بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المنافقونمدنية
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المنافقونمدنية
قوله تعالى: ﴿إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله﴾. إلى آخر السورة.
أي: إذا جاءك - يا محمد - المنافقون فأقروا أنك رسول الله، فالله يعلم أنك لرسوله، ولكن الله يشهد أن المنافقين لكاذبون في ما أظهروا إليك من الإقرار، لأن باطنهم على خلاف ما أظهروا. وأعيد ذكر الله ثانية ولم يضمر للتفخيم
ثم قال تعالى: ﴿اتخذوا أَيْمَانَهُمْ (جُنَّةً)﴾.
أي: جعلوا ما أظهروا من الإيمان جُنَّةً يمتنعون به من القتل والسبي، هي الإيمان المذكورة في سورة براءة، وهو حلفهم بالله [ما قالوا، وحلفهم]: ﴿إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ﴾ [التوبة: ٥٦].
قال الضحاك: هي حلفهم بالله إنهم لمنكم.
ومعنى ﴿جُنَّةً﴾ سُتْرة يستترون بها كما يستتر [المستجن] بِجُنَّتِه في الحرب، فامتنعوا بأيمانهم من القتل والسَّبْيِ.
- ثم قال تعالى: ﴿فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾.
- ﴿إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.
أي: بئس عملهم.
- ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ﴾.
أي: ذلك الحلف والنفاق من أجل أنهم آمننوا بألسنتهم ثم كفروا بقلوبهم، فختم الله على قلوبهم، ﴿فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ﴾ صواباً من خطأ، ولا حقاً من باطل لغلبة الهوى عليهم.
وأعلمنا الله جل ذكره في هذه الآية (أن) النفاق كُفْرٌ، بقوله: ﴿ثُمَّ كَفَرُوا﴾.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾.
العامل في " (إذا) " من قوله [﴿إِذَا جَآءَكَ﴾] و ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ﴾ وشِبْهِه: الفعلُ الذي بعدهما. وفيهما معنى المجازاة، للإبهام الذي فيهما، وإذا كان فيهما معنى المجازاة لم يضافا إلى ما بعدهما. وإذا لم يضافا فأحسنُ أن يعمل ما بعدهما فيهما، إلا أنه لا
والمعنى: وإذا رأيت - يا محمد - هؤلاء المنافقين تعجبك أجسامهم لاستواء خلقها وحسن صورتها ﴿وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ كما تسمع كلام غيرهم من أهل الإيمان فتظنه حقاً.
- ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ﴾.
أي لاخير عندهم ولا علم، إنما هم صور وأشباح [بلا فهم] ولا علم ولا عقل.
ثم قال: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾.
- ثم قال تعالى: ﴿هُمُ العدو فاحذرهم﴾.
- ثم قال تعالى: ﴿[قَاتَلَهُمُ] الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾.
أي: عاقبهم الله فأهلكهم فصاروةا بمنزلة من قتل، من أين يص (رفو) ن/ عن الحق بعد ظهور البراهين والحجج.
- ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ﴾.
أي: وإذا قال المؤمنون لهؤلاء المنافقين: تعالوا: إلى رسول الله [يستغفر لكم الله]، تولوا وأعرضوا وحركوا رؤوسهم وهزوها استهزاءً برسول الله وباسغفاره ﴿وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾.
ومن شدد ﴿لَوَّوْاْ﴾ فمعناه أنهم [كرروا] هز رؤوسهم وتحريكها. وهذه
[أي] مُسْتَوٍ الاستغفار منك - يا محمد - لهم وتركه، لأن الله لا يغفر لهم؛ لأنهم على كفرهم مقيمون، وإنما المغفرة للمؤمنين.
(وكن النبي) ﷺ قد استغفر لهم لأنهم أظهروا له الإسلام.
- ثم قال: ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين﴾.
أي: لا يوفق القوم الذين خرجوا عن طاعته.
" قال ابن عباس: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ﴾ الآية: نزلت بعد الآية (التي) في " براءة "، قوله: ﴿أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ الآية، فقال النبي ﷺ: " سوف أستغفر لهم زيارة على سبعين، فأنزل الله هنا ﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ﴾ الآية " فلم يبق للاستغفار لهم وجه.
هذا قول [عبد] الله بن أُبَيْ لأصحابه المنافقين، [قال (لأصحابه]: لا تنفقوا على المهاجرين حتى ﴿يَنفَضُّواْ﴾: يتفرقوا عن محمد.
- ثم قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السماوات والأرض﴾.
(أي): جميع ما فيهما، وبيده مفاتيح خزائن كل شيء، لا يعطي أحد أحداً شيئاً إلا بإذنه، ولا يمنع أحد أحداً شيئاً إلا بإذنه.
ثم قال: ﴿ولكن المنافقين لاَ يَفْقَهُونَ﴾.
(أي: لا يفقهون) أن كل شيء بيد الله تحت قدرته. فلذلك يقولون هذا.
- ثم قال: ﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل﴾.
أي: يقول هؤلاء المنافقون: لئن رجعنا إلى مدينتنا ليخرجن منها العزيز [الذليل].
وقد أجاز يونس: مررت به [المسكين] بالنصب على الحال.
- ثم قال: ﴿وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
أي: ولله العزة والشدة ولرسوله والمؤمنين.
﴿ولكن المنافقين لاَ يَعْلَمُونَ﴾.
(أي): لا يعلمون ذلك.
روي أن عبد الله بن عبد الله بن أُبيِّ كان من المؤمنين حقاً، وأنه لما [أُتِيَ] بأبيه إلى النبي ﷺ، فوبخه على ما بلغه، فأنكر ذلك عبد الله وحلف، قال له
" وروي أنه أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول لله، بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ الهِ أَبي فِيمَا بَلَغَكَ عَنْهُ، فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلاً فُمُرْنِي، فَأَنَا أَحْمِلُ لَكَ رَأْسَهُ. فَوَاللهِ، لَقَدْ عَلِمَتِ الخَزْرَجُ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ رَجُلٍ أَبَرَّ بِوَالِدِهِ مِنِّي، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ فَلاَ تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى قَاتِلِ أَبِي يَمْشِي فِي النَّاسِ فَأَقْتُلَهُ فَأَقْتُلَهُ فَأَقْتُلَ مُؤْمِناً بِكَافِرٍ فَأَدْخُلَ النَّارَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولَ اللهِ: نَرْفُقُ بِهِ وَنُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا. [ثُمَّ
. " ثم قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ الله﴾.
قال عطاء والضحاك: ﴿عَن ذِكْرِ الله﴾: عن الصلوات الخمس.
أي: لا يشغلكم اللهو [بها] والمحبة لها، والاشتغال عن الصلوات المفروضات.
- ثم قال: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فأولئك هُمُ الخاسرون﴾.
أي/ ومن يغشله (ماله وولده عما فرض الله عليه من الصلوات وعن ذكر الله فأولئك هم ([المغبونون] حظوظهم من كرامة) الله ورحمته.
- ثم قال: ﴿وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الموت فَيَقُولُ رَبِّ لولا أخرتني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصالحين﴾.
أي: وتصدقوا أيها المؤمنون (مما رزقناكم)، وأنفقوا في سبيل الله [مما] خَوّلَكم الله من أموالكم من قبل أن تموتوا، فيقول أحدكم: يا رب، هلا أخرتني
فيسأل الرجعة حين لا رجعة.
(وقيل: المعنى: هلا مددت لي في العمر فأتصدق وأكن من الصالحين)، قيل: [معنى] ﴿وَأَكُن مِّنَ الصالحين﴾ أحج بيتك الحرام.
قال ابن عباس: ما من أحد يموت ولم يؤد الزكاة ولم يحج إلا سأل الكرة، ثم قرأ هذه الآية: قال: فقوله: [﴿فَأَصَّدَّقَ﴾] أي: أؤدي الزكاة، وقوله: ﴿وَأَكُن مِّنَ الصالحين﴾: أحج.
قال الضحاك: هو المؤمن ينزل به الموت وله مال كثير لم يزكه ولم يحج منه ولم
- قال تعالى: ﴿وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ﴾.
أي: لا يؤخر الله في أجل أحد فيمد له [فيه] إذا حضر أجله.
وعن ابن عباس: ﴿وَأَكُن مِّنَ الصالحين﴾: أؤدي الفرائض، [وأجتنب] الحرام. والتقدير في العربية: " وأكون صالحا من الصالحين ".
أي: ذو خبر وعلم بأعمال خلقه، محيط بها فمجازيهم عليها.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة التغابنمدنية على قول قتادة، ومكية على قول ابن عباس إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي شكا إلى النبي - ﷺ - جفاء أهله وولده، فأنزل الله جلّ ذكره (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ) [١٤] إلى آخرها.