تفسير سورة الكوثر

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
وهي مكية، قاله ابن عباس والجمهور، وقيل : إنها مدنية، قاله الحسن وعكرمة وقتادة. وهي ثلاث آيات، وعشر كلمات، واثنان وأربعون حرفا.

سورة الكوثر
وهي مكية قاله ابن عباس والجمهور، وقيل إنها مدنية قاله الحسن وعكرمة، وقتادة وهي ثلاث آيات وعشر كلمات واثنان وأربعون حرفا بسم الله الرّحمن الرّحيم
[سورة الكوثر (١٠٨): الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)
قوله عزّ وجلّ: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ نهر في الجنة أعطاه الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وقيل الكوثر القرآن العظيم، وقيل هو النّبوة، والكتاب، والحكمة، وقيل هو كثرة أتباعه، وأمته، وقيل الكوثر الخير الكثير كما فسره ابن عباس (خ) عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه، قال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير أن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه، وأصل الكوثر فوعل من الكثرة، والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو كثير القدر والخطر كوثرا، وقيل الكوثر الفضائل الكثيرة التي فضل بها على جميع الخلق فجميع ما جاء في تفسير الكوثر فقد أعطيه النبي صلّى الله عليه وسلّم أعطي النبوة، والكتاب، والحكمة، والعلم، والشفاعة، والحوض المورود، والمقام المحمود، وكثرة الأتباع، والإسلام، وإظهاره على الأديان كلها، والنّصر على الأعداء، وكثرة الفتوح في زمنه وبعده إلى يوم القيامة.
وأولى الأقاويل في الكوثر الذي عليه جمهور العلماء، أنه نهر في الجنة كما جاء مبينا في الحديث (ق) عن أنس قال «بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءه ثم رفع رأسه متبسما، فقلنا ما أضحكك يا رسول الله قال أنزلت عليّ آنفا سورة، فقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ، ثم قال أتدرون ما الكوثر، قلنا الله ورسوله أعلم قال، فإنه نهر وعدنيه ربي عزّ وجلّ فيه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة. آنيته عدد نجوم السماء، فيختلج العبد منهم، فأقول رب إنه من أمتي.
فيقول ما تدري ما أحدث بعدك»
لفظ مسلم وللبخاري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لما عرج بي إلى السّماء أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فإذا طينه أو طينته مسك أذفر» شك الراوي عن أنس رضي الله عنه قال «سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما الكوثر قال ذلك نهر أعطانيه الله يعني في الجنة أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل فيه طير أعناقها كأعناق الجزور، قال عمر إن هذه لناعمة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أكلتها أنعم منها» أخرجه التّرمذي، وقال حديث حسن صحيح.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر، والياقوت تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج» أخرجه التّرمذي، وقال حديث حسن صحيح
480
(خ) «عن عامر بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال سألت عائشة عن قوله تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، فقالت الكوثر نهر أعطيه نبيكم صلّى الله عليه وسلّم شاطئاه در مجوف آنيته كعدد نجوم السماء» (ق) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء من شرب منها لا يظمأ أبدا» زاد في رواية «وزواياه سواء» (ق) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «أمامكم حوضي ما بين جنبيه كما بين جربا وأذرح» قال بعض الرواة هما قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاثة أيام، وفي رواية «فيه أباريق كنجوم السّماء من ورده فشرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا» (ق) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «ما بين ناحيتي وفي رواية لابتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة» وفي رواية «مثل ما بين المدينة وعمان» وفي رواية قال «إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء» (م) عن أبي ذر رضي الله عنه قال «قلت يا رسول الله ما آنية الحوض قال والذي نفسي بيده لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء، وكواكبها ألا في الليلة المظلمة المصحية آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة من شرب منه لم يظمأ عرضه، مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل» (م) عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي، أي حتى يرفض عليهم، فسئل عن عرضه فقال من مقامي إلى عمان وسئل عن شرابه فقال أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما: من ذهب، والآخر من الورق» (ق) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أنا فرطكم على الحوض وليرفعن إلى رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول أي ربي أصحابي، فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» (ق) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «قال ليردن عليّ الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رفعوا إليّ اختلجوا دوني، فلأقولن أي رب أصحابي أصحابي فليقالن لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» وفي رواية «يردن عليّ ناس من أمتي الحديث» وفي آخره «فأقول سحقا لمن بدل بعدي» (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «يرد عليّ يوم القيامة رهطان من أصحابي أو قال من أمتي فيجلون عن الحوض، فأقول رب أصحابي، فيقول إنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى» ولمسلم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «ترد عليّ أمتي الحوض، وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله قالوا أيا نبي الله تعرفنا قال نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم تردون على غرّا محجلين من آثار الوضوء وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون إليّ فأقول يا رب هؤلاء من أصحابي فيجيبني ملك فيقول وهل تدري ما أحدثوا بعدك» (ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «والذي نفسي بيده لأذودن رجالا عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض» (م) عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «إن حوضي لأبعد من أيلة إلى عدن، والذي نفسي بيده لأذودن عنه الرجل كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن إبله قالوا يا رسول الله وتعرفنا؟ قال نعم تردون على غرّا محجلين من آثار الوضوء ليس لأحد غيركم» عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال «كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلنا منزلا فقال ما أنتم إلا جزء من مائة
ألف جزء ممن يرد على الحوض، قيل كم كنتم يومئذ قال سبعمائة أو ثمانمائة»
أخرجه أبو داود.
(فصل في شرح هذه الأحاديث وذكر ما يتعلق بالحوض) قال الشّيخ محيي الدّين النّووي: قال القاضي عياض أحاديث الحوض صحيحة، والإيمان به فرض، والتصديق به من الإيمان، وهو على ظاهره عند أهل السنة، والجماعة لا يتأول، ولا يختلف فيه، وحديثه متواتر النقل رواه الخلائق من الصحابة، فذكره مسلم من رواية ابن عمر وأبي سعيد، وسهل بن سعد، وجندب بن
481
عبد الله، وعبد الله بن عمر وعائشة وأم سلمة، وعقبة بن عامر، وابن مسعود، وحذيفة، وحارثة بن وهب، والمستورد وأبي ذر وثوبان، وأنس، وجابر بن سمرة، ورواه غير مسلم من رواية أبي بكر الصّديق وزيد بن أرقم وأبي أمامة وعبد الله بن زيد وأبي برزة وسويد بن حبلة وعبد الله بن الصنابحي والبراء بن عازب وأسماء بنت أبي بكر الصّديق وخولة بنت قيس وغيرهم، قال الشيخ محيي الدّين، ورواه البخاري ومسلم أيضا من رواية أبي هريرة ورواه غيرهما من رواية عمر بن الخطاب وعائذ بن عمرو وآخرين، وقد جمع ذلك كله الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور بأسانيده وطرقه المتكاثرة قلت وقد اتفقا على إخراج حديث الحوض وعن جماعة ممن تقدم ذكرهم من الصّحابة على ما سبق ذكره في الأحاديث، وفيه بيان ما اتفقا عليه، وانفرد به كل واحد منهما، وأخرجا أيضا حديث الحوض عن أسماء بنت أبي بكر الصّديق وذكرها القاضي عياض، فيمن خرج له في غير الصحيحين قال القاضي عياض وفي بعض هذا ما يقتضي كون الحديث متواترا، وأما صفة الحوض ومقداره فقد قال في رواية «حوضي مسيرة شهر وفي رواية ما بين جنبيه كما بين جرباء، وأذرح، وفي رواية كما بين أيلة، وصنعاء اليمن، وفي رواية عرضه مثل طوله ما بين عمان إلى أيلة، وفي رواية إن حوضي لأبعد من أيلة إلى عدن» فهذا الاختلاف في هذه الروايات في قدر الحوض ليس موجبا للاضطراب فيها لأنه لم يأت في حديث واحد بل في أحاديث مختلفة الرواة عن جماعات من الصّحابة سمعوها من النبي صلّى الله عليه وسلّم في مواطن مختلفة ضربها النبي صلّى الله عليه وسلّم مثلا لبعد أقطار الحوض وسعته وقرب ذلك على أفهام السامعين لبعد ما بين هذه البلاد المذكورة لأعلى التقدير الموضوع للتحديد بل لإعلام السامعين عظم بعد المسافة وسعة الحوض وليس في ذكر القليل من هذه المسافة منع من الكثير، فإن الكثير ثابت على ظاهره، وصحت الرواية به، والقليل داخل فيه فلا معارضة، ولا منافاة بينهما وكذلك القول في آنية الحوض من أن العدد المذكور في الأحاديث على ظاهره، وأنها أكثر عددا من نجوم السّماء ولا مانع يمنع من ذلك إذ قد وردت الأحاديث الصّحيحة الثّابتة بذلك وكذلك القول في الواردين إلى الحوض الشّاربين منه، وكثرتهم وقوله صلّى الله عليه وسلّم «ما أنتم إلا جزء من مائة ألف جزء ممن يرد الحوض» لم يرد به الحصر بهذا العدد المذكور وإنما ضربه مثلا لأكثر العدد المعروف للسّامعين ويدل على هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم «من ورد شرب منه» فهذا صريح في أن جميع الواردين يشربون، وإنما يمنع منه الذين يزدادون، ويمنعون الورود لارتدادهم، وتبديلهم وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم «فيختلج العبد منهم فأقول رب إنه من أمتي، فيقول ما تدري ما أحدث بعدك، وفي رواية وليرفعن إلى رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول أي رب أصحابي، فيقول إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ونحو هذا من الروايات المذكورة في الأحاديث السابقة، وهذا مما اختلف العلماء في معناه، وفي المراد به من هم، فقيل المراد بهم المنافقون، والمرتدون في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيحتمل أنهم إذا حشروا عرفهم النبي صلّى الله عليه وسلّم للسيما التي عليهم فيناديهم، فيقال له ليس هؤلاء ممن وعدت بهم إنهم قد بدلوا بعدك، أي لم يكونوا على ما ظهر من إسلامهم، وقيل المراد بهم من أسلموا في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم ارتدوا بعده في زمن أبي بكر الصّديق وهم الذين قاتلهم على الردة، وهم أصحاب مسيلمة الكذاب، فيناديهم النبي صلّى الله عليه وسلّم لما كان يعرفه من
إيمانهم في حياته فيقال له قد ارتدوا بعدك، وقيل المراد بهم أصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام، وأصحاب المعاصي، والكبائر الذين ماتوا على التّوحيد، ولم يتوبوا من بدعتهم ومعاصيهم فعلى هذا القول لا يقطع لهؤلاء المطرودين عن الحوض بالنّار بل يجوز أن يزادوا عنه عقوبة لهم ثم يرحمهم الله، فيدخلهم الجنة من غير عذاب، وقال ابن عبد البر كل من أحدث في الدين كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الأهواء فهو من المطرودين عن الحوض قال وكذلك الظلمة المسرفون في الجور، وغمط الحق، والمعلنون بالكبائر فكل هؤلاء يخاف أن يكونوا ممن عنى بهذا الحديث وقوله من شرب منه لم يظمأ أبدا قال القاضي عياض: ظاهر هذا الحديث أن الشرب منه يكون بعد الحساب، والنجاة من النار، ويحتمل أن من شرب
482
منه من هذه الأمة وقدر عليه دخول النار لا يعذب فيها بالظمأ بل يكون عذابه بغير ذلك لأن ظاهر الحديث أن جميع الأمة تشرب منه إلا من ارتد، وصار كافرا، وقيل إن جميع المؤمنين يأخذون كتبهم بأيمانهم، ثم يعذب الله من شاء من عصاتهم، وقيل إنما يأخذ بيمينه الناجون منهم خاصة، والشرب من الحوض مثله.
(شرح غريب ألفاظ الأحاديث) قوله فيختلج العبد منهم، أي ينتزع ويجذب منهم، قوله ما بين جنبيه كما بين جربا، وأذرح أما جربا فبجيم ثم راء ساكنة ثم باء موحدة ثم ألف مقصورة، ووقع عند بعض رواة البخاري فيها المد والقصر أولى، وهي قرية من الشام، وأما أذرح فبهمزة ثم ذال معجمة ثم راء ثم حاء مهملة، وهي في طرف الشام قريب من الشّوبك، وأما عمان فبفتح العين وتشديد الميم بليدة بالبلقاء من أرض الشّام، وأما أيلياء فبفتح الهمزة وإسكان المثناة تحت وفتح اللام مدينة معروفة في طرف الشام على ساحل البحر متوسطة بين دمشق ومصر بينها وبين المدينة نحو خمس عشرة مرحلة وبينها وبين مصر ثمان مراحل وإلى دمشق اثنا عشر مرحلة وهي آخر الحجاز وأول الشّام، وأما صنعاء فهي قاعدة اليمن، وأكبر مدنه، وإنما قيد باليمن في الحديث لأن بدمشق موضعا يعرف بصنعاء دمشق وقد تقدم الكلام على اختلاف هذه المسافات والجمع بين رواتها قوله يشخب فيه ميزابان هو بفتح الياء المثناة تحت وبالشين والخاء المعجمتين، أي يسيل فيه وفي الحديث الآخر يغت بفتح الياء وبالغين المعجمة وكسرها، وتشديد التاء المثناة فوق، أي يدفق منه ميزابان تدفقا شديدا متتابعا قوله إني لبعقر حوضي هو بضم العين المهملة، وإسكان القاف وهو موقف الإبل من الحوض إذا وردته للشرب، وقيل هو مؤخر الحوض قوله أذود الناس، أي أضرب الناس لأهل اليمن بعصاي حتى يرفض عليهم، معناه أطرد الناس عنه غير أهل اليمن، ومعنى يرفض أي يسيل عليهم، وفيه منقبة عظيمة لأهل اليمن قوله أنا فرطكم على الحوض الفرط بفتح الفاء والراء هو الذي يتقدم على الواردين ليصلح لهم الحياض، والدّلاء ونحوها من آلات الاستقاء، والمعنى أنا سابقكم على الحوض كالمهيئ له قوله سحقا، أي بعدا وفيه دليل لمن قال إنهم أهل الردة إذ لا يقال للمؤمن سحقا بل يشفع قلت في حديث أنس الأول دليل لمن يقول أن سورة الكوثر مدنية وهو الأظهر لقوله بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا إذا أغفى إغفاءه يعني نام نومة ثم رفع رأسه متبسما والله أعلم.
قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ معناه أن ناسا كانوا يصلون لغير الله تعالى وينحرون لغير الله فأمر الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يصلي له وينحر له متقربا إلى ربه بذلك، وقيل معناه فصل لربك صلاة العيد يوم النحر، وانحر نسكك، وقيل معناه فصل الصّلاة المفروضة بجمع، وانحر البدن بمنى وقال ابن عباس: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ أي ضع يدك اليمنى على اليسرى في الصّلاة عند النّحر، وقيل هو رفع اليدين مع التّكبير إلى النّحر حكاه ابن الجوزي، ومعنى الآية قد أعطيتك ما لا نهاية لكثرته من خير الدّارين وخصصتك بما لم أخص به أحدا غيرك، فاعبد ربك الذي أعطاك هذا العطاء الجزيل، والخير الكثير، وأعزك، وشرفك على كافة الخلق، ورفع منزلتك فوقهم فصل له واشكره على إنعامه عليك، وانحر البدن متقربا إليه إِنَّ شانِئَكَ يعني عدوك ومبغضك هُوَ الْأَبْتَرُ يعني هو الأذل المنقطع دابره نزلت في العاص بن وائل السهمي وذلك أنه رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم خارجا من المسجد وهو داخل فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد فلما دخل العاص قالوا له من الذي كنت تتحدث معه فقال ذلك الأبتر يعني به النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان قد توفي ابن لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من خديجة، وقيل إن العاص بن وائل كان إذا ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل الله تعالى هذه السّورة وقال ابن عباس: نزلت في كعب بن الأشرف، وجماعة من قريش، وذلك أنه لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش نحن أهل السقاية والسدانة وأنت سيد أهل المدينة فنحن خير أم هذا الصّنبور المنبتر
483
من قومه، فقال أنتم فنزلت فيه أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ونزلت في الذين قالوا إنه أبتر إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ أي المنقطع من كل خير قولهم في النبي صلّى الله عليه وسلّم هذا الصّنبور أرادوا أنه فرد ليس له ولد، فإذا مات انقطع ذكره شبهوه بالنخلة المفردة يدق أسفلها، وتسمى الصنبور، وقيل هي النّخلة التي تخرج في أصل أخرى تغرس، وقيل الصّنابر سعفات تنبت من جذع النّخلة تضربها ودواؤها أن تنقطع تلك الصّنابر منها فأراد كفار مكة أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم بمنزلة الصّنابر تنبت في جذع نخلة فإذا انقلع استراحت النّخلة فكذا محمد إذا مات انقطع ذكره، وقيل الصّنبور الوحيد الضعيف الذي لا ولد له ولا عشيرة ولا ناصر من قريب ولا غريب فأكذبهم الله تعالى في ذلك ورد عليهم أشنع رد فقال إن شانئك يا محمد هو الأبتر الضعيف الوحيد، الحقير، وأنت الأعز، الأشرف الأعظم، والله أعلم بمراده.
484
قوله تعالى :﴿ فصل لربك وانحر ﴾ معناه أن ناساً كانوا يصلون لغير الله تعالى، وينحرون لغير الله، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي له وينحر له متقرباً إلى ربه بذلك، وقيل : معناه فصل لربك صلاة العيد يوم النحر، وانحر نسكك، وقيل : معناه فصل الصّلاة المفروضة بجمع، وانحر البدن بمنى. وقال ابن عباس :﴿ فصل لربك وانحر ﴾ أي ضع يدك اليمنى على اليسرى في الصّلاة عند النّحر. وقيل : هو رفع اليدين مع التكبير إلى النّحر، حكاه ابن الجوزي. ومعنى الآية قد أعطيتك ما لا نهاية لكثرته من خير الدّارين، وخصصتك بما لم أخص به أحداً غيرك، فاعبد ربك الذي أعطاك هذا العطاء الجزيل، والخير الكثير، وأعزك، وشرفك على كافة الخلق، ورفع منزلتك فوقهم، فصل له واشكره على إنعامه عليك، وانحر البدن متقرباً إليه.
﴿ إن شانئك ﴾ يعني عدوك ومبغضك ﴿ هو الأبتر ﴾ يعني هو الأذل المنقطع دابره، نزلت في العاص بن وائل السهمي، وذلك أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم خارجاً من المسجد وهو داخل فالتقيا عند باب بني سهم، وتحدثا، وأناس من صناديد قريش جلوس في المسجد، فلما دخل العاص قالوا له : من الذي كنت تتحدث معه ؟ فقال : ذلك الأبتر، يعني به النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد توفي ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة، وقيل : إن العاص بن وائل كان إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دعوه، فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل الله تعالى هذه السّورة، وقال ابن عباس : نزلت في كعب بن الأشرف، وجماعة من قريش، وذلك أنه لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش : نحن أهل السقاية والسدانة، وأنت سيد أهل المدينة، فنحن خير أم هذا الصّنبور المنبتر من قومه، فقال : أنتم، فنزلت فيه﴿ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ﴾[ النساء : ٥١ ] ونزلت في الذين قالوا : إنه أبتر ﴿ إن شانئك هو الأبتر ﴾ أي المنقطع من كل خير. قولهم في النبي صلى الله عليه وسلم : هذا الصّنبور، أرادوا أنه فرد ليس له ولد، فإذا مات انقطع ذكره، شبهوه بالنخلة المفردة يدق أسفلها، وتسمى الصنبور، وقيل : هي النّخلة التي تخرج في أصل أخرى تغرس، وقيل : الصّنابر سعفات تنبت من جذع النّخلة تضربها، ودواؤها أن تنقطع تلك الصّنابر منها، فأراد كفار مكة أن محمداً صلى الله عليه وسلم بمنزلة الصّنابر تنبت في جذع نخلة، فإذا انقلع استراحت النّخلة، فكذا محمد إذا مات انقطع ذكره، وقيل : الصّنبور الوحيد الضعيف الذي لا ولد له ولا عشيرة، ولا ناصر من قريب ولا غريب، فأكذبهم الله تعالى في ذلك، ورد عليهم أشنع رد، فقال : إن شانئك يا محمد هو الأبتر الضعيف الوحيد، الحقير، وأنت الأعز، الأشرف الأعظم، والله أعلم بمراده.
Icon