا نرْجِع إِلَى رحالنا حَتَّى نصلي الْعشَاء مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت فِينَا ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ قَالَ: هم الَّذِي لَا ينامون قبل الْعشَاء فَأثْنى عَلَيْهِم فَلَمَّا ذكر ذَلِك جعل الرجل يعتزل فرَاشه مَخَافَة أَن تغلبه عينه فوقتها قبل أَن ينَام الصَّغِير ويكسل الْكَبِير
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ قَالَ: أنزلت فِي صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينامون حَتَّى يصلوها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَمُحَمّد بن نصر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ قَالَ: كَانُوا ينتظرون مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء يصلونَ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه عَن مَالك بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن هَذِه الْآيَة ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ قَالَ: كَانَ قوم من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين يصلونَ الْمغرب وَيصلونَ بعْدهَا إِلَى عشَاء الْآخِرَة فَنزلت هَذِه الْآيَة فيهم
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن بِلَال رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نجلس فِي الْمجْلس وناس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصلونَ الْمغرب إِلَى الْعشَاء فَنزلت ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن الْمُنْكَدر وَأبي حَازِم فِي قَوْله ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ قَالَا: هِيَ مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء صَلَاة الْأَوَّابِينَ
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن عبد الله بن عِيسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ نَاس من الْأَنْصَار يصلونَ مَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء فَنزلت فيهم ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾
546
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ قَالَ قيام العَبْد من اللَّيْل
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فاصبحت يَوْمًا قَرِيبا مِنْهُ وَنحن نسير فَقلت: يَا نَبِي الله اخبرني بِعَمَل يدخلني الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي عَن النَّار قَالَ لقد سَأَلت عَن عَظِيم وانه الْيَسِير على من يسره الله عَلَيْهِ
تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج الْبَيْت ثمَّ قَالَ: أَلا أدلك على أَبْوَاب الْخَيْر الصَّوْم جنَّة وَالصَّدَََقَة تطفىء الْخَطِيئَة وَصَلَاة الرجل فِي جَوف اللَّيْل ثمَّ قَرَأَ ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ حَتَّى بلغ ﴿يعْملُونَ﴾ ثمَّ قَالَ: أَلا أخْبرك بِرَأْس الْأَمر وعموده وذروة سنامه فَقلت: بلَى يَا رَسُول الله قَالَ: رَأس الْأَمر الإِسلام وعموده الصَّلَاة وذروة سنامه الْجِهَاد ثمَّ قَالَ أَلا أخْبرك بملاك ذَلِك كُله فَقلت: بلَى يَا نَبِي الله فَأخذ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: كف عَنْك هَذَا فَقلت: يَا رَسُول الله وانا لمؤاخذون بِمَا نتكلم بِهِ فَقَالَ: ثكلتك أمك يَا معَاذ
وَهل يُكِبُّ النَّاس فِي النَّار على وُجُوههم إِلَّا حصائد ألسنتهم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيام اللَّيْل فَفَاضَتْ عَيناهُ حَتَّى تحادرت دُمُوعه فَقَالَ ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله أَخْبرنِي بِعَمَل أهل الْجنَّة قَالَ: قد سَأَلت عَن عَظِيم وَإنَّهُ ليسير على من يسره الله عَلَيْهِ
تعبد الله لَا تشرك بِهِ شَيْئا وَتُؤَدِّي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة - وَلَا أَدْرِي ذكر الزَّكَاة أم لَا - وَإِن شِئْت أَنْبَأتك بِرَأْس هَذَا الْأَمر وعموده وذروة سنامه رَأسه الإِسلام من أسلم سلم وعموده الصَّلَاة وذروة سنامه الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَالصِّيَام جنَّة وَالصَّدَََقَة تمحو الْخَطِيئَة وَصَلَاة الرجل فِي جَوف اللَّيْل ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾
547
قَالَ: كَانَت لَا تمر عَلَيْهَا لَيْلَة إِلَّا أخذُوا مِنْهَا بحظ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن نصر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ قَالَ: يقومُونَ فيصلون بِاللَّيْلِ
وَأخرج ابْن نصر وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ قَالَ: قيام اللَّيْل
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد من طَرِيق أبي عبد الله الجدلي عَن عبَادَة بن الصَّامِت عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا حشر النَّاس نَادَى مُنَاد: هَذَا يَوْم الْفَصْل أَيْن الَّذين ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ أَيْن الَّذين ﴿يذكرُونَ الله قيَاما وقعوداً وعَلى جنُوبهم﴾ آل عمرَان الْآيَة ١٩١ ثمَّ يخرج عنق من النَّار فَيَقُول: أمرت بِثَلَاث
بِمن جعل مَعَ الله إِلَهًا آخر
وَبِكُل جَبَّار عنيد
وَبِكُل مُعْتَد لأَنا أعرف بِالرجلِ من الْوَالِد بولده والمولود بوالده وَيُؤمر بفقراء الْمُسلمين إِلَى الْجنَّة فيحسبون فَيَقُولُونَ: تحسبونا مَا كَانَ لنا أَمْوَال وَلَا كُنَّا أُمَرَاء
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع يدعونَ رَبهم خوفًا وَطَمَعًا﴾ قَالَ: هم قوم لَا يزالوان يذكرُونَ الله إِمَّا فِي الصَّلَاة وَإِمَّا قيَاما واما قعُودا وَإِمَّا إِذا استيقظوا من منامهم
هم قوم لَا يزالون يذكرُونَ الله تَعَالَى
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ربيعَة الجرشِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يجمع الله الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة فِي صَعِيد وَاحِد فيكونون مَا شَاءَ الله أَن يَكُونُوا فينادي مُنَاد
سَيعْلَمُ أهل الْجمع لمن الْعِزّ الْيَوْم وَالْكَرم ليقمْ الَّذين ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع يدعونَ رَبهم خوفًا وَطَمَعًا﴾ فَيقومُونَ وَفِيهِمْ قلَّة ثمَّ يلبث مَا شَاءَ الله أَن يلبث ثمَّ يعود فينادي سَيعْلَمُ أهل الْجمع لمن الْعِزّ وَالْكَرم ليقمْ الَّذين ﴿لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله﴾ النُّور الْآيَة ٣٧ فَيقومُونَ وهم أَكثر من الْأَوَّلين ثمَّ يلبث مَا شَاءَ الله أَن يلبث ثمَّ يعود وينادي: سَيعْلَمُ أهل الْجمع لمن الْعِزّ الْيَوْم وَالْكَرم ليقمْ الْحَمَّادُونَ لله على كل حَال فَيقومُونَ وهم أَكثر من الْأَوَّلين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ يَقُول: تَتَجَافَى لذكر الله كلما استيقظوا ذكرُوا الله
اما فِي الصَّلَاة
548
وَإِمَّا فِي قيام أَو قعُود أَو على جنُوبهم فهم لَا يزالون يذكرُونَ الله
549
- قَوْله تَعَالَى: فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ
أخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ ﴿فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين﴾
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ ﴿فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين﴾
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ عرش الله على المَاء فَاتخذ جنَّة لنَفسِهِ ثمَّ اتخذ دونهَا أُخْرَى ثمَّ أطبقهما لؤلؤة وَاحِدَة ثمَّ قَالَ: وَمن دونهمَا جنتان لم يعلم الْخلق مَا فيهمَا وَهِي الَّتِي قَالَ الله ﴿فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ﴾ يَأْتِيهم فِيهَا كل يَوْم تحفة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والطبراين وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّه لمكتوب فِي التَّوْرَاة (لقد أعد الله للَّذين تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع مَا لم ترَ عين وَلم تسمع أذن وَلم يخْطر على قلب بشر وَلَا يعلم ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل وَإنَّهُ لفي الْقُرْآن ﴿فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين﴾ )
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وهناد كِلَاهُمَا فِي الزّهْد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن الْأَنْبَارِي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ الله تَعَالَى: أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشرن قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: اقرؤا إِن شِئْتُم ﴿فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين﴾
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَامر بن عبد الْوَاحِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي إِن
549
الرجل من أهل الْجنَّة يمْكث فِي مَكَانَهُ سبعين سنة ثمَّ يلْتَفت فَإِذا هُوَ بِامْرَأَة أحسن مِمَّا كَانَ فِيهِ فَتَقول لَهُ: قد آن لَك أَن يكون لنا مِنْك نصيب
فَيَقُول: من أَنْت فَتَقول: أَنا مزِيد فيمكث مَعهَا سبعين سنة ويلتفت فَإِذا هُوَ بِامْرَأَة أحسن مِمَّا كَانَ فِيهِ فَتَقول: قد آن لَك أَن يكون لنا مِنْك نصيب فَيَقُول: من أَنْت فَتَقول: أَنا الَّذِي قَالَ الله ﴿فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين﴾
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الرجل من أهل الْجنَّة ليجيء فيشرف عَلَيْهِ النِّسَاء فيقلن: يَا فلَان بن فلَان مَا أَنْت حِين خرجت من عندنَا بِأولى بك منا فَيَقُول: من أنتن فيقلن: نَحن من اللَّاتِي قَالَ الله ﴿فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ﴾
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يدْخلُونَ عَلَيْهِم على مِقْدَار كل يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا ثَلَاث مَرَّات مَعَهم التحف من الله من جنَّات عدن مِمَّا لَيْسَ فِي جناتهم
وَذَلِكَ قَوْله ﴿فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين﴾
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب قَالَ: سأصف لكم منزل الرجل من أهل الْجنَّة كَانَ يطْلب فِي الدُّنْيَا حَلَالا وَيَأْكُل حَلَالا حَتَّى لَقِي الله على ذَلِك فَإِنَّهُ يعْطى يَوْم الْقِيَامَة قصراً من لؤلؤة وَاحِدَة لَيْسَ فِيهَا صدع وَلَا وصل فِيهَا سَبْعُونَ ألف غرفَة وأسفل الغرف سَبْعُونَ ألف بَيت فِي كل بَيت سقفه صَفَائِح الذَّهَب وَالْفِضَّة لَيْسَ بموصول وَلَوْلَا أَن الله سخر لَهُ النّظر إِلَيْهِ لذهب بَصَره من نوره عرض الْحَائِط اثْنَا عشر ميلًا وَطوله فِي السَّمَاء سَبْعُونَ ميلًا فِي كل بَيت سَبْعُونَ ألف بَاب يدْخل عَلَيْهِ فِي كل بَيت من كل بَاب سَبْعُونَ ألف خَادِم لَا يراهم من فِي هَذَا الْبَيْت وَلَا من فِي هَذَا الْبَيْت فَإِذا خرج فِي قصره صَار فِي ملكه مثل عمر الدُّنْيَا يسير فِي ملكه عَن يَمِينه وَعَن يسَاره وَمن وَرَائه وأزواجه مَعَه وَلَيْسَ مَعَه ذكر غَيره وَمن بَين يَدَيْهِ مَلَائِكَة قد سخروا لَهُ بَينه وَبَين أَزوَاجه ستر وَبَين يَدَيْهِ ستر ووصفاء ووصائف قد أفهموا مَا يَشْتَهِي أَزوَاجه وَلَا يَمُوت هُوَ وَلَا أَزوَاجه وَلَا خُدَّامه أبدا نعيمهم يزْدَاد كل يَوْم من غير أَن يبْلى الأول وقرة عين لَا تَنْقَطِع أبدا لَا يدْخل عَلَيْهِ فِيهِ روعة أبدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
550
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن آخر أهل الْجنَّة رجلا أضَاف آدم فَمن دونه وَوضع لَهُم طَعَاما وَشَرَابًا حَتَّى يخرجُوا من عِنْده لَا ينقصهُ ذَلِك مِمَّا أعطَاهُ الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة من طَرِيق أبي صَخْر عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ: بَيْنَمَا نَحن عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يصف الْجنَّة حَتَّى انْتهى ثمَّ قَالَ فيهمَا مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر ثمَّ قَرَأَ ﴿تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع﴾ قَالَ أَبُو صَخْر: فَذَكرته للقرظي فَقَالَ: إِنَّهُم أخفوا عملا وأخفى الله لَهُم ثَوابًا فقدموا على الله فقرت تِلْكَ الْأَعْين
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْيَمَان الْهُذلِيّ قَالَ: الْجنَّة مائَة دَرَجَة
أَولهَا دَرَجَة فضَّة وأرضها فضَّة وآنيتها فضَّة وترابها الْمسك
وَالثَّانيَِة ذهب ومساكنها ذهب وآنيتها ذهب وترابها الْمسك
وَالثَّالِثَة لُؤْلُؤ وأرضها لُؤْلُؤ ومساكنها لُؤْلُؤ وآنيتها لُؤْلُؤ وترابها الْمسك
وَسبع وَتسْعُونَ بعد ذَلِك مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر وتلا هَذِه الْآيَة ﴿فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين﴾
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق الْحَاكِم بن أبان عَن الغطريف عَن جَابر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرّوح الْأمين قَالَ يُؤْتى بحسنات العَبْد وسيئاته فيقتص بَعْضهَا من بعض فَإِن بقيت حَسَنَة وَاحِدَة أدخلهُ الله الْجنَّة قَالَ: فَدخلت على يَزْدَان فَحدث بِمثل هَذَا فَقلت: فَإِن ذهبت الْحَسَنَة قَالَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذين نتقبل عَنْهُم أحسن مَا عمِلُوا ونتجاوز عَن سيئاتهم﴾ الْأَحْقَاف الْآيَة ١٦ قلت: أَفَرَأَيْت قَوْله ﴿فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين﴾ قَالَ: هُوَ العَبْد يعْمل سرا أسره إِلَى الله لم يعلم بِهِ النَّاس فَأسر الله لَهُ يَوْم الْقِيَامَة ﴿قُرَّة أعين﴾
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أدنى أهل الْجنَّة حظاً قوم يخرجهم الله من النَّار برحمته بعد أَن يحترقوا يرتاح لَهُم الرب أَنهم كَانُوا لَا يشركُونَ بِاللَّه شَيْئا فينبذون بالعراء فينبتون كَمَا ينْبت البقل حَتَّى
551
إِذا رجعت الْأَرْوَاح إِلَى أجسادها قَالُوا: رَبنَا كَالَّذي أخرجتنا من النَّار وَرجعت الْأَرْوَاح إِلَى أَجْسَادنَا فاصرف وُجُوهنَا عَن النَّار فَيصْرف وُجُوههم عَن النَّار وَيضْرب لَهُم شَجَرَة ذَات ظلّ وفيء فَيَقُولُونَ: رَبنَا كَالَّذي أخرجتنا من النَّار فانقلنا إِلَى ظلّ هَذِه الشَّجَرَة فينقلهم إِلَيْهَا فيرون أَبْوَاب الْجنَّة فيقولن: رَبنَا كَالَّذي أخرجتنا من النَّار فانقلنا إِلَى أَبْوَاب الْجنَّة فيفعل فَإِذا نظرُوا إِلَى مَا فِيهَا من الْخيرَات والبركات قَالَ: وَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ ﴿فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين﴾ قَالُوا: رَبنَا كَالَّذي أخرجتنا من النَّار فادخلنا الْجنَّة قَالَ: فَيدْخلُونَ الْجنَّة ثمَّ يُقَال لَهُم: تمنوا فَيَقُولُونَ: يَا رب اعطنا حَتَّى إِذا قَالُوا: يَا رَبنَا حَسبنَا قَالَ: هَذَا لكم وَعشرَة أَمْثَاله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن الْمُغيرَة ابْن شُعْبَة رَضِي الله عَنهُ يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه فَقَالَ: رب أَي أهل الْجنَّة أدنى منزلَة فَقَالَ: رجل يَجِيء بَعْدَمَا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة فَيُقَال لَهُ: ادخل
فَيَقُول: كَيفَ ادخل وَقد نزلُوا مَنَازِلهمْ وَأخذُوا أخذاتهم فَيُقَال لَهُ: اترضى أَن يكون لَك مثل مَا كَانَ لملك من مُلُوك الدُّنْيَا فَيَقُول: نعم
أَي رب قد رضيت فَيُقَال لَهُ: فَإِن لَك هَذَا وَعشرَة أَمْثَاله مَعَه فَيَقُول: أَي رب رضيت فَيُقَال لَهُ: فَإِن لَك من هَذَا مَا اشتهت نَفسك ولذت عَيْنك فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: أَي رب فَأَي أهل الْجنَّة ارْفَعْ منزله قَالَ: إِيَّاهَا أردْت وسأحدثك عَنْهُم إِنِّي غرست كرامتهم بيَدي وختمت عَلَيْهَا فَلَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشرن قَالَ: ومصداق ذَلِك فِي كتاب الله تَعَالَى ﴿فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين﴾
552
- قَوْله تَعَالَى: أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون أما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فَلهم جنَّات المأوى نزلا بِمَا كَانُوا يعْملُونَ وَأما الَّذين فسقوا فمأواهم النَّار كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا وَقيل لَهُم ذوقوا عَذَاب النَّار الَّذِي كُنْتُم بِهِ تكذبون
552
أخرج أَبُو الْفرج الْأَصْفَهَانِي فِي كتاب الأغاني والواحدي وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ الْوَلِيد بن عقبَة لعَلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ: أَنا أحد مِنْك سِنَانًا وأبسط مِنْك لِسَانا واملاء للكتيبة مِنْك فَقَالَ لَهُ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: اسْكُتْ فَإِنَّمَا أَنْت فَاسق
فَنزلت ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون﴾ يَعْنِي بِالْمُؤمنِ: عليا
وَبِالْفَاسِقِ: الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: نزلت بِالْمَدِينَةِ فِي عَليّ بن أبي طَالب والوليد بن عقبَة بن أبي معيط قَالَ: كَانَ بَين الْوَلِيد وَبَين عَليّ كَلَام فَقَالَ الْوَلِيد بن عقبَة: أَنا أبسط مِنْك لِسَانا وَأحد مِنْك سِنَانًا وأرد مِنْك للكتيبة فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: اسْكُتْ فانك فَاسق
فَانْزِل ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون﴾
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون﴾ قَالَ: نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ والوليد بن عقبَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا﴾ قَالَ: أما الْمُؤمن
فعلي بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَأما الْفَاسِق
فعقبة بن أبي معيط وَذَلِكَ لسباب كَانَ بَينهمَا فَأنْزل الله ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون﴾ قَالَ: لَا فِي الدُّنْيَا لَا عِنْد الْمَوْت وَلَا فِي الْآخِرَة
وَفِي قَوْله ﴿وَأما الَّذين فسقوا﴾ قَالَ: هم الَّذين أشركوا وَفِي قَوْله ﴿كُنْتُم بِهِ تكذبون﴾ قَالَ: هم يكذبُون كَمَا ترَوْنَ
553
- قَوْله تَعَالَى: ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر لَعَلَّهُم يرجعُونَ
553
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن منيع وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى﴾ قَالَ: يَوْم بدر ﴿دون الْعَذَاب الْأَكْبَر﴾ قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة ﴿لَعَلَّهُم يرجعُونَ﴾ قَالَ: لَعَلَّ من بَقِي مِنْهُم يرجع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى﴾ قَالَ: سنُون اصابتهم ﴿لَعَلَّهُم يرجعُونَ﴾ قَالَ: يتوبون
وَأخرج مُسلم وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَأَبُو عوانه فِي صَحِيحه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى﴾ قَالَ: مصائب الدُّنْيَا واللزوم وَالْبَطْشَة وَالدُّخَان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ عَن قَول الله ﴿ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر﴾ فَقَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهَا فَقَالَ هِيَ المصائب والاسقام والانصاب عَذَاب للمسرف فِي الدُّنْيَا دون عَذَاب الْآخِرَة قلت: يَا رَسُول الله فَمَا هِيَ لنا قَالَ: زَكَاة وطهور
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله ﴿ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى﴾ قَالَ: مصائب الدُّنْيَا وأسقامها وبلاياها يَبْتَلِي الله بهَا الْعباد كي يتوبوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ ﴿ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر﴾ قَالَ: أَشْيَاء يصابون بهَا فِي الدُّنْيَا ﴿لَعَلَّهُم يرجعُونَ﴾ قَالَ: يتوبون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر﴾ قَالَ: الْحُدُود ﴿لَعَلَّهُم يرجعُونَ﴾ قَالَ: يتوبون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد ﴿ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى﴾ قَالَ: عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر
554
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله ﴿ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى﴾ قَالَ: الْقَتْل والجوع لقريش فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَاب الْأَكْبَر يَوْم الْقِيَامَة فِي الْآخِرَة
وَأخرج هناد عَن أبي عُبَيْدَة فِي قَوْله ﴿ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى﴾ قَالَ: عَذَاب الْقَبْر
555
- قَوْله تَعَالَى: وَمن أظلم مِمَّن ذكر بآيَات ربه ثمَّ أعرض عَنْهَا إِنَّا من الْمُجْرمين منتقمون
أخرج ابْن منيع وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ثَلَاث من فعلهن فقد أجرم
من عقد لِوَاء فِي غير حق
أَو عق وَالِديهِ
أَو مَشى مَعَ ظَالِم لِيَنْصُرهُ فقد أجرم يَقُول الله عز وَجل ﴿إِنَّا من الْمُجْرمين منتقمون﴾
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه وجعلناه هدى لبني إِسْرَائِيل وَجَعَلنَا مِنْهُم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا لما صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يوقنون إِن رَبك هُوَ يفصل بَينهم يَوْم الْقِيَامَة فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أولم يهد لَهُم كم أهلكنا من قبلهم من الْقُرُون يَمْشُونَ فِي مساكنهم إِن فِي ذَلِك لآيَات أَفلا يسمعُونَ
أخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق قَتَادَة عَن أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت لَيْلَة أسرِي بِي مُوسَى بن عمرَان رجلا طوَالًا جَعدًا كَأَنَّهُ من رجال شنوأة وَرَأَيْت عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام مَرْبُوع الْخلق إِلَى الْحمرَة وَالْبَيَاض سبط الرَّأْس وَرَأَيْت مَالِكًا خَازِن جَهَنَّم والدجال فِي آيَات أراهن الله
555
إِيَّاه قَالَ ﴿فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه﴾ فَكَانَ قَتَادَة يُفَسِّرهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد لَقِي مُوسَى ﴿وجعلناه هدى لبني إِسْرَائِيل﴾ قَالَ: جعل الله مُوسَى هدى لبني إِسْرَائِيل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه﴾ من لِقَاء مُوسَى ربه ﴿وجعلناه هدى لبني إِسْرَائِيل﴾ قَالَ: جعل مُوسَى هدى لبني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله ﴿فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه﴾ قَالَ: من لِقَاء مُوسَى قيل: أَو لَقِي مُوسَى قَالَ: نعم
أَلا ترى إِلَى قَوْله ﴿واسأل من أرسلنَا من قبلك من رسلنَا﴾ الزخرف الْآيَة ٤٥
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد ﴿فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه﴾ قَالَ: من أَن تلقى مُوسَى
وَأخرج الْحَاكِم عَن مَالك أَنه تَلا ﴿وَجَعَلنَا مِنْهُم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا لما صَبَرُوا﴾ فَقَالَ: حَدثنِي الزُّهْرِيّ أَن عَطاء بن يزِيد حَدثهُ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا رزق عبد خيرا لَهُ أوسع من الصَّبْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله ﴿وَجَعَلنَا مِنْهُم أَئِمَّة﴾ قَالَ: رُؤَسَاء فِي الْخَيْر سوى الْأَنْبِيَاء ﴿يهْدُونَ بأمرنا لما صَبَرُوا﴾ قَالَ: على ترك الدُّنْيَا
وَالله أعلم
556
وأخرج الحاكم عن مالك أنه تلا ﴿ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ﴾ فقال : حدثني الزهري أن عطاء بن يزيد حدثه عن أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول « ما رزق عبد خيراً له أوسع من الصبر ».
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ وجعلنا منهم أئمة ﴾ قال : رؤساء في الخير سوى الأنبياء ﴿ يهدون بأمرنا لما صبروا ﴾ قال : على ترك الدنيا. والله أعلم.
- قَوْله تَعَالَى: أولم يرَوا أَنا نسوق المَاء إِلَى الأَرْض الجرز فنخرج بِهِ زرعا تَأْكُل مِنْهُ أنعامهم وأنفسهم أَفلا يبصرون
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿أولم يرَوا أَنا نسوق المَاء إِلَى الأَرْض الجرز﴾ قَالَ: الجرز الَّتِي لَا تمطر إِلَّا قطراً لَا يُغني عَنْهَا شَيْئا إِلَّا مَا يَأْتِيهَا من السُّيُول
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿إِلَى الأَرْض الجرز﴾ قَالَ: أَرض بِالْيمن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله ﴿إِلَى الأَرْض الجرز﴾ قَالَ: هِيَ الَّتِي لَا تنْبت هن أبين وَنَحْوهَا من الأَرْض
556
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة ﴿إِلَى الأَرْض الجرز﴾ قَالَ: السمطاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ ﴿إِلَى الأَرْض الجرز﴾ قَالَ: إِلَى الأَرْض الْميتَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن ﴿إِلَى الأَرْض الجرز﴾ قَالَ: قرى فِيمَا بَين الْيمن وَالشَّام
وَأخرج أَبُو بكر وَابْن حبَان فِي كتاب الْغرَر عَن الرّبيع بن سيرة قَالَ: الْأَمْثَال أقرب إِلَى الْعُقُول من الْمعَانِي ألم تسمع إِلَى قَوْله ﴿أولم يرَوا أَنا نسوق المَاء إِلَى الأَرْض الجرز﴾ ألم تَرَ ﴿ألم يرَوا﴾
557
- قَوْله تَعَالَى: وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْفَتْح إِن كُنْتُم صَادِقين قل يَوْم الْفَتْح لَا ينفع الَّذين كفرُوا إِيمَانهم وَلَا هم ينظرُونَ فَأَعْرض عَنْهُم وانتظر إِنَّهُم منتظرون
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ الصَّحَابَة أَن لنا يَوْم يُوشك أَن نستريح فِيهِ ونتنعم فِيهِ
فَقَالَ الْمُشْركُونَ ﴿مَتى هَذَا الْفَتْح إِن كُنْتُم صَادِقين﴾ فَنزلت
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ﴿وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الْفَتْح إِن كُنْتُم صَادِقين﴾ قَالَ: يَوْم بدر فتح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم ﴿ينفع الَّذين كفرُوا إِيمَانهم﴾ بعد الْمَوْت
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله ﴿قل يَوْم الْفَتْح﴾ قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله ﴿قل يَوْم الْفَتْح﴾ قَالَ: يَوْم الْقَضَاء
وَفِي قَوْله ﴿وانتظر إِنَّهُم منتظرون﴾ قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
557
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم -
سُورَة الاحزاب
مَدَنِيَّة وآياتها ثَلَاث وَسَبْعُونَ
- مُقَدّمَة سُورَة الاحزاب أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الاحزاب بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالطَّيَالِسِي وَسَعِيد ابْن مَنْصُور وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن منيع وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالدَّارقطني فِي الإِفراد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن زر قَالَ: قَالَ لي أبي بن كَعْب: كَيفَ تقْرَأ سُورَة الاحزاب أَو كم تعدها قلت ثَلَاثًا وَسبعين آيَة فَقَالَ أبي: قد رَأَيْتهَا وانها لتعادل سُورَة الْبَقَرَة وَأكْثر من سُورَة الْبَقَرَة وَلَقَد قَرَأنَا فِيهَا (الشَّيْخ وَالشَّيْخَة اذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّة نكالا من الله وَالله عَزِيز حَكِيم) فَرفع مِنْهَا مَا رفع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ قَالَ: بلغنَا أَن نَاسا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يقرأون الْقُرْآن أصيبوا يَوْم مُسَيْلمَة فَذَهَبت حُرُوف من الْقُرْآن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَمر عمر بن الْخطاب مناديا فَنَادَى أَن الصَّلَاة جَامِعَة ثمَّ صعد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس لَا تجزعن من آيَة الرَّجْم فانها آيَة نزلت فِي كتاب الله وقرأناها وَلكنهَا ذهبت فِي قُرْآن كثير ذهب مَعَ مُحَمَّد وَآيَة ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد رجم وان أَبَا بكر قد رجم ورجمت بعْدهَا وَابْنه سَيَجِيءُ قوم من هَذِه الْأمة يكذبُون بِالرَّجمِ
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ضريس عَن ابْن عَبَّاس أَن عمر قَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أما بعد أَيهَا النَّاس إِن الله بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ
558
وَأنزل عَلَيْهِ الْكتاب فَكَانَ فِيمَا أنزل عَلَيْهِ آيَة الرَّجْم فقرأناها ووعيناها (الشَّيْخ وَالشَّيْخَة اذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ) ورجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجمنا بعده فاخشى ان يطول بِالنَّاسِ زمَان فَيَقُول قَائِل: لَا نجد آيَة الرَّجْم فِي كتاب الله
فيضلوا بترك فَرِيضَة أنزلهَا الله
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن عمر بن الْخطاب خطب النَّاس فَسَمعته يَقُول: إِلَّا وان نَاس يَقُولُونَ: مَا بَال الرَّجْم
وَفِي كتاب الله الْجلد وَقد رجم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجمنا بعده وَلَوْلَا ان يَقُول قَائِلُونَ وَيتَكَلَّم متكلمون: ان عمر زَاد فِي كتاب الله مَا لَيْسَ مِنْهُ لاثبتها كَمَا نزلت
وَأخرج النَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى عَن كثير بن الصَّلْت قَالَ: كُنَّا عِنْد مَرْوَان وَفينَا زيد بن ثَابت فَقَالَ زيد: مَا تقْرَأ (الشَّيْخ وَالشَّيْخَة اذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ) قَالَ مَرْوَان: إِلَّا كتبتها فِي الْمُصحف قَالَ: ذكرنَا ذَلِك وَفينَا عمر بن الْخطاب فَقَالَ: اشفيكم من ذَلِك قُلْنَا: فَكيف قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله انبئني آيَة الرَّجْم قَالَ: لَا أَسْتَطِيع الْآن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ لي عمر بن الْخطاب: كم تَعدونَ سُورَة الاحزاب قلت: اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا وَسبعين قَالَ: إِن كَانَت لتقارب سُورَة الْبَقَرَة وان كَانَ فِيهَا لآيَة الرَّجْم
وَأخرج ابْن الضريس عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَت سُورَة الاحزاب مثل سُورَة الْبَقَرَة أَو اطول وَكَانَ فِيهَا آيَة الرَّجْم
وَأخرج ابْن سعد عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر قَالَ: اياكم أَن تهلكوا عَن آيَة الرَّجْم وان يَقُول قَائِل: لَا نجد حَدَّيْنِ فِي كتاب الله فقد رجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجمنا بعده فلولا ان يَقُول النَّاس: أحدث عمر فِي كتاب الله لكتبتها فِي الْمُصحف لقد قرأناها (الشَّيْخ والشيخه إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا البته قَالَ سعيد فَمَا انْسَلَخَ ذُو الْحجَّة حَتَّى طعن
وَأخرج ابْن الضريس عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف ان خَالَته أخْبرته قَالَت: لقد أقرأنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة الرَّجْم (الشَّيْخ وَالشَّيْخَة اذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ بِمَا قضيا من اللَّذَّة)
559
وَأخرج ابْن الضريس عَن عمر قَالَ قلت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزلت آيَة الرَّجْم: اكتمها يَا رَسُول الله قَالَ: لَا أَسْتَطِيع ذَلِك
وَأخرج ابْن الضريس عَن زيد بن أسلم أَن عمر بن الْخطاب خطب النَّاس فَقَالَ: لَا تَشكوا فِي الرَّجْم فانه حق قد رجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجم أَبُو بكر ورجمت وَلَقَد هَمَمْت أَن أكتب فِي الْمُصحف فَسَأَلَ أبي بن كَعْب عَن آيَة الرَّجْم فَقَالَ أبي: أَلَسْت أتيتني وانا أستقرئها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدفعت فِي صَدْرِي وَقلت: أتستقرئه آيه الرَّجْم وهم يتسافدون تسافد الْحمر
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخ عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَرَأت سُورَة الاحزاب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنسيت مِنْهَا سبعين آيَة مَا وَجدتهَا
وَأخرج أَبُو عبيد فِي الْفَضَائِل وَابْن الْأَنْبَارِي وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَت سُورَة الاحزاب تقْرَأ فِي زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِائَتي آيَة فَلَمَّا كتب عُثْمَان الْمَصَاحِف لم يقدر مِنْهَا إِلَّا على مَا هُوَ الْآن
560
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله ﴿ قل يوم الفتح ﴾ قال : يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ﴿ قل يوم الفتح ﴾ قال : يوم القضاء. وفي قوله ﴿ وانتظر إنهم منتظرون ﴾ قال : يوم القيامة.
Icon