تفسير سورة المائدة

تفسير البغوي
تفسير سورة سورة المائدة من كتاب معالم التنزيل المعروف بـتفسير البغوي .
لمؤلفه البغوي . المتوفي سنة 516 هـ

[المجلد الثاني]

سورة المائدة
مدنية كُلُّهَا إِلَّا قَوْلَهُ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: ٣] الآية، فإنها نزلت بعرفات، وهي مائة وَعِشْرُونَ آيَةً.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رُوِيَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حُكْمًا لَمْ يُنْزِلْهَا فِي غَيْرِهَا، قَوْلُهُ: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ [المائدة: ١]، وقوله: وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا [المائدة: ٣]، وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [الْمَائِدَةِ: ٥]، وَتَمَامُ الطُّهُورِ فِي قَوْلِهِ: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة: ٦]، وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ [المائدة: ٣٨]، لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة: ٩٥] الْآيَةَ، مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ (١٠٣) [المائدة: ١٠٣]، وَقَوْلُهُ: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [المائدة: ١٠٦].
[سورة المائدة (٥) : آيَةً ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، أَيْ: بِالْعُهُودِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: هِيَ أَوْكَدُ الْعُهُودِ، يُقَالُ: عَاقَدْتُ فُلَانًا وَعَقَدْتُ عَلَيْهِ أَيْ: ألزمته ذلك باستئناف، وَأَصْلُهُ مِنْ عَقْدِ الشَّيْءِ بِغَيْرِهِ وَوَصْلِهِ بِهِ، كَمَا يُعْقَدُ الْحَبْلُ بِالْحَبْلِ إِذَا وُصِلَ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْعُقُودِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: هَذَا خِطَابٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، يَعْنِي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِالْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْفُوا بِالْعُهُودِ الَّتِي عَهِدْتُهَا إِلَيْكُمْ فِي شَأْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ [آلَ عِمْرَانَ: ١٨٧]، وَقَالَ الْآخَرُونَ: هُوَ عَامٌّ، قال قَتَادَةُ: أَرَادَ بِهَا الْحِلْفَ الَّذِي تعاقدوا عليه في الجاهلية، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هِيَ عُهُودُ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ، وَقِيلَ: هِيَ الْعُقُودُ الَّتِي يَتَعَاقَدُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ، أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ، قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ:
هِيَ الْأَنْعَامُ كُلُّهَا، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَأَرَادَ تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْأَنْعَامِ.
وَرَوَى أَبُو ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ هِيَ الْأَجِنَّةُ، وَمِثْلُهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
هِيَ الْأَجِنَّةُ الَّتِي تُوجَدُ مَيْتَةً فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهَا إِذَا ذُبِحَتْ أَوْ نُحِرَتْ، ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلى تحليله.
«٧٣٨» قال الشيخ رحمه الله تعالى: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْخِرَقِيِّ فَقُلْتُ: قرىء على
٧٣٨- حديث جيد بمجموع طرقه وشواهده. إسناده غير قوي لأجل مجالد وهو ابن سعيد، لكن توبع، وشيخه من رجال مسلم
5
أَبِي سَهْلٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بن طرفة السجزي [١] وَأَنْتَ حَاضِرٌ، فَقِيلَ لَهُ: حَدَّثَكُمْ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ أَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِي الودّاك عَنْ أَبِي سَعِيدٍ [٢] رَضِيَ اللَّهُ عنه قَالَ:
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ، أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ؟ فَقَالَ:
«كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ».
«٧٣٩» وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ». وَشَرَطَ بَعْضُهُمُ الْإِشْعَارَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: ذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا فِي ذَكَاتِهَا إِذَا تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ، وَمِثْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يَحِلُّ أَكْلُ الْجَنِينِ إِذَا خَرَجَ مَيْتًا بَعْدَ ذَكَاةِ الْأُمِّ. وقال الكلبي: بهيمة الأنعام وحشها وهي الظباء وبقر الوحش وحمر الْوَحْشِ، سُمِّيَتْ بَهِيمَةً لِأَنَّهَا أُبْهِمَتْ عَنِ التَّمْيِيزِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا لَا نُطْقَ لَهَا، إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ، أَيْ: مَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ إِلَى قَوْلِهِ: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة: ٣]، غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: لَا مُحِلِّي الصَّيْدِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أُحِلَّتْ لَكُمْ
وللحديث شواهد. مسدّد هو ابن مسرهد، وهشيم هو ابن بشير، وأبو الودّاك هو جبر بن نوف.
وهو في «شرح السنة» ٢٧٨٣ بهذا الإسناد.
وهو في «سنن أبي داود» ٢٨٢٧ عن مسدد بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي ١٤٧٦ وابن ماجه ٩٠٠ وعبد الرزاق ٨٦٥٠ وأحمد (٣/ ٣١ و٥٣) وأبو يعلى ٩٩٢ وابن الجارود ٩٠٠ والدارقطني (٤/ ٢٧٢ و٢٧٣ و٢٧٤) والبيهقي (٩/ ٣٣٥) من طرق عن مجالد به.
وأخرجه أحمد (٣/ ٣٩) وابن حبان ٥٨٨٩ والدارقطني (٤/ ٢٧٤) والبيهقي (٩/ ٣٣٥) من طرق أبي عبيدة الحداد عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي الودّاك به.
وانظر الحديث الآتي.
(١) وقع في الأصل «الشجري» والتصويب من «شرح السنة».
(٢) وقع في الأصل «أبي مسعود» والتصويب من «شرح السنة» ومصادر التخريج.
٧٣٩- حسن صحيح. أخرجه أبو داود ٢٨٢٨ والدارمي (٢/ ٨٤) والدارقطني (٤/ ٢٧٣) والبيهقي (٩/ ٣٣٤، ٣٣٥) من طريق أبي الزبير عن جابر به.
وأخرجه الحاكم (٤/ ١١٤) من طريق زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الزبير به، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقال الحافظ في «تلخيص الحبير» (٤/ ١٥٧) : ولو صح الطريق إلى زهير، لكان على شرط مسلم، إلا أن راويه عنه استنكر أبو داود حديثه اهـ.
وله شواهد منها حديث أبي أمامة وأبي الدرداء أخرجه الطبري في «الكبير» ٧٤٩٨ والبزار ١٢٢٦ وذكره الهيثمي في «المجمع» ٦٠٤٦ وقال: وفيه بشر بن عمارة، وقد وثق، وفيه ضعف اهـ.
وقال الحافظ في «التلخيص» (٤/ ١٥٧) : فيه ضعف وانقطاع اهـ.
وحديث ابن عمر أخرجه الطبراني في «الأوسط» ٧٨٥٢ و٨٢٣٠ و٩٤٤٩ وفي إسناده ابن إسحاق، وهو ثقة، ولكنه مدلس، وبقية رجال «الأوسط» ثقات كذا قال الهيثمي في «المجمع» ٦٠٤٨.
وحديث كعب بن مالك عند الطبراني في «الكبير» (١٩/ ٧٨) و «الأوسط» ٣٧٢٣ وفيه إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف.
وحديث أبي أيوب عند الطبراني في «الكبير» ٤٠١٠ وفيه محمد بن أبي ليلى، وهو سيّئ الحفظ، ولكنه ثقة، قاله الهيثمي ٦٠٥٠. فالحديث جيد بمجموع طرقه وشواهده.
وانظر الحديث المتقدم.
6
بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ كُلُّهَا إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا وَحْشِيًّا، فَإِنَّهُ صَيْدٌ لَا يَحِلُ لَكُمْ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، فَذَلِكَ [١] قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ.
[سورة المائدة (٥) : آية ٢]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢)
. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ.
«٧٤٠» نَزَلَتْ فِي الْحُطَمِ وَاسْمُهُ شُرَيْحُ بْنُ ضُبَيْعَةَ الْبَكْرِيُّ، أَتَى الْمَدِينَةَ وَخَلَّفَ خَيْلَهُ [٢] خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَدَخَلَ وَحْدَهُ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: إلام تدعو الناس؟ فقال له: «إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، [وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ] [٣]، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ»، فَقَالَ: حَسَنٌ، إِلَّا أَنَّ لِي أُمَرَاءَ لَا أَقْطَعُ أَمْرًا دُونَهُمْ، ولعلّي أسلم وآتي بهم، وقد كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ رَبِيعَةَ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ شَيْطَانٍ»، ثُمَّ خَرَجَ شُرَيْحٌ مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ دَخَلَ بِوَجْهِ كَافِرٍ وَخَرَجَ بِقَفَا غَادِرٍ وَمَا الرَّجُلُ بِمُسْلِمٍ»، فَمَرَّ بِسَرْحِ [٤] الْمَدِينَةِ فَاسْتَاقَهُ وَانْطَلَقَ، فَاتَّبَعُوهُ فَلَمْ يُدْرِكُوهُ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْقَابِلُ خَرَجَ حَاجًّا فِي حُجَّاجِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ مِنَ الْيَمَامَةِ وَمَعَهُ تجارة عظيمة، وقد قلّدوا الْهَدْيَ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا الْحُطَمُ قَدْ خَرَجَ حَاجًّا فَخَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ [قَدْ] [٥] قَلَّدَ الْهَدْيَ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا شَيْءٌ كُنَّا نَفْعَلُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ.
قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمُجَاهِدٌ: هِيَ مَنَاسِكُ الْحَجِّ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَحُجُّونَ وَيُهْدُونَ، فَأَرَادَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: شَعَائِرُ اللَّهِ هِيَ الْهَدَايَا الْمُشْعَرَةُ، وَالْإِشْعَارُ مِنَ الشِّعَارِ، وَهِيَ الْعَلَامَةُ، وَإِشْعَارُهَا: إِعْلَامُهَا بِمَا يُعْرَفُ أَنَّهَا هَدْيٌ، وَالْإِشْعَارُ هَاهُنَا: أَنْ يَطْعَنَ فِي صَفْحَةِ سَنَامِ [٦] الْبَعِيرِ بِحَدِيدَةٍ حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَامَةً أَنَّهَا هَدْيٌ، وَهِيَ سُنَّةٌ فِي الْهَدَايَا إِذَا كَانَتْ مِنَ الْإِبِلِ، لِمَا:
«٧٤١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا محمد بن يوسف ثنا
٧٤٠- ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٣٧٩ عن ابن عباس بدون إسناد، وورد عن السدي مرسلا بنحوه أخرجه الطبري ١٠٩٦١ وأخرجه بنحوه من مرسل عكرمة برقم ١٠٩٦٢ وكرره من مرسل ابن جريج، فهذه الروايات تتأيد بمجموعها.
٧٤١- إسناده على شرط البخاري ومسلم، أبو نعيم هو الفضل بن دكين، أفلح هو ابن حميد بن نافع، القاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق.
وهو في «شرح السنة» ١٨٨٣ بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح البخاري» ١٦٩٦ عن أبي نعيم بهذا الإسناد.
(١) تصحف في المطبوع «فلذلك». [.....]
(٢) كذا في المطبوع وط و «أسباب النزول»، وفي المخطوط «رحله».
(٣) زيد في المطبوع وط، وليس في المخطوط و «أسباب النزول».
(٤) السرح: المال السائم.
(٥) زيادة عن المخطوط وط.
(٦) تصحف في المطبوع «سنان».
7
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا أَفْلَحُ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: فَتَلْتُ قَلَائِدَ بُدْنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، ثُمَّ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَأَهْدَاهَا، فَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ أُحِلَّ لَهُ.
وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ الْبَقَرَ عَلَى الْإِبِلِ فِي الْإِشْعَارِ، وَأَمَّا الْغَنَمُ فَلَا تُشْعَرُ بِالْجَرْحِ، فَإِنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْجَرْحَ لِضَعْفِهَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُشْعَرُ الْهَدْيُ.
وَقَالَ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وهي أَنْ تَصِيدَ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا، وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَرَادَ حَرَمَ اللَّهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنِ الْقَتْلِ فِي الْحَرَمِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: شَعَائِرُ اللَّهِ حُرُمَاتُ اللَّهِ وَاجْتِنَابُ سَخَطِهِ وَاتِّبَاعُ طَاعَتِهِ، قَوْلُهُ: وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ، أَيْ: بِالْقِتَالِ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ النَّسِيءُ، وذلك أنهم كانوا يحلّونه عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا، وَلَا الْهَدْيَ، [و] هو كُلُّ مَا يُهْدَى إِلَى بَيْتِ اللَّهِ مِنْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ، وَلَا الْقَلائِدَ، أَيِ: الْهَدَايَا الْمُقَلَّدَةُ، يُرِيدُ ذَوَاتَ الْقَلَائِدِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: أَرَادَ أَصْحَابَ الْقَلَائِدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَرَادُوا الْخُرُوجَ مِنَ الْحَرَمِ قَلَّدُوا أَنْفُسَهُمْ وَإِبِلَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ الْحَرَمِ كَيْلَا يُتَعَرَّضَ لَهُمْ، فَنَهَى الشَّرْعُ عَنِ اسْتِحْلَالِ شَيْءٍ مِنْهَا.
وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ: هِيَ الْقَلَائِدُ نَفْسُهَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ مَكَّةَ وَيَتَقَلَّدُونَهَا فَنُهُوا عَنْ نَزْعِ شَجَرِهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ، أَيْ: قَاصِدِينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، يَعْنِي: الْكَعْبَةَ فَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهُمْ، يَبْتَغُونَ يَطْلُبُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ، يَعْنِي: الرِّزْقَ بِالتِّجَارَةِ، وَرِضْواناً، أَيْ: عَلَى زَعْمِهِمْ، لأن الكافر [١] لا نصيب له في الرضوان، قال قتادة: هو أن يصلح معايشهم فِي الدُّنْيَا وَلَا يُعَجِّلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ فِيهَا، وَقِيلَ: ابْتِغَاءُ الْفَضْلِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَامَّةً، وَابْتِغَاءُ الرِّضْوَانِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَحُجُّونَ، وَهَذِهِ الْآيَةُ إِلَى هَاهُنَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، وَبِقَوْلِهِ: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا
[التَّوْبَةِ: ٢٨]، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ مشرك ولا يَأُمَّنَ كَافِرٌ بِالْهَدْيِ وَالْقَلَائِدِ. قَوْلُهُ عزّ وجلّ: وَإِذا حَلَلْتُمْ، أي: مِنْ إِحْرَامِكُمْ، فَاصْطادُوا، أَمْرُ إِبَاحَةٍ، أَبَاحَ لِلْحَلَالِ أَخْذَ الصَّيْدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ [الْجُمُعَةِ: ١٠]، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وَقَتَادَةُ: لَا يَحْمِلَنَّكُمْ، يُقَالُ:
جَرَمَنِي فُلَانٌ عَلَى أَنْ صَنَعْتُ كَذَا، أَيْ: حَمَلَنِي، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَكْسِبَنَّكُمْ، يُقَالُ: جَرَمَ أَيْ: كَسَبَ فلان
وأخرجه البخاري ١٦٩٩ و١٧٠٥ ومسلم ١٣٢١ وأبو داود ١٧٥٧ و١٧٥٩ والترمذي ٩٠٨ والنسائي (٥/ ١٧١ و١٧٢ و١٧٥) وابن ماجه ٣٠٩٨ والحميدي ٢٠٩ وأحمد (٦/ ٧٨ و٨٥ و٢١٦) وأبو يعلى ٤٦٥٩ وابن الجارود ٤٢٣ والطحاوي (٥/ ٢٣٣) من طرق عن القاسم بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ١٧٠٤ و٥٥٦٦ ومسلم ١٣٢١ ح ٣٧٠ والنسائي (٥/ ١٧١) وأبو يعلى ٤٦٥٨ والطحاوي (٢/ ٢٦٥) من طرق عن عامر الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ بنحوه.
وأخرجه مَالِكٍ (١/ ٣٤٠) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي بكر عن عمرة عن عائشة بنحوه، ومن طريق مالك أخرجه البخاري ١٧٠٠ و٢٣١٧ ومسلم ١٣٢١ ح ٣٦٩ والنسائي (٥/ ١٧٥) وأبو يعلى ٤٨٥٣ والطحاوي (٢/ ٢٦٦) والبيهقي (٥/ ٢٣٤).
(١) في المطبوع «الكافرين».
8
جَرِيمَةُ أَهْلِهِ، أَيْ: كَاسِبُهُمْ، وَقِيلَ: لَا يَدْعُوَنَّكُمْ، شَنَآنُ قَوْمٍ، أَيْ: بغضهم وعداوتهم، وهو مصدر شئت، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ شَنْآنُ قَوْمٍ بِسُكُونِ النُّونِ الْأُولَى، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ، لِأَنَّ الْمَصَادِرَ أَكْثَرُهَا [على] [١] فَعَلَانِ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ مِثْلُ الضَّرَبَانِ وَالسَّيَلَانِ وَالنَّسَلَانِ وَنَحْوِهَا، أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِكَسْرِ الْأَلْفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ، أَيْ: لِأَنْ صَدُّوكُمْ، وَمَعْنَى الآية: لا يَحْمِلَنَّكُمْ عَدَاوَةُ قَوْمٍ عَلَى الِاعْتِدَاءِ لأنهم صدّوكم. قال مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: لِأَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ، كان الصَّدُّ قَدْ تَقَدَّمَ، أَنْ تَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَتَعاوَنُوا، أي: ليعن بَعْضُكُمْ بَعْضًا، عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى، قِيلَ: الْبِرُّ مُتَابَعَةُ الْأَمْرِ، وَالتَّقْوَى مُجَانَبَةُ النَّهْيِ، وَقِيلَ: الْبِرُّ: الْإِسْلَامُ، وَالتَّقْوَى: السُّنَّةُ، وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ، قِيلَ: الْإِثْمُ: الْكُفْرُ، وَالْعُدْوَانُ: الظُّلْمُ، وَقِيلَ: الْإِثْمُ: الْمَعْصِيَةُ، وَالْعُدْوَانُ: الْبِدْعَةُ.
«٧٤٢» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي طَاهِرٍ الدَّقَّاقُ بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْقُرَشِيُّ أَنَا الْحَسَنُ [بْنُ] [٢] عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ أَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ [٣] بْنِ مَالِكٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النُّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، قَالَ: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ». وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.
[سورة المائدة (٥) : آية ٣]
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣).
٧٤٢- إسناده صحيح على شرط مسلم.
وهو في «شرح السنة» ٣٣٨٨ بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي (١٠/ ١٩٢) من طريق الحسن بن علي بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي ٢٣٨٩ وأحمد (٤/ ١٨٢) وابن حبان ٣٩٧ من طريق زيد بن الحباب به.
وأخرجه مسلم ٢٥٥٣ ح ١٤ و١٥ والترمذي ٢٣٨٩ والبخاري في «الأدب المفرد» ٢٩٥ و٣٠٢ وأحمد (٤/ ١٨٢) من طرق عن معاوية بن صالح بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٤/ ١٨٢) والدارمي (٢/ ٣٢٢) من طريق عبد القدوس الخولاني عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يحيى بن جابر القاضي عن النواس به.
وله شاهد من حديث أبي ثعلبة الخشني بلفظ «البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس ويطمئن إليه القلب» أخرجه أحمد (٤/ ١٩٤) والطبراني (٢٢/ ٢١٩) وأبو نعيم في «الحلية» (٢/ ٣٠).
وفي الباب عن وابصة بن معبد عند أحمد (٤/ ٢٢٧ و٢٢٨) والطبراني (٢٢/ ١٤٧، ١٤٩).
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» ومصادر التخريج.
(٣) وقع في الأصل «نغير» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
9
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ، أَيْ: مَا ذُكِرَ عَلَى ذبحه غير اسم اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُنْخَنِقَةُ، وَهِيَ الَّتِي تخنق فَتَمُوتُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَخْنُقُونَ الشَّاةَ حَتَّى إِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا، وَالْمَوْقُوذَةُ هِيَ الْمَقْتُولَةُ بِالْخَشَبِ، قَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا يَضْرِبُونَهَا بِالْعَصَا فَإِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا، وَالْمُتَرَدِّيَةُ، هِيَ الَّتِي تَتَرَدَّى مِنْ مَكَانٍ عَالٍ أَوْ فِي بِئْرٍ فتموت، وَالنَّطِيحَةُ، هي الَّتِي تَنْطَحُهَا أُخْرَى فَتَمُوتُ، وَهَاءُ التَّأْنِيثِ تَدْخُلُ فِي الْفَعِيلِ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، فَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ اسْتَوَى فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، نَحْوَ عَيْنٍ كَحِيلٍ وَكَفٍّ خضيب، فإذا حذف [١] الِاسْمَ وَأَفْرَدْتَ الصِّفَةَ، أَدْخَلُوا الْهَاءَ فَقَالُوا:
رَأَيْنَا كَحِيلَةً وَخَضِيبَةً، وَهُنَا أَدْخَلَ الْهَاءَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا الِاسْمُ، فَلَوْ أَسْقَطَ الْهَاءَ لَمْ يدر أنها صفة مؤنث أو [٢] مُذَكَّرٍ، وَمِثْلُهُ الذَّبِيحَةُ وَالنَّسِيكَةُ، وَأَكِيلَةُ السَّبُعِ وَما أَكَلَ السَّبُعُ، يُرِيدُ مَا بَقِيَ مِمَّا أَكَلَ السَّبْعُ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَهُ، إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ، يَعْنِي: إِلَّا مَا أَدْرَكْتُمْ ذَكَاتَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَأَصْلُ التَّذْكِيَةِ الْإِتْمَامُ، يُقَالُ: ذَكَّيْتَ النار إذا أتممت اشتعالها، وَالْمُرَادُ هُنَا: إِتْمَامُ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَإِنْهَارُ الدَّمِ.
«٧٤٣» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فكل ليس السِّنِّ وَالظُّفُرِ».
وَأَقَلُّ الذَّكَاةِ فِي الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ قَطْعُ الْمَرِيءِ والحلقوم وكماله أَنْ يَقْطَعَ الْوَدَجَيْنِ مَعَهُمَا، وَيَجُوزُ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ يَقْطَعُ [٣] مِنْ حَدِيدٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ زُجَاجٍ أَوْ حجر إلا السن والظفر، لنهي [٤] النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الذَّبْحِ بِهِمَا، وَإِنَّمَا يَحِلُّ ما ذكّيته بعد ما جرحه السبع أو أكل شَيْئًا مِنْهُ إِذَا أَدْرَكْتَهُ وَالْحَيَاةُ فِيهِ مُسْتَقِرَّةٌ فَذَبَحْتَهُ، فَأَمَّا مَا صَارَ بِجَرْحِ السَّبُعِ إِلَى حَالَةِ الْمَذْبُوحِ، فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَيْتَةِ، فَلَا يَكُونُ حَلَالًا وَإِنْ ذَبَحْتَهُ، وَكَذَلِكَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ إِذَا أَدْرَكْتَهَا حَيَّةً قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ إِلَى حَالَةِ الْمَذْبُوحِ فَذَبَحْتَهَا تَكُونُ حَلَالًا، وَلَوْ رَمَى إِلَى صَيْدٍ فِي الْهَوَاءِ فَأَصَابَهُ فَسَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ ومات كَانَ حَلَالًا لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الأرض من ضرورته، وإن سَقَطَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ شَجَرٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ فَمَاتَ فَلَا يَحِلُّ، وَهُوَ مِنَ الْمُتَرَدِّيَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ السَّهْمُ أَصَابَ مَذْبَحَهُ فِي الْهَوَاءِ فَيَحِلُّ كَيْفَ مَا وَقَعَ، لِأَنَّ الذَّبْحَ قَدْ حَصَلَ بِإِصَابَةِ السَّهْمِ الْمَذْبَحَ، وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، قِيلَ: النُّصُبُ جَمْعٌ، وَاحِدُهُ نِصَابٌ، وَقِيلَ: هُوَ وَاحِدٌ وَجَمْعُهُ أَنْصَابٌ مِثْلُ عُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْمَنْصُوبُ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: كَانَتْ حَوْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ حَجَرًا مَنْصُوبَةً، كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَهَا وَيُعَظِّمُونَهَا وَيَذْبَحُونَ لَهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ بِأَصْنَامٍ إِنَّمَا الْأَصْنَامُ هِيَ الْمُصَوَّرَةُ الْمَنْقُوشَةُ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: هِيَ الْأَصْنَامُ الْمَنْصُوبَةُ، ومعناه: ما ذُبِحَ عَلَى اسْمِ النُّصُبِ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ: هُمَا وَاحِدٌ، قَالَ قُطْرُبٌ: عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ: وَمَا ذُبِحَ لِأَجْلِ النُّصُبِ، وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ، أي: وحرّم عَلَيْكُمُ الِاسْتِقْسَامَ بِالْأَزْلَامِ، وَالِاسْتِقْسَامُ هُوَ طَلَبُ الْقَسْمِ، وَالْحُكْمِ مِنَ الْأَزْلَامِ، وَالْأَزْلَامُ هِيَ: الْقِدَاحُ الَّتِي لَا رِيشَ لَهَا وَلَا نَصْلَ، وَاحِدُهَا: زَلْمٌ وَزُلْمٌ، بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا وكانت
٧٤٣- صحيح. أخرجه البخاري ٣٠٧٥ و٥٤٩٨ و٢٥٠٧ و٥٥٠٣ و٥٥٠٦ و٥٥٤٤ ومسلم ١٩٦٨ والترمذي ١٤٩١ و١٤٩٢ والنسائي (٧/ ٢٢٦ و٢٢٨ و٢٢٩) وابن ماجه ٣١٣٧ و٣١٧٨ و٣١٨٣: وابن الجارود ٨٩٥ وابن حبان ٥٨٨٦ وعبد الرزاق ٨٤٨١ والطيالسي ٩٦٣ والحميدي ٤١١ وأحمد (٣/ ٤٦٣ و٤٦٤) و (٤/ ١٤٠ و١٤١ و١٤٢) والدارمي (٢/ ٨٤) والطبراني ٤٣٨٠، ٤٣٨٤ و٤٣٨٦، ٤٣٩٣ والبيهقي (٩/ ٢٤٥ و٢٤٦ و٢٤٧) من طرق عن سعيد بن مسروق عن عباية بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جده رافع به.
(١) في المطبوع وط «حذفت».
(٢) في المطبوع وط «أم». [.....]
(٣) في المخطوط «يجرح».
(٤) في المطبوع وط «فنهى».
10
أَزْلَامُهُمْ سَبْعَةَ قِدَاحٍ مُسْتَوِيَةٍ مِنْ شَوْحَطٍ [١]، يَكُونُ عِنْدَ سَادِنِ الْكَعْبَةِ، مَكْتُوبٌ عَلَى وَاحِدٍ نَعَمْ، وَعَلَى وَاحِدٍ لَا، وَعَلَى وَاحِدٍ مِنْكُمْ، وَعَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِكُمْ، وَعَلَى وَاحِدٍ مُلْصَقٌ [٢]، وَعَلَى وَاحِدٍ الْعَقْلُ، وَوَاحِدٌ غُفْلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَمْرًا مِنْ سَفَرٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خِتَانٍ أو غيره، أو تدارؤا [٣] فِي نَسَبٍ أَوِ اخْتَلَفُوا فِي تحمّل عقل جاؤوا إِلَى هُبَلَ وَكَانَ أَعْظَمَ أَصْنَامِ قريش بمكة وجاؤوا بمائة درهم أعطوها صَاحِبَ الْقِدَاحِ حَتَّى يُجِيلَ الْقِدَاحَ، ويقولون: يا إلهنا أَرَدْنَا كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ خَرَجَ نَعَمْ، فَعَلُوا، وَإِنْ خَرَجَ لَا، لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ حَوْلًا، ثُمَّ عَادُوا إِلَى الْقِدَاحِ ثَانِيَةً، فَإِذَا أَجَالُوا عَلَى نَسَبٍ، فَإِنْ خَرَجَ منكم كان وسيطا مِنْهُمْ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِكُمْ كَانَ حَلِيفًا، وَإِنْ خَرَجَ مُلْصَقٌ كَانَ عَلَى مَنْزِلَتِهِ لَا نَسَبَ لَهُ وَلَا حِلْفَ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي عَقْلٍ فَمَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ قَدَحُ الْعَقْلِ حَمَلَهُ، وَإِنْ خَرَجَ الْغُفْلُ أَجَالُوا ثَانِيًا حَتَّى يَخْرُجَ الْمَكْتُوبُ، فَنَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ وَحَرَّمَهُ، وَقَالَ: ذلِكُمْ فِسْقٌ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْأَزْلَامُ حَصًى بِيضٌ كَانُوا يَضْرِبُونَ بِهَا، وَقَالَ مُجَاهِدٍ: هِيَ كِعَابُ فَارِسَ وَالرُّومِ الَّتِي يَتَقَامَرُونَ بِهَا، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ:
الْأَزْلَامُ لِلْعَرَبِ، وَالْكِعَابُ لِلْعَجَمِ، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ: هِيَ الشِّطْرَنْجُ.
«٧٤٤» وَرُوِّينَا أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعِيَافَةُ وَالطَّرْقُ وَالطِّيرَةُ مِنَ الْجِبْتِ»، وَالْمُرَادُ مِنَ الطَّرْقِ: الضَّرْبُ بِالْحَصَى.
«٧٤٥» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا ابن فنجويه أنا فضل الكندي أخبرنا
٧٤٤- تقدم برقم: ٦٢٦ في «سورة النساء» آية: ٥١.
٧٤٥- ضعيف بهذا اللفظ، إسناده ضعيف، وله علتان: سويد بن سعيد، صدوق إلا أنه كبر فصار يتلقن، فلذا ضعفه غير واحد، وله علة ثانية: وهي الانقطاع. قال الحافظ في «التهذيب» في ترجمة رجاء بن حيوة: روايته عن أبي الدرداء مرسلة اهـ (٣/ ٢٣٠).
وقد توبع سويد. فقد أخرجه البيهقي في «الشعب» ١١٧٧ من طريق أخرى أبي المحيّاة بهذا الإسناد.
وذكره الهيثمي في «المجمع» ٨٤٨٧ بهذا اللفظ وقال: رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات. وكذا قال المنذري في «الترغيب» ٤٤٧٤.
وأخرجه الطبراني في «الأوسط» ٢٦٨٤ وأبو نعيم في «الحلية» (٥/ ١٧٤) من طريق محمد بن الحسن الهمداني ثنا سفيان الثوري عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ به. وصدره «إنما العلم بالتعلم.....».
وقال أبو نعيم: غريب من حديث الثوري عن عبد الملك تفرد به محمد بن الحسن اهـ.
وذكره الهيثمي في «المجمع» ٥٣٨ وقال: رواه الطبراني في «الأوسط» وفيه: محمد بن الحسن بن أبي يزيد، وهو كذاب اهـ. قلت: قد ورد من وجوه وعلته الانقطاع كما تقدم، وهو بهذا اللفظ ضعيف، ولعل الراجح فيه الوقف، وقد ورد في هذا المعنى بغير هذا السياق.
ففي الباب من حديث عمران بن حصين بلفظ «لسى منا من تطير، أو تطيّر له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلّم».
أخرجه البزار ٣٠٤٤ وذكره الهيثمي في «المجمع» (٥/ ١١٧) وقال: ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع، وهو ثقة اهـ. وجوّد إسناده المنذري في «الترغيب» ٤٤٦٧.
ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص «من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك، قالوا يا رسول الله، فما كفارة ذلك؟
(١) الشوحط: شجر تتخذ منه القسي. كما في «القاموس»
.
(٢) في المخطوط «مصلق».
(٣) في المطبوع «تداوروا».
11
الْحَسَنُ بْنُ دَاوُدَ الْخَشَّابُ أَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا أَبُو المحيّاة [١] عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَكَهَّنَ أَوِ اسْتَقْسَمَ أَوْ تَطَيَّرَ طِيَرَةً تَرُدُّهُ عَنْ سَفَرِهِ لم ينظر إلى الدرجات العلى من الجنة يوم القيامة».
الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ، يَعْنِي: أَنْ تَرْجِعُوا إِلَى دِينِهِمْ كُفَّارًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَطْمَعُونَ فِي عَوْدِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى دِينِهِمْ فَلَمَّا قَوِيَ الْإِسْلَامُ أيسوا، وَيَئِسَ وَأَيِسَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً، نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، يَوْمَ عَرَفَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ بِعَرَفَاتٍ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ، فَكَادَتْ عَضُدُ النَّاقَةِ تَنْدَقُّ مِنْ ثِقَلِهَا فَبَرَكَتْ [٢].
«٧٤٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَاحِ سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ أَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ أَنَا قَيْسُ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تقرءونها، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قَالَ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً، فقال عُمَرُ: قَدْ عَرْفَنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَشَارَ عُمَرُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ عِيدًا لَنَا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خَمْسَةُ أَعْيَادٍ: جُمْعَةٌ وَعَرَفَةُ وَعِيدُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ، وَلَمْ تَجْتَمِعْ [أَعْيَادُ] [٣] أَهْلِ الْمِلَلِ فِي يوم قبله ولا بعده.
«٧٤٧» وروى هَارُونُ بْنُ عَنْتَرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَكَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ» ؟ فَقَالَ: أَبْكَانِي أَنَّا كُنَّا فِي زِيَادَةٍ مِنْ دِينِنَا، فَأَمَّا إذا كمل فإنه لم يكمل شيء إِلَّا نَقُصَ، قَالَ: «صَدَقْتَ».
وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَعْيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَاشَ بَعْدَهَا إِحْدَى وَثَمَانِينَ يَوْمًا، وَمَاتَ يَوْمَ الإثنين بعد ما زاغت
قال: يقول أحدهم اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك».
أخرجه أحمد (٢/ ٢٢٠) ٧٠٤٥ وابن السني في «عمل اليوم والليلة» ٢٨٧ والطبراني كما في «المجمع» ٨٤١٢ وقال الهيثمي: وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات اهـ.
٧٤٦- إسناده صحيح على شرط البخاري، أبو العميس هو عتبة بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
وهو في «صحيح البخاري» ٤٥ عن الحسن بن الصباح بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٤٤٠٧ و٤٦٠٦ و٧٢٦٨ ومسلم ٣٠١٧ والترمذي ٣٠٤٣ والنسائي (٨/ ١١٤) و (٥/ ٢٥١) والحميدي ٣٣ وابن حبان ١٨٥ والطبري ١١٠٩٨ و١١٠٩٩ والآجري في «الشريعة» ص ١٠٥ والواحدي في «أسباب النزول» ٣٨١ والبيهقي (٥/ ١١٨) من طرق عن قيس بن مسلم به.
٧٤٧- ضعيف. أخرجه الطبري ١١٠٨٧ عن هَارُونُ بْنُ عَنْتَرَةَ عَنْ أَبِيهِ مرسلا. ومع إرساله هارون فيه ضعف.
قال الذهبي في «الميزان» : وثقه أحمد ويحيى، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا لا يجوز الاحتجاج به اهـ. فالخبر ضعيف.
(١) وقع في المطبوع «المختار».
(٢) انظر تفسير الطبري ١١٠٨٥.
(٣) زيادة عن المخطوط.
12
الشَّمْسُ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَقِيلَ: تُوُفِّيَ يَوْمَ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَكَانَتْ هِجْرَتُهُ فِي الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، يَعْنِي: يَوْمَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، يَعْنِي الْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ وَالْحُدُودَ وَالْجِهَادَ وَالْأَحْكَامَ وَالْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، فَلَمَّ يَنْزِلْ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ، وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْفَرَائِضِ والسنن والحدود والأحكام، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، ويروى عَنْهُ أَنَّ آيَةَ الرِّبَا نَزَلَتْ بَعْدَهَا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وقتادة: [اليوم] [١] أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فَلَمْ يَحُجَّ مَعَكُمْ مُشْرِكٌ، وَقِيلَ: أَظْهَرْتُ دِينَكُمْ وأمّنتكم من العدو، وقوله عَزَّ وَجَلَّ: وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، يعني: أنجزت وعدي في قوله: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ [الْبَقَرَةِ: ١٥٠]، فَكَانَ مِنْ تَمَامِ نِعْمَتِهِ أَنْ دَخَلُوا مَكَّةَ آمِنِينَ وَعَلَيْهَا ظَاهِرِينَ، وَحَجُّوا مُطْمَئِنِّينَ لَمْ يُخَالِطْهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً.
«٧٤٨» سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ [أَبِي] [٢] حَاتِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيَّ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الْمَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيَّ، سَمِعْتُ عبد الملك بن مسلمة أبا [٣] مَرْوَانُ الْمِصْرِيُّ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أبي بكر بن المنكدر سَمِعْتُ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَالَ جبريل: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
هَذَا دِينٌ ارْتَضَيْتُهُ لِنَفْسِي وَلَنْ يُصْلِحَهُ إِلَّا السَّخَاءُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ، فَأَكْرِمُوهُ بِهِمَا مَا صَحِبْتُمُوهُ»
.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ، أَيْ: أُجْهِدَ فِي مَجَاعَةٍ، وَالْمَخْمَصَةُ خُلُوُّ الْبَطْنِ مِنَ الْغِذَاءِ، يُقَالُ: رَجُلٌ خَمِيصُ الْبَطْنِ إِذَا كَانَ طَاوِيًا خَاوِيًا، غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ، أَيْ: مَائِلٍ إِلَى إِثْمٍ وَهُوَ أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ الشِّبَعِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِمَعْصِيَةٍ فِي مَقْصِدِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَفِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: فَأَكَلَهُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
«٧٤٩» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيِّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ أَنَا
٧٤٨- ضعيف جدا. إسناده ضعيف جدا، له علتان الأولى: وهي عبد الملك بن مسلمة المصري فإنه منكر الحديث. والثانية:
شيخه إبراهيم ضعفه الدارقطني، وهذا الحديث مسلسل بالسماع لكن لا يفرح به.
وأخرجه الخرائطي في «مكارم الأخلاق» ٤٠ وابن حبان في «المجروحين» (٢/ ١٣٤) من طريق عبد الملك بن مسلمة بهذا الإسناد.
وقال ابن حبان: عبد الملك بن مسلمة يروي المناكير الكثيرة لا تخفى على من عني بعلم السنن اهـ.
وأورده ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ٥/ ٣٧١ ونقل عن أبيه قوله: موضوع.
وورد بمعناه من حديث عمران بن حصين عند الطبراني في «الأوسط» ٨٢٨٢ وذكره الهيثمي في «المجمع» (٨/ ٢٠) وقال:
وفيه عمرو بن الحصين العقيلي، وهو متروك اهـ. [.....]
٧٤٩- حسن. إسناده ضعيف لانقطاعه، حسان بن عطية روايته عن أبي واقد مرسلة، ورجال الإسناد ثقات، الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو، وسيأتي موصولا لكن بأسانيد واهية، وللحديث شواهد تشهد له.
وهو في «شرح السنة» ٢٩٠١ بهذا الإسناد غير أن فيه «محمد بن قريش بن سلام» بدل «بن سليمان» وأخرجه البيهقي (٩/ ٣٥٦) عن علي بن عبد العزيز به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من ط.
(٣) وقع في الأصل «أنا» والتصويب من ط وكتب التراجم.
13
أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ أَنَا أَبُو عَبِيدٍ [١] الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللِّيثِيِّ.
أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَكُونُ بِالْأَرْضِ فَتُصِيبُنَا بِهَا الْمَخْمَصَةُ فَمَتَى تَحِلُّ لَنَا الْمَيْتَةُ؟ فَقَالَ: «مَا لَمْ تَصْطَبِحُوا أَوْ تَغْتَبِقُوا أَوْ تَحْتَفِئُوا [٢] بِهَا بقلا فشأنكم بها» [٣].
[سورة المائدة (٥) : آية ٤]
يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤)
. قوله: يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ الآية.
وأخرجه أحمد (٥/ ٢١٨) (٢١٣٩١ و٢١٣٩٤) والدارمي (٢/ ٨٨) والطبري ١١١٢٨ والبيهقي (٩/ ٣٥٦) من طرق عن الأوزاعي به.
وأخرجه البيهقي (٩/ ٣٥٦) عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ إجازة أن أبا الحسن بن صبيح أخبرهم: أنبأ عبد الله بن شيرويه، أنبأ إسحاق بن إبراهيم الحنظلي عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي. قال: حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ ابن مرثد أو أبي مرثد عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه به.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» ٣٣١٥ من طريق حسان بن عطية عن مرثد، أو أبي مرثد، عن أبي واقد الليثي به. و٣٣١٦ عن طريق حسان عن مسلم بن مشكم عن أبي واقد به.
وذكره الهيثمي «المجمع» ٦٨٢٧ و٨٠٧٤ وقال في الموضع الأول: رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح، إلا أن المزني قال: لم يسمع حسان بن عطية من أبي واقد والله أعلم اهـ.
وقال في الموضع الثاني: رواه الطبراني، ورجاله ثقات اهـ.
وأخرجه الطبري ١١١٣٥ من طريق الأوزاعي عن حسان بن عطية مرسلا.
وفي الباب من حديث الفجيع العامري أنه أتى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: ما يحل لنا من الميتة قال: «ما طعامكم» ؟ قلنا: نغتبق ونصطبح. قال: «ذلك وأبي الجوع» فأحل لهم الميتة على هذه الحال.
قال أبو نعيم: فسّره لي عقبة: قدح غدوة، وقدح عشية اهـ أي فسّر له معنى نغتبق ونصطبح.
أخرجه أبو داود ٣٨١٧ والبيهقي (٩/ ٣٥٧) والبغوي في «شرح السنة» ٢٩٠٠.
ومن حديث جابر بن سمرة «أن رجلا نزل الحرّاء، ومعه أهله وولده فقال له رجل: إن ناقة لي ضلت، فإن وجدتها فأمسكها فوجدها، ولم يجد صاحبها، فمرضت فقالت امرأته: أنحرها. فأبى: فنفقت. فقالت له امرأته: اسلخها حتى تقدد شحمها ولحمها فنأكله. فقال: حتى أسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فأتاه فسأله. فقال: هل عندك شيء يغنيك؟ قال: لا قال: فكلوها. قال: فجاء صاحبها فأخبره الخبر. فقال: هلا كنت نحرتها؟ قال: استحييت منك».
أخرجه أبو داود ٣٨١٦ والبيهقي (٩/ ٣٥٦).
قال البيهقي (٩/ ٣٥٧) : وفي ثبوت هذه الأحاديث نظر، وحديث جابر بن سمرة أصحها اهـ.
(١) وقع في الأصل «عبيدة» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٢) وقع في الأصل «تخنقوا» والتصويب من «شرح السنة» ومصادر التخريج.
(٣) قال المصنف في «شرح السنة» (٦/ ١١١، ١١٢) : قال أبو عبيد: معنى الحديث إنما لكم منها. يعني من الميتة. الصبوح:
وهو الغداء. والغبوق: وهو العشاء. يقول فليس لكم أن تجمعوهما من الميتة، وأنكروا ذلك على أبي عبيد.
وقالوا: معناه إذا لم تجدوا صبوحا أو غبوقا، ولم تجدوا بقلة تأكلونها حلت لكم الميتة، فإذا اصطبح الرجل لبنا أو تغدى بطعام لم يحل له نهاره ذلك أكل الميتة، وكذلك إذا تعشى أو شرب غبوقا، فلم يحل له ليلته تلك لأنه يتبلّغ بتلك الشربة.
وإذا مر المضطر بتمر أو زرع أو ماشية للغير، أكل منها، لم يكن لمالكه منعه، فإن منعه، كان في ذمته اهـ «شرح السنة».
وقيل: معنى تحتفئوا: تقتلعوا. والصبوح: شرب أول النهار. والغبوق: شرب آخر النهار.
14
«٧٥٠» قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَزَيْدِ بْنِ الْمُهَلْهِلِ الطَّائِيَّيْنِ وَهُوَ زَيْدُ الْخَيْلِ الَّذِي سَمَّاهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ الْخَيْرِ، قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِالْكِلَابِ وَالْبُزَاةِ فَمَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْهَا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
٧٥»
وَقِيلَ: سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَمَرْتَ بِقَتْلِهَا؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اقْتِنَاءِ الْكِلَابِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا، وَنَهَى عَنْ إِمْسَاكِ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ مِنْهَا.
«٧٥٢» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ [١] عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ [٢] أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ».
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فِي سَبَبِ نِزُولِ [هَذِهِ] [٣] الْآيَةِ.
قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ، يَعْنِي: الذَّبَائِحَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: كُلُّ مَا تَسْتَطِيبُهُ الْعَرَبُ وَتَسْتَلِذُّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرِدَ بِتَحْرِيمِهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سَنَةٍ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ، يَعْنِي: وَأُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْجَوَارِحِ، فَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: هِيَ الْكِلَابُ دُونَ غَيْرِهَا، وَلَا يَحِلُّ مَا صَادَهُ غَيْرُ الْكَلْبِ إِلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ، بَلْ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ
٧٥٠- ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٣٨٤ عن سعيد بن جبير بدون إسناد. فالخبر واه ليس بشيء.
وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٢٠) لابن أبي حاتم.
٧٥١- هو عند الواحدي في «أسباب النزول» ص ١٩٤ نقلا عن المفسرين بدون إسناد.
وأصله عند الحاكم (٢/ ٣١١) والطبري ١١١٣٧ والواحدي ٣٨٣ والطبراني ٩٧١ و٩٧٢ من حديث أبي رافع، وأعله الهيثمي في «المجمع» ٦٠٩٦ بموسى بن عبيدة الربذي، وضعفه به، لكن تابعه محمد بن إسحاق عند الحاكم، وصححه وسكت الذهبي، وفيه عنعنة ابن إسحاق، وهو مدلس.
وورد بنحوه عن عكرمة مرسلا أخرجه الطبري ١١١٣٨ وعن محمد بن كعب ١١١٣٩ بنحوه فالحديث لا بأس به بهذه الطرق والله أعلم.
٧٥٢- إسناده صحيح، رجاله رجال البخاري ومسلم، سوى أحمد بن منصور وهو ثقة، معمر هو ابن راشد الزهري، هو محمد بن مسلم، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
وهو في «شرح السنة» ٢٧٧١ بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ١٥٧٥ ح ٥٨ وأبو داود ٢٨٤٤ والترمذي ١٤٩٠ والنسائي (٧/ ١٩٨) وأحمد (٢/ ٢٦٧) والبيهقي (١/ ٢٥١) من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢٣٢٢ و٣٣٢٤ ومسلم ١٥٧٥ وابن ماجه ٣٢٠٤ وأحمد (٢/ ٤٢٥ و٤٧٣) وابن حبان ٥٦٥٢ و٥٦٥٤ والبيهقي (٦/ ١٠) من طرق يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أبي سلمة به.
وأخرجه مسلم ١٥٧٥ ح ٥٧ والنسائي (٧/ ١٨٩) وابن أبي شيبة (٥/ ٤٠٩) وأحمد (٢/ ٣٤٥) والبيهقي (١/ ٢٥١) و (٦/ ١٠) من طرق من حديث أبي هريرة بألفاظ متقاربة.
(١) وقع في الأصل «الحسن» والتصويب من ط و «شرح السنة».
(٢) وقع في الأصل «الزيادي» والتصويب من ط و «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٣) زيد في المطبوع وحده «أما تفسير الآية». [.....]
15
الجوارح الكواسب مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ كَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْكَلْبِ وَمِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ، فَيَحِلُّ صَيْدُ جَمِيعِهَا، سُمِّيَتْ جارحة: لجرحها أربابها أَقْوَاتَهُمْ مِنَ الصَّيْدِ، أَيْ:
كَسْبِهَا، يُقَالُ: فُلَانٌ جَارِحَةُ أَهْلِهِ، أَيْ: كاسبهم، مُكَلِّبِينَ، المكلّب [هو] [١] الَّذِي يُغْرِي الْكِلَابَ عَلَى الصَّيْدِ، وَيُقَالُ لِلَّذِي يُعَلِّمُهَا أَيْضًا: مُكَلِّبٌ، وَالْكَلَّابُ: صَاحِبُ الْكِلَابِ، وَيُقَالُ لِلصَّائِدِ بِهَا أَيْضًا كَلَّابٌ، وَنَصَبَ مُكَلِّبِينِ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: فِي حَالِ تكليبكم هذه الجوارح أي إغرائكم إِيَّاهَا عَلَى الصَّيْدِ، وَذَكَرَ الْكِلَابَ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ وَأَعَمُّ، وَالْمُرَادُ جَمِيعُ جَوَارِحِ الصَّيْدِ، تُعَلِّمُونَهُنَّ، تُؤَدِّبُونَهُنَّ آدَابَ أَخْذِ الصَّيْدِ، مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ، أَيْ: مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي عَلَّمَكُمُ اللَّهُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ: كَمَا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ، (مِنْ) بِمَعْنَى الْكَافِ، فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَرَادَ أَنَّ الْجَارِحَةَ الْمُعَلَّمَةَ إِذَا خَرَجَتْ بِإِرْسَالِ صَاحِبِهَا فَأَخَذَتِ الصَّيْدَ وَقَتَلَتْهُ كَانَ حَلَالًا، وَالتَّعْلِيمُ هُوَ أَنْ يُوجَدَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: إِذَا أُشْلِيَتِ اسْتَشْلَتْ، وَإِذَا زُجِرَتِ انْزَجَرَتْ، وَإِذَا أَخَذَتِ الصَّيْدَ أَمْسَكَتْ وَلَمْ تَأْكُلْ، وَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ منه مرارا وأقلها ثَلَاثُ مَرَّاتٍ كَانَتْ مُعَلَّمَةً، يَحِلُّ قَتْلُهَا [٢] إِذَا خَرَجَتْ بِإِرْسَالِ صَاحِبِهَا.
«٧٥٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا ثابت بن يزيد [٣] عَنْ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا خَالَطَ كِلَابًا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا فَأَمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهَا قَتَلَ، وَإِذَا رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ».
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا أَخَذَتِ الصَّيْدَ وَأَكَلَتْ مِنْهُ شَيْئًا، فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلى تحريمه، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيِ الشافعي.
٧٥٣- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عاصم هو الأحول واسم أبيه سليمان، الشعبي هو عامر بن شراحيل.
وهو في «شرح السنة» ٢٧٦٢ بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح البخاري» ٥٤٨٤ عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ١٩٢٩ ح ٦ و٧ وأبو داود ٢٨٤٩ و٢٨٥٠ والترمذي ١٤٦٩ والنسائي (٧/ ١٧٩، ١٨٠ و١٨٢ و١٨٣ و١٨٤) وابن ماجه ٣٢١٣ وعبد الرزاق ٨٥٠٢ وأحمد (٤/ ٢٥٧ و٣٧٩ و٣٨٠) والدارقطني (٤/ ٢٩٤) وابن حبان ٥٨٨٠ وابن الجارود ٩٢٠ والطبراني (١٧/ ١٥٤، ١٥٧) والبيهقي (٩/ ٢٣٦ و٢٣٨ و٢٣٩ و٢٤٣ و٢٤٤ و٢٤٨) من طرق عن عاصم بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ١٧٥ و٢٠٥٤ و٥٤٧٥ و٥٤٧٦ و٥٤٨٣ و٥٤٨٧ ومسلم ١٩٢٩ ح ٢ و٣ و٤ و٥ وأبو داود ٢٨٤٨ و٢٨٥١ والترمذي ١٤٦٧، و١٤٧٠ والنسائي (٧/ ١٨٠ و١٨٢ و١٨٣) وابن ماجه ٣٢٠٨ و٣٢١٢ و٣٢١٤ والطيالسي ١٠٣٠ وعبد الرزاق ٨٥٣١ والحميدي ٩١٤ و٩١٥ و٩١٧ وأحمد (٤/ ٢٥٦ و٢٥٧ و٣٥٨ و٣٧٧ و٣٧٩ و٣٨٠) والدارمي (٢/ ٨٩) وابن الجارود ٩١٥ و٩١٨ والطبراني (١٧/ ١٤١، ١٥٣ و١٥٩ و١٦٨) والبيهقي (٩/ ٢٣٥ و٢٣٦ و٢٣٨ و٢٤٢ و٢٤٤) من طرق عن عامر الشعبي به.
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) في المخطوط وحده «قتيلها».
(٣) وقع في الأصل «زيد» والتصويب من «شرح السنة» ومصادر التخريج.
16
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» [١].
وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي أَكْلِهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَسَعْدِ بن أبي وقاص، و [به] [٢] قَالَ مَالِكٌ:
«٧٥٤» لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلْ وَإِنْ أكل منه».
أمّا غَيْرُ الْمُعَلَّمِ مِنَ الْجَوَارِحِ إِذَا أَخَذَ صَيْدًا أَوِ الْمُعَلَّمُ إِذَا جرح بِغَيْرِ إِرْسَالِ صَاحِبِهِ فَأَخَذَ وَقَتَلَ فَلَا يَكُونُ حَلَالًا إِلَّا أَنْ يُدْرِكَهُ صَاحِبُهُ حَيًّا فَيَذْبَحَهُ، فَيَكُونُ حَلَالًا.
«٧٥٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ أَنَا حَيْوَةُ أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ:
قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، وَبِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بمعلّم، وبكلبي المعلم فما يصلح [٣] لِي؟ قَالَ: «أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ وجدتم
٧٥٤- إسناد حسن، والمتن غريب. أخرجه أبو داود ٢٨٥٢ والبيهقي (٩/ ٢٣٧) من مذهب أبي ثعلبة، ورجاله ثقات، وحسنه ابن عبد الهادي كما في «نصب الراية» (٤/ ٣١٢) وورد من طريق حبيب الْمُعَلِّمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عن أبيه عن جده، وهذا إسناده قوي، وقواه الحافظ ابن حجر في «الدراية» (٢/ ٢٥٤) وصححه ابن عبد الهادي كما في «نصب الراية» ومع ذلك ورد من طرق أخرى عن أبي ثعلبة بأسانيد أصح مما تقدم وليس فيها «فكل وإن أكل» وانظر الآتي.
٧٥٥- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، حيوة هو ابن شريح، أبو إدريس هو عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وهو في «شرح السنة» ٢٧٦٥ بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح البخاري» ٥٤٧٨ من طريق عبد الله بن يزيد بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٥٤٨٨ و٥٤٩٦ ومسلم ١٩٣٠ وأبو داود ٢٨٥٥ والترمذي بإثر ١٥٦٠ والنسائي (٧/ ١٨١) وابن ماجه ٣٢٠٧ وأحمد (٤/ ١٩٥) وابن الجارود ٩١٦ وابن حبان ٥٨٧٩ والبيهقي (٤/ ٢٤٤) من طرق عن حيوة بن شريح بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود ٢٨٥٢ و٢٨٥٦ والترمذي ١٤٦٤ وأحمد (٤/ ١٩٥) والبيهقي (٩/ ٢٣٧) من طرق عن أبي إدريس الخولاني به.
وأخرجه الترمذي ١٤٦٤ وأحمد (٤/ ١٩٣) من طريق مكحول عن أبي ثعلبة الخشني به.
وأخرجه أبو داود ٢٨٥٧ والدارقطني (٤/ ٢٩٣، ٢٩٤) والبيهقي (٩/ ٢٣٧) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أبي ثعلبة به.
وأخرجه ابن ماجه ٣٢١١ من طريق سعيد بن المسيب عن أبي ثعلبة مختصرا، و٢٨٣١ من طريق عروة بن رويم اللخمي عن أبي ثعلبة.
وأخرجه أحمد (٤/ ١٩٥) من طريق أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن أبي ثعلبة الخشني به.
وأخرجه الترمذي ١٥٦٠ و١٧٩٦ وعبد الرزاق ٨٥٠٣ والطيالسي ١٠١٤ و١٠١٥ وأحمد (٤/ ١٩٣ و١٩٤) من طرق عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي ثعلبة به، وقال الترمذي: وأبو قلابة لم يسمع من أبي ثعلبة، إنما رواه عن أبي أسماء عن أبي ثعلبة اهـ.
ورواية أبي أسماء عن أبي ثعلبة عن أحمد (٤/ ١٩٥).
(١) انظر الحديث المتقدم.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع وط «يصح».
17
غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا، وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فكل».
وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ، فَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ ذِكْرَ اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الذَّبِيحَةِ شَرْطٌ حَالَةَ مَا يُذْبَحُ، وَفِي الصَّيْدِ حَالَةَ مَا يُرْسِلُ الْجَارِحَةَ أَوِ السَّهْمَ.
«٧٥٦» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُلْوِيَّةَ الْجَوْهَرِيُّ قال: أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْأَثْرَمِ الْمُقْرِيُّ بِالْبَصْرَةِ أنا عمر بن شبة [١] أَنَا [ابْنُ] [٢] أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ قَالَ:
ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ، قَالَ: رَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ وَيَقُولُ: «بِسْمِ الله والله أكبر».
[سورة المائدة (٥) : آية ٥]
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٥)
. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ، يَعْنِي: الذَّبَائِحَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ، يُرِيدُ ذَبَائِحَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمَنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ قَبْلَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَالٌ لَكُمْ، فَأَمَّا مَنْ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ بَعْدَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ، وَلَوْ ذَبَحَ يهودي أو
٧٥٦- إسناده صحيح، عمرو بن شبة ثقة، وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، ابن أبي عدي هو محمد بن إبراهيم.
وهو في «شرح السنة» ١١١٤ بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ١٩٦٦ من طريق ابن أبي عدي بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (٧/ ٢٣١، ٤٤٣٠) من طريق سعيد به.
وأخرجه البخاري ٥٥٥٨ ومسلم ١٩٦٦ والنسائي (٧/ ٢٣٠ و٢٣١) وابن ماجه ٣١٢٠ والطيالسي ١٩٦٨ وأحمد (٣/ ١١٥ و١٨٣ و٢٢٢ و٢٥٥ و٢٧٢ و٢٧٩) والدارمي (٢/ ٧٥) وابن الجارود ٩٠٩ وأبو يعلى ٣١٣٦ و٣٢٤٧ و٣٢٤٨ وابن حبان ٥٩٠٠ و٥٩٠١ من طرق عن شعبة عن قتادة به.
وأخرجه البخاري ٥٥٦٤ و٥٥٦٥ و٧٣٩٩ ومسلم ١٩٦٦ وأبو داود ٢٧٩٤ والترمذي ١٤٩٤ والنسائي (٧/ ٢٢٠) وعبد الرزاق ٨١٢٩ والطيالسي ١٩٦٨ وأحمد (٣/ ١٧٠ و٢١١ و٢١٤ و٢٥٨) وابن الجارود ٩٠٢ وأبو يعلى ٢٨٥٩ و٢٨٧٧ و٣١١٨ و٣١٦٦ و٣٢٤٧ والبيهقي (٩/ ٢٥٩ و٢٨٣ و٢٨٥) من طرق عن قتادة به.
وأخرجه البخاري ١٥٥١ و١٧١٢ و٥٥٥٤ وأبو داود ٢٧٩٣ والنسائي (٧/ ٢٢٠) وأحمد (٣/ ٢٦٨) وأبو يعلى ٢٨٠٦ و٢٨٠٧ والبيهقي (٩/ ٢٧٢ و٢٧٩) من طرق عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ به.
وأخرجه البخاري ٥٥٥٣ والنسائي (٧/ ٢١٩) وأحمد (٣/ ١٠١ و٢٨١) والدارقطني (٤/ ٢٨٥) من طريق عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أنس به.
وأخرجه النسائي (٧/ ٢٢٠) والبيهقي (٩/ ٢٦٣ و٢٧٧) من طريق محمد بن سيرين عن أنس.
وأخرجه النسائي (٧/ ٢١٩، ٢٢٠) وأحمد (٣/ ١٧٨) من طريق ثابت عن أنس به.
(١) وقع في الأصل «شيبة» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من «شرح السنة» وكتب التراجم.
18
نَصْرَانِيٌّ عَلَى اسْمِ غَيْرِ اللَّهِ كَالنَّصْرَانِيِّ يَذْبَحُ بِاسْمِ الْمَسِيحِ فَاخْتَلَفُوا فيه، قال [ابن] [١] عُمَرُ: لَا يَحِلُّ وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ يَحِلُّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ، سُئِلَ الشعبي وعطاء عَنِ النَّصْرَانِيِّ يَذْبَحُ بِاسْمِ الْمَسِيحِ، قَالَا: يَحِلُّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَلَّ ذَبَائِحَهُمْ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُونَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا ذَبَحَ الْيَهُودِيُّ أَوِ النَّصْرَانِيُّ فَذَكَرَ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ وَأَنْتَ تَسْمَعُ فَلَا تَأْكُلْهُ فَإِذَا غَابَ عَنْكَ فكل فقد أحلّه [اللَّهُ] [٢] لَكَ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ شَرَعَ لَهُمْ حِلُّ طَعَامِنَا وَهُمْ كُفَّارٌ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ؟ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ حَلَالٌ لَكُمْ أَنْ تُطْعِمُوهُمْ فَيَكُونُ خِطَابُ الْحِلِّ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ ذَكَرَ عُقَيْبَهُ حُكْمَ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حِلَّ الْمُسْلِمَاتِ لَهُمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَلَالٌ لَكُمْ أَنْ تُطْعِمُوهُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُمْ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ، هَذَا رَاجَعٌ إِلَى الْأَوَّلِ مُنْقَطِعٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ.
اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى (المحصنات)، فذكر أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُنَّ الْحَرَائِرُ، وَأَجَازُوا نِكَاحَ كُلِّ حُرَّةٍ مُؤْمِنَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً فَاجِرَةً كَانَتْ أَوْ عَفِيفَةً، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ هَؤُلَاءِ: لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ [النِّسَاءِ: ٢٥]، جَوَّزَ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِشَرْطِ أن تكون الأمة مُؤْمِنَةً، وَجَوَّزَ أَكْثَرُهُمْ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ الْحَرْبِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَجُوزُ وَقَرَأَ قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ [التَّوْبَةِ: ٢٩]، فَمَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ حَلَّ لَنَا نِسَاؤُهُ وَمَنْ لَمْ يُعْطِهَا فَلَا يَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمُحْصَنَاتِ فِي الْآيَةِ: الْعَفَائِفُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ حَرَائِرَ كُنَّ أَوْ إِمَاءً وَأَجَازُوا نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَحَرَّمُوا الْبَغَايَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْكِتَابِيَّاتِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِحْصَانُ الْكِتَابِيَّةِ أَنْ تَسْتَعِفَّ مِنَ الزِّنَا وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [أَيْ: مُهُورَهُنَّ] [٣] مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ، غَيْرَ مُعَالِنِينَ بِالزِّنَا، وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ، أَيْ: غير مسرّين بِالزِّنَا، قَالَ الزَّجَّاجُ: حَرَّمَ اللَّهُ الْجِمَاعَ عَلَى جِهَةِ السِّفَاحِ وَعَلَى جِهَةِ اتِّخَاذِ الصَّدِيقَةِ، وَأَحَلُّهُ عَلَى جِهَةِ الْإِحْصَانِ وَهُوَ التَّزَوُّجُ، وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ، قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: يَقُولُ لَيْسَ إِحْصَانُ الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُنَّ بِالَّذِي يُخْرِجُهُنَّ مِنَ الْكُفْرِ أَوْ يُغْنِي عَنْهُنَّ شَيْئًا وَهِيَ لِلنَّاسِ عَامَّةً، وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ، أَيْ: بِاللَّهِ الَّذِي يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بِالْإِيمَانِ أَيْ: بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَهِيَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهو القرآن، وقيل: ومن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ، أَيْ: يَسْتَحِلُّ الْحَرَامَ وَيُحَرِّمُ الْحَلَالَ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَسِرَ الثَّوَابَ.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط وط. [.....]
(٣) زيادة عن المخطوط.
19

[سورة المائدة (٥) : آية ٦]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ، أَيْ: إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ إِلَى الصَّلَاةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النمل: ٩٨]، أَيْ: إِذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ مَرَّةٍ يُرِيدُ الْقِيَامَ إِلَى الصّلاة، لكن علمنا بِبَيَانِ السُّنَّةِ وَفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ وَأَنْتُمْ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ.
«٧٥٧» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ».
«٧٥٨» وَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَيْنَ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ.
«٧٥٩» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ [١] أَنَا أَبُو الْحَارِثِ طاهر بن محمد الظاهري أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ]
أَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الموجّه أنا عَبْدَانُ [أَنَا عَبْدُ اللَّهِ] [٣] أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ.
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ فَتْحِ مكة الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: مَعْنَى الْآيَةِ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ مِنَ النَّوْمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَمْرٌ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ، ندب لمن قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ أَنْ يُجَدِّدَ لَهَا طَهَارَتَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى طُهْرٍ.
«٧٦٠» رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كَتَبَ اللَّهُ له عشر حسنات».
٧٥٧- تقدم برقم: ٦٠٦.
٧٥٨- مراد المصنف ما أخرجه النسائي (٢/ ١٧) والشافعي ١ وأحمد (٣/ ٢٥ و٦٧ و٦٨) وأبو يعلى ١٢٩٦ وابن حبان ٢٨٩٠ والبيهقي (١/ ٤٠٢، ٤٠٣) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمس، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل، فأنزل الله عزّ وجلّ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بلالا فأقام لصلاة الظهر فصلاها كما كان يصليها لوقتها، ثم أقام العصر فصلّاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أذّن للمغرب فصلاها كما كان يصليها وقتها» وهذا إسناده صحيح، وورد من حديث ابن مسعود، وزاد فيه ذكر صلاة العشاء. أخرجه النسائي (٢/ ١٨ ح ٦٦١ و٦٦٢) لكن فيه إرسال بين أبي عبيدة وأبيه ابن مسعود.
٧٥٩- إسناده صحيح، سليمان بن بريدة من رجال مسلم، وباقي الإسناد على شرطهما، عبدان هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك، وسفيان هو ابن سعيد الثوري.
وهو في «شرح السنة» ٢٣١ بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٢٧٧ وأبو داود ١٧٢ والترمذي ٦١ والنسائي (١/ ١٦) وأحمد (٥/ ٣٥٠ و٣٥١ و٣٥٨) وأبو عوانة (١/ ٢٣٧) والدارمي (١/ ١٦٩) والطحاوي في «المعاني» (١/ ٤١) وابن حبان ١٧٠٦ و١٧٠٨ والبيهقي (١/ ١٦٢) من طرق عن سفيان به.
وأخرجه الطيالسي (١/ ٥٤) عن قيس عن علقمة بن مرثد به.
وأخرجه ابن ماجه ٥١٠ وابن أبي شيبة (١/ ٢٩) وابن حبان ١٧٠٧ من طريق وكيع عن سفيان عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنِ سليمان بن بريدة به.
(١) وقع في الأصل «الحنفي» والتصويب عن ط و «شرح السنة».
(٢) وقع في الأصل «حكيم» والتصويب عن ط و «شرح السنة» و «الأنساب».
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» وكتب التراجم.
٧٦٠- ضعيف، أخرجه أبو داود ٦٢ والترمذي ٥٩ وابن ماجه ٥١٢ والطبري ١١٣٤٠ و١١٣٤١ من حديث ابن عمر، وإسناده،
20
«٧٦١» وَرُوِيَ [عَنْ] [١] عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حنظلة بن [أبي] عَامِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ، فَلَمَّا شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَمَرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ».
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ، فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الْحَدَثِ مَا بَدَا لَهُ مِنَ الْأَفْعَالِ غَيْرَ الصَّلَاةِ.
«٧٦٢» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَنِيفِيُّ أَنَا أبو الحارث الظاهري أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ [٢] أَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ أَنَا صَدَقَةُ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ:
كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ مِنَ الْغَائِطِ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَتَوَضَّأُ؟ فقال: «لم أصلّ [٣] فَأَتَوَضَّأُ».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ، وَحَدُّ الْوَجْهِ مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إِلَى مُنْتَهَى الذَّقْنِ طُولًا وَمَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ عَرْضًا يجب غَسْلُ جَمِيعِهِ فِي الْوُضُوءِ، وَيَجِبُ أَيْضًا إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى مَا تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ وَالشَّارِبِ والعذار والعنفقة [٤] وَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً، وَأَمَّا الْعَارِضُ [٥] وَاللِّحْيَةُ فَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً لَا تُرَى الْبَشَرَةُ مِنْ تَحْتِهَا لَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِهَا فِي الْوُضُوءِ، بَلْ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهَا، وَهَلْ يَجِبُ إِمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى ظَاهِرِ مَا اسْتَرْسَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ عَنِ الذَّقَنِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه لِأَنَّ الشَّعْرَ النَّازِلَ عَنْ حَدِّ الرَّأْسِ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الرَّأْسِ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ، كَذَلِكَ النَّازِلُ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ لَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْوَجْهِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يجب إمرار الماء على
ضعيف لأجل عبد الرحمن بن زياد الأفريقي وشيخه عفيف مجهول. وضعفه الترمذي وكذا ابن حجر في «تلخيص الحبير» (١/ ١٤٣/ ١٩٢) وابن كثير في «التفسير» (٢/ ٣١) حيث وافق الترمذيّ على تضعيف الحديث، والله أعلم.
٧٦١- أخرجه أبو داود ٤٨ وأحمد (٥/ ٢٢٥) والحاكم (١/ ١٥٦) والطبري ١١٣٣١ والطحاوي في «المعاني» (١/ ٤٢، ٤٣) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حنظلة، وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي! مع أن أسماء بنت زيد بن الخطاب، روى لها أبو داود، وقيل: لها صحبة. وكذلك عبد الله بن حنظلة روى له أبو داود، وله رؤية، وتوفي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وله سبع سنوات، وسماعه محتمل. أو هو مرسل. وانظر «صحيح أبي داود» ٣٨.
٧٦٢- إسناده على شرط الصحيح، صدقة هو ابن الفضل روى له البخاري، وسعيد بن الحويرث خرج له مسلم، وباقي رجاله على شرطهما، ابن عيينة هو سفيان.
وهو في «شرح السنة» ٢٧٢ بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٣٧٤ ح ١١٩ وأحمد (١/ ٢٢٢) (١٩٣٣) والبيهقي (١/ ٤٢) من طرق عن سفيان بن عيينة بهذا الإسناد ورواية مسلم: «لم؟ أأصلي فأتوضأ».
وأخرجه مسلم ٣٧٤ ح ١٢١ وأحمد (١/ ٢٨٤) (٢٥٦٦) من طريق ابن جريج قال: حدثنا سعيد بن حويرث به، وفيه «ما أردت صلاة فأتوضأ».
وأخرجه أبو داود ٣٧٦٠ ومن طريقه البيهقي (١/ ٤٢) عن مسدد عن إسماعيل عن أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي مليكة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من الخلاء فقدم إليه طعام فقالوا: ألا نأتيك بالوضوء، فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة».
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) وقع في الأصل «حكيم» وهو تصحيف.
(٣) في ط و «صحيح مسلم» :«أأصلي». [.....]
(٤) العذار: جانبا اللحية. والعنفقة: شعيرات بين الشفة السفلى والذقن. كما في «القاموس».
(٥) العارض: صفحة الخدّ.
21
ظَاهِرِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ، وَالْوَجْهُ مَا يَقَعُ به الْمُوَاجَهَةِ مِنْ هَذَا الْعُضْوِ، وَيُقَالُ فِي اللُّغَةِ: بَقَلَ وَجْهُ فُلَانٍ وَخَرَجَ وَجْهُهُ: إِذَا نَبَتَتْ لِحْيَتُهُ. قول تَعَالَى: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ، أَيْ: مَعَ الْمَرَافِقِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ [النِّسَاءِ: ٢]، أَيْ: مَعَ أَمْوَالِكُمْ، وَقَالَ: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران: ٥٢]، أَيْ: مَعَ اللَّهِ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمِرْفَقَيْنِ، وَفِي الرِّجْلِ يَجِبُ غَسْلُ الْكَعْبَيْنِ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: لَا يَجِبُ غَسْلُ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ فِي غَسْلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ لِأَنَّ حَرْفَ إِلَى لِلْغَايَةِ وَالْحَدِّ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ، قُلْنَا: لَيْسَ هَذَا بِحَدٍّ وَلَكِنَّهُ بِمَعْنَى مَعَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ:
الشَّيْءُ إِذَا حُدَّ إِلَى جِنْسِهِ يَدْخُلُ فِيهِ الْغَايَةُ، وَإِذَا حُدَّ إِلَى غَيْرِ جِنْسِهِ لَا يَدْخُلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [الْبَقَرَةِ: ١٨٧]، لَمْ يَدْخُلِ اللَّيْلُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ النَّهَارِ، قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ، فَقَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ كَمَا يَجِبُ مَسْحُ جَمِيعِ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجِبُ مَسْحُ رُبْعِ الرَّأْسِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
يَجِبُ قَدْرُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْحِ، وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ مَسْحَ بَعْضِ الرَّأْسِ بِمَا:
«٧٦٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ».
فَأَجَازَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَلَمْ يُجَوِّزْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ بدلا من مسح الرأس، وقال فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ إِنَّ فَرْضَ المسح
٧٦٣- إسناده صحيح، الشافعي فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم سوى عمرو بن وهب الثقفي، وهو ثقة، وقد توبع. ابن سيرين هو محمد، أيوب هو ابن أبي تميمة السّختياني.
وهو في «شرح السنة» ٢٣٢ بهذا الإسناد.
وهو في «مسند الشافعي» (١/ ٣٢) عن يحيى بن حسان بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة (١/ ١٧٩) وأحمد (٤/ ٢٤٤ و٢٤٩) من طريق إسماعيل بن علية به.
وأخرجه ابن حبان ١٣٤٢ عن ابن سيرين به.
وأخرجه البيهقي (١/ ٥٨) من طريق حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عن ابن سيرين عن رجل عن عمرو بن وهب به.
وأخرجه أحمد (٤/ ٢٤٨) عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ ابن سيرين عن رجل عن عمرو بن وهب به.
وأخرجه البخاري ٢٠٦ و٥٧٩٩ ومسلم ٢٧٤ ح ٧٩ وأبو داود ١٥١ والنسائي (١/ ٦٣) والشافعي (١/ ٣٢) والحميدي ٧٥٨ وأحمد (٤/ ٢٥١ و٢٥٥) أبو عوانة (١/ ٢٢٥ و٢٢٦) وابن حبان ١٣٢٦ والطحاوي (١/ ٨٣) والطبراني في «الكبير» (٢٠/ ٨٦٤ و٨٦٦ و٨٦٧ و٨٦٨ و٨٧١) والبيهقي (١/ ٢٨١) والخطيب (١٢/ ٤٢٧) من طرق عن عامر الشعبي عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه في أثناء حديث.
وأخرجه مسلم ٢٧٤ ح ٨٣ وأبو داود ١٥٠ والترمذي ١٠٠ والنسائي (١/ ٧٦) وأحمد (٤/ ٢٥٥) وأبو عوانة (١/ ٢٥٩) وابن حبان ١٣٤٦ وابن الجارود ٨٣ والبيهقي (١/ ٥٨ و٦٠) من طرق عن يحيى القطان عن سليمان التيمي عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه به.
وأخرجه البخاري ١٨٢ و٢٠٣ و٣٦٣ و٢٩١٨ و٤٤٢١ و٥٧٩٨ ومسلم ٢٧٤ وأبو داود ١٤٩ و١٥٠ والترمذي ١٠٠ والنسائي (١/ ٦٣ و٧٦ و٨٢ و٨٣) وابن ماجه ٥٤٥ ومالك (١/ ٣٥ و٣٦) والشافعي (١/ ٣٢) والحميدي ٧٥٧ وعبد الرزاق ٧٤٧ و٧٤٨ و٧٤٩ و٧٥٠ وابن أبي شيبة (١/ ١٧٦ و١٧٨ و١٧٩) وأحمد (٤/ ٨٤٤ و٢٤٦ و٢٤٧، ٢٥٤) وأبو عوانة (١/ ٢٥٧ و٢٥٨) وابن حبان ١٣٤٧ وابن الجارود ٨٣ و٨٥ والطبراني في «الكبير» (٢٠/ ٨٥٨ و٨٧٢، ٨٧٧) و (١٠٢٨، ١٠٣١) وأبو نعيم في «الحلية» (٧/ ٣٣٥) والبيهقي (١/ ٢٧١ و٢٧٤ و٢٨٣) من طرق عن المغيرة به.
22
سَقَطَ عَنْهُ بِمَسْحِ النَّاصِيَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ غَيْرُ وَاجِبٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ وَحَفْصٌ وَأَرْجُلَكُمْ بِنُصْبِ اللَّامِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: «وَأَرْجُلِكُمْ» بِالْخَفْضِ، فَمَنْ قَرَأَ «وَأَرْجُلَكُمْ» بِالنَّصْبِ فَيَكُونُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ، أَيْ: وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ، وَمَنْ قَرَأَ بِالْخَفْضِ فَقَدْ ذَهَبَ قَلِيلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى الرجلين، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْوُضُوءُ غَسْلَتَانِ وَمَسْحَتَانِ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْمَسْحِ وَقَالَ: أَلَا تَرَى الْمُتَيَمِّمَ يَمْسَحُ مَا كَانَ غَسْلًا وَيُلْغِي مَا كَانَ مَسْحًا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: يَتَخَيَّرُ الْمُتَوَضِّئُ بَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَبَيْنَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَذَهَبَ عَامَّةُ [١] أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَقَالُوا: خَفْضُ اللَّامِ فِي الْأَرْجُلِ عَلَى مُجَاوَرَةِ اللَّفْظِ لَا عَلَى مُوَافَقَةِ الْحُكْمِ كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [هود: ٢٦]، فَالْأَلِيمُ صِفَةُ الْعَذَابِ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَ إِعْرَابَ الْيَوْمِ لِلْمُجَاوَرَةِ، وَكَقَوْلِهِمْ: جُحْرُ ضب خرب، فالخراب نعت الجحر، وَأَخَذَ إِعْرَابَ الضَّبِّ لِلْمُجَاوَرَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ مَا:
«٧٦٤» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحُمَيْدِيُّ الْخَطِيبُ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ [مُحَمَّدُ بن
٧٦٤- إسناده صحيح، مسدد هو ابن مسرهد، روى له البخاري ومن فوقه على شرطهما، أبو عوانة هو وضاح بن عبد الله اليشكري، أبو بشر هو جعفر بن إياس اليشكري.
وهو في «شرح السنة» ٢٢٠ بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي (١/ ٦٨) من طريق الحجبي ومسدد بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٩٦ عن مسدد عن أبي عوانة به.
وأخرجه البخاري ٦٠ و١٦٣ ومسلم ٢٤١ ح ٢٧ وأحمد (٢/ ٢١١ و٢٢٦) والطحاوي في «المعاني» (١/ ٣٩) من طرق عن أبي عوانة به.
وأخرجه أحمد (٢/ ٢٠٥) والطبري ١١٥٢٥ من طريق مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عن أبي بشر عن رجل من أهل مكة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
وأخرجه مسلم ٢٤١ وأبو داود ٩٧ والنسائي (١/ ٧٧) وابن ماجه ٤٥٠ وابن أبي شيبة (١/ ٢٦) وأحمد (٢/ ١٩٣) وابن حبان ١٠٥٥ والطبري ١١٥٢٣ و١١٥٢٦ من طرق عن سفيان الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو به.
وأخرجه الطيالسي (١/ ٥٣) وأحمد (٢/ ٢٠١) والدارمي (١/ ١٧٩) والطبري ١١٥٢٤ و١١٥٢٥ والطحاوي (١/ ٣٩) من طرق عن منصور بالإسناد السابق.
والحديث ورد عن عدّة من الصحابة فقد:
أخرجه مسلم ٢٤٠ وأحمد (٦/ ٨١ و٨٤) والشافعي (١/ ٣١) والطيالسي ١٥٥٢ والطبري ١١٥٨ و١١٥٩ و١١٥١٠ والطحاوي (١/ ٣٨) والبيهقي (١/ ٦٩) وفي «المعرفة» (١/ ٢١٥) من طرق عن سالم الدوسي عن عائشة.
وأخرجه ابن ماجه ٤٥٢ وأحمد (٦/ ٤١) والحميدي (١/ ٨٧) وابن أبي شيبة (١/ ٢٦) وابن حبان ١٠٥٩ والطبري ١١٥١١ و١١٥١٢ والطحاوي (١/ ٣٨) والبيهقي في «المعرفة» (١/ ٢١٥) من طرق عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي سلمة عن عائشة مرفوعا.
وأخرجه البخاري ١٦٥ ومسلم ٢٤٢ والنسائي (١/ ٧٧) وعبد الرزاق ٦٢ وابن أبي شيبة (١/ ٢٦) وأحمد (٤/ ٤٠٩ و٤٣٠ و٤٩٨) والدارمي (١/ ١٧٩) والطحاوي (١/ ٣٨) وابن حبان ١٠٨٨ من طرق عن محمد بن زياد عن أبي هريرة مرفوعا.
(١) في المطبوع «جماعة».
23
عَبْدِ اللَّهِ] [١] الْحَافِظُ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى أَنَا الْحَجَبِيُّ وَمُسَدَّدٌ قَالَا [٢] :
أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَانَا بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ».
«٧٦٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ [حَدَّثَنَا عَبْدَانُ] [٣] أَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَنَا مَعْمَرٌ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ تمضمض واستنشق، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ برأسه، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلَاثًا [ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلَاثًا] [٤]، ثُمَّ قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نحو وضوئي هذا ثم يصلي رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بشيء غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَأَرْجُلَكُمْ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
«٧٦٦» كَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَكَعَ وضع يديه على ركبتيه.
وأخرجه مسلم ٢٤٢ ح ٣٠ والترمذي ٤١ وعبد الرزاق ٦٣ وأحمد (٢/ ٢٨٢ و٣٨٩) وابن خزيمة ١٦٢ والطحاوي (١/ ٣٨) من طرق عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وأخرجه ابن ماجه ٤٥٤ والطحاوي (١/ ٣٨) والطبري ١١٥١٤، ١١٥٢١ من حديث جابر.
وأخرجه أحمد (٤/ ١٩٠ و١٩١) والدارقطني (١/ ٩٥) والطحاوي (١/ ٣٨) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحارث.
وأخرجه أحمد (٣/ ٤٢٦) و (٥/ ٤٢٥) والطبري ١١٥٢٢ من حديث معيقب.
وأخرجه ابن ماجه ٤٥٥ من حديث خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص.
٧٦٥- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عبدان هو عبد الله بن عثمان بن جبلة، عبد الله هو ابن المبارك، معمر هو ابن راشد، الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب، عطاء بن يزيد هو الليثي، حمران هو ابن أبان.
وهو في «شرح السنة» ٢٢١ بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح البخاري» ١٩٣٤ عن عبدان بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (١/ ٦٤) والبيهقي (١/ ٥٦) من طريق عبد الله بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ١٥٩ و١٦٤ ومسلم ٢٢٦ ح ٤ وأبو داود ١٠٦ والنسائي (١/ ٦٥ و٨٠) وعبد الرزاق ١٤٠ وأحمد (١/ ٥٩) والبيهقي (١/ ٤٨ و٤٩ و٥٦ و٥٧ و٥٨ و٩٨) وابن حبان ١٠٥٨ و١٠٦٠ وابن خزيمة ٣ و١٥٨ والبيهقي (١/ ٤٨ و٤٩ و٥٧ و٥٨ و٦٨) وفي «المعرفة» (١/ ٢٢٨) من طرق عن الزهري به.
وأخرجه البخاري ١٦٠ ومسلم ٢٢٧ والنسائي (١/ ٩١) ومالك (١/ ٣٠) وعبد الرزاق ١٤١ وأحمد (١/ ٥٧) وابن خزيمة ٢ وابن حبان ١٠٤١ والبيهقي في «المعرفة» (١/ ٢٢٥) والبغوي في «شرح السنة» ١٥٢ و١٥٣ من طرق عن عروة عن حمران به.
وأخرجه البخاري ٦٤٣٣ وأحمد (١/ ٦٤ و٦٨) من طريق محمد بن إبراهيم القرشي عن معاذ بن عبد الرحمن عن حمران به.
٧٦٦- يشير المصنف إلى ما أخرجه البخاري ٨٢٨ وأبو داود ٧٣١ و٧٣٢ و٩٦٥ وابن خزيمة ٦٥٢ وابن حبان ١٨٦٩ والبيهقي (٢/ ٨٤ و٩٧ و١٠٢ و١١٦ و١٢٨) والبغوي في «شرح السنة» ٥٥٧ من طرق عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في الأصل: «قال» وهو تصحيف.
(٣) ما بين المعقوفتين مستدرك من «شرح السنة» وط و «صحيح البخاري».
(٤) سقط من المطبوع.
24
وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يكن بينهما حائل، يقال: قَبَّلَ فُلَانٌ رَأْسَ الْأَمِيرِ وَيَدَهُ، وَإِنْ كَانَتِ الْعِمَامَةُ عَلَى رَأْسِهِ وَيَدُهُ فِي كُمِّهِ.
«٧٦٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو نعيم [حدثنا] [١] زَكَرِيَّا عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
كُنْتُ مَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي سَفَرٍ فَقَالَ: «أمعك ماء»، قلت: نَعَمْ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِدَاوَةِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: «دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَى الْكَعْبَيْنِ، والكعبان هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ مِنْ جَانِبَيِ القدمين، وهما مجمع مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ، فَيَجِبُ غَسْلُهُمَا مَعَ الْقَدَمَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمِرْفَقَيْنِ. وَفَرَائِضُ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَسْحُ الرَّأْسِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إلى وجوبها لأنّ الوضوء عبادة تفتقر إِلَى النِّيَّةِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ [وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ] [٢]، وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ أَعْضَاءَهُ عَلَى الْوَلَاءِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ:
١٥٨].
«٧٦٨» وَبَدَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفَا، وَقَالَ: «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِ غسل
محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا مع نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم فذكرنا صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال أبو حميد الساعدي:
أنا كنت أحفكم لصلاة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم رأيته إذا كبّر جعل يديه حذاء منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره....».
وفي الباب من حديث مصعب بن سعد يقول: «صليت إلى جنب أبي فطبّقت بين كفي ثم وضعتهما بين فخذي، فنهاني أبي وقال: كنا نفعله فنهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب».
أخرجه البخاري ٧٩٠ ومسلم ٢٩ والبيهقي (٢/ ٨٣ و٨٤).
٧٦٧- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو نعيم هو الفضل بن دكين، زكريا هو ابن أبي زائدة خالد، عامر هو ابن شراحيل الشعبي.
وهو في «شرح السنة» ٢٣٥ بهذا الإسناد.
هو في «صحيح البخاري» ٥٧٩٩ عن أبي نعيم بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢٠٦ ومسلم ٢٧٤ ح ٧٩ من طريق زكريا بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود ١٥١ والنسائي (١/ ٦٣) والشافعي (١/ ٣٢) والحميدي ٧٥٨ وأحمد (٤/ ٢٥١ و٢٥٥) والدارمي (١/ ١٨١) وابن حبان ١٣٢٦ وأبو عوانة (١/ ٢٢٥ و٢٢٦) وابن خزيمة ١٩٠ و١٩١ والطحاوي (١/ ٨٣) والخطيب (١٢/ ٤٢٧) والطبراني في «الكبير» (٢٠/ ٨٦٤ و٨٦٦ و٨٦٧ و٨٦٨ و٨٦٩ و٨٧١) من طرق عامر الشعبي بهذا الإسناد.
وانظر الحديث المتقدم برقم: ٧٦٣. [.....]
٧٦٨- تقدم برقم: ١١٨.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(٢) زيادة عن المخطوط.
25
الْوَجْهِ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْدَأَ فِعْلًا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بذكره، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ، وَقَالُوا: الْوَاوَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الآية للجمع لَا لِلتَّرْتِيبِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ [التوبة: ٦٠] الآية، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِي صَرْفِ الصَّدَقَاتِ إِلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَمَنْ أَوْجَبَ التَّرْتِيبَ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَاعَى التَّرْتِيبَ بَيْنَ أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَفِي الْوُضُوءِ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ تَوَضَّأَ إِلَّا مُرَتِّبًا كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبَيَانُ الْكِتَابِ يُؤْخَذُ مِنَ السُّنَّةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الْحَجِّ: ٧٧]، لَمَّا قَدَّمَ ذِكْرَ الرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَ إِلَّا كَذَلِكَ فَكَانَ مراعاة الترتيب فيه واجبا، كذلك الترتيب هاهنا. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا، أَيِ: اغْتَسِلُوا.
«٧٦٩» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ [عَنْ أَبِيهِ] [١] عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرْفَاتٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِالصَّعِيدِ وَهُوَ التُّرَابُ، مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ، بِمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ، مِنْ حَرَجٍ: ضِيقٍ، وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ، مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالْجَنَابَاتِ وَالذُّنُوبِ، وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: إِتْمَامُ النِّعْمَةِ تَكْفِيرُ الْخَطَايَا بِالْوُضُوءِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الْفَتْحِ: ٢]، فَجَعَلَ تَمَامَ نِعْمَتِهِ غُفْرَانَ ذنوبه.
«٧٧٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأصم أنا
٧٦٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عروة هو ابن الزبير.
هو في «شرح السنة» ٢٤٦ بهذا الإسناد.
وهو في «الموطأ» (١/ ٤٤) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٢٤٨ والنسائي (١/ ١٣٤ و٢٠٠) والشافعي (١/ ٣٦ و٣٧) وابن حبان ١١٩٦ والبيهقي (١/ ١٧٥ و١٩٤) وفي «المعرفة» (١/ ٤٢٧).
وأخرجه البخاري ٢٦٢ و٢٧٢ ومسلم ٣١٦ وأبو داود ٢٤٢ والترمذي ١٠٤ والنسائي (١/ ١٣٥) وعبد الرزاق ٩٩٩ وابن أبي شيبة (١/ ٦٣) والحميدي ١٦٣ وأحمد (٦/ ١٠١) والدارمي (١/ ١٩١) وابن خزيمة ٣٤٢ والبيهقي (١/ ١٧٢ و١٧٣ و١٧٤ و١٧٥ و١٧٦ و١٩٣) من طرق عن هشام بن عروة به.
وأخرجه مسلم ٣٢١ ح ٤٣ والنسائي (١/ ١٣٢ و١٣٤) وأحمد (٦/ ٩٦ و١٤٣ و١٧٣) وابن أبي شيبة (١/ ٦٣) وابن حبان ١١٩١ والبيهقي (١/ ١٧٢ و١٧٤) من طرق عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحمن عن عائشة به.
وأخرجه البخاري ٢٥٨ ومسلم ٣١٨ وأبو داود ٢٤٠ والنسائي (١/ ٢٠٦) وابن خزيمة ٢٤٥ وابن حبان ١١٩٧ والبيهقي (١/ ١٨٤) من طرق عن أبي عاصم عن حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ به.
(١) زيادة عن شرح السنة وكتب التخريج.
٧٧٠- إسناده صحيح ورجاله ثقات، سفيان هو ابن عيينة، حمران هو ابن أبان.
وهو في «شرح السنة» ١٥٢ بهذا الإسناد.
وأخرجه الشافعي في «مسنده» (١/ ٣١) عن سفيان بهذا الإسناد ومن طريقه البيهقي في «المعرفة» (١/ ٢٢٥).
26
الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمْرَانَ: أَنَّ عُثْمَانَ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ».
«٧٧١» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَلَسَ عَلَى الْمَقَاعِدِ يَوْمًا فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَآذَنَهُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ، ثُمَّ قَالَ:
إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يُصَلِّي الصَّلَاةَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى حَتَّى يُصَلِّيَهَا»، قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ يُرِيدُ هَذِهِ الْآيَةَ: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه: ١٧]، ورواه ابن شهاب، وقال: [قال] [١] عُرْوَةُ: الْآيَةُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى [الْبَقَرَةِ: ١٥٩].
«٧٧٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ [أَبِي] [٢] هِلَالٍ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجَمَّرِ قَالَ: رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى ظَهْرِ [٣] سطح الْمَسْجِدِ، فَتَوَضَّأَ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثار الوضوء، فمن استطاع [منكم] [٤] أَنْ يُطِيلَ مِنْكُمْ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ».
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٧ الى ٩]
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩)
وانظر الحديث المتقدم برقم: ٧٤٩.
وفي الباب من حديث أبي هريرة عند مسلم ٢٤٤ والترمذي ٢ ومالك (١/ ٣٢) وأحمد (٢/ ٣٠٣) والدارمي (١/ ١٨٣) وابن حبان ١٠٤٠ وابن خزيمة ٤ والبيهقي (١/ ٨١).
٧٧١- إسناده صحيح على شرطهما، حمران هو ابن أبان مولى عثمان بن عفان.
وهو في «شرح السنة» ١٥٣ بهذا الإسناد.
وهو في «الموطأ» (١/ ٣٠) من طريق هشام بن عروة به.
وانظر مزيد الكلام عليه عند الحديث المتقدم برقم: ٧٤٩.
٧٧٢- إسناده على شرط البخاري ومسلم، الليث هو ابن سعد، خالد هو ابن يزيد المصري، نعيم. بفتح النون. هو ابن عبد الله المدني، ويعرف بالمجمر.
وهو في «شرح السنة» ٢١٨ بهذا الإسناد.
وهو في «صحيح البخاري» ١٣٦ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِهَذَا الإسناد.
وأخرجه أحمد (٢/ ٤٠٠) والبيهقي (١/ ٥٧) من طريق الليث بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٢٤٦ ح ٣٥ وابن حبان ١٠٤٩ من طريق ابن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ به.
وأخرجه أحمد (٢/ ٣٦٢) عن معاوية بن عمرو قال: حدثنا زائدة عن ليث عن كعب عن أبي هريرة به.
(١) زيادة عن «شرح السنة».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) زيادة عن «شرح السنة».
(٤) زيادة عن المخطوط.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، يَعْنِي: النِّعَمَ كُلَّهَا، وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ، عَهْدَهُ الَّذِي عَاهَدَكُمْ [١] بِهِ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا، وَذَلِكَ حِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وفيما أَحَبُّوا وَكَرِهُوا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي الْمِيثَاقَ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ، بِمَا فِي الْقُلُوبِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ، أي: كونوا له قَائِمِينَ بِالْعَدْلِ قَوَّالِينَ بِالصِّدْقِ، أَمَرَهُمْ بِالْعَدْلِ وَالصِّدْقِ فِي أَفْعَالِهِمْ [٢] وَأَقْوَالِهِمْ، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ، شَنَآنُ قَوْمٍ، بُغْضُ قَوْمٍ، عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا، أَيْ: عَلَى تَرْكِ الْعَدْلِ فِيهِمْ لِعَدَاوَتِهِمْ. ثُمَّ قَالَ:
اعْدِلُوا، يَعْنِي: فِي أَوْلِيَائِكُمْ وَأَعْدَائِكُمْ، هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى، يَعْنِي: إِلَى التَّقْوَى، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩)، وَهَذَا فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ، لِأَنَّ فِعْلَ الْوَعْدِ وَاقِعٌ عَلَى الْمَغْفِرَةِ وَرَفْعُهَا عَلَى تَقْدِيرٍ، أَيْ: وَقَالَ لَهُمْ: مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عظيم.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٠ الى ١١]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٠) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٠).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، بِالدَّفْعِ عَنْكُمْ، إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ، بِالْقَتْلِ.
«٧٧٣» قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَطْنِ نَخْلٍ فَأَرَادَ بَنُو ثَعْلَبَةَ وَبَنُو مُحَارِبٍ أَنْ يَفْتِكُوا بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ إِذَا اشْتَغَلُوا بِالصَّلَاةِ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ صَلَاةَ الْخَوْفِ.
«٧٧٤» وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَاصِرًا غَطْفَانَ بِنَخْلٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: هَلْ لَكَمَ فِي أَنْ أَقْتُلَ مُحَمَّدًا؟ قَالُوا: وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ؟ قَالَ: أَفْتِكُ بِهِ، قَالُوا: وَدِدْنَا أَنَّكَ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَرِنِي سَيْفَكَ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَهُزُّ السَّيْفَ، وينظر مرة إلى
٧٧٣- مرسل. أخرجه الطبري ١١٥٦٨ عن قتادة مرسلا بأتم منه. [.....]
٧٧٤- لم أره من مرسل الحسن، وقد ذكره السيوطي في «أسباب النزول» ٤١٥ من طريق الحسن عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ به.
ونسبه لأبي نعيم في «دلائل النبوة» والحسن لم يسمع من جابر كما في «المراسيل» لابن أبي حاتم.
وأصل هذا الخبر تقدم برقم: ٦٩٠.
(١) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «عاهدكم».
(٢) في المطبوع وط «أعمالهم».
السَّيْفِ وَمَرَّةً إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «اللَّهُ»، فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَامَ [١] السَّيْفَ وَمَضَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
«٧٧٥» وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْكَلْبِيُّ وَابْنُ يَسَارٍ [٢] عَنْ رِجَالِهِ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو السَّاعِدِيَّ وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءُ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَخَرَجُوا فَلَقَوْا عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ عَلَى بِئْرِ مَعُونَةَ وَهِيَ مِنْ مِيَاهِ بَنِي عَامِرٍ واقتتلوا فَقُتِلَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو وَأَصْحَابُهُ إِلَّا ثَلَاثَةَ نَفَرٍ كَانُوا فِي طَلَبِ ضَالَّةٍ لَهُمْ أَحَدُهُمْ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا الطَّيْرُ تَحُومُ فِي السَّمَاءِ تسقط مِنْ بَيْنِ خَرَاطِيمِهَا عَلَقُ الدَّمِ، فَقَالَ أَحَدُ النَّفَرِ: قُتِلَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ تَوَلَّى يَشْتَدُّ حَتَّى لَقِيَ رَجُلًا فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَلَمَّا خَالَطَتْهُ الضَّرْبَةُ رَفْعَ رَأَسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ الْجَنَّةُ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ، فَرَجَعَ صَاحِبَاهُ فَلَقِيَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَلِيمٍ، وَكَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قَوْمِهِمَا مُوَادَعَةٌ، فَانْتَسَبَا لَهُمَا إِلَى بَنِي عَامِرٍ فقتلاهما فقدم [٣] قَوْمُهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُونَ الدِّيَةَ فَخَرَجَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعْلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، حَتَّى دَخَلُوا عَلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَبَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي عَقْلِهِمَا، وَكَانُوا قَدْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ وَعَلَى أَنْ يُعِينُوهُ فِي الدِّيَاتِ، قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَأْتِيَنَا وَتَسْأَلَنَا حَاجَةً، اجْلِسْ حَتَّى نُطْعِمَكَ وَنُعْطِيَكَ الَّذِي سَأَلْتَهُ، فَجَلَسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، فَخَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا مُحَمَّدًا أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ فَمَنْ يَظْهَرُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيَطْرَحُ عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحُنَا مِنْهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ جَحَّاشٍ [٤] : أَنَا، فَجَاءَ إِلَى رَحًى عَظِيمَةٍ لِيَطْرَحَهَا عَلَيْهِ فَأَمْسَكَ اللَّهُ تَعَالَى يَدَهُ وَجَاءَ جِبْرِيلُ وَأَخْبَرَهُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَقَالَ: لَا تبرح مكانك فَمَنْ خَرَجَ عَلَيْكَ مِنْ أَصْحَابِي فَسَأَلَكَ عَنِّي فَقُلْ: تَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى تَنَاهَوْا إِلَيْهِ ثُمَّ تَبِعُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَقَالَ: فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
[سورة المائدة (٥) : آية ١٢]
وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢)
وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُورِثَهُ وَقَوْمَهُ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ وَهِيَ الشَّامُ، وَكَانَ يَسْكُنُهَا الْكَنْعَانِيُّونَ الجبارون،
٧٧٥- إسناد المصنف إليهم مذكور أول الكتاب، وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٣٨٧ عن مجاهد والكلبي وعكرمة مختصرا بدون إسناد.
وأخرجه الطبري ١١٥٦٥ عن عكرمة مرسلا و١١٥٦٠ عن عاصم بن عمر بن قتادة مختصرا مرسلا.
وانظر «دلائل النبوة» للبيهقي (٣/ ١٧٦، ١٨٣).
(١) شام السيف: أغمده. وهو من الأضداد فيقال أيضا: شام السيف: إذا سلّه.
(٢) ابن يسار هو مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ صاحب المغازي.
(٣) تصحف في المطبوع «وقدما».
(٤) وقع في الأصل «حجاش» وهو تصحيف.
29
فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ الدَّارُ بِمِصْرَ أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالسَّيْرِ إلى أريحا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ، وَكَانَتْ [١] لَهَا أَلْفُ قَرْيَةٍ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَلْفُ بُسْتَانٍ، وَقَالَ: يَا مُوسَى إِنِّي كَتَبْتُهَا لَكُمْ دَارًا وَقَرَارًا فَاخْرُجْ إِلَيْهَا وَجَاهِدْ مَنْ فِيهَا مِنَ الْعَدُوِّ فَإِنِّي نَاصِرُكَ عَلَيْهِمْ، وَخُذْ مِنْ قَوْمِكَ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا مِنْ كُلِّ سِبْطٍ نَقِيبًا، يَكُونُ كَفِيلًا عَلَى قَوْمِهِ بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ عَلَى مَا أُمِرُوا بِهِ، فَاخْتَارَ مُوسَى النُّقَبَاءَ وَسَارَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ حتى قربوا من أريحا [وهي مدينة الجبارين] [٢]، فَبَعَثَ هَؤُلَاءِ النُّقَبَاءَ يَتَجَسَّسُونَ لَهُ الْأَخْبَارَ وَيَعْلَمُونَ عِلْمَهَا، فَلَقِيَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ يُقَالُ لَهُ عُوجُ بن عُنُقٍ، وَكَانَ طُولُهُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وثلاثمائة وثلاث وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَثُلُثَ ذِرَاعٍ، وَكَانَ يحتجز بِالسَّحَابِ وَيَشْرَبُ مِنْهُ وَيَتَنَاوَلُ الْحُوتَ مِنْ قَرَارِ الْبَحْرِ فَيَشْوِيهِ بِعَيْنِ الشَّمْسِ يَرْفَعُهُ إِلَيْهَا ثُمَّ يَأْكُلُهُ. ويروى أن الماء في زمن نوح عليه السلام طَبَقَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ جَبَلٍ وَمَا جَاوَزَ رُكْبَتَيْ عُوجٍ [٣]، وَعَاشَ ثَلَاثَةَ آلَافِ سَنَةٍ حَتَّى أَهْلَكَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ وَقَلَعَ صَخْرَةً مِنَ الْجَبَلِ عَلَى قَدْرِ عَسْكَرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ فَرْسَخًا فِي فَرْسَخٍ، وَحَمَلَهَا لِيُطْبِقَهَا عَلَيْهِمْ فَبَعَثَ اللَّهُ الْهُدْهُدَ فَقَوَّرَ الصَّخْرَةَ بِمِنْقَارِهِ فَوَقَعَتْ فِي عُنُقِهِ فَصَرَعَتْهُ، فَأَقْبَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ مَصْرُوعٌ فَقَتَلَهُ، وَكَانَتْ أُمُّهُ عُنُقَ إِحْدَى بَنَاتِ آدَمَ وَكَانَ مَجْلِسُهَا جَرِيبًا مِنَ الْأَرْضِ، فَلَمَّا لَقِيَ عُوجٌ النُّقَبَاءَ وَعَلَى رَأْسِهِ حَزْمَةُ حَطَبٍ أَخَذَ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَجَعَلَهُمْ فِي حُجْزَتِهِ وَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى امْرَأَتِهِ، وَقَالَ: انْظُرِي إِلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ قِتَالَنَا، وَطَرَحَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهَا وَقَالَ: أَلَا أَطْحَنُهُمْ بِرِجْلِي؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: لَا بَلْ خَلِّ عَنْهُمْ حَتَّى يُخْبِرُوا قَوْمَهُمْ بِمَا رَأَوْا، فَفَعَلَ ذَلِكَ. وَرُوِيَ: أَنَّهُ جَعَلَهُمْ فِي كُمِّهِ وَأَتَى بِهِمْ إِلَى الملك فنثرهم بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ الْمَلِكُ: ارْجِعُوا فَأَخْبِرُوهُمْ بِمَا رَأَيْتُمْ، وَكَانَ لَا يَحْمِلُ عُنْقُودًا مِنْ عِنَبِهِمْ إِلَّا خَمْسَةَ أَنْفُسٍ مِنْهُمْ فِي خَشَبَةٍ، وَيَدْخُلُ فِي شَطْرِ الرُّمَّانَةِ إِذَا نُزِعَ مِنْهَا حَبُّهَا خَمْسَةُ أَنْفُسٍ، فَرَجَعَ النُّقَبَاءُ وَجَعَلُوا يَتَعَرَّفُونَ أَحْوَالَهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: يَا قَوْمِ، إِنَّكُمْ إِنْ أَخْبَرْتُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَبَرَ الْقَوْمِ ارْتَدُّوا عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ وَلَكِنِ اكْتُمُوا [٤]، وَأَخْبِرُوا مُوسَى وَهَارُونَ فَيَرَيَانِ رَأْيَهُمَا وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ على بعض الْمِيثَاقَ بِذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ نَكَثُوا الْعَهْدَ وَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَنْهَى سِبْطَهُ عَنْ قِتَالِهِمْ وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا رَأَى إِلَّا رَجُلَانِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً. وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ، نَاصِرُكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْكَلَامَ فَقَالَ: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ، يَا مَعْشَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ، نصرتموهم، وقيل:
وقّرتموهم وَعَظَّمْتُمُوهُمْ، وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً، قِيلَ: هُوَ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ، وَقِيلَ: هُوَ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ، لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ، لَأَمْحُوَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ، وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ، أَيْ: أَخْطَأَ قَصْدَ السَّبِيلِ، يُرِيدُ طريق الحق،
(١) في المطبوع وحده «كان».
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) هذه الأخبار من مجازافات الإسرائيليين وترّهاتهم وأساطيرهم، وفي مثل هذه مخالفة صريحة لكتاب الله تعالى فقد قال تعالى:
قالَ لَا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ والمراد من ركب في السفينة وآمن. وكل ما ورد في صفة عوج وأخباره إسرائيلي، حتى وجود شخص يسمى بذلك لم يثبت، ولعله وهم أو ضرب من الخيال، فتنبه والله أعلم.
(٤) هذه الأخبار من الإسرائيليات وقد قال الحافظ ابن كثير في «التفسير» (٢/ ٥٠) بعد أن ذكر بعض هذه الأخبار: وهذا شيء يستحيا من ذكره ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيح أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خلق آدم وطوله ستون ذراعا، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن».
30
وسواء كل شيء: وسطه.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٣ الى ١٤]
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣) وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤)
فَبِما نَقْضِهِمْ، أَيْ: فبنقضهم، وما صِلَةٌ، مِيثاقَهُمْ، قَالَ قَتَادَةُ: نَقَضُوهُ مِنْ وُجُوهٍ لِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا الرُّسُلَ الذين جاؤوا بعد موسى وقتلوا الأنبياء وَنَبَذُوا كِتَابَهُ وَضَيَّعُوا فَرَائِضَهُ، لَعَنَّاهُمْ، قَالَ عَطَاءٌ: أَبْعَدْنَاهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا، قَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ: عَذَّبْنَاهُمْ بِالْمَسْخِ، وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «قَسِيَّةً» بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ غَيْرِ أَلْفٍ، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلُ الذَّاكِيَةِ وَالذَّكِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «قَاسِيَةٌ» أَيْ يَابِسَةٌ، وَقِيلَ: غَلِيظَةٌ لَا تَلِينُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إِنَّ قُلُوبَهُمْ لَيْسَتْ بِخَالِصَةٍ لِلْإِيمَانِ بَلْ إِيمَانُهُمْ مَشُوبٌ بِالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، وَمِنْهُ الدَّرَاهِمُ الْقَاسِيَةُ [١] وَهِيَ الرَّدِيَّةُ الْمَغْشُوشَةُ. يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ، قِيلَ: هُوَ تَبْدِيلُهُمْ نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: تَحْرِيفُهُمْ بِسُوءِ التَّأْوِيلِ، وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ، أَيْ: وَتَرَكُوا نَصِيبَ أَنْفُسِهِمْ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانِ نَعْتِهِ، وَلا تَزالُ، يَا مُحَمَّدُ، تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ
، أَيْ: عَلَى خِيَانَةٍ، فَاعِلَةٍ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ كَالْكَاذِبَةِ وَاللَّاغِيَةِ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ مِثْلُ رَوَّايَةٍ [٢] وَنَسَّابَةٍ وَعَلَّامَةٍ وَحَسَّابَةٍ، وَقِيلَ: عَلَى فِرْقَةٍ خَائِنَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَلَى خَائِنَةٍ، أَيْ: عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَكَانَتْ خِيَانَتُهُمْ نَقْضَهُمُ الْعَهْدِ وَمُظَاهَرَتَهُمُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَمِّهِمْ بِقَتْلِهِ وَسَمِّهِ، وَنَحْوِهِمَا]
مِنْ خِيَانَاتِهِمُ الَّتِي ظَهَرَتْ منهم، إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ، لَمْ يَخُونُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ، أَيْ: أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَلَا تَتَعَرَّضْ لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَهَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ، قِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِهِمَا [٤]، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ فِي النَّصَارَى خَاصَّةً لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْيَهُودِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ نَصَارَى بِتَسْمِيَتِهِمْ لَا بِتَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ، فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، بِالْأَهْوَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقَالَ قَوْمٌ [٥] : هُمُ النَّصَارَى وَحْدَهُمْ صَارُوا فِرَقًا مِنْهُمُ الْيَعْقُوبِيَّةُ وَالنَّسْطُورِيَّةُ وَالْمَلْكَانِيَّةُ وَكُلُّ فِرْقَةٍ تُكَفِّرُ الْأُخْرَى، وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْآخِرَةِ.
يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا
(١) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «القسية».
(٢) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «راوية». [.....]
(٣) في المخطوط وحده «ونحوها».
(٤) في المخطوط «أحدهم».
(٥) في المطبوع وحده «الربيع».

[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٥ الى ١٧]

يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٦) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَهْلَ الْكِتابِ، يُرِيدُ يَا أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ، قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ، أَيْ: مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِثْلُ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآية الرجم وغير ذلك، وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ، أَيْ: يُعْرِضُ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا أَخْفَيْتُمْ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ وَلَا يُؤَاخِذُكُمْ بِهِ، قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: الْإِسْلَامُ، وَكِتابٌ مُبِينٌ، أَيْ:
بَيِّنٌ، وَقِيلَ: مُبِينٌ وَهُوَ الْقُرْآنُ.
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ، رِضَاهُ، سُبُلَ السَّلامِ، قِيلَ: السَّلَامُ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَسَبِيلُهُ [١] دِينُهُ الَّذِي شَرَعَ لِعِبَادِهِ، وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، وَقِيلَ: السَّلَامُ هُوَ السَّلَامَةُ، كَاللَّذَاذِ وَاللَّذَاذَةِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ طُرُقُ السَّلَامَةِ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ، أَيْ: مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ، بِإِذْنِهِ، بِتَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ، وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَهُوَ الإسلام.
قوله تبارك وتعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَهُمُ الْيَعْقُوبِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى يَقُولُونَ الْمَسِيحُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، أَيْ: مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا إِذَا قَضَاهُ؟ إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٨ الى ٢٠]
وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨) يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠)
وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، قِيلَ: أَرَادُوا أَنَّ الله تعالى كالأب لنا فِي الْحُنُوِّ وَالْعَطْفِ، وَنَحْنُ كَالْأَبْنَاءِ لَهُ فِي الْقُرْبِ وَالْمَنْزِلَةِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إِنَّ الْيَهُودَ وَجَدُوا فِي التَّوْرَاةِ يَا أَبْنَاءَ أَحْبَارِي فَبَدَّلُوا يَا أَبْنَاءَ أَبْكَارِي فَمِنْ ذَلِكَ قَالُوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ، وقيل: معناه نحن أبناء الله يعني أَبْنَاءُ رُسُلِ اللَّهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ، يُرِيدُ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاؤُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ فَإِنَّ الْأَبَ لَا يُعَذِّبُ وَلَدَهُ، وَالْحَبِيبَ لَا يعذب حبيبه، وأنتم مقرون بأنه مُعَذِّبُكُمْ؟ وَقِيلَ: فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ، أَيْ: لِمَ عَذَّبَ مَنْ قَبْلَكُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَمَسَخَهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ؟ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ، كَسَائِرِ بَنِي آدم
(١) في المخطوط «وسبله».
32
مَجْزِيُّونَ بِالْإِسَاءَةِ وَالْإِحْسَانِ، يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ فَضْلًا، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ عدلا، وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ.
يَا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُبَيِّنُ لَكُمْ أَعْلَامَ الْهُدَى وَشَرَائِعَ الدِّينِ، عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، أي: [على] [١] انْقِطَاعٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الْفَتْرَةِ بَيْنَ عِيسَى عَلَيْهِ السلام و [بَيْنَ] [٢] مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: خَمْسُمِائَةٍ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَقَالَ مَعْمَرٌ وَالْكَلْبِيُّ: خَمْسُمِائَةٍ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَسُمِّيَتْ فَتْرَةً لِأَنَّ الرُّسُلَ كَانَتْ تَتْرَى [٣] بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ إِلَى زَمَنِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سِوَى رَسُولِنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَنْ تَقُولُوا، كَيْلَا تَقُولُوا، مَا جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ، أَيْ:
مِنْكُمْ أَنْبِيَاءَ، وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً، [أي: فيكم مُلُوكًا] [٤]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَعْنِي أَصْحَابَ خَدَمٍ وَحَشَمٍ، قَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا أَوَّلَّ مَنْ مَلَكَ الْخَدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لِمَنْ قَبْلَهُمْ خَدَمٌ.
«٧٧٦» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ [٥] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ خَادِمٌ وَامْرَأَةٌ وَدَابَّةٌ يُكْتَبُ مَلِكًا».
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ [٦] : سَمِعْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ، قَالَ: فَإِنَّ لِي خَادِمًا، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ [٧]. قَالَ السُّدِّيُّ:
وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا أحرارا تملكون أمر أنفسكم بعد ما كُنْتُمْ فِي أَيْدِي الْقِبْطِ يَسْتَعْبِدُونَكُمْ. قَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ وَاسِعَةً فِيهَا مِيَاهٌ جَارِيَةٌ فَمَنْ كَانَ مَسْكَنُهُ وَاسِعًا وَفِيهِ مَاءٌ [٨] جَارٍ فَهُوَ مَلِكٌ. وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ، يَعْنِي: عَالَمِي زَمَانِكُمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الْمَنَّ وَالسَّلْوَى وَالْحَجَرَ وَتَظْلِيلَ الْغَمَامِ.
٧٧٦- ضعيف والصواب موقوف. أخرجه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير ٢/ ٤٩. فقال: ذكر عن ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمْ... ».
قاله ابن كثير في «تفسيره» ٢/ ٤٩.
وهذا إسناد ضعيف جدّا له ثلاث علل. الأولى: ذكره ابن أبي حاتم عن ابن لهيعة تعليقا، وبصيغة التمريض. والثانية:
ضعف ابن لهيعة. والثالثة: ضعف درّاج في روايته عن أبي الهيثم.
وقال ابن كثير: وهذا حديث غريب من هذا الوجه.
وورد عن زيد بن أسلم مرسلا: «من كان له بيت وخادم فهو ملك». أخرجه الطبري ١١٦٢٩ والمرسل من قسم الضعيف.
وأخرجه الطبري ١١٦٣٠ عن الحسن قوله، وورد عن ابن عباس وابن عمرو بن العاص موقوفا، وهو أولى بالصواب والله أعلم.
١ زيادة عن المخطوط.
٢ زيادة عن المخطوط.
(٣) أي متتابعة.
(٤) زيد في المطبوع وحده.
(٥) في المطبوع «أن».
(٦) وقع في الأصل «السلمي» والتصويب عن «ط» و «صحيح مسلم».
(٧) أخرجه مسلم ٢٩٧٩ عن أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أخبرنا ابن وهب أخبرني أبو هانىء سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ يقول:
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بن العاص... فذكره.
(٨) في المطبوع «نهر».
33

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٢١ الى ٢٢]

يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يَا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، اخْتَلَفُوا فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الطُّورُ وَمَا حَوْلَهُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِيلِيَّا وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَقَالَ عكرمة والسدي: هي أريحا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هِيَ دِمَشْقُ وَفِلَسْطِينُ وَبَعْضُ الْأُرْدُنِّ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الشَّامُ كُلُّهَا، قَالَ كَعْبٌ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ أَنَّ الشَّامَ كَنْزُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَبِهَا أَكْثَرُ عِبَادِهِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، يَعْنِي:
كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهَا لكم مساكن، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَهَبَ اللَّهُ لَكُمْ، وَقِيلَ: جَعَلَهَا لَكُمْ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِدُخُولِهَا، وَقَالَ قَتَادَةُ: أُمِرُوا بِهَا كَمَا أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ، أَيْ: فَرَضَ عَلَيْكُمْ. وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ، أَعْقَابِكُمْ بِخِلَافِ أَمْرِ اللَّهِ، فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: صَعِدَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَبَلَ لُبْنَانَ فَقِيلَ لَهُ: انْظُرْ ما أَدْرَكَهُ بَصَرُكَ فَهُوَ مُقَدَّسٌ وَهُوَ مِيرَاثٌ لِذُرِّيَّتِكَ.
قالُوا يَا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ النُّقَبَاءَ الَّذِينَ خَرَجُوا يَتَجَسَّسُونَ الْأَخْبَارَ لَمَّا رَجَعُوا إِلَى مُوسَى وَأَخْبَرُوهُ بِمَا عَايَنُوا، قَالَ لَهُمْ مُوسَى: اكْتُمُوا شَأْنَهُمْ وَلَا تُخْبِرُوا بِهِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ فَيَفْشَلُوا، فَأَخْبَرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَرِيبَهُ وَابْنَ عَمِّهِ إِلَّا رَجُلَانِ وفيا بما قال لهم مُوسَى، أَحَدُهُمَا يُوشَعُ بْنُ نُونِ بْنِ أَفْرَائِيمَ بْنِ يُوسُفَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَتَى مُوسَى، وَالْآخَرُ كَالِبُ بن يوفنا خَتَنُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى أُخْتِهِ مَرْيَمَ بِنْتِ عُمْرَانَ، وَكَانَ من سبط يهودا وهما النُّقَبَاءِ فَعَلِمَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ذَلِكَ وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْبُكَاءِ وَقَالُوا: يَا لَيْتَنَا [١] فِي أَرْضِ مصر، أو ليتنا نَمُوتُ فِي هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ وَلَا يُدْخِلُنَا اللَّهُ أَرْضَهُمْ فَتَكُونُ نِسَاؤُنَا وَأَوْلَادُنَا وَأَثْقَالُنَا غَنِيمَةً لَهُمْ، وَجَعَلَ الرجل يقول لصاحبه: تعالى نَجْعَلُ عَلَيْنَا رَأْسًا وَنَنْصَرِفُ إِلَى مِصْرَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ: قالُوا يَا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢)، وأصل الْجَبَّارِ: الْمُتَعَظِّمُ الْمُمْتَنِعُ عَنِ الْقَهْرِ، يُقَالُ: نَخْلَةٌ جَبَّارَةٌ إِذَا كَانَتْ طَوِيلَةٌ مُمْتَنِعَةٌ عَنْ وُصُولِ الْأَيْدِي إِلَيْهَا، وَسُمِّيَ أُولَئِكَ الْقَوْمُ جَبَّارِينَ لِامْتِنَاعِهِمْ بِطُولِهِمْ وَقُوَّةِ أَجْسَادِهِمْ، وَكَانُوا مِنَ الْعَمَالِقَةِ وَبَقِيَّةَ قَوْمِ عَادٍ، فَلَمَّا قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا قَالُوا وَهَمُّوا بِالِانْصِرَافِ إِلَى مِصْرَ خرّ موسى وهارون [عليهما السلام] [٢] سَاجِدِينَ، وَخَرَقَ يُوشَعُ وَكَالِبُ ثِيَابَهُمَا وَهُمَا اللَّذَانِ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عنهما في قوله:
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٢٣ الى ٢٦]
قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قالُوا يَا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً مَا دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤) قالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٦)
قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ، أَيْ: يَخَافُونَ اللَّهَ تَعَالَى، قَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَخافُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ، وَقَالَ: الرَّجُلَانِ كَانَا مِنَ الْجَبَّارِينَ فَأَسْلَمَا وَاتَّبَعَا مُوسَى، أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا بِالتَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ، قَالَا: ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ، يَعْنِي: قَرْيَةَ الْجَبَّارِينَ، فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ، لأن الله منجز
(١) زيد في المخطوط «متنا». [.....]
(٢) زيادة عن المخطوط.
34
وعده، وإنا رأيناهم فكانت أجسامهم عَظِيمَةٌ وَقُلُوبُهُمْ ضَعِيفَةٌ، فَلَا تَخْشَوْهُمْ، وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَأَرَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنْ يَرْجُمُوهُمَا بِالْحِجَارَةِ وَعَصَوْهُمَا.
قالُوا يَا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً مَا دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ «٧٧٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [١] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ:
لَقَدْ شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ مَشْهَدًا لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَمِنْ خَلْفِكَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ مَا قَالَ.
فَلَمَّا فَعَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا فَعَلَتْ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ أَمْرَ رَبِّهِمْ وَهَمِّهِمْ بِيُوشَعَ وَكَالِبَ غَضِبَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَدَعَا عَلَيْهِمْ.
قالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي، قيل معناه: لَا يَمْلِكُ إِلَّا نَفْسَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يُطِيعُنِي إِلَّا نَفْسِي وأخي، فَافْرُقْ، فافصل، بَيْنَنا [و] [٢] قِيلَ: فَاقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ، الْعَاصِينَ.
قالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ، قِيلَ: هَاهُنَا تمّ الكلام ومعناه تِلْكَ الْبَلْدَةُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَبَدًا لَمْ يُرِدْ بِهِ تَحْرِيمَ تَعَبُّدٍ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَحْرِيمَ مَنْعٍ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى [بِي حَلَفْتَ] [٣] لَأُحَرِّمَنَّ عَلَيْهِمْ دُخُولَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ غَيْرَ عَبْدَيَّ يُوشَعُ وَكَالِبُ، ولآتينّهم فِي هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ التي تجسّسوا فِيهَا سَنَةٌ وَلَأُلْقِيَنَّ جِيَفَهُمْ فِي هَذِهِ الْقِفَارِ، وَأَمَّا بَنُوهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَعْمَلُوا الشَّرَّ فَيَدْخُلُونَهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، يَتِيهُونَ، يَتَحَيَّرُونَ، فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ، أَيْ: لَا تَحْزَنْ عَلَى مِثْلِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَلَبِثُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي سِتَّةِ فَرَاسِخَ وَهُمْ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، وَكَانُوا يَسِيرُونَ كُلَّ يَوْمٍ جَادِّينَ فَإِذَا أَمْسَوْا كَانُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ارْتَحَلُوا عَنْهُ، وَقِيلَ: إِنَّ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَمْ يَكُونَا فِيهِمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا كَانَا فِيهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا عُقُوبَةٌ إِنَّمَا كَانَتِ الْعُقُوبَةُ لِأُولَئِكَ الْقَوْمِ، وَمَاتَ فِي التِّيهِ كُلُّ مَنْ دَخَلَهَا مِمَّنْ جَاوَزَ عِشْرِينَ سَنَةً غَيْرَ يُوشَعُ وكالب، ولم يدخل أريحا أَحَدٌ مِمَّنْ قَالُوا: إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا فَلَمَّا هَلَكُوا وَانْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَنَشَأَتِ النَّوَاشِئُ مِنْ ذَرَارِيهِمْ سَارُوا إِلَى حَرْبِ الْجَبَّارِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَوَلَّى تِلْكَ الْحَرْبِ وَعَلَى يَدَيْ مَنْ كَانَ الْفَتْحُ، فقال قوم: إنما فتح موسى أريحا وَكَانَ يُوشَعُ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ، فَسَارَ موسى عليه السلام إليهم بمن بَقِيَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَدَخَلَهَا يوشع وقاتل الْجَبَابِرَةَ ثُمَّ دَخَلَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَقَامَ فِيهَا مَا شَاءَ الله تعالى، ثم
٧٧٧- إسناده صحيح على شرط البخاري، مخارق هو ابن خليفة الأحمسي، تفرد عنه البخاري، أبو نعيم هو الفضل بن دكين.
- وهو في «شرح السنة» ٣٦٦٨ و «الأنوار» ٢٩٧ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٣٩٥٢ و٤٦٠٩ عن أبي نعيم به.
- وأخرجه الطبري ١١٦٨٥ من طريق وكيع بهذا الإسناد، لكن جعله عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ المقداد، ليس فيه ذكر ابن مسعود.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) زيادة عن المخطوط.
35
قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ، وَلَا يَعْلَمُ قَبْرَهُ أَحَدٌ، وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ عُوجَ بْنَ عُنُقَ قَتْلَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِنَّمَا قَاتَلَ الْجَبَّارِينَ يُوشَعُ وَلَمْ يَسِرْ إِلَيْهِمْ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالُوا: مَاتَ مُوسَى وَهَارُونُ جميعا في التيه.
فصل في ذكر وَفَاةِ هَارُونَ قَالَ السُّدِّيُّ: أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى أَنِّي مُتَوَفِّي هَارُونَ فَأْتِ بِهِ جَبَلَ كَذَا وَكَذَا، فَانْطَلَقَ مُوسَى وَهَارُونُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ نَحْوَ ذَلِكَ الْجَبَلِ فَإِذَا هُمَا بِشَجَرَةٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا وَإِذَا بِبَيْتٍ مَبْنِيٍّ وَفِيهِ سَرِيرٌ عَلَيْهِ فَرْشٌ وَإِذَا فِيهِ رِيحٌ طَيِّبَةٌ، فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ إِلَى ذَلِكَ أَعْجَبَهُ، فَقَالَ: يَا مُوسَى إِنِّي أُحِبُّ أَنَّ أَنَامَ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ، قَالَ: فَنَمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنَّ يَأْتِيَ رَبُّ هَذَا الْبَيْتِ فَيَغْضَبُ عَلَيَّ، قَالَ لَهُ مُوسَى: لَا تَرْهَبْ إِنِّي أَكْفِيكَ أَمْرَ رَبِّ هَذَا الْبَيْتِ فَنَمْ، قَالَ: يَا مُوسَى نَمْ أَنْتَ مَعِي فَإِنْ جَاءَ رَبُّ الْبَيْتِ غَضِبَ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ جَمِيعًا فَلَمَّا نَامَا أَخَذَ هَارُونَ الْمَوْتُ فَلَمَّا وَجَدَ مسّه قَالَ: يَا مُوسَى خَدَعْتَنِي، فَلَمَّا قُبِضَ رُفِعَ الْبَيْتُ وَذَهَبَتْ تِلْكَ الشَّجَرَةُ وَرُفِعَ السَّرِيرُ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَيْسَ مَعَهُ هَارُونُ قَالُوا: إِنَّ مُوسَى قَتَلَ هَارُونَ وَحَسَدَهُ لِحُبِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَهُ، فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَيْحَكُمْ كَانَ أَخِي فَكَيْفَ أَقْتُلُهُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثم دعا الله تعالى فنزل السَّرِيرُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَيْهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَصَدَّقُوهُ [١].
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: صَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ الْجَبَلَ فَمَاتَ هَارُونُ وَبَقِيَ مُوسَى، فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنْتَ قَتَلْتَهُ، فَآذَوْهُ فَأَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَحَمَلُوهُ حَتَّى مَرُّوا بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَتَكَلَّمَتِ الْمَلَائِكَةُ بِمَوْتِهِ حَتَّى عرف بنو إسرائيل أنه قد مَاتَ، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا قَالُوا، ثُمَّ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ حَمَلُوهُ وَدَفَنُوهُ فَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَوْضِعِ قَبْرِهِ أَحَدٌ إِلَّا الرَّخَمَ [٢]، فَجَعَلَهُ الله أصمّ وأبكم [٣].
وقال عمر [و] [٤] بْنُ مَيْمُونٍ: مَاتَ هَارُونُ قَبْلَ مَوْتِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي التِّيهِ، وَكَانَا قَدْ خَرَجَا إِلَى بَعْضِ الْكُهُوفِ فَمَاتَ هَارُونُ وَدَفَنَهُ مُوسَى وَانْصَرَفَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا: قَتَلْتَهُ لِحُبِّنَا إِيَّاهُ، وَكَانَ مُحَبَّبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَتَضَرَّعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ انْطَلِقْ بِهِمْ إِلَى قَبْرِهِ فَإِنِّي بَاعِثُهُ، فَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى قَبْرِهِ فَنَادَاهُ مُوسَى [٥]، فَخَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ يَنْفُضُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: أَنَا قَتَلْتُكَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنِّي مِتُّ، قَالَ: فَعُدْ إِلَى مَضْجَعِكَ، وَانْصَرَفُوا [٦].
وَأَمَّا وَفَاةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ كَرِهَ الْمَوْتَ وَأَعْظَمَهُ، فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُحَبِّبَ إِلَيْهِ الْمَوْتَ، فَنَبَّأَ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ فَكَانَ يَغْدُو وَيَرُوحُ عليه، فيقول له موسى
(١) أثر السدي هذا مصدره كتب الأقدمين.
(٢) الرخم: نوع من الطيور.
(٣) لا أصل له عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وإنما هو متلقى عن أهل الكتاب.
(٤) زيادة عن «ط» وكتب التراجم.
(٥) في المخطوط «فنادى يا هارون».
(٦) هذا الأثر متلقى عن أهل الكتاب، ولا حجة في هذه الأخبار.
36
عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا أَحْدَثَ اللَّهُ إِلَيْكَ؟ فَيَقُولُ لَهُ يُوشَعُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَمْ أَصْحَبْكَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً فهل كنت أسألك عن شيء مِمَّا أَحْدَثَ اللَّهُ إِلَيْكَ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ الَّذِي تَبْتَدِئُ بِهِ وَتَذْكُرُهُ؟ وَلَا يَذْكُرُ لَهُ شَيْئًا، فلما رأى ذلك موسى كره الْحَيَاةَ وَأَحَبَّ الْمَوْتَ [١].
«٧٧٨» أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ [٢] أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى بْنِ عُمْرَانَ، فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ، قَالَ: فَلَطَمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ فَفَقَأَهَا، قَالَ: فَرَجَعَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي قَالَ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي فَقُلْ لَهُ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟
فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَمَا وَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ، قَالَ: فَالْآنَ مِنْ قَرِيبٍ [قال] [٣] : رَبِّ أَدْنِنِي مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إلى جانب [٤] الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ»
.
وَقَالَ وَهْبٌ: خَرَجَ مُوسَى لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَمَرَّ بِرَهْطٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَحْفِرُونَ قَبْرًا لَمْ يُرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَا مِثْلَ مَا فِيهِ مِنَ الْخُضْرَةِ وَالنَّضْرَةِ وَالْبَهْجَةِ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَلَائِكَةَ اللَّهِ لِمَ تَحْفِرُونَ هَذَا الْقَبْرَ؟ قَالُوا:
لَعَبَدٍ كَرِيمٍ عَلَى رَبِّهِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْعَبْدَ مِنَ اللَّهِ لَهُوَ [٥] بِمَنْزِلَةٍ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ مَضْجَعًا قَطُّ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا صَفِيَّ اللَّهِ تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَكَ؟ قَالَ: وَدِدْتُ، قَالُوا: فَانْزِلْ وتوجه إلى ربك واضطجع فيه، قَالَ: فَاضْطَجَعَ فِيهِ وَتَوَجَّهَ إِلَى رَبِّهِ ثُمَّ تَنَفَّسَ أَسْهَلَ تَنَفُّسٍ فَقَبَضَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رُوحَهُ، ثُمَّ سَوَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ [٦].
وَقِيلَ: إِنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ أَتَاهُ بِتُفَّاحَةٍ مِنَ الْجَنَّةِ فَشَمَّهَا فَقَبَضَ رُوحَهُ.
وَكَانَ عُمْرُ مُوسَى مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَلَمَّا مَاتَ مُوسَى عَلَيْهِ السلام وانقضت الأربعون سنة،
٧٧٨- إسناده صحيح على شرط مسلم، حيث تفرد عن السلمي لكن رواه غير واحد عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عن أبي هريرة موقوفا كما سيأتي، فالله أعلم. معمر هو ابن راشد، وعبد الرزاق هو ابن همام.
وهو في «شرح السنة» ١٤٥١ بهذا الإسناد.
وهو في «صحيفة همام» برقم ٦٠ عن أبي هريرة مرفوع، وفي مصنف عبد الرزاق ٢٠٥٣١ عن معمر به.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه البخاري بأثر ٣٤٠٧ ومسلم ٢٣٧٢ ح ١٥٨ وأحمد (٢/ ٣١٥) وابن حبان ٦٢٢٤ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ١٠٣٣ وقد جاء موقوفا على أبي هريرة.
أخرجه أيضا عبد الرزاق ٢٠٥٣٠ من طريق معمر عن ابن طاووس عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به. ومن طريق عبد الرزاق هذه أخرجه البخاري ١٣٣٩ و٣٤٠٧ ومسلم ٢٣٧٢ ح ١٥٧ والنسائي (٤/ ١١٨ و١١٩) وأحمد (٢/ ٢٦٩) وابن أبي عاصم في «السنة» ٥٩٩ والبيهقي في «الصفات» ١٠٣٢ رووه من طرق عن عبد الرزاق بهذا الإسناد موقوفا، فالحديث روي مرفوعا وموقوفا وكلا الإسنادين على شرط الصحيح. فالله أعلم.
(١) هو كسابقه مصدره أهل الكتاب.
(٢) تصحف في المخطوط «المنبعي». [.....]
(٣) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٤) في المطبوع «جنب».
(٥) تصحف في المطبوع «له».
(٦) هذا الخبر متلقى عن أهل الكتاب.
37
بَعَثَ اللَّهُ يُوشَعَ نَبِيًّا فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَهُ بِقِتَالِ الْجَبَابِرَةِ، فَصَدَّقُوهُ وَتَابَعُوهُ فَتَوَجَّهَ بِبَنِي إسرائيل إلى أريحا وَمَعَهُ تَابُوتُ الْمِيثَاقِ، فَأَحَاطَ بِمَدِينَةِ أريحا ستة أشهر، فلما كان [في] السابع نفخوا في القرون وَضَجَّ الشَّعْبُ ضَجَّةً وَاحِدَةً فَسَقَطَ سُورُ الْمَدِينَةِ، وَدَخَلُوا فَقَاتَلُوا الْجَبَّارِينَ وَهَزَمُوهُمْ وَهَجَمُوا عَلَيْهِمْ يَقْتُلُونَهُمْ، وَكَانَتِ الْعِصَابَةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى عُنُقِ الرَّجُلِ يَضْرِبُونَهَا حَتَّى يقطعوها، وكان الْقِتَالُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبَقِيَتْ مِنْهُمْ بَقِيَّةٌ، وَكَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ وَتَدْخُلُ لَيْلَةُ السَّبْتِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْدُدِ الشَّمْسَ عَلَيَّ، وَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنَا فِي طَاعَتِهِ فَسَأَلَ الشَّمْسَ أَنْ تَقِفَ وَالْقَمَرَ أَنْ يُقِيمَ حَتَّى يَنْتَقِمَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ دُخُولِ السَّبْتِ، فَرُدَّتْ عليه الشمس وزيد في النهار ساعة حتى قتلتهم أَجْمَعِينَ، وَتَتَبَّعَ مُلُوكَ الشَّامِ فَاسْتَبَاحَ منهم واحدا [١] وَثَلَاثِينَ مَلِكًا حَتَّى غَلَبَ عَلَى جَمِيعِ أَرْضِ الشَّامِ، وَصَارَتِ الشَّامُ كُلُّهَا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَفَرَّقَ عُمَّالَهُ فِي نَوَاحِيهَا وَجَمَعَ الْغَنَائِمَ، فَلَمْ تَنْزِلِ [٢] النَّارُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى يُوشَعَ أَنَّ فِيهَا غُلُولًا فَمُرْهُمْ فليبايعوك فَبَايَعُوهُ فَالْتَصَقَتْ يَدُ رَجُلٍ مِنْهُمْ بيده فقال: هلمّ عِنْدَكَ فَأَتَاهُ بِرَأْسِ ثَوْرٍ مِنْ ذهب مكلّل باليواقيت وَالْجَوَاهِرِ كَانَ قَدْ غَلَّهُ، فَجَعَلَهُ فِي الْقُرْبَانِ وَجَعَلَ الرَّجُلَ مَعَهُ فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتِ الرَّجُلَ وَالْقُرْبَانَ، ثُمَّ مَاتَ يُوشَعُ وَدُفِنَ فِي جَبَلِ أَفْرَائِيمَ، وَكَانَ عُمْرُهُ مِائَةً وَسِتًّا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَتَدْبِيرُهُ أَمْرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً [٣].
[سورة المائدة (٥) : آية ٢٧]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ، وَهُمَا هَابِيلُ وَقَابِيلُ، ويقال قَابِينُ، إِذْ قَرَّبا قُرْباناً، وَكَانَ سَبَبُ قُرْبَانِهِمَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ حَوَّاءَ كَانَتْ تَلِدُ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي كُلِّ بَطْنٍ غُلَامًا وَجَارِيَةً، وَكَانَ جَمِيعُ مَا وَلَدَتْهُ أَرْبَعِينَ وَلَدًا فِي عِشْرِينَ بَطْنًا أَوَّلُهُمْ قَابِيلُ وَتَوْأَمَتُهُ أَقْلِيمَا، وَآخِرُهُمْ عَبْدُ الْمُغِيثِ وَتَوْأَمَتُهُ أَمَةُ الْمُغِيثِ، ثُمَّ بَارَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي نَسْلِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يَمُتْ آدَمُ حَتَّى بَلَغَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْلِدِ قَابِيلَ وَهَابِيلَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: غَشِيَ آدَمُ حَوَّاءَ بَعْدَ مَهْبِطِهِمَا إِلَى الْأَرْضِ بِمِائَةِ سَنَةٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ قَابِيلَ وَتَوْأَمَتَهُ أَقْلِيمَا فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ، ثم هَابِيلَ وَتَوْأَمَتَهُ لُبُودَا فِي بَطْنٍ.
«٧٧٩» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ: إِنَّ آدَمَ كَانَ يَغْشَى حَوَّاءَ فِي الْجَنَّةِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ الْخَطِيئَةَ، فَحَمَلَتْ فِيهَا بِقَابِيلَ وَتَوْأَمَتِهِ أَقْلِيمَا، فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِمَا وَحَمًا وَلَا وَصَبًا وَلَا طَلْقًا حَتَّى وَلَدَتْهُمَا، وَلَمْ تَرَ مَعَهُمَا دَمًا فلما هبطا [٤] إِلَى الْأَرْضِ تَغَشَّاهَا فَحَمَلَتْ بِهَابِيلَ وَتَوْأَمَتِهِ، فَوَجَدَتْ عَلَيْهِمَا الْوَحَمَ وَالْوَصَبَ وَالطَّلْقَ وَالدَّمَ، وَكَانَ آدَمُ إِذَا شَبَّ أَوْلَادُهُ يُزَوِّجُ غُلَامَ هَذَا الْبَطْنِ جَارِيَةَ بَطْنٍ أُخْرَى، فَكَانَ الرجل
٧٧٩- أخرجه الطبري ١١٧١٧ عن ابن إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بالكتاب الأول:... فذكره. وهذا خبر إسرائيلي كما صرح بذلك ابن إسحاق.
(١) في المطبوع «أحدا».
(٢) وقع في الأصل «تزل» والتصويب عن «ط».
(٣) هذا الأثر مصدره كتب الأقدمين، لكن قتال يوشع للجبارين وحبس الشمس له، قد جاء في حديث صحيح مرفوع.
(٤) في المطبوع «هبط».
مِنْهُمْ يَتَزَوَّجُ أَيَّةَ أَخَوَاتِهِ شَاءَ إِلَّا تَوْأَمَتَهُ الَّتِي وُلِدَتْ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ نِسَاءٌ إِلَّا أَخَوَاتُهُمْ، فَلَمَّا وُلِدَ قَابِيلُ وَتَوْأَمَتُهُ أَقْلِيمَا ثُمَّ هَابِيلُ وَتَوْأَمَتُهُ لُبُودَا، وَكَانَ بَيْنَهُمَا سَنَتَانِ فِي قَوْلِ الْكَلْبِيِّ وَأَدْرَكُوا، أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُنْكِحَ قَابِيلَ لُبُودَا أُخْتَ هَابِيلَ وَيُنْكِحَ هَابِيلَ أَقْلِيمَا أُخْتَ قَابِيلَ، وَكَانَتْ أُخْتُ قَابِيلَ أَحْسَنَ مِنْ أُخْتِ هَابِيلَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ آدَمُ لِوَلَدِهِ فَرْضِيَ هَابِيلُ وَسَخِطَ قَابِيلُ، وَقَالَ: هِيَ أُخْتِي أَنَا أَحَقُّ بِهَا، وَنَحْنُ مِنْ وِلَادَةِ الْجَنَّةِ وَهُمَا مِنْ وِلَادَةِ الْأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: إِنَّهَا لَا تَحِلُ لَكَ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهَذَا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رَأْيِهِ، فَقَالَ لَهُمَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَقَرِّبَا قُرْبَانًا فَأَيُّكُمَا يُقْبَلُ قُرْبَانُهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَكَانَتِ الْقَرَابِينُ إِذَا كَانَتْ مَقْبُولَةً نَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ بَيْضَاءُ فَأَكَلَتْهَا، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مَقْبُولَةً لَمْ تَنْزِلِ النَّارُ وَأَكَلَتْهُ الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ، فَخَرَجَا لِيُقَرِّبَا قُرْبَانًا وَكَانَ قَابِيلُ صَاحِبَ زرع فقرب صبرة من طعام مِنْ أَرْدَأِ زَرْعِهِ وَأَضْمَرَ فِي نفسه ما أبالي يقبل مني أو لَا يَتَزَوَّجُ أُخْتِي أَبَدًا، وَكَانَ هَابِيلُ صَاحِبَ غَنَمٍ فَعَمَدَ إِلَى أَحْسَنِ كَبْشٍ فِي غَنَمِهِ فَقَرَّبَ بِهِ وَأَضْمَرَ فِي نَفْسِهِ رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَوَضَعَا قُرْبَانَهُمَا على الْجَبَلِ، ثُمَّ دَعَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ وَلَمْ تَأْكُلْ قُرْبَانَ قَابِيلَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما، يَعْنِي هَابِيلَ وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ، يعني: قابيل فنزلوا [١] عن [٢] الْجَبَلِ وَقَدْ غَضِبَ قَابِيلُ لِرَدِّ قُرْبَانِهِ وَكَانَ يُضْمِرُ الْحَسَدَ فِي نَفْسِهِ إِلَى أَنْ أَتَى آدَمُ مَكَّةَ لِزِيَارَةِ الْبَيْتِ، فَلَمَّا غَابَ آدَمُ أَتَى قَابِيلُ هَابِيلَ وَهُوَ فِي غَنَمِهِ، قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ، [قَالَ: وَلِمَ] [٣]، قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِلَ قُرْبَانَكَ وَرَدَّ قُرْبَانِي، وَتَنْكِحُ أُخْتِي الْحَسْنَاءَ وَأَنْكِحُ أُخْتَكَ الدَّمِيمَةَ، فَيَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنِّي وَيَفْتَخِرُ وَلَدُكَ عَلَى وَلَدِي، قالَ هَابِيلُ: وَمَا ذَنْبِي؟ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٢٨ الى ٣٠]
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٣٠)
لَئِنْ بَسَطْتَ، أَيْ: مَدَدْتَ، إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَأَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ وَلَكِنْ مَنَعَهُ التَّحَرُّجُ أَنْ يَبْسُطَ إِلَى أَخِيهِ يده، وهذا في الشرع جَائِزٌ لِمَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ أَنْ يَنْقَادَ وَيَسْتَسْلِمَ طَلَبًا لِلْأَجْرِ، كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقال مُجَاهِدٌ: كُتِبَ عَلَيْهِمْ [٤] فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِذَا أَرَادَ رَجُلٌ قَتْلَ رَجُلٍ أَنْ [لَا] [٥] يَمْتَنِعَ وَيَصْبِرَ.
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ، تَرْجِعَ، وقيل: تحمل، بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ، أَيْ: بِإِثْمِ قَتْلِي إِلَى إِثْمِكَ، أَيْ: إِثْمِ مَعَاصِيكَ الَّتِي عَمِلْتَ مِنْ قَبْلُ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: معناه إني أريد أن تكون عَلَيْكَ خَطِيئَتِي الَّتِي عَمِلْتُهَا أَنَا إِذَا قَتَلَتْنِي وَإِثْمُكَ فَتَبُوءُ بِخَطِيئَتِي وَدَمِي جَمِيعًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ تَرْجِعَ بِإِثْمِ قَتْلِي وَإِثْمِ مَعْصِيَتِكَ الَّتِي لَمْ يُتَقَبَّلْ لِأَجْلِهَا قُرْبَانُكَ، أَوْ إِثْمِ حَسَدِكَ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ، وَإِرَادَةُ الْقَتْلِ والمعصية لا تجوز؟ قيل: ذلك ليس بِحَقِيقَةِ إِرَادَةٍ وَلَكِنَّهُ لَمَّا عَلِمَ
(١) في المخطوط وحده «فنزل».
(٢) في المطبوع «على».
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) في المطبوع وحده «الله».
(٥) زيادة عن المخطوط وط. [.....]
أَنَّهُ يَقْتُلُهُ لَا مَحَالَةَ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الِاسْتِسْلَامِ طَلَبًا لِلثَّوَابِ فَكَأَنَّهُ صَارَ مُرِيدًا لِقَتْلِهِ مَجَازًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرِيدًا حَقِيقَةً، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تبوء بعقاب قتلي فيكون إِرَادَةً صَحِيحَةً لِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَكُونُ هَذَا إِرَادَةً لِلْقَتْلِ بَلْ لِمُوجِبِ الْقَتْلِ مِنَ الْإِثْمِ وَالْعِقَابِ، فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ، أَيْ: طَاوَعَتْهُ وَشَايَعَتْهُ وعاونته، قَتْلَ أَخِيهِ فِي قَتْلِ أَخِيهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَشَجَّعَتْهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: فَزَيَّنَتْ لَهُ نَفْسُهُ، وَقَالَ يَمَانٌ: سَهَّلَتْ لَهُ ذَلِكَ، أَيْ: جَعَلَتْهُ سَهْلًا، تَقْدِيرُهُ: صَوَّرَتْ لَهُ نَفْسُهُ أَنَّ قَتْلَ أَخِيهِ طَوْعٌ لَهُ أَيْ سَهْلٌ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَلَمَّا قَصَدَ قَابِيلُ قتله لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَقْتُلُهُ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَتَمَثَّلَ لَهُ إِبْلِيسُ وَأَخَذَ طَيْرًا فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى حَجَرٍ ثُمَّ شَدَخَ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ آخَرَ وَقَابِيلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَعَلَّمَهُ الْقَتْلَ، فَرَضَخَ [١] قَابِيلُ رَأْسَ هَابِيلَ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، قِيلَ: قُتِلَ وَهُوَ مُسْتَسْلِمٌ، وَقِيلَ: اغْتَالَهُ وَهُوَ فِي النَّوْمِ فَشَدَخَ رَأْسَهُ فَقَتَلَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ، وَكَانَ لِهَابِيلَ يَوْمَ قُتِلَ عِشْرُونَ سَنَةً، وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ قَتَلَهُ [٢]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عَلَى جَبَلِ ثَوْرٍ [٣]، وَقِيلَ: عِنْدَ عَقَبَةِ حِرَاءَ، فَلَمَّا قَتَلَهُ تَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ وَلَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَيِّتٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَقَصَدَتْهُ السِّبَاعُ فَحَمَلَهُ فِي جِرَابٍ عَلَى ظَهْرِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَنَةً حَتَّى أَرْوَحَ، وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ تَنْتَظِرُ مَتَى يُرْمَى بِهِ فَتَأْكُلُهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابَيْنِ فَاقْتَتَلَا، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ حَفَرَ لَهُ بِمِنْقَارِهِ وَبِرَجُلِهِ حَتَّى مَكَّنَ لَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي الحفر وَوَارَاهُ، وَقَابِيلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ قوله تعالى:
[سورة المائدة (٥) : آية ٣١]
فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١)
فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ، فَلَمَّا رَأَى قابيل ذلك قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي، أَيْ: جيفته، وقيل: عورته لأنه [كان] [٤] قَدْ سَلَبَ ثِيَابَهُ، فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ، عَلَى حَمْلِهِ عَلَى عَاتِقِهِ لَا عَلَى قَتْلِهِ، وَقِيلَ: عَلَى فِرَاقِ أَخِيهِ، وَقِيلَ:
نَدِمَ لِقِلَّةِ النَّفْعِ بِقَتْلِهِ فَإِنَّهُ أَسْخَطَ وَالِدَيْهِ، وَمَا انْتَفَعَ بِقَتْلِهِ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ نَدَمُهُ عَلَى الْقَتْلِ وَرُكُوبِ الذنب، قال الْمُطَّلِبِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ: لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ رَجَفَتِ [٥] الْأَرْضُ بِمَا عَلَيْهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ شَرِبَتِ الْأَرْضُ دَمَهُ كَمَا يُشْرَبُ الْمَاءُ، فَنَادَاهُ آدَمُ [٦] : أَيْنَ أَخُوكَ هَابِيلُ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي مَا كُنْتُ عَلَيْهِ رقيبا، فقال آدم [٧] : إِنَّ دَمَ أَخِيكَ لَيُنَادِينِي مِنَ الْأَرْضِ، فَلِمَ قَتَلْتَ أَخَاكَ؟ قَالَ: فَأَيْنَ دَمُهُ إِنْ كُنْتُ قَتَلْتُهُ؟ فَحَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ أَنْ تَشْرَبَ دَمًا بَعْدَهُ أَبَدًا، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ وَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَكَّةَ اشْتَاكَ الشَّجَرُ وَتَغَيَّرَتِ الْأَطْعِمَةُ وَحَمَضَتِ الْفَوَاكِهُ، وَأَمَرَّ الْمَاءُ وَاغْبَرَّتِ الْأَرْضُ، فَقَالَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَدْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ حدث، فأتى الهند
(١) في المخطوط «فوضع».
(٢) زيد في ط، زيادة ليست في المخطوطين ولا المطبوع.
(٣) في المخطوط «نوذ».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع وحده «وجفت».
٦ في المخطوطين وط «الله» بدل «آدم» والمثبت أقرب للصواب لأن الله تعالى لا يكلم الظلمة والفسقة، وهذا إن ثبت هذا الأثر ولم يثبت فإنه متلقى عن كتب الأقدمين.
٧ في المخطوطين وط «الله» بدل «آدم» والمثبت أقرب للصواب لأن الله تعالى لا يكلم الظلمة والفسقة، وهذا إن ثبت هذا الأثر ولم يثبت فإنه متلقى عن كتب الأقدمين.
40
فَإِذَا قَابِيلُ قَدْ قَتَلَ هَابِيلَ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَالَ الشِّعْرَ [١] :
تَغَيَّرَتِ الْبِلَادُ وَمَنْ عَلَيْهَا فَوَجْهُ الْأَرْضِ مُغْبَرٌ قَبِيحٌ
تغير كل ذي طعم ولون وقلّ بشاشة الوجه الْمَلِيحُ
وَرُوِيَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَنْ قَالَ إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ شعرا فقد كذب [على الله ورسوله]، أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي النَّهْيِ عَنِ الشِّعْرِ سَوَاءٌ.
وَلَكِنْ لَمَّا قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ رَثَاهُ آدَمَ وَهُوَ سُرْيَانِيٌّ، فَلَمَّا قَالَ آدَمُ مَرْثِيَّتَهُ قَالَ لَشِيثٍ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ وَصِيٌّ احْفَظْ هَذَا الْكَلَامَ لِيُتَوَارَثَ فَيَرِقَّ النَّاسُ عليه، فلم يَزَلْ يُنْقَلُ حَتَّى وَصَلَ إِلَى يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَطَّ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ يَقُولُ الشِّعْرَ فَنَظَرَ فِي الْمَرْثِيَّةِ فَرَدَّ الْمُقَدَّمَ إِلَى الْمُؤَخَّرِ، وَالْمُؤَخَّرَ إِلَى الْمُقَدَّمِ، ووزنه شعرا وزاد فيه أبيات مِنْهَا [٢] :
وَمَا لِي لَا أَجُودُ بِسَكْبِ دَمْعٍ وَهَابِيلُ تَضَمَّنَهُ الضَّرِيحُ
أَرَى طُولَ الْحَيَاةِ عَلَيَّ غَمًّا فَهَلْ أَنَا مِنْ حَيَاتِي مُسْتَرِيحُ
فَلَمَّا مَضَى مِنْ عُمْرِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً، وَذَلِكَ بَعْدَ قَتْلِ هَابِيلَ بِخَمْسِ سنين ولدت له حواء شيئا [وَتَفْسِيرُهُ هِبَةُ اللَّهِ] [٣]، يَعْنِي إِنَّهُ خَلَفٌ مِنْ هَابِيلَ عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَعَلَّمَهُ عبادة الخالق فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْهَا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَحِيفَةً فَصَارَ وَصِيَّ آدَمَ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ، وَأَمَّا قَابِيلُ فَقِيلَ لَهُ: اذْهَبْ طَرِيدًا شَرِيدًا فَزِعًا مَرْعُوبًا لَا تَأْمَنُ مَنْ تَرَاهُ، فَأَخَذَ بِيَدِ أُخْتِهِ أَقْلِيمَا وَهَرَبَ بِهَا إِلَى عَدَنَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ، فَأَتَاهُ إِبْلِيسُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا أَكَلَتِ النَّارُ قُرْبَانَ هَابِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْبُدُ النَّارَ فانصب أنت أيضا نارا تَكُونُ لَكَ وَلِعَقِبِكَ، فَبَنَى بَيْتًا لِلنَّارِ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَبَدَ النَّارَ، وَكَانَ لَا يَمُرُّ بِهِ أحد من ولده إِلَّا رَمَاهُ، فَأَقْبَلَ ابْنٌ لَهُ أَعْمًى وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ، فَقَالَ ابْنُهُ: هَذَا أَبُوكَ قَابِيلُ، فَرَمَى الْأَعْمَى أَبَاهُ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ ابْنُ الْأَعْمَى: قَتَلْتَ أَبَاكَ؟ فَرَفَعَ يَدَهُ فَلَطَمَ ابْنَهُ، فَمَاتَ فَقَالَ الْأَعْمَى: وَيْلٌ لِي قَتَلْتُ أَبِي بِرَمْيَتِي وَقَتَلْتُ ابْنِي بِلَطْمَتِي.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَعَلِقَتْ إِحْدَى رِجْلَيْ قَابِيلَ إِلَى فَخْذِهَا وَسَاقِهَا وَعَلِقَتْ [مِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى] [٤] يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ إِلَى الشمس [حيث] [٥] مَا دَارَتْ عَلَيْهِ فِي الصَّيْفِ حَظِيرَةٌ مِنْ نَارٍ وَفِي الشِّتَاءِ حظيرة من ثلج، قالوا: وَاتَّخَذَ أَوْلَادُ قَابِيلَ آلَاتِ اللَّهْوِ مِنَ الْيَرَاعِ وَالطُّبُولِ وَالْمَزَامِيرِ وَالْعِيدَانِ وَالطَّنَابِيرِ، وَانْهَمَكُوا فِي اللَّهْوِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَعِبَادَةِ النَّارِ وَالزِّنَا وَالْفَوَاحِشِ حتى أغرقهم اللَّهُ بِالطُّوفَانِ أَيَّامَ نُوحٍ عَلَيْهِ السلام، وبقي نسل شيث [٦].
(١) باطل، لا أصل له عن ابن عباس، والحمل فيه على مقاتل بن سليمان، فإنه كذاب وصناع، والضحاك لم يلق ابن عباس.
(٢) لا يصح هذا عن ابن عباس، ذكره الثعلبي في «قصصه» ص ٣٩ بقوله: روي عن ابن عباس، وهو باطل لا يصح، إذ كيف يحفظ ما قاله آدم إلى زمن يعرب بن قحطان.
(٣) في المطبوع العبارة «واسمه عبد الله».
(٤) في المطبوع «منها فهو معلق إلى».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) هذه الآثار مصدر كتب الأقدمين لا حجة في شيء مِنْهَا.
41
«٧٨٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ثَنَا أَبِي ثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لَأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القتل».
[سورة المائدة (٥) : آية ٣٢]
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ «مِنِ أجل» [١] بِكَسْرِ النُّونِ مَوْصُولًا وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بجزم النون وفتح الهمزة مقطوعا، أَيْ: مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ الْقَاتِلِ وَجِنَايَتِهِ، يُقَالُ: أَجَلَ يَأْجَلُ أَجَلًا، إِذَا جَنَى، مِثْلُ أَخَذَ يَأْخُذُ أَخْذًا، كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ، قَتَلَهَا فَيُقَادُ مِنْهُ، أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ، يُرِيدُ بِغَيْرِ نَفْسٍ وَبِغَيْرِ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ مِنْ كُفْرٍ أَوْ زِنًا أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، اخْتَلَفُوا في تأويله، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ: مَنْ قتل نبيا أو إمام عدل فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ شَدَّ عَضُدَ نَبِيٍّ أَوْ إِمَامٍ عَدْلٍ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً يَصْلَى النَّارَ بِقَتْلِهَا، كَمَا يَصْلَاهَا [٢] لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا مَنْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِهَا فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِ الناس جميعا، قال قتادة: أعظم اللَّهُ أَجْرَهَا وَعَظَّمَ وِزْرَهَا، مَعْنَاهُ: مَنِ اسْتَحَلَّ قَتْلَ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حقه فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا فِي الْإِثْمِ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْلَمُونَ مِنْهُ، وَمَنْ أَحْياها، وَتَوَرَّعَ عَنْ قَتْلِهَا، فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً، فِي الثَّوَابِ لِسَلَامَتِهِمْ مِنْهُ، قَالَ الْحَسَنُ:
فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، يَعْنِي: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهَا مِثْلُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أحياها أي عفا عمّن وجب عليه القصاص فَلَمْ يَقْتُلْهُ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ قُلْتُ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ أهي لَنَا كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: إِيْ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا كَانَتْ دِمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ دِمَائِنَا، وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ.
٧٨٠- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، الأعمش هو سليمان بن مهران، مسروق هو ابن الأجدع.
وهو في «صحيح البخاري» ٣٣٣٥ عن عمر بن حفص بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٦٨٦٧ و٧٣٢١ ومسلم ١٦٧٧ والترمذي ٢٦٧٥ والنسائي (٧/ ٨٢) وابن ماجه ٢٦١٦ والحميدي ١١٨ وأحمد (١/ ٣٨٣ و٤٣٠ و٤٣٣) وأبو يعلى ٥١٧٩ والبيهقي (٨/ ١٥) والبغوي في «شرح السنة» ١١١ من طرق عن الأعمش به. [.....]
(١) زيد في المطبوع «ذلك».
(٢) في المطبوع «يصلى».

[سورة المائدة (٥) : آية ٣٣]

إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣)
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً، الْآيَةَ.
قَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ، فَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَقَطَعُوا السَّبِيلَ وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ [١].
«٧٨١» وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي قَوْمِ هِلَالِ بْنِ عُوَيْمِرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَادَعَ هِلَالَ بْنَ عُوَيْمِرٍ وَهُوَ أَبُو بُرْدَةَ الْأَسْلَمِيُّ عَلَى أَنْ لَا يُعِينَهُ وَلَا يُعِينَ عَلَيْهِ، وَمَنْ مَرَّ بِهِلَالِ بْنِ عُوَيْمِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ آمِنٌ لَا يُهَاجُ، فَمَرَّ قَوْمٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُرِيدُونَ الْإِسْلَامَ بِنَاسٍ مِنْ أَسَلَمَ مِنْ قَوْمِ هِلَالِ بْنِ عُوَيْمِرٍ، وَلَمْ يَكُنْ هِلَالٌ شَاهِدًا فَشَدُّوا عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْقَضَاءِ فِيهِمْ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ عُرَيْنَةَ وَعُكْلٍ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهُمْ كَذَبَةٌ فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ [٢].
«٧٨٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ من عكل فأسلموا فاجتووا الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، ففعلوا فصحوا فارتدوا فقتلوا رُعَاتَهَا وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آثَارِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ فَقِطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ لَمْ يحسمهم حتى ماتوا.
(١) أخرجه الطبري ١١٨٠٨ من طريق جويبر عن الضحاك مرسلا، ولم يذكر أنه كان سبب نزول للآية. وهذا إسناد ساقط، جويبر متروك. وورد من وجه آخر:
أخرجه الطبري ١١٨٠٧ عن ابن عباس، وذكر فيه الآية، لكن فيه إرسال بين علي بن أبي طلحة وابن عباس.
٧٨١- علقه المصنف عن الكلبي وسنده إليه في أول الكتاب والكلبي متروك متهم، والصحيح الحديث الآتي برقم ٧٨٢.
(٢) انظر الحديث الآتي.
٧٨٢- إسناده صحيح على شرط البخاري، علي بن عبد الله هو المديني، الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو، أبو قلابة هو عبد الله بن زيد الجرمي.
وهو في «صحيح البخاري» ٦٨٠٢ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٦٨٠٣ مختصرا ومسلم ١٦٧١ ح ١٢ وأبو داود ٤٣٦٦ والنسائي (٧/ ٩٤ و٩٥) وأحمد (٣/ ١٩٨) وابن حبان ٤٤٦٧ من طرق عن الأوزاعي به.
وأخرجه البخاري ٤١٩٣ و٤٦١٠ و٦٨٩٩ ومسلم ١٦٧١ و١٠ و١١ و١٢ والنسائي (٧/ ٩٣ و١٦٠ و١٦١) وابن أبي شيبة (٧/ ٧٥) وأحمد (٣/ ١٨٦) وابن حبان ١٣٧٦ من طرق عن أبي رجاء مولى أبي قلابة عن أبي قلابة به.
وأخرجه مسلم ١٦٧١ ح ١٤ والترمذي ٧٣ من طريق يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التيمي عن أنس به.
وأخرجه البخاري ١٥٠١ و٤١٩٢ و٥٧٢٧ ومسلم ١٦٧١ ح ٣ والنسائي (٧/ ٩٧ و١٥٨) وابن خزيمة ١١٥ وأحمد (٣/ ١٦٣ و١٧٠ و١٧٧ و٢٣٣ و٢٨٧ و٢٩٠) وابن حبان ٣٨٨ والبيهقي (١٠/ ٤) من طرق عن قتادة عن أنس.
وأخرجه الترمذي ٧٢ و١٨٤٥ و٢٠٤٢ والنسائي (٧/ ٩٧) والطحاوي (١/ ١٠٧) من طرق عن قتادة وحميد وثابت عن أنس به.
43
«٧٨٣» وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَكَحَّلَهُمْ بِهَا وَطَرَحَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا. قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَسَعَوْا فِي الْأَرْضِ فَسَادًا.
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ هَؤُلَاءِ الْعُرَنِيِّينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ لِأَنَّ الْمُثْلَةَ لَا تَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
حُكْمُهُ ثَابِتٌ إِلَّا السَّمْلَ وَالْمُثْلَةَ، وَرَوَى قَتَادَةُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْحَدُّ.
«٧٨٤» وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: فَلَمَّا فَعَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْحُدُودَ وَنَهَاهُ عَنِ الْمُثْلَةِ فَلَمْ يَعُدْ.
«٧٨٥» وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ.
«٧٨٦» وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ: إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ أُولَئِكَ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعَاةِ.
«٧٨٧» وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُعَاتِبَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْلِيمًا مِنْهُ إِيَّاهُ عُقُوبَتَهُمْ، وَقَالَ:
إِنَّمَا جَزَاؤُهُمْ هَذَا لَا الْمُثْلَةُ، وَلِذَلِكَ مَا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا إِلَّا نَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُحَارِبِينَ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ هَذَا الْحَدَّ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُمُ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ وَيَحْمِلُونَ السلاح [على المسلمين] [١]، وَالْمُكَابِرُونَ فِي الْأَمْصَارِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: هم الْمُكَابِرُونَ فِي الْأَمْصَارِ لَيْسَ لَهُمْ حكم المحاربين في استحقاق هذا الحد، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعُقُوبَةُ الْمُحَارِبِينَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إلى أن الإمام بالخيار
٧٨٣- صحيح، أخرجه البخاري ٢٣٣ و٣٠١٨ و٦٨٠٤ و٦٨٠٥ وأبو داود ٤٣٦٤ وعبد الرزاق ١٧١٣٣ وأحمد (٣/ ١٦١) وابن حبان ٤٤٦٨ و٤٤٦٩ والطحاوي في «المعاني» (٣/ ١٨٠) من طرق عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ به.
٧٨٤- مرسل. أخرجه أبو داود ٤٣٧٠ ومن طريقه البيهقي (٨/ ٢٨٣) عن أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو بْنِ السَّرْحِ حدثنا ابن وهب أخبرني الليث بن سعد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أبي الزناد به. وقال البيهقي: قول قتادة وأبي الزناد وغيرهما نزول الآية فيهم مرسل اهـ. وانظر ما بعده.
٧٨٥- حسن بشواهده. أخرجه البيهقي (٩/ ٦٩) عن قتادة مرسلا، وورد موصولا.
أخرجه أبو داود ٢٦٦٧ وأحمد (٤/ ٤٢٨) والبيهقي (٩/ ٦٩) من طريق قتادة عن الحسن عن الهياج بن عمران عن عمران بن حصين.
والهياج بن عمران وثقه ابن حبان وابن سعد، وجهّله علي بن المديني.
وأخرجه الطبراني ٦٩٦٦ من طريق همام عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ هياج بن عمران عن سمرة بن جندب.
وأخرجه أحمد (٤/ ٤٣٢ و٤٣٩ و٤٤٠ و٤٤٥) وابن حبان ٤٤٧٣ والطحاوي (٣/ ١٨٢) وابن شاهين في «الناسخ والمنسوخ» ٥٣٣ والطبراني (١٨/ ٣٢٥ و٣٢٦ و٣٢٧) من طرق عن الحسن قال: قال رجل لعمران بن حصين...
فذكره. وفيه إرسال، وقد ضعف أحمد بن حنبل رواية الحسن عن عمران على أنه لم يسمع منه كما في «مراسيل ابن أبي حاتم» لكن هذه الروايات تتأيد بمجموعها، فالحديث حسن إن شاء الله تعالى.
٧٨٦- صحيح، أخرجه مسلم ١٦٧١ ح ١٤ والترمذي ٧٣ والنسائي (٧/ ١٠٠) وابن حبان ٤٤٧٤ والبيهقي (٨/ ٧٠) من طرق عن يحيى بن غيلان قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سليمان التيمي به.
٧٨٧- ضعيف، أخرجه الطبري ١١٨٢٢ عن الوليد بن مسلم قال: ذاكرت الليث بن سعد ما كان من سمل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم أعينهم، وتركه حسمهم حتى ماتوا، فقال: سمعت محمد بن عجلان يقول: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلّم معاتبة
(١) زيد في المطبوع.
44
فِي أَمْرِ الْمُحَارِبِينَ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَالصَّلْبِ، وَالنَّفْيِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ عَلَى تَرْتِيبِ الْجَرَائِمِ لَا عَلَى التَّخْيِيرِ، لِمَا:
«٧٨٨» أَخْبَرَنَا [١] عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ: إِذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِبُوا، وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَلَمْ يُصْلَبُوا، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا خافوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا نُفُوا في الْأَرْضِ.
وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذَا قَتَلَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ يُقْتَلُ حَتْمًا حَتَّى لَا يَسْقُطَ بِعَفْوِ وَلِيِّ الدَّمِ، [وَإِذَا أَخَذَ مِنَ الْمَالِ نِصَابًا وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَإِذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ يُقْتَلُ وَيُصْلَبُ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه يُقْتَلَ ثُمَّ يُصْلَبَ.
وَقِيلَ: يُصْلَبُ حَيًّا ثُمَّ يُطْعَنُ حَتَّى يَمُوتَ مَصْلُوبًا] [٢]، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَقِيلَ: يُصْلَبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَيًّا ثُمَّ يُنْزَلُ فَيُقْتَلُ، وَإِذَا أَخَافَ السَّبِيلَ يُنْفَى وَاخْتَلَفُوا فِي النَّفْيِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الإمام يطلبه ففي كل بلد يوجد ينفى، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقِيلَ: يطلبون لتقام عليهم الحدود، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: النَّفْيُ هُوَ الْحَبْسُ، وَهُوَ نَفْيٌ مِنَ الْأَرْضِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: يُنْفَى مِنْ بَلَدِهِ إِلَى غَيْرِهِ وَيُحْبَسُ فِي السِّجْنِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ إِلَيْهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، قال مكحول: إن عمر بن الخطاب أَوَّلَ مَنْ حَبَسَ فِي السُّجُونِ، وَقَالَ: أَحْبِسُهُ حَتَّى أَعْلَمَ مِنْهُ التَّوْبَةَ، وَلَا أَنْفِيهِ إِلَى بَلَدٍ فَيُؤْذِيهِمْ، ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنَ الْحَدِّ، لَهُمْ خِزْيٌ عَذَابٌ وَهَوَانٌ وَفَضِيحَةٌ، فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ.
[سورة المائدة (٥) : آية ٣٤]
إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤)، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ، قَالَ مَعْنَاهُ: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ شِرْكِهِمْ وَأَسْلَمُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْحُدُودِ وَلَا تَبِعَةَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَصَابُوا فِي حَالِ الْكُفْرِ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ الْمُحَارِبُونَ فَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ القدرة عليه [٣] وَهُوَ قَبْلَ أَنْ يَظْفَرَ بِهِ الإمام يسقط عَنْهُ كُلُّ عُقُوبَةٍ وَجَبَتْ حَقًّا لِلَّهِ، وَلَا يَسْقُطُ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ، وَيَبْقَى عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ فَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ [٤]، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ الْمَالَ
في ذلك وعلمه عقوبة مثلهم. ثم ذكر لفظا آخر غير الذي ذكر المصنف، وهو معضل بكل حال، فهو واه.
٧٨٨- إسناده ضعيف جدا، إبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى، متروك كذبه المديني والقطان وابن معين، ووهاه آخرون، ووثقه الشافعي وحده. وفيه صالح بن نبهان، وهو صدوق لكنه اختلط.
وهو في «شرح السنة» ٢٥٦٤ بهذا الإسناد.
وفي «مسند الشافعي» (٢/ ٨٦) عن إبراهيم بن محمد به. [.....]
(١) زيد في المخطوط «عبد الواحد المليحي» وهو خطأ.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.
(٣) في المطبوع «عليهم».
(٤) في المطبوع «تاب واستوفى» بدل «استوفاه».
يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا يَسْقُطُ عَنْهُ تحتم [القطع و] [١] الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ، وَيَجِبُ ضَمَانُ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ فِي دم ومال إِلَّا أَنْ يُوجَدَ مَعَهُ مَالٌ بِعَيْنِهِ فَيَرُدُّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَارِثَةَ بْنِ يَزِيدَ كَانَ [قد] [٢] خَرَجَ مُحَارِبًا فَسَفَكَ الدِّمَاءَ وَأَخَذَ الْمَالَ ثُمَّ جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ أن يقدر عليه ولم يَجْعَلْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [عليه] [٣] تبعة، أَمَّا مَنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَقِيلَ: كُلُّ عُقُوبَةٍ تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عُقُوبَاتِ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَطْعِ السَّرِقَةِ وَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ بِكُلِّ حَالٍ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا لا تسقط.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٣٥ الى ٣٨]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٣٦) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٧) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا، واطلبوا، إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، أَيِ: الْقُرْبَةَ، فَعَيْلَةٌ مِنْ تَوَسَّلَ إِلَى فُلَانٍ بِكَذَا، أَيْ: تَقَرَّبَ إِلَيْهِ وَجَمْعُهَا وَسَائِلُ، وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ، أَخْبَرَ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ مَلَكَ الدُّنْيَا كُلَّهَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا ثُمَّ فَدَى بِذَلِكَ نَفْسَهُ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ الْفِدَاءُ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها، فِيهِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ وَيَطْلُبُونَ الْمَخْرَجَ مِنْهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها [الْحَجُّ: ٢٢]، وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ ذَلِكَ بِقُلُوبِهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْهُمْ: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠٧]، وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ.
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما، أَرَادَ بِهِ أَيْمَانَهُمَا، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِ عبد الله بن مسعود، وجملة الحكم: أَنَّ مَنْ سَرَقَ نِصَابًا مِنَ الْمَالِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى من الكوع، ولا يجب القطع بسرقة مَا دُونَ النِّصَابِ عِنْدَ [عَامَّةِ] [٤] أَهْلِ الْعِلْمِ، حُكِيَ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ فِي الشَّيْءِ الْقَلِيلِ، وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُقْطَعُ [فِيهِ] [٥]، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي أَقَلِّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ، فَإِنْ سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ أَوْ مَتَاعًا قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ يُقْطَعْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ والأوزاعي والشافعي، لِمَا:
«٧٨٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو العباس الأصم أنا
٧٨٩- إسناده صحيح، الشافعي فمن دونه ثقات وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، ابن عيينة هو سفيان وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، عمرة هي بنت عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زرارة.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المخطوط وط «به».
46
الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عمرة [١] عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْقَطْعُ في ربع دينار فصاعدا».
«٧٩٠» وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرْخَسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قطع سارقا في مجن قيمته ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ.
وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَطَعَ سَارِقًا فِي أُتْرُجَّةٍ [٢] قُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ [٣].
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يقطع فِي أَقَلِّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ عشرة دراهم، ويروى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُقْطَعُ إِلَّا فِي خمسة دراهم وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى.
«٧٩١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ بْنِ غِيَاثٍ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ»، وَقَالَ الْأَعْمَشُ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ وَالْحَبْلُ، يَرَوْنَ أن منها ما يساوي ثلاثة دَرَاهِمَ.
وَيَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَرَى الْقَطْعَ فِي الشَّيْءِ الْقَلِيلِ، وَهُوَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مَحْمُولٌ عَلَى ما قاله
وهو في «شرح السنة» ٢٥٨٩ بهذا الإسناد. وفي «مسند الشافعي» (٢/ ٨٣) عن سفيان بن عيينة به.
وأخرجه مسلم ١٦٨٤ ح ١ وأبو داود ٤٣٨٣ والترمذي ١٤٤٥ والنسائي (٨/ ٧٩) والحميدي ٢٧٩ وأحمد (٦/ ٣٦) والطحاوي (٣/ ١٦٣ و١٦٦ و١٦٧) وابن حبان ٤٥٥٩ وابن الجارود ٨٢٤ والبيهقي (٨/ ٢٥٤) من طرق عن ابن عيينة به.
وأخرجه البخاري ٦٧٩٠ ومسلم ١٦٨٤ وأبو داود ٤٣٨٤ والنسائي (٨/ ٧٨) وابن حبان ٤٤٥٥ والطحاوي (٢/ ١٦٤) والبيهقي (٨/ ٢٥٤) من طرق عن ابن وهب عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عن عروة وعمرة عن عائشة به.
(١) وقع في الأصل «عروة» والتصويب عن «شرح السنة» و «مسند الشافعي».
٧٩٠- إسناده صحيح، على شرط البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» ٢٥٩ بهذا الإسناد. وفي «الموطأ» (٢/ ٨٣١) عن نافع به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٦٧٩٥ ومسلم ١٦٨٦ ح ٦ وأبو داود ٤٣٨٥ والنسائي (٨/ ٧٦، ٧٧) والشافعي (٢/ ٨٣) والطيالسي ١٨٤٧ وأحمد (٢/ ٦٤) وابن حبان ٤٤٦٣ والطحاوي (٣/ ١٦٢) والدارقطني (٣/ ١٩٠) والبيهقي (٨/ ٢٥٨).
وأخرجه البخاري ٦٧٩٧ و٦٧٩٨ ومسلم ١٦٨٦ ح ٦ وأبو داود ٤٣٨٦ والترمذي ١٤٤٦ والنسائي (٨/ ٧٦ و٧٧) وابن ماجه ٢٥٨٤ وعبد الرزاق ١٨٩٦٧ والطيالسي ١٨٤٧ وابن أبي شيبة (٩/ ٤٦٨) وأحمد (٢/ ٥٤ و٨٠ و١٤٣) والدارمي (٢/ ١٧٣) وابن حبان ٤٤٦١ والطحاوي (٣/ ١٦٢ و١٦٣) والبيهقي (٨/ ٢٥٦) من طرق عن نافع به.
(٢) الأترجة: ثمر شجر من جنس الليمون. [.....]
(٣) أثر عثمان أخرجه الشافعي في «مسنده» (٢/ ٨٣) من طريق مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمرة به.
٧٩١- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، الأعمش هو سليمان بن مهران، أبو صالح اسمه ذكوان مشهور بكنيته.
وهو في «شرح السنة» ٢٥٩١ بهذا الإسناد. وفي «صحيح البخاري» ٦٧٨٣ عن عمر بن حفص به.
وأخرجه البخاري ٦٧٩٩ ومسلم ١٦٨٧ والنسائي (٨/ ٦٥) وابن ماجه ٢٥٨٣ وأحمد (٢/ ٢٥٣) وابن حبان ٥٧٤٨ والبيهقي (٨/ ٢٥٣) من طرق عن الأعمش به.
47
الْأَعْمَشُ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ [١] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَإِذَا سَرَقَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ كَثَمَرٍ فِي حَائِطٍ لَا حَارِسَ لَهُ أَوْ حَيَوَانٍ فِي بَرِّيَّةٍ لَا حَافِظَ لَهُ، أَوْ مَتَاعٍ فِي بَيْتٍ مُنْقَطِعٍ عَنِ الْبُيُوتِ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ.
«٧٩٢» وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ ولا في جريسة [٢] جَبَلٍ [٣]، فَإِذَا آوَاهُ الْمُرَاحُ أَوِ الْجَرِينُ فَالْقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ».
«٧٩٣» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ [أَبِي] [٤] الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ».
وَإِذَا سَرَقَ مَالًا لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ كَالْعَبْدِ يَسْرِقُ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ أَوِ الْوَلَدِ يَسْرِقُ مِنْ مَالِ وَالِدِهِ أَوِ الْوَالِدِ يَسْرِقُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ أَوْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَسْرِقُ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِكِ شَيْئًا لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، وَإِذَا سَرَقَ السَّارِقُ أَوَّلَ مَرَّةٍ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنَ الْكُوعِ، ثُمَّ إِذَا سَرَقَ ثَانِيًا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ مَفْصِلِ الْقَدَمِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا سَرَقَ ثَالِثًا فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ إِذَا سَرَقَ رَابِعًا تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ إِذَا سَرَقَ بَعْدَهُ شَيْئًا يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
«٧٩٤» لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في السارق
(١) هو الحديث المتقدم برقم: ٧٧٣.
٧٩٢- حسن بشواهده، أخرجه مَالِكٍ (٢/ ٨٣١) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الرحمن بن أبي حسين المكي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم قَالَ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ معلّق، ولا في جريسة جَبَلٍ» فَإِذَا آوَاهُ الْمُرَاحُ أَوِ الجرين فالقطع يبلغ ثمن المجن.
وهذا مرسل صحيح.
وأخرجه النسائي (٨/ ٨٥، ٨٦) والبيهقي (٨/ ٢٦٣) عبيد الله بن الأخنس عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبيه عن جده بلفظ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم في كم تقطع اليد؟ قال: لا تقطع اليد في ثمر معلق فإذا ضمنه الجرين قطعت في ثمن المجن، ولا تقطع في جريسة الجبل، فإذا آوى المراح قطعت في ثمن المجن».
وورد من وجه آخر عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبيه عن جده بمعناه عند أبي داود ١٧١٠ و٤٣٩٠ والترمذي ١٢٨٩ والنسائي (٨/ ٨٥ و٨٦) وابن ماجه ٢٥٩٦ والحاكم (٤/ ٣٨١) وابن الجارود ٨٢٧ والبيهقي (٨/ ٢٧٨).
٧٩٣- جيد. هو في «مصنف عبد الرزاق» ١٨٨٤٤ عن ابن جريج به، وقد صرّح ابن جريج بسماعه من أبي الزبير في «المصنّف» وأخرجه النسائي (٨/ ٨٩) وعبد الرزاق ١٨٨٤٥ و١٨٨٥٩ والطحاوي (٣/ ١٧١) والبيهقي (٣/ ٢٧٩) من طرق عن أبي الزبير به.
وأخرجه أبو داود ٤٣٩١ والترمذي ١٤٤٨ والنسائي (٨/ ٨٨ و٨٩) وابن ماجه ٢٥٩١ وأحمد (٣/ ٣٨٠) والدارمي (٢/ ١٧٥) والدارقطني (٣/ ١٨٧) وابن حبان ٤٤٥٦ و٤٤٥٧ والطحاوي (٣/ ١٧١) والبيهقي (٨/ ٢٧٩) من طرق عن ابن جريج عن أبي الزبير وعمرو بن دينار عن جابر به.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(٢) الجريسة: ما يسرق من الغنم بالليل.
(٣) في الأصل: «حريسة حبل».
(٤) ما بين المعقوفتين زيادة من مصادر التخريج وكتب التراجم.
٧٩٤- غير قوي. أخرجه الدارقطني (٣/ ١٨١) من حديث أبي هريرة.
وقال الزيلعي في «نصب الراية» (٣/ ٣٧٢) : وفيه الواقدي فيه مقال.
ورواه أبو نعيم «الحلية» (٢/ ٦) في ترجمة عبد الله بن زيد الجهني. من حديثه. وقال أبو نعيم: تفرد به حرام بن عثمان، وهو من الضعف بالمحل العظيم اهـ قلت: الواقدي متروك.
48
[يَسْرِقُ] [١] «إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، [ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» ] [٢].
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ إِنْ سرق ثالثا بعد ما قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى لا يقطع، بل يحبس، روي ذَلِكَ عَنْ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ: إِنِّي لَأَسْتَحِي أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَسْتَنْجِي بِهَا وَلَا رِجْلًا يَمْشِي بِهَا [٣]، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: جَزاءً بِما كَسَبا، نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ وَالْقَطْعِ، وَمِثْلُهُ: نَكالًا، أَيْ: عُقُوبَةً، مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٣٩ الى ٤١]
فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٤١)
وله شاهد من حديث الحارث اللخمي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم أتي بلص فقال: اقتلوه. فقالوا: يا رسول الله إنما سرق. فقال:
اقتلوه. قالوا: يا رسول الله إنما سرق. قال: اقطعوا يده. ثم سرق فقطعت رجله، ثم سرق على عهد أبي بكر حتى قطعت قوائمه كلها، ثم سرق الخامسة فأمر بقتله... »
الحديث. وفيه: قال أبو بكر: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم أعلم به حين قال: اقتلوه».
أخرجه النسائي (٨/ ٨٩، ٩٠) والحاكم (٤/ ٣٨٢) والطبراني كما في «نصب الراية» (٣/ ٣٧٢) والبيهقي (٨/ ٢٧٢).
وصححه الحاكم. ورده الذهبي بقوله: بل منكر اه.
ولم يبين الذهبي وجه النكارة، ولعله استنكر المتن، ورجاله ثقات إلا أن عفان بن مسلم الباهلي وثقه ابن حجر في «التقريب» لكن أنه عاد فقال: قال ابن معين: أنكرناه في صفر سنة تسع عشرة. أي: ٢١٩ ومات بعدها بيسير اهـ.
وله شاهد آخر من حديث جابر بنحو حديث الحارث اللخمي المتقدم، أخرجه أبو داود ٤٤١٠ والنسائي (٨/ ٩٠، ٩١) والبيهقي (٨/ ٢٧٢) وسكت عليه أبو داود، وقال النسائي: هذا حديث منكر، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث والله تعالى أعلم اهـ.
وذكر المنذري في «مختصره» ٤٢٤٨ كلام النسائي وزاد: مصعب الزبيري ضعفه غير واحد اهـ.
قلت: وهذا خبر منكر لم يعمل الفقهاء بقتل السارق، ولو تكرر منه، وإن صح فهو محمول على كون هذا الرجل إما منافقا أو فاسقا، وأن الله عز وجل أطلع نبيه على حقيقة هذا الرجل.
وقد جاء في «تلخيص الحبير» (٤/ ٦٩) ما ملخصه: قال النسائي: هذا حديث منكر. ولا أعلم فيه حديثا صحيحا.
وقال ابن عبد البر: حديث القتل منكر لا أصل له. وقد قال الشافعي: هذا حديث منسوخ لا خلاف فيه عند أهل العلم اهـ.
الخلاصة: الحديث غير قوي، وهو معارض بحديث: «لا يباح دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث....» الحديث. وبقوله تعالى: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما فلا يجوز التعدي بذلك إلى القتل أضف إلى ذلك الإجماع، فالحديث لم يصح، وهو منسوخ بكل حال وهذا الكلام: أن يصل الأمر به إلى القتل أما أن تقطع يده الأخرى أو رجله، فهذا مختلف فيه بين أهل العلم، وسيأتي عن علي رضي الله عنه ما يخالف هذا، ووافقه كثير من الصحابة.
وانظر «فتح القدير» لابن الهمام (٥/ ٣٦٥) وكتاب «العدة شرح العمدة» ص ٦٣٥ و «أحكام القرآن» ٧١١، ٧١٤ و «تفسير القرطبي» ٢٦٨١، ٢٦٨٣ وجميعا بتخريجي، ولله الحمد والمنة.
(١) زيادة عن ط.
(٢) زيد في المخطوط وط.
(٣) أثر علي أخرجه الدارقطني (٣/ ١٨٠) والبيهقي (٨/ ٢٧٥) وهو موقوف صحيح.
49
فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ، أَيْ: سَرِقَتِهِ، وَأَصْلَحَ الْعَمَلَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، هَذَا فِيمَا بَيْنَهُ [١] وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا الْقَطْعُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، قَالَ مُجَاهِدٌ:
[قَطْعُ] [٢] السَّارِقِ تَوْبَتُهُ [٣] فَإِذَا قُطِعَ حَصَلَتِ التَّوْبَةُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَطْعَ لِلْجَزَاءِ عَلَى الْجِنَايَةِ، كَمَا قَالَ:
جَزاءً بِما كَسَبا، ولا بدّ من التوبة بعده، وَتَوْبَتُهُ النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ يَجِبُ عَلَيْهِ غرم ما صرف [٤] مِنَ الْمَالِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا غُرْمَ عَلَيْهِ، وَبِالِاتِّفَاقِ إن كان المسروق قائما عِنْدَهُ يُسْتَرَدَّ [٥] وَتُقْطَعْ يَدُهُ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْغُرْمَ حَقُّ الْعَبْدِ، فَلَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا الآخر، كاسترداد العين.
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ، الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَمِيعُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَلَمْ تَعْلَمْ أَيُّهَا الإنسان فيكون خطابا لكل واحد مِنَ النَّاسِ، يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ، قَالَ السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يشاء مَنْ تَابَ مِنْ كُفْرِهِ، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ عَلَى الْكَبِيرَةِ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ، أَيْ: فِي مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ فإنهم لن [٦] يُعْجِزُوا اللَّهَ، مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ، سَمَّاعُونَ، أَيْ: قَوْمٌ سماعون، لِلْكَذِبِ، أي: قابلون [٧] لِلْكَذِبِ، كَقَوْلِ الْمُصَلِّي: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، أَيْ: قَبِلَ اللَّهُ، وقيل: معناه: سَمَّاعُونَ لِأَجْلِ الْكَذِبِ، أَيْ: يَسْمَعُونَ مِنْكَ لِيَكْذِبُوا عَلَيْكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا مِنْهُ كَذَا وَلَمْ يَسْمَعُوا ذَلِكَ مِنْهُ، سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ، أَيْ: هُمْ جَوَاسِيسُ، يَعْنِي: بَنِي قُرَيْظَةَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ وَهُمْ أَهْلُ خَيْبَرَ.
«٧٩٥» وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ خَيْبَرَ زَنَيَا وَكَانَا مُحْصَنَيْنِ، وَكَانَ حَدُّهَمَا الرَّجْمَ فِي التَّوْرَاةِ
وكذا أخرجه عبد الرزاق عن الشعبي، وابن أبي شيبة في «مصنفه» عن عبد الله بن سلمة كما في «نصب الراية» (٣/ ٣٧٤). [.....]
٧٩٥- لم أره مطولا بهذا السياق. وأخرجه الطبري ١١٩٢٦ والبيهقي (٨/ ٢٤٧) من حديث أبي هريرة مختصرا، وفيه راو مجهول.
وأصل الخبر صحيح فقد ورد بمعناه من حديث جابر عند أبي داود ٤٤٥٢ وإسناده ضعيف لضعف مجالد بن سعيد، وكرره أبو داود ٤٤٥٣ و٤٤٥٤ من وجه آخر عن الشعبي مرسلا، وقال: ليس فيه: «فدعا بالشهود فشهدوا».
ومن حديث البراء عند مسلم ١٧٠٠ وأبي داود ٤٤٤٧ و٤٤٤٨ والنسائي في «الكبرى» ٧٢١٨ وابن ماجه ٢٥٥٨ وأحمد (٤/ ٢٨٦) والبيهقي (٨/ ٢٤٦).
(١) في المطبوع «بينهم».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) العبارة في المطبوع «السارق لا توبة له».
(٤) في المطبوع وط «سرق».
(٥) في المطبوع «يسترده».
(٦) في المطبوع «لم».
(٧) كذا في المطبوع والمخطوط أ، وفي المخطوط ب، وط، «قائلون» والمثبت أقرب يدل عليه ما بعده.
50
فَكَرِهَتِ الْيَهُودُ رَجْمَهُمَا لِشَرَفِهِمَا، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي بِيَثْرِبَ لَيْسَ فِي كِتَابِهِ الرَّجْمُ وَلَكِنَّهُ الضرب، فأرسلوا إلى إخوانكم بَنِي قُرَيْظَةَ فَإِنَّهُمْ جِيرَانُهُ وَصُلْحٌ لَهُ فَلْيَسْأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَبَعَثُوا رَهْطًا مِنْهُمْ مُسْتَخْفِينَ وَقَالُوا لَهُمْ: سَلُوا مُحَمَّدًا عَنِ الزَّانِيَيْنِ إِذَا أُحْصِنَا مَا حَدُّهُمَا؟ فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالْجَلْدِ فَاقْبَلُوا مِنْهُ، وَإِنْ أَمَرَكُمْ بالرجم فاحذروا وَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُ، وَأَرْسَلُوا مَعَهُمُ الزَّانِيَيْنِ فَقَدِمَ الرَّهْطُ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّكُمْ جِيرَانُ هَذَا الرَّجُلِ وَمَعَهُ فِي بَلَدِهِ وَقَدْ حَدَثَ فِينَا حَدَثُ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ قَدْ فَجَرَا وَقَدْ أُحْصِنَا فَنُحِبُّ أَنْ تَسْأَلُوا لَنَا مُحَمَّدًا عَنْ قَضَائِهِ [فِيهِ] [١]، فَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ: إِذًا وَاللَّهِ يَأْمُرُكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ، ثُمَّ انْطَلَقَ قَوْمٌ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَسَعْيَةُ [٢] بْنُ عَمْرٍو وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَغَيْرُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا عَنِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ إِذَا أَحْصَنَا مَا حَدُّهُمَا فِي كتابك؟ فقال: «هَلْ تَرْضَوْنَ بِقَضَائِي» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالرَّجْمِ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ فَأَبَوْا أَنْ يَأْخُذُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمُ ابْنَ صوريا ووصفه له، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَعْرِفُونَ شَابًّا أَمْرَدَ أَعْوَرَ يَسْكُنُ فَدَكَ يُقَالُ لَهُ ابْنُ صُورِيَا» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَيُّ رَجُلٍ هُوَ فِيكُمْ» ؟ فَقَالُوا: هُوَ أَعْلَمُ يَهُودِيٍّ بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي التَّوْرَاةِ، [فقال: «أرسلوا إليه»، ففعلوا فأتاهم] [٣]، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ ابْنُ صُورِيَّا» ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «وَأَنْتَ أَعْلَمُ الْيَهُودِ»، قَالَ: كَذَلِكَ يَزْعُمُونَ، قَالَ: «أَتَجْعَلُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَخْرَجَكُمْ مِنْ مِصْرَ، وَفَلَقَ لَكُمُ الْبَحْرَ وَأَنْجَاكُمْ وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، وَالَّذِي ظَلَّلَ عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمْ كِتَابَهُ فيه حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ، هَلْ تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمُ الرَّجْمَ عَلَى مَنْ أَحْصَنَ» ؟ قَالَ ابْنُ صُورِيَا: نَعَمْ وَالَّذِي ذَكَّرْتَنِي بِهِ لَوْلَا خَشْيَةُ أَنْ تَحْرِقَنِي التَّوْرَاةُ إِنْ كَذَبْتُ أَوْ غَيَّرْتُ مَا اعْتَرَفْتُ لَكَ، وَلَكِنْ كَيْفَ هِيَ فِي كِتَابِكَ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةُ رَهْطٍ عُدُولٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْخَلَهُ فِيهَا كَمَا يَدْخُلُ الْمِيلُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ»، فَقَالَ ابْنُ صُورِيَا: وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَكَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فماذا كَانَ أَوَّلَ مَا تَرَخَّصْتُمْ بِهِ أَمْرَ اللَّهِ» ؟ قَالَ: كُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، فَكَثُرَ الزِّنَا فِي أَشْرَافِنَا حَتَّى زَنَا ابْنُ عَمِّ مَلِكٍ لَنَا فَلَمْ نَرْجُمْهُ، ثُمَّ زَنَى رَجُلٌ آخَرُ في أثره [٤] مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ ذَلِكَ الْمَلِكُ رجمه فقام دونه قومه، وقالوا: وَاللَّهِ لَا تَرْجُمُهُ حَتَّى يُرْجَمَ فُلَانٌ لِابْنِ عَمِّ الْمَلِكِ، فَقُلْنَا: تعالوا نجتمع فلنصنع شَيْئًا دُونَ الرَّجْمِ يَكُونُ عَلَى الْوَضِيعِ وَالشَّرِيفِ، فَوَضَعْنَا الْجَلْدَ وَالتَّحْمِيمَ، وَهُوَ أَنْ يُجْلَدَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً بحبل مطلي بالقار ثم تسود وُجُوهُهُمَا، ثُمَّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ وَوُجُوهُهُمَا مِنْ قِبَلِ دُبُرِ الْحِمَارِ وَيُطَافُ بِهِمَا، فَجَعَلُوا هَذَا مَكَانَ الرجم، فقال الْيَهُودُ لِابْنِ صُورِيَا: مَا أَسْرَعَ ما أخبرته به، وما كنت [٥] لِمَا أَثْنَيْنَا عَلَيْكَ بِأَهْلٍ وَلَكِنَّكَ كُنْتَ غَائِبًا فَكَرِهْنَا أَنْ نَغْتَابَكَ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ أَنْشَدَنِي بِالتَّوْرَاةِ وَلَوْلَا خَشْيَةُ التَّوْرَاةِ أَنْ تهلكني لما أخبرته به، فَأَمَرَ بِهِمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ.
وانظر الحديث الآتي.
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) تصحف في المطبوع «وسعيد».
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) في المطبوع «أسوة».
(٥) في المطبوع «كنا». [.....]
51
«٧٩٦» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ:
إِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ» ؟ فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا لَآيَةَ الرَّجْمِ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، قَالُوا: اصدق يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِي [١] عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ. وَقِيلَ:
سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْقِصَاصُ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي النَّضِيرِ كَانَ لَهُمْ فَضْلٌ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ بَنُو قُرَيْظَةَ: يَا مُحَمَّدُ إِخْوَانُنَا بَنُو النَّضِيرِ وَأَبُونَا وَاحِدٌ وَدِينُنَا وَاحِدٌ وَنَبِيُّنَا واحد، وإذا قتلوا منّا قتيلا لَمْ يُقِيدُونَا وَأَعْطَوْنَا دِيَتَهُ سَبْعِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَإِذَا قَتَلْنَا مِنْهُمْ قَتَلُوا الْقَاتِلَ وَأَخَذُوا مِنَّا الضِّعْفَ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَإِنْ كَانَ الْقَتِيلُ امْرَأَةً قَتَلُوا بِهَا الرَّجُلَ مِنَّا وَبِالرَّجُلِ منهم الرجلين منّا، وبالعبد حرا مِنَّا، وَجَرَاحَتُنَا عَلَى التَّضْعِيفِ مِنْ جراحاتهم، فاقض بيننا وبينهما، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْآيَةَ فِي الرَّجْمِ.
قَوْلُهُ: وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ، قِيلَ: اللَّامُ بِمَعْنَى إِلَى، وَقِيلَ: هِيَ لَامُ كَيْ، أَيْ:
يَسْمَعُونَ لِكَيْ يَكْذِبُوا عَلَيْكَ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِقَوْمٍ، أَيْ: لِأَجْلِ [٢] قَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ وَهُمْ أَهْلُ خَيْبَرَ، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ، جَمْعُ كَلِمَةٍ، مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ، أَيْ: مِنْ بَعْدِ وَضْعِهِ مَوَاضِعَهُ، وإنما ذَكَرَ الْكِنَايَةَ رَدًّا عَلَى لَفْظِ الْكَلِمِ، يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ، أَيْ: إِنْ أَفْتَاكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَلْدِ والتحميم فاقبلوه، وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ، [أي:] [٣] كُفْرَهُ وَضَلَالَتَهُ، قَالَ الضَّحَّاكُ: هَلَاكَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: عَذَابَهُ، فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، فَلَنْ تَقْدِرَ عَلَى دَفْعِ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِ، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُنْكِرُ الْقَدَرَ، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ، أَيْ: لِلْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ، فَخِزْيُ الْمُنَافِقِينَ الْفَضِيحَةُ وَهَتْكُ السِّتْرِ بِإِظْهَارِ نِفَاقِهِمْ، وَخِزْيُ اليهود الجزية أو القتل وَالسَّبْيُ وَالنَّفْيُ، وَرُؤْيَتُهُمْ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وفيهم مَا يَكْرَهُونَ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ
٧٩٦- إسناده صحيح، أبو إسحاق ومن دونه ثقات، وقد توبعوا ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» ٢٥٧٧ بهذا الإسناد.
وهو في «الموطأ» (٢/ ٨١٩) عن نافع به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٣٦٣٥ و٦٨٤١ ومسلم ١٦٩٩ ح ٢٧ وأبو داود ٤٤٤٦ وابن حبان ٤٤٣٤ والبيهقي (٨/ ٢١٤).
وورد بنحوه من طرق عن نافع به عند البخاري ١٣٢٩ و٤٥٥٦ و٧٣٣٢ و٧٥٤٣ ومسلم ١٦٩٩ وعبد الرزاق ١٣٣٣١ و١٣٣٣٢ والدارمي (٢/ ١٧٨، ١٧٩).
وأخرجه البخاري ٦٨١٩ ومن طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابن عمر به.
وانظر الحديث المتقدم.
(١) في «شرح السنة» :«يجنىء» قال المصنّف: قوله «يجنىء عليها: أي يكبّ عليها. يقال: أجنأ عليه، يجنىء: إذا أكبّ عليه يقيه شيئا».
(٢) في المخطوط «من أجل».
(٣) زيادة عن المخطوط.
52
عَذابٌ عَظِيمٌ، الْخُلُودُ فِي النَّارِ.
[سورة المائدة (٥) : آية ٤٢]
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٤٢)
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَالْكِسَائِيُّ لِلسُّحْتِ بِضَمِّ الْحَاءِ، وَالْآخَرُونَ بِسُكُونِهَا، وَهُوَ الْحَرَامُ، وَأَصْلُهُ الْهَلَاكُ وَالشِّدَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ [طه: ٦١]، نَزَلَتْ فِي حُكَّامِ [١] الْيَهُودِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَأَمْثَالِهِ، كَانُوا يَرْتَشُونَ وَيَقْضُونَ لِمَنْ رَشَاهُمْ، قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْحَاكِمُ مِنْهُمْ إِذَا أَتَاهُ أَحَدٌ بِرُشْوَةٍ جَعَلَهَا فِي كُمِّهِ فَيُرِيهَا إِيَّاهُ وَيَتَكَلَّمُ بِحَاجَتِهِ فَيَسْمَعُ مِنْهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَى خَصْمِهِ، فَيَسْمَعُ الْكَذِبَ وَيَأْكُلُ الرُّشْوَةَ، وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْحَكَمِ إِذَا رَشَوْتَهُ لِيُحِقَّ لَكَ بَاطِلًا أَوْ يُبْطِلَ عَنْكَ حَقًّا، فَأَمَّا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الْوَالِيَ يَخَافُ ظُلْمَهُ لِيَدْرَأَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا بأس، والسحت هُوَ الرُّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ وَمُقَاتِلٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ الرُّشْوَةُ في كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: من شفع [٢] شَفَاعَةً لِيَرُدَّ بِهَا حَقًّا أَوْ يَدْفَعَ بِهَا ظُلْمًا فَأُهْدِيَ لَهُ فَقَبِلَ فَهُوَ سُحْتٌ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا كُنَّا نَرَى ذَلِكَ إِلَّا الْأَخْذَ عَلَى الْحُكْمِ، فَقَالَ:
الْأَخْذُ عَلَى الْحُكْمِ كُفْرٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [الْمَائِدَةِ: ٤٤].
٧٩»
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا [٣] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم قال: «لعنة الله على الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ».
وَالسُّحْتُ كُلُّ كَسْبٍ لَا يَحِلُّ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً، خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ إِنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْآيَةِ الْيَوْمَ هَلْ لِلْحَاكِمِ الْخِيَارُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا تَحَاكَمُوا [٤] إِلَيْنَا؟ فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: هُوَ حُكْمٌ ثَابِتٌ وَلَيْسَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ حكم مَنْسُوخٌ، وَحُكَّامُ الْمُسْلِمِينَ بِالْخِيَارِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِنْ شاؤوا حكموا وإن شاؤوا لَمْ يَحْكُمُوا، وَإِنْ حَكَمُوا حَكَمُوا بحكم الإسلام، وهو قول
٧٩٧- إسناده حسن لأجل الحارث بن عبد الرحمن خال ابن أبي ذئب، فإنه صدوق، وباقي الإسناد على شرطهما سوى علي بن الجعد، فإنه من رجال البخاري، ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن.
وهو في «شرح السنة» ٢٤٨٧ بهذا الإسناد.
وفي «الجعديات» ٢٨٦٤ عن علي بن الجعد به.
وأخرجه أبو داود ١٣٣٧ وأبو داود ٣٥٨٠ وابن ماجه ٢٣١٣ والطيالسي ٢٢٧٦ وأحمد (٢/ ١٤٦ و١٩٠ و١٩٤ و٢١٢) وابن حبان ٥٠٧٧ وابن الجارود ٥٨٦ والحاكم (٤/ ١٠٢، ١٠٣) والبيهقي (١٠/ ١٣٨، ١٣٩) من طرق عن ابن أبي ذئب بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح اهـ.
(١) زيد في المطبوع وحده «حكم».
(٢) في المطبوع «يشفع».
(٣) زيد في الأصل «أحمد بن» بين «أنا» و «عبد الرحمن» والتصويب من ط و «شرح السنة».
(٤) في المطبوع «تحاكم».
النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَجِبُ عَلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ. وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ [الْمَائِدَةِ: ٤٩]، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ، وَرَوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: لَمْ يُنْسَخْ مِنَ الْمَائِدَةِ إِلَّا آيَتَانِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ [المائدة: ٢]، نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة: ٥]، وقوله: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ، نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، وأما إِذَا تَحَاكَمَ إِلَيْنَا مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ فَيَجِبُ عَلَيْنَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا لَا يَخْتَلِفُ الْقَوْلُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الِانْقِيَادُ لِحُكْمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. قَوْلُهُ: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ، أَيْ: بِالْعَدْلِ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، أَيِ: الْعَادِلِينَ.
«٧٩٨» وَرُوِّينَا [١] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نور».
[سورة المائدة (٥) : آية ٤٣]
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ، هَذَا تَعْجِيبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ اخْتِصَارٌ، أي: وكيف يَجْعَلُونَكَ حَكَمًا بَيْنَهُمْ فَيَرْضَوْنَ بِحُكْمِكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ؟ فِيها حُكْمُ اللَّهِ، وَهُوَ الرَّجْمُ، ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ، أي: بمصدّقين لك.
[سورة المائدة (٥) : آية ٤٤]
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (٤٤)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، أَيْ: أَسْلَمُوا وَانْقَادُوا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٣١) [الْبَقَرَةِ: ١٣١]، وَكَمَا قَالَ: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً [آلِ عِمْرَانَ: ٨٣]، وَأَرَادَ بِهِمُ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ بُعِثُوا مِنْ بَعْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيَحْكُمُوا بِمَا فِي التَّوْرَاةِ، وَقَدْ أَسْلَمُوا لِحُكْمِ التَّوْرَاةِ وَحَكَمُوا بِهَا، فَإِنَّ مِنَ النَّبِيِّينَ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ مِنْهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [الْمَائِدَةِ: ٤٨]، وَقَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: أَرَادَ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ عَلَى الْيَهُودِ بِالرَّجْمِ، ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ كَمَا قَالَ: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً [النَّحْلِ:
١٢٠]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّذِينَ هادُوا، قِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ: فِيهَا هُدًى وَنُورٌ لِلَّذِينِ هَادَوْا ثُمَّ قَالَ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى مَوْضِعِهِ، وَمَعْنَاهُ: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَلَى الَّذِينَ هَادَوْا كَمَا قَالَ: وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [الإسراء: ٧]، أي: فعليها، وكما قال: أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ [الرَّعْدِ: ٢٥]، [أَيْ: عَلَيْهِمْ] [٢]، وَقِيلَ: فِيهِ حَذْفٌ كَأَنَّهُ قَالَ: لِلَّذِينِ هَادَوْا وَعَلَى الَّذِينَ هَادَوْا فَحَذَفَ أَحَدَهُمَا اخْتِصَارًا. وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ، يَعْنِي: الْعُلَمَاءَ، وَاحِدُهُمْ [٣] حَبْرٌ، وَحِبْرٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ، وَهُوَ الْعَالِمُ الْمُحْكِمُ لِلشَّيْءِ [٤]، قَالَ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو عبيدة: هو من الحبر الذي
٧٩٨- تقدم في «سورة المائدة» آية: ٤٢.
(١) في المطبوع وحده «روي».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «واحدها».
(٤) في المطبوع «في الشيء». [.....]
يُكْتَبُ بِهِ، وَقَالَ قُطْرُبٌ: هُوَ مِنَ الْحِبْرِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْجَمَالِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا.
«٧٩٩» وَفِي الْحَدِيثِ: «يُخْرَجُ مِنَ النَّارِ رَجُلٌ قَدْ ذَهَبَ حَبْرُهُ وَسَبْرُهُ».
أَيْ: حسنه وهيأته، وَمِنْهُ التَّحْبِيرُ وَهُوَ التَّحْسِينُ، فَسُمِّيَ الْعَالِمُ حِبْرًا لِمَا عَلَيْهِ مِنْ جَمَالِ الْعِلْمِ وَبَهَائِهِ، وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّونَ هَاهُنَا مِنَ النَّصَارَى، وَالْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ، [وَقِيلَ: كِلَاهُمَا مِنَ الْيَهُودِ] [١]، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ، أَيِ: اسْتُودِعُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ، أَنَّهُ كَذَلِكَ، فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ، قَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي الْيَهُودِ دُونَ مَنْ أَسَاءَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
رُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ، وَالظَّالِمُونَ وَالْفَاسِقُونَ كُلُّهَا فِي الْكَافِرِينَ [٢]، وَقِيلَ: هِيَ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٌ:
لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ، بَلْ إِذَا فَعَلَهُ فَهُوَ بِهِ كَافِرٌ، وَلَيْسَ كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، قَالَ عَطَاءٌ: هُوَ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ، وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ، وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ مَعْنَاهُ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ جَاحِدًا بِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ فَهُوَ ظَالِمٌ فَاسِقٌ. وَسُئِلَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ عَنْ هَذِهِ الْآيَاتِ، فَقَالَ: إِنَّهَا تَقَعُ عَلَى جَمِيعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَا عَلَى بَعْضِهِ، وكل مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِجَمِيعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ ظَالِمٌ فَاسِقٌ، فَأَمَّا مَنْ حَكَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ التَّوْحِيدِ وَتَرْكِ الشرك. ثم لم يحكم ببعض مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الشَّرَائِعِ لَمْ يَسْتَوْجِبْ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَاتِ. وَقَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا إِذَا رَدَّ نَصَّ حُكْمِ اللَّهِ عِيَانًا عَمْدًا، فَأَمَّا مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ أَوْ أخطأ في تأويل فلا.
[سورة المائدة (٥) : آية ٤٥]
وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها، أَيْ: أَوْجَبْنَا [٣] عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي التَّوْرَاةِ، أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، يعني: من نَفْسَ الْقَاتِلِ بِنَفْسِ الْمَقْتُولِ وَفَاءً يُقْتَلُ بِهِ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ، تُفْقَأُ بِهَا، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ، يُجْدَعُ بِهِ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ، تُقْطَعُ بِهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِحُكْمِهِ فِي التَّوْرَاةِ وَهُوَ: أَنَّ النفس بالنفس واحدة بواحدة إِلَى آخِرِهَا، فَمَا بَالُهُمْ يُخَالِفُونَ فيقتلون بالنفس النفسين، ويفقأون
٧٩٩- لا أصل له. وذكره ابن الجوزي في «غريب الحديث» (١/ ١٨٦) والزمخشري في «الفائق» (١/ ٢٥١) وابن الأثير في «النهاية» (١/ ٣٢٧) بدون إسناد، فهو لا شيء. بل لا أصل له لخلوه عن الإسناد.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) بل يدخل في ذلك من هذه الأمة من استبدل الأحكام الشرعية التي هي من عند الله تعالى بقوانين من وضع البشر، فهذا من الكفر والظلم والفسق، فالذي ينكر الرجم أو الجلد أو قطع اليد ويعتبر ذلك غير صالح في هذه الأزمان فهو مقصود في هذه الآيات الثلاث وسيناله عقاب رب العالمين، كيف لا يكون هذا منكرا للأحكام الشرعية، وهو موقن بأن ما يحكم به من قوانين البشر هو الحكم العادل وما سواه لا بد أنه جائر في مفهومه، فليحذر هؤلاء الذين يخالفون أمر الله تعالى، وليعودوا إلى شرع الله تعالى، فهو العالم بكل شيء، وهو العالم بعباده في كل زمان ومكان، وإلا فإن الله سينتقم من هؤلاء في الآخرة بلا ريب، وربما يكون أيضا في الدنيا نسأل الله السلامة.
(٣) في المخطوط وحده «أوحينا».
55
بِالْعَيْنِ الْعَيْنَيْنِ، وَخَفَّفَ نَافِعٌ الْأُذُنَ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ وَثَقَّلَهَا الْآخَرُونَ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ، تُقْلَعُ بِهَا وَسَائِرُ الْجَوَارِحِ قِيَاسٌ عَلَيْهَا فِي الْقِصَاصِ، وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ، فَهَذَا تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْعَيْنَ وَالْأَنْفَ وَالْأُذُنَ وَالسِّنَّ، ثُمَّ قَالَ: وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ، أَيْ: فِيمَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَاللِّسَانِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ الِاقْتِصَاصُ فيه [١] مِنْ كَسْرِ عَظْمٍ أَوْ جَرْحِ لَحْمٍ كَالْجَائِفَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا قِصَاصَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى نِهَايَتِهِ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَالْعَيْنَ وَمَا بَعْدَهَا بِالرَّفْعِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو «وَالْجُرُوحُ» بِالرَّفْعِ فَقَطْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ كُلَّهَا بِالنَّصْبِ كَالنَّفْسِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:
فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ، أَيْ: بِالْقِصَاصِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، قِيلَ: الْهَاءُ فِي لَهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْمَجْرُوحِ وَوَلِيِّ الْقَتِيلِ، أَيْ: كَفَّارَةٌ لِلْمُتَصَدِّقِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ.
«٨٠٠» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا [أَبُو] عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّيْنَوَرِيُّ أَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ مِنْ جَسَدِهُ بِشَيْءٍ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَدْرِهِ مِنْ ذُنُوبِهِ».
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجَارِحِ وَالْقَاتِلِ، يَعْنِي: إِذَا عفا المجنى عليه من الْجَانِي فَعَفْوُهُ كَفَّارَةٌ لِذَنْبِ الْجَانِي لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا أَنَّ الْقِصَاصَ كَفَّارَةٌ لَهُ، فَأَمَّا أَجْرُ الْعَافِي فَعَلَى اللَّهِ عزّ وجلّ،
٨٠٠- حديث صحيح بشواهده، عبد الله بن الفضل ثقة ومن دونه توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو خيثمة هو زهير بن حرب، جرير هو ابن عبد الحميد، مغيرة هو ابن مقسم الضبي، الشعبي هو عامر بن شراحيل.
وأخرجه أحمد (٥/ ٣٣٠) من طريق جرير بهذا الإسناد وذكره الهيثمي في «المجمع» (٦/ ٣٠٢) (١٠٧٩٧) وقال: رواه عبد الله بن أحمد والطبراني، بلفظ: «من تصدّق بشيء من جسده أعطي بقدر ما تصدّق به» ورجال المسند رجال الصحيح اهـ.
وأخرجه أحمد (٥/ ٣١٦) والطبري ١٢٠٨٦ من طريق هشيم بن بشير عن مغيرة به.
وورد بمعناه.
من حديث أبي هريرة عند ابن أبي عاصم في «الديات» ١١٥ وفي إسناد مجالد بن سعيد، وهو ضعيف.
ومن حديث أبي الدرداء عند الترمذي ١٣٩٣ وابن ماجه ٢٦٩٣ وأحمد (٥/ ٣١٦) و (٦/ ٤٤٨) والطبري ١٢٠٨٥ وابن أبي عاصم في «الديات» ١٢٠.
وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلا من هذا الوجه، ولا أعرف لأبي السفر سماعا من أبي الدرداء، أبو السفر اسمه سعيد بن أحمد ويقال: ابن محمد الثوري. اهـ.
وعن عدي بن ثابت قال: هشم رجل فم رجل على عهد معاوية فأعطى ديته فأبى أن يقبل حتى أعطي ثلاثا.
فقال رجل: أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تصدق بدم أو دونه كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق» أخرجه أبو يعلى ٦٨٦٩ وابن أبي عاصم في «الديات» ٣١٠.
وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠٨٠٠: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح غير عمران بن ظبيان، وقد وثقه ابن حبان، وفيه ضعف اهـ.
وورد موقوفا بمعناه عن عدة من الصحابة راجع «تفسير الطبري» عن هذه الآية. ومع ذلك هي تشهد للمرفوع، فالحديث بهذه الشواهد والطرق يرقى إلى درجة الصحيح، والله أعلم.
وانظر تفسير ابن كثير عند هذه الآية بتخريجي.
(١) في المطبوع «منه».
56
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشُّورَى: ٤٠]، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٤٦ الى ٤٨]
وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧) وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨)
وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ، أَيْ: عَلَى آثَارِ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا، بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ، أَيْ: فِي الْإِنْجِيلِ، هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً، يَعْنِي: الْإِنْجِيلَ، لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ.
وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ، قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَلْيَحْكُمْ: بِكَسْرِ اللَّامِ ونصب الْمِيمِ، أَيْ: لِكَيْ يَحْكُمَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِسُكُونِ اللَّامِ وَجَزَمَ الْمِيمِ عَلَى الْأَمْرِ، قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانِ:
أَمَرَ اللَّهُ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَارَ أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا [١] فِي التَّوْرَاةِ، وَأَمَرَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانَ أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا فِي الْإِنْجِيلِ، فَكَفَرُوا وَقَالُوا عزيز ابْنُ اللَّهِ وَالْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ، الْخَارِجُونَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ، يَا مُحَمَّدُ الْكِتابَ، الْقُرْآنَ، بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ، أَيْ: مِنَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنْ قَبْلُ، وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ، رَوَى الوالي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَيْ شَاهِدًا عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَالْكِسَائِيِّ.
قَالَ حَسَّانُ: إِنَّ الْكِتَابَ مُهْيَمِنٌ لِنَبِيِّنَا، وَالْحَقُ يَعْرِفُهُ ذَوُو الْأَلْبَابِ.
يُرِيدُ شَاهِدًا وَمُصَدِّقًا، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: دَالًّا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: مُؤْتَمِنًا عَلَيْهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَمِينًا، وَقِيلَ: أَصْلُهُ مُؤَيْمِنٌ مُفَيْعِلٌ مِنْ أَمِينٍ، كَمَا قَالُوا: مُبَيْطِرٌ مِنَ الْبَيْطَارِ [٢]، فَقُلِبَتِ الْهَمْزَةُ هَاءً كَمَا قَالُوا: أَرَقْتُ الْمَاءَ وَهَرَقْتُهُ، وَإِيهَاتَ وَهَيْهَاتَ، وَنَحْوَهَا. وَمَعْنَى أَمَانَةَ الْقُرْآنِ مَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:
الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ، فَمَا أَخْبَرَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَنْ كِتَابِهِمْ فَإِنْ كان في القرآن صدّقوا وَإِلَّا فَكَذِّبُوا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالضَّحَّاكُ: قَاضِيًا، وَقَالَ الْخَلِيلُ: رَقِيبًا وَحَافِظًا، وَالْمَعَانِي مُتَقَارِبَةٌ، وَمَعْنَى الْكُلِّ: أَنَّ كُلَّ [٣] كِتَابٍ يَشْهَدُ بِصِدْقِهِ الْقُرْآنُ فَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ تعالى وإلا فَلَا.
فَاحْكُمْ، يَا مُحَمَّدُ، بَيْنَهُمْ، بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا تَرَافَعُوا إليك، بِما أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى في
(١) زيد في المطبوع «أنزل الله».
(٢) في المطبوع «البياطر».
(٣) تصحف في المطبوع «الكل».
القرآن، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ، أَيْ: لَا تُعْرِضْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ، لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: أَيْ سَبِيلًا وَسُنَّةً، فَالشِّرْعَةُ وَالْمِنْهَاجُ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ، وَكُلُّ مَا شَرَعَتْ فِيهِ فَهُوَ شَرِيعَةٌ وَشِرْعَةٌ، وَمِنْهُ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ لِشُرُوعِ أهلها فيه، وَأَرَادَ بِهَذَا أَنَّ الشَّرَائِعَ مُخْتَلِفَةٌ، وَلِكُلِّ أَهْلِ مِلَّةٍ شَرِيعَةٌ، قَالَ قَتَادَةُ: الْخِطَابُ لِلْأُمَمِ الثَّلَاثِ أُمَّةِ مُوسَى وَأُمَّةِ عِيسَى وَأُمِّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أجمعين، فالتوراة شريعة والإنجيل شريعة والقرآن شَرِيعَةٌ، وَالدِّينُ وَاحِدٌ وَهُوَ التَّوْحِيدُ. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً، أَيْ: عَلَى مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ، لِيَخْتَبِرَكُمْ، فِي مَا آتاكُمْ، مِنَ الْكُتُبِ وَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الشَّرَائِعِ، فَيَتَبَيَّنُ [١] الْمُطِيعُ مِنَ المعاصي وَالْمُوَافِقُ مِنَ الْمُخَالِفِ، فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ، فَبَادِرُوا إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٤٩ الى ٥٠]
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، إليك وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ [٢] وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَّا وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا:
يَا مُحَمَّدُ، قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ الْيَهُودِ وَأَشْرَافُهُمْ وَأَنَّا إِنِ اتَّبَعْنَاكَ لَمْ يُخَالِفْنَا الْيَهُودُ، وَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ خُصُومَاتٍ فَنُحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ فَاقْضِ لَنَا عَلَيْهِمْ نُؤْمِنُ بِكَ، وَيَتْبَعُنَا غَيْرُنَا وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُمُ الْإِيمَانَ، وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُمُ التَّلْبِيسَ وَدَعْوَتَهُ إِلَى الْمَيْلِ فِي الْحُكْمِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ [هَذِهِ] [٣] الْآيَةَ، فَإِنْ تَوَلَّوْا، أَيْ:
أَعْرَضُوا عَنِ الْإِيمَانِ وَالْحُكْمِ بِالْقُرْآنِ، فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، أَيْ: فَاعْلَمْ أَنَّ إِعْرَاضَهُمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ يُرِيدُ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُمُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، لَفاسِقُونَ.
أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ تَبْغُونَ بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، أَيْ: يَطْلُبُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٥١ الى ٥٢]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ، اخْتَلَفُوا فِي نِزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وإن كان حكمها عاما
(١) في المطبوع «فيبين».
(٢) في المطبوع «أسيد» والمثبت عن المخطوط و «السيرة النبوية».
(٣) زيادة عن المخطوط.
58
لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ قَوْمٌ:
«٨٠١» نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا اخْتَصَمَا، فَقَالَ عُبَادَةُ: إِنَّ لِي أَوْلِيَاءَ مِنَ الْيَهُودِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ شَدِيدَةٌ شَوْكَتُهُمْ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِنْ وِلَايَتِهِمْ وَوِلَايَةِ الْيَهُودِ، وَلَا مَوْلَى لِي إِلَّا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَكِنِّي [لَا] [١] أَبْرَأُ مِنْ وِلَايَةِ الْيَهُودِ لِأَنِّي أَخَافُ الدَّوَائِرَ وَلَا بُدَّ لِي مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا الْحُبَابِ مَا نَفَسْتَ بِهِ مِنْ وِلَايَةِ الْيَهُودِ عَلَى عُبَادَةِ بْنِ الصَّامِتِ فَهُوَ لَكَ دُونَهُ»، قَالَ: إِذًا أَقْبَلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
قَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ اشْتَدَّتْ عَلَى طَائِفَةٍ من الناس وتخوّفوا أن يدلّ عَلَيْهِمُ الْكُفَّارُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: أَنَا أَلْحَقُ بِفُلَانٍ الْيَهُودِيِّ وَآخُذُ مِنْهُ أَمَانًا إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُدَالَ عَلَيْنَا الْيَهُودُ، وَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَلْحَقُ بِفُلَانٍ النَّصْرَانِيِّ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَآخُذُ مِنْهُ أَمَانًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ يَنْهَاهُمَا [٢].
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ حَاصَرَهُمْ، فَاسْتَشَارُوهُ فِي النُّزُولِ، وَقَالُوا: مَاذَا يَصْنَعُ بِنَا إِذَا نَزَلْنَا، فَجَعَلَ أُصْبُعَهُ عَلَى حَلْقِهِ أَنَّهُ الذَّبْحُ [٣]، أَيْ:
يَقْتُلُكُمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، فِي الْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ وَيَدُهُمْ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ، فيوافقهم [٤] ويعينهم، فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، أَيْ: نِفَاقٌ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَأَصْحَابَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُوَالُونَ اليهود، يُسارِعُونَ فِيهِمْ، [أي:] [٥] فِي مَعُونَتِهِمْ وَمُوَالَاتِهِمْ، يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ، دَوْلَةٌ، يَعْنِي: أن يدول الدهر دولته فَنَحْتَاجُ إِلَى نَصْرِهِمْ إِيَّانَا، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَعْنَاهُ نَخْشَى أَنْ لَا يَتِمَّ أَمْرُ مُحَمَّدٍ فَيَدُورُ الْأَمْرُ عَلَيْنَا، وَقِيلَ: نَخْشَى أَنْ يَدُورَ الدَّهْرُ عَلَيْنَا بِمَكْرُوهٍ مِنْ جَدْبٍ وَقَحْطٍ، ولا يُعْطُونَا الْمِيرَةَ وَالْقَرْضَ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ، قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: بِالْقَضَاءِ الْفَصْلِ مِنْ نَصْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ: فَتْحُ مَكَّةَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: فَتْحُ قُرَى الْيَهُودِ مِثْلُ خَيْبَرَ وَفَدَكَ، أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ، قِيلَ: بِإِتْمَامِ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: [هَذَا]]
عَذَابٌ لَهُمْ، وَقِيلَ: إِجْلَاءُ بَنِي النضير، فَيُصْبِحُوا، يعني: هؤلاء المنافقين، عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ، مِنْ مُوَالَاةِ الْيَهُودِ وَدَسِّ الْأَخْبَارِ إليهم، نادِمِينَ.
٨٠١- أخرجه الطبري ١٢١٦٣ عن الزهري مرسلا و١٢١٦٢ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَوْفِيِّ مرسلا. وانظر «أسباب النزول» ٣٩٥ للواحدي.
وأخرجه الطبري أيضا ١٢١٦٤ عن عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بن الصامت مرسلا. وانظر «الدر المنثور» (٢/ ٥١٥). فهذه المراسيل تتأيد بمجموعها.
(١) ما بين المعقوفتين مستدرك من «تفسير الطبري» ١٢١٦٣ وط. [.....]
(٢) مرسل السدي أخرجه الطبري برقم ١٢١٦٥.
(٣) مرسل عكرمة أخرجه الطبري برقم ١٢١٦٦.
(٤) في المطبوع «فيوفقهم».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوطين، وفي ط «هو».
59

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]

وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤)
وَ، حِينَئِذٍ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا، قَرَأَ أَهْلُ الكوفة: وَيَقُولُ، بالواو والرفع على الاستئناف وَقَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بِالْوَاوِ وَنَصْبِ اللَّامِ عَطْفًا عَلَى أَنْ يَأْتِيَ، أَيْ: وَعَسَى أَنْ يَقُولَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَرَفْعِ اللَّامِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ الْعَالِيَةِ [١]، اسْتِغْنَاءً عَنْ حرف العطف لملابسة هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا، يَعْنِي: يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا فِي وَقْتِ إِظْهَارِ اللَّهِ تَعَالَى نِفَاقَ الْمُنَافِقِينَ، أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ، حَلَفُوا بِاللَّهِ، جَهْدَ أَيْمانِهِمْ، أَيْ: حَلَفُوا بِأَغْلَظِ الْأَيْمَانِ، إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ، أَيْ: إنهم لمؤمنون، يُرِيدُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ حِينَئِذٍ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَذِبِهِمْ وَحَلِفِهِمْ بِالْبَاطِلِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ، بَطَلَ كُلُّ خَيْرٍ عَمِلُوهُ، فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ، خَسِرُوا الدُّنْيَا بِافْتِضَاحِهِمْ، وَالْآخِرَةَ بِالْعَذَابِ وَفَوَاتِ الثَّوَابِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ يَرْتَدِدْ بِدَالَيْنِ عَلَى إِظْهَارِ التَّضْعِيفِ عَنْ دِينِهِ، فَيَرْجِعُ إِلَى الْكُفْرِ، قَالَ الْحَسَنُ:
عَلِمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ قَوْمًا يَرْجِعُونَ عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَوْتِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَأْتِي بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ وَيُحِبُّونَهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي أُولَئِكَ الْقَوْمِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ قاتلوا أهل الردة ومانعي الزَّكَاةِ [٢].
«٨٠٢» وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قُبِضَ ارْتَدَّ عَامَّةُ الْعَرَبِ إِلَّا أَهْلَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَحْرَيْنِ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَمَنَعَ بَعْضُهُمُ الزَّكَاةَ، وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقِتَالِهِمْ فَكَرِهَ ذَلِكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ نُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ [قَالَهَا فَقَدْ] [٣] عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا.
قَالَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَرِهَتِ الصَّحَابَةُ قِتَالَ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَقَالُوا: أَهْلُ الْقِبْلَةِ، فَتَقَلَّدَ أَبُو بَكْرٍ سَيْفَهُ وَخَرَجَ وَحْدَهُ، فَلَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنَ الْخُرُوجِ عَلَى أَثَرِهِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَرِهْنَا ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ حمدناه عليه في الانتهاء.
٨٠٢- أخرجه الطبري ١٢١٩٠ عن قتادة مرسلا دون اللفظ المرفوع منه وانظر «دلائل النبوة» للبيهقي (٦/ ٣٦٢).
وأصله أخرجه البخاري ١٣٩٩ و١٤٥٦ و٧٢٨٤ و٧٢٨٥ ومسلم ٢٠ وأبو داود ١٥٥٦ والترمذي ٢٦٠٧ والنسائي (٥/ ١٤) و (٧/ ٧٧) وعبد الرزاق (٨/ ١٨٧) وأحمد (٢/ ٥٢٨) وابن حبان ٢١٦ و٢١٧ والبيهقي (٧/ ٤) و (٨/ ١٧٦) و (٩/ ١٨٢) من طرق عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عن أبي هريرة مرفوعا.
ويأتي في «سورة التوبة» آية: ١١.
(١) كذا في المطبوع والمخطوطين وط، وفي نسخة «الشام».
(٢) انظر «تفسير الطبرى» ١٢١٨٤ و١٢١٨٨ و١٢١٩٠ و١٢٢٠٦.
(٣) في المطبوع وحده «قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ».
60
«٨٠٣» قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: سَمِعْتُ أَبَا حُصَيْنٍ يَقُولُ: مَا وُلِدَ بَعْدَ النَّبِيِّينَ مَوْلُودٌ أَفْضَلُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَقَدْ قَامَ مَقَامَ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَكَانَ قَدِ ارْتَدَّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثُ فِرَقٍ.
مِنْهُمْ: بَنُو مدلج ورئيسهم ذو الخمار عيهلة بْنُ كَعْبٍ الْعَنْسِيُّ، وَيُلَقَّبُ بِالْأَسْوَدِ، وَكَانَ كَاهِنًا مُشَعْبِذًا فَتَنَبَّأَ بِالْيَمَنِ وَاسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِهَا، فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحُثُّوا النَّاسَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِدِينِهِمْ، وَعَلَى النُّهُوضِ إِلَى حَرْبِ الْأَسْوَدِ، فَقَتَلَهُ فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ عَلَى فِرَاشِهِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَأَتَى الْخَبَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّمَاءِ اللَّيْلَةَ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُتِلَ الْأَسْوَدُ الْبَارِحَةَ قَتْلَهُ رَجُلٌ مُبَارَكٌ»، قِيلَ: وَمَنْ هُوَ؟ قال: «فَيْرُوزُ»، فَبَشَّرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِهَلَاكِ الْأَسْوَدِ، وَقُبِضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَدِ وَأَتَى خَبَرُ مَقْتَلِ الْعَنْسِيِّ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ شَهْرِ ربيع الأول بعد ما خَرَجَ أُسَامَةُ وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ فتح، جاء أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ: بَنُو حَنِيفَةَ بِالْيَمَامَةِ ورئيسهم مسيلمة الكذاب، وَكَانَ قَدْ تَنَبَّأَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ، وَزَعَمَ أَنَّهُ أُشْرِكَ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النُّبُوَّةِ، وَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأَرْضَ نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لَكَ، وَبَعَثَ [بِذَلِكَ] [١] إِلَيْهِ مَعَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا [٢] »، ثُمَّ أَجَابَ: «مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»، وَمَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُوُفِّيَ، فَبَعَثَ أَبُو بَكْرٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ فِي جَيْشٍ كَثِيرٍ حَتَّى أَهْلَكَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْ وَحْشِيٍّ، غُلَامِ مُطَعِمِ بْنِ عَدِيٍّ الَّذِي قَتَلَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، بَعْدَ حَرْبٍ شَدِيدٍ، وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَقُولُ: قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَشَرَّ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ.
وَالْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ [٣] : بَنُو أَسَدٍ وَرَئِيسُهُمْ طُلَيْحَةُ بن خويلد، وَكَانَ طُلَيْحَةُ آخِرَ مَنِ ارْتَدَّ، وَادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَوَّلَ مَنْ قُوتِلَ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ، فَبَعَثَ أَبُو بَكْرٍ خالد بن الوليد فَهَزَمَهُمْ خَالِدٌ بَعْدَ قِتَالٍ شَدِيدٍ، وَأَفْلَتَ طُلَيْحَةُ فَمَرَّ عَلَى وَجْهِهِ هَارِبًا نَحْوَ الشَّامِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ.
وَارْتَدَّ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، حَتَّى كَفَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ وَنَصَرَ دِينَهُ عَلَى يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ وَاشْرَأَبَّ النِّفَاقُ، وَنَزَلَ بِأَبِي بَكْرٍ مَا لَوْ نَزَلَ بالجبال الراسيات لهاضها» [٤].
٨٠٣- هذا مرسل ولبعضه شواهد.
فقد ورد في «الطبقات» لابن سعد (٦/ ٦٣) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «قتله الرجل الصالح فيروز بن الديلمي».
وجاء في «الإصابة» (٣/ ٢١٠) (٧٠١٠) لابن حجر: وأخرج سيف في «الفتوح» من طريق ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلّم بشّرهم بقتل الأسود العنسي قبل أن يموت، وقال لهم: «قتله فيروز الديلمي».
وانظر «دلائل النبوة» للبيهقي (٥/ ٣٣٤، ٣٣٦ و٣٣٠، ٣٣١) و «الكاف الشاف» (١/ ٦٤٤، ٦٤٥).
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) انظر ما يأتي عن رقم ٨٨٢ «سورة الأنعام» آية: ٩٣.
(٣) وقع في الأصل «الثانية» والتصويب من ط.
(٤) أثر عائشة ذكره ابن هشام في «السيرة» (٤/ ٢٣٥) بنحوه. [.....]
61
وَقَالَ قَوْمٌ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ هَمُ الْأَشْعَرِيُّونَ.
«٨٠٤» رُوِيَ عَنْ عِيَاضِ بن [عمرو] [١] الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمْ قَوْمُ هَذَا»، وَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَكَانُوا مِنَ الْيَمَنِ.
«٨٠٥» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنِ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَا أَحْمَدُ [بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ أَنَا عَلِيُّ] [٢] بْنُ حُجْرٍ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ [٣] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَضْعَفُ قُلُوبًا وَأَرَقَّ أَفْئِدَةً، الْإِيمَانُ يَمَانٌ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ».
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ أَحْيَاءٌ مِنَ الْيَمَنِ أَلْفَانِ مِنَ النَّخَعِ وَخَمْسَةُ آلَافٍ مِنْ كِنْدَةَ وبجيلة، وثلاثة آلاف من أفناء [٤] النَّاسِ، فَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي: أَرِقَّاءَ رُحَمَاءَ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:
٢٤]، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْهَوَانَ، بَلْ أراد أَنَّ جَانِبَهُمْ لَيِّنٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَقِيلَ: هُوَ [مِنَ] [٥] الذُّلِّ مِنْ قولهم دابة
٨٠٤- حسن، أخرجه الحاكم (٢/ ٣١٣) والطبري ١٢١٩٣ والطبراني (١٧/ ٣٧١) وابن سعد (٤/ ٨٠) من حديث عياض الأشعري، وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠٩٧٦: رجال الطبراني رجال الصحيح! مع أن في صحبة عياض الأشعري اختلاف، والراجح عدم صحته، وقد جزم بذلك أبو حاتم وغيره وبأن حديثه مرسل، ويؤيد ذلك رواية البيهقي في «الدلائل» (٥/ ٣٥١) حيث أخرجه من طريق سماك عن عياض عن أبي موسى، ومدار الحديث على سماك بن حرب وهو صدوق من رجال مسلم، لكن اختلط بأخرة، لكن له شاهد من حديث شريح بن عبيد أخرجه الطبري ١٢١٩٩ ورجاله ثقات إلا أنه مرسل، شريح تابعي.
٨٠٥- حديث صحيح، إسناده حسن لأجل محمد بن عمرو، وقد توبع، من شيخه رجال البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» ٣٨٩٦ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٣٤٩٩ ومسلم ٥٢ ح ٨٧ والترمذي ٣٩٣٥ وأحمد (٢/ ٥٠٢) من طريق أبي سلمة به دون صدره.
وأخرجه البخاري ٤٣٨٨ ومسلم ٥٢ ح ٩١ وابن حبان ٧٢٩٧ من طريق شعبة عن سليمان عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بهذا التمام.
وأخرجه البخاري ٤٣٨٩ ومسلم ٥٢ ح ٨٥ وأحمد (٢/ ٢٧٠) وابن منده ٤٣١ و٤٣٢ و٣٨٠ والطيالسي ٢٥٠٣ من طرق عن أبي هريرة.
وأخرجه البخاري ٤٣٩٠ ومسلم ٥٢ ح ٨٤ من طريق أبي الأعرج عن أبي هريرة.
وأخرجه مسلم ٥٢ ح ٨٢ وعبد الرزاق ١٩٨٨٨ وأحمد (٢/ ٢٣٥ و٢٦٧ و٤٧٤) وابن حبان ٧٣٠٠ من طرق عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة.
وبعضهم زاد على بعض.
(١) وقع في النسخ «غنم» والتصويب عن الإصابة وتهذيب الكمال ومعجم الطبراني والجرح والتعديل.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة».
(٣) وقع في الأصل «أبي موسى» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٤) فناء الدار: ما اتسع من أمامها، أو ما امتد من جوانبها. ويقال: هو من أفناء الناس، إذا لم يعلم ممن هو.
(٥) زيادة عن المخطوط.
62
ذلول، يعني أنهم متواضعون. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [الفرقان:
٦٣]، أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ، أَيْ: أَشِدَّاءَ غلاظ على الكفار يعازونهم [١] وَيُغَالِبُونَهُمْ، مِنْ قَوْلِهِمْ: عَزَّهُ أَيْ غَلَبَهُ. قَالَ عَطَاءٌ: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ: كَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ: كَالسَّبُعِ عَلَى فَرِيسَتِهِ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [الفتح: ٢٩]، يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ، يَعْنِي: لَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَ [٢] النَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُرَاقِبُونَ الْكُفَّارَ وَيَخَافُونَ لَوْمَهُمْ.
«٨٠٦» وَرُوِّينَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَأَنْ نقوم أو نقول بالحق حيث ما كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، أَيْ: مَحَبَّتُهُمْ لِلَّهِ وَلِينُ جَانِبِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَشِدَّتُهُمْ عَلَى الْكَافِرِينَ، مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عليهم [٣]، وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٥٥ الى ٥٦]
إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦)
إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَبْدِ اللَّهِ بن أبيّ ابن سَلُولٍ حِينَ تَبَرَّأَ عُبَادَةُ مِنَ الْيَهُودِ، وَقَالَ: أَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، فَنَزَلَ فِيهِمْ مِنْ قَوْلِهِ [٤] : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ [المائدة: ٥١]، إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، يَعْنِي: عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَأَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«٨٠٧» وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمَنَا قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ قَدْ هَجَرُونَا وَفَارَقُونَا وَأَقْسَمُوا أَنْ لَا يُجَالِسُونَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَضِينَا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ أَوْلِيَاءَ.
وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَهُمْ راكِعُونَ، صَلَاةَ التَّطَوُّعِ بِاللَّيْلِ والنهار، وقاله [٥] ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
«٨٠٨» وَقَالَ السُّدِّيُّ: قَوْلُهُ: وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ، أَرَادَ بِهِ عَلِيَّ بن
٨٠٦- متفق عليه وقد تقدم.
٨٠٧- ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٣٩٦ عن جابر بدون إسناد.
وأخرجه الواحدي ٣٩٧ من حديث ابن عباس بنحوه بإسناد ساقط.
٨٠٨- موضوع. أخرجه الطبري ١٢٢١٥ عن السدي مرسلا، وهذا مرسل والسدي يروي المناكير.
وأخرجه الواحدي ٣٩٧ عن محمد بن مروان عن محمد بن السائب عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس مرفوعا وفيه «ثم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فنظر سائلا فقال: هل أعطاك أحد شيئا؟ قال: نعم خاتم من ذهب. قال: من أعطاكه؟ قال: ذلك القائم، وأومأ بيده إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فقال: على أي حال أعطاك؟ قال:
أعطاني، وهو راكع، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم ثم قرأ: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ....»
.
(١) في المطبوع وط «يعادونهم» والمثبت عن المخطوطين، ويدل على صحة ما بعده.
(٢) في المطبوع «لومة».
(٣) في المخطوط ب وحده «على المؤمنين».
(٤) انظر الحديث المتقدم برقم: ٧٨٥. [.....]
(٥) وقع في الأصل «وقال» والتصويب من «ط».
أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَرَّ بِهِ سَائِلٌ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأَعْطَاهُ خَاتَمَهُ.
وَقَالَ جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، قَالَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أُنَاسًا يَقُولُونَ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، يعني: يتولّ الْقِيَامَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَنُصْرَةِ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُرِيدُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ، يَعْنِي: أَنْصَارَ دين الله، هُمُ الْغالِبُونَ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٥٧ الى ٥٩]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (٥٨) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ (٥٩)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً الآية، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [١] : كَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ قَدْ أَظْهَرَا الْإِسْلَامَ، ثُمَّ نَافَقَا وَكَانَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُوَادُّونَهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً، بِإِظْهَارِ ذَلِكَ بِأَلْسِنَتِهِمْ قَوْلًا وَهُمْ مُسْتَبْطِنُونَ الْكُفْرَ، مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، وَالْكُفَّارَ، قرأ أهل البصرة والكسائي
وإسناده ساقط ليس بشيء محمد بن مروان، هو السدي الصغير متروك متهم بالكذب وابن السائب هو الكلبي أقرّ على نفسه بالكذب. راجع «الميزان» وأبو صالح اسمه «باذام» لم يلق ابن عباس، والمتن باطل.
وهذا الخبر أخرجه أيضا عبد الرزاق كما في تفسير ابن كثير (٢/ ٩٢، ٩٣) عن ابن عباس به.
قال ابن كثير: فيه عبد الوهّاب بن مجاهد، لا يحتج به اهـ.
وقال الذهبي في «الميزان» (٢/ ٦٨٢) : قال يحيى: ليس يكتب حديثه. وقال أحمد: ليس بشيء. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وقال البخاري: يقولون: لم يسمع من أبيه اهـ.
والظاهر أن هذا المتن سرقه عن الكلبي، فركبه على هذا الإسناد.
وأخرجه الطبري ١٢٢١٩ عن مجاهد مرسلا. وفيه غالب بن عبيد الله متروك وكرر ١٢٢١٦ عن أبي جعفر بلاغا، مع ذلك هو مفصل.
وورد من حديث علي أخرجه ابن مردويه كما في «تفسير ابن كثير» (٢/ ٩٣) وورد من حديث عمار بن ياسر عند الطبراني في «الأوسط» كما في «المجمع» ١٠٩٧٨ وقال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم اهـ.
وزاد ابن كثير نسبته لابن مردويه عن أبي رافع وقال ابن كثير: وليس يصح شيء منها بالكلية، لضعف أسانيدها، وجهالة رجالها.
وقال ابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٧٣، ٧٤) ما ملخصه: وأما قوله تعالى: وَهُمْ راكِعُونَ فقد توهم بعض الناس أن الجملة في موضع حال من قوله: وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أي في حال ركوعهم، ولو كان كذلك لكان دفع الزكاة حال الركوع أفضل من غيره، ولم يقل به أحد من أئمة الفتوى اهـ.
وذكره ابن تيمية في «المقدمة في أصول التفسير» وقال: إنه من وضع الرافضة اهـ.
والظاهر أنه من وضع الكلبي، وسرقه منه بعض الضعفاء. وانظر مزيد الكلام عليه في «تفسير ابن كثير» و «فتح القدير» ٨١٥ و٨١٦ للشوكاني عند هذه الآية وكلاهما بتخريجي.
(١) ضعيف. أخرجه الطبري ١٢٢٢١ عن ابن عباس، وإسناده ضعيف لجهالة محمد بن أبي محمد.
64
وَالْكُفَّارَ بِخَفْضِ الرَّاءِ، يَعْنِي: وَمِنَ الْكُفَّارِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ، أَيْ: لَا تَتَّخِذُوا الْكُفَّارَ، أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (٥٨)، قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَادَى إِلَى الصَّلَاةِ وَقَامَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهَا، قَالَتِ الْيَهُودُ: قَدْ قاموا لا قاموا، قَامُوا وَصَلَّوْا لَا صَلَّوْا، عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِهْزَاءِ، وَضَحِكُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ [١].
وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ النَّصَارَى بِالْمَدِينَةِ كَانَ إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: حُرِقَ الْكَاذِبُ، فَدَخَلَ خَادِمُهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِنَارٍ هو وَأَهْلُهُ نِيَامٌ، فَتَطَايَرَتْ مِنْهَا شَرَارَةٌ فَاحْتَرَقَ الْبَيْتُ وَاحْتَرَقَ هُوَ وَأَهْلُهُ [٢].
وَقَالَ الْآخَرُونَ: إِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا سَمِعُوا الْأَذَانَ حَسَدُوا الْمُسْلِمِينَ فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا:
يَا مُحَمَّدُ لِقَدْ أَبْدَعْتَ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْ بِهِ فِيمَا مَضَى مِنَ الْأُمَمِ فَإِنْ كُنْتَ تَدَّعِي النُّبُوَّةَ فَقَدْ خَالَفْتَ فِيمَا أَحْدَثْتَ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَكَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ لَكَانَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، فَمِنْ أين لك صياح كصياح العير، فَمَا أَقْبَحَ مِنْ صَوْتٍ وَمَا أَسْمَجَ مِنْ أَمْرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى هذه الآية: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ [فصلت:
٣٣] الْآيَةَ [٣].
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا الْآيَةَ، قَرَأَ الْكِسَائِيُّ: هَلْ تَنْقِمُونَ، بِإِدْغَامِ اللَّامِ فِي التَّاءِ، وَكَذَلِكَ يُدْغِمُ لَامَ هَلْ فِي التاء والثاء والنون، وافقه حَمْزَةُ فِي التَّاءِ وَالثَّاءِ وَأَبُو عمرو في هَلْ تَرى [الملك: ٣] فِي مَوْضِعَيْنِ.
«٨٠٩» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ، أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ وَغَيْرُهُمَا، فَسَأَلُوهُ عَمَّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنَ الرُّسُلِ، فَقَالَ: «آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ»، إِلَى قَوْلِهِ: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: ١٣٣]، فَلَمَّا ذَكَرَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ جَحَدُوا نُبُوَّتَهُ، وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ أَهْلَ دِينٍ أَقَلَّ حَظًّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْكُمْ، وَلَا دِينًا شَرًّا مِنْ دِينِكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا، أَيْ: [هَلْ] [٤] تَكْرَهُونَ مِنَّا، إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ، أَيْ: [هَلْ تكرهون] [٥] إِلَّا إِيمَانَنَا وَفِسْقَكُمْ، أَيْ: إِنَّمَا كَرِهْتُمْ إِيمَانَنَا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّا عَلَى حَقٍّ، لِأَنَّكُمْ فَسَقْتُمْ بِأَنْ أَقَمْتُمْ عَلَى دِينِكُمْ لِحُبِّ الرِّيَاسَةِ وحب الأموال [٦]، ثم قال:
٨٠٩- ضعيف. أخرجه الطبري ١٢٢٢٤ من حديث ابن عباس، وإسناده ضعيف لجهالة محمد بن أبي محمد.
وذكره الواحدي في «أسبابه» ٤٠١ عن ابن عباس بدون إسناد.
(١) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٣٩٩ عن الكلبي بدون إسناد والكلبي متروك متهم بالكذب.
(٢) أخرجه الطبري ١٢٢٢٣ عن السدي مرسلا وذكره الواحدي ٤٠٠ عن السدي بدون إسناد.
(٣) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٠٠ م هكذا بدون إسناد.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيد في المطبوع وط.
(٦) تصحف في المطبوع «الأقوال».
65

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٦٠ الى ٦٣]

قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٦٠) وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ (٦١) وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٢) لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَصْنَعُونَ (٦٣)
قُلْ يَا مُحَمَّدُ، هَلْ أُنَبِّئُكُمْ، أُخْبِرُكُمْ، بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ، الَّذِي ذَكَرْتُمْ، يَعْنِي: قَوْلَهُمْ لَمْ نَرَ أَهْلَ دِينٍ أَقَلَّ حَظًّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْكُمْ وَلَا دِينًا شَرًّا مِنْ دِينِكُمْ، فَذَكَرَ الْجَوَابَ بِلَفْظِ الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الابتداء شرا لقوله تعالى: أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ [الْحَجِّ: ٧٢]، مَثُوبَةً ثَوَابًا وَجَزَاءً، نُصِبَ عَلَى التَّفْسِيرِ [١]، عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ، أَيْ: هُوَ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَغَضِبَ عَلَيْهِ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ، فَالْقِرَدَةُ أَصْحَابُ السَّبْتِ، وَالْخَنَازِيرُ كُفَّارُ مَائِدَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ الْمَمْسُوخِينَ [٢] كِلَاهُمَا مِنْ أَصْحَابِ السَّبْتِ فَشُبَّانُهُمْ مُسِخُوا قِرَدَةً وَمَشَايِخُهُمْ مُسِخُوا خَنَازِيرَ. وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ، أَيْ: جُعِلَ مِنْهُمْ مَنْ عَبَدَ الطَّاغُوتَ، أَيْ: أَطَاعَ الشَّيْطَانَ فِيمَا سوّل له، تصديقها [٣]، قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: «وَمَنْ عَبَدُوا الطَّاغُوتَ»، وَقَرَأَ حَمْزَةُ:
«وَعَبُدَ» بِضَمِّ الْبَاءِ، «الطَّاغُوتِ» بِجَرِّ التَّاءِ، أَرَادَ الْعَبُدَ وَهُمَا لُغَتَانِ عَبْدٌ بِجَزْمِ الْبَاءِ وَعُبُدٌ بِضَمِّ الْبَاءِ، مِثْلُ سبع وسبع، وقيل: جَمْعُ الْعِبَادِ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ: «وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ» عَلَى الْوَاحِدِ، أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ، [أَيْ] [٤] : عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ.
وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا، يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ قَالُوا: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ [آل عمران: ٧٢]، دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: آمَنَّا: بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ فِيمَا قُلْتَ، وَهُمْ يُسِرُّونَ الْكُفْرَ، وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ، يَعْنِي: دَخَلُوا كَافِرِينَ وَخَرَجُوا كَافِرِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ.
وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ، يَعْنِي: مِنَ الْيَهُودِ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ، قِيلَ: الْإِثْمُ الْمَعَاصِي وَالْعُدْوَانُ الظُّلْمُ، وَقِيلَ: الْإِثْمُ مَا كَتَمُوا مِنَ التَّوْرَاةِ، وَالْعُدْوَانُ ما زَادُوا فِيهَا، وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ، الرِّشَا، لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.
لَوْلا، هَلَّا، يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ، يَعْنِي: الْعُلَمَاءَ، قِيلَ: الرَّبَّانِيُّونَ عُلَمَاءُ النَّصَارَى، وَالْأَحْبَارُ عُلَمَاءُ الْيَهُودِ، عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَصْنَعُونَ.
[سورة المائدة (٥) : آية ٦٤]
وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٦٤)
. وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ قَدْ بَسَطَ عَلَى الْيَهُودِ حَتَّى كَانُوا مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ مَالًا وَأَخْصَبِهِمْ نَاحِيَةً فَلَمَّا عصوا اللَّهَ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبُوا بِهِ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا بَسَطَ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّعَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ فِنْحَاصُ بْنُ عَازُورَاءَ: يَدُ اللَّهِ مغلولة، أي:
(١) أي التمييز.
(٢) كذا في المطبوع وط والمخطوط وفي ب «المسخين».
(٣) في المخطوط ب وحده «تصدقها».
(٤) زيادة عن المخطوط. [.....]
مَحْبُوسَةٌ مَقْبُوضَةٌ عَنِ [١] الرِّزْقِ، نَسَبُوهُ إلى البخل، قِيلَ: إِنَّمَا قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِنْحَاصٌ، فَلَمَّا لَمْ يَنْهَهُ الْآخَرُونَ وَرَضُوا بِقَوْلِهِ أَشْرَكَهُمُ اللَّهُ فِيهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ يَدُ اللَّهِ مَكْفُوفَةٌ عَنْ عَذَابِنَا فَلَيْسَ يُعَذِّبُنَا إلا ما يبرّ بِهِ قَسَمُهُ قَدْرَ مَا عَبَدَ آبَاؤُنَا الْعِجْلَ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ: يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ. غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ، أَيْ: أُمْسِكَتْ أَيْدِيهِمْ عَنِ الْخَيْرَاتِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَجَابَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: أَنَا الْجَوَّادُ وَهُمُ الْبُخَلَاءُ وَأَيْدِيهِمْ هِيَ الْمَغْلُولَةُ الْمُمْسِكَةُ. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْغَلِّ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ [غَافِرِ: ٧١]. وَلُعِنُوا، عُذِّبُوا، بِما قالُوا، فَمِنْ لَعْنِهِمْ أَنَّهُمْ مُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ، بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ، وَيَدُ اللَّهِ صِفَةٌ من صفات ذاته كَالسَّمْعِ، وَالْبَصَرِ وَالْوَجْهِ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: ٧٥].
«٨١٠» وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ».
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِفَاتِهِ، فَعَلَى الْعِبَادِ فِيهَا الْإِيمَانُ وَالتَّسْلِيمُ. وَقَالَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفَ [٢]، يُنْفِقُ، يَرْزُقُ، كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً، أَيْ: كُلَّمَا نَزَلَتْ آيَةٌ كَفَرُوا بها فازدادوا طغيانا وكفرا، وكفروا، وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ، يَعْنِي: بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَالَهُ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: بَيْنَ طَوَائِفِ الْيَهُودِ جَعَلَهُمُ [اللَّهُ] [٣] مُخْتَلِفِينَ فِي دِينِهِمْ مُتَبَاغِضِينَ، إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ، يَعْنِي: الْيَهُودَ أَفْسَدُوا وَخَالَفُوا حُكْمَ التَّوْرَاةِ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُخْتُنَصَّرَ، ثُمَّ أَفْسَدُوا فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْطُوسَ الرُّومِيُّ، ثُمَّ أَفْسَدُوا فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَجُوسَ، ثُمَّ أَفْسَدُوا فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: كُلَّمَا أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ لِيُفْسِدُوا أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْقَدُوا نَارَ الْمُحَارَبَةِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ، فَرَدَّهُمْ وَقَهَرَهُمْ وَنَصَرَ نَبِيَّهُ وَدِينَهُ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ حَرْبٍ طَلَبَتْهُ الْيَهُودُ فَلَا تَلْقَى اليهود في بلد إِلَّا وَجَدْتَهُمْ مِنْ أَذَلِّ النَّاسِ، وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٦٥ الى ٦٧]
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ مَا يَعْمَلُونَ (٦٦) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٦٧)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا، بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاتَّقَوْا، الْكُفْرَ، لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ.
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ، يَعْنِي: أَقَامُوا أَحْكَامَهُمَا وَحُدُودَهُمَا وَعَمِلُوا بِمَا فيهما،
٨١٠- هو بعض حديث وقد تقدم في سورة النساء برقم: ٦٣٣.
(١) في المطبوع «من».
(٢) هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، والذي يفسرها ويؤلها معطل، والذي يقول: يد كيد، وسمع كسمع وبصر كبصر، ونحو ذلك، فهو مشبه مجسم، نسأل الله السلامة.
(٣) زيادة عن المخطوط.
67
وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَقِيلَ: كُتُبُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، قِيلَ: مِنْ فَوْقِهِمْ هُوَ الْمَطَرُ، وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ نَبَاتُ الْأَرْضِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَأَنْزَلْتُ عَلَيْهِمُ الْقَطْرَ وَأَخْرَجْتُ لَهُمْ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ. وَقَالَ الْفِرَاءُ: أَرَادَ بِهِ التَّوْسِعَةَ فِي الرِّزْقِ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ فِي الْخَيْرِ مِنْ قرنه إلى قدمه، نظيره قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [الْأَعْرَافِ: ٩٦]. مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ، يَعْنِي: مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابَهُ، مُقْتَصِدَةٌ أَيْ عَادِلَةٌ غَيْرُ غَالِيَةٍ [١]، وَلَا مُقَصِّرَةٍ جَافِيَةٍ. وَمَعْنَى الِاقْتِصَادِ فِي اللُّغَةِ: الِاعْتِدَالُ فِي الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِ غُلُوٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ، كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابُهُ، ساءَ مَا يَعْمَلُونَ، بِئْسَ [٢] شَيْئًا عَمَلُهُمْ، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عملوا بالقبيح مَعَ التَّكْذِيبِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، رُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية [٣]. وروي [عن] [٤] الْحَسَنُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا بَعَثَ رَسُولَهُ ضَاقَ ذَرْعًا وَعَرَفَ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُكَذِّبُهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [٥].
[وَقِيلَ] [٦] : نَزَلَتْ فِي عَيْبِ الْيَهُودِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالُوا: أَسْلَمْنَا قَبْلَكَ وَجَعَلُوا يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ، فَيَقُولُونَ لَهُ: تُرِيدُ أَنْ نَتَّخِذَكَ حَنَانًا كما اتّخذت النصارى عيسى حَنَانًا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ سَكَتَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ [المائدة: ٦٨] الْآيَةَ.
وَقِيلَ: بَلِّغَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنَ الرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ، نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ الْيَهُودِ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَمْرِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ ونكاحها، وقيل: [نزلت] [٧] فِي الْجِهَادِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَرِهُوهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [مُحَمَّدٍ: ٥]، وَكَرِهَهُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ [النساء:
٧٧] الآية. فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْسِكُ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ عَنِ الْحَثِّ عَلَى الْجِهَادِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ كَرَاهَةِ بَعْضِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَأَبُو بكر ويعقوب «رِسَالَاتِهِ» عَلَى الْجَمْعِ وَالْبَاقُونَ رِسَالَتَهُ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: إِنْ لَمْ تُبَلِّغِ الْجَمِيعَ [٨] وَتَرَكْتَ بَعْضَهُ، فَمَا بَلَّغْتَ شَيْئًا، أَيْ: جُرْمُكَ فِي تَرْكِ تَبْلِيغِ الْبَعْضِ كَجُرْمِكَ فِي تَرْكِ تَبْلِيغِ الْكُلِّ كَقَوْلِهِ: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا [النِّسَاءِ: ١٥٠- ١٥١]،
(١) في المطبوع «غالبة».
(٢) زيد في المطبوع وحده «بئس ما يعملون».
(٣) خبر عائشة أخرجه البخاري ٤٦١٢ ومسلم ١٧٧ دون ذكر الآية ويأتي في آخر سورة لقمان.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٠٢ عن الحسن بدون إسناد، وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٦٥٩) : أخرجه إسحاق في «مسنده» أخبرنا كلثوم بن محمد بن أبي سدرة حدثنا عطاء الخراساني عن أبي هريرة به.... اهـ.
(٦) ما بين المعقوفتين زيادة من «ط».
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) في المطبوع: «الجمع».
68
أَخْبَرَ أَنَّ كُفْرَهُمْ بِالْبَعْضِ مُحْبِطٌ للإيعاب بِالْبَعْضِ، وَقِيلَ: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ، أَيْ: أَظْهِرْ تَبْلِيغَهُ كَقَوْلِهِ: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الْحِجْرِ: ٩٤]، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَإِنْ لَمْ تُظْهِرْ تَبْلِيغَهُ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ
، أَمَرَهُ بِتَبْلِيغِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مُجَاهِرًا مُحْتَسِبًا صَابِرًا، غَيْرَ خَائِفٍ، فَإِنْ أَخْفَيْتَ مِنْهُ شَيْئًا لِخَوْفٍ يَلْحَقُكَ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، يَحْفَظُكَ وَيَمْنَعُكَ مِنَ النَّاسِ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ شُجَّ رَأْسُهُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَأُوذِيَ بِضُرُوبٍ مِنَ الْأَذَى؟ قِيلَ: مَعْنَاهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الْقَتْلِ فَلَا يَصِلُونَ إِلَى قَتْلِكَ.
وَقِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآية بعد ما شُجَّ رَأْسُهُ، لِأَنَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: وَاللَّهُ يَخُصُّكَ بِالْعِصْمَةِ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ.
«٨١١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ [١] عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَا سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جابر بن عبد الله أخبرهما [٢] أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَفَلَ معه فأدركتهم الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاةِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ:
«إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ ثَلَاثًا»، وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ.
«٨١٢» وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ سَلَّ سَيْفَهُ، وَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «اللَّهُ»، فَرَعَدَتْ يَدُ الْأَعْرَابِيِّ وَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَ يَضْرِبُ بِرَأْسِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى انْتَثَرَ دِمَاغُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
٨١١- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو اليمان هو الحكم بن نافع، شعيب هو ابن أبي حمزة، الزهري هو محمد بن مسلم.
وهو في «الأنوار» ٢١٦ بهذا الإسناد.
وفي «صحيح البخاري» ٢٩١٠ و١٩١٣ عن أبي اليمان بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٢٢٨١ ح ١٤ والنسائي في «الكبرى» ٨٧٧٢ وأحمد (٣/ ٣١١) والبيهقي (٦/ ٣١٩) وفي «الدلائل» (٣/ ٣٧٣) من طرق عن شعيب بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢٩١٣ ومسلم (٤/ ١٧٨٦) (١٣) والنسائي في «الكبرى» ٨٨٥٢ وابن حبان ٤٥٣٧ من طرق عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سنان الدؤلي عن جابر به.
وأخرجه البخاري ٤١٣٥ من طريق الزهري عن سنان عن جابر به. ومسلم ٢٢٨١ ح ١٣ والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٣٧٤) من طريق مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سلمة عن جابر به.
وأخرجه مسلم ٨٤٣ وأحمد (٣/ ٣٦٤) والبيهقي في «الدلائل» (٣/ ٣٧٥) من طرق عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ به.
وانظر ما تقدم برقم: ٨٠٦ و٨١٢.
٨١٢- باطل. لم أره عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعَّبٍ الْقُرَظِيِّ عن أبي هريرة، وهو عند الطبري ١٢٢٨١ من طريق أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كعب القرظي مرسلا. دون ذكر أبي هريرة وكذا في «الدر المنثور» (٢/ ٥٣٠) وإسناده ضعيف جدا لضعف أبي معشر واسمه نجيح السندي، وإرساله، ثم إن المتن باطل لأن الحديث في الصحيحين أنه ذهب من دون أن يعرض له شيء. [.....]
(١) زيد في الأصل «أبو» بين «أنا» و «شعيب» والتصويب من «الأنوار» ومصادر التخريج.
(٢) في المطبوع «أخبره».
69
«٨١٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ [أَنَا إِسْمَاعِيلُ] [١] بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهِرَ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ: لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا من أصحابي يحرسني الليلة إذا سَمِعْنَا صَوْتَ سِلَاحٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا سَعْدُ بْنُ أبي وقاص جئت لأحرسك ونام النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٨١»
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ مِنَ الْقُبَّةِ فَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى».
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٦٨ الى ٧١]
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٦٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩) لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ (٧٠) وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٧١)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ، أَيْ: تُقِيمُوا أَحْكَامَهُمَا وَمَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ فِيهِمَا، وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ، فَلَا تَحْزَنْ، عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى، وَكَانَ حقه: «الصابئين»، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَجْهَ ارْتِفَاعِهِ، وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: فِيهِ تقديم وتأخير وتقديره: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ إِلَى آخر الآية، والصابئون كذلك، قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، أَيْ: بِاللِّسَانِ، وقوله: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
٨١٣- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وهو في «صحيح البخاري» ٢٨٨٥ عن إسماعيل بن خليل بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٧٢٣١ ومسلم ٢٤١٠ والنسائي في «الكبرى» ٨٢١٧ و٨٨٦٧ وابن أبي شيبة (١٢/ ٨٨) وأحمد (٦/ ١٤١) وابن حبان ٦٩٨٦ وابن أبي عاصم ١٤١١ والحاكم (٣/ ٥٠١) من طرق عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ ربيعة به.
(١) ما بين المعقوفتين مستدرك من ط و «صحيح البخاري».
٨١٤- أخرجه الترمذي ٣٠٤٦ والحاكم (٢/ ٣١٣) والطبري ١٢٢٧٩ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ عَنْ عائشة به. وإسناده غير قوي لأجل الحارث بن عبيد. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، ورواه بعضهم عن الجريري مرسلا ليس فيه عائشة اهـ.
وأخرجه الطبري ١٢٢٧٧ عن ابن علية عن الجريريّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ مرسلا. وهو أصح إسنادا من الموصول.
وقال ابن حجر في «الفتح» : وإسناده حسن، واختلفوا في وصله وإرساله اهـ.
وله شاهد مرسل، أخرجه الطبري ١٢٢٧٦ عن سعيد بن جبير مرسلا، فالحديث الموصول يتأيد بهذا المرسل. وانظر «صحيح الترمذي» ٢٤٤٠ لكن في اللفظ المرفوع غرابة، والله أعلم.
، أَيْ: بِالْقَلْبِ، وَقِيلَ: الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، أَيْ: ثَبَتَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ، وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا، عِيسَى وَمُحَمَّدًا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا، وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ، يحيى وزكريا.
وَحَسِبُوا، [أي] [١] ظَنُّوا، أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ، أَيْ: عَذَابٌ وَقَتْلٌ، وَقِيلَ: ابْتِلَاءٌ وَاخْتِبَارٌ، أَيْ: ظَنُّوا أَنْ لَا يُبْتَلَوْا وَلَا يُعَذِّبُهُمُ اللَّهُ، قَرَأَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «تَكُونُ» بِرَفْعِ النُّونِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا [٢] لَا تَكُونُ، وَنَصَبَهَا الْآخَرُونَ كَمَا لَوْ لم تكن قَبْلَهُ لَا، فَعَمُوا، عَنِ الْحَقِّ فَلَمْ يُبْصِرُوهُ، وَصَمُّوا، عَنْهُ فَلَمْ يَسْمَعُوهُ، يَعْنِي: عَمُوا وَصَمُّوا بَعْدَ مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، بِبَعْثِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ، بِالْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٧٢ الى ٧٥]
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَهُمُ الْمَلْكَانِيَّةُ وَالْيَعْقُوبِيَّةُ مِنْهُمْ، وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ.
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ، يَعْنِي: الْمُرْقُوسِيَّةَ، وَفِيهِ إِضْمَارٌ مَعْنَاهُ: ثَالِثُ ثَلَاثَةِ آلِهَةٍ [٣]، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْإِلَهِيَّةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَرْيَمَ وَعِيسَى، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ إِلَهٌ فَهُمْ ثَلَاثَةُ آلِهَةٍ، يُبَيِّنُ هَذَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَسِيحِ: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ [الْمَائِدَةِ:
١١٦]، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِلَهِيَّةَ لَا يَكْفُرُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ [الْمُجَادَلَةِ: ٧].
«٨١٥» وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا». ثُمَّ قَالَ رَدًّا عَلَيْهِمْ:
وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ، لِيُصِيبُنَّ، الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ
٨١٥- يأتي في سورة التوبة آية: ٤٠ إن شاء الله، رواه الشيخان.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «أنه».
(٣) في المطبوع «الآلهة».
أَلِيمٌ، خَصَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لِعِلْمِهِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يُؤْمِنُونَ.
أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ؟ قَالَ الْفَرَّاءُ: هَذَا أَمْرٌ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ كَقَوْلِهِ تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ، أَيِ: انْتَهُوا، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ هَذَا الذَّنْبِ الْعَظِيمِ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ، مَضَتْ، مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَيْ: لَيْسَ هُوَ بِإِلَهٍ بَلْ هُوَ كَالرُّسُلِ الَّذِينَ مَضَوْا لَمْ يَكُونُوا آلِهَةً، وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ، أَيْ: كَثِيرَةُ الصِّدْقِ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ صِدِّيقَةً لِأَنَّهَا صَدَّقَتْ بِآيَاتِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي وَصْفِهَا: وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها [التَّحْرِيمِ: ١٢]، كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعامَ، أَيْ: كَانَا يَعِيشَانِ بِالطَّعَامِ وَالْغِذَاءِ كَسَائِرِ الْآدَمِيِّينَ، فَكَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا مَنْ لَا يُقِيمُهُ إِلَّا أَكْلُ الطَّعَامِ؟ وَقِيلَ: هَذَا كِنَايَةٌ عَنِ الْحَدَثِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَكَلَ وَشَرِبَ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ كَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا؟ ثُمَّ قَالَ: انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، أَيْ: يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٧٦ الى ٧٩]
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (٧٧) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كانُوا لَا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦).
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ، أَيْ: لَا تَتَجَاوَزُوا الْحَدَّ وَالْغُلُوُّ وَالتَّقْصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَذْمُومٌ فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ: غَيْرَ الْحَقِّ، أَيْ: فِي دِينِكُمُ الْمُخَالِفِ لِلْحَقِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَالَفُوا الْحَقَّ فِي دِينِهِمْ، ثُمَّ غَلَوْا فِيهِ بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ، وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ، وَالْأَهْوَاءُ جَمْعُ الْهَوَى وَهُوَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ شَهْوَةُ النَّفْسِ، قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ، يَعْنِي: رُؤَسَاءَ الضَّلَالَةِ مِنْ فَرِيقَيِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، والخطاب للذين كَانُوا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُهُوا عَنِ اتِّبَاعِ أَسْلَافِهِمْ فِيمَا ابْتَدَعُوهُ بِأَهْوَائِهِمْ، وَأَضَلُّوا كَثِيراً، يَعْنِي: مَنِ اتَّبَعَهُمْ عَلَى أَهْوَائِهِمْ، وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ، عَنْ قَصْدِ الطَّرِيقِ، أَيْ:
بِالْإِضْلَالِ فَالضَّلَالُ الْأَوَّلُ مِنَ الضَّلَالَةِ، والثاني بإضلال من اتّبعهم.
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ، يَعْنِي: أَهْلَ أَيْلَةَ لَمَّا اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ، وَقَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ وَاجْعَلْهُمْ آيَةً فَمُسِخُوا قردة وخنازير، وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، أَيْ:
عَلَى لِسَانِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْنِي كُفَّارَ أَصْحَابِ الْمَائِدَةِ، لَمَّا لَمْ يُؤْمِنُوا، قَالَ عِيسَى: اللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ وَاجْعَلْهُمْ آيَةً فَمُسِخُوا خَنَازِيرَ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ.
كانُوا لَا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ، أَيْ: لَا يَنْهَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَبِئْسَ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ.
«٨١٦» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إسحاق الثعلبي أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الحسين أنا أحمد بن
٨١٦- إسناده ضعيف. رجال الإسناد ثقات، لكنه منقطع، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن للحديث شواهد تقويه.
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ أَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ أَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيَّ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا عَمِلَ الْعَامِلُ مِنْهُمُ الْخَطِيئَةَ نَهَاهُ النَّاهِي تَعْذِيرًا، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَالَسَهُ وَآكَلَهُ وَشَارَبَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ عَلَى الْخَطِيئَةِ بِالْأَمْسِ، فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ، وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ السَّفِيهِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيَلْعَنَكُمْ كما لعنهم».
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٨٠ الى ٨٢]
تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ (٨٠) وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٨١) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ، قِيلَ: مِنَ الْيَهُودِ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابُهُ، يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، مُشْرِكِي مَكَّةَ حِينَ خَرَجُوا إِلَيْهِمْ يُجَيِّشُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ومجاهد والحسن: منهم يعني الْمُنَافِقِينَ يَتَوَلَّوْنَ الْيَهُودَ، لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ، بِئْسَ مَا قَدَّمُوا مِنَ الْعَمَلِ لِمَعَادِهِمْ فِي الْآخِرَةِ، أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ.
وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ، يعني: القرآن، ما
وهو في «مسند أبي يعلى» ٥٠٩٤ عن وهب بن بقية الواسطي بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود ٤٣٣٧ من طريق العلاء عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سالم الأفطس عن أبي عبيدة به.
وأخرجه أبو يعلى ٥٠٣٥ والطبري ١٢٣٠٩ من طريق المحاربي عن العلاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن مرة عن سالم الأفطس عن أبي عبيدة به. وفي مسند أبي يعلى «عبد الله عن عمرو» بدل «عبد الله بن عمرو».
وأخرجه أبو داود ٤٣٣٦ والترمذي ٣٠٥١ وابن ماجه بأثر ٤٠٠٦ وأحمد (١/ ٣٩١) والطبري ١٢٣١٢ و١٢٣١٣ و١٢٣١٤ من طرق عن علي بن بذيمة عن أبي عبيدة به.
وأخرجه الطبري ١٢٣١١ من طريق سفيان حدثنا علي بن بذيمة عن أبي عبيدة، أظنه عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود.
قال أبو داود: رواه المحاربي عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مرة عن سالم الأفطس عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ الله.
ورواه خالد الطحان عن العلاء عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أبي عبيدة اهـ.
وقال الترمذي: حديث حسن غريب اهـ.
وأخرجه ابن ماجه ٤٠٠٦ عن أبي عبيدة مرسلا وكذا الطبري ١٢٣١٤.
وله شاهد عند الطبراني كما في «المجمع» ١٢١٥٣ من حديث أبي موسى وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح اهـ.
وقال الحافظ ابن كثير في «تفسير» (٢/ ١٠٨) : قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي وقد رواه خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ عن العلاء عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أبي موسى اهـ.
وفي الباب أحاديث يحسن بها انظر «الدر المنثور» (٢/ ٥٣٣، ٥٣٤) و «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية.
73
اتَّخَذُوهُمْ، يَعْنِي: الْكُفَّارَ، أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ، أَيْ: خَارِجُونَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى، لَمْ يُرِدْ بِهِ جَمِيعَ النَّصَارَى لِأَنَّهُمْ فِي عَدَاوَتِهِمُ الْمُسْلِمِينَ كَالْيَهُودِ فِي قَتْلِهِمُ الْمُسْلِمِينَ، وَأَسْرِهِمْ وَتَخْرِيبِ بِلَادِهِمْ وَهَدْمِ مَسَاجِدِهِمْ وَإِحْرَاقِ مَصَاحِفِهِمْ، لَا وَلَا كَرَامَةَ لَهُمْ، بَلِ الْآيَةُ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ مِثْلُ النَّجَاشِيِّ وَأَصْحَابِهِ. [وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي جَمِيعِ الْيَهُودِ وَجَمِيعِ النَّصَارَى، لِأَنَّ الْيَهُودَ أَقْسَى قَلْبًا وَالنَّصَارَى أَلْيَنُ قَلْبًا مِنْهُمْ، وَكَانُوا أَقَلَّ مُظَاهَرَةً لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ الْيَهُودِ] [١].
«٨١٧» قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: ائْتَمَرَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يَفْتِنُوا الْمُؤْمِنِينَ عَنْ دِينِهِمْ، فَوَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُؤْذُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ، فَافْتُتِنَ مَنِ افْتُتِنَ، وَعَصَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ مَنْ شَاءَ، وَمَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بِأَصْحَابِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ وَلَمْ يُؤْمَرْ بَعْدُ بِالْجِهَادِ أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَقَالَ: «إِنَّ بِهَا مَلِكًا صَالِحًا لَا يَظْلِمُ وَلَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، فَاخْرُجُوا إِلَيْهِ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا».
وَأَرَادَ بِهِ النَّجَاشِيَّ وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ وَهُوَ بِالْحَبَشَةِ عَطِيَّةُ، وَإِنَّمَا النَّجَاشِيُّ اسْمُ الْمَلِكِ- كقولهم قيصر وكسرى- فخرج إليها سِرًّا أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَامْرَأَتُهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ وَامْرَأَتُهُ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَمُصَعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ وَامْرَأَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَامْرَأَتُهُ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ [٢]، وحاطب بن عمرو وسهل بْنُ بَيْضَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فخرجوا إلى البحر وآجروا [٣] سَفِينَةً إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَذَلِكَ فِي رَجَبٍ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذِهِ الْهِجْرَةُ الْأُولَى ثُمَّ خَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَتَتَابَعَ المسلمون إليها، فكان جَمِيعُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ رَجُلًا سِوَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَلَمَّا عَلِمَتْ قُرَيْشٌ بِذَلِكَ وَجَّهُوا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَصَاحِبَهُ بِالْهَدَايَا إِلَى النَّجَاشِيِّ وبطارقته ليردّوهم إليهم، فعصمهم اللَّهُ وَذُكِرَتِ الْقِصَّةُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، فَلَمَّا انْصَرَفَا خَائِبَيْنِ أَقَامَ الْمُسْلِمُونَ هُنَاكَ بِخَيْرِ دَارٍ وَأَحْسَنِ جِوَارٍ إِلَى أَنْ هَاجَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَا أَمْرُهُ وَذَلِكَ فِي سنة ست مِنَ الْهِجْرَةِ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ عَلَى يَدِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ لِيُزَوِّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ- وَكَانَتْ قَدْ هَاجَرَتْ إِلَيْهِ مَعَ زَوْجِهَا فَمَاتَ زَوْجُهَا- وَيَبْعَثُ إِلَيْهِ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَرْسَلَ النَّجَاشِيُّ إِلَى أُمِّ حَبِيبَةَ جَارِيَةً يُقَالُ لَهَا: أَبَرْهَةُ تُخْبِرُهَا بِخِطْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا، فَأَعْطَتْهَا أَوْضَاحًا لَهَا سُرُورًا بِذَلِكَ، فأذنت خَالِدُ [٤] بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ حَتَّى أَنْكَحَهَا عَلَى صَدَاقٍ أَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانَ الْخَاطِبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَأَنْفَذَ إِلَيْهَا النَّجَاشِيُّ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ عَلَى يَدِ أَبَرْهَةَ، فلما جاءتها بها
٨١٧- لم أره بهذا السياق، وورد منجما في أحاديث.
انظر «الدر المنثور» (٢/ ٥٣٧، ٥٣٨) و «تفسير الطبري» (٥/ ٣، ٤) و «أسباب النزول» للواحدي ص ٢٠٥، ٢٠٧.
(١) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع وط.
(٢) تصحف في المطبوع «خيثمة». [.....]
(٣) في المطبوع وط «أخذوا».
(٤) في المخطوط أ، وط «لخالد».
74
أَعْطَتْهَا خَمْسِينَ دِينَارًا فَرَدَّتْهُ وَقَالَتْ: أَمَرَنِي الْمَلِكُ أَنْ لَا آخُذُ مِنْكِ شَيْئًا، وَقَالَتْ: أَنَا صَاحِبَةُ دَهْنِ الْمَلِكِ وَثِيَابِهِ، وَقَدْ صَدَّقْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمَنْتُ بِهِ، وَحَاجَتِي مِنْكِ أَنْ تُقْرِئِيهِ مِنِّي السَّلَامَ، قَالَتْ: نَعَمْ، قالت أبرهة: وَقَدْ أَمَرَ الْمَلِكُ نِسَاءَهُ أَنْ يَبْعَثْنَ إِلَيْكِ بِمَا عِنْدَهُنَّ مِنْ عُودٍ وَعَنْبَرٍ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَاهُ [عليها و] [١] عندها فَلَا يُنْكِرُ، قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: فَخَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ، فَخَرَجَ مَنْ خَرَجَ إِلَيْهِ وَأَقَمْتُ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فكان يَسْأَلُنِي عَنِ النَّجَاشِيِّ فَقَرَأَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَبَرْهَةَ السَّلَامَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً [الممتحنة: ٧]، يَعْنِي: أَبَا سُفْيَانَ مَوَدَّةً، يَعْنِي: بِتَزْوِيجِ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَلَمَّا جَاءَ أَبَا سُفْيَانَ تَزْوِيجُ أُمِّ حَبِيبَةَ، قَالَ:
ذَلِكَ الْفَحْلُ لَا يُقْرَعُ أَنْفُهُ، وَبَعَثَ النَّجَاشِيُّ بَعْدَ قُدُومِ جَعْفَرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ابْنَهُ أَزْهَى بْنَ أَصْحَمَةَ بْنِ أَبْجَرَ فِي سِتِّينَ رَجُلًا مِنَ الْحَبَشَةِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَادِقًا مُصَدِّقًا وَقَدْ بَايَعْتُكَ وَبَايَعْتُ ابْنَ عَمِّكَ وَأَسْلَمْتُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ ابْنِي أَزْهَى، وَإِنْ شئت آتِيَكَ بِنَفْسِي فَعَلْتُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَكِبُوا سَفِينَةً فِي أَثَرِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي وَسَطِ الْبَحْرِ غَرِقُوا، وَوَافَى جَعْفَرُ وَأَصْحَابُهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْعِينَ رَجُلًا عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الصُّوفِ، مِنْهُمُ اثْنَانِ وَسِتُّونَ مِنَ الْحَبَشَةِ وَثَمَانِيَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ يس إِلَى آخِرِهَا، فَبَكَوْا حِينَ سَمِعُوا القرآن [وآمنوا] وَقَالُوا: مَا أَشْبَهَ هَذَا بِمَا كَانَ يَنْزِلُ عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى، يَعْنِي: وَفْدَ النَّجَاشِيِّ الَّذِينَ قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرٍ وَهُمُ السَّبْعُونَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: كَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَثَمَانِيَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: كَانُوا ثَمَانِينَ رَجُلًا أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ نجران من بني الحارث بْنِ كَعْبٍ، وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِنَ الحبشة وثمانية روميون مِنْ أَهْلِ الشَّامِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ مِمَّا جَاءَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَّقُوهُ وَآمَنُوا بِهِ فَأَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ. ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ، أَيْ: عُلَمَاءَ، قَالَ قُطْرُبٌ: الْقَسُّ وَالْقِسِّيسُ الْعَالِمُ بِلُغَةِ الرُّومِ، وَرُهْباناً، الرُّهْبَانُ الْعُبَّادُ أَصْحَابُ الصَّوَامِعِ وَاحِدُهُمْ رَاهِبٌ، مِثْلُ فَارِسٍ وَفُرْسَانٍ، وَرَاكِبٍ وَرُكْبَانٍ، وَقَدْ يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعُهُ رَهَابِينُ، مِثْلُ قُرْبَانٍ وَقَرَابِينٍ، وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ، لَا يَتَعَظَّمُونَ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِذْعَانِ للحق.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٨٣ الى ٨٧]
وَإِذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَما لَنا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (٨٤) فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٨٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)
وَإِذا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ، تَسِيلُ، مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ
(١) سقط من المطبوع.
75
الْحَقِّ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: يُرِيدُ النَّجَاشِيَّ وَأَصْحَابَهُ قَرَأَ عَلَيْهِمْ جعفر بالحبشة كهيعص (١) [مريم: ١]، فَمَا زَالُوا يَبْكُونَ حَتَّى فَرَغَ جَعْفَرٌ مِنَ الْقِرَاءَةِ. يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ، يَعْنِي: أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [الْبَقَرَةِ: ١٤٣].
وَما لَنا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ عَيَّرُوهُمْ وَقَالُوا لَهُمْ: لِمَ آمَنْتُمْ؟
فَأَجَابُوهُمْ بِهَذَا، وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ، أَيْ: فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيَانُهُ أَنَّ الأرض يرثها عبادي الصالحون.
فَأَثابَهُمُ اللَّهُ، أَعْطَاهُمُ اللَّهُ، بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها، وَإِنَّمَا أَنْجَحَ قَوْلَهُمْ وَعَلَّقَ الثَّوَابَ بِالْقَوْلِ لِاقْتِرَانِهِ بِالْإِخْلَاصِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ، يَعْنِي:
الْمُوَحِّدِينَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَوْلُهُ: تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، يَدُلُّ [١] عَلَى أَنَّ الْإِخْلَاصَ وَالْمَعْرِفَةَ بِالْقَلْبِ مع القول يكون إيمانا.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٨٦).
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ، الْآيَةَ.
«٨١٨» قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: ذَكَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمًا وَوَصَفَ الْقِيَامَةَ فَرَقَّ لَهُ النَّاسُ وَبَكُوا، فَاجْتَمَعَ عَشَرَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَيْتِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيِّ، وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ الله بن عمرو، وَأَبُو ذَرِّ الْغِفَارِيُّ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَمَعْقِلُ بْنُ مُقَرِّنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَتَشَاوَرُوا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَتَرَهَّبُوا وَيَلْبَسُوا الْمُسُوحَ وَيَجُبُّوا مَذَاكِيرَهُمْ، وَيَصُومُوا الدَّهْرَ، وَيَقُومُوا اللَّيْلَ وَلَا يَنَامُوا عَلَى الْفُرُشِ، وَلَا يَأْكُلُوا اللَّحْمَ وَالْوَدَكَ وَلَا يَقْرَبُوا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَيَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى دَارَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَلَمْ يُصَادِفْهُ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ أُمِّ حَكِيمٍ بنت أبي أمية- واسمها الحولاء-[٢] وَكَانَتْ عَطَّارَةً: «أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْ زَوْجِكَ وَأَصْحَابِهِ» ؟ فَكَرِهَتْ أَنْ تَكْذِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَرِهَتْ أَنْ تُبْدِيَ عَلَى زَوْجِهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ أَخْبَرَكَ عُثْمَانُ فقد صدقك وانصرف رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ أَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكُمُ اتَّفَقْتُمْ عَلَى كَذَا وَكَذَا» ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أُؤْمَرْ بِذَلِكَ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ لِأَنْفُسِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَقُومُوا وَنَامُوا، فَإِنِّي أَقُومُ وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَآكُلُ اللَّحْمَ وَالدَّسَمَ وَآتِي النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»، ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ وَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ حَرَّمُوا النِّسَاءَ وَالطَّعَامَ والطيب والنوم وشهوات الدنيا؟
أما إني فلست [٣] آمُرُكُمْ أَنْ تَكُونُوا قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي دِينَيْ تَرْكُ اللَّحْمِ وَالنِّسَاءِ، وَلَا اتِّخَاذُ الصَّوَامِعِ وَإِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الصَّوْمُ وَرَهْبَانِيَّتَهُمُ الْجِهَادُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا وَأَقِيمُوا الصلاة وآتوا
٨١٨- ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤١١ بدون إسناد نقلا عن المفسرين وأخرجه الطبري ١٢٣٤٨ عن قتادة و١٢٣٤٩ عن السدي بنحوه مرسلا.
وأصل الخبر عند البخاري ٥٠٦٣ ومسلم ١٤٠١ والنسائي (٦/ ٦٠) من حديث أنس.
(١) في المخطوط «فدل».
(٢) في المطبوع وط «الخولاء».
(٣) في «أسباب النزول» :«لست» بدون الفاء.
76
الزَّكَاةَ، وَصُومُوا رَمَضَانَ وَاسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ لَكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالتَّشْدِيدِ، شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَأُولَئِكَ بَقَايَاهُمْ في الديارات [١] وَالصَّوَامِعِ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ.
«٨١٩» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ رِشْدِينِ [٢] بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَنْعُمَ [٣] عَنْ سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ:
أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ائْذَنْ لَنَا فِي الْاخْتِصَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ منّا من خصى ولا من اختصى، [إن] [٤] خِصَاءُ أُمَّتِي الصِّيَامُ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لَنَا فِي السِّيَاحَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتَيِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لَنَا فِي التَّرَهُّبِ، فَقَالَ: «إِنَّ تَرَهُّبَ أُمَّتَيِ الْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ».
«٨٢٠» وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ الله إني [إذا] [٥] أصبت من اللحم انتشرت [٦] وَأَخَذَتْنِي شَهْوَةٌ، فَحَرَّمْتُ اللَّحْمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا
٨١٩- إسناده ضعيف لضعف رشدين بن سعد وابن أنعم، وهو عبد الرحمن بن زياد، وله علة أخرى، وهي الانقطاع بين سعد بن مسعود وعثمان بن مظعون.
وهو في «شرح السنة» ٤٨٥ بهذا الإسناد، وفي «الزهد» ٨٤٥ لابن الْمُبَارَكِ عَنْ رِشْدِينِ بْنِ سَعْدٍ.
ولقوله: «ليس منا من خصى واختصى» شاهد من حديث ابن عباس عند الطبراني في «الكبير» ١١٣٠٤ وإسناده ضعيف قال الهيثمي في «المجمع» ٧٣٢٢ وفيه معلّى بن هلال، وهو متروك اهـ.
ولقوله «خصاء أمتي الصيام» شاهد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو عند أحمد (٢/ ١٧٣) والطبراني كما في «المجمع» ٧٣٢٠ وقال الهيثمي: ورجاله ثقات، وفي بعضهم كلام اهـ.
وفي الباب من حديث عثمان بن مظعون عند الطبراني في «الكبير» ٨٣٢٠ «أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إني رجل تشق علي هذه العزبة في المغازي، فتأذن لي فأختصي؟ قال: «لا ولكن عليك يا ابن مظعون بالصيام فإنها مجفرة».
قال الهيثمي في «المجمع» ٧٣٢١: وفيه عبد الملك بن قدامة الجمحي، وثقه ابن معين وغيره وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات اهـ.
ولفظ الحديث في الصحيح عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قال: «أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل، فنهاه رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم عنه» قال سعد: فلو أجاز له ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم لاختصينا.
أخرجه البخاري ٥٠٧٣ و٥٠٧٤ ومسلم ١٤٠٢ والترمذي ١٠٨٣ وابن ماجه ١٨٤٨ والنسائي (٦/ ٥٨) وأحمد (١/ ١٧٥ و١٧٦ و١٨٣) وابن حبان ٤٠٢٧ والبيهقي (٧/ ٧٩).
ولقوله «إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله» شاهد من حديث أبي أمامة عند أبي داود ٢٤٨٦ والطبراني في «الكبير» ٧٧٠٨ و٧٧٦٠ والحاكم «٢/ ٧٣» وصححه، ووافقه الذهبي، وكذا صححه عبد الحق في «أحكامه».
٨٢٠- أخرجه الترمذي ٣٠٥٤ والطبري ١٢٣٥٤ وابن عدي (٥/ ١٧٠) والواحدي ٤١٠ من حديث ابن عباس، وفيه عثمان بن سعد الكاتب، وهو ضعيف كما في «التقريب»، وقال الترمذي: حسن غريب، ورواه بعضهم مرسلا اهـ.
وأعله ابن عدي بضعف عثمان الكاتب، لكن للحديث شواهد وطرق، وهو في «صحيح الترمذي» (٣/ ١٠٤٦).
(١) في المطبوع «الديار».
(٢) وقع في الأصل «رشد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٣) وقع في الأصل «أبو نعيم» والتصويب عن «شرح السنة» و «زهد ابن المبارك» وكتب التراجم.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) ما بين المعقوفتين زيادة من كتب الحديث. [.....]
(٦) في الأصل «فانتشرت».
77
طَيِّباتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ.
يَعْنِي: اللَّذَّاتَ الَّتِي تَشْتَهِيهَا النُّفُوسُ، مما أحلّ الله لَكُمْ مِنَ الْمَطَاعِمِ الطَّيِّبَةِ وَالْمُشَارِبِ اللذيذة، وَلا تَعْتَدُوا، وَلَا تُجَاوِزُوا الْحَلَالَ إِلَى الْحَرَامِ، وَقِيلَ: [هُوَ] [١] جَبُّ الْمَذَاكِيرِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.
[سورة المائدة (٥) : آية ٨٨]
وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨)
وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: الْحَلَالُ مَا أَخَذْتَهُ مِنْ وَجْهِهِ، وَالطَّيِّبُ مَا غَذَّى وَأَنْمَى، فَأَمَّا الْجَوَامِدُ كَالطِّينِ وَالتُّرَابِ وَمَا لَا يُغَذِّي فَمَكْرُوهٌ إِلَّا عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ.
«٨٢١» أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ أَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ وَسَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ.
[سورة المائدة (٥) : آية ٨٩]
لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا نَزَلَتْ لَا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ [المائدة: ٨٧]، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَيْمَانِنَا الَّتِي حَلَفْنَا عَلَيْهَا؟
وَكَانُوا حَلَفُوا عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَقَّدْتُمُ بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ «عَاقَدْتُمْ» بِالْأَلْفِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ «عَقَّدْتُمْ» بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ: وَكَّدْتُمْ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ قَصَدْتُمْ وَتَعَمَّدْتُمْ، فَكَفَّارَتُهُ، أَيْ: كَفَّارَةُ مَا عَقَدْتُمُ الْأَيْمَانَ إِذَا حَنِثْتُمْ، إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مِنَ الطَّعَامِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ رَطْلٌ وَثُلُثٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ، وَكَذَلِكَ في جميع
٨٢١- إسناده صحيح، رجاله ثقات مشاهير، أبو أسامة هو حماد بن أسامة.
وهو في «شرح السنة» ٢٨٥٩ بهذا الإسناد، وفي «سنن الترمذي» ١٨٣١ وفي «الشمائل» ١٦٤ عن أحمد وسلمة ومحمود بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٥٤٣١ و٥٥٩٩ و٥٦١٤ و٥٦٨٢ و٦٩٧٢ ومسلم ١٤٧٤ ح ٢١ وأبو داود ٣٧١٥ وابن ماجه ٣٣٢٣ وأحمد (٦/ ٥٩) وأبو يعلى ٤٧٤١ وأبو الشيخ في «أخلاق النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ص ٢٠٣ من طرق عن أبي أسامة به.
وأخرجه البخاري ٥٢٦٨ و٥٢١٦ ومسلم ١٤٧٤ والدارمي (٢/ ١٠٧) وأبو الشيخ ص ٢٠٣ والبغوي في «شرح السنة» ٢٨٦٠ من طرق علي بن مسهر عن هشام به.
وأخرجه البخاري ٥٢٦٧ و٦٦٩١ ومسلم ١٤٧٤ والنسائي (٦/ ١٥١) و (٧/ ٧١) وأحمد (٦/ ٢٢١) من طرق عن أبي جريج عن عطاء أنه سمع عبيد الله بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سُمِعَتْ عَائِشَةُ.... فذكره.
(١) زيادة عن المخطوط.
78
الْكَفَّارَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ والقاسم وسليمان بن يسار وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدَّانِ، وَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنْ أَطْعَمَ مِنَ الْحِنْطَةِ فَنِصْفُ صَاعٍ، وَإِنْ أَطْعَمَ مِنْ غَيْرِهَا فَصَاعٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَكَمِ، وَلَوْ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ لَا يَجُوزُ، وجوّزه أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَا تَجُوزُ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَلَا الْخُبْزُ وَلَا الدَّقِيقُ، بَلْ يَجِبُ إِخْرَاجُ الْحَبِّ إِلَيْهِمْ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ ذَلِكَ، وَلَوْ صَرَفَ الْكُلَّ إِلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَصْرِفَ طَعَامَ عَشْرَةٍ إِلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ إِلَّا إِلَى مُسْلِمٍ حُرٍّ مُحْتَاجٍ، فَإِنْ صُرِفَ إِلَى ذِمِّيٍّ [أَوْ عَبْدٍ أَوْ غَنِيٍّ لَا يَجُوزُ] [١]، وَجَوَّزَ أَبُو حنيفة رضي الله عنه صَرْفَهَا إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ صَرْفَ الزَّكَاةِ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ، أَيْ: مِنْ خَيْرِ قُوتِ عِيَالِكُمْ، وَقَالَ عُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ: الْأَوْسَطُ الْخُبْزُ وَالْخَلُّ، وَالْأَعْلَى الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ، والأدنى الخبز البحت والكل مجز، قَوْلُهُ تَعَالَى:
أَوْ كِسْوَتُهُمْ، كُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَهُوَ فيها إِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَشَرَةً مِنَ الْمَسَاكِينِ، وَإِنْ شَاءَ كَسَاهُمْ، وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ رَقَبَةً، فَإِنِ اخْتَارَ الْكُسْوَةَ، فَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهَا، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَكْسُو كُلَّ مِسْكِينٍ ثَوْبًا وَاحِدًا مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْكُسْوَةِ، إِزَارٌ أَوْ رِدَاءٌ أَوْ قَمِيصٌ [أَوْ سَرَاوِيلُ] [٢] أو عمامة أو كساء أو نحوها، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مَا تَجُوزُ فِيهِ صَلَاتُهُ، فَيَكْسُو الرِّجَالَ ثَوْبًا وَاحِدًا وَالنِّسَاءَ ثَوْبَيْنِ دِرْعًا وَخِمَارًا، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: لِكُلِّ مِسْكِينٍ ثَوْبَانِ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَإِذَا اخْتَارَ الْعِتْقَ يَجِبُ إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْكَفَّارَاتِ، مِثْلُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، يَجِبُ فِيهَا إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالثَّوْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِعْتَاقَ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فِي جَمِيعِهَا إِلَّا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَيَّدَ الرَّقَبَةَ فِيهَا بِالْإِيمَانِ، قُلْنَا: الْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَيَّدَ الشَّهَادَةَ بِالْعَدَالَةِ فِي مَوْضِعٍ، فَقَالَ: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطَّلَاقِ: ٢]، وَأُطْلِقَ فِي مَوْضِعٍ فَقَالَ:
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٢]، ثُمَّ الْعَدَالَةُ شَرْطٌ فِي جَمِيعِهَا حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، كَذَلِكَ هَاهُنَا [٣]، وَلَا يَجُوزُ إِعْتَاقُ الْمُرْتَدِّ بِالِاتِّفَاقِ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ سَلِيمَ الرِّقِّ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ مُكَاتِبًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ عَبْدًا اشْتَرَاهُ [٤] بِشَرْطِ الْعِتْقِ أَوِ اشْتَرَى قَرِيبَهُ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ، يُعْتِقُ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ عَنِ الْكَفَّارَةِ، وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَدَّى شَيْئًا مِنَ النُّجُومِ، وَعِتْقَ الْقَرِيبِ عَنِ الْكَفَّارَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الرَّقَبَةُ سَلِيمَةً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا حَتَّى لَا يَجُوزَ مَقْطُوعُ إِحْدَى الْيَدَيْنِ، أَوْ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ، وَلَا الْأَعْمَى وَلَا الزَّمِنُ وَلَا الْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ، وَيَجُوزُ الْأَعْوَرُ وَالْأَصَمُّ وَمَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ وَالْأَنْفِ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ لَا تَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُلُّ عَيْبٍ يُفَوِّتُ جِنْسًا مِنَ الْمَنْفَعَةِ [عَلَى الْكَمَالِ] [٥] يَمْنَعُ الْجَوَازَ، حَتَّى جَوَّزَ مَقْطُوعَ إِحْدَى الْيَدَيْنِ، وَلَمْ يُجَوِّزْ مَقْطُوعَ الْأُذُنَيْنِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، إِذَا عَجَزَ الَّذِي لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عَنِ الْإِطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ وَتَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ، يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامِ، وَالْعَجْزُ أَنْ لَا يَفْضُلَ من
(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «هذا».
(٤) في المطبوع «اشتري».
(٥) زيادة عن ط.
79
مَالِهِ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ وَحَاجَتِهِ مَا يُطْعِمُ أَوْ يَكْسُو أَوْ يُعْتِقُ فَإِنَّهُ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا مَلَكَ مَا يُمْكِنُهُ الْإِطْعَامَ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ كِفَايَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ الصِّيَامُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ التَّتَابُعِ [فِي هَذَا الصَّوْمِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ] [١]، بَلْ إِنْ شَاءَ تَابِعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ، وَالتَّتَابُعُ أَفْضَلُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ قِيَاسًا عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «صيام ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ». ذلِكَ، أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ، كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ، وَحَنِثْتُمْ، فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى جَوَازِهِ.
«٨٢٢» لِمَا رُوِّينَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ».
وَهُوَ قول عمر وابن عباس وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: إِنْ كَفَّرَ بالصوم قبل الحنث لأنه يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَدَنِيٌّ، إِنَّمَا يَجُوزُ بِالْإِطْعَامِ أَوِ الْكُسْوَةِ أَوِ الْعِتْقِ كَمَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ، وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ صَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ تَرْكَ الْحَلِفِ، أي: لا تحلفوا، وقيل: هو الْأَصَحُّ، أَرَادَ بِهِ: إِذَا حَلَفْتُمْ فَلَا تَحْنَثُوا، فَالْمُرَادُ مِنْهُ حِفْظُ الْيَمِينِ عَنِ الْحِنْثِ هَذَا إِذَا لم يكن يَمِينُهُ عَلَى تَرْكِ مَنْدُوبٍ أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ، فَإِنْ حَلِفَ عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ أَوْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ وَيُكَفِّرَ، لِمَا:
«٨٢٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ أَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُوتِيَتْهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ».
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٩٠ الى ٩١]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١).
٨٢٢- تقدم في سورة البقرة آية: ٢٢٤.
٨٢٣- إسناده على شرط البخاري ومسلم، الحسن هو ابن أبي الحسن البصري.
وهو في «شرح السنة» ٢٤٢٩ بهذا الإسناد. وفي «صحيح البخاري» ٧١٤٦ عن حجاج بن منهال بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٦٦٢٢ و٦٧٢٢ و٧١٤٦ و٧١٤٧ ومسلم ١٦٥٢ والترمذي ١٥٢٩ وأحمد (٥/ ٦٢ و٦٣) والدارمي (٢/ ١٨٦) وابن حبان ٤٣٤٨ والبيهقي (١٠/ ١٠٠) من طرق عن الحسن به.
وأما صدره دون الحلف فقد أخرجه مسلم (٣/ ١٤٥٩ ح ١٣) وأبو داود ٢٩٢٩ والنسائي (٨/ ٢٢٥) وابن الجارود ٩٩٨ من طرق عن الحسن به.
وأما عجزه دون السؤال عن الإمارة فقد أخرجه مسلم ١٦٥٢ وأبو داود ٣٢٧٧ و٣٢٧٨ والنسائي (٧/ ١٠ و١٢) والطيالسي ١٣٥١ وأحمد (٥/ ٦١) وابن الجارود ٩٢٩ والبيهقي (١٠/ ٥٣) من طرق عن الحسن به.
(١) سقط من المخطوط.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ، أَيِ: الْقِمَارُ، وَالْأَنْصابُ، يَعْنِي: الْأَوْثَانَ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْصِبُونَهَا، وَاحِدُهَا نَصْبٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الصَّادِ، وَنُصْبٌ بِضَمِّ النُّونِ مُخَفَّفًا ومثقلا، وَالْأَزْلامُ، يعني: القداح التي يستسقون بِهَا وَاحِدُهَا زَلَمٌ، رِجْسٌ، خَبِيثٌ مُسْتَقْذَرٌ، مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ، مِنْ تزينيه، فَاجْتَنِبُوهُ، رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الرِّجْسِ، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، أما العداوة فِي الْخَمْرِ فَإِنَّ الشَّارِبِينَ إِذَا سَكِرُوا عَرْبَدُوا وَتَشَاجَرُوا، كَمَا فَعَلَ الْأَنْصَارِيُّ الَّذِي شَجَّ سَعْدَ بْنَ أبي وقاص بلحي الجمل، وأمّا الْعَدَاوَةُ فِي الْمَيْسِرِ، قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الرَّجُلُ يُقَامِرُ عَلَى الْأَهْلِ وَالْمَالِ ثُمَّ يَبْقَى حَزِينًا مَسْلُوبَ الأهل والمال مغتاظا على خرقائه [١]، وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنِ اشْتَغَلَ بشرب الخمر والقمار أَلْهَاهُ ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَشَوَّشَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ كَمَا فَعَلَ بِأَضْيَافِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، تَقَدَّمَ رَجُلٌ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ صَلَاةَ المغرب بعد ما شَرِبُوا فَقَرَأَ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) [الكافرون: ١]، أعبد، بِحَذْفٍ لَا، فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ؟ أي: انتهوا لفظة اسْتِفْهَامٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ؟
[الأنبياء: ٨٠].
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٩٢ الى ٩٤]
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٤)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا، الْمَحَارِمَ وَالْمَنَاهِيَ، فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ، وفي وعيد شارب الخمر [ما] [٢] :
«٨٢٤» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفُورَانِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ الْمَحْمُودِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَاسَرْجِسِيُّ بِنَيْسَابُورَ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ قُدَامَةَ حَدَّثَنَا أَخِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عمر:
٨٢٤- حديث صحيح. إسناده ضعيف لضعف عبد الملك بن قدامة، وصالح بن قدامة مقبول، لكن المتن صحيح لشواهده.
وهو في «شرح السنة» ٢٩٠٨ بهذا الإسناد.
وورد بنحوه من وجه آخر عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عبد الله بن عبيد الله بن عمير عن ابن عمر به عند الترمذي ١٨٦٢ والطيالسي ١٧٢٠ وأبو يعلى ٥٦٨٦ والبغوي في «شرح السنة» ٢٩١٠ وعجزه «قيل: يا أبا عبد الرحمن، وما نهر الخبال؟
قال: نهر من صديد أهل النار»
.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن اهـ.
وله شاهد من حديث جابر أخرجه مسلم ٢٠٠٢ والنسائي (٨/ ٣٢٧) وأحمد (٣/ ٣٦١) وابن حبان ٥٣٦٠ والبزار ٢٩٢٧ والبيهقي (٨/ ٢٩١، ٢٩٢) في «الشعب» ٥٥٧٩ والبغوي في «شرح السنة» ٢٩٠٩.
وآخر مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو عند النسائي (٨/ ٣١٧) وابن ماجه ٣٣٧٧ وأحمد (٢/ ١٧٦) وابن حبان ٥٣٥٧ والدارمي (٢/ ١١١) والبيهقي في «الشعب» ٥٥٨١.
(١) في المخطوط وط «حرفائه».
(٢) زيادة عن المخطوط. [.....]
81
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «كلّ مسكر حرام، وإن حَتْمًا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَشْرَبَهُ عَبْدٌ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ، هَلْ تَدْرُونَ مَا طِينَةُ الْخَبَالِ» ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ».
«٨٢٥» وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ».
«٨٢٦» وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ أُبَيٍّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأصم أنا
٨٢٥- إسناده صحيح، أبو إسحاق ثقة، وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» ٢٩٠٦ بهذا الإسناد، وفي «الموطأ» (٢/ ٨٤٦) عن نافع به.
وأخرجه البخاري ٥٥٧٥ ومسلم ٢٠٠٣ وأبو داود ٣٦٧٩ والترمذي ١٨٦١ والنسائي (٨/ ٢٩٧ و٣١٨) وعبد الرزاق ١٧٠٥٧ وابن أبي شيبة (٨/ ١٩١) وأحمد (٢/ ١٩ و٢١ و٢٨) والدارقطني (٤/ ٢٤٨) وابن حبان ٥٣٦٦ والطحاوي (٤/ ٢١٦) والبيهقي (٨/ ٣٩٣) من طرق عن نافع به.
وانظر ما تقدم.
٨٢٦- حديث صحيح بشواهده.
إسناده لين لأجل عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الغافقي، فإنه مقبول، لكن توبع، وللحديث شواهد يصح بها.
وأخرجه أبو يعلى ٥٥٩١ عن عبد العزيز بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود ٣٦٧٤ وابن ماجه ٣٣٨٠ وأحمد (٢/ ٢٥ و٧١) من طرق عن وكيع عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي وأبي طعمة أنهما سمعا ابن عمر.... وعند أبي داود «أبي علقمة» بدل «أبي طعمة».
وقال المزي في «تحفة الأشراف» (٥/ ٤٧٨، ٤٧٩) ما ملخصه: وفي حديث عثمان «وأبي علقمة مولاهم.....»
والصواب «أبو طعمة» اهـ.
وأخرجه أحمد (٢/ ٩٧) وأبو يعلى ٥٥٨٣ والبيهقي في «الشعب» ٥٥٨٣ من طرق عن فليح عن سعيد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه.
وأخرجه الطيالسي ١٩٥٧ والبيهقي في «الشعب» ٥٥٧٠ من طريق أبي توبة المصري عن ابن عمر مرفوعا وفيه محمد بن أبي حميد، وهو ضعيف.
وأخرجه أحمد (٢/ ٧١) مطوّلا والبيهقي (٨/ ٢٨٧) من طريق ابن لهيعة حدثنا أبو طعمة قال: سمعت عبد الله بن عمر..... فذكره.
وأخرجه البيهقي (٨/ ٢٨٧) من طريق شريك عن عبد الله بن عيسى عن أبي طعمة عن ابن عمر به.
وأخرجه الحاكم (٤/ ١٤٤، ١٤٥) والطحاوي في «المشكل» ٣٣٤٢ والبيهقي (٨/ ٢٨٧) وفي «الشعب» ٥٥٨٤ من طرق عن ثابت بن يزيد الخولاني عن ابن عمر فذكره في أثناء خبر طويل، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وإسناده غير قوي إلا أنه صحيح لشواهده.
وأخرجه الطحاوي في «المشكل» ٣٣٤٣ م من طريق خالد بن يزيد عن شراحيل بن بكيل عن ابن عمر.
وله شواهد منها:
حديث أنس عند الترمذي ١٢٩٥ وابن ماجه ٣٣٨١ وقال الحافظ في «التلخيص» (٤/ ٧٣) : رواته ثقات اهـ.
وحديث ابن عباس عند أحمد (١/ ٣١٦) والحاكم (٤/ ١٥٤) والطبراني ١٢٩٧٦ والبيهقي في «الشعب» ٥٥٨٥ وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في «المجمع» ٨٢٠٢: رواه أحمد والطبراني، ورجاله ثقات اهـ.
وحديث ابن مسعود عند الطبراني في «الكبير» ١٠٠٥٦ والبزار ٢٩٣٧ وقال الهيثمي في «المجمع» (٥/ ٧٣) (٨٢٠١) :
وفيه عيسى بن أبي عيسى الحنّاط، وهو ضعيف اهـ.
وحديث عثمان بن أبي العاص عند الطبراني ٨٣٧٠ مختصرا وقال الهيثمي: وفيه عبيد الله بن موسى العطار، ولم أعرفه،
82
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عمر عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَافِقِيِّ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أنه قال: أشهد أني لَسَمِعَتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إليه وآكل ثمنها».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا الآية.
«٨٢٧» سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَالُوا لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُونَ مِنْ مَالِ الْمَيْسِرِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا، وَشَرِبُوا مِنَ الْخَمْرِ وَأَكَلُوا مِنْ مَالِ الْمَيْسِرِ، إِذا مَا اتَّقَوْا، الشِّرْكَ، وَآمَنُوا، وَصَدَّقُوا، وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا، الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ بَعْدَ تَحْرِيمِهِمَا، وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا، مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ، وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، قيل: معنى الأول إِذَا مَا اتَّقَوْا الشِّرْكَ، وَآمَنُوا وَصَدَّقُوا ثُمَّ اتَّقَوْا، أَيْ: دَاوَمُوا على ذلك التقوى، وآمنوا وازدادوا إِيمَانًا، ثُمَّ اتَّقَوُا الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا وَأَحْسَنُوا، وَقِيلَ: أَيِ: اتَّقَوْا بِالْإِحْسَانِ، وَكُلُّ مُحْسِنٍ مُتَّقٍ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ الْآيَةَ، نَزَلَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانُوا مُحْرِمِينَ ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِالصَّيْدِ، وَكَانَتِ الْوُحُوشُ تَغْشَى رِحَالَهُمْ مِنْ كَثْرَتِهَا فَهَمُّوا بِأَخْذِهَا فَنَزَلَتْ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ لِيَخْتَبِرَنَّكُمُ اللَّهُ، وَفَائِدَةُ الْبَلْوَى إظهار المطيع من المعاصي، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى الْبَلْوَى بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ، وَإِنَّمَا بعض، فقال بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ ابْتَلَاهُمْ بِصَيْدِ الْبَرِّ خَاصَّةً. تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ، يَعْنِي:
الْفَرْخَ وَالْبَيْضَ وَمَا لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفِرَّ مِنْ صِغَارِ الصَّيْدِ، وَرِماحُكُمْ، يَعْنِي: الْكِبَارَ مِنَ الصَّيْدِ، لِيَعْلَمَ اللَّهُ، لِيَرَى اللَّهُ، لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَهُ، مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ، أَيْ: يَخَافُ اللَّهَ وَلَمْ يَرَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ [الْأَنْبِيَاءِ: ٩٤]، أَيْ: يَخَافُهُ فَلَا يَصْطَادُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ، أَيْ: صَادَ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ، فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: يُوجَعُ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ جلدا، ويسلب ثيابه.
[سورة المائدة (٥) : آية ٩٥]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٩٥)
وبقية رجاله ثقات اهـ. وقد وقع عند الطبراني «عبد الله» بدل «عبيد الله».
وأخرجه الطبراني في «الكبير» ٨٣٨٧ وفي «الأوسط» ٤١٠٢ من وجه آخر من حديث عثمان بن أبي العاص. قال الهيثمي ٦٤٠٩: وفيه عبد الله بن عيسى الخزاز، وهو ضعيف اهـ.
٨٢٧- أخرجه الطبري ١٢٥٣٧ من حديث ابن عباس.
وأخرجه أحمد (٢/ ٣٥١) من حديث أبي هريرة بأتم منه، وقال الهيثمي في «المجمع» ٨٠٧٥: أبو وهب مولى أبي هريرة لم يجرحه أحد، ولم يوثقه، وأبو نجيح ضعيف لسوء حفظه، ووثقه غير واحد اهـ.
وضعف إسناده ابن حجر في «تخريج الكشاف» (١/ ٦٧٦).
وفي الصحيح عند البخاري ٢٤٦٤ ومسلم ١٩٨٠ عن أنس قال: كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر.... فذكر الحديث، وفيه: «.... فقالوا: قتل فلان، وقتل فلان، وهي في بطونهم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ.....».
83
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، أَيْ: مُحْرِمُونَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ [١]، وَهُوَ جَمْعُ حَرَامٍ، يُقَالُ: رَجُلٌ حَرَامٌ وَامْرَأَةٌ حَرَامٌ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ، يُقَالُ: أَحْرَمَ الرَّجُلُ إِذَا عَقَدَ الْإِحْرَامَ، وَأَحْرَمَ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ، نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْيُسْرِ شَدَّ عَلَى حِمَارِ وَحْشٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَتَلَهُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً، اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْعَمْدِ، [فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الْعَمْدُ] [٢] بِقَتْلِ الصَّيْدِ مَعَ نِسْيَانِ الْإِحْرَامِ، أَمَّا إِذَا قَتَلَهُ عَمْدًا وَهُوَ ذَاكِرٌ لِإِحْرَامِهِ فَلَا حُكْمَ عَلَيْهِ، وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ له كفارة، هذا قول مجاهد والحسن، وقال الآخرون: هُوَ أَنْ يَعْمِدَ الْمُحْرِمُ قَتْلَ الصَّيْدِ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ قَتَلَهُ خَطَأً، فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ سَوَاءٌ فِي لُزُومِ الكفارة، وقال الزُّهْرِيُّ: عَلَى الْمُتَعَمِّدِ بِالْكِتَابِ وَعَلَى الْمُخْطِئِ بِالسُّنَّةِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَا تَجِبُ كَفَّارَةُ الصَّيْدِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ، بَلْ يَخْتَصُّ بِالْعَمْدِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَجَزاءٌ مِثْلُ، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَيَعْقُوبُ فَجَزاءٌ مُنَوَّنٌ، مِثْلُ، رُفِعَ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْجَزَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْإِضَافَةِ فَجَزاءٌ مِثْلُ، مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ مِنَ النَّعَمِ، وَأَرَادَ بِهِ مَا يَقْرُبُ مِنَ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ شَبَهًا مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةِ لَا مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةِ، يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ، أَيْ: يَحْكُمُ بِالْجَزَاءِ رَجُلَانِ عَدْلَانِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا فَقِيهَيْنِ يَنْظُرَانِ إلى أشبه الأشياء [به] [٣] مِنَ النَّعَمِ فَيَحْكُمَانِ بِهِ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى إِيجَابِ الْمِثْلِ مِنَ النَّعَمِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، حَكَمُوا فِي بُلْدَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَزْمَانٍ شَتَّى بِالْمِثْلِ من النّعم، فحكم حاكمهم فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ وَهِيَ لَا تُسَاوِي بَدَنَةً، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بِبَقَرَةٍ وَهِيَ لَا تُسَاوِي بَقَرَةٍ، وَفِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَهِيَ لَا تساوي كبشا، فدلّ أَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى مَا يَقْرُبُ مِنَ الصَّيْدِ شَبَهًا مِنْ حَيْثُ الخلقة، وَتَجِبُ فِي الْحَمَامِ شَاةٌ، وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ مِنَ الطير، كالفاختة والقمري والدبسي، وروي عن عمر وعثمان و [عَنِ] ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَضَوْا فِي حَمَامِ مَكَّةَ بِشَاةٍ.
«٨٢٨» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ، وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ، وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ، وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ، أَيْ: يُهْدِي تِلْكَ الْكَفَّارَةَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَيَذْبَحُهَا بِمَكَّةَ وَيَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً، قَالَ الْفَرَّاءُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْعِدْلُ بِالْكَسْرِ: الْمِثْلُ مِنْ جِنْسِهِ، وَالْعَدْلُ بِالْفَتْحِ: الْمِثْلُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَأَرَادَ بِهِ أَنَّهُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ الْمِثْلَ مِنَ النَّعَمِ فَيَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، [وَبَيْنَ أَنْ يُقَوِّمَ المثل دراهم، والدراهم طعاما
٨٢٨- موقوف صحيح، رجاله رجال مسلم، وفيه عنعنة أبي الزبير لكن له شواهد وطرق عن عمر وغيره من الصحابة، وصدره له شاهد مرفوع.
وهو في «شرح السنة» ١٩٨٦ بهذا الإسناد، وفي «الموطأ» (١/ ٤١٤) عن أبي الزبير المكي به.
(١) في المخطوط ب، وحده «أو بالعمرة».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
84
فَيَتَصَدَّقَ بِالطَّعَامِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ] [١]، أَوْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنَ الطَّعَامِ يَوْمًا وَلَهُ أَنْ يَصُومَ حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْمَسَاكِينِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ لَمْ يُخْرِجِ الْمِثْلَ يُقَوِّمُ الصَّيْدَ ثُمَّ يَجْعَلُ الْقِيمَةَ طَعَامًا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، أَوْ يَصُومُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يَجِبُ الْمِثْلُ مِنَ النَّعَمِ، بَلْ يُقَوِّمُ الصَّيْدَ فَإِنْ شَاءَ صَرَفَ تِلْكَ الْقِيمَةَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النَّعَمِ، وَإِنْ شَاءَ إِلَى الطَّعَامِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ شعير يَوْمًا، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ: جَزَاءُ الصَّيْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالْآيَةُ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى التَّخْيِيرِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ، أَيْ: جَزَاءَ مَعْصِيَتِهِ، عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ، يَعْنِي: قَبْلَ التَّحْرِيمِ، وَنُزُولِ الْآيَةِ، قَالَ السُّدِّيُّ: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ، فِي الْآخِرَةِ. وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ، وَإِذَا تَكَرَّرَ مِنَ الْمُحْرِمِ قَتْلُ الصَّيْدِ فَيَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مُتَعَمِّدًا يُسْأَلُ هَلْ قَتَلْتَ قَبْلَهُ شَيْئًا مِنَ الصَّيْدِ؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُ: اذْهَبْ يَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْكَ، وَإِنْ قَالَ لَمْ أَقْتُلْ قَبْلَهُ شَيْئًا حُكِمَ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُمْلَأُ ظَهْرُهُ وَصَدْرُهُ ضَرْبًا وَجِيعًا، وَكَذَلِكَ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجٍّ وَهُوَ وَادٍ بِالطَّائِفِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُحْرِمِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ لَحْمِ الصَّيْدِ؟ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لا يحل بِحَالٍ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَاحْتَجُّوا بِمَا:
«٨٢٩» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللِّيثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا [وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ] [٢] فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
فَلَمَّا رَأَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي وَجْهِي، قَالَ: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ».
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ إِذَا لَمْ يَصْطَدْ بِنَفْسِهِ وَلَا اصْطِيدَ لِأَجْلِهِ أَوْ بِإِشَارَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَإِنَّمَا رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ مَا:
«٨٣٠» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عن مالك
٨٢٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
وهو في «شرح السنة» ١٩٨٠ بهذا الإسناد وفي «الموطأ» (١/ ٣٥٣) عن الزهري به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ١٨٢٥ و٢٥٧٣ ومسلم ١١٩٣ والنسائي (٥/ ١٨٣ و١٨٤) وابن الجارود في «المنتقى» ٤٣٦ والشافعي (١/ ٣٢٣) وابن حبان ٣٩٦٩ والطحاوي (٢/ ١٧٠) والطبراني ٧٤٤١ والبيهقي (٥/ ١٩١).
وأخرجه مسلم ١١٩٣ ح ٥١ وأحمد (٤/ ٧٢) وابن الجارود ٤٣٦ والطبراني ٧٤٢٩ من طرق عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزهري به، وهو في «مصنف عبد الرزاق» برقم ٨٣٢٢.
وأخرجه البخاري ٢٥٩٦ ومسلم ١١٩٣ ح ٥١ و٥٢ والترمذي ٨٤٩ وابن ماجه ٣٠٩٠ والشافعي (٢/ ١٠٣) والحميدي ٧٨٣ وأحمد (٤/ ٣٧ و٣٨ و٧١ و٧٢) وابن حبان ١٣٦ و٤٧٨٧ والبيهقي (٩/ ٧٨ و١٩٢) من طرق عن الزهري به.
وأخرجه مسلم ١١٩٤ ح ٥٣ و٥٤ والنسائي (٥/ ١٨٥) وأحمد (١/ ٣٦٢) وابن حبان ٣٩٧٠ من طرق عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابن عباس به.
٨٣٠- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو النضر هو سالم بن أبي أمية.
(١) سقط من المخطوط ب.
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
85
عَنْ أَبِي النَّضِرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رَبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى [إِذَا] [١] كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ، تَخَلَّفَ مَعَ أصحابه مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ وَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ تَعَالَى».
«٨٣١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَحْمُ الصَّيْدِ لَكُمْ فِي الْإِحْرَامِ حَلَالٌ، مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أو يصاد لَكُمْ».
قَالَ أَبُو عِيسَى: الْمُطَّلِبُ لَا نَعْرِفُ لَهُ سَمَاعًا مِنْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَإِذَا أَتْلَفَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنَ الصَّيْدِ لَا مِثْلَ لَهُ مِنَ النَّعَمِ مِثْلُ بَيْضٍ أَوْ طَائِرٍ دُونَ الْحَمَامِ فَفِيهِ قيمته [٢] يَصْرِفُهَا إِلَى الطَّعَامِ، فَيَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ يَصُومَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَرَادِ فَرَخَّصَ فِيهِ قَوْمٌ لِلْمُحْرِمِ وَقَالُوا: هُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ، فَإِنْ أَصَابَهَا فعليه صدقة، قال عمر:
وهو في «شرح السنة» ١٩٨١ بهذا الإسناد.
وفي «الموطأ» (١/ ٣٥٠) عن أبي النضر به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٢٩١٤ و٥٤٩٠ ومسلم ١١٩٦ ح ٥٧ وأبو داود ١٨٥٢ والترمذي ٨٤٧ والنسائي (٥/ ١٨٢) والشافعي (١/ ٣٢١) وأحمد (٥/ ٣٠١) وابن حبان ٣٩٧٥ والطحاوي (٢/ ١٧٣).
وأخرجه البخاري ١٨٢٣ ومسلم ١١٩٦ وعبد الرزاق ٨٣٣٨ والحميدي ٤٢٤ من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ صالح بن كيسان عن أبي النضر به.
وأخرجه البخاري ٥٤٩٢ من طريق ابن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ المصري عن أبي النضر به.
وورد من وجه آخر مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي قتادة بمعناه أخرجه البخاري ١٨٢١ و١٨٢٢ و٤١٤٩ ومسلم ١١٩٦ ح ٥٩ والنسائي (٥/ ١٨٥، ١٨٦) وابن ماجه ٣٠٩٣ وعبد الرزاق ٨٣٣٧ وأحمد (٥/ ١٩٠ و٣٠١) والدارمي (٢/ ٣٨) وابن حبان ٣٩٦٦ والدارقطني (٢/ ٢٩١) والبيهقي (٥/ ٣٢٢).
٨٣١- إسناده ضعيف جدا، إبراهيم متروك، والمطلب هو ابن عبد الله بن المطلب، لم يثبت سماعه من جابر، وهو كثير الإرسال، والرواية عمن لم يلقه راجع «التهذيب» (١٠/ ١٦١).
وهو في «شرح السنة» ١٩٨٢ بهذا الإسناد.
وفي «مسند الشافعي» (١/ ٣٢٢، ٣٢٣) عن إبراهيم بن محمد به.
وأخرجه أبو داود ١٨٥١ والترمذي ٨٤٦ والنسائي (٥/ ١٨٧) وابن حبان ٣٩٧١ والطحاوي (٢/ ١٧١) والدارقطني (٢/ ٢٩٠) والحاكم (١/ ٤٥٢) والبيهقي (٥/ ١٩٠) من طرق عن يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عمرو بن أبي عمرو به، وصححه الحاكم على شرط الشيخين! ووافقه الذهبي! وقال الترمذي: المطلب لا نعرف له سماعا من جابر. وصححه الحاكم على شرطهما! ووافقه الذهبي! ولم يرو الشيخان للمطلب شيئا.
وأخرجه الشافعي (١/ ٣٢٣) والطحاوي (٢/ ١٧١) والدارقطني (٢/ ٢٩٠، ٢٩١) من طرق عبد العزيز الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن رجل من بني سلمة عن جابر، وأخرجه الدارقطني من طريق الدراوردي عن سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو عن رجل من بني سلمة عن جابر.
وأخرجه الطحاوي (٢/ ١٧١) من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلّم وهذا الحديث وهم، وإنما هو عن جابر. [.....]
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) في المطبوع «قيمة».
86
فِي الْجَرَادِ تَمْرَةٌ، وَرُوِيَ عَنْهُ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَبْضَةٌ مِنْ طعام.
[سورة المائدة (٥) : آية ٩٦]
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَحْرِ جَمِيعُ الْمِيَاهِ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ وَطَعَامُهُ مَا رُمِيَ بِهِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: طَعَامُهُ مَا قَذَفَهُ الْمَاءُ إِلَى السَّاحِلِ مَيْتًا. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الْمَالِحُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صَيْدُهُ: طَرِيُّهُ، وَطَعامُهُ: مَالِحُهُ، مَتاعاً لَكُمْ، أَيْ: مَنْفَعَةً لَكُمْ، وَلِلسَّيَّارَةِ: يَعْنِي الْمَارَّةَ. وَجُمْلَةُ حَيَوَانَاتِ [١] الْمَاءِ عَلَى قِسْمَيْنِ: سَمَكٌ وَغَيْرُهُ، أَمَّا السَّمَكُ فَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ مَعَ اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا.
«٨٣٢» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «أحلّت لنا ميتتان: السمك والجراد».
فلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ مِنْ وُقُوعٍ عَلَى حجر أو انحسار الماء منه وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَمَّا غَيْرُ السَّمَكِ فَقِسْمَانِ: قِسْمٌ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ كَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ، فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ، وَقِسْمٌ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَلَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ إِلَّا عَيْشَ الْمَذْبُوحِ، فَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا السَّمَكَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ ميت الماء الكل حَلَالٌ، لِأَنَّ كُلَّهَا سَمَكٌ، وَإِنِ اختلف صُوَرُهَا [٢]، كَالْجَرِيثِ [٣] يُقَالُ لَهُ حَيَّةُ الْمَاءِ، وَهُوَ عَلَى شَكْلِ الْحَيَّةِ وَأَكْلُهُ مُبَاحٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ عمر وأبي بكر [وَابْنِ عُمَرَ] [٤] وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَا لَهُ نَظِيرٌ فِي الْبَرِّ يُؤْكَلُ، فَمَيْتَتُهُ مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ حَلَالٌ، مِثْلُ بَقَرِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ لَا يَحِلُّ مَيْتَتُهُ مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ، مِثْلُ كَلْبِ الْمَاءِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْحِمَارِ وَنَحْوِهَا، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كُلُّ شَيْءٍ عَيْشُهُ فِي الْمَاءِ فَهُوَ حَلَالٌ، قِيلَ: فَالتِّمْسَاحُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ أَنَّ أَهْلِي أَكَلُوا الضَّفَادِعَ لَأَطْعَمْتُهُمْ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِالسَّرَطَانِ بَأْسًا. وَظَاهِرُ الْآيَةِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَبَاحَ جَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ.
«٨٣٣» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أبو مصعب عن مالك
٨٣٢- تقدم في سورة البقرة آية: ١٧٣.
٨٣٣- حديث صحيح. إسناده حسن، سعيد بن سلمة وشيخه وثقهما النسائي وابن حبان، ورواية مالك لهما توثيق منه لكليهما، فقد قال ابن معين: كل من روى له مالك فهو ثقة.
وهو في «شرح السنة» ٢٨١ بهذا الإسناد، وفي «الموطأ» (١/ ٢٢) عن صفوان بن سليم به.
ومن طريق مالك أخرجه أبو داود ٨٣ والترمذي ٦٩ والنسائي (١/ ٥٠ و١٧٦) و (٧/ ٢٠٧) وابن ماجه ٣٨٦ و٣٢٤٦ والشافعي (١/ ١٩) وابن أبي شيبة (١/ ١٣١) والبخاري في «التاريخ الكبير» (٣/ ٤٧٨) وابن الجارود ٤٣ وابن خزيمة ١١١ وابن حبان ١٢٤٣ والحاكم (١/ ١٤٠) وصححه ووافقه الذهبي.
(١) في المخطوط «حيوان».
(٢) في المطبوع «صورتها».
(٣) في المخطوط «كالحريت».
(٤) زيادة عن المخطوط وط.
87
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سَلِيمٍ [١] عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ آلِ بَنِي الْأَزْرَقِ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْكَبُ فِي الْبَحْرِ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ».
«٨٣٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جريج أخبرني عمرو [٢] أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
غَزَوْتُ جَيْشَ الْخَبَطِ [٣] وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا [مَيْتًا] [٤] لَمْ نَرَ مِثْلَهُ، يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ، فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كُلُوا فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ
وأخرجه البخاري في «تاريخه» (٣/ ٤٧٨) والحاكم (١/ ١٤١) والبيهقي (١/ ٣) من طريق اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حبيب عن الجلاح عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي هريرة به.
وأخرجه الدارمي (١/ ١٨٥) عن المغيرة بن أبي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هريرة به.
قال الحافظ في «تهذيب التهذيب» (١٠/ ٢٣٠) : صحح حديث أبي هريرة: ابن خزيمة وابن حبان وابن المنذر والخطابي والطحاوي وابن مندة والحاكم وابن حزم والبيهقي وعبد الحق وآخرون.
وله شاهد من حديث جابر أخرجه ابن ماجه ٣٨٨ وأحمد (٣/ ٣٧٣) والدارقطني (١/ ٣٤) وابن خزيمة ١١٢ وابن حبان ١٢٤٤ والحاكم (١/ ١٤٣) والطبراني ١٧٥٩.
وفي الباب من حديث ابن عباس عند الدارقطني (١/ ٣٥) والحاكم (١/ ١٤٢ و١٤٣).
ومن حديث أنس عند عبد الرزاق ٣٣٠ والدارقطني (١/ ٣٥).
ومن حديث علي بن أبي طالب عند الدارقطني (١/ ٣٥) والحاكم (١/ ١٤٢ و١٤٣).
ومن حديث عبد الله بن عمرو عند الدارقطني (١/ ٣٥) والحاكم (١/ ١٤٣).
٨٣٤- إسناده صحيح على شرط البخاري، حيث تفرد عن مسدد دون مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، مسدد هو ابن مسرهد، يحيى هو ابن سعيد القطان، ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز.
وهو في «شرح السنة» ٢٧٩٨ بهذا الإسناد، وفي «صحيح البخاري» ٤٣٦٢ عن مسدد به.
وأخرجه البخاري ٤٣٦١ ومسلم ١٩٣٥ ح ١٨ والنسائي (٧/ ٢٠٧، ٢٠٨) وعبد الرزاق ٨٦٦٧ والحميدي ١٢٤٢ وأحمد (٣/ ٣٠٨، ٣٠٩) والدارمي (٢/ ٩١، ٩٢) وابن حبان ٥٢٥٩ والبيهقي (٩/ ٢٥١) من طرق عن سفيان عن عمرو بن دينار به.
وأخرجه البخاري ٥٤٩٣ وأحمد (٣/ ٣١١) والبيهقي (٩/ ٢٥١) من طريقين عن عمرو بن دينار به.
وأخرجه مسلم ١٩٣٥ ح ١٧ وأبو داود ٣٨٤٠ والنسائي (٧/ ٢٠٨ و٩٠٢) وعبد الرزاق ٨٦٦٨ والطيالسي ١٧٤٤ وابن أبي شيبة (٥/ ٣٨١) وأحمد (٣/ ٣٠٣ و٣١١) وأبو يعلى ١٩٢٠ و١٩٥٤ وابن حبان ٥٢٦٠ وابن الجارود ٨٧٨ والبيهقي (٩/ ٢٥١) من طرق عن أبي الزبير مطوّلا.
وأخرجه البخاري ٢٤٨٣ و٤٣٦٠ ومسلم ١٩٣٥ ح ٢١ ومالك (٢/ ٩٣٠) وابن حبان ٥٢٦٢ والبيهقي (٩/ ٢٥٢) والبغوي ٢٨٠٠ من طرق عن وهب بن كيسان عن جابر به.
(١) وقع في الأصل «سلمان» والتصويب عن «شرح السنة» و «الموطأ».
(٢) وقع في الأصل «عمر» وهو تصحيف.
(٣) الخبط: ورق الشجر يضرب بالعصا فيسقط، سموا جيش الخبط لأنهم اضطروا إلى أكله.
(٤) زيادة عن المخطوط وط. [.....]
88
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ إِلَيْكُمْ، أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ»، فأتاه بعضهم بشيء منه فأكله [١].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، صَيْدُ الْبَحْرِ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ، كَمَا هُوَ حَلَالٌ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ، أَمَّا صَيْدُ البرّ فحرام على المحرم [و] في الْحَرَمِ، وَالصَّيْدُ: هُوَ الْحَيَوَانُ الْوَحْشِيُّ الَّذِي يَحِلُّ أَكْلُهُ، أَمَّا مَا [لَا] [٢] يَحِلُّ أَكْلُهُ فَلَا يَحْرُمُ بسبب الإحرام، ويحرم أَخْذُهُ وَقَتْلُهُ، وَلَا جَزَاءَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ إِلَّا الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا يُؤْكَلُ، كَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالظَّبْيِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيَجِبُ بِقَتْلِهِ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ، لِأَنَّ فِيهِ جَزَاءٌ مِنَ الصَّيْدِ.
«٨٣٥» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ [٣] بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ: الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ».
«٨٣٦» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ السَّبُعَ الْعَادِي».
«٨٣٧» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَمْسٌ قَتْلُهُنَّ حَلَالٌ فِي الْحَرَمِ: الْحَيَّةُ والعقرب والحدأة
٨٣٥- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بكر.
وهو في «شرح السنة»
١٩٨٣ بهذا الإسناد، وفي «الموطأ» (١/ ٣٥٦) عن نافع به.
وأخرجه البخاري ١٨٢٦ ومسلم ١١٩٩ والنسائي (٥/ ١٨٧، ١٨٨ و١٨٩ و١٩٠) وعبد الرزاق ٨٣٧٥ وأحمد (٢/ ٣٢ و٤٨ و٦٥ و٨٢ و١٣٨) وابن حبان ٣٩٦١ والبيهقي (٥/ ٢٠٩) و (٩/ ٣١٥) من طرق عن نافع به.
وأخرجه البخاري ١٨٢٦ و٣٣١٥ ومسلم ١١٩٩ ح ٧٩ ومالك (١/ ٣٥٦) وأحمد (٢/ ١٣٨) والطحاوي (٢/ ١٦٦) وابن حبان ٣٩٦٢ والبيهقي (٩/ ٣١٥) من طرق عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عن ابن عمر به.
وأخرجه مسلم ١١٩٩ وأبو داود ١٨٤٦ والنسائي (٥/ ١٩٠) والحميدي ٦١٩ وأحمد (٢/ ٨٢) وابن الجارود ٤٤٠ والبيهقي (٥/ ٢٠٩، ٢١٠) و (٩/ ٣١٦) من طرق عن سفيان عن الزهري عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر عن أبيه.
٨٣٦- أخرجه أبو داود ١٤٤٨ وابن ماجه ٣٠٨٩ والطحاوي (١/ ٣٨٥) والبيهقي (٥/ ٢١٠) وأحمد (٣/ ٣ و٣٢ و٧٩) من طرق عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نعيم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عما يقتل المحرم. قال: الحية والعقرب والفويسقة، ويرمي الغراب ولا يقتله، والكلب العقور، والحدأة، والسبع العادي».
وأخرجه الترمذي ٣٣٨ من هذا الوجه دون لفظ: «سئل» وقال الترمذي: حديث حسن والعمل عليه عند أهل العلم قالوا: المحرم يقتل السبع العادي اهـ.
ولعل الترمذي حسنه لشواهده، وإلا فيزيد قال عنه ابن حجر في «التقريب» : ضعيف، كبر فصار يتلقن اهـ.
وقال الحافظ في «التلخيص» (٢/ ٢٧٤) : وفيه لفظة منكرة، وهي قوله: «ويرمي الغراب ولا يقتله» قال النووي في «المهذب» : إن صح هذا الخبر حمل قوله هذا على أنه لا يتأكد ندب قتله كتأكده في الحية وغيرها، وفي سنن سعيد بن منصور عن حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن ابن سيلان عن أبي هريرة قال: الكلب العقور الأسد اهـ.
وبكل حال الحديث يتأيد بما قبله وبما بعده أيضا، والله أعلم.
٨٣٧- صحيح. أخرجه أبو داود ١٨٤٧ والطحاوي (١/ ٣٨٤) والبيهقي (٥/ ٢١٠) من طرق عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة به، وإسناده حسن، رجاله ثقات، وللحديث شواهد.
(١) في المطبوع «فأكلوه».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) وقع في الأصل «زهير» والتصويب من «شرح السنة».
89
وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ»، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: الْكَلْبُ الْعَقُورُ كُلُّ سَبُعٍ [يَعْقِرُ] [١]، وَمِثْلُهُ عَنْ مَالِكٍ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ فِي قَتْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، مِنَ الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهَا إِلَّا الْأَعْيَانَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْخَبَرِ، وَقَاسُوا عَلَيْهَا الذِّئْبَ فَلَمْ يُوجِبُوا فِيهِ الْكَفَّارَةَ، وَقَاسَ الشافعي عَلَيْهَا جَمِيعَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَعْيَانٍ بَعْضُهَا سِبَاعٌ ضَارِيَةٌ وَبَعْضُهَا هَوَامٌ قَاتِلَةٌ وَبَعْضُهَا طَيْرٌ لَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَى السِّبَاعِ وَلَا هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْهَوَامِ، وَإِنَّمَا هِيَ حَيَوَانٌ مُسْتَخْبَثُ اللَّحْمِ، وَتَحْرِيمُ الْأَكْلِ يَجْمَعُ الْكُلَّ فَاعْتَبَرَهُ وَرَتَّبَ الحكم عليه.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٩٧ الى ٩٨]
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: سُمِّيَتْ كَعْبَةً لِتَرْبِيعِهَا وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ بَيْتٍ مُرَبَّعٍ كَعْبَةً، قَالَ مُقَاتِلٌ: سُمِّيَتْ كَعْبَةً لِانْفِرَادِهَا مِنَ الْبِنَاءِ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ كَعْبَةً لِارْتِفَاعِهَا مِنَ الْأَرْضِ، وَأَصْلُهَا مِنَ الْخُرُوجِ وَالِارْتِفَاعِ، وَسُمِّيَ الْكَعْبُ كَعْبًا لِنُتُوئِهِ، وَخُرُوجِهِ مِنْ جَانِبَيِ الْقَدَمِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْجَارِيَةِ إِذَا قَارَبَتِ الْبُلُوغَ وَخَرَجَ ثَدْيُهَا: تَكَعَّبَتْ، وَسُمِّيَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَهُ وَعَظَّمَ حُرْمَتَهُ.
«٨٣٨» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ».
قِياماً لِلنَّاسِ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ قِيَمًا بِلَا أَلْفٍ وَالْآخَرُونَ قِيَامًا بِالْأَلْفِ، أَيْ: قَوَامًا لَهُمْ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، أَمَّا الدِّينُ لِأَنَّ بِهِ يَقُومُ الْحَجُّ وَالْمَنَاسِكُ، وَأَمَّا الدُّنْيَا فِيمَا يُجْبَى إِلَيْهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ، وكانوا يأمنون فيه من النهب [٢] وَالْغَارَةِ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ أَحَدٌ فِي الْحَرَمِ [٣]، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [الْعَنْكَبُوتِ: ٦٧]، وَالشَّهْرَ الْحَرامَ، أَرَادَ بِهِ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ، وَهِيَ ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ، أَرَادَ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ قِيَامًا لِلنَّاسِ يَأْمَنُونَ فِيهَا الْقِتَالَ، وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ، أراد أنهم كانوا يأمنون بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ، فَذَلِكَ الْقَوَامُ فِيهِ، ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، فَإِنْ قِيلَ: أَيُّ اتِّصَالٍ لِهَذَا الْكَلَامِ بِمَا قَبْلَهُ، قِيلَ: أَرَادَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جعل الكعبة قياما للنّاس لأن الله تعالى يَعْلَمُ صَلَاحَ الْعِبَادِ كَمَا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قَدْ سَبَقَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْإِخْبَارُ عَنِ الْغُيُوبِ وَالْكَشْفُ عَنِ الْأَسْرَارِ، مِثْلُ قَوْلِهِ:
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ [المائدة: ٤١]، وَمِثْلُ إِخْبَارِهِ بِتَحْرِيفِهِمُ الْكُتُبَ وَنَحْوَ ذلك، فقوله
وفي الباب من حديث عائشة بلفظ «خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ والحرم: الحية والغراب الأبقع والفأرة، والكلب العقور والحدأة».
أخرجه البخاري ١٨٢٩ ومسلم ١١٩٨ والترمذي ٨٣٧ وابن ماجه ٣٠٨٧.
٨٣٨- صحيح. أخرجه البخاري ١٥٨٧ و١٨٣٤ و٢٧٨٣ ومسلم ١٣٥٣ وأبو داود ٢٠١٨ و٢٤٨٠ والترمذي ١٥٩٠ والنسائي (٥/ ٢٠٣، ٢٠٤) و (٧/ ١٤٦) وعبد الرزاق ٩٧١٣ وأحمد (١/ ٢٢٦ و٢٥٥ و٣٥٩) وابن حبان ٣٧٢٠ والطبراني ١٠٩٤٤ وابن الجارود ٥٠٩ والبيهقي (٥/ ١٩٥) و (٩/ ١٦) من حديث ابن عباس بأتم منه، ولم يذكر في بعض الروايات قوله «يوم خلق السموات والأرض» وتقدم مرارا.
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) في المطبوع وحده «النهار» وهو تصحيف.
(٣) في المطبوع «الحرام».
ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ رَاجِعٌ إِلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨).
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٩٩ الى ١٠١]
مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٩٩) قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١)
مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ، التَّبْلِيغُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ.
قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ، أَيِ: الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ أَعْجَبَكَ، سَرَّكَ، كَثْرَةُ الْخَبِيثِ، نَزَلَتْ فِي شُرَيْحِ بْنِ ضُبَيْعَةَ [١] الْبَكْرِيِّ، وَحَجَّاجِ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَلَا تَتَعَرَّضُوا لِلْحُجَّاجِ وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ، وَقَدْ مَضَتِ الْقِصَّةُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، يَا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، الْآيَةَ.
«٨٣٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ أَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ [٢] بِالْمَسْأَلَةِ، فَغَضِبَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ»، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِذَا كلّ [٣] رَجُلٌ لَافٌّ رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ يَبْكِي، فَإِذَا رَجُلٌ كَانَ إِذَا لَاحَى [٤] الرِّجَالُ يُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «حُذَافَةُ»، ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأَيْتُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قط، أن صُوِّرَتْ لِيَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا وَرَاءَ الْحَائِطِ»، وَكَانَ قَتَادَةُ يَذْكُرُ عِنْدَ هَذَا الْحَدِيثِ هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.
«٨٤٠» وَقَالَ يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ: مَا سَمِعْتُ بِابْنٍ قط أعقّ منك، آمنت أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ قَدْ قَارَفَتْ [٥] بعض ما تقارف نساء
٨٣٩- إسناده صحيح على شرط البخاري، هشام هو ابن عبد الله، قتادة هو ابن دعامة.
وهو في «الأنوار» ٢٨٥ بهذا الإسناد.
وأخرجه في «صحيح البخاري» ٦٣٦٢ عن حفص بن عمر به.
وأخرجه مسلم ٢٣٥٩ ح ١٣٧ وابن حبان ٦٤٢٩ عن قتادة به.
وانظر ما تقدم برقم ٤٩٧.
٨٤٠- هو عند مسلم ١٣٦ عن ابن شهاب به في أثناء حديث. ويشهد له حديث أبي هريرة عند أحمد (٢/ ٥٠٣) وابن حبان ٦٢٤٥.
(١) في المطبوع «ضبعه». [.....]
(٢) أحفوه: أي أكثروا في الإلحاح والمبالغة فيه يقال: أحفى وألحف وألحّ بمعنى.
(٣) وقع في الأصل: «كان» والتصويب من «صحيح البخاري» و «الأنوار».
(٤) لاحى: من الملاحاة وهي المجادلة والمماراة.
(٥) قارفت: معناه عملت سوءا، والمراد الزنا.
91
أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَتَفْضَحَهَا عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ: وَاللَّهِ لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَدَ لَلَحِقْتُهُ.
«٨٤١» وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ فَاعْفُ عَنَّا يَعْفُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْكَ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ.
«٨٤٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ أَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ أَنَا أَبُو جُوَيْرِيَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِهْزَاءً، فَيَقُولُ الرَّجُلُ: مَنْ أبي ويقول الرجل ضلت نَاقَتُهُ أَيْنَ نَاقَتِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ كُلِّهَا.
«٨٤٣» وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [آل عمران: ٩٧] قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فعاد مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يُؤَمِّنُكَ أَنْ أَقُولَ نَعَمْ؟ وَاللَّهِ لَوْ قَلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَاتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.
أَيْ: إِنْ تَظْهَرْ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، أَيْ: إِنْ أُمِرْتُمْ بِالْعَمَلِ بِهَا فَإِنَّ مَنْ سَأَلَ عَنِ الحج لم يأمن [من] [١] أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ فِي كُلِّ فَيَسُوءُهُ، وَمَنْ سَأَلَ عَنْ نَسَبِهِ لَمْ يَأْمَنْ مِنْ أَنْ يُلْحِقَهُ بِغَيْرِهِ فَيُفْتَضَحُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ حِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ، أَلَا تَرَاهُ ذكرها بعد ذلك. وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ، معناه: [إن] [٢] صَبَرْتُمْ حَتَّى يَنْزِلَ الْقُرْآنُ بِحُكْمٍ مِنْ فَرْضٍ أَوْ نَهْيٍ أَوْ
٨٤١- أخرجه الطبري ١٢٨٠٥ عن السدي مرسلا، فهو ضعيف، وورد من وجه آخر موصولا.
أخرجه الطبري ١٢٨٠٦ من حديث أبي هريرة قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم وهو غضبان محمار وجهه.... وفيه «فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا....» فذكره، وليس فيه «يعف الله عنك» وذكر السيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٥٩٢) وزاد نسبته للفريابي وابن مردويه.
٨٤٢- إسناده صحيح على شرط البخاري.
أبو الجويرية هو حطان بن خفاف، وأبو خيثمة هو زهير بن معاوية وأبو النضر هو هاشم بن القاسم.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» ٤٦٢٢ عن الفضل بن سهل بهذا الإسناد.
وأخرجه الواحدي ٤١٨ من طريق البخاري به.
وأخرجه الطبري ١٢٧٩٨ والطبراني ١٢٦٩٥ من طريق زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الجويرية به.
٨٤٣- حسن. أخرجه الترمذي ٨١٤ و٣٠٥٥ وابن ماجه ٢٨٨٤ والحاكم (٢/ ٢٩٤) والواحدي ٤١٩ من طرق عن علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن أبي البختري عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ به دون عجزه «فَاتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ....» إلى آخر الحديث.
قال الترمذي: حديث حسن غريب اهـ وصححه الحاكم، ورده الذهبي بقوله عبد الأعلى وهو ابن عامر ضعفه أحمد اهـ.
قلت: وإسناده منقطع أبو البختري لم يسمع من علي.
لكن له شاهد من حديث أبي هريرة عند مسلم ١٣٣٧ والنسائي (٥/ ١١٠، ١١١) والدارقطني (٢/ ٢٨١) وابن حبان ٣٧٠٤ و٣٧٠٥.
ولعجزه «فاتركوني ما تركتكم.....» شواهد كثيرة، انظر الطبري ١٢٨١٢.
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
92
حُكْمٍ، وَلَيْسَ فِي ظَاهِرِهِ شَرْحُ مَا بِكُمْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ وَمَسَّتْ حَاجَتُكُمْ إِلَيْهِ، فَإِذَا سَأَلْتُمْ عَنْهَا حينئذ تُبْدَ لَكُمْ، عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٠٢ الى ١٠٣]
قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢) مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٣)
قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ، كَمَا سَأَلَتْ ثَمُودُ صَالِحًا النَّاقَةَ وَسَأَلَ قَوْمُ عِيسَى الْمَائِدَةَ، ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ، فَأُهْلِكُوا.
«٨٤٤» قَالَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ: إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَعَفَا عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا.
مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ، أَيْ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا أَمَرَ بِهِ، وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْأَوْضَاعِ:
الْبَحِيرَةُ هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي كَانَتْ إِذَا وَلَدَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ بَحَرُوا أُذُنَهَا، أَيْ: شَقُّوهَا وتركوا الحمل عليها ولم يركبوها، وَلَمْ يَجُزُّوا وَبَرَهَا وَلَمْ يَمْنَعُوهَا الْمَاءَ وَالْكَلَأَ، ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى خَامِسِ وَلَدِهَا فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا نَحَرُوهُ وَأَكَلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى بَحَرُوا أُذُنَهَا، أَيْ: شَقُّوهَا وَتَرَكُوهَا، وَحُرِّمَ عَلَى النِّسَاءِ لَبَنُهَا وَمَنَافِعُهَا، وَكَانَتْ مَنَافِعُهَا خَاصَّةً لِلرِّجَالِ، فَإِذَا مَاتَتْ حَلَّتْ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَقِيلَ: كَانَتِ النَّاقَةُ إِذَا تَابَعَتِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً إِنَاثًا سُيِّبَتْ فَلَمْ يَرْكَبْ ظَهْرَهَا وَلَمْ يَجُزَّ وَبَرَهَا وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إِلَّا ضَيْفٌ، فَمَا نَتَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أُنْثَى شُقَّ أُذُنُهَا ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهَا مَعَ أُمِّهَا في الإبل، فَلَمْ يَرْكَبْ ظَهْرَهَا وَلَمْ يَجُزَّ وَبَرَهَا وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إِلَّا ضَيْفٌ، كَمَا فُعِلَ بِأُمِّهَا، فَهِيَ الْبَحِيرَةُ بِنْتُ السَّائِبَةِ. وَقَالَ أَبُو عبيدة: السَّائِبَةُ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسَيَّبُ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كان إذا مرض أو غاب لَهُ قَرِيبٌ نَذَرَ فَقَالَ: إِنْ شَفَانِي اللَّهُ تَعَالَى أَوْ شُفِيَ مَرِيضِي أَوْ عَادَ غَائِبِي، فَنَاقَتِي هَذِهِ سَائِبَةٌ، ثُمَّ يُسَيِّبُهَا فَلَا تُحْبَسُ عَنْ رَعْيٍ وَلَا مَاءٍ وَلَا يَرْكَبُهَا أَحَدٌ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ البحيرة، وقال علقمة: هي الْعَبْدُ يُسَيَّبُ عَلَى أَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ وَلَا عَقْلَ وَلَا مِيرَاثَ.
«٨٤٥» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، وَالسَّائِبَةُ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولَةِ، وَهِيَ المسيبة كقوله تعالى:
٨٤٤- ذكره المصنف موقوفا، وقد جاء مرفوعا عند الدارقطني (٤/ ١٨٤) والطبراني (٢٢/ ٢٢١، ٢٢٢) والحاكم (٤/ ١١٥) من حديث أبي ثعلبة. وسكت عنه الحاكم، والذهبي، وفيه مكحول مدلس، وقد عنعن، وهو لم يسمع من أبي ثعلبة.
وله شاهد من حديث أبي الدرداء أخرجه الطبراني في «الصغير» ١١١١ وإسناده ضعيف جدا.
وورد من وجه آخر عند البزار ١٢٣ وإسناده صالح كما قال البزار.
فالحديث بشواهده حسن أو يشبه الحسن، والله أعلم.
٨٤٥- صحيح. أخرجه البخاري ٦٧٥٢ والبغوي ٢٢١٥ من حديث ابن عمر، ومسلم ١٥٠٤ ح ٥ عن ابن عمر عن عائشة مرفوعا.
وأخرجه البخاري ٢١٥٥ و٢٥٦١ و٢٧١٧ ومسلم ١٥٠٤ ح ٦ و٧ و٩ وأبو داود ٢٩٣٠ وابن ماجه ٢٥٢١ وأحمد (٦/ ٢١٣) وابن حبان ٤٣٢٥ و٤٢٧٢ والبيهقي (٥/ ٣٣٨) من طرق عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه عن عائشة مطوّلا.
وأخرجه البخاري ٤٥٦ و٢٥٦٤ و٢٧٣٥ ومالك (٢/ ٧٨١) والشافعي (١٠/ ٣٣٦، ٣٣٧) وابن حبان ٤٣٢٦ والبيهقي (١٠/ ٣٣٧) من طرق عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عائشة مطوّلا.
وأخرجه مسلم ١٠٧٥ ح ١٧٢ و١٥٠٤ ح ١٠ والنسائي (٦/ ١٦٢، ١٦٣) وأحمد (٦/ ٤٥، ٤٦) وابن حبان ٤٢٦٩ من طرق عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أبيه عن عائشة بأتم منه.
93
ماءٍ دافِقٍ [الطارق: ٦]، أي: مدفوق، عِيشَةٍ راضِيَةٍ [الحاقة: ٢١].
وَأَمَّا الْوَصِيلَةُ: فَمِنَ الْغَنَمِ كَانَتِ الشَّاةُ إِذَا وَلَدَتْ سَبْعَةَ أَبْطُنٍ [١] نظروا فإن كَانَ السَّابِعُ ذَكَرًا ذَبَحُوهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى تَرَكُوهَا فِي الْغَنَمِ وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا وَأُنْثَى اسْتَحْيَوُا الذَّكَرَ من أجل الأنثى، وقالوا: واصلت أَخَاهَا فَلَمْ يَذْبَحُوهُ، وَكَانَ لَبَنُ الْأُنْثَى حَرَامًا عَلَى النِّسَاءِ، فَإِنْ مات منهما شَيْءٌ أَكَلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا.
وَأَمَّا الْحَامُ: فَهُوَ الْفَحْلُ إِذَا رُكِبَ وَلَدُ وَلَدِهِ، وَيُقَالُ: إِذَا نَتَجَ مِنْ صُلْبِهِ عَشْرَةُ أَبْطُنٍ، قَالُوا: حُمِيَ ظَهْرُهُ فَلَا يُرْكَبُ وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ كَلَأٍ وَلَا مَاءٍ، فَإِذَا مَاتَ أَكَلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ.
«٨٤٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ [أَنَا موسى بْنُ إِسْمَاعِيلَ] [٢] أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: الْبَحِيرَةُ الَّتِي يمنع دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَلَا يَحْلِبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَالسَّائِبَةُ كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ، [قال] [٣] :
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ».
«٨٤٧» رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَكْثَمَ بْنِ جوان الْخُزَاعِيِّ: «يَا أَكْثَمُ رَأَيْتَ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمْعَةَ بْنِ خندف يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، فَمَا رأيت من رجل أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ وَلَا بِهِ مِنْكَ»، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ وَنَصَبَ الْأَوْثَانَ وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ، ووصل الوصيلة وحمى الحامي، «فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ يُؤْذِي
وأخرجه البخاري ١٤٩٣ و٥٢٨٤ و٢٥٣٦ و٦٧٥٨ و٦٧٦٠ وأبو داود ٢٩١٦ والترمذي ١٢٥٦ والنسائي (٦/ ١٦٣) و (٧/ ٣٠٠) و (٥/ ١٠٧، ١٠٨) والطيالسي ١٣٨١ وأحمد (٦/ ٤٢ و١٧٥ و١٨٦ و١٨٩ و١٩٠) والدارمي (٢/ ٦٩) والدارمي (٢/ ١٦٩) وابن حبان ٤٢٧١ والطحاوي (٣/ ٨٢) والبيهقي (٢/ ٢٢٣) و (١٠/ ٣٣٨) من طرق عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عائشة بألفاظ متقاربة.
وأخرجه ابن حبان ٥١٢٠ من حديث ابن عباس مطوّلا.
٨٤٦- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
وهو في «صحيح البخاري»
٤٦٢٣ عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٣٥٢٢ ومسلم ٢٨٥٦ ح ٥١ (٢/ ٢٧٥ و٢٦٦) وابن حبان ٦٢٦٠ وابن أبي عاصم في «الأوائل» ٤٤ والطبري ١٢٨١٩ و١٢٨٤٤ والطبراني في «الأوائل» ١٩ والبيهقي (١٠/ ٩، ١٠) من طرق عن الزهري به.
٨٤٧- صحيح. أخرجه ابن أبي عاصم في «الأوائل» ٨٣ والطبري ١٢٨٢٠ من طريقين عن محمد بن إسحاق به.
وأخرجه مسلم ٢٨٥٦ ح ٥٠ عن زهير بن حرب عن جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عن أبي هريرة به.
وأخرجه ابن أبي شيبة (١٤/ ٧٠) والطبري ١٢٨٢٢ وأبو يعلى ٦١٢١ وابن حبان. ٧٤٩ من طرق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به. وإسناده حسن.
الخلاصة: هو حديث صحيح لمجيئه من طرق. [.....]
(١) في المطبوع «أبدن».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
94
أَهْلَ النَّارِ بِرِيحِ قُصْبِهِ»، فَقَالَ أكثم: أيضرني شبه [١] يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «لَا، إنك مؤمن وهو كافر».
وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، فِي قَوْلِهِمُ اللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا، وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ.
[سورة المائدة (٥) : آية ١٠٤]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٠٤)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ، فِي تَحْلِيلِ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ وَبَيَانِ الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ، قالُوا حَسْبُنا مَا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا، مِنَ الدِّينِ [٢]، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ.
[سورة المائدة (٥) : آية ١٠٥]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ.
«٨٤٨» رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، وَتَضَعُونَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَلَا تَدْرُونَ مَا هِيَ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا مُنْكَرًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِعِقَابِهِ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولتنهونّ عن المنكر أو ليسلطنّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ فليسومونكم سُوءَ الْعَذَابِ، ثُمَّ لَيَدْعُوَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خِيَارَكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» [٣].
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: خَافَ الصِّدِّيقُ أَنْ يَتَأَوَّلَ النَّاسُ الْآيَةَ غَيْرِ مُتَأَوَّلِهَا فَيَدْعُوهُمْ إِلَى تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَأَنَّ الذي أذن الْإِمْسَاكِ عَنْ تَغْيِيرِهِ مِنَ الْمُنْكَرِ، هُوَ الشِّرْكُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ الْمُعَاهَدُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِهِ، وَقَدْ صُولِحُوا عَلَيْهِ، فَأَمَّا الفسوق والعصيان والذنب مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْآيَةُ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، يعني: عليكم
٨٤٨- حسن. أخرجه أبو داود ٤٣٣٨ والترمذي ٢١٦٨ و٣٠٥٧ وابن ماجه ٤٠٠٥ والحميدي ٣ وأحمد (١/ ٢ و٥ و٧) وابن حبان ٣٠٤ و٣٠٥ والطبري ١٢٨٧٧ والبيهقي (١٠/ ٩١) من طرق عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عن أبي بكر به.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه غير واحد عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ نحو هذا الحديث مرفوعا، وروى بعضهم عن إسماعيل عن قيس عن أبي بكر قوله، ولم يرفعوه اهـ.
وأخرجه الطبري ١٢٨٨٠ من طريق عيسى بن المسيب البجلي عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عن أبي بكر به مرفوعا.
وأخرجه الطبري ١٢٨٨٢ من طريق مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ قَيْسِ عن أبي بكر به.
وأخرجه الطبري ١٢٨٧٥ و١٢٨٧٦ و١٢٨٧٩ و١٢٨٨١ من طرق موقوفا على أبي بكر ومع ذلك فمثله لا يقال بالرأي وله شواهد وطرق، راجع «أحكام القرآن» ٨١٥ وتفسير الشوكاني ٨٦٧ بتخريجي.
وانظر الحديث الآتي.
(١) في المطبوع «شبهه».
(٢) في المطبوع «الذين».
(٣) هذه الرواية عند الطبري ١٢٨٧٨ من طريق السدي عن أبي بكر رفعه وهذا إسناد معضل.
وانظر الحديث الآتي.
95
أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَخُذُوا مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ وَاتْرُكُوهُمْ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ [١] قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ مَا قُبِلَ مِنْكُمْ فَإِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ القرآن نَزَلَ مِنْهُ آيٌ قَدْ مَضَى تَأْوِيلُهُنَّ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلْنَ [٢]، وَمِنْهُ آي وَقَعَ تَأْوِيلُهُنَّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنه آي وقع تأويلهن بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم بِيَسِيرٍ] [٣]، وَمِنْهُ آيٌ يَقَعُ تَأْوِيلُهُنَّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَمِنْهُ آيٌ يَقَعُ تَأْوِيلُهُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْحِسَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَمَا دَامَتْ قُلُوبُكُمْ وَأَهْوَاؤُكُمْ وَاحِدَةً ولم تلبسوا شيعا، لم يَذُقْ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَأْمُرُوا بالمعروف وانهوا عن المنكر وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الْقُلُوبُ وَالْأَهْوَاءُ وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا، وَذَاقَ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَامْرُؤٌ وَنَفْسُهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ.
«٨٤٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ [أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ] أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْزِيُّ [٤] أخبرنا أبو عِيسَى بْنُ نَصْرٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ اللَّخْمِيُّ أَنَا أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ:
يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا بُدَّ لَكَ [مِنْهُ] [٥] فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ وَدَعْ أَمْرَ الْعَوَامِ، فَإِنَّ وراءكم أَيَّامَ الصَّبْرِ، فَمَنْ صَبَرَ فِيهِنَّ قَبَضَ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ [٦] »، قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ:
وَزَادَنِي غَيْرُهُ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ».
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ: دَخَلَ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ شَابٌّ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَذَكَرَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ صَفْوَانُ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَاصَّةِ اللَّهِ الَّتِي خَصَّ بِهَا أولياءه:
٨٤٩- إسناده غير قوي. عتبة صدوق يخطىء كثيرا، وشيخه عمرو بن جارية مقبول، وشيخه أبو أمية هو يحمد، وقيل:
عبد الله، مقبول.
وهو «شرح السنة» ٤٠٥١.
وأخرجه أبو داود ٤٣٤١ والترمذي ٣٠٥٨ وابن حبان ٣٨٥ وأبو نعيم في «الحلية» (٢/ ٣٠) والبيهقي (١٠/ ٩٢) من طرق عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ به.
وأخرجه ابن ماجه ٤٠١٤ والطحاوي في «المشكل» ١١٧١ من طريق صدقة بن خالد عن عتبة بن أبي حكيم به.
وأخرجه الطحاوي في «المشكل» ١١٧٣ من طريق محمد بن شعيب بن شابور عن عتبة بن أبي حكيم، قال: حدثنا عمرو بن جارية، عن أبي أميّة به.
وأخرجه الطحاوي ١١٧٢ والبيهقي في «الشعب» ٧٥٥٣ من طريق محمد بن يوسف الفريابي عن صدقة بن يزيد الخراساني عن عتبة به.
ويشهد لبعضه حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص عند أبي داود ٤٣٤٢ و٤٣٤٣ وابن ماجه ٣٩٥٧ وابن أبي شيبة (١٥/ ٩، ١٠) وأحمد (٢/ ٢١٢ و٢٢١) والحاكم (٤/ ٢٨٢، ٢٨٣).
وانظر الحديث المتقدم. وفي الباب أحاديث، وانظر «أحكام القرآن» ٨١٤.
تنبيه: لفظ: «منكم» ضعيف ذكره ابن المبارك عن مجهول لم يسم.
(١) تصحف في المطبوع «عباس».
(٢) في المطبوع «ينزل».
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) في المطبوع «العنبري».
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) في المطبوع «مثله» بدل «مثل عمله». [.....]
96
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً، الضَّالُّ وَالْمُهْتَدِي، فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
[سورة المائدة (٥) : آية ١٠٦]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ.
«٨٥٠» سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا رُوِيَ أَنَّ تميم به أَوْسٍ الدَّارِيَّ وَعَدِيَّ بْنَ بَدَّاءٍ [١] قَدْ خَرَجَا مِنَ الْمَدِينَةِ لِلتِّجَارَةِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ وَهُمَا نَصْرَانِيَّانِ وَمَعَهُمَا بُدَيْلٌ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ العاص، وكان مسلما فلما قدموا الشام مرض بديل، فكتب كتابا فيه جميع ما معه من المتاع وألقاه في جوالقه ولم يخبر صاحبيه بذلك، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ أَوْصَى إِلَى تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَدْفَعَا مَتَاعَهُ إِذَا رَجَعَا إِلَى أَهْلِهِ، وَمَاتَ بُدَيْلٌ فَفَتَّشَا مَتَاعَهُ وَأَخَذَا مِنْهُ إِنَاءً مِنْ فِضَّةٍ مَنْقُوشًا بِالذَّهَبِ فِيهِ ثَلَاثُمِائَةِ مِثْقَالٍ فِضَّةً فَغَيَّبَاهُ، ثُمَّ قَضَيَا حَاجَتَهُمَا فَانْصَرَفَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَفَعَا الْمَتَاعَ إِلَى أَهْلِ الْبَيْتِ، فَفَتَّشُوا وَأَصَابُوا الصَّحِيفَةَ فِيهَا تَسْمِيَةُ مَا كَانَ مَعَهُ فجاءوا تميما وعديا فقال: هَلْ بَاعَ صَاحِبُنَا شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ؟ قَالَا: لَا، قَالُوا: فَهَلِ اتَّجَرَ تِجَارَةً؟ قَالَا: لَا، قَالُوا: هَلْ طَالَ مَرَضُهُ فَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَا: لَا، فَقَالُوا: إِنَّا وَجَدْنَا فِي مَتَاعِهِ صَحِيفَةً فِيهَا تسمية ما مَعَهُ وَإِنَّا قَدْ فَقَدْنَا مِنْهَا إِنَاءً مِنْ فِضَّةٍ مُمَوَّهًا بِالذَّهَبِ فِيهِ ثَلَاثُمِائَةِ مِثْقَالٍ فِضَّةً، قَالَا: مَا نَدْرِي إِنَّمَا أَوْصَى لَنَا بِشَيْءٍ فَأَمَرَنَا أَنْ نَدْفَعَهُ إِلَيْكُمْ فَدَفَعْنَاهُ وَمَا لَنَا عِلْمٌ بِالْإِنَاءِ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصَرَّا عَلَى الْإِنْكَارِ وَحَلَفَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ.
أَيْ: لِيَشْهَدِ اثْنَانِ، لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّ الشَّهَادَةَ فِيمَا بَيْنَكُمْ عَلَى الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ اثْنَانِ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَيْنَ الِاثْنَيْنِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُمَا الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى وَصِيَّةِ الموصي، وقال الآخرون: هُمَا الْوَصِيَّانِ، لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمَا وَلِأَنَّهُ قَالَ: تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ، وَلَا يُلْزَمُ الشاهد يمين، وجعل الوصي اثنين تأكيد، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى الْحُضُورِ كَقَوْلِكَ:
شَهِدْتُ وَصِيَّةَ فُلَانٍ، بِمَعْنَى حَضَرْتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النُّورِ: ٢]، يُرِيدُ الْحُضُورَ، ذَوا عَدْلٍ، أَيْ: أَمَانَةٍ وَعَقْلٍ، مِنْكُمْ، أَيْ: مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ، أَيْ: مِنْ غَيْرِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَعُبَيْدَةَ، ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي حُكْمِ الْآيَةِ فَقَالَ النَّخَعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ وَكَانَتْ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَقْبُولَةً فِي الِابْتِدَاءِ ثم نسخت، وذهب
٨٥٠- أخرجه الترمذي ٣٠٥٩ والطبري ١٢٩٧١ من حديث ابن عباس عن تميم الداري مطوّلا وضعّفه الترمذي بقوله: غريب، وليس إسناده بصحيح، وأبو النضر تركه أهل الحديث، وهو محمد بن السائب اهـ.
وأصل الخبر أخرجه البخاري ٢٧٨٠ وأبو داود ٣٦٠٦ والترمذي ٣٠٦٠ والدارقطني (٤/ ١٦٩) والواحدي ٤٢١.
والطبري ١٢٩٧٠ والطبراني (١٢/ ٧١) والبيهقي (١٠/ ٦٥) من حديث ابن عباس.
وورد من وجوه كثيرة مرسلا ومتصلا، انظر «فتح القدير» ٨٧١ و٨٧٢ للشوكاني بتخريجي، والله الموفق.
(١) في المطبوع «زيد» والمثبت هو الصواب.
97
قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا ثَابِتَةٌ، وَقَالُوا: إِذَا لَمْ نَجِدْ مُسْلِمَيْنِ فَنُشْهِدُ كافرين، قال شُرَيْحٌ: مَنْ كَانَ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمًا يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ فَأَشْهَدَ كَافِرَيْنِ عَلَى أَيِّ دِينٍ كَانَا مِنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ، فَشَهَادَتُهُمْ جائزة، ولا يجوز شَهَادَةُ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ إِلَّا عَلَى وَصِيَّةٍ فِي سَفَرٍ، وَعَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِدَقُوقَا وَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمًا يُشْهِدُهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَدِمَا الكوفة بتركته وأتيا الأشعري فأخبراه بتركته ووصيّته، فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ يكن بعد الذي كان فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْلَفَهُمَا، وَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا، وَقَالَ آخَرُونَ: قَوْلُهُ: ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ، أَيْ: مِنْ حَيِّ الْمُوصِي أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ، [أَيْ مِنْ] [١] غَيْرِ حَيِّكُمْ وَعَشِيرَتِكُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ، وَقَالُوا: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ كَافِرٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ، سِرْتُمْ وَسَافَرْتُمْ، فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ، فَأَوْصَيْتُمْ إِلَيْهِمَا وَدَفَعْتُمْ إليهما فاتهمتهما بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَادَّعَوْا عَلَيْهِمَا خِيَانَةً، فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ تَحْبِسُونَهُما، أَيْ: تَسْتَوْقِفُونَهُمَا، مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ، أَيْ: بعد الصلاة، ومن صلة يريد بها بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، هَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَعَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ، لِأَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَدْيَانِ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَيَجْتَنِبُونَ فِيهِ الْحَلِفَ الْكَاذِبَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَرَادَ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ أَهْلِ دِينِهِمَا وَمِلَّتِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَيُقْسِمانِ، فيحلفان، بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ، أَيْ: شَكَكْتُمْ وَوَقَعَتْ لَكُمُ الرِّيبَةُ فِي قَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ وَصِدْقِهِمَا، أَيْ: فِي قَوْلِ اللَّذَيْنِ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ، فَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِمَا، لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً، أَيْ: لَا نَحْلِفُ بِاللَّهِ كَاذِبِينَ عَلَى عِوَضٍ نَأْخُذُهُ أَوْ مَالٍ نَذْهَبُ بِهِ أَوْ حَقٍّ نَجْحَدُهُ، وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى، وَلَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ ذَا قَرَابَةٍ مِنَّا، وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ، أَضَافَ الشَّهَادَةَ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا وَنَهَى عَنْ كِتْمَانِهَا، وقرأ يعقوب «شهادة»، بالتنوين، «اللَّهِ» مَمْدُودٍ، وَجَعَلَ الِاسْتِفْهَامَ عِوَضًا عَنْ حَرْفِ الْقَسَمِ، وَيُرْوَى عَنْ أبي جعفر [٢] شهادة منوّنة، اللَّهِ بِقَطْعِ الْأَلْفِ وَكَسْرِ الْهَاءِ مِنْ غَيْرِ اسْتِفْهَامٍ عَلَى ابْتِدَاءِ الْيَمِينِ، أَيْ: وَاللَّهِ، إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ، أَيْ: إِنْ كَتَمْنَاهَا كُنَّا مِنَ الْآثِمِينَ.
«٨٥١» فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةٌ الْعَصْرِ وَدَعَا تَمِيمًا وَعَدِيًّا فَاسْتَحْلَفَهُمَا عِنْدَ الْمِنْبَرِ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَنَّهُمَا لَمْ يَخْتَانَا شَيْئًا مِمَّا دُفِعَ إِلَيْهِمَا فَحَلَفَا عَلَى ذَلِكَ، وَخَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبِيلَهُمَا، ثُمَّ ظَهَرَ الْإِنَاءُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ظُهُورِهِ.
فَرَوَى سَعِيدُ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ وُجِدَ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: إِنَّا اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ [٣].
وَقَالَ آخَرُونَ: لَمَّا طَالَتِ الْمُدَّةُ أَظْهَرُوهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ بَنِي سَهْمٍ فَأَتَوْهُمَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَا: إِنَّا كُنَّا قَدِ اشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُ فَقَالُوا لَهُمَا: أَلَمْ تَزْعُمَا أَنَّ صَاحِبَنَا لَمْ يَبِعْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ؟ قَالَا: لَمْ يَكُنْ عندنا بيّنة فكرهنا أَنَّ نُقِرَّ لَكُمْ بِهِ فَكَتَمْنَاهُ لذلك، فرفعوهما [٤] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجلّ [٥] :
٨٥١- أخرجه الطبري ١٢٩٧٢ عن عكرمة مرسلا بأتم منه.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «يعقوب».
(٣) هذه الرواية عند البخاري ٢٧٨٠ وغيره وانظر ما تقدم برقم ٨٥٠.
(٤) في المطبوع وط «فرفعهما».
(٥) انظر «تفسير الطبري» ١٢٩٧٢.
98

[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٠٧ الى ١٠٨]

فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (١٠٨)
فَإِنْ عُثِرَ، أَيِ: اطُّلِعَ عَلَى خِيَانَتِهِمَا، وَأَصْلُ الْعُثُورِ [١] : الْوُقُوعُ عَلَى الشَّيْءِ، عَلى أَنَّهُمَا، يَعْنِي: الْوَصِيَّيْنِ اسْتَحَقَّا، اسْتَوْجَبَا، إِثْماً، بِخِيَانَتِهِمَا وَبِأَيْمَانِهِمَا الْكَاذِبَةِ، فَآخَرانِ، مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ، يَقُومانِ مَقامَهُما، بمعنى: مَقَامَ الْوَصِيَّيْنِ، مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ، بضم التاء على المجهول، هذا قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ، يَعْنِي: الَّذِينَ اسْتَحَقَّ، عَلَيْهِمُ، أَيْ: فِيهِمْ وَلِأَجْلِهِمُ الْإِثْمَ وَهُمْ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ اسْتَحَقَّ الْحَالِفَانِ بسببهم الإثم وعلى بِمَعْنَى فِي كَمَا قَالَ اللَّهُ: عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ [الْبَقَرَةِ: ١٠٢]، [أَيْ: فِي مُلْكِ سُلَيْمَانَ] [٢]، وَقَرَأَ حَفْصٌ اسْتَحَقَّ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْحَاءِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ، أَيْ: حَقٌّ وَوَجَبَ عَلَيْهِمُ الْإِثْمُ، يُقَالُ: حَقَّ واستحق بمعنى واحد، الأولين، نَعْتٌ لَلْآخَرَانِ، أَيْ: فَآخَرَانِ الْأَوْلَيَانِ، وإنما جاز ذلك، والأولين معرفة الآخران نكرة لأنه لما وصف الآخران فَقَالَ مِنَ الَّذِينَ صَارَ كَالْمَعْرِفَةِ في المعنى والأولين تثنية الأولى، والأولى هو أقرب، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَيَعْقُوبَ «الْأَوْلَيِنَ» بِالْجَمْعِ فَيَكُونُ بَدَلًا مِنَ الَّذِينَ، وَالْمُرَادُ مِنْهُمْ أَيْضًا أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: إِذَا ظَهَرَتْ خِيَانَةُ الْحَالِفِينَ يَقُومُ اثْنَانِ آخَرَانِ مِنْ أَقَارِبِ الْمَيِّتِ، فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما، يَعْنِي: يَمِينَنَا أَحَقُّ مِنْ يَمِينِهِمَا، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي اللِّعَانِ: فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ [النُّورِ: ٦]، وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَيْمَانُ، فهي كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ، أَيْ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ، وَمَا اعْتَدَيْنا، فِي أَيْمَانِنَا، وَقَوْلِنَا أَنَّ شَهَادَتَنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ.
فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَالْمَطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيَّانِ، فَحَلَفَا بالله بعد العصر فدفع الْإِنَاءَ إِلَيْهِمَا وَإِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ، وكان تميم الداري بعد ما أَسْلَمَ يَقُولُ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَنَا أَخَذْتُ الْإِنَاءَ [٣]، فَأَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ.
وَإِنَّمَا انْتَقَلَ الْيَمِينُ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ [٤] لِأَنَّ الْوَصِيَّيْنِ ادَّعَيَا أَنَّهُمَا ابْتَاعَاهُ، وَالْوَصِيُّ إِذَا أَخَذَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَقَالَ إِنَّهُ أَوْصَى لِي بِهِ حَلَفَ الْوَارِثُ، إِذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوِ ادَّعَى رَجُلٌ سِلْعَةً فِي يَدِ رَجُلٍ فَاعْتَرَفَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الْمُدَّعِي، حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَبِعْهَا مِنْهُ.
«٨٥٢» وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: كُنَّا بِعْنَا الْإِنَاءَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَسَّمْتُهَا أَنَا وَعَدِيٌّ، فَلَمَّا أَسْلَمْتُ تَأَثَّمْتُ فَأَتَيْتُ مَوَالِيَ الْمَيِّتِ فَأَخْبَرْتُهُمْ أَنَّ عِنْدَ صَاحِبِي مَثَلَهَا فَأَتَوْا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَلَفَ عَمْرٌو وَالْمُطَّلِبُ فَنَزَعْتُ الْخَمْسَمِائَةٍ مِنْ عَدِيٍّ، وَرَدَدْتُ أَنَا الْخَمْسَمِائَةَ.
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها، [أَيْ] [٥] : ذَلِكَ الَّذِي حَكَمْنَا بِهِ مِنْ ردّ اليمين أجدر
٨٥٢- انظر «تفسير الطبري» ١٢٩٧١ و١٢٩٧٢.
(١) في المخطوط ب، وحده «العثر».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) انظر «تفسير الطبري» ١٢٩٧٢.
(٤) في المخطوط ب، «الأوليان».
(٥) زيادة عن المخطوط. [.....]
وَأَحْرَى أَنْ يَأْتِيَ الْوَصِيَّانِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا وَسَائِرُ النَّاسِ أَمْثَالُهُمْ، أَيْ: أَقْرَبُ إِلَى الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى مَا كَانَتْ، أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ، أَيْ: أَقْرَبُ إِلَى أَنْ يَخَافُوا رَدَّ الْيَمِينِ بَعْدَ يَمِينِهِمْ عَلَى المدّعين، فَيَحْلِفُوا عَلَى خِيَانَتِهِمْ وَكَذِبِهِمْ فَيُفْتَضَحُوا وَيَغْرَمُوا [١]، فَلَا يَحْلِفُونَ كَاذِبِينَ إِذَا خَافُوا هَذَا الْحُكْمَ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، أن تحلفوا أيمانا كاذبة وتخونوا الأمانة، وَاسْمَعُوا، الْمَوْعِظَةَ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٠٩ الى ١١٠]
يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قالُوا لَا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩) إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١١٠)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ، لهم، مَاذَا أُجِبْتُمْ، أَيْ: مَا الَّذِي أجابتكم أمتكم؟ ما الَّذِي رَدَّ عَلَيْكُمْ قَوْمُكُمْ حِينَ دَعَوْتُمُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدِي وَطَاعَتِي؟
قالُوا، أَيْ: فَيَقُولُونَ، لَا عِلْمَ لَنا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ: لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا الْعِلْمَ الَّذِي أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، وَقِيلَ: لَا عِلْمَ لَنَا بِوَجْهِ الْحِكْمَةِ عَنْ سُؤَالِكَ إِيَّانَا عَنْ أَمْرٍ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَا عِلْمَ لَنَا بِعَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ وَبِمَا أَحْدَثُوا مِنْ بَعْدُ، دَلِيلُهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، أَيْ: أَنْتَ الَّذِي تَعْلَمُ مَا غَابَ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ إِلَّا مَا نُشَاهِدُ.
«٨٥٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَا وُهَيْبٌ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي الْحَوْضَ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمُ اخْتَلَجُوا دُونِي، فَأَقُولُ:
أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ»
.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: إِنَّ لِلْقِيَامَةِ أَهْوَالًا وَزَلَازِلَ تَزُولُ فِيهَا الْقُلُوبُ عَنْ مَوَاضِعِهَا، فَيَفْزَعُونَ [٢] مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيُذْهَلُونَ عَنِ الجواب، ثم بعد ما ثَابَتْ إِلَيْهِمْ عُقُولُهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى أممهم.
٨٥٣- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وهيب هو ابن خالد، وعبد العزيز هو ابن صهيب.
وهو في «صحيح البخاري» ٦٥٨٢ عن مسلم بن إبراهيم بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٢٣٠٤ وأحمد (٣/ ٢٨١) من طريق وهيب به.
وأخرجه مسلم ٤٠٠ و٢٣٠٤ والنسائي (٢/ ١٣٣، ١٣٤) وأبو عوانة (٢/ ١٢١) وأحمد (٣/ ١٠٢) من طرق عن مختار بن فلفل عن أنس في أثناء حديث.
وأخرجه أبو يعلى ٣٩٤٢ وأحمد (٣/ ١٤٠) من طريق مبارك عن عبد العزيز به.
وفي الباب من حديث أبي هريرة عند مسلم ٢٤٩ والنسائي (١/ ٩٣ و٩٥) ومالك (١/ ٢٨) وابن حبان ١٠٤٦ وابن خزيمة ٦ والبيهقي (١/ ٨٢، ٨٣) والبغوي ١٥١.
(١) في المخطوط ب، «ويعزموا».
(٢) في المطبوع «فينزعون».
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ، قَالَ الْحَسَنُ: ذِكْرُ النِّعْمَةِ شُكْرُهَا، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: نِعْمَتِي، أي: نعمي لَفْظُهُ وَاحِدٌ وَمَعْنَاهُ جَمْعٌ كَقَوْلِهِ تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [إبراهيم: ٣٤]، وَعَلى والِدَتِكَ، مَرْيَمَ ثُمَّ ذَكَرَ النِّعَمَ فَقَالَ: إِذْ أَيَّدْتُكَ، قَوَّيْتُكَ، بِرُوحِ الْقُدُسِ، يَعْنِي: جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، تُكَلِّمُ النَّاسَ، يَعْنِي: وَتُكَلِّمُ النَّاسَ، فِي الْمَهْدِ، صَبِيًّا، وَكَهْلًا، نَبِيًّا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرْسَلَهُ الله وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَمَكَثَ فِي رِسَالَتِهِ ثَلَاثِينَ شَهْرًا ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ، يَعْنِي: الْخَطَّ، وَالْحِكْمَةَ، يَعْنِي: الْعِلْمَ وَالْفَهْمَ، وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ، تَجْعَلُ وَتُصَوِّرُ، مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، كَصُورَةِ الطَّيْرِ، بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً، حَيًّا يَطِيرُ، بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ، وَتُصَحِّحُ، الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى، مِنْ قُبُورِهِمْ أَحْيَاءً، بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ، مَنَعْتُ وَصَرَفْتُ، بَنِي إِسْرائِيلَ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، عَنْكَ، حِينَ هَمُّوا بِقَتْلِكَ، إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ، يَعْنِي: بالدلالات [الواضحات] [١] والمعجزات، وهي التي ذكرنا [وسميت بالبيّنات، لأنها مما يعجز عنها سائر الخلق الذين ليسوا بمرسلين] [٢]، فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا، ما هَذَا، إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ، يَعْنِي: مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ سَاحِرٌ مُبِينٌ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ هُودٍ وَالصَّفِّ، فَيَكُونُ رَاجِعًا إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَفِي هُودٍ يَكُونُ رَاجِعًا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١١١ الى ١١٢]
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢)
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ، [أي:] [٣] أَلْهَمْتُهُمْ وَقَذَفْتُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ أبو عبيدة: يعني أمرت وإِلَى صِلَةٌ، وَالْحَوَارِيُّونَ خَوَاصُّ أَصْحَابِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي، عِيسَى، قالُوا حِينَ وَفَّقْتُهُمْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ.
إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ، قَرَأَ الْكِسَائِيُّ «هَلْ تَسْتَطِيعُ» بِالتَّاءِ «رَبَّكَ» بنصب الباء وهي قِرَاءَةُ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ، أَيْ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَدْعُوَ وَتَسْأَلَ رَبَّكَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ يَسْتَطِيعُ بالياء، ورَبُّكَ بِرَفْعِ الْبَاءِ، وَلَمْ يَقُولُوهُ [٤] شَاكِّينَ بقدرة اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَكِنْ مَعْنَاهُ هَلْ يُنَزِّلُ رَبُّكَ أَمْ لَا؟ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْهَضَ مَعِي وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ هَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَقِيلَ: يَسْتَطِيعُ بِمَعْنَى يُطِيعُ، يُقَالُ: أَطَاعَ وَاسْتَطَاعَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، كَقَوْلِهِمْ: أَجَابَ وَاسْتَجَابَ، مَعْنَاهُ: هَلْ يُطِيعُكَ [٥] رَبُّكَ بِإِجَابَةِ سُؤَالِكَ؟ وَفِي الْآثَارِ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ أَطَاعَهُ اللَّهُ، وأجرى بعضهم على الظاهرة، فَقَالُوا: غَلَطَ الْقَوْمُ، وَقَالُوهُ قَبْلَ اسْتِحْكَامِ الْمَعْرِفَةِ وَكَانُوا بَشَرًا، فَقَالَ لَهُمْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ الغلط استعظاما لقولهم وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، أَيْ: لَا تَشُكُّوا فِي قُدْرَتِهِ.
أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ، والمائدة الْخِوَانُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ، وَهِيَ فاعلة من: ماده يميده
(١) زيد في المخطوط أ، والمطبوع.
(٢) زيد في المخطوط أ، والمطبوع.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط وحده «يكونوا».
(٥) في المطبوع «يعطيك».
إِذَا أَعْطَاهُ وَأَطْعَمَهُ، كَقَوْلِهِ: مَارَهُ يميره، وامتار افتعل منه، والمائدة هي الطعمة [١] لِلْآكِلِينَ [الطَّعَامَ] [٢]، وَسُمِّيَ الطَّعَامُ أَيْضًا مَائِدَةً عَلَى الْجَوَازِ، لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ عَلَى الْمَائِدَةِ، وَقَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: سُمِّيَتْ مَائِدَةً لِأَنَّهَا تَمِيدُ بِالْآكِلِينَ، أَيْ: تَمِيلُ، وَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ: فاعلة بمعنى المفعول [٣]، يعني: ميد [٤] بِالْآكِلِينَ إِلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: عِيشَةٍ راضِيَةٍ [الحاقة: ٢١]، أَيْ: مَرْضِيَّةٍ، قالَ عِيسَى عَلَيْهِ السلام مجيبا لهم: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَلَا تَشُكُّوا فِي قُدْرَتِهِ، وَقِيلَ: اتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَسْأَلُوهُ شَيْئًا لم تسأله الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ، فَنَهَاهُمْ عَنِ اقْتِرَاحِ الآيات بعد الإيمان.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١١٣ الى ١١٥]
قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (١١٥)
قالُوا نُرِيدُ، أَيْ: إِنَّمَا سَأَلْنَا لِأَنَّا نُرِيدُ، أَنْ نَأْكُلَ مِنْها، أَكْلَ تَبَرُّكٍ لَا أَكْلَ حَاجَةٍ فَنَسْتَيْقِنَ قُدْرَتَهُ، وَتَطْمَئِنَّ، وَتَسْكُنَ، قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا، بِأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، أَيْ: نَزْدَادُ إِيمَانًا ويقينا، وقيل: إن عيسى عليه السلام أَمَرَهُمْ أَنْ يَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا فإذا فطروا لَا يَسْأَلُونَ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُمْ، فَفَعَلُوا وَسَأَلُوا الْمَائِدَةَ، وَقَالُوا: وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا فِي قَوْلِكَ، إِنَّا إِذَا صُمْنَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَا نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَانَا، وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ، لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْقُدْرَةِ، وَلَكَ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَقِيلَ: وَنَكُونُ مِنَ الشَّاهِدَيْنَ لَكَ عِنْدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا رَجَعْنَا إِلَيْهِمْ.
قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، عِنْدَ ذَلِكَ، اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ اغْتَسَلَ وَلَبِسَ الْمُسُحَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ وَغَضَّ بَصَرَهُ وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ، تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا، أَيْ: عَائِدَةً مِنَ اللَّهِ عَلَيْنَا حُجَّةً وَبُرْهَانًا، والعيد: يوم السرور، وسمّي به للعود من الفرح [٥] إِلَى الْفَرَحِ، وَهُوَ اسْمٌ لِمَا اعْتَدْتَهُ وَيَعُودُ إِلَيْكَ وَسُمِّيَ يَوْمُ الْفِطَرِ وَالْأَضْحَى عِيدًا لِأَنَّهُمَا يَعُودَانِ في كُلَّ سَنَةٍ، قَالَ السُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ نَتَّخِذُ الْيَوْمَ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا، أَيْ:
نُعَظِّمُهُ نَحْنُ وَمَنْ بَعْدَنَا، وَقَالَ سُفْيَانُ: نُصَلِّي فِيهِ، قَوْلُهُ: لِأَوَّلِنا، أَيْ: لِأَهْلِ زَمَانِنَا وَآخِرِنَا، أَيْ: لِمَنْ يَجِيءُ بَعْدَنَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَأْكُلُ مِنْهَا آخِرُ النَّاسِ كَمَا أَكَلَ أَوَّلُهُمْ، وَآيَةً مِنْكَ، دَلَالَةً وَحُجَّةً، وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
قالَ اللَّهُ تَعَالَى مُجِيبًا لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ، يَعْنِي: الْمَائِدَةَ وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَّةِ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ «مُنَزِّلُهَا» بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ مَرَّاتٍ وَالتَّفْعِيلُ يَدُلُّ عَلَى التَّكْرِيرِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ لِقَوْلِهِ أَنْزِلْ عَلَيْنَا، فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ، أَيْ: بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً، أَيْ: جِنْسَ عَذَابٍ، لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ، يعني: عالمي زمانه فجحدوا وَكَفَرُوا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةَ فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن عمر [و] : إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُنَافِقُونَ وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أصحاب المائدة
(١) كذا في المطبوع والمخطوط أ، وفي ب «المعطية» وفي ط، «المطعمة».
(٢) سقط من المطبوع وحده.
(٣) في المطبوع «المفعولة».
(٤) في ط، «تميد».
(٥) في المطبوع «الترح».
102
وَآلِ فِرْعَوْنَ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَائِدَةِ هَلْ نَزَلَتْ أَمْ لَا، فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: لَمْ تَنْزِلْ فإن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَوْعَدَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ خَافُوا أَنْ يَكْفُرَ بَعْضُهُمْ فَاسْتَعْفُوا، وَقَالُوا: لَا نُرِيدُهَا، فَلَمْ تَنْزِلْ، وَقَوْلُهُ: إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ، يَعْنِي: إِنْ سَأَلْتُمْ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا نَزَلَتْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ، وَلَا خُلْفَ في خبره [و] [١] لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهَا.
«٨٥٤» فَرَوَى خِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّهَا مُقِيمَةٌ لَكُمْ مَا لم تخونوا وتخبئوا فَمَا مَضَى يَوْمُهُمْ [٢] حَتَّى خَانُوا وخبثوا فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُمْ: صُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ مَا شِئْتُمْ يُعْطِكُمُوهُ، فَصَامُوا فَلَمَّا فَرَغُوا قَالُوا: يَا عِيسَى إِنَّا لَوْ عَمِلْنَا لِأَحَدٍ فَقَضَيْنَا عَمَلَهُ لَأَطْعَمَنَا وَسَأَلُوا اللَّهَ الْمَائِدَةَ فَأَقْبَلَتِ الْمَلَائِكَةُ بِمَائِدَةٍ يَحْمِلُونَهَا، عَلَيْهَا سَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ وَسَبْعَةُ أَحْوَاتٍ حَتَّى وَضَعَتْهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَأَكَلَ مِنْهَا آخِرُ النَّاسِ كَمَا أَكَلَ أَوَّلُهُمْ.
قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: نَزَلَتْ مَائِدَةٌ مَنْكُوسَةٌ تَطِيرُ بِهَا الْمَلَائِكَةُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، عَلَيْهَا كُلُّ الطَّعَامِ إِلَّا اللَّحْمَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أُنْزِلَ عَلَى الْمَائِدَةِ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ.
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ عَلَيْهَا ثَمَرٌ مِنْ [ثِمَارِ] [٣] الْجَنَّةِ.
وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ سَمَكَةٌ فِيهَا طَعْمُ كُلِّ شَيْءٍ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ عَلَيْهَا خُبْزٌ وَرُزٌّ وَبَقْلٌ، وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ أَقْرِصَةً مِنْ شَعِيرٍ وَحِيتَانًا وَكَانَ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَيَجِيءُ آخَرُونَ فيأكلون حتى أكل [٤] جَمِيعُهُمْ وَفَضَلَ.
وَعَنِ الْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ خُبْزًا وَسَمَكًا وَخَمْسَةَ أَرْغِفَةٍ فَأَكَلُوا مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالنَّاسُ أَلْفٌ وَنَيِّفٌ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى قُرَاهُمْ، وَنَشَرُوا الْحَدِيثَ ضَحِكَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ وَقَالُوا: وَيْحَكَمُ إِنَّمَا سَحَرَ أَعْيُنَكُمْ فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ الْخَيْرَ ثَبَّتَهُ عَلَى بَصِيرَتِهِ، وَمَنْ أَرَادَ فتنته رجع إلى كفره، فمسخوا [٥] خَنَازِيرَ لَيْسَ فِيهِمْ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ، فَمَكَثُوا بِذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ هَلَكُوا، وَلَمْ يَتَوَالَدُوا وَلَمْ يَأْكُلُوا وَلَمْ يَشْرَبُوا، وَكَذَلِكَ كَلُّ مَمْسُوخٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا حَيْثُ كَانُوا كَالْمَنِّ وَالسَّلْوَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَقَالَ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ: لَمَّا سَأَلَ الْحَوَارِيُّونَ الْمَائِدَةَ لَبِسَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
٨٥٤- الصحيح موقوف. أخرجه الترمذي ٣٠٦١ والطبري ١٣٠١٦ من حديث عمار بن ياسر، وإسناده ضعيف، فيه عنعنة قتادة، وهو مدلس.
قال الترمذي: رواه غير واحد عن سعيد به موقوفا، وهو أصح من المرفوع، ولا نعلم للمرفوع أصلا اهـ.
وأسنده الطبري ١٣٠١٨ عن عمار موقوفا بإسناد على شرطهما، وهو الصواب.
الخلاصة: المرفوع ضعيف منكر، والصحيح موقوف. [.....]
(١) زيادة عن أ.
(٢) في المطبوع «يومها».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع وط «أكلوا».
(٥) في المطبوع «ومسخوا».
103
صُوفًا وَبَكَى، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ الْآيَةَ، فَنَزَلَتْ سُفْرَةٌ حَمْرَاءُ بَيْنَ غَمَامَتَيْنِ غَمَامَةٍ مِنْ فَوْقِهَا وَغَمَامَةٍ مِنْ تَحْتِهَا وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَهِيَ تَهْوِي مُنْقَضَّةً [١] حَتَّى سَقَطَتْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَبَكَى عِيسَى، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ الشَّاكِرِينَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا عُقُوبَةً، وَالْيَهُودُ يَنْظُرُونَ إِلَى شَيْءٍ لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ قَطُّ وَلَمْ يَجِدُوا رِيحًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِهِ، فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: لِيَقُمْ أَحْسَنُكُمْ عَمَلًا فَيَكْشِفُ عَنْهَا وَيَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ شَمْعُونُ الصَّفَّارُ رَأْسُ الْحَوَارِيِّينَ: أَنْتَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنَّا [يا نبيّ الله] [٢]، فَقَامَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى صَلَاةً طَوِيلَةً وَبَكَى كَثِيرًا، ثُمَّ كَشَفَ الْمِنْدِيلَ عَنْهَا، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الرَّازِقِينَ فَإِذَا هُوَ سَمَكَةٌ مَشْوِيَّةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا فُلُوسُهَا وَلَا شَوْكَ عَلَيْهَا تَسِيلُ مِنَ الدَّسَمِ وَعِنْدَ رَأْسِهَا مِلْحٌ وَعِنْدَ ذَنَبِهَا خَلٌّ، وَحَوْلَهَا مِنْ أَلْوَانِ الْبُقُولِ مَا خَلَا الْكُرَّاثَ، وَإِذَا خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ عَلَى وَاحِدٍ زَيْتُونٌ، وَعَلَى الثَّانِي عَسَلٌ، وَعَلَى الثَّالِثِ سَمْنٌ، وَعَلَى الرَّابِعِ جُبْنٌ، وَعَلَى الْخَامِسِ قَدِيدٌ، فَقَالَ شَمْعُونُ: يَا رُوحَ اللَّهِ أَمِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا هَذَا أَمْ مِنْ طَعَامِ الْآخِرَةِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا تَرَوْنَ مِنْ طَعَامِ الدُّنْيَا وَلَا مِنْ طَعَامِ الْآخِرَةِ، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ افْتَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ الْغَالِبَةِ، كُلُوا مِمَّا سَأَلْتُمْ يَمْدُدْكُمْ وَيَزِدْكُمْ [٣] من فضله، فقالوا:
يَا رُوحَ اللَّهِ كُنْ أَوَّلَ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهَا، فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنَّ آكُلَ مِنْهَا وَلَكِنْ يَأْكُلُ مِنْهَا مَنْ سَأَلَهَا فَخَافُوا أَنْ يَأْكُلُوا منها، فدعا لها عيسى أَهْلَ الْفَاقَةِ وَالْمَرْضَى وَأَهْلَ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ وَالْمُقْعَدِينَ وَالْمُبْتَلِينَ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَكُمُ الْمَهْنَأُ [٤] وَلِغَيْرِكُمُ الْبَلَاءُ، فَأَكَلُوا وَصَدَرَ عَنْهَا أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ فَقِيرٍ وَمَرِيضٍ وَزَمِنٍ وَمُبْتَلًى كُلُّهُمْ شبعان، وإذ السمكة كهيئتها [٥] حين نزلت، ثم طارت الْمَائِدَةِ صُعُدًا وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا حتى توارت بالحجاب، فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا زَمِنٌ وَلَا مَرِيضٌ وَلَا مُبْتَلًى إِلَّا عُوفِيَ وَلَا فَقِيرٌ إِلَّا اسْتَغْنَى وَنَدِمَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا فَلَبِثَتْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا تَنْزِلُ ضُحًى، فَإِذَا نزلت اجتمع الْأَغْنِيَاءُ وَالْفُقَرَاءُ وَالصِّغَارُ وَالْكِبَارُ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَلَا تَزَالُ مَنْصُوبَةً يُؤَكَلُ مِنْهَا حَتَّى إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ طارت صعدا وهم ينظرون إليها فِي ظِلِّهَا حَتَّى تَوَارَتْ عَنْهُمْ، وَكَانَتْ تَنْزِلُ غِبًّا تَنْزِلُ يَوْمًا وَلَا تَنْزِلُ يَوْمًا كَنَاقَةِ ثَمُودَ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: اجْعَلْ مَائِدَتِي وَرِزْقِي لِلْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ حَتَّى شَكُّوا وَشَكَّكُوا النَّاسَ فِيهَا، وَقَالُوا: أَتَرَوْنَ الْمَائِدَةَ حَقًّا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنِّي شَرَطْتُ أَنَّ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ نُزُولِهَا عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨) [المائدة: ١١٨]، فمسخ منهم ثلاثمائة وثلاثة وَثَلَاثُونَ رَجُلًا بَاتُوا مِنْ لَيْلَتِهِمْ على فراشهم مَعَ نِسَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا خَنَازِيرَ يَسْعَوْنَ في الطرقات والكنّاسات، ويأكلون القذرة فِي الْحُشُوشِ فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ فَزِعُوا إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبَكَوْا، فَلَمَّا أَبْصَرَتِ الْخَنَازِيرُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَكَتْ وَجَعَلَتْ تُطِيفُ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَعَلَ عِيسَى يَدْعُوهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَيُشِيرُونَ بِرُءُوسِهِمْ وَيَبْكُونَ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْكَلَامِ، فَعَاشُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ هَلَكُوا [٦].
(١) في المطبوع «خافضة».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع وط «ويزيدكم».
(٤) كذا في المطبوع وط، و «الدر المنثور» (٢/ ٦١٢) وفي المخطوطين «الهنأ».
(٥) في المطبوع «بحالها».
(٦) ذكره ابن كثير في «التفسير» (٢/ ١٥٢، ١٥٤) ونسبه لابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سلمان الخير ثم قال: هذا أثر غريب جدا قطّعه ابن أبي حاتم في مواضع من هذه القصة، وقد جمعته أنا له ليكون سياقه أتم وأكمل، والله. سبحانه وتعالى أعلم.... اهـ.
104

[سورة المائدة (٥) : آية ١١٦]

وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١١٦)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، اختلفوا فِي أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَتَى يَكُونُ، فَقَالَ السُّدِّيُّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْقَوْلَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ لِأَنَّ حَرْفَ إِذْ يَكُونُ لِلْمَاضِي، وَقَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّمَا يَقُولُ اللَّهُ لَهُ هَذَا الْقَوْلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ [الْمَائِدَةِ: ١٠٩]، وقال من بعد هَذَا: يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [الْمَائِدَةَ: ١١٩]، وَأَرَادَ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ تَجِيءُ إِذْ بِمَعْنَى إِذَا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا [سبأ: ٥١]، أَيْ: إِذَا فَزِعُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْقِيَامَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَعْدُ وَلَكِنَّهَا كَالْكَائِنَةِ لِأَنَّهَا آتِيَةٌ لَا مَحَالَةَ، قَوْلُهُ: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ هَذَا السُّؤَالِ [مَعَ عِلْمِ اللَّهِ أَنَّ عِيسَى لَمْ يَقُلْهُ قِيلَ: هَذَا السُّؤَالُ] [١] عَنْهُ لِتَوْبِيخِ قَوْمِهِ وَتَعْظِيمِ أَمْرِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِآخَرَ: أَفَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا فِيمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ إِعْلَامًا وَاسْتِعْظَامًا لَا اسْتِخْبَارًا وَاسْتِفْهَامًا وَأَيْضًا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُقِرَّ عِيسَى عَلَيْهِ السلام على [٢] نفسه بالعبودية، فيسمع قومه منه وَيَظْهَرُ كَذِبُهُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمْرَهُمْ بذلك، قال أبو روق: إذا سَمِعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الْخِطَابَ أَرْعَدَتْ مَفَاصِلُهُ وَانْفَجَرَتْ مِنْ أصل كل شعرة على جَسَدِهِ عَيْنٌ مِنْ دَمٍ [٣]، ثُمَّ يَقُولُ مُجِيبًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قالَ سُبْحانَكَ، تنزيها لك وتعظيما مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْلَمُ مَا فِي غَيْبِي وَلَا أَعْلَمَ مَا فِي غَيْبِكَ، وقيل: تَعْلَمُ سِرِّي وَلَا أَعْلَمُ سِرَّكَ، وَقَالَ أَبُو رَوْقٍ:
تَعْلَمُ مَا كَانَ مِنِّي فِي دَارِ الدُّنْيَا وَلَا أَعْلَمُ مَا يَكُونُ مِنْكَ فِي الْآخِرَةِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: النَّفْسُ عِبَارَةٌ عَنْ جُمْلَةِ الشَّيْءِ وَحَقِيقَتِهِ، يَقُولُ: تَعْلَمُ جَمِيعَ مَا أَعْلَمُ مِنْ حَقِيقَةِ أَمْرِي وَلَا أَعْلَمُ حَقِيقَةَ أَمْرِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١١٧ الى ١١٨]
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ، وَحِّدُوهُ [٤] وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ، أَقَمْتُ، فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي، قَبَضْتَنِي وَرَفَعْتَنِي إِلَيْكَ، كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ، الحفيظ عَلَيْهِمْ تَحْفَظُ أَعْمَالَهُمْ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ طَلَبَ الْمَغْفِرَةَ لَهُمْ وَهُمْ كُفَّارٌ، وَكَيْفَ قَالَ: وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِسُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ، قِيلَ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَعْنَاهُ إِنَّ تُعَذِّبْهُمْ بِإِقَامَتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ بعد الإيمان، وهذا يستقيم
قلت: هو متلقى عن أهل الكتاب.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المطبوع «عن». [.....]
(٣) هذا وأمثاله من الإسرائيليات.
(٤) في المطبوع «وحده».
عَلَى قَوْلِ السُّدِّيِّ: إِنَّ هَذَا السُّؤَالَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَنْفَعُ فِي الْقِيَامَةِ، وقيل: هذا في الفريقين مِنْهُمْ مَعْنَاهُ: إِنْ تُعَذِّبْ مَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَغْفِرْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: لَيْسَ هَذَا عَلَى وَجْهِ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ وَلَوْ كان كذلك لقال: [إنك] [١] أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَلَكِنَّهُ عَلَى تَسْلِيمِ الْأَمْرِ وَتَفْوِيضِهِ إِلَى مُرَادِهِ، وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأُ «وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَعْرُوفَةِ قِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ: وإن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ فِي الْمُلْكِ الْحَكِيمُ فِي الْقَضَاءِ لَا يَنْقُصُ مِنْ عِزِّكَ شَيْءٌ، وَلَا يَخْرُجُ مَنْ حكمك وَيُدْخِلُ فِي حِكْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَسِعَةِ رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ الْكُفَّارَ [٢]، لَكِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ خَبَرَهُ.
«٨٥٥» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي يُونُسُ بن عبد الأعلى الصدفي [٣] حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو [٤] بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيمَ: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي [إبراهيم: ٢٦] الْآيَةَ، وَقَوْلَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨)، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي وَبَكَى»، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يبكيه، فأتاه جبريل فسأله، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
«يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ في أمتك ولا نسوءك».
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١١٩ الى ١٢٠]
قالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٢٠)
قالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ، قَرَأَ نَافِعٌ «يَوْمَ» بِنَصْبِ الْمِيمِ، يَعْنِي: تَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي يَوْمٍ، فَحَذَفَ فِي فَانْتَصَبَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ هَذَا، أَيْ: يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ فِي الدُّنْيَا صِدْقُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَلَوْ كَذَبُوا خَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَنَطَقَتْ بِهِ جَوَارِحُهُمْ فَافْتُضِحُوا، وَقِيلَ: أراد [٥] بِالصَّادِقِينَ النَّبِيِّينَ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانُهُمْ، قَالَ قَتَادَةُ: مُتَكَلِّمَانِ يخطبان [٦] يوم القيامة عيسى
٨٥٥- إسناده صحيح على شرط مسلم.
ابن وهب هو عبد الله.
وهو في «شرح السنة» ٤٢٣٣ بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٢٠٢ عن يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ به.
وأخرجه ابن منده في «الإيمان» ٩٢٤ وابن حبان ٧٢٣٤ و٧٢٣٥ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٤٦٠ من طرق عن ابن وهب به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «للكفار».
(٣) وقع في الأصل «الصيرفي» والتصويب عن «شرح السنة» و «صحيح مسلم».
(٤) وقع في الأصل «عمر» والتصويب من «شرح السنة» و «صحيح مسلم» وغيرهما.
(٥) تصحف في المطبوع «أرادوا».
(٦) في المطبوع وط «لا يخطئان».
106
عليه السلام، هو ما قصّ الله، وَعَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ [إبراهيم: ٢٢] الْآيَةَ، فَصَدَقَ عَدُوُّ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ كَاذِبًا فَلَمْ يَنْفَعْهُ صِدْقُهُ، وَأَمَّا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكَانَ صَادِقًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَنَفَعَهُ صِدْقُهُ، وَقَالَ عَطَاءٌ [١] : هَذَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا لِأَنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ دَارُ جَزَاءٍ لَا دَارَ عَمَلٍ، ثُمَّ بَيَّنَ ثَوَابَهَمْ فَقَالَ: لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، ثُمَّ عَظَّمَ نَفْسَهُ.
فَقَالَ: لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٢٠).
سُورَةُ الْأَنْعَامِ
مَكِّيَّةٌ، وَهِيَ مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَسِتُّونَ آيَةً.
«٨٥٦» نَزَلَتْ بِمَكَّةَ جُمْلَةً لَيْلًا مَعَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ قَدْ سَدُّوا مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ، لَهُمْ زَجَلٌ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَخَرَّ سَاجِدًا».
«٨٥٧» وَرُوِيَ مَرْفُوعًا: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْأَنْعَامِ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُولَئِكَ السَّبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ».
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ بِمَكَّةَ، إِلَّا قَوْلَهُ:
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الْأَنْعَامِ: ٩١- ٩٣]، إِلَى آخِرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ، وَقَوْلَهُ تعالى: قُلْ تَعالَوْا إلى قوله:
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: ١٥١- ١٥٣]، فهذه الستّ آيات مدنيات [٢].
٨٥٦- ضعيف. أخرجه الطبراني في «الأوسط» ٦٤٤٣ وابن مردويه كما في «تفسير ابن كثير» (٢/ ١٥٩) من حديث أنس.
وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠٩٩٢: رواه الطبراني عن شيخه مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عرس عن أحمد بن محمد السالمي، ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات اهـ.
قلت: ابن عرس توبع عند ابن مردويه، فانحصر الإسناد في أحمد السالمي، وقد تفرد به.
وفي الباب من حديث ابن عمر عند الطبراني في «الصغير» ٢٢٠ وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠٩٩١: وفيه يوسف بن عطيّة الصفّار، وهو ضعيف اهـ بل متروك.
ومن حديث جابر عند الحاكم (٢/ ٣١٥)، وصححه، ورده الذهبي بقوله: لا والله لم يدرك جعفر السدي، وأظن هذا موضوعا اهـ.
٨٥٧- باطل. أخرجه الواحدي في «الوسيط» (٢/ ٢٥٠) وفيه سلام بن سلم المدائني متروك، وشيخه هارون بن كثير مجهول كما في «الميزان» ٦١٦٩ وقد حكم ابن الجوزي بوضعه انظر «الموضوعات» (١/ ٢٤٠)، وهو كما قال.
(١) في المطبوع و، أ «بعضهم».
(٢) لا أصل له عن ابن عباس، الكلبي هو محمد بن السائب متروك منهم وأبو صالح لم يلق ابن عباس، وقد رويا عن ابن عباس تفسيرا موضوعا.
107
Icon